تشن الان حرب شديدة وضارية على العمل الطوعي فى السودان مفادها الأخير أن هذا العمل هو اتساق مع خط الحكومة وتبني غير مباشر لواجبات الحكومة وعملا فى اتجاه يجعلها تفر من المسئولية المباشرة الى التنعم فى الخير وقضاء الحوجات التى يقدمها بدلا عنها نشطاء وناشطات العمل الطوعي ثم تدعي إكتمال الأداء وتنسب الفضل لها. الناظر لحال البلاد بعمومية وراغب فى التغيير يري ذلك ، بل وصل الحال ان بعض السياسيين نظموا حملات إعلامية لمحاربة ظاهرة العمل الطوعي وعزفوا على وتر الابتعاد عنه وتركه حتي لايتم إطالة عمر النظام لكن .. يقوم العمل الطوعي فى السودان فى أكبر تجلياته فى مبادرة شارع الحوادث والتى تهتم بالشان الصحي ونشأت فى شارع الحوادث الخرطوم كرد فعل لحالة الغلاء الفاحش فى الدواء وكثرة السائلين عليه وبشاعة الإحتمال بأن يموت انسان ما لعدم توفر (حق العلاج) عنده ، بل وتوفي أناس فعلا ولايزالون. هذا العمل سرعان ماتطور وأصبحت المبادرة تقدم خدمات صيانة للمستشفيات وعنابرها وتمتلك عربة إسعاف خاصة بها وتقيم حملات تبرع الدم وغيره ، مما يغطي فعلا على أدوار هي من صميم عمل الحكومات ويؤديه بالنيابة عنها ويسحب كمية من الطاقات التي ربما افادت احزابها وافكارها.وقد حاربت الحكومة هذه المبادرة وغيرها فى فترة ثم رجعت لمهادنتها فى أخرى. والعمل الطوعي هو ظاهرة صحية وضرورية فى المجتمعات شأنه شأن كل عمل منظمات المجتمع المدني ، والطوعي منها محصور فى ظاهرة اكثر حساسية وهي وجود الكارثة او المشكلة التى تستدعي التدخل فى شانها ومعالجتها من ناشطي هذا المجال. هذا يعني بالضرورة ان هذه المنظمات ماكانت لتوجد لولا وجود كارثة ومصيبة حقيقية فى شارع بلادها وظاهرة يومية مفادها ضرورة هذا العمل ، وهو يطرح سؤالا اليوم بعد مرور هذه السنوات عليه : لو تخلى الناشطون عن هذا المجال هل ستقوم الحكومة بدورها وواجباتها وتنهي الأزمة !!؟؟ أم ستظل المشكلة قائمة ! العمل الطوعي لايصب نهاية فى مصلحة الحكومة فهو يعريها ويفضحها ويكشفها للمواطن الذي بدلا من تلقي الخدمات من الحكومة يتلقاها من منظمات، ويوضح لأي درجة هي مبتعدة عن دورها الأصيل فى قطاع الخدمات ، هذا لو قدم العمل الطوعي باحترافية ومهنية عالية. والعمل الطوعي أيضا يجب عليه التعامل بآليات ضبط حساسة وعلمية فى تحديد الأولويات وتقديمها ، وهذا يعني وجود كادر مدرب ومؤهل على عمله لا (طيب وحساس) فقط . الأول يؤدي عمله بطاقة أقل ودراية اكبر وفائدة اشمل ،والثاني بإندفاع أكثر وعاطفة كبيرة وكفاءة قليلة ويهدر طاقة أكبر في ظل أداء أقل. والعمل الطوعي بحاجة الى التركيز أكثر قليلا فى مجال رفع قدرات ومعارف متلقي خدماته وإطلاعهم على حقيقة أنهم غير مدعومين من الحكومة وهي تتهرب فى كل لحظة من مواطنيها وواجبها ويتصدي لتلك المسئولية هؤلاء الشباب ، حتي يتعرف المواطن لكمية فشل حكومته والحقيقة الماثلة ، ثم يتم تعريفه على الخيار الاكبر والافضل وهو تغيير النظام الى نظام افضل وملتزم بواجباته ومقدم للخدمات والعمل الطوعي بحاجة إلى صرف المال الفائض بدلا عن (ملايات العنابر) الى ورش تدريب المتطوعين ورفع قدراتهم ومهاراتهم ، فإنك تكسب الف مره أفضل بسبب كادرك المؤهل بدلا من الكادر المندفع بعاطفته غير المؤهل الضائع جزء مقدر من جهده وطاقته بسبب قلة المعرفة والخبرة هذا سيوقف قليلا الهجوم الذي يتم صبه من قوي المعارضة والقوي الداعية لإلتزام الحكومة بواجباتها وعدم التهرب منها ، وفى سبيل هذا يمكن ان تحارب أي قوي يستفيد منها النظام وتدعم بقاءة حتي احيانا بعمي وتعامي كما هو حاصل فى العمل الطوعي ، الذي يتوجب على القوي المعارضة دعمه وخصوصا دعم ترفيعه والتأهيل والتدريب داخله وتأطير مبادراته بإطارات نظرية قوية وفعالة ؛ كما سيفتح عيون متلقي الخدمة على مواطن الخلل فى الدولة ويعبئه فى اتجاه انتزاع حقوقه ، ويقلل من الجهد المصروف على هذه النشاطات بادق الطرق وأفضلها بدلا من إهدار الطاقات التى ربما كانت مفيدة أكثر فى جوانب أخرى . بهذا أوجه دعوة الى منظمات المجتمع المدني والعمل الطوعي خصوصا بانشاء مبادرة تدريب وتأهيل لناشطيها ورفع قدراتهم ، والإهتمام أكثر بتمليك الناشط بمفاصل عمله واولوياته والتفضيل بين خيارات العمل بما يدعم عملية التغيير ، كما اوجه دعوة الى الأحزاب السياسية بدعم هذا التدريب والتاهيل والتعريف بالعمل الطوعي بصورة علمية ومعرفية قوية والتقليل من الخطاب المضاد له. كما أدعو منظمات العمل الطوعي للإنخراط فى هذا التدريب والتاهيل والتزام النهج العلمي ؛وكذلك دعوة للتفضيل فى الخيارات، فإن إطعام أطفال فى مايو أفضل الاف المرات من إفطار سائقي المركبات فى شارع الستين.
د.ابراهيم النجيب الرئيس المكلف للحزب الديمقراطي الليبرالي أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة