02:55 AM March, 08 2016 سودانيز اون لاين
محمد محمود-
مكتبتى
رابط مختصر
تأتي ذكرى يوم المرأة العالمي هذا العام ووضع المرأة في المجتمعات الإسلامية على سوئه وتخلفه إن لم يزدد سوءا وتخلفا. وهو انتكاس يرتبط ارتباطا عضويا بصعود الإسلام كقوة سياسية بالدرجة الأولى وهيمنته، بالدرجة الثانية، كقوة اجتماعية تؤثر على تشكيل السلوك وتوجيهه في اتجاهات إحياء ونشر المفاهيم والقيم التي تملأ المرأة بالإحساس بالدُّونية باعتبارها "ناقصة عقل" وتختزل إنسانيتها لتُعامل كفتنةٍ وإغراءٍ جسدي لابد من لجمه وكبحه "بلباس شرعي" — وهو إجراء "تطهيري" تتجسّد ذروته المؤسية في مشهد المرأة المسلمة التي تتحرك في الفضاء العام وقد غطت كامل جسدها بغطاء يحيلها بكاملها لـ "عورة" واجبة الاستتار وكتلةٍ لاشخصيةٍ وكيانٍ مستلبٍ منطمس الملامح وغريبٍ كل الغربة عن كل ما حوله.
ويبرز التخلّف الخطير لمستوى المرأة في البلاد المسلمة عندما نقارنه بباقي العالم، وهو تخلّف يصفع الوجوه صفعا مؤلما عندمانقرأ وثيقة مثل التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين(The Global Gender Gap Report) الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum). ويقيّم هذا التقرير أوضاع المرأة في المجالات الاقتصادية والتعليمية والصحية والسياسية، ويرتّب الدول حسب دور النساء ومساهمتهن في هذه المجالات. وفي تقرير 2015 والذي درس أوضاع 145 دولة نجد أن أفضل عشر دول تخلو بكل، بكل أسف، من أي دولة ذات أغلبية إسلامية. وعندما ننظر للدول العشرة التي تذيّل القائمة فإننا نجد أنها، بكل أسف، كلها دول ذات أغلبية إسلامية وهي (من أسفل القائمة فصاعدا): اليمن، والباكستان، وسوريا، وتشاد، وإيران، والأردن، والمغرب، ولبنان، ومالي، ومصر (لم تشمل قائمة الدول التي درسها التقرير السودان وهو أمر عائد في الغالب لعدم توفّر الإحصائيات أو حجبها). وعندما ننظر لإيران، مثلا، وبعد نحو ثلاثة عقود ونصف من "الثورة الإسلامية" فإننا نجد أن المرأة الإيرانية كافحت التمييز ضدها وقاومته (كامتداد لوعي وتراث سابقين على النظام الإسلامي). ويظهر هذا جليا في المجال الذي لم يستطع النظام فرض كامل سيطرته عليه وهو المجال التعليمي، وهكذا نجد أن نسبة القراءة والكتابة بين النساء تصل 83% بين النساء مقابل 91% بين الرجال. وعلى مستوى التعليم الجامعي فإن نسبة التسجيل تصل 56% بين النساء مقابل 60% بين الرجال. إلا أن النظام لم يسمح لهذا الإنجاز التعليمي العالي الذي يؤهل النساء للمساهمة على قدم المساواة مع الرجال بأن يتعدّى مجال التأهيل التعليمي ليتحول لمساهمة اقتصادية فاعلة في سوق العمل والانتاج أو لمساهمة تشريعية أو إدارية أو سياسية. وهكذا نجد أن مساهمة النساء كقوة عمل لا تتجاوز 18% مقابل 77% للرجال (وهي مساهمة ترتفع في قطاع العمالة المهنية والفنية إلى 35% مقابل 66% للرجال). أما في المجال التشريعي والإداري فإن مساهمتهما تهبط لنسبة 15% مقابل 85% للرجال. وينحدر دور المرأة انحدارا مريعا في المجال السياسي إذ أن نسبة النائبات في مجلس الشورى الإسلامي أو المجلس هي 3% مقابل 97% للرجال، وهي نسبة حاول النظام تحسينها تحسينا طفيفا برفع المشاركة الوزارية للنساء لنسبة 10% مقابل 90% للرجال.
ويبلغ سوء الوضع مبلغ انحداره في البلاد التي تحكم بالشريعة مثل السعودية وإيران والسودان حيث أصبح واقع التمييز ضد المرأة واقعا مؤسسيا يكرّسه ويحميه عنف الدولة وقانونها المستند على أحكام الشريعة. وكما هو معلوم فإن الشريعة قد ميّزت تاريخيا ضد ثلاث فئات هي النساء وغير المسلمين والأرقاء (الذين فُرض تحريرُهم فرضا على حماة الشريعة). وهكذا فإن المرأة في نظام الشريعة ودولتها مواطن من الدرجة الثانية (إذ أن مواطن الدرجة الأولى من حيث الحقوق والامتيازات هو الرجل المسلم الحرّ).
والوضع المتدني للمرأة في العالم الإسلامي اليوم، على رغم ما حققته من تقدّم في الكثير من المجالات (وفي مقدمتها مجال التعليم)، يعكس الواقع التاريخي الموروث وقوة المقاومة الإسلامية لحقوق المرأة — وهي مقاومة وصلت تحت ظل تكوينات مثل تنظيم دولة الخلافة في العراق والشام وتنظيم بوكو حرام وتنظيم طالبان قمة عنفها وهي تحاول بعث واقع دولة المدينة وفرضه عبر فوهة البندقية. إلا أن استفظاع ما تفعله هذه القوى التي توصف "بالمتطرفة" يجب ألا يصرف نظرنا عن الحقيقة البسيطة بشأن الشريعة وهي أن بعثها وتطبيقها لن ينتج عنه ألا قهر المرأة والتمييز ضدها — هذا هو الحال الماثل اليوم سواء تمّ إحياء مشروع الشريعة على يد قوى توصف "بالمتطرفة" أم على يد أنظمة سياسية مستقرة ومقبولة في ظل النظام العالمي السائد (مثل النظام السعودي) أو أنظمة وصلت للسلطة عبر ثورة شعبية (مثل النظام الإيراني) أو أنظمة انتزعت السلطة عبر فوهة البندقية (مثل النظام السوداني) أو أنظمة تستند على الشرعية الانتخابية (مثل النظام العراقي).
إن الواقع الذي تعيشه نساء العالم الإسلامي اليوم وتحديات هذا الواقع شبيهة إلى حدّ معين بواقع باقي نساء العالم من حيث أن الأديان تمثل تحديا وانتقاصا كبيرا لحقوقهن. والإسلام لا يختلف عن باقي الأديان من حيث أنه دين "ذكوري"، ولا غرابة في ذلك إذ أنه ينسجم مع ميراثه اليهودي – المسيحي. وهكذا، ومثلما أن المرأة لا يمكن أن تجد كامل حقوقها وكرامتها في اليهودية أو المسيحية فإنها لا يمكن أن تجد كامل حقوقها وكرامتها في الإسلام. إلا أن الشبه في مقارنتنا هو شبه "إلى حد معين" كما أشرنا أعلاه، لأن المسيحية واليهودية – وباقي أديان العالم – قد قبلت إلى حد كبير بالواقع العلماني المتغيّر لعالمنا ورضيت أن يصبح الدين أمرا شخصيا يتعلق بالاعتقاد والضمير الشخصي. إلا أن الأمر عندما يأتي للواقع الإسلامي فإننا نجد أنه الدين العالمي الوحيد الذي نجحت القوى المحافظة في بعثه كتعبير إيديلوجي لإعادة صياغة الواقع — وهو تعبير نجحت هذه القوى نجاحا كبيرا في توظيفه كقوة سياسية واجتماعية واقتصادية لفرض هيمنتها وتميّزها.
وهكذا فإن المرأة في العالم الإسلامي تواجه اليوم تحديا عسيرا ومعقّدا وخطيرا إذ أن الإسلام لم يعد عقيدة يؤمن بها الإنسان أو يتركها (مثله في ذلك مثل باقي الأديان) وإنما أضحى بندقية وتكوينا سياسيا وبنية اقتصادية وتعليمية وإعلامية وسعيا بكل الوسائل لفرض شريعة تميّز ضدها. إلا أن ما يجب أن نضعه في اعتبارنا دائما هو أنه وفي نهاية الأمر لا يصحّ إلا الصحيح وأن قهر المرأة القائم على أنها "ناقصة عقل" لابد أن ينتهي لأن المرأة "كاملة عقل" ولأنها لن تتوقف عن كفاحها من أجل حقوقها وتحقيق مساواتها في وجه كل مظاهر العنف وتزييف الوعي مهما تكاثفت وتعاظمت.
محمد محمود أكاديمي سوداني ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان
[email protected]
أحدث المقالات
تحية مستحقة للمرأة السودانية بقلم نورالدين مدنيشمال أفريقيا والشرق الأوسط: آفاق النمو في ظل الأزمات بقلم البشير الجوينيشرخ في ذاكرة الشعب/جرح في خاصرة الوطن بقلم الحاج خليفة جودةرسالة مفتوحة إلي الرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير بقلم جعفر وسكةمُفاوضات..وثبات و مُغلطات..وإعادة صناعة الأزمات..!! بقلم عبدالوهاب الأنصاريالحرب على الاسلام بين الصليبية العالمية والأُمراءْ والعلماء بقلم محمد أسعد بيوض التميميما لَمْ يَقُلْهُ البشير و(أزلامه) في حلايب وأخواتها ..! بقلم د. فيصل عوض حسن وداعاً محمد مفتاح الفيتوري: قالها ولم يجبن انا اسود لكني حر امتلك الحرية بقلم ايليا أرومي كوكوتنامي قدرات منظمة مجاهدي خلق يرعب الملالي بقلم *طارق العزاوي - صحفي عراقيتحليل الأوضاع في اليمن...خلفية تاريخية موجزة من هم الزيود وما هو مدهبهممستقبل إدارة السلطة في العراق مابين الفيدرالية واللامركزية بقلم د. قحطان حسين طاهر/مركز المستقبل للدالألغام الأرضية وحقوق الإنسان بقلم جميل عودة/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحرياتالبلدان النفطية والتكيف مع الصدمة بقلم د.حيدر حسين آل طعمة/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجيما وراء أسوار تكريت؟ بقلم حمد جاسم محمد/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجيةالحملة العسكرية السعودية على الحوثيين.. الأسباب والنتائج بقلم د. قحطان حسين طاهر/مركز المستقبل للدراأمريكا وسياسة البحث عن لاعب اقليمي بقلم أحمد المسعودي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجيةالحاجة لتفعيل مفهوم المواطنة والانتماء بقلم همام عبد الكاظم الجرياوي/مركز المستقبل للدراسات والبحوثنحو مدارس علمانية: التحدي الملحّ الذي يواجه المهاجرين في الغرب بقلم محمد محمودفلسفة زمن الكرامة – ال- آذاري بقلم سعدات بهجت عمر عوالم السخرية في رواية أرصفة دافئة للروائي المغربي أحمد الكبيري بقلم عبد القادر الدحمنيموازنة 2015 وقضم الدينار العراقي دراسة في الأسباب والتداعيات بقلم د. حيدر حسين آل طعمة/مركز الفرات لعدنان السراج يعود الى الحاضنة الإيرانية من خلال مهاجمة مجاهدي خلق في جريدة الصباح الجديدعندما يرتدى الإعلاميون ثوب العسكر ؟؟ (قصة تعايش ) بقلم وعدسة :نضال الفطافطةهَرِمَ الأبناء ورحل الأمهات بفعل السجن * بقلم / عبد الناصر فروانةأمي .. أمي .. يا أمي لك السلام وعليك السلام ..!! بقلم ايليا أرومي كوكومدرسة الريان من نسل الفساد و غياب المؤسسية بقلم حسين الزبيرمواقف "الازهرالشريف" وغضب"ازلام الملالي" بقلم *طارق العزاويالعقيدة بين الإخلاص والمُوالاة بقلم:رحاب أسعد بيوض التميميحق الإنسان في الحصول على الصحة بقلم جميل عودة/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحرياتأزمة الحركة الوطنية الفلسطينية أزمة اليسار الفلسطيني بقلم رائف حسين - المانياحكومة العبادي ما بعد داعش بقلم عدنان الصالحي/مركز المستقبل للدراسات والبحوثباقة من الكلمات المضيئة من دفتر الاستاذة حليمة اسماعيل دودو امرأة العام في قناة جبال النوبةتسليح سكان ليبرتي خطوة ملحة لحقن الدماء بقلم *رشا المندلاوي – صحفية عراقيةالحشد الشعبي واستراتيجية الأمن الوطني بقلم د. علي فارس حميد/مركز المستقبل للدراسات والبحوثعلي شرفِ جماهير منتصرة بقلم محجوب التجانيحلقة نقاشية عن إدراة الدولة العراقية يقيمها مركز المستقبل وبالتعاون مع مكتب مجلس النواب في كربلاءخطاب رجوي في برلين والتشخيص الدقيق لمشكلة إيران والمنطقة بقلم وائل حسن جعفرالمرأة العربية ... ويوم المرأة العالمي بقلم عبد الرحمن الصّوفيعيد المرأة العالمي : اماه يا أماه كم تبقي من عمرنا فنلتقي ؟ بقلم ايليا أرومي كوكوجاليتنا وملاذنا في تورنتو مرحبا بكوكبة الكنديين السودانيين بقلم أبوبكر يوسف إبراهيمفي الذكري الثالثة لرحيل الفنان وردي ننساك؟!! ....الزيك بيتنسي!! بقلم حسين الزبيربلادي .... و الحب و عيده في عام 2015 بقلم حسين الزبيرانتخابات 2015 (5) لستن كأحد من نساء العالم ..!! بقلم محمد علي خوجلي لماذا نص النظام الأساسى لحركة/ جيش تحرير السودان على تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 30% فى كل مؤسساترئيسة السودان المٌرتقبة والعهد الزاهر الجديد/ عباس خضربمناسبة يوم المرأة العالمي أين وصلت المرأة السودانية بعد عقدين من حكم الاسلام السياسي حسين الزبير“آمنة “ نخلة إنحنت/عواطف عبداللطيففي 8 مارس حسنة النور توتو تحكي الوجه الاخر لمأساة جبال النوبة من معسكر إيدا !/ايليا أرومي كوكو8 مارس / آذار اليوم العالمي للمرأة من كل عام/ايليا أرومي كوكوفي عيد المرأة العالمي: التحية لصمود أميرة عثمان محمد محمود Re: في عيد المرأة العالمي: التحية لصمود أميرة عثمان محمد محمود بمناسبة الثامن من مارس فاطمة أحمد إبراهيم المرأة النموذج بقلم : بدرالدين حسن علي