ما لا تريد ان تفهمه سلطة الإنقاذ أن الولايات المتحدة الأميركية هي دولة مؤسسات تعتمد فيها صناعة العلاقات الخارجية على معلومات وتقارير خبراء ومؤسسات بحثية راسخة وتقييم تلك الأجهزة مجتمعة لتلك المعلومات للتعرف على مدى موائمة حصيلتها مع المصالح والقيم الأميركية. أما المصالح الاقتصادية والأمنية فهي معلومة للجميع وقد بادرت الإنقاذ بتقديمها مهرا للتطبيع المستحيل وأما القيم فهي التي تتمثل في وقف الانتهاكات وتحقيق الديمقراطية والحريات الأساسية واحترام حقوق الانسان وهي مهر التطبيع المستعصي الذي تعجز الإنقاذ بحكم تكوينها عن الإيفاء به لشعبها وللمجتمع الدولي بحكم الواقع العملي القائم في البلاد. ثم أن واشنطن أو المجتمع الدولي ليس من السذاجة السياسية بمكان حتى تنطلي عليهم مسرحية الحوار الوطني التي يتحكم الحزب الحاكم في صياغة توصياتها بما يتلاءم مع مزاجه ومصالحه فضلا عن أنه حوار منقوص لا يقدم أو يؤخر ولا يغير في الواقع من شيء حيث ستبقى الإنقاذ وحزبها الحاكم مسيطران على الدولة ومواردها الاقتصادية وأمنها وتوجيه سياساتها المختلفة وفقا لأهواء ومصالح قادتها. ورغم سيل الزيارات التي غمرت بها قيادات النظام واشنطن وآخرها زيارة رئيس المجلس الوطني لإيهام الشعب السوداني بأن ثمة تحسن في العلاقات مع واشنطن إلا ان جهل النظام بطبيعة اتخاذ القرار داخل الإدارة الأميركية أو تعمده تجاهل ذلك لإعطاء إشارات كاذبة لن يغير من حقيقة الواقع أو من ثوابت السياسة الأميركية . ولوعي وإدراك الإدارة أميركية والمجتمع الدولي باستمرار سياسات وممارسات سلطة الإنقاذ ضد خصومها السياسيين وضد مواطنيها سياسيا واقتصاديا واستمرار حلقات العنف وعمليات الاقصاء ترهيبا او الدمج ترغيبا لم يكن مفاجئا تجديد فرض العقوبات الأميركية مرة أخرى لعام آخر رغم الصريحات والزيارات ومحاولات الاسترضاء من طرف واحد. ومع إصرار نظام الإنقاذ على استمرار سياساته التمكينية وتحويل السودان إلي إقطاعية خاصة بالحزب الحاكم وقياداته ومؤيديه وتوطين عمليات الفساد المؤسسي لن يكن هناك تطبيع مع واشنطن سيما وأن الثالث من نوفمبر من كل عام أصبح يوما تعيسا للنظام لتجديد العقوبات فيه دون تغيير يذكر . ومثلما أبقت واشنطن السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب رغم فروض الطاعة والتنازلات وتقديم معلومات أمنية عن المنطقة للسي أي ايه التي قال البشير انها تدفع وتمول وترعى المعارضين في الفنادق وهي تهم ل ايقوم عليها دليل تبقى أيضا واشنطن عقوباتها لعام آخر على النظام وليس على الشعب السوداني كما يروج النظام لأن نص صدور العقوبات جاء كالاتي : يأتي صدور قرار العقوبات الأمريكية على السودان في اليوم الثالث من نوفمبر في العام 1997م، بقرار تنفيذي رقم 13067 من الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، بموجب القانون الأمريكي للطوارئ الاقتصادية تم بموجبه تجميد الأصول المالية السودانية، ومن ثم حصاراً اقتصاديا يلزم الشركات الأمريكية بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان. ثم جاء الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (الابن) فأصدر قراراً تنفيذياً آخراً رقم 13400 في 27 أبريل 2006م، ليزيد استدامة وتعقيد وتشديد العقوبات على السودان. وفي نهاية مايو 2007م وسّع الرئيس الأمريكي الحظر ليشمل شركات وأشخاص لم يكونوا مشمولين بالقرارات السابقة.. وقد فرضت هذه العقوبات على النظام السوداني وفق المعلن في القرار من الإدارة الأمريكية بناء على ثلاثة محاور، وهي : قضية المنظمات الإنسانية وحريتها في ممارسة عملها وفي دخولها وخروجها من السودان، وتطبيق اتفاقية السلام الشامل بأكملها، ثم إيجاد سلام شامل ودائم في دارفور.. ورغم تمرير النظام لقرار الاستفتاء وفق اتفاقية السلام وقبوله بانفصال الجنوب طمعا في علاقات جديدة مع واشنطن إلا أنها تمنعت لعدم استيفاء الشروط وهي الشروط التي جددها القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم لدى استدعائه في وزارة الخارجية احتجاجا على تجديد العقوبات والتي سببت حرجا بليغا للنظام والحزب الحكم الذي تباهى بفتح صفحة جديدة مع واشنطن مما دفع أحد قيادي الحزب الحاكم وصف القائم بالأعمال الأميركي بالساذج فقط لأنه طالب بانفراج سياسي وبسط الحريات للمواطنين ووقف الحرب وتحقيق وفاق وطني شامل إلى آخر القائمة. ولا ندري من هو الساذج حقا أهو القائم بالأعمال الأميركي الذي تفرض دولته العقوبات على نظام يلهث لينال رضائها دون جدوى؟ أم هو الذي تتوالى عليه تلك العقوبات سنويا دون أن يملك الشجاعة على مواجهة أسبابها الحقيقية على حساب شعب بأكمله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة