ألإقتصاد ألإسلامي رسالة سماوية لخلاص البشرية دراسة من إعداد محمد رضا عثمان سليمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-30-2016, 07:34 PM

محمد رضا عثمان سليمان
<aمحمد رضا عثمان سليمان
تاريخ التسجيل: 01-30-2016
مجموع المشاركات: 1

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ألإقتصاد ألإسلامي رسالة سماوية لخلاص البشرية دراسة من إعداد محمد رضا عثمان سليمان

    06:34 PM Jan, 30 2016

    سودانيز اون لاين
    محمد رضا عثمان سليمان-صنعاء - اليمن
    مكتبتى
    رابط مختصر





    ¥ توكلت على الله وهو حسبي ...... فبدأت ..... فإن أخطأت فإن الله يعلم بالنوايا .... وما أنا إلا عبد لله ..... جاهل .... فقومونني .... و أجركم على الله ..... و إن أصبت .... فما توفيقي إلا بالله ... والله المستعان ... فاعينوني ... بقوة .... و شدوا من أزري ..... بآرائكم ..... بالمساهمة بنشر ما أمدكم به الله من علم في هذا ألإتجاه ...... ليصبح ألإقتصاد ألإسلامي ... صرح شامخ عمليا ..... كما أنزله الله ... نهجا علميا .

    دعوة
    إن أصل الغيث قطرة .... والغيث غير الضار أينما وقع .... نفع ..... و أن أصل الشجرة بذرة .... والشجرة هي أصل .... العطاء ... والنماء ...... و إن أصل الصخرة ... ذرة ..... وأن الصخور هي أصل الجبال الشامخات الراسيات وهي رمز للعزة.... و الشموخ ........ والكرامة..... وأن أصل النار شرارة ...... و أن نار الجماعة تكمن في الفتنة ..............
    إنها دعوة للكل ..... لنطفأ نار الفتنة ... لنطفأ نار الفرقة .... لنطفأ نار التشرزم .... نار التحزب .... نار العصبية ... نار النظرة الضيقة .... فإن ألإسلام في ألأصل ... رسالة واحدة ..... منزلة من إله واحد ... هو الله لا إله إلا هو ... و بواسطة ملك واحد ... هو الروح ألأمين سيدنا جبريل .... و لرسول واحد .... هو أشرف الخلق و خاتم المرسلين ... سيدنا و حبيبنا محمد أفضل الخلق و المرسلين عليه صلاة من الله و ملائكته وسلاما عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .... رسالة ليبلغها للبشر أجمعين ... فما بالنا ... نفترق ... و إلهنا واحد ... وديننا واحد ... ورسول ديننا واحد ... أرسل للناس أجمعين.
    إنها دعوة للكل لبناء جبل أشم ... شامخ ... راسخ .... برنامج إقتصادي إسلامي ... لدولة .... ليعمم على كافة الدول ألإسلامية ... ليكون عند تطبيقه ... النواة ... لكيان إسلامي واحد ...
    إنها دعوة للكل ... بمختلف المذاهب ... و الطوائف .. والتنظيمات السياسية .... للمساهمة ببذرة ..... بقطرة .. من الفكر ... بمعزل عن الغرض ... بمعزل عن الهوى .... بمعزل من التعصب لمذهب ... أو طائفة .... أو حزب ... لينزل الغيث النافع ... غير الضار... ليعم كافة البقاع ..... مخلصا للبشرية من إستعباد المادة ... وهيمنتها .... وتسلطها ... غيث نافع .... لإحقاق الحق ... لتنمو شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء .... للرخاء .... للنماء ... للتنمية .... لخلق كيان إسلامي واحد .... ليتصدى للعدو الواحد ...... الذي يتربص بنا ليل نهار بكل ما أوتي من علم ....و فكر ..... و إعلام ..... و قوة ..... و نحن عنه غافلون .







    مقدمة
    سلك القرآن الكريم مسلكا فريدا في ربط العقيدة التي جاء بها لتنظيم حياة ألإنسان في كل درب و فرع و إتجاه ، و في مقدمة تلك الدروب والفروع و ألإتجاهات ، النشاط ألإقتصادي للإ نسان ، فقد إهتم القرآن الكريم بالعامل ألإقتصادي إهتماما كبيرا في أكثر من موضع فيه ، و أوضح توضيحا جليا وفريدا مدى تأثر ألإنسان ، بهذا العامل و بإستعداده وتهيأته للإنحراف الروحي و الخلقي تحت وطأة هذا العامل ، فقد أوضح القرآن في كثير من آياته أن ألإنسان بطبيعته قد جبل على الحرص الشديد على المال ، وحبه له ، و رغبته في ألإستكثار منه ، وألإستذادة من النعيم الذي يوفره لصاحبه ، والجاه الذي يضفيه عليه ، و قد ظهر ذلك في كثير من ألآيات الكريمة منها على سبيل المثال لا الحصر :-
    1/ ( وكان ألإنسان قتورا . )
    2/ ( و أحضرت ألأنفس الشح . )
    3/ ( إن ألإنسان لربه لكنود ، و إنه على ذلك لشهيد ، وإنه لحب الخير لشديد . )
    4/ ( زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و ألأنعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا . )
    5/ ( و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في ألأرض . )
    6/ ( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية ألإنفاق . )
    7/ ( إن ألإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا و إذا مسه الخير منوعا . )
    فكان بيان أثر العامل ألإقتصادي و إنعكاسه على ألإنسان الفرد و ألإنسان الجماعة ، هو بمثابة التشخيص الكامل للداء ، و العلة ... و أسبابها ، ولم يقتصر القرآن على تشخيص الداء فقط ، فقد وضع القرآن العلاج الشافي لهذا الداء و ذلك بوضع نظاما إقتصاديا متفردا ، نظام إقتصادي ، يجعل المال في خدمة ألإنسان ، ويمنع جعل ألإنسان في خدمة المال ..... نظام يحبب ألأثرياء في إنفاق المال على الفقراء و من أجل الصالح العام ..... نظام يمنع من تكديس المال في يد جماعة تتحكم عن طريقه في رقاب الناس .... وحرياتهم ..... و تستذلهم بجاه وسلطان هذا المال ..... نظام يقيم مجتمع الكفاية.... والعدل ......و ألأمن من الخوف ...... نظام .. هو عبارة عن حرب ضروسة على الفقر ...... نظام يقيد نشأة الملكية ... ولا يحاربها بل يعيد إعادة توزيعها بصورة هادئة بثابت من الثوابت لا يتغير بتغير الزمان والمكان ..... نظام يجعل الناس شركاء في أساسيات الحياة ..... نظاما متكاملا .... لم يقف على حض المسلمين على إتباع نظرته للمال فقط .. وإنما جندهم بأحكامه ليحاربوا في سبيل هذا النظام ... لابقصد تحرير الفقراء من أسر المال ... و إستعباد ألأغنياء لهم ... وتحطيم أغلال فقرهم .... بل ليحرر ألأغنياء أنفسهم من ذل المال ... و حبه ...و الخضوع لمغرياته .... نظام يدعو لتحرير المجتمع كله من سيادة المال ... و تسلطه .... نظام فيه المال لايقصد لذاته ... و لكنه يقصد كوسيلة لتقوى ... و سبيل إلى عمل صالح ... و مرحمة و مودة ... نظام يجعل توظيف المال في ألإحسان ... و التعمير ..... و التنمية أشبه بالصلاة أو الفروض التعبدية ... توظيف للمال يرجى به ألآخرة .... ورضاء الخالق ....... وجملة نظام المال فيه خاضع لعقيدة ألإسلام .
    و قد أضفت عقيدة ألإسلام أول ما أضفت في هذا النظام ..... حماية سابغة على الفقراء ... و المحرومين .... و الضعفاء ..... و الكادحين في سبيل تحصيل لقمة العيش الكريم .... و إقامة ألأود .... كما أنها قد عملت على المساواة بين كل عباد الله ...... لذلك عند ظهور ألإسلام ..... إندهش مجتمع قريش من أمر هذه العقيدة .... والتي تساوي بين ألأغنياء والفقراء ....و العبيد .... فرفض ألأغنياء ... وألأقوياء .... و أصحاب الكلمة النافذة ... واالسلطة الباطشة ..... هذه العقيدة ... ما وسعهم الرفض .... و قاوموها .... ما وسعتهم المقاومة .... عدا قلة منهم ... آمنت بربها ... ورأت أنه الدين الحق .
    و قد كبر على مترفي قريش أن يكون رسول الله بشرا .... و أن يكون يتيما .... وفقيرا ..... كبر عليهم أن لايكون مسلكه في الحياة كمسلكهم .... إعتزازا بالمال ... وبالجاه .... فقالوا ... ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم . )
    كما أن معسكر الشرك المكون من ما يدعون بألأشراف ... أصحاب الثروات ... و الجاه العريض ... القائم على العصبية الموروثة ... يأبون أن يشاركهم في جاههم .. و علو كلمتهم الفقراء ... و ألأرقاء .... والمجهلون ..... الذين لاشأن لهم في المجتمع ..... ولا مال في أيديهم .
    لم يخضع الدين لهم .... و لنظرتهم .... لأنه حق منزل من خالق .... أدرى بشئون الخلق .... أنزل ليحقق العدل ... ليحقق المساواة .... ليحقق الكفاية ... ليحقق ألأمن من الخوف لمخلوقاته .... لذلك فقد كان هذا ألإقتصاد السماوي .... نظاما جديدا ... متطورا .... يدعو إلى إزالة الحواجز الكاذبة بين الناس ...... ويرفض إبقاء الضعيف ضعيفا .... والفقير فقيرا .... نظام يقول بأن كل إنسان بعمله ... و أن المال مال الله .... يداوله بين الناس .... و أن للفقراء فيه حق معلوم ...... نظام أستطاع أن يخلق دولة ..... دولة إستطاعت أن تقف بين إمبراطوريتين عظمتين هما الفرس و الروم .... بل إستطاعت أن تهزمهم .... نظام بدل حال المجتمع رأس على عقب .... فعمته الطمأنينة ... و الرفاهية .... والرخاء ... في بضع سنين حتى بات ألأغنياء يخرجون بصدقاتهم و يبحثون عن مستحقيها ... فقل ما يجدون رجل لايملك النصاب حتى يأخذ منهم صدقة .
    و نواصل لاحقا ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،



    الملامح العامة للإقتصاد ألإسلامي
    يختص ألإقتصاد ألإسلامي بأنه كجزء من رسالة منزلة من خالق ... أدرى بشئون خلقه ....... رسالة مكتملة .... شاملة لا يشوبها نقص ... ولا جمود ..... فقد إهتمت هذه الرسالة في جانبها ألإقتصادي ... بنظام حددت فيه الثوابت والتي لا تتغير بتغير الزمان و المكان ، وهي ألإيطار العام الذي لا يمكن تجاوزه أو التعارض معه وهي التي تحدد نوع هذا النظام و شكله.... و غايته .... أما فيما يتعلق بمتغيرات النظام فإنه لم يتم التطرق إليها حتى لايصاب النظام بالجمود ، فلو أنه قد تم تحديد هذه المتغيرات للنظام في وقت نزول القرآن فإنها ستتناول حلول لمشاكل عصر يختلف عن العصور التي تليه ، ولأصبح من الصعب تجاوزها ..... بل أصبح من الوجوب ألإلتزام بها .... رغم أنها ستكون عاجزة أمام مستجدات العصور المتعاقبة ... و من هنا إكتسب هذا النظام صلاحيته لكل زمان و مكان إلى أن تقوم الساعة .... مواكبا لكل المستجدات .
    و ثوابت النظام ألإقتصادي ألإسلامي هي التشريع ألإقتصادي الذي ورد في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة ..... وهي صالحة لكل زمان و مكان ، أما المتغيرات فيه فهي التي يمكن ملاحظتها من الحياة اليومية كالنظريات ألإقتصادية ..... وضوابط التجارة الخارجية وكل ما يتعلق بالشئون ألإقتصادية التي لم يتطرق لها القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة.
    و يظهر جليا تغير المتغيرات بتغير الزمان و المكان في عدم وجود نظرية واحدة كافية لإستيعاب تعقيدات الحياة و التاريخ ..... مما يجعل هيمنة نظرية معينة .... في فترة تاريخية معينة ..... و من ثم تراجعها لتأخذ مكانها نظرية جديدة فتصبح ألأولى مجرد تاريخ .
    لذلك فإن متغيرات ألإقتصاد ألإسلامي تركت للإجتهاد بشرط أن لاتتعارض هذه ألإجتهادات مع ثوابت النظام حيث أن التعارض يعني الخروج عن الكتاب والسنة ، وهذه الميزة وفرت لهذا النظام ضمان ألإستمرارية ..... و المرونة ..... و المواكبة ..... لإستيعاب كافة مستجدات العصور المتلاحقة .
    ويمكن ألإستناد في مشروعية ألإجتهاد في هذه المتغيرات على حديث أشرف الخلق والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما سأله أهل المدينة بهل يمكن للنخل أن يثمر لو لم يتم لقاحه فأجابهم بأنه سيثمر ..... فلما لم يثمر ورجعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم و أخبروه قال لهم :- ( أنتم أدرى بشئون دنياكم ) .
    فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى .... بل هو وحي يوحى ..... وهو يعلم تمام العلم بأن النخل لايثمر لو لم يتم لقاحه .... وكانت إجابته لتكون درسا حيا ... و مؤثرا .... يتناقله جيل بعد جيل بأن المؤمنين أدرى بشئون دنياهم في كل ما يستجد من علم و متغيرات بشرط أن تكون الحلول الموضوعة لهذه المستجدات لاتتعارض مع الثوابت .
    و لتحديد ملامح ألإقتصاد ألإسلامي لابد من تحديد البنيات ألأساسية التي يرتكز عليها هذا النظام و التي سنتواصل فيها لاحقا ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    البنيات ألأساسية للإقتصاد ألإسلامي
    تحدثنا سابقا بأنه ولتحديد ملامح أي نظام فلا بد من تحديد البنيات ألأساسية التي يرتكز عليها هذا النظام ، وهنا سنتناول البنيات ألأساسية للإقتصاد ألإسلامي مبوبة .
    أولا :- الملكية في ظل النظام ألإسلامي
    الموقف ألإسلامي من الملكية قائم على أساس مبدأ الملكية المزدجة.... وهي ملكية لا فردية مطلقة ..... تجعل مصلحة الفرد مقدمة على مصلحة الجماعة ... دون أي إلتزام نحو المجتمع ..... وتتيح له أن يصنع ما يشاء دون أن توقفه مثل أو قيم ، كما أنها ليست جماعية مطلقة ..... تتجاهل ذاتية الفرد .... ولاتقيم لكيانه وزنا في تكوين المجتمع وخط سيره... وتعامله كأنه كجزء من آلة كبيرة لاحرية له و لا إرادة لإي تصرف أو حركة .
    فالملكية في ظل النظام ألإسلامي بنوعيها العام و الخاص .... ليست مطلقة و إن كان لصاحبها أن يباشر فيها من التصرفات القانونية كما للمالك الحقيقي .... إذ أن ألإسلام يعتبر تلك الملكية لله عز و جل ..... و تعتبر يد حائزها من بني ألإنسان يد إستخلاف لا يد مالك على الحقيقة وذلك إستنادا على ألآيات الكريمة التالية :-
    1/ ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم . ) سورة النور من ألآية رقم (33)
    2/ ( ولله ملك السموات و ألأرض و ما بينهما. ) سورة المائدة من ألآية رقم (17)
    3/ ( له مافي السموات و الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى . ) سورة طه آية رقم (6)
    4/ ( و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه . ) سورة الحديد من ألآية رقم (7)
    5/ ( له مقاليد السموات و ألأرض يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر إنه بكل شئ عليم .) سورة الشورى آية رقم (12)
    و ما دام ألإنسان ليس هو المالك ألأصيل للثروة ..... فمن حق المالك ألأصيل للمال و هو الله سبحانه و تعالى أن يحدد لخليفته فيه وهو ألإنسان ..... مهمته بالنسبة له .... تحصيلا .... و إنفاقا .... و مصارف ..... كما يحدد له إسلوب التحصيل ..... وطريقته ..... ومجالاته .....إسلوب ألإنفاق منه و مجالاته .... على نحو يتفق و الغاية من إستخلافه في ألأرض لعمارتها .... و رقي الحياة .... وبمعنى أشمل تحديد تشريع إقتصادي لنظام متفرد يمنع من تكدس و تراكم ألأموال في أيدي قلة .
    قال الله سبحانه و تعالى ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، فلله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و إبن السبيل ، كي لايكون دولة بين ألأغنياء منكم . ) سورة الحشر ألآية رقم (7).
    ففي هذه ألاية لم يبين القرآن الكريم فقط مصارف الفئ بل وضح توضيحا جليا الغاية و الهدف من النظام ألإقتصادي كله .... و المضمون الذي تبينه هذه الجملة الجامعة القصيرة ( كي لآ يكون دولة بين ألأغنياء منكم .) هو حجر ألأساس للنظام ألإقتصادي ألإسلامي أي أن النظام ألإسلامي كرسالة منزلة من خالق أدرى بشئون خلقه هدفها و غايتها أن لاتتركز الثروات في أيدي قلة تتحكم بها في رقاب العباد ... فتصادر حرياتهم ... و تستعبدهم بجاه وقوة هذه الثروات .... ويطرح السؤال الملح نفسه ..... هل وضع ألإسلام الوسائل و العوامل الكفيلة بتحقيق هذه الغاية من نظامه ..... فالإجابة على هذا السؤال ... هي بنعم إذ أن ألإسلام قد وضع في نظامه عوامل تقيد الملكية في نشأتها ألأولى ..... كما أنه قد وضع عوامل مباشرة لإعادة توزيع الملكية بصورة هادئة بثوابت لاتتغير بتغير الزمان و المكان و عوامل أخرى غير مباشرة ثابتة تتعلق بالجانب الروحي تحس على ألإنفاق و تحرم البخل و ألإكتناز ليعم التداول في كافة المجتمع ..................... وهذا ما سنتناوله لاحقا ،،،،،،،،،،،،،،،،،،

















    تحدثنا سابق بأن ألإسلام قد وضع في نظامه ألإقتصادي عوامل تقيد الملكية في نشأتها ألأولى ..... كما أنه قد وضع عوامل مباشرة لإعادة توزيع الملكية بصورة هادئة بثوابت لاتتغير بتغير الزمان و المكان .... و عوامل أخرى غير مباشرة ثابتة تتعلق بالجانب الروحي تحس على ألإنفاق ...... و تحرم البخل و ألإكتتناز ...... ليعم التداول في كافة المجتمع ..... فسنبدأ اولا بالعوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية .
    العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات
    و غالبية هذه العوامل من التشريع السماوي.... فرضت بآيات محكمات من القرآن الكريم أو شرعت بالسنة النبوية الشريفة وقليل منها من المتغيرات التي سنت بواسطة ألأئمة والسلف الصالح و سنتناول هذه العوامل بالتفصيل .
    أولا :- الزكاة
    الزكاة هي العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات وهي من الثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان و المكان ... بإعتبارها ركن من أركان ألإسلام و ضرورة من ضرورات ألإيمان.... فمن آتاها فقد أقام الدين و من تركها فقد هدم ركنا أساسيا من أركان الدين .... فهي تشريع سماوي فرضه الخالق على المسلمين كحق معلوم في أموال ألأغنياء لمستحقيها من الفئات الضعيفة في المجتمع .
    وقد فرضت الزكاة بأمر من الله عز وجل مباشرة لولي ألأمر و هو الرسول الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ، بقوله تعالى في سورة التوبة ألآية رقم (3)
    ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها . )
    فمثلما أمر الله سبحانه و تعالى رسولنا الكريم بإستقطاعها من أموال ألأغنياء مباشرة لتعطى لمستحقيها .... فقد وجه الله سبحانه و تعالى ألأمر للمؤمنين بإخراجها في أكثر من آية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ألآتي :-
    1/ ( و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون خبير .) البقرة آية رقم (110)
    2/ (و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و أطيعوا الرسول لعلكم ترحمون . ) سورة النور ألآية رقم (56)
    3/ (و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و إقرضوا الله قرضا حسنا و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا و أعظم أجرا ، و إستغفروا الله إن الله غفور رحيم . ) سورة المزمل الآية رقم (20).
    و الزكاة هي حق الجماعة في عنق ألإنسان الفرد و ألإنسان الجماعة ... حق معلوم لمستحقيها .... وليس تفضلا من مخرجيها ... وهذا الحق حق سماوي لا تهاون فيه ... وقد بين ذلك رسولنا الكريم في حديثه الشريف ( أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم و أموالهم و حسابهم على الله .) فكان ذلك ذلك الحديث النبوي الشريف مصداقا لقوله تعالى في سورة التوبة ألآية رقم (5) ( فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم . )
    و قد قام سيدنا أبوبكر رضي الله عنه بقتال بعض المسلمين من العرب بعد إنتقال رسولنا الكريم للرفيق ألأعلى حينما إمتنعوا عن أداء الزكاة ... و أنكروها .... مع إيمانهم بكافة أركان ألإسلام ألأربع المتبقية ... قاتلهم ... حتى هزمهم .... و ألزمهم بأدائها ..... و قد كان إستناده في ذلك قوله سبحانه و تعالى ( أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض ‘ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب . ) سورة البقرة ألآية رقم (85) . فالإسلام قد فرض الزكاة و ربطها بالعقيدة وشدد على أدائها دون تراخ أو تهاون أو هوادة .
    و رغم التشدد في القرآن والسنة وما قام به الخلفاء الراشدون بعدم التهاون في أمر الزكاة إلا أن الله سبحانه وتعالى و هو الخالق و هوأدرى بالنفس البشرية التي خلقها و التي قد جبلت على الشح ...... وحبها الشديد لجمع الثروات والسعي دوما للإستذادة منها... فقد حفز الله مخرجي هذا الحق بألأجر في الدنيا و ألآخرة ..... و ذلك حتى يجعل أداءها برغبة ذاتية ... ففي الدنيا نماء .... و زيادة في ثرواتهم... و في ألآخرة أجر عظيم ..... و قد وضح ذلك في كثير من ألآيات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر في قوله تعالى:-
    1/ ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ، و الذين هم عن اللغو معرضون و الذين هم للزكاة فاعلون . ) سورة المؤمنون ألآيات من (1) إلى (4)
    2/ ( طس تلك آيات الكتاب المبين (1) هدى و بشرى للمؤمنين (2) الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم بألآخرة هم يوقنون . ) سورة النمل ألآيات من (1) إلى (3) .
    3 / ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم ألآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و ءآتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و ءآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في الباسآء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون . ) سورة البقرة ألآية رقم (177) .
    لم يترك الله فرضية الزكاة دون أن يحدد مستحقيها فقد تم تحديد المستحقين لها بصورة دقيقة لم تقتصر على الفقراء و المساكين فقط .... بل شملت فئات أخرى .... شملت العاملين عليها و هم العاملين على الزكاة إحصاءا... و تحصيلا .... وبحثا عن مستحقيها .... وتوزيعها ... ومن هنا تبرز أسس التنظيم في ألإسلام إذ أنه لم يحدد الفريضة فقط بل مضى في تأسيس مؤسسة تعني بالتفيذ .
    كما شمل ألإستحقاق إلى تحقيق إنقاذ كرامة ألإنسان من رق العبودية ..... فكان ألإسلام كشريعة سماوية سباقا لمحاربة العبودية و ألإسترقاق ..... كما شمل ألإستحقاق إلى إسعاف ضحايا الظروف الطارئة ..... و إلى تبليغ الدعوة لمن يجهلها ..... و إلى خدمة المصالح العامة بغير تحديد ......... وقد بين الله سبحانه و تعالى مستحقي الزكاة في سورة التوبة في ألآية رقم (60) بقوله تعالى :- ( إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و أبن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم . ) ويمكن أن نظهر ونعرف المصارف الثمانية كالآتي :-
    1/ الفقراء :- وهم كل ما لايملكون نصاب الزكاة ... وهم المحتاجون المتعففون .
    2/ المساكين :- وهم السائلون و هم أشد حاجة من الفقراء .
    3/ العاملون عليها :- وهم عاملو الدولة في الزكاة الذين يحصونها و يجمعونها و يوزعونها .
    4/ المؤلفة قلوبهم :- وهم قوم حديثي عهد بألإسلام يعطون الزكاة تأليفا لقلوبهم ..... أو قلوب ذويهم .... وتثبيتا لهم .... وهذا يعتبر من قبيل الدفاع عن ألإسلام .... و نشر الدعوة والتبليغ لمن ليست لديهم صورة كاملة عن ألإسلام .... أو من يجهلون برسالة ألإسلام .
    5/ فك الرقاب :- وهو تحرير ألأرقاء و أسرى الحرب ..... و إن زال الرق ألآن رسميا .. إلا أنه ما زال قائما ممثلا في إسترقاق الشعوب المحتلة ... والمقهورة ... من قبل غير المسلمين .
    6/ الغارمون :- وهم الذين أثقلت عاتقهم الديون ولايوجد لديهم من المال ما يسددون به تلك الديون .
    7/ في سبيل الله تعالى :- وقد فسر بعض العلماء كلمة في سبيل الله كافة مصالح المسلمون .. و قد فسره البعض بتجهيز جيش الدولة .
    8/ إبن السبيل :- و هو من إنقطعت به السبل .... فأصبح بعيدا عن داره ... و أهله ... و لامال في يده لتلبية حاجته .
    و من تعدد المصارف التي حددها الله سبحانه وتعالى نجد أن الزكاة لا تهدف فقط لمعالجة الفقر في المجتمع ألإسلامي ... بل تهدف إلى معالجة جميع أسباب الحاجة البشرية في الحياة .... و ذلك لتحقيق مجتمع الكفاية ... و العدل ... و ألإطعام من الجوع .. و ألأمن من الخوف بكافة أشكاله.... كما أن الزكاة تهدف وتدفع على إستثمار ألأموال .... و عدم إكتنازها حتى لاتستهلكها الزكاة عام بعد عام ... مما يعني مزيدا من ألإنتاج .... مزيدا من فرص العمل .... مزيدا من التداول ..... و بصورة عامة تقدم الحياة ألإقتصادية بإستمرار.
    و في الدولة واجب على ولي ألأمر ألإلتزام بألإنفاق في هذه المصارف الثمانية و لايجوز إنتقاص مال الزكاة لتكملة باب آخر من أبواب ألإنفاق العام غير هذه المصارف الثمانية لأن ميزانية الزكاة تعتبر ميزانية منفصلة و مستقلة عن الميزانية العامة للدولة .... و هذا ما يميز الإقتصاد ألإسلامي عن ألأنظمة ألإقتصادية الوضعية .
    تم تحديد ألأوعية الخاصة بالزكاة و الجوانب الواجبة فيها و ألأنصبة لكل جانب منها في كل ما يحوزه ألإنسان الفرد أو ألإنسان الجماعة من أنواع المال المهيأ للتنمية و ألإستثمار متى ما بلغت النصاب الخالي من الدين و الفائض عن الحوائج ألأصلية لمالكه و حال عليها الحول.
    لن نخوض في النصاب والمقدار لكل وعاء لأن هذا علم قائم بذاته ... وقد نتناوله لاحقا بشئ من التفصيل إلا أننا نقول بصورة إجمالية فإن حصيلة الزكاة السنوية تقدربنسبة 2.5% من صافي رؤوس ألأموال بالدولة و نسبة 10% أو 5 % من الناتج الزراعي للدولة وفي الغالب حوالي 2,5 % من مقدار الثروة الحيوانية البالغة للنصاب في الدولة .
    بقى أن نتناول كيفة توزيع هذا ألإستحقاق على مصارفه الثمانية وهنا يتبادر إلى ذهننا ما الذي جعل الفقير فقيرا ..... والمسكين مسكينا .... والضعيف ضعيفا .... فنجد أنه أما لعجز عن الكسب .... أو قلة الدخل .... ومن هنا يتبادر إلى ذهننا ما الذي يحتاج إليه الفقير؟ ... والمسكين؟ ... والضعيف؟ ... فنجد أنهم يحتاجون إلى مصدر رزق يغطي إحتياجاتهم ... يحتاجون إلى الخدمات الصحية .... يحتاجون للخدمات التعليمية .... وهنا يتبادر للذهن سؤال آخر ..... في ظل تعقدات الحياة ... وصعوبتها .... هل توزيع مبلغ نقدي كل عام يمكن أن يغطي حاجة هذه الفئات الضعيفة حتى حلول الحول القادم ؟ فمن المستحيل أن تكون ألإجابة بنعم ... والله حين فرض الزكاة فرضها لتغطية حاجات هذه الفئة الضعيفة ... فإن كان التوزيع كنقد لايمكن أن يعالج مشكلة هذه الفئة فيمكن أن يكون التوزيع في الشكل ألآتي :-
    1/ تمليك هذه الفئات الضعيفة وسائل إنتاج توفر لهم الدخل الواجب لحياة كريمة .... و كما يقول المثل الصيني ( لا تعطي المسكين سمكة بل علمه كيف يصطاد السمك ) ....فهنا سيذداد ألإنتاج .... و تتوفر فرص عمل ..... و يتم إتشال هذه الفئات الضعيفة من الفقر .... والذل لتصبح فئة منتجة ....مالكة للنصاب لينتهي الفقر ... و العوز ... ويعم الرخاء كافة المعمورة
    2/ إنشاء مستشفيات كبرى متخصصة مدعومة بأحدث وسائل التشخيص العلاجي و أحدث المعدات الطبية ومدها بكافة أنواع ألأدوية اللازمة تقدم خدمات مقصورة على هذه الفئات الضعيفة بالمجان بموجب بطاقات زكوية تصدر إليهم بعد عملية حصر دقيق لا توجد فيه محسوبية أو غش أو محاباة لغير مستحق ... و أن لايتم تقديم هذه الخدمات لغيرهم ... لأنه حق مقصور عليهم ..... أو يمكن تقديم هذه الخدمات مقابل رسوم يدفعها المنتفعين من خدماتها من غير المستحقين تورد لصالح دعم هذه المستشفيات كرد لحق المستحقين الذي أستفاد به غيرهم .
    وبهذا نكون قد اشبعنا حاجة هذه الفئة الضعيفة و التي لاتملك تكاليف العلاج الباهظة والتي في بعض ألأحيان تؤدي لفقد حياتهم و حياة أبنائهم ... نتيجة عدم إمتلاكهم لما يغطي هذه التكاليف .
    3/ أن تقدم الخدمات التعليمية لأبناء هذه الفئة الضعيفة ..... حتى ما بعد التعليم الجامعي بموجب البطاقات الزكوية ....و بذلك نكون قد أمنا لأبناء هذه الفئات الضعيفة الفرصة الكاملة لتكملة تعليم أبنائهم ...و تأهيلهم ... لإدخالهم في العملية ألإنتاجية ... و إنتشال أسرهم من الفقر .. والحاجة .
    وهنا يتبادر للذهن سؤال آخر فإذا طبقنا هذه الوسائل في التوزيع ..... هل سيبقى هنالك فقيرا ؟ ..... هل سيبقى هنالك مسكينا ؟..... هل سيبقى هنالك ضعيفا ؟ فألإجابه بأن هذه الوسيلة في التوزيع كفيلة بالقضاء على كافة أسباب الفقر .. و الظلم ألإجتماعي ...داخل المجتمعات ألإسلامية .
    نتواصل لاحقا لبيان العامل الثاني من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... وسنتناول هنا العامل الثاني و هو نظام الميراث .
    ثانيا :- نظام الميراث :-
    يقول الله سبحانه و تعالى في سورة النساء
    ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان و ألأقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و ألأٌقربون ، مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7) و إذا حضر القسمة أولوا القربى و اليتامى و المساكين فأرزقوهم منه و قولوا لهم قولا معروفا (8 ) . سورة النساء ألآيتين (7) (8).
    ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ ألأنثيين ، فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك و إن كانت واحدة فلها النصف ، و لإبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلإمه الثلث ، فإن كان له إخوة فلإمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين . ) سورة النساء جزء من ألآية رقم ( 11)
    ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم ، إن لم يكن لهن ولد ، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ، و إن كان رجل يورث كلالة أو أمرأة وله أخ أو أخت ، فلكل واحد منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار ، وصية من الله و الله عليم حليم . ) سورة النساء ألآية رقم (12) .
    إذا تدبرنا هذه ألآيات الكريمة يتبادر إلى أذهاننا ... لماذا إهتم القرآن الكريم بوضع تشريع لتوزيع ثروة من إنتقل للدار ألآخرة من البشر إهتماما كبيرا ؟ .... ولماذا كل هذه الدقة في التوزيع و بيان ألأنصبة للورثة ؟ ... ولماذا كل هذا الشمول الذي لم يغفل أحدا من أولي القربى فحسب .... بل طال حتى اليتامى ... والمساكين الذين يحضرون القسمة .... ؟
    نجد أنفسنا أمام نظام سماوي عادل ..... يعمل على تفتيت الثروات الكبيرة منها والصغيرة ... بثابت لا يتغير بتغير الزمان أو المكان .... وحكمته في ذلك أن كل فرد و مهما طال به العمر ... فمصيره ألإنتقال إلى الحياة ألآخرة ...وهذا يعني .... أن كل ثروة مهما تراكمت و تعاظمت فمصيرها التفتيت بصورة هادئة وبقبول تام و دون إعترض و إعادة توزيعها على أكبر عدد من ألأفراد بهذا التشريع السماوي العادل .... والذي لا يوجد له أي نظير في اي نظام من ألأنظمة ألإقتصادية الوضعية ألأخرى .... وتنزه تشريع الخالق أن يقارن بتشاريع المخلوقات ، ولكن ألأمر كان لتوضيح الرؤيا لمن لا يعرفون و لا يعترفون إلا بالتشاريع الوضعية .
    و هنا نجد بأن هذا التشريع و الذي ينقل الملكية الواحدة ويعيد توزيعها إلى ملكيات متوسطة أو صغيرة .... وضع ليحد من تضخم الثروات ... و تركزها في أيدي قلة ... أو إنتقالها لفرد واحد أو أفراد قلة من بعد وفاة صاحبها .
    و كان هذا التشريع السماوي أداة عادلة لتحقيق قوله تعالى ( كي لايكون دولة بين ألأغنياء منكم .)
    وقد تولى الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم كل ما يتعلق بهذا التشريع ولم يترك للسنة النبوية الشريفة إلا القدر اليسير الذي يشبه ما يكون تفريعا أو بيانا لنص مجمل في القرآن ... و ألأصل في هذا التشريع هو القرآن الكريم .
    هذا وقد شدد ألإسلام على المسلمين ألإلتزام و المحافظة على هذا التشريع السماوي إلى أن تقوم الساعة و مصداقا لذلك فقد إعتبر رسولنا الكريم علم المواريث بأنه نصف العلم ألإسلامي إذ يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( تعلموا الفرائض - ويعني علم المواريث- وعلموها الناس فإنها نصف العلم . ) صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم .
    فاصبح هذا التشريع علما واسعا من العلوم ألإسلامية ... دأب علماء المسلمين على تعلمه و تعليمه ... مما نتج عنه كثير من المؤلفات في هذا المجال .
    نتواصل لاحقا لبيان العامل الثالث من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... والعامل الثاني وهو نظام الميراث وسنتناول هنا العامل الثالث و هو نظام الجزية .
    ثالثا :- نظام الجزية :-
    إن عدالة ألإسلام كرسالة سماوية .... منزلة من الخالق ..... تنشد في جانب من جوانبها إقامة مجتمع للناس ... يتسم بالعدل .... و الكفاية .... والمساواة ...... و ألإطعام من الجوع .... و ألأمن من الخوف ..... و عدم تركيز الثروات في أيدي قلة تتحكم بها في رقاب ألآخرين فتسخرهم لمصالحها الخاصة .
    هذه الرسالة ... وهي تنشد إشاعة ... و إرساء ... هذه القيم الفاضلة في مجتمع الدولة ألإسلامية .... لا تنشدها للمسلمين دون غيرهم ... بل تنشدها لمجتمع الدولة بأثره .... مسلمين .... و كتابيين .... وحتى الوثنيين منهم .... إذ أن ألإسلام قد أقر وجود غير المسلم في ظل الدولة ألإسلامية الواحدة ..... و قد كفل ألإسلام لغير المسلمين من الحقوق ما كفله للمسلمين .
    و نجد بأنه و بمثل ما كفل ألإسلام حقوقا لغير المسلمين داخل الدولة ألإسلامية ...... فقد أقر و فرض عليهم واجبات تجاه الدولة التي يعيشون فيها كمواطنيين أصيلين .... فبنفس القدر الذي وضع فيه ألإسلام وسائل لإعادة توزيع ملكية وثروات المسلمين ... وضع ألإسلام نهجا سماويا ..... عادلا ..... لإعادة توزيع ملكية و ثروات غير المسلمين ..... الذين يعيشون في كنف الدولة ألإسلامية ... تمثل في .... تشريع الجزية .
    الجزية .....فرضها الله سبحانه و تعالى على غير المسلمين داخل الدولة ألإسلامية الواحدة بقوله تعالى في سورة التوبة ألآية رقم (29) :-
    ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم ألآخر و لايحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . )
    وبتدبر هذه ألآية نجد أنه ... بمثلما شدد ألإسلام على عدم التهاون في إخراج الزكاة من أغنياء المسلمين .... وأوجب قتال الرافضين لإخراجها بالنص القرآني ضمنا في سورة التوبة ألآية رقم (5) ( فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم . ).... وفي السنة النبوية بالحديث الشريف :- ( أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم و أموالهم و حسابهم على الله .) ...... كما قام أول الخلفاء الراشدين سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه بقتال بعض المسلمين من العرب حينما رفضوا إخراج الزكاة و إنكروها .
    نجد أن ألإسلام قد شدد أيضا على عدم التهاون في إخراج الجزية من غير المسلمين و أمر بقتالهم حتى يؤدوها عن يد و هم صاغرون .... و حكمة ألإسلام في ذلك ..... تحقيق المنهج الرباني المتمثل في إقامة التوازن داخل المجتمع الواحد بإقامة مجتمع العدل .... و الكفاية .... والمساواة ...... و ألإطعام من الجوع .... و ألأمن من الخوف ..... و عدم تركز الثروات في أيدي قلة . و لحكمة يعلمها الله ... فقد أتى ألأمر بفرض الجزية ..... و التشدد وعدم التهاون في إخراجها ..... في آية واحدة ..... على عكس ما ورد في فرض الزكاة ... و التشدد على عدم التهاون في إخراجها ...و الذي ورد في آيات كريمات متعددات .
    مما تقدم نجد أن الله سبحانه و تعالى قد فرض على غير المسلمين تشريعا مختلفا لأعادة توزيع ثرواتهم يختلف إختلافا كاملا عن ذلك التشريع الذي فرضه على المسلمين .... والحكمة قي ذلك ... أن كافة التشاريع التي فرضها الله على المسلمين ترتبط بعقيدة ألإسلام ..... كالزكاة ... و التي تعتبر الركن الثالث من أركان ألإسلام .... ولايريد الله سبحانه وتعالى أن يفرض على غير المسلمين عبادة خاصة من عبادات ألإسلام عليهم دون أن يختاروها ... هم بأنفسهم .... لذلك فإن الله سبحانه و تعالى لم يطلب من غير المسلمين إخراج الزكاة .... بل فرض عليهم تشريعا آخر ... هو الجزية .... وذلك ليشتركوا في التشريع المفروض من الله سبحانه وتعالى المتمثل في .... ضرورة إعادة توزيع الملكية والثروات في المجتمع الواحد .... للوصول للغاية الكبرى و هي حظر تركز الثروات في أيدي قلة .
    و الجزية في ألإسلام هي ما يماثل ضريبة الرأس .... تفرض على غير المسلمين .... شأنها شأن زكاة الفطر ..... في كيفية أدائها .... إذ أن زكاة الفطر تفرض على الرأس .... ويتم إخراجها حوليا .... في ... أو ... قبل اليوم ألأول من عيد الفطر .
    و الجزية تفرض حوليا على غير المسلمين ... والذين يعتبرون مواطنيين أصيلين داخل الدولة ألإسلامية الواحدة .... تسدد في أول العام .... وقد أجمع العلماء .... على أن يحدد مقدارها من قبل الدولة .... بالصورة التي يقتضيها الحال .... و المقدرة المالية ... لمخرجيها .... و أن يتفاوت مقدارها بين من هو ظاهر الغنى ..... و من هو متوسط الغنى .... و من هو قادر على الكسب دون أن يكون فقيرا معدما .
    ولعدالة ألإسلام فقد إستثنى من هذه الجزية كل من .... الصبي ... و المرأة .... و كبار السن ... والمجنون ..... و ذوي العاهات التي تقعدهم عن العمل .... و الفقراء غير العاملين.
    وقد أجمع العلماء على إخراجها كلها دفعة واحدة في أول العام .... كما أجازوا ... تقسيطها على مدار العام .... و ذلك حسب حالة المكلف بإخراجها من ناحية قدرته المالية في إخراجها .
    والجزية تسقط عن غير المسلمين بعدة أسباب و هي .... في حالة إعتناق ألإسلام .... أو في حالة الموت ...... أو في حالة المرض الذي يقعد عن العمل لأكثر من نصف عام .... أو لتاخر سدادها أو سداد أقسساطها .... نتيجة ظروف قاهرة .... حقيقية ... وماثلة .... يقدرها أولي ألأمر .... وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين .
    و نتواصل لاحقا لبيان العوامل ألأخرى لإعادة توزيع الملكية و الثروات ،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... والعامل الثاني وهو نظام الميراث والعامل الثالث و هو نظام الجزية . وسنتناول هنا العامل الرابع وهو الصدقات كوسائل لمحاربة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع .
    رابعا :- الصدقات و الكفارات كوسائل لمحاربة الفقر والظواهر السالبة في المجتمع :-
    لقد أرسى ألإسلام شأنه شأن الرسالات السماوية ألأخرى حماية سابغة على الفقراء ... والضعفاء ..... وساوى بينهم وبين ألأغنياء ..... والذين تأبى أنفسهم دوما مساواتهم بالفقراء .... حتى و إن كان ألأمر موجها لهم ... من خالقهم .... ورازقهم من عنده بهذه الثروات التي بين أيديهم ..... إلا قليلا منهم ... آمنوا بربهم .... فعرفوا أنه الحق ... و أتبعوا الصراط المستقيم .
    وقد بين الله سبحانه و تعالى لرسولنا الكريم حال كل المترفين من ألأمم السابقة و رفضهم لدعوات الرسل و ألأنبياء من قبله ... وذلك حتى يطمئن قلب رسولنا الكريم حينما ووجهت دعوته بالرفض من مترفي قريش .... فكان البيان بصورة عامة في سورة سبأ في ألآية رقم (34)
    ( و ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون . )
    وفي سورة الزخرف ألآيتين (23) و (24)
    ( و كذلك مآ أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آبآءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبآءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون . (24) . )
    وكان هذا ألأمر جليا حينما بين الله سبحانه و تعالى .... حال مترفي قوم سيدنا نوح عليه السلام في القرآن الكريم :-
    ( قالوا أنؤمن لك و أتبعك ألأرزلون . ) سورة الشعراء ألآية (111)
    وتجرأ قوم نوح على الخالق و رسوله حينما قالوا ... و بين ذلك القرآن الكريم :-
    ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا و ما نراك إتبعك إلا الذين هم أرازلنا و ما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين .) سورة هود ألآية (27)
    وقد تجرأ قوم نوح أكثر من ذلك ... فطلبوا منه عليه السلام ... بطرد هؤلاء الفقراء و ألأرازل من دينه لأن نفوسهم تأبى أن يتساووا .... أو يجتمعوا مع هؤلاء في دين واحد ...... فهل إستجاب لهم سيدنا نوح عليه السلام ؟ ... وهل خضع لهم ليبتغي عندهم العزة ؟ ... كلا ... فإنها رسالة منزلة من الله سبحانه و تعالى خالقهم و خالقه .... فهل يتخلى سيدنا نوح عن رسالة الله و تعاليمه ... ليرضي هذه الفئة الباغية ؟ .... فيخسر رسالته ... يخسر دينه ... يخسر في المقام ألأول خالقه ؟ .
    كان رد سيدنا نوح ... قويا ... مستمدا من الله سبحانه و تعالى ... خالقه ... و جاعله نبيا و رسولا ... يدعو لدينه ... وقد تمثل رده في سورة هود :-
    ( و يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله و ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون (29) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون (30) و لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولآ أقول للذين تذدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين (31) . )
    وكان الرد الحاسم لهم في سورة الشعراء في ألآية (114) :-
    ( و ما أنا بطارد المؤمنين . )
    وقد كان حال مترفي قريش كحال مترفي قوم نوح .... رافضين لدعوة الخالق .... التي تساوي بين كل خلقه .... أغنياء ... فقراء .... أرقاء ... وموالي ..... رفضوها ... لأن أنفسهم المستكبرة ... تأبى أن يتساووا ... مع هؤلاء الضعفاء ..... بل تجرءوا حتى على رسولنا الكريم .... فأستكثروا عليه أن يكون رسول من الله .... وهو بشر ... يتيم .... فقير ... لايملك من الجاه و الثروات ما يملكون ..... فبين الله سبحانه وتعالى نظرتهم لرسولنا الكريم في سورة الفرقان ألآيات (7) و (8) :-
    ( وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في ألأسواق لولآ أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا (7) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا . (8) )
    كما بين الله سبحانه و تعالى نظرتهم لرسولنا الكريم في سورة الزخرف ألآية (31) :-
    ( و قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم . )
    تجرء مترفي قريش كما تجرء مترفي قوم نوح من قبل فطلبوا من رسولنا الكريم أن يطرد هؤلاء ألأرازل ( كما يصورونهم ) ... يطردهم من دين الله حتى يؤمنوا له .... فبمثلما إستأثروا بالثروات .... يريدون أن يستأثروا بدين الله .... ليسخروه ... لأطماعهم .... ليسخروه لزيادة جاههم ...... ليسخروه في إزلال الضعفاء ... والفقراء ... والمساكين .
    فهل إستجاب أشرف الخلق ... خاتم المرسلين .... الداعي إلى الحق ... والنور المبين لدعواهم ؟
    كان رده عليه أفضل الصلاة والتسليم من قول الله سبحانه و تعالى في سورة ألأنعام :-
    ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب و لآ أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي ألأعمى و البصير أفلا تتفكرون . ) سورة ألأنعام ألآية (50) .
    ( و لاتطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ و ما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين .)
    لم يتبع رسولنا الكريم أهواءهم .... لأنه رسول الحق ... رسول الهدى ... الهادي إلى الصراط المستقيم .... مبلغ رسالة ربه .... الرسالة الداعية في جانب من جوانبها ... لإزالة الفقر .... لإزالة العوز ... و أسبابه .... للمساواة بين كافة عباده .
    بعد أن بين الله سبحانه و تعالى حال المترفين في ألأمم السابقة و حال مترفي قريش عند ظهور ألإسلام ... وبعد أن بين بصورة عامة بأن كل ألأزمات .... وكل دمار ألأمم إنما يكون... من قبل أفعال هؤلآء ... لطغيانهم ... و إستإثارهم بالثروات ... والتي يجعلونها دولة بين فئة قليلة منهم .... يتحكمون بها في مصائر العباد ... ويفعلون بهم كل ما تهوى لهم أنفسهم ...... فيكونون سببا في خلق ألأزمات .... التي تعصف بالبلاد .... و تهلك العباد .... وقد بين الله سبحانه و تعالى ذلك في سورة ألإسراء ألآية (16) :-
    ( و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا . )
    و بعد كل هذا ... بعد أن بين الله سبحانه وتعالى بأن المترفين .... وهم قلة ... بأنهم هم أسباب كل ألأزمات .... و أسباب كل ألإنهيارات .... وأسباب الوقوف ضد كل ما يساوي بين الناس .. ويحقق مجتمع المساواة ... والكفاية ... وألأمن ... وسعة العيش للعباد ... فهل أمر بمصادرة أموالهم ؟ ..... هل أمر بمحاربتهم من أجل ثرواتهم ؟ .... كلا ... فإنه الخالق ... العدل ... الرؤوف ... الرحيم بعباده ... العالم بخبايا النفس البشرية التي خلقها ... لم يحاربهم سبحانه و تعالى .... بل جاء لهم بالعلاج الشافي لنفوسهم المريضة .... جاء في رسالته بالوسائل العملية ... التي تحررهم من أغلالهم ... تحررهم من سطوة المال عليهم ... و إستعباده إياهم ....جاء ليطهر نفوسهم .... ليغير نظرتهم تجاه الفقراء .... و المحرومين ... والضعفاء ... جاء لهم بالحق ... فإن إتبعوه ... وعدهم بالنماء... وبالزيادة في الخير... في الدنيا ..... وبالجزاء العظيم في ألآخرة .... جاء بالتشاريع التي تحررهم ... وتحرر الضعفاء من أسرهم ... تشاريع لتقيم مجتمع المساواة ... والعدل ... والكفاية .... و ألأمن من الخوف... نهجا سماويا دقيقا .... ومنظما ... لإقامة هذا المجتمع .... وسيلته ... ليس الحرب على الثروات ولا على أصحاب الثروات .... بل كانت وسيلته حربا ضروسة على الفقر .... على القهر ... على إستعباد ألإنسان لأخيه ألإنسان .
    قام ألإسلام بوضع تشريعات محددة ووسائل معينة ... واقعية ... وعملية ... تعتمد على عنصري ألإلزام .... و ألإلتزام .... تشريعات لاتجعل المال دولة في أيدي ألأغنياء .... تشريعات ... ووسائل ربطها بعقيدة ألإسلام .... تنشد مصلحة المجتمع بأثره دون هوى أو تحيز.
    وقد ذكرنا من قبل بعض من هذه التشريعات .... ونحن هنا بصدد تشريعات عملية أخرى تصب في معالجة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع و تتمثل هذه التشريعات في ألآتي :-
    1/ الصدقات بنوعيها ألإلزامي .... و محدد بميعاد .... والواجب ... وغير محدد بميعاد
    2/ الكفارات بجميع أنواعها .
    و هذا ما سنتناوله لاحقا ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... والعامل الثاني وهو نظام الميراث والعامل الثالث و هو نظام الجزية . وأستعرضنا مقدمة للعامل الرابع وهو الصدقات و الكفارات كوسائل لمحاربة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع .
    و سنتناول هنا تفاصيل العامل الرابع وهو الصدقات و الكفارات كوسائل لمحاربة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع .
    الصدقات

    و الصدقات في ألإسلام نوعين النوع ألأول إلزامي و محدد بميعاد والثاني واجب و غير محدد بميعاد .
    1/ الصدقات ألإلزامية :-
    وهي تلك الصدقات الواجب إخراجها على كل مسلم ومسلمة في ميعاد محدد وهي تتمثل في ألآتي :-
    ¥ صدقة الفطر :-
    وقد كلف رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم كافة المسلمين بإخراجها بعد ألإنتهاء من صوم شهر رمضان وهي تفرض على ( الرأس) ... و هذه الصدقة قد شرعت بالسنة النبوية ..... و ألأصل في وجوبها ما رواه عبد الله بن ثعلبة بن صغير العذري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :- ( أدوا عن كل حر و عبد ، صغيرا أو كبيرا ، نصف صاع من بر ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . )
    وكذلك ما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال ( فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر على الذكر و ألأنثى ، الحر و العبد ، صاعا من تمر أو صاعا من شعير . )
    كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :- ( أدوا صدقة الفطر عن كل حر ، و عبد ، يهودي أو نصراني . )
    وهذه الصدقة توجب على مخرجيها أن يؤدوها عن كل الذين يتولون أمرهم ... صغارا أو كبارا ... أحرارا .... أو أرقاء .... مسلمين .... أوغير مسلمين ... وقد حددت السنة النبوية الشريفة مقدار هذه الصدقة كما أسلفنا ...... وقد أجمع العلماء بإخراجها بما ورد في السنة ..... أوإخراجها بقيمتها ..... ويمكن لمخرجها أن يخرجها في أي من موارد الزكاة الثمانية ..... أو تسليمها للدولة لتقوم بإنفاقها في مصارف الزكاة الثمانية .
    وميقات إخراج هذه الصدقة هو قبل صلاة عيد الفطر .... وقد أجمع بعض العلماء على إمكانية إخراجها خلال شهر رمضان .
    والفريد في هذه الصدقة ..... أنها ليست واجبة على ألأغنياء وحدهم.... بل وجب على الفقراء إخراجها ... ليواسي بها الغني الفقير .... ويواسي بها الفقير من هو أشد فقرا منه ... ألأمر الذي يرفع من معنويات الفقراء ... ويشعرهم بكرامتهم ... و إنسانيتهم ... وشعورهم ..... بمساواتهم بألأغنياء .... في تكوين المجتمع .
    و الحكمة من فرض هذه الصدقة ...... هو تفريغ بال المحتاجين لسد إحتياجاتهم وإحتياجات أبنائهم في هذا اليوم العظيم ... وليغمر الفرح بيوتهم ... كما غمر الفرح بيوت ألآخرين ... ولتغنيهم عن سؤال الناس في هذا اليوم مصداقا لقول رسولنا الكريم :- ( أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم . )
    (ب)صدقة ألأضاحي :-
    صدقة ألأضاحي من الصدقات ألإلزامية المحددة بميعاد .... والمفروضة من الله سبحانه و تعالى على المسلمين بقوله تعالى في سورة الكوثر ألآية رقم (2) ( فصلي لربك و أنحر . )
    و لعظمة هذه الصدقة فقد فرضها الله سبحانه و تعالى ..... و قرنها بثاني ركن من أركان ألإسلام وهو الصلاة .
    و صدقة ألأضاحي .... واجبة كل عام.... بميعاد محدد ..... وهو ثلاثة أيام من شهر ذو الحجة .... هي العاشر .... والحادي عشر ..... والثاني عشر ... منه .
    وهذه الصدقة واجبة .... و ملزمة .... على كل مسلم .... حر .... مقيم .... موسر .... كل عام ..... و في ميقاتها المحدد ..... و ما يؤيد ... ويفيد ألإلزام والوجوب لهذه الصدقة .... ألأمر المباشر من الله سبحانه و تعالى بأدائها ... وقرنها بالصلاة .... أما ما يؤيد وجوبها ... و إلزامها في السنة .... ماورد في ألأحاديث النبوية الشريفة ... يقول رسولنا الكريم :- ( يا أيها الناس ‘ على كل أهل بيت في كل عام أضحية . )
    ويقول رسولنا الكريم ( ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم . )
    كما يقول رسولنا الكريم :- ( من وجد سعة و لم يضح ، فلا يقربن مصلانا . )
    وقد بينت النصوص القرآنية و السنة النبوية الشريفة .... تقسيم لحوم ألأضاحي إلى ثلاثة ..... ثلث للأكل .... وثلث للتصدق .... و ثلث للإدخار .... و يظهر ذلك جليا في النصوص القرآنية بقوله سبحانه وتعالى في سورة الحج :-
    ( ليشهدوا منافع لهم ، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة ألأنعام ، فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير . ) آية (28)
    ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ، فأذكروا إسم الله عليها صوآف ، فإذا وجبت جنوبها ، فكلوا منها ، و أطعموا القانع و المعتر , كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون . ) آية ( 36)
    و من نصوص السنة النبوية الشريفة في تقسيم ألأضاحي إلى ثلاث قول رسولنا الكريم :- ( كنت نهيتكم عن لحوم ألأضاحي فوق ثلاث ، ليسع ذوو الطول من لا طول له ، فكلوا ما بدا لكم ، ، و أطعموا ، و ادخروا . )
    مما تقدم .... نجد أن ثلث لحوم ألأضاحي المذبوحة في أيام النحر الثلاث .... و بأمر من الله سبحانه و تعالى و بأمر من رسولنا الكريم .... تذهب للفقراء ... والمساكين .... و المحرومين من أكلها ... محرومين من أكلها أغلب أيام العام لعدم قدرتهم على شرائها ... فيتمتعون بها طيلة هذه ألأيام الثلاث .... و ما بعدها بما يدخرونه منها .... فيتساوى في هذه ألأيام كل من ألأغنياء .... و الفقراء ... في توفر حاجتهم من الطعام الطيب ...عن طريق هذه الصدقة ...... و التي شأنها شأن الصدقات ألأخرى تؤدي إلى توثيق الصلات الحسنة بين ألأغنياء ... و الفقراء .... و تحقق مبدأ التكافل بينهم .... كما و أنها في صورتها العامة .... تعمل على تحقيق مبدأ من مبادئ النظام ألإسلامي السماوي ... والذي ينشد في جانب من جوانبه... مجتمع عادل .... أحد أركانه هو العمل على ألإطعام من الجوع .

    تحدثنا سابقا في العامل الرابع المباشر لإعادة توزيع الملكية والثروات عن النوع ألأول من الصدقات و هو الصدقات ألإلزامية والمحددة بميعاد .... و سنتناول هنا النوع الثاني من الصدقات وهو الصدقات الواجبة و الغير محددة بميعاد :-
    1/ الصدقات ألواجبة و الغير محددة بميعاد :-
    و هذه الصدقات قد حث عليها ألإسلام في كثير آيات القرآن الكريم ..... ويعتبر هذا النوع من الصدقات ..... وسيلة من وسائل ألإسلام العملية للقضاء على الفقر .... فرغم أنه قد شرع الزكاة ... و شرع صدقة الفطر ... وألأضاحي ... ففي حربه الضروسة لإزالة الفقر ... كان لابد من توفر وسائل أخرى .... يومية .... دائمة .... إلى أن تقوم الساعة .... تعمل على سد حاجة الفقراء .... و المساكين ..... و المحرومين .... فالزكاة .... و كل من صدقة الفطر و ألأضاحي .... محددة بميعاد ..... لذلك دعى ألإسلام لهذا النوع من الصدقات ..... لتكون وسيلة دائمة لمعالجة الفقر .... و قد إتخذ القرآن الكريم ... والسنة النبوية الشريفة ... كل من الترغيب و الترهيب ... كأداة لشحذ الهمم ..... على أداء هذا النوع من الصدقات ... و ذلك حيث يعد الله سبحانه و تعالى .... و كذلك السنة النبوية الشريفة ... مستخرجي هذه الصدقات بالفوز العظيم في الدنيا و ألآخرة ..... كما يهدد ألأشحاء .... و المكتنزين .... بالويل العظيم في ألآخرة .... ومحق ما بخلوا به و كنزوه في الدنيا .... و نزع البركة منه .... ونكتفي هنا ... بما يؤيد ذلك في الكتاب والسنة بالحديث الشريف لرسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم ... والذي إستند فيه على آيات بينات من الذكر الحكيم ... و سنتناول ألأمر بالتفصيل ... لاحقا ... في العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات ... وهو عامل الترغيب والترهيب .
    عندما سئل رسولنا الكريم عن الزكاة قال صلى الله عليه وسلم :- ( إن في المال حق غير الزكاة . ) ثم تلا قوله تعالى في سورة البقرة ألآية ( 177) ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم ألآخر والملائكة و الكتاب و النبيين و ءاتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبن السبيل والسآئلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأسآء و الضراء و حين البأس أولائك الذين صدقوا و أولائك هم المتقون . )
    فبتدبر هذه ألآية الكريمة و مصداقا لحديث نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم .... نجد أن هنالك حق آخر في المال غير الزكاة ... ففي هذه ألآية قد بين الله سبحانه و تعالى مصارف للإنفاق ... منها ما هو مصرف من مصارف الزكاة .... كالمساكين .... وأبن السبيل ... و الرقاب .... ومصارف أخرى ... هي ذوي القربى ... واليتامى .... و ذكر الزكاة كحق ... واجب ... و منفصل .... و ربط كل هذه الحقوق في المال بعقيدة ألإسلام ... بأركانه ... وهي ... الصلاة ... والزكاة ... و بأركان ألإيمان ... وهي ... ألإيمان بالله .... وكتبه .... و رسله .... و ملائكته .... واليوم ألآخر .
    و من هنا .... تتجلى لنا عظمة أداء هذا الحق في المال ومن ضمنها هذا النوع من الصدقات .... هذه الحقوق التي سنها الله سبحانه وتعالى ... لإقامة مجتمع العدل .... والكفاية .... و المساواة .... و ألإطعام من الجوع ..... و ألأمن من الخوف ..... والقضاء على الفقر ... و الظواهر السالبة في المجتمع ... وتحرير ألأغنياء من أغلال سطوة المال عليهم .
    ونتواصل لاحقا لبيان الوسيلة الثاتية من العامل المباشر الرابع لإعادة توزيع الملكية و الثروات وهذه الوسيلة هي تشريع الكفارات ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن الوسيلة ألأولى من العامل الرابع لإعادة توزيع الملكية و الثروات و هي الصدقات و سنتناول هنا الوسيلة الثاتية من العامل الرابع لإعادة توزيع الملكية و هي تشريع الكفارات ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    الكفارات
    ألإسلام ... و في سعيه الدؤوب .... بحربه المستعرة ... للقضاء على الفقر .... و العوز .... و الظواهر السالبة ... في مجتمع الدولة ألإسلامية .... لم يقتصر في ذلك على وسيلة واحدة بل تنوعت الوسائل العملية فيه ... كأدوات فاعلة للقضاء على الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع ... وقد ذكرنا سابقا بعض هذه الوسائل ... ونحن هنا ألآن أمام وسيلة أخرى شرعها ألإسلام لتكون ضمن الوسائل اليومية الدائمة ... التي تعمل على محاربة الفقر.... والظواهر السالبة في المجتمع .... وقد فرضت هذه الوسيلة مباشرة من الله سبحانه وتعالى و بصورة مفصلة في كثير من آيات القرآن الكريم ... وهذه الوسيلة هي ... تشريع الكفارات .
    و الكفارات ... هي تطهير للمسلم .. من بعض الذنوب التي يرتكبها ... أو تطهير له .. عن مخالفات قد إرتكبها في تشريع من التشاريع السماوية .... وقد ربط الله سبحانه و تعالى في هذه الكفارات بين تطهير المسلم من ذنوبه و مخالفاته .... و بين محاربة الفقر ... و القضاء على الظواهر السالبة في المجتمع ... وذلك حينما وجه الله سبحانه و تعالى هذه الكفارات .... لإطعام المساكين ... و الفقراء ... و كسوتهم .... كما وجهها لتحرير ألأرقاء من أسر العبودية التي حاربها ألإسلام ... كما حارب الفقر ... وعمل على المساواة بين ألأحرار ... و ألأرقاء .. في دين الله ... و لا فضل على أحد منهم ... إلا بالتقوى .
    و قد فرض الله سبحانه و تعالى العديد من الكفارات على المسلمين .... أغنياءهم ... وفقراءهم .... دون تمييز بينهم ... وذلك حتى تتنوع الوسائل للقضاء على الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع .
    وقد حدد الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم ... أنواع هذه الكفارات ... و مقدارها .... و قد تم في المقادير ... مراعاة الفقراء و المساكين الذين لايقدرون على أدائها عينا ... فكان هنالك أداءا روحيا ... تمثل في الصوم ... عوضا عن ألأداء العيني ، و يمكن أن نفصل هذه الكقارات في ألآتي :-
    1/ كفارة الحنث في ألإيمان :-
    و مقدارها إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم .... أو تحرير رقبة مؤمنة ... أو صيام ثلاثة أيام ، و قد فرضت بقوله سبحانه وتعالى في سورة المائدة ألآية (89) :-
    ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم ألإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ماتطعمون أهليكم ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ، وأحفظوا أيمانكم ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون)
    ومن ألآية الكريمة يتضح لنا تنوع الخيارات لأداء هذه الكفارة و الواجبة على كافة المسلمين .... غنيهم ... و فقيرهم .... وذلك حتى يتمكن الكل من أدائها ... فمن لم يستطع أدائها عينا .... فيمكنه أدائها روحيا بالصيام ثلاثة أيام .
    2/ كفارة المحرم بحج أو عمرة و قتل صيد الحرم متعمدا :-
    و قد فرضت هذه الكفارة في سورة المائدة ألآية (95) يقول الله سبحانه و تعالى :-
    ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم ، و من قتله منكم متعمدا ـ فجزاء مثل ما قتل من النعم ، يحكم به ذوا عدل منكم ، هديا بالغ الكعبة ، أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره ، عفا الله عما سلف ، و من عاد فينتقم الله منه ، و الله عزيز ذو إنتقام . )
    و قد أجمع العلماء ... بأن ما يحكم به ذو العدل للمماثلة فيما قتله المحرم من صيد ... و الذي قد يكون كبشا ... أو شاة .... أو أي نوع من أنواع البدن ألأخرى .... يجب أن يتم ذبحه في الكعبة .... و يتم التصدق بلحومه على الفقراء و المساكين ... أو يمكن دفع قيمته نقدا .... ليوزع على الفقراء ... كحالة قتل طيور الحرم .

    3/ كفارة مخالفات الحج :-
    وهي متنوعة بتنوع مقدارها حسب المخالفة و تنحصر في ألآتي :-
    (أ)ألإحصار عن المضي إلى الحج :-
    وكفارة هذه المخالفة ذبح ما تيسر ... شاة هديا تذبح في الحرم ... و توزع لحومها على الفقراء و المساكين .
    (ب) حلق الرأس قبل إحضار الهدي إلى الحرم:-
    فإذا قام الحاج بحلق رأسه قبل إحضار الهدي إلى الحرم لمرض ما في رأسه ... فكفارة هذه المخالفة ... صوم ثلاثة أيام ... أو صدقة من غالب قوت أهل البلد مقدارها ثلاثة آصع ( والصاع هو وحدة الكيل في زمن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم . ) و ذلك على ستة مساكين .... أو ذبح شاة و توزيع لحومها على الفقراء و المساكين ، وهذه الكفارات تكون لمن هو مقيم في البيت الحرام .... أما غير المقيمين في البيت الحرام فيمكن أن تكون الكفارة بصيام عشرة أيام ثلاثة منها في الحج و سبعة أيام بعد وصولهم لبلدانهم . وقد أجمع العلماء على أن تجري هذه المخالفة على الحاج .. الذي يتطيب أو يلبس غير ملابس ألإحرام ... إذا كان ألأمر لعذر أو غير عذر.
    (ج) ألإحرام بالعمرة في أشهر الحج قبل أداء الحج إن كان الحاج ليس من أهل مكة و ماحولها :-
    ومقدار كفارة هذا العمل أن يقوم الحاج المتمتع بالحج و العمرة بذبح ما تيسر من الهدي ... شاة ... كبش .
    وقد فرض الله سبحانه و تعالى هذه الكفارات الثلاثة (أ) و (ب) و (ج) .... في آية واحدة من سورة البقرة ..... هي ألآية (196) بقوله الله سبحانه وتعالى :-
    ( وأتموا الحج والعمرة لله ، فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي و لا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فإذآ أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، و سبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ، ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام و اتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب . )
    4/ كفارة مخالفات ألإفطار في شهر رمضان :-
    و نحن هنا أمام نوعين من الكفارات كفارة ألإفطار في شهر رمضان لعذر شرعي .... وكفارة ألإفطار عمدا في شهر رمضان دون وجود عذر شرعي .
    (أ)كفارة الفاطر بعذر شرعي في شهر مضان :-
    والله سبحانه و تعالى و قد فرض الصوم لتطهير النفوس .. وصحة ألأبدان ... وليتذوق ألإنسان مايحس به الفقراء والمساكين من أثر الجوع والعطش عليهم .... إلا أن الله سبحانه وتعالى ..... وهو خالق النفس البشرية ..... يعلم بأن هنالك بعض ألأفراد لايستطيعون الصوم .... لأصابتهم بأمراض مزمنة ..... أو لكبر في السن .... فهؤلاء وحتى يحسوا بإمتثالهم لأوامر الله سبحانه وتعالى ..... تم الترخيص لهم بألإفطار في شهر رمضان مقابل كفارة تؤدي لمحاربة الفقر ... و ألإطعام من الجوع ..... و كفارة هذه الرخصة هي إطعام مسكين واحد عن اليوم الذي يتم فيه ألإفطار .... وقد فرضت هذه الكفارة بقوله تعالى في سورة البقرة في ألآية ( 184) :-
    ( أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ، و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له , و أن تصوموا خير لكم لكم إن كنتم تعلمون . )
    (ب)كفارة الفاطر عمدا في شهر مضان :-
    فرضت هذه الكفارة بالسنة النبوية الشريفة .... فقد أوجبت السنة النبوية على الفاطر في شهر رمضان عمدا و دون وجود عذر شرعي للإفطار .......أوجبت عليه كفارة مقدارها عتق رقبة ..... فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين .... فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ..... وذلك عن اليوم الواحد ........ و السند على هذه الكفارة قول النبي صلى الله عليه و سلم :-( من أفطر في نهار رمضان فعليه ما على المظاهر . ) .

    5/ كفارة الظهار :-
    و الظهار هو قول الرجل لزوجته .... ( أنت علي كظهر أمي ) ... أي أنه يحرم عليه جماعها .... فإن تراجع عن قوله هذا ..... وأراد أن يعاشرها كزوجة لا يحرم جماعها ... فقبل عودته لها لا بد من أداء كفارة مقدارها تحرير رقبة ... فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ... فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا .)
    وقد فرضت هذه الكفارة بقوله تعالى في سورة المجادلة ألآيتين (3) و (4):-
    ( الذين يظاهرون منكم من نسآئهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا الآئي ولدنهم , و إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا و إن الله لعفو غفور (2) و الذين يظاهرون من نسآئهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتمآسا ذلكم توعظون به و الله بما تعملون خبير . )
    و نتواصل لاحقا في العامل الخامس من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات ،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... والعامل الثاني وهو نظام الميراث والعامل الثالث و هو نظام الجزية ، والعامل الرابع وهو الصدقات و الكفارات كوسائل لمحاربة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع .
    و سنتناول هنا تفاصيل العامل الخامس وهو الخراج .
    خامسا :- الخراج
    والخراج عبارة عن رسوم تفرض على كل أرض زراعية ..... فتحت عنوة بواسطة المسلمين .... ولم يعتنق أهلها ألإسلام ولم تنزع منهم و استقروا عليها و باشروا فيها نشاطهم .
    ووعاء الخراج هو ألأرض ذاتها ..... لذلك يدفع عنها الخراج مرة واحدة في العام .... حتى و لو تكرر إنتاجها في العام الواحد أكثر من مرة .
    وهذا التشريع لم يفرض بالكتاب و لا بالسنة ..... بل تم فرضه في عهد سيدنا عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين ( رضي الله عنه ) ..... بعد ما بدأت الفتوحات ألإسلامية في عهده ..... و توسعت الدولة ألإسلامية .... و ضمت إليها بلدان و أراضي لغير المسلمين ... أسلم فيها من أسلم .... و تبقى منهم ما تبقى على أديانهم السابقة دون إعتناق ألإسلام .
    بعد أن قام سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) بفرض هذا التشريع حدث خلاف كبير بينه وبين بعض الصحابة رضوان الله عليهم . إذ أنه و إستجابة لطلب عامة الفاتحين لبلاد العراق و الشام ومصر فقد تقدم كل من أمراء الجنود في تلك البلاد ......... بطلب إلى أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب ... بمصادرة ألأراضي الزراعية المفتوحة .... والتي لم يعتنق أصحابها ألإسلام .... وتوزيعها على الفاتحين ..... بإعتبارها غنيمة حرب يجب تقسيمها ..... إلا أن سيدنا عمر رفض هذا الطلب .... و أمرهم فقط بتوزيع ألأموال المنقولة و ما شابهها على الفاتحين .... أما ألأراضي فيجب عدم مصادرتها .... و إستبقائها على حالها .... وملكيتها لأهلها التي وجدوا عليها .... على أن يتم أخذ الخراج منها .
    إستثار هذا الرفض بعض كبار الصحابة و أبوا إلا أن يتم تقسيم هذه ألأراضي على الفاتحين .... نسبة لأنها فتحت بسواعدهم .... و شجاعتهم ..... وحد سيوفهم .
    إلا أن سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) كان يرى ما لايرون ... كانت نظرته أعمق .... كانت أبعد من نظرة الصحابة الرافضين لأمره .... فلم يجعله عليهم أمرا فوقيا .... لأنه ليس من الكتاب .... ولا من السنة .... فجادلهم بالتي هي أحسن .... حتى يصلوا إلى ما وصل إليه .... فقال لهم سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) ( هبوا أنكم قسمتم ألأراضي على الفاتحين ... و نال كل حظه من هذا الفئ .... فكيف تسد الثغور .... و تشحن ألأطراف بالجيوش ... أرأيتم هذه الثغور .. لابد لها من رجال يلزمونها .... أرأيتم هذه المدن العظام كالشام ... و الجزيرة ... و الكوفة ... و البصرة ... و مصر ... لابد لها أن تشحن بالجيوش ... و إدرار العطاء عليهم .... و ماذا يكون للأبناء ... و ألأحفاد ... و ألأرامل ببلاد العرب ... و أطراف الدولة .... إني أرى ما لا ترون .... إني أرى إقرار هذه ألأراضي في أيدي أصحابها .... وربط الخراج عليها . ) ورد هذا في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص 337 . ( نقلا عن كتاب أبو يوسف – الخراج ص 25)
    تلخصت نظرة سيدنا عمر في أنه لو تم توزيع هذه ألأراضي على الفاتحين .... فهذا يعني إستقرارهم ... و عزفهم عن الجهاد .... و الدفاع عن حدود الدولة ألإسلامية .... كما أن توزيعها عليهم .... يعني إحتكارهم لثروة .... بمعزل عن ألآخرين .... الذين جاهدوا ... و قاتلوا ..... وقتلوا في سبيل الله شهداء .... فخلفوا من اليتامى ... و ألأرامل ... والذين يجب أن يكون لهم حق في خراج هذه ألأرض .... كما أن توزيع ألأراضي على الفاتحين.... يعتبر حكرا لثروة ... يجب أن يتم توجيهها لدعم جيوش الدولة .... و تجهيزها بالسلاح ... و العتاد للدفاع عن هذه المكتسبات ... والدفاع عن كافة المسلمين ... و الذميين .... في الدولة ألإسلامية الكبيرة الممتدة .
    بعد النقاش المستفيض .... إنصاع كل من الصحابة المخالفين لرأي سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) لقراره وتم إبقاء تلك ألأراضي في أيدي أصحابها ... فتم إقرار تشريع الخراج .
    لم يكتف سيدنا عمر بفرض تشريع الخراج فقط ... فبقدر ماكان ( رضي الله عنه ) حريصا على توفير العدالة بما يتفق مع روح ألإسلام .... كان حريصا على تأسيس الدولة ألإسلامية بأسس عملية ... و علمية ... لذك فقد قام بتعيين كل من عثمان بن حنيف و حذيفة بن اليمان للقيام بحصر أراضي العراق عمليا .... و مسحها مسحا دقيقا ميدانيا ... و تحديد .. وربط الخراج عليها حسب نوع الزروع ... والثمار .... ولم يتركهم ( رضي الله عنه ) في ذلك لأهوائهم .... بل قدم إليهم النصح ... بثوابت يضعونها صوب أعينهم عند أدائهم لهذه المهمة التي كلفوا بها . فأمرهم عند وضعهم لخراج هذه ألأراضي و ترتيبها أن يضعوا في الحسبان ... ثروة أصحاب هذه ألأرض .... و طبيعة هذه ألأرض من حيث خصوبتها ... أو جدبها ... و نوع النباتات ... و ألأشجار المزروعة فيها .... و أمرهم بالرفق بأصحابها .... و أن لايتم وضع مقادير للخراج عليها فوق طاقة أصحابها .... و أن لا تكون فيها زيادة تضر بهم .... و أن يراعى أن يترك لهم من إنتاجها ما يدخرونه لمواجهة النوائب ... و الحوائج .... و أمرهم بإستشارة أهل تلك البلاد فيما سيقومون به من تقدير لخراج هذه ألأراضي . ورد هذا في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص 338 . ( نقلا عن كتاب أبو يوسف – الخراج ص 38)
    وقد قام كل من عثمان بن حنيف و حذيفة بن اليمان بما كلفا به خير قيام ... وتم مسح كافة ألأراضي التي كلفا بمسحها ... وتم ربط الخراج عليها .
    تم ربط الخراج على كل جريب يبلغه الماء ( والجريب يقدر بمساحة 3600 ذراع مربع) درهم و قفيز هاشمي ( و القفيز الهاشمي هو الصاع ) ... أي أنه قد تم فرض الخراج على الجريب الواحد بنوعين من الرسوم ..... ألأول نقدا بمبلغ واحد درهم ... والثاني عينا بمقدار صاع من ناتج هذه ألأرض .
    أما فيما يتعلق بخراج الثمار فقد تم فرض 10 دراهم على جريب العنب .... وعلى جريب النخل 8 دراهم وعلى جريب القصب 6 دراهم وعلى جريب الرطاب 5 دراهم ... ورد في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص338 ( نقلا عن كتاب أبو يوسف – الخراج ص36 )
    وقد طبق نظام الخراج في العراق و إقليم الشام كما طبق في مصر ... والتي كانت وحدة المساحة فيها الفدان و ليس الجريب .
    و مما تقدم يتضح لنا ما ذكرناه سابقا ... بأن ألإسلام في نهجه السماوي الذي أنزل لتنظيم الحياة لعباد الله لإقامة مجتمع الكفاية ... و العدل ... و المساواة .... و ألإطعام من الجوع ... و ألأمن من الخوف ... و عدم تركز الثروات في أيدي قلة .... قد وضع الثوابت لهذا النظام ... و ترك المتغيرات ... التي تتغير بتطور الحياة ليتم وضعها بما تتطلبه مستجدات الحياة و تطورها ... دون أن يكون في ذلك مخالفة للثوابت التي شرعها الله سبحانه و تعالى ..... و مصداقا لقول رسولنا الكريم .. عليه أفضل الصلاة و التسليم ( أنتم أدرى بشئون دنياكم ) .
    ضرب لنا سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) مثلا حيا و عمليا لوضع هذه المتغيرات ... بالصورة التي لاتتعارض مع التشاريع السماوية .... و تعمل على التوجيه السماوى من الله سبحانه وتعالى في الحرص على إقامة المجتمع ألإسلامي الفاضل .
    لم يكتف سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) بهذا التشريع فقط بل شرع تشريعا آخر و هو تشريع العشور ... وهو العامل السادس من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات و الذي سنتناوله لاحقا ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... والعامل الثاني وهو نظام الميراث والعامل الثالث و هو نظام الجزية والعامل الرابع وهو الصدقات و الكفارات كوسائل لمحاربة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع و العامل الخامس وهو الخراج .
    و سنتناول هنا تفاصيل العامل السادس وهو العشور .

    سادسا :- العشور
    و العشور هي .... الرسوم المفروضة على التجارة الواردة للدولة ألإسلامية ... و الصادرة منها ..... وهي ما تعادل الرسوم الجمركية في وقتنا المعاصر ..... و فيها يتم أخذ نسبة معينة من قيمة بضائع المارين من التجار دخولا.... أو خروجا .... في الدولة ألإسلامية أو ولاياتها .... أيا كان التجار .... مسلمين .... أو ذميين ..... أو حربيين ... بشرط أن يكون مقدار قيمة البضاعة يعادل ما تتوافر فيه شروط وجوب الزكاة على المسلم ... أي أن قيمة البضاعة تعادل قيمة النصاب في الزكاة .
    والعشور لم تفرض لا بالكتاب ... و لا بالسنة ..... وإنما تم تشريعها بواسطة سيدنا عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ).... وقد أشرنا سابقا بأنه أول من وضع تشاريع المتغيرات في نظام ألإقتصاد ألإسلامي .
    فرضت العشور حينما رأى سيدنا أبا موسى ألأشعري .... بعضا من الدول غير ألإسلامية تفرض ضريبة على البضائع التي يدخل بها المسلمون لتلك الدول ..... فكتب إلى سيدنا عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ).... يسأله عن كيف يكون موقفه من معاملة تجار الدول الغير مسلمة إذا دخلوا ببضائعهم للدولة ألإسلامية .... فأمره سيدنا عمر ( رضي الله عنه ).... أن يأخذ رسوما من الحربيين على قدر ما يأخذونه من المسلمين في بلدانهم ... وكان العشر في وقتها ... ومن الذميين نصف العشر .... و من المسلمين ربع العشر . إذ كان خطاب سيدنا عمر ( رضي الله عنه ).... له ( خذ أنت منهم كما يأخذونه من تجار المسلمين ، و خذ من أهل الذمة نصف العشر ... ومن المسلمين كل أربعين درهم درهما و مازاد فبحسابه . ) ورد في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص343 (نقلا عن كتاب كتاب أبو يوسف ص135)
    و هكذا فقد تم فرض العشور ... وقد كان سيدنا عمر ( رضي الله عنه ).... عمليا في ذلك إذ جعلها متنوعة المعايير .... تختلف بإختلاف المكلفين بها .... وقد ذهب إلى أبعد من ذلك إذ قام بتحديد النصاب ألأدنى الذي تجب فيه العشور .... فجعله من الذهب عشرين دينارا .... أو عشرين مثقالا ..... و من الفضة مئتي درهم _ ورد ذلك في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص343 (نقلا عن كتاب المغنى الجزء 10 ص 598)
    لم يتوقف سيدنا عمر ( رضي الله عنه )....على فرض العشور ... و وضع معاييرها ... و أنصبتها ... بل قام عمليا بتعيين العشار ... وهم العاملون المكلفون بجباية العشور على مداخل ... و مخارج الدولة ألإسلامية .... و أمرهم بالمحافظة على هذا التشريع .... وعدم التعسف في جبايته ... ومراعاة شعور التجار .... و تصديقهم فيما يقولون .... خصوصا المسلمين منهم .... هذا وقد ذهب سيدنا عمر ( رضي الله عنه )....عمليا .... إلى أبعد من ذلك إذ أنه أمر عمال ألأعشار ... أن يتم إعطاء التجار ... الذين أخذت منهم هذه العشور ... جوازا بما دفعوه من حقوق أموالهم .... ليكون لهم حجة ... حين تنقلهم .... ومرورهم على العمال ألآخرين ... وذلك ليعفيهم من دفع رسوم أخرى .... إلا إذا كان لهم زيادة ... في البضاعة التي دفعوا العشور عنها .... فتؤخذ رسوم الزائد .... ثم يسمح لهم بالتنقل ... و ألإنتفاع بمرافق الدولة .
    ورد في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص ( نقلا عن كتاب النظام المالي المقارن في ألإسلام ) ص 47 النظام المالي المقارن في ألإسلام
    كانت هذه العشور لا تأخذ من التجار المسلمين ... إلا أذا إنتقل التاجر من بلاده إلى بلاد أخرى .... حتى و لو كانت داخل الدولة ألإسلامية الواحدة .... فإذا إنتقل تاجر العراق إلى بلاد الشام تأخذ منه العشور .... أما إذا تحرك داخل بلاد العراق .... فلا تأخذ منه .
    و نسبة لمشقة السفر ... في تلك ألأيام .... و إستغراقه لفترة زمنية طويلة ..... حتى يتكرر مرة ثانية ,,, فقد فرض سيدنا عمر ( رضي الله عنه ).... أن لاتأخذ هذه العشور في العام إلا مرة واحدة وقد ورد ذلك في خطاب سيدنا عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ).... إلى زياد بن جرير عامل ألأعشار في الشام :-
    ( من مر عليك ، فأخذت منه صدقة ، فلا تأخذ منه شيئا إلى ذلك اليوم من قابل ، إلا أن تجد فضلا . ) ورد في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص 343 ( نقلا عن كتاب أبو يوسف ص 135.)
    وقد كان سيدنا عمر ( رضي الله عنه )..... يفض مقدار هذه الضريبة و يرفعها أحيانا ..... في ألأصناف الواردة للدولة ألإسلامية .... والتي يكون المسلمون في حوجة ملحة لها كالزيت .... و الحبوب .... فقد ذكر المؤرخون بأن سيدنا عمر ( رضي الله عنه ).... قد أمر عمال ألأعشار أن يأخذوا من الحربيين حين دخولهم بهذين الصنفين إلى بلاد الحجاز .. نصف العشر ... و بإعفائهم أحيانا أخرى . ورد في كتاب المبادئ ألإقتصادية في ألإسلام ص 343 و ص 344 (نقلا عن كتاب المغنى الجزء 10 ص 601 . )
    إستمرت العشور طيلة فترة الدولة ألإسلامية .... و قد أضيف عليها في الدولتين ألأموية و العباسية .... ضريبة أعشار السفن .... والتي كانت تضرب على كل السفن التي تمر على بلاد المسلمين بمقدار العشر .... مما تحمله هذه السفن من بضائع .... والتي كانت تؤخذ نقدا أو عينا .
    و نتواصل لاحقا في العامل السابع من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، .

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... والعامل الثاني وهو نظام الميراث والعامل الثالث و هو نظام الجزية والعامل الرابع وهو الصدقات و الكفارات كوسائل لمحاربة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع و العامل الخامس وهو الخراج و العامل السادس وهو العشور .
    و سنتناول هنا تفاصيل العامل السابع وهو الأوقاف .
    سابعا :- الأوقاف
    والوقف قد شرعه رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم ... وذلك فيما رواه محمد بن الحسن عن صخر بن جويرية عن نافع عن إبن عمر :-
    ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت له أرض تدعى ثمغ وكانت تحوي نخيلا نفيسا فقال عمر :- يا رسول الله إني لإستفدت مالا نفيسا ، افأتصدق به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( تصدق بأصله ، لايباع ، ولا يوهب ، ولا يورث ، ولكن تنفق ثمرته على المساكين . ) فتصدق به سيدنا عمر ( رضي الله عنه ، في سبيل الله ، وفي الرقاب ، و المساكين ، وأبن السبيل ، و ذوي القربى . ) ورد في كتاب ألإقتصاد ألإسلامي المقارن للدكتور إبراهيم الطحاوي ص 391 ( نقلا عن ألإختيار شرح المختار الموصلي الجزء 2 ص 104 . )
    و يعرف الوقف بانه هو قيام صاحب الملكية بالتصدق بجزء من ... أو كل ملكيته ... بحجزها .... وعدم التصرف فيها بأي صورة من صور إنتقال الملكية كالبيع.... و الهبة ..... و الميراث ، على أن يتم التصدق بمنفعتها بصورة دائمة ... على وجه من أوجه الخير .... و البر .... و ألإحسان .
    والوقف يعتبر نظاما ... لايتواجد له مثيل في المجال إلإجتماعي في غير بلاد المسلمين .... نسبة لأن فيه يقوم المالك .... و بمحض إرادته .... ودون إكراه ....بالتنازل عن جزء من ملكيته ..... أو كلها .... ليتم توزيع نفعها .... و نتاجها .... بصورة متصلة .... و دائمة ... على الضعفاء .... و المساكين .... وذووي الحاجات ... و ذلك رغم النزعة الموجودة داخل ألإنسان .... والتي خلق بها .... من حب للتملك ... و ألإستكثار من الثروات .
    الإسلام الرسالة السماوية المنزلة من الله الحق .... قد حررت كثير من أصحاب الثروات من أغلال أسر المال لهم ..... وجعلتهم يتنازلون طوعا ... عن ثرواتهم ... لإقامة مجتمع الكفاية ....والعدل .... و المساواة .... و ألإطعام من الجوع .... و ألأمن من الخوف .... وعدم تركز الثروات في أيدي قلة .... تحرروا من أسر المال لأنهم يرجون تجارة لن تبور .... أولئك الذين تدبروا آيات الله و عملوا بها .... أولئك الذين عزفوا عن الدنيا ... ومغرياتها .. يرجون رحمة من الله ... ورضوانا ... أولئك الذين أجابوا داعي الله ... أولئك الذين ذكرهم الله سبحانه و تعالى في كثير من آياته :-
    ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه و لاخلة و لا شفاعة و الكافرون هم الظالمون . ) سورة البقرة آية ( 254 ) .
    ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة و الله يضاعف لمن يشاء و الله واسع عليم . ) سورة البقرة آية ( 261 ) .
    ( و مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله و تثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابهاوابل فـءـاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل و الله بما تعملون بصير . ) سورة البقرة آية ( 265 ) .
    ( والذين يؤتون مآ ءاتوا و قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون (60 ) أولائك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون . ) سورة المؤمنون آية (60) و (61) .
    ( و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولي القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل الله و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم . ) سورة النور آية (22) .
    ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له و له أجر كريم . ) سورة الحديد آية (11).
    ( إن المصدقين و المصدقات و أقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم و لهم أجر كريم . ) سورة الحديد آية (18).
    ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم (10) تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . ) سورة الصف ألآيات (10) و (11) .
    ( و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين . ) سورة المنافقون آية (10) .
    ( إنما أموالكم و أولادكم فتنة و الله عنده أجر عظيم (15) فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و أطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون . (16) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم و يغفر لكم و الله شكور حليم . ) سورة التغابن ألآيات (15) و (16) و (17) .
    و بتدبر ألآيات السابقات .... يتضح لنا جليا لماذا تنازل بعض من أثرياء المسلمين ... طوعا .... ودون كراهية ... عن جزء من .... أو كل ملكياتهم وثرواتهم ... لتكون وقفا ... لإعانة ... المساكين .... والفقراء .... و ذووي الحاجات .... ويتضح لنا مدى تأثير ألإسلام على النفس البشرية ... وتهذيبها .... و تحريرها ... و تخليصها .... من كل الشوائب التي خلقت بها .
    وللإستفادة .... و ألإنتفاع بهذه ألأوقاف .... و تنظيمها .... وتوجيهها في ألأغراض التي تم بموجبها تنازل مالكيها عن ملكيتها ... فعادة ما تملك هذه ألأوقاف للدولة .... ونجد في كثير من الدول ألإسلامية ..... إقامة وزارات متخصصة ... تعنى بهذه ألأوقاف ... فتقوم برعايتها ... و صيانتها ... لجعلها نافعة للمستفيدين منها بصورة دائمة ..... كما تقوم بتوزيع خدماتها ... و ناتجها ... و منافعها لمستحقيها .
    هذا و قد أسهمت هذه ألأوقاف بصورة فاعلة في المجتمعات ألإسلامية .... فكانت عونا للفقراء .... والمساكين .... و ذووي الحاجات ... فمنها تم إنشاء و رعاية المستشفيات ... و المدارس .... و الجامعات .... و المساجد .... و مراكز تحفيظ القرآن .... و حفر ألآبار .... و إنشاء الطرق .... و الجسور .... و قنوات الري .... و مد فقراء المزارعين بالبذور و ألأسمدة .... وفقراء العمال بمدخلات ألإنتاج ... و إقامة المدارس والمعاهد الخاصة للمعوقين من المكفوفين ... و الصم .... و البكم ... وتوفير العلاج لأصحاب ألأمراض المزمنة .... كالسرطان ... و الفشل الكلوي .... وتعدى ألأمر ذلك للمساعدة في تسهيل الزواج على الشباب بالدعم لتجاوز النفقات الباهظة لتكاليف الزواج .... كما أنها قد إمتدت لدعم قدرات الدولة في الدفاع .
    وعليه يتضح لنا بأن ألأوقاف تعمل في إتجاهين .... ألإتجاه ألأول عدم جعل الثروات حكرا في أيدي قلة .... و ألإتجاه الثاني المساهمة .... و الدعم لإقامة النظام العادل للمجتمع ألإسلامي القائم على الكفاية .... و العدل .... و المساواة .
    ونتواصل لاحقا في العامل الثامن من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، .
    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و هو الزكاة ... والعامل الثاني وهو نظام الميراث والعامل الثالث و هو نظام الجزية والعامل الرابع وهو الصدقات و الكفارات كوسائل لمحاربة الفقر و الظواهر السالبة في المجتمع و العامل الخامس وهو الخراج و العامل السادس وهو العشور و العامل السابع وهو الأوقاف .
    و سنتناول هنا تفاصيل العامل الثامن و ألأخير وهو تشريع الغنائم .
    ثامنا :- تشريع الغنائم
    أول مابدأت الدعوة ألإسلامية .... بدأت بالحكمة ... و الموعظة الحسنة ..... ولكن هنالك عدة عوامل عاقت دون إنتشار الدعوة عن طريق الحكمة و الموعظة الحسنة كوسيلة وحيدة .... وقد تمثلت هذه العوامل في ألآتي :-
    1/ عندما تعرض رسولنا الكريم و من إتبعه من المسلمين للأذى من كفار قريش .... أذن لأصحابه بالهجرة .... فكانت الهجرة ألأولى لبلاد الحبشة .... تلتها الهجرة الثانية للمدينة المنورة .... فبعد هجرة رسولنا الكريم ... و أصحابه .... عمدت قريش إلى مصادرة كافة ممتلكات المهاجرين ... و أموالهم ... عنوة .... وكان في هذا ظلم كبير و ماحق ... وقع على المهاجرين من المسلمين ... و تحدي سافر لابد من أن يواجه بالمقاومة لإسترداد الحقوق المسلوبة .
    2/ بعد أن تم إكتمال الهجرة إلى المدينةالمنورة ... و أتسع نطاق دعوة الإسلام ... نشط بعض المسلمون من التجار في مزاولة أعمالهم في التجارة ... ألأمر الذي إعتبره يهود المنطقة ... بأنه منافسة لهم في نشاطهم ألأساسي في المنطقة مما أدى لتذمرهم .... فسعوا للقضاء على رسول الله و أصحابه ... كما سعوا للقضاء على الدولة الوليدة ... التي بدأت تتأسس بخطى ثابتة وقوية ... و تقوم على دين يختلف عن دينهم ... وقيم ... ومثل .... تختلف عن قيمهم ... و مثلهم ... مما يعني لهم وجود مهدد حقيقي ماثل يسعى للقضاء على كافة المصالح اليهودية بالمنطقة .... فأصبح هنالك تحدي آخر يواجه المسلمين ... وهو اليهود ... مما إستوجب وضع حد لهذا التحدي .
    3/ بعد أن بدأت ملامح الدولة ألإسلامية تضح في المدينة المنورة .... أرسل رسولنا الكريم ... رسائل لحكام دول الجوار ... فكانت الرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة .... و إلى هرقل عظيم الروم .... و إلى كسرى عظيم الفرس المجوس .... و إلى المقوقس عظيم قبط مصر ..... و إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين .... و إلى جيفر ملك عمان ..... و إلى آخرين .... إستجاب البعض منهم ... وتقبلها البعض ... ولكنه لم يعمل بما جاء فيها .... ومزقها البعض ... وهدد و كال بالوعيد ... للقضاء على رسول الله ... ودولته .... و هؤلاء أصبحوا مهددا رئيسيا لدولة ألإسلام ... إضافة إلى أنهم أصيحوا حائلا دون وصول دعوة ألإسلام لشعوبهم ... وعدم إمكانية وصول هذه الدعوة للشعوب إلا بإسقاط هذه ألأنظمة المستبدة الحاكمة .... و دحرها ... حتى يتم إيصال دعوة ألإسلام .... و هي خاتم الرسالات المنزلة من الله سبحانه وتعالى لرسولنا الكريم ... ليبلغها لكافة العالمين .
    من هنا بدأ دور هام في تاريخ ألإسلام..... تمثل في بداية نضال المسلمين ضد قريش .... و ضد اليهود ... وضد المهددات الحقيقية من بعض دول الجوار ... ووقوفها حائلا دون تبليغ دعوة ألإسلام .
    ونتيجة لهذا الظلم الماحق .... و المكر السيئ .... و التهديد المباشر .... أذن الله للمسلمين بقتال هذه الفئات ... وفرض الله الجهاد على المسلمين في سورة الحج بقوله ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها إسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . ) سورة الحج ألآيات (39) و (40) .
    وقد وجه الله سبحانه و تعالى في كثير من ألآيات الكريمة بدعوة المسلمين على الجهاد و من هذه ألآيات على سبيل المثال لا الحصر ألآتي :-

    ( إن الله إشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حق في التوراة و ألإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من الله فأستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك الفوز العظيم . ) سورة التوبة ألآية (111) .
    ( يا أيها الذين امنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار و ليجدوا فيكم غلظة و اعلموا أن الله مع المتقين . ) سورة التوبة ألآية (123) .
    ( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم و ءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم و ما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم و أنتم لاتظلمون . ) سورة ألأنفال ألآية (60) .
    وهكذا تم تشريع الجهاد بتشريع سماوي من الله سبحانه و تعالى من أجل صد الظلم عن المسلمين .... و من أجل توصيل و تبليغ الدعوة لرسالة ألإسلام .... ومن أجل التصدي لكل المهددات من قبل القوى المستكبرة ... التي تستعبد شعوبها ... وتقف حائلا دون وصول رسالة ألإسلام إليهم .... بل هي تستعد وتجهز نفسها للقضاء على الدولة ألإسلامية ... و إخماد الرسالة السماوية التي تدعوا لها .... قبل أن تصل إليهم.
    و من هنا بدأ عهد الفتوحات ألإسلامية .... في حياة رسولنا الكريم ( صلى الله عليه و سلم ) .... و استمرت من بعده .... حتى إتسعت الدولة ألإسلامية .... و أصبحت تضم جزء كبير من بلدان العالم ..... وكان من نتائج هذه الفتوحات .... الكثير من الغنائم ... ممثلة في ثروات ... و أموال .... أصبحت بين يدي الدولة ألإسلامية .... لذلك إستوجب على ألإسلام تنظيم .... و توجيه ... و إعادة توزيع هذه الثروات و ألأموال بالصورة التي تؤدي إلى عدم إشاعة الفوضى .... و الجشع .... و نزعة حب التملك .... و ألإستئثار بالخيرات دون ألآخرين .... و توظيف هذه ألأموال والثروات المصادرة بالصورة التي تؤدي ... إلى إرساء قواعد المجتمع الذي ينشده ألإسلام ... مجتمع الكفاية ... و العدل ..... و المساواة .... و ألإطعام من الجوع .... و ألأمن من الخوف ..... و عدم تركز الثروات في أيدي قلة ...تتحكم بها في رقاب ألآخرين .... فأنزل من الله سبحانه و تعالى تشريعا سماويا و هو الخالق و العالم بخبايا نفوس خلقه .... و العالم بإحتياجاتهم ..... و هو العامل على تنظيم شئون حياتهم .... و إرساء العدل بينهم ... فكان تشريع الغنائم و الذي تم بيانه في سورة ألأنفال .. يقول الله سبحانه وتعالى :- ( و اعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و أبن السبيل إن كنتم آمنتم بالله و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان و الله على كل شيء قدير . ) سورة ألأنفال ألآية (41) .
    و يمكن أن نعرف الغنائم بأنها هي ماتم ألإستيلاء عليه من أموال ... و ثروات الكفار الذين عادوا الله و رسوله ... و دينه الحق .... وذلك بعد أن تم هزيمتهم من قبل جيوش المسلمين .
    وبتدبر ألآية التي فرضت تشريع الغنائم نجد أن التشريع قد قسم ما يصيبه المسلمون في الحرب من ثروات و أموال إلى خمسة أسهم ..... السهم ألأول لله و للرسول ... و لذي القربى ... و اليتامى ... و المساكين ... وابن السبيل ... مما يعني ضمنا بأن ألأربع ألأسهم المتبقية تكون من نصيب المقاتلين الذين شهدوا الحرب .
    وهذا التقسيم قد وجه خمس الغنائم للإنفاق في مصالح المسلمين ألإجتماعية وتم توجيه ألأربع أخماس ألأخرى للمقاتلين .... والذين يعتبرون جزء لا يتجزء من المجتمع ألإسلامي .... ألأمر الذي عزز جانبهم .... و شجعهم على المضي قدما في الفتوحات .... و النضال ... و الجهاد في مشارق ألأرض و مغاربها ... فثبت الله أقدامهم ... ونصرهم نصرا مبينا .
    و ما يهمنا في هذا التشريع هو الخمس ألأول الذي تم ذكره صراحة من الله سبحانه وتعالى وبتدبر إستحقاقات هذا الخمس ... نجد أن ذكر إسم الله سبحانه وتعالى في ألآية ليس للإستحقاق ... لأن كل شيء هولله سيحانه و تعالى ... إبتداء .... و إنتهاء .... و قد كان ذكر الله سبحانه و تعالى ... هو إشعار بأن توزيع الخمس بين القئات المذكورة من بعده في ألآية إنما هو طاعة لله تعالى .... كما هو الحال في إقراض الله قرضا حسنا فيضاعفه له .... و ألإقراض لله هو ألإنفاق على الفقراء و المساكين و في سبيل الله و ابن السبيل .
    أما ما كان يخص رسولنا الكريم ( صلى الله عليه و سلم ) .... فقد كان مرحليا .... ساد في حياة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم .... و انتهى بإنتقاله للرفيق ألأعلى ..... و دلالة ذلك عدم قيام الخلفاء الراشدين بإعطاء هذا ألإستحقاق لأحد من بعده .
    و قد شمل التشريع في هذا الخمس ذوي القربى... لرسولنا الكريم نسبة لأن ألإسلام ... لم يقر لهم بإستحقاق في زكاة المسلمين ... ولا في صدقاتهم .

    كما أن التشريع في هذا الخمس قد شمل ثلاث فئات .... فكانت الفئة ألأولى هي اليتامى .... و ذلك نسبة لفقدان العائل لهم ... و حتى يتم من نصيبهم ... إعاشتهم ... و تعليمهم ... و رعايتهم ... صحيا .. و إجتماعيا ... و تربيتهم حتى يكونوا مؤهلين .... للإشتراك في معركة الحياة في المستقبل .
    أما الفئة الثانية فهم المساكين ... وهم المحتاجون ... الذين لا يجدون ... ما يسد حاجتهم ... من مأكلهم ... و مشربهم .... وملبسهم ... ومسكنهم ... وعلاجهم ... وتأمين عجزهم .
    أما الفئة الثالثة و ألأخيرة فهي إبن السبيل ... أي المسافرون ... و الذين إهتم بهم ألإسلام إهتماما بالغا ... و أنشأ في المسلمين الميل إلى إكرامهم ... و رعايتهم .... و ألإحسان إليهم ... فجعل لهم نصيبا في الزكاة .... والصدقات ...كما جعل لهم هنا .. نصيبا في الغنائم .... مما سهل على الناس ... سبل التجارة .... و أداء الشعائر ... والتعليم ... و المعرفة ... و دراسة ألأحوال ... و رؤية المشاهد العلمية ... و التاريخية .
    و قد عمل مورد الغنائم .... و حسب تشريعه السماوي .... على دعم الغاية ... و الهدف الذي ينشده ألإسلام ... نحو إقامة مجتمعه العادل القاضي بإرساء قيم الكفاية ... والعدل ... و المساواة بين الناس .... و ألإطعام من الجوع ... و ألأمن من الخوف ..... وعدم تركز الثروات في أيدي قلة ..... كما أنه قد دعم الدولة ألإسلامية .... و خفف عنها عبء الضائقة المالية الشديدة التي كانت تعانيها في أيام ألإسلام ألأولى .

    و يعتبر تشريع الغنائم في دراستنا هذه هو العامل ألأخير من العوامل المباشرة لإعادة و توزيع الثروات والملكية .... و إن كانت هنالك بعض العوامل ألأخرى التي لم نذكرها .... وذلك حتى نتمكن من أن نركز على الجوانب الهامة في ألإقتصاد ألإسلامي ونتواصل لاحقا لبيان العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الثروات والملكية في النظام ألإقتصادي ألإسلامي ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات .... و سنتناول هنا العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الثروات و الملكية :-
    العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الثروات و الملكية
    ألإسلام كرسالة سماوية منزلة من الخالق ... وهي تنشد في جانبها ألإقتصادي و ألإجتماعي ..... إقامة مجتمع متوازن لا تستأثر فيه طبقة واحدة بالثروات لتتحكم عن طريقها في رقاب ألآخرين .... لتسلب حرياتهم ... و تسخرهم لخدمة أغراضهم ... بإذلالهم ... وتلقي لهم بالفتات ... وضع ألإسلام من التشريعات كوسائل مباشرة و عملية .... تعمل على إيجاد التوازن في المجتمع ألإسلامي لتقيم مجتمع الكفاية .... و العدل ... و المساواة .... و ألإطعام من الجوع .... و ألأمن من الخوف .... وعدم تركز الثروات في أيدي قلة .
    وقد ذكرنا بالتفصيل فيما سبق تلك العوامل المباشرة التي تعمل على إعادة توزيع الثروات و الملكية .... بصورة مباشرة .... و إلزامية .... و ثابتة ... لاتتغير بتغير الزمان ... و المكان .
    و ألإسلام ... و في سعيه الدؤوب لمعالجة الفقر ... و إقامة المجتمع ألإسلامي الفاضل و المتوازن ... لم يتوقف فقط على سن هذه التشريعات ألإلزامية بل سعى لتثبيت هذه التشريعات بإيقاظ الجانب الروحي لدى ألأفراد .... وحثهمم ترغيبا ... للوسائل التي تعمل في إيجاد التوازن في المجتمع لمحاربة الفقر و أسبابه ... و ذلك بالإنفاق على الفقراء .... و سد حاجاتهم طواعية ... و دون إلزام .... و بشرهم بجزاء عظيم في الحياة الدنيا ... و في ألآخرة ..... ولم يقتصر ألأمر على الترغيب .... بل أن ألإسلام قد لجأ إلى عامل الترهيب ... كوسيلة أخرى ... للتأثير في الجانب الروحي للأفراد للعمل على محاربة الفقر ... و كافة الظواهر السالبة في المجتمع .... إبتغاء مرضات الله .... وخوفا من عقابه ... و عذابه في الدنيا و ألآخرة .... نتيجة عدم ألإمتثال لأمر الله سبحانه وتعالى في العمل على ترسيخ .... وتثبيت المجتمع ألإسلامي المتوازن .
    وقد ورد في القرآن الكريم .... والسنة النبوية الشريفة ... الكثير من ألآيات الكريمة و ألأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على ألإنفاق .... و تبشر المنفق بالثواب في الدنيا و ألآخرة .... و ترهب ... و تهدد بالوعيد في الدنيا و ألآخرة كل ألأفراد الذين يجمعون الثروات و ألأموال و يكدسونها ... و يكتنزوها .... و يبخلون .... و يمسكون عن ألإنفاق لسد حاجة الفقراء و المساكين .... و في ذلك عدم ألإمتثال لأمر الله سبحانه و تعالى و الذي وهبهم ... و رزقهم بهذه الثروات ، أمر الله سبحانه و تعالى ... القاضي على العمل على ألإنفاق في سبيل الله ... و سد حاجات كافة المحتاجين في المجتمع ألإسلامي .. للوصول للمجتمع ألإسلامي المتوازن .
    كانت هذه ألآيات الكريمة و ألأحاديث النبوية الشريفة عبارة عن عوامل غير مباشرة تعمل حنبا إلى جنب مع التشريعات المباشرة نحو إعادة توزيع الملكية والثروات بغية الوصول للهدف المنشود ... و هو إقامة المجتمع ألإسلامي المتوازن .
    ويمكن أن نورد هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر .... جزء من هذه ألآيات الكريمة و ألأحاديث النبوية الشريفة :-
    أولا :- آيات الترغيب :-
    يقول الله سبحانه و تعالى في محكم تنزيله :-
    1/ ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب ولكن البر من ءامن بالله و اليوم ألأخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و ءاتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السآئلين و في الرقاب و أقام الصلاة و ءاتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون . ) سورة البقرة آية (177) .
    2/ ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة و الله يقبض ويبصط و إليه ترجعون . ) سورة البقرة آية (245) .
    3/ ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لايتبعون مآ أنفقوا منا ولآ أذى لهم أجرهم عند ربهم و لاخوف عليهم و لا هم يحزنون . ) سورة البقرة آية (262) .
    4/ ( و مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله و تثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فـءـاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل و الله بما تعملون بصير . ) سورة البقرة آية (265) .
    5/ ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي و إن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم و يكفر عنكم من سيئاتكم و الله بما تعملون خبير . ) سورة البقرة آية (271) .
    6/ ( الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لاخوف عليهم و لا هم يحزنون .) سورة البقرة آية (274) .
    7/ ( الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم . ) سورة ألأنفال ألآيات (3) و (4) .
    8/ ( و الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم سرا و علانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار . ) سورة الرعد آية (22) .
    9/ ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و الصابرين على مآ أصابهم و المقيمي الصلاة و مما رزقناهم ينفقون . ) سورة الحج آية (35) .
    10/ ( إن الذين يتلون كتاب الله و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور (29) ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله إنه غفور شكور . ) سورة فاطر آيات (29) و (30) .
    11/ ( إن المصدقين و المصدقات و أقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم و لهم أجر كريم . ) سورة الحديد آية ( 18) .
    12/ ( فأما من أعطى و أتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى . ) سورة الليل ألآيات (5) و (6) و (7) .
    13 / ( و سيجنبها ألأتقى (17) الذي يؤتي ماله يتزكى . ) سورة الليل ألآيات (17) و (18) .
    ثانيا :- ألأحاديث النبوية التي تتناول الترغيب
    و سنتناول هنا حديثا نبويا شريفا واحدا شاملا :-
    ( عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :- ( لما خلق الله ألأرض ، جعلت تميد ، فخلق الجبال فعاد بها عليها ، فأستقرت ، فعجبت الملائكة من شدة الجبال ، قالوا يارب هل من خلقك أشد من الجبال ؟ ، قال نعم الحديد ، قالوا يا رب فهل من خلقك شئء أشد من الحديد ؟ قال نعم النار ، فقالوا يارب فهل من خلقك شئء أشد من النار؟ ، قال نعم الماء ، قالوا يارب فهل من خلقك شئء أشد من الماء ؟ ، قال نعم الريح ، قالوا يا رب فهل من خلقك شئء أشد من الريح ؟ ، قال نعم إبن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله . ) الحديث (151 ) – رياض الصالحين ص (168) .
    ثالثا :- آيات الترهيب :-
    يقول الله سبحانه و تعالى في محكم تنزيله :-
    1/ ( الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء و الله يعدكم مغفرة منه و فضلا و الله واسع عليم . ) سورة البقرة آية (268) .
    2/ ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون و ماتنفقوا من شئء فإن الله به عليم . ) سورة آل عمران آية (92) .
    3/ (و لايحسبن الذين يبخلون بمآ ءاتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة و لله ميراث السموات و ألأرض و الله بما تعملون خبير.) سورة آل عمران آية (180) .
    4/ ( الذين يبخلون و يأمرون الناس بالبخل و يكتمون مآ ءاتاهم الله من فضله و أعتدنا للكافرين عذابا مهينا .) سورة النساء آية (37) .
    5/ (يا أيها الذين ءامنوا إن كثير من ألأحبار و الرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون . ) سورة التوبة ألآيات (34) و(35) .
    6/ (وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون .) سورة النحل آية (112) .
    7/ (و إذآ أردنآ أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا. ) سورة ألإسراء آية (16) .
    8/ (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية ألإنفاق و كان ألإنسان قتورا . ) سورة ألإسراء آية (100) .
    9/ (ليكفروا بما ءاتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون . ) سورة الروم آية (34) .
    10/ (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في ألأرض بغير الحق و بما كنتم تفسقون . ) سورة ألأحقاف آية (20) .
    11/ (إن يسـءـلكموها فيحفكم تبخلوا و يخرج أضغانكم (37) هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل و من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني و أنتم الفقراء و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم . ) سورة محمد ألآيات (37) و (38) .
    12/ (الذين يبخلون و يأمرون الناس بالبخل و من يتول فإن الله هو الغني الحميد . ) سورة االحديد آية (24) .

    13 / (خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه (31) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه (32) إنه كان لايؤمن بالله العظيم (33) و لايحض على طعام المسكين . ) سورة الحاقة ألآيات (30) و(31) و(32) و (33) و(34) .
    14 / (كلا إنها لظى (15) نزاعة للشوى (16) تدعو من أدبر و تولى (17) و جمع فأوعى (18) .) سورة المعارج ألآيات (15) و(16) و(17) و (18)
    15/ ( ما سلككم في سقر(42) قالو لم نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين . ) سورة ألمدثر ألآيات (42) و(43) و(44) .
    16/ (كلا بل لاتكرمون اليتيم (17) و لا تحاضون على طعام المسكين (18) و تأكلون التراث أكلا لما (19) و تحبون المال حبا جما.) سورة ألفجر ألآيات (17) و(18) و(19) و (20) .
    17/ ( وأما من بخل و استغنى (8) و كذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى و ما يغني عنه ماله إذا تردى . ) سورة الليل ألآيات (8) و(9) و(10) و (11) .
    18/ ( ألهاكم التكاثر (1) حتى زرتم المقابر . ) سورة االتكاثر ألآيات (1) و (2)
    19/ ( ويل لكل همزة لمزة (1) الذي جمع مالا و عدده (2) يحسب أن ماله أخلده (3) كلا لينبذن في الحطمة (4) و ما أدراك ما الحطمة (5) نار الله الموقدة (6) التي تطلع على ألأفئدة (7) إنها عليهم مؤصدة (8) في عمد ممددة (9) . ) سورة الهمزة ألآيات (1) و(2) و(3) و(4) و(5) و(6) و(7) و(8) و (9) .
    20/ ( أرأيت الذي يكذب بالدين (1) فذلك الذي يدع اليتيم (2) و لايحض على طعام المسكين (3) فويل للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون (5) الذين هم يرآءون (6) و يمنعون الماعون (7). ) سورة الماعون ألآيات (1) و(2) و(3) و(4) و(5) و (6) و(7) .
    ثانيا :- ألأحاديث النبوية التي تتناول الترهيب
    و سنتناول هنا حديثا نبويا شريفا واحدا شاملا :-
    ( عن يسر بن جحاش رضي الله عنه قال :- ( بزق النبي صلى الله عليه وسلم في كفه ثم وضع أصبعه السبابة وقال :- يقول الله عز و جل أنى يعجزني إبن آدم وقد خلقته من مثل هذه ، فإذا بلغت نفسك هذه و أشار إلى حلقه ، قلت أتصدق و أنى أوان الصدقة .) الحديث (154 ) – رياض الصالحين ص (169) .
    ونتواصل لاحقا لبيان عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات .... و سنتناول هنا عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى
    عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى
    الملكية و الثروات لا تنشأ من فراغ .... بل تنشأ عن مزاولة نشاط ما ... يبدأ فائض ناتجه بالتراكم .... و يتم توجيه الفائض المتراكم ... في تنمية النشاط ألأساسي .... أو توجيهه لنشاط آخر .... وهكذا يبدأ التكوين ألأولي للملكية أو الثروات .
    ألإسلام كرسالة سماوية منزلة من الخالق .... الحق ... العالم بشئون خلقه ... والذي يعمل دوما لتنظيم حياة خلقه ... لم يبيح لخلقه وعباده أن يتكسبوا المال و الثروات ... كيفما شاءوا ... فقد وضع سبحانه وتعالى عواملا تقيد الملكية ... و الثروات عند نشأتها ألأولى ... وذلك بأن بين الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم .... وسنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و التسليم صراحة ... الطرق المشروعة و الغير مشروعة لإكتساب المال و الثروات ... فأباح و حلل بعض ألأنشطة لأكتساب المال ... ونهى ... و حرم ...... بعضها ككسب غير مشروع .... وقد كان قوام هذا التفريق بين الكسب المشروع و غير المشروع مبنيا على المصلحة الجماعية للأفراد داخل المجتمع ألإسلامي .
    كما أن التفريق بين الكسب المشروع والغير مشروع يمكن القول بأنه مبني على المبدأ الكلي القائل ... ( إن جميع الطرق ... و الوسائل .. لإكتساب المال و التي تحصل فيها منفعة فرد كان أو جماعة ... عن طريق خسارة غيرهم ... فردا كانوا أم جماعة .... تعتبر كسبا غير مشروع في ألإسلام ..... و أن الطرق ... و الوسائل .... التي يتبادل فيها ألأفراد المنفعة فيما بينهم ... بالتراضي ... والعدل .... هي طرق ... و وسائل ... مشروعة للكسب ... وقد بين الله سبحانه وتعالى هذا المبدأ العادل بقوله في سورة النساء :-
    ( يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلآ أن تكون تجارة عن تراض منكم و لاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) و من يفعل ذلك عدوانا و ظلما فسوف نصليه نارا و كان ذلك على الله يسيرا .) سورة النساء ألآيات (29) و (30) .
    و بتدبر هاتين ألآيتين الكريمتين من الذكر الحكيم نجد أنهما وفي هدفهما العام يحثان على وجوب شرطين لمزاولة أي نشاط ما بين طرفين ( تجاري .. صناعي ... زراعي ... خدمي ) الشرط ألأول أن يكون تبادل هذا النشاط عن تراض بين الطرفين ... و الشرط الثاني أن لا تكون منفعة طرف من ألأطراف قائمة .. و مبنية .. على خسارة الطرف ألآخر .
    بصورة عامة ... تتطرقنا هنا للعوامل التي تقيد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وذلك بألإشارة إلى أن ألإسلام قد حرم ... أي نشاط لا يؤدي للمصلحة الجماعية ... و ذلك بتحريم أي نشاط تحدث فيه منفعة لفرد أو جماعة ... عن طريق ... خسارة فرد أو جماعة أخرى ... و أعتبر ألإسلام مثل هذا النشاط نشاطا غير مشروع ... نهى عنه ... وهدد من يمارسه بالوعيد في الدنيا و ألآخرة .... فكان هذا ألأمر عبارة عن تقييد للملكية في نشأتها ألأولى ... إذ أن الثروة و الملكية لا تكون حلالا طيبا إلا عن طريق الكسب المشروع ... و الذي يهدف أولا و أخيرا لمصلحة الجماعة في المجتمع ألإسلامي ... دون غبن ... دون ظلم ... دون خداع .. أو غش .... و لا إستغلال للإنسان لأخيه ألإنسان .
    و ألإسلام وقد حدد طرقا مشروعة للكسب ... لم يبيح للأفراد من خلالها تجميع هذه الثروات و إكتنازها ... و عدم تداولها ... و إستثمارها ... وذلك لأنه يهدف .. و يرمي إلى التداول للثروة ... وعدم توقف عملية دورانها ... ألأمر الذي يؤدي بدوره ألى ألإتزان في عملية توزيع الثروة بين أفراد المجتمع ... و لايؤدي بالضرر البالغ على المجتمع بأثره ...... نتيجة أكتناز هذه الثروات و حجبها عن التداول وعدم توجيهها في التنمية ... وقد بينا سابقا كيف أن ألإسلام قد شرع وسائلا مباشرة ... وغير مباشرة ... تعمل على إعادة توزيع هذه الثروات و الملكيات كثوابت لا تتغير بتغير الزمان و المكان تصب فيما يفيد المجتمع قاطبة .
    يبقى السؤال هنا و الذي يطرح نفسه بإلحاح و شدة .... هل حدد ألإسلام أنشطة بعينها ... و أعتبرها كسبا غير مشروع ؟ .... وهذا ما سنتناوله لاحقا ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    مواصلة للدراسة ... فقد تحدثنا سابقا عن العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات .... و نشرنا مقدمة عن عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى وطرحنا سؤال مفاده ..... هل حدد ألإسلام أنشطة بعينها ... و أعتبرها كسبا غير مشروع ؟ .... وهذا ما سنتناوله هنا في هذا الجانب من الدراسة .
    فالإجابة على السؤال ..... هي بنعم .... فقد حدد ألإسلام أنشطة عديدة ... و أعتبرها أنشطة غير مشروعة .... وذلك لتقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وحكمته في ذلك تحريم كافة ألأنشطة التي تكون منفعتها تتحقق لفئة مقابل خسارة فئة أخرى ... سواء كانت هذه الخسارة ... مادية ... إقتصادية .... أو إجتماعية ... أو سياسية ... وسنتناول هذه ألأنشطة التي إعتبرها ألإسلام كسبا غير مشروع تباعا واحدا تلو ألآخر .... وسنبدأ هنا بأهم هذه ألأنشطة المحرمة و التي لها تأثير مباشر على حياة ألأفراد وهو ( الربا ) :-
    عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى
    أولا :- الربا:-
    1/ نشأة الربا عند العرب قبل ألإسلام :-
    نجد أن الطبيعة المناخية لمعظم مناطق العرب.... تتسم بأنها صحراوية قاحلة .... وكانت هذه البيئة المناخية من العوامل التي حددت نوع النشاط السائد في تلك المنطقة من العالم .... حيث أن الزراعة لم تمارس في تلك المنطقة إلا في نطاق محدود ... مما جعل النشاط ... ينحصر في التجارة والتي تعتبر هي النشاط الرئيسي لأهل تلك المنطقة إضافة لنشاط الرعي و الذي يأتي في المرتبة الثانية من ألأنشطة الممارسة في تلك المنطقة .
    ونتيجة لهذه الطبيعة القاسية للمنطقة فقد تأثر حتى نشاطها الرئيسي ... فأضحى موسميا ... يمارس في فترات محددة من العام .
    كل العوامل التي تم ذكرها سابقا ... والمتمثلة في البيئة المناخية التي فرضت نوع النشاط الرئيسي للمنطقة بأن يكون هو التجارة ... و تأثر هذا النشاط بعامل البيئة القاسية ليكون موسميا .... كانت هذه العوامل ... هي السبب الرئيسي في ظهور نشاط الربا في تلك المنطقة .... فمزاولة نشاط التجارة لابد له من توافر رأس المال .... ونتيجة لإفتقار الكثير من مواطني تلك المنطقة لتوافر رأس المال بين أيديهم .... فرض الربا نفسه كظاهرة تعارف عليها المجتمع ... و أقرها ... وذلك بتقديم .. و توفير رأس المال لمن يحتاجه .. عن طريق الإقراض بفوائد ... و من ذلك ظهرت في المجتمع فئة ... إحترفت مزاولة نشاط التجارة في المال .... و أصبح الربا ..... نشاط موازي للنشاط الرئيسي لتجارة إستيراد ألإحتياجات الغذائية ... و الملابس ... و أدوات الزينة ... و العطور ... وكل ضروب التجارة ألأخرى السائدة في ذلك الزمان و التي تعمل على توفير كافة إحتياجات تلك المنطقة القاحلة .
    وقد ساهم ... وضاعف من إنتشار ظاهرة الربا في تلك المنطقة ... النشاط الموسمي للتجارة والذي تمثل في موسم ألإتجاه شمالا لبلاد الشام ... وفي ألإتجاه جنوبا نحو بلاد اليمن .... أو في المواسم التي يتجمع فيها العرب في مكة ... في موسم الحج ... وتجمع أسواق عكاز ..... فهذا النشاط الموسمي للتجارة ... كان يوفر الدخل للأفراد في تلك المواسم فقط دون غيرها .... مما يجعلهم ... يقترضون من المرابين لسد إحتياجاتهم في فترة الركود ... على أمل .. أن يتم سداد هذه ألأموال المقترضة .... مع فوائدها العالية ... حين يتم ممارسة النشاط في بداية المواسم التجارية .
    فكانت لهذه الظروف مجتمعة ... ألأثر الكبير لظهور الربا في منطقة الجزيرة العربية .... و لظهور المرابين ... كفئة طفيلية ... نمت ... و تعاظمت ... وكبرت .... وعلت كلمتها في المجتمع .... وتعاظمت ثرواتها .... نتيجة لممارستها لنوع سهل من النشاط .... لايشوبه تعب .... و لاجهد ... ولا عنت .... ولا مخاطرة فيه ... فعائده مضمون ... بضمانات تفرض عند نشأته ألأولى .... وعائده كربح يكون بنسبة عالية ... والذي يصل في بعض ألأحيان إلى ضعف رأس المال المقرض ... وقد يفوقه أحيانا ... إذا تم التأخير عن السداد في ميعاده المحدد مسبقا عند إقراض هذا المبلغ ... ولم يقتصر نشاط المرابين في تلك الحقبة من الزمان على منطقة مكة ... فحسب ... بل إتسع نشاطهم وبلغ كافة بقاع الحجاز .... مما جعل هذا النشاط الطفيلي و أصحابه يشكل قوى كبرى ... أصبحت تؤثر تأثيرا مباشرا في المجتمع ... في سياساته ... وفي قراراته ... وهي و في سبيل تحقيق أكبر قدر من تحقيق الربح ... تعمل بصورة مباشرة ... على إستغلال حاجة المقترضين ... والذين عانوا أشد المعاناة ... من هذه الفئة الطفيلية التي كانت تمتص دماءهم ... وتجبرهم في بعض ألأحيان لإنحراف سلوكهم ألإجتماعي ... بهدف الوفاء بإلتزاماتهم ... نحو تسديد رؤوس ألأموال المقترضة ... و سداد فوائدها العالية .... و أما في حالة عدم الوفاء بها يتم زيادة هذه الفوائد ليزداد العبء على كاهل المقترضين يوما بعد يوم ... و إجمالا فإن الربا قد سبب أضرارا بليغة في المجتمع .... كانت أثارها سالبة ... إجتماعيا .... و إقتصاديا .... و سياسيا .... و خلقيا .
    2/ أنواع الربا السائدة في الجزيرة العربية قبل ألإسلام :-
    ساد في مجتمع الجزيرة العربية نوعين من أنواع الربا ظلا يمارسان حتى بعد ظهور ألإسلام ... وهذان النوعان من الربا هما ربا النسيئة .... وربا الفضل
    و ربا النسيئة هو القرض النقدي نظير فائدة ..... كما هو الزيادة في المبلغ المقترض عند إسترداده نظير ألأجل في السداد .
    أما ربا الفضل قهو عبارة عن مبادلة سلعة بسلعة من نفس جنسها مع زيادة مقدارها بسبب تأجيل تسليم البديل .
    3/ تحريم الربا عند ظهور ألإسلام :-
    رغم سياسات الربا التي أدت إلى ألآثار السالبة في المجتمع فإن ألإسلام لم يحرمه بخطوة واحدة ... بل مهد لتحريمه .... بعدد من الخطوات ... وذلك حتى يسهل من عملية نقل المجتمع الذي كان يسوده هذا النشاط .... ويقره كل أفراد المجتمع سواء المستفيدين منه ...من طبقة السادة .. و ألأشراف ... و أصحاب الثروات و الجاه .... المتعاملين فيه .... أو من طالبي ألإقتراض .... المكتوين ...من نار جحيمه و الذين ما يسعون ... إليه إلى لقضاء حاجة .... يصعب قضائها إلى باللجؤ لهذا الخيار الصعب .
    كانت بداية التحريم عبارة عن تهيئة نفسية للمجتمع .... وقد كان ذلك في سورة الروم والتي تبين بأن هذا النشاط ... ليس لديه أجر عند الله سبحانه و تعالى لمن يمارسه في الحياة ألآخرة ... ونحن نعلم بأن الأعمال التي لا يثاب فيها صاحبها عند الله تعالى هي أعمال باطلة ... يقول الله سبحانه و تعالى :-
    ( ومآ ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله و مآ ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون .) سورة الروم آية (39) .
    و كانت الخطوة الثانية نحو تحريم الربا ... حينما بين الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم للمؤمنين ... أن الربا كان سائدا لدى اليهود ... وقد حرمه الله عليهم .... ولكن لم يمتثلوا لأمره .... يبين الله سبحانه وتعالى تهديده لليهود بالعذاب ألأليم نتيجة ممارستهم للربا رغم أنه سبحانه و تعالى قد نهاهم عنه .
    يقول الله سبحانه و تعالى :-
    ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم و بصدهم عن سبيل الله كثيرا(160) و أخذهم الربا و قد نهوا عنه و أكلهم أموال الناس بالباطل و أعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما) سورة النساء الآيات (160) و (161) .
    و من ثم بدأت الخطوة ألأولى في التحريم المباشر للربا وقد تم التخصيص في هذا التحريم على أنواع الربا التي كانت سائدة في المجتمع و هو الربا التي تكون فوائده ضعف أو أكثر من ضعف رأس المال المقرض ... يقول الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم :-
    ( يا أيها الذين لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة و اتقوا الله لعلكم تفلحون (130) و اتقوا النار التي أعدت للكافرين .) سورة آل عمران ألآيات (130) و (131) .
    ثم بدأت الخطوة النهائية في تحريم الربا في ألإسلام .... و ذلك بتحريم كافة أنواع الربا ... سواء كان بفوائد عالية أم بفوائد قليلة ... وهنا بدأ ألإسلام بتهديد كل من يمارس هذا النوع من النشاط بالحرب عليه من الله ورسوله .... فالحرب عليه من الله سبحانه و تعالي على هؤلاء الممارسين لهذا النوع من النشاط ... هي عقاب في ألآخرة ... وغضب عليهم .... ومحق لأموالهم في الحياة الدنيا أما الحرب من رسولنا الكريم ... فكانت هي القانون الذي يوجب لولي ألأمر ... بمعاقبة كل من يمارس هذا النوع من النشاط في المجتمع .
    تم تحريم الربا بكل أنواعه بذكر حكيم من الله سبحانه وتعالى حينما قال .. وقوله الحق :-
    ( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين(278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون و لاتظلمون .) سورة البقرة ألآيات (278) و (279) .
    ولكن رغم تحريم ألإسلام للربا تحريما قطعيا بكل أنواعه ... إلا أن بعض المرابين ... المتعاملين في الربا .... أرادوا أن يحاجوا حتى الله سبحانه و تعالى .... وما ذلك إلا لتأمين نشاطهم الطفيلي الذي أثروا من خلاله ثراءا فاحشا .... فأرادوا إستدامة هذا النوع من النشاط .... حتى ولو أدى ذلك للوقوف أمام حكم الله سبحانه و تعالى ... وهذا ألأمر يبين بجلاء ... إنعكاس ممارسة هذا النشاط على نفوس ... وسلوك الممارسين له ... فقالوا إن الربا مثله كمثل البيع ... و أن الله سبحانه و تعالى قد حلل البيع .... فلماذا يحرم الربا .... فقد كان رد ألإسلام على هؤلاء حاسما ... وقام بتهديد المرابين للمرة الثانية و بين بأن من لم يلتزم بأمر الله في تحريم الربا و ممارسته لهذا النشاط من بعد تحريمه فإنه يعتبر من غير المؤمنين بل هو من أصحاب النار المخلدين فيها أبدا وقد كان هذا الرد بذكر حكيم من الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :-
    ( الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا و أحل الله البيع و حرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فأنتهى فله ما سلف و أمره إلى الله و من عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .) سورة البقرة آية (275) .
    4/ أسباب تحريم ألإسلام للربا ؛-
    إن أهم ألأسباب التي تم بموجبها تم تحريم ألإسلام للربا تتمثل في المبادئ ألأساسية للإسلام ... فيما يتعلق بنظرته في المال ... ونظرته في مصلحة الجماعة ... ونظرته في ألأخلاق .
    المال في نظر ألإسلام وديعة أودعها الله سبحانه وتعالى في يد حائزه ... وحائزه .. موظف فيه لخير ومصلحة الجماعة .... وليس للحائز حق في أن يعكس هذه الوظيفة للإضرار بالجماعة ... و إبتزازهم .... و إستغلال حاجتهم ... وضعف موقفهم ... ليقرضهم من هذا المال ... ويأخذ منهم أكثر مما أعطى .
    أما فيما يتعلق بمصلحة الجماعة .... فإن ألإسلام يقدس العمل ... ومبدأه ألأساسي في ذلك ... أن الجهد ... هو الذي يلد المال ... ولايقر ألإسلام بأن يلد المال .. مالا .... والربا كنشاط .... يولد طبقة طفيلية ... تمتص دماء أفراد المجتمع ... دون جهد يمارس في ذلك المجتمع ... هذه الطبقة الطفيلية تعتمد أعتمادا أساسيا على تنمية أموالها و ثرواتها في ممارسة هذا النوع من النشاط البغيض ... مما يشيع في المجتمع ... الترهل .... و البطالة .... و الترف على حساب الكادحين .... الذين لا يلجأون لهذه الوسيلة ... إلا لحوجة ماسة ... إقتضتها الظروف الضاغطة ... وهي وسيلة ليس فيها ضمان مؤكد للربح لهؤلاء الكادحين ... بينما يقابلها في الجانب ألآخر ربح مؤكد ... ومضمون لتلك الطبقة الطفيلية .... ألأمر الذي يؤدي إلى توسيع الهوة بين أفراد المجتمع الواحد .... وذلك بتوجيه مجرى الثروة ... إلى جهة واحدة بعينها .... لتقلل من المساواة في الفرص .... فتتركز الثروات في أيدي فئة طفيلية .... تتحكم فيها في رقاب ألأغلبية .... ومبدأ ألإسلام يقوم على التجانس ... والمساواة بين أفراد المجتمع .... وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد .... كما يعمل على الحيلولة دون أن تكون هنالك محاباة لرأس المال على حساب الكادحين . وقد رسم ألإسلام هذا المبدأ بكلمات قصيرة ... ولكنها كانت ذات مدى بعيد ... وكانت بمثابة حجر الزاوية لهذا النظام العادل بقوله سبحانه وتعالى :-
    ( كي لاتكون دولة بين ألأغنياء منكم . ) سورة الحشر من الآية (7) .
    وفيما يتعلق بألأخلاق .... و تماسك المجتمع ... فإن مبدأ ألإسلام هو طهارة خلق الفرد ... و أن تسود المودة في المجتمع ... ونجد أن تلك الفئة الطفيلية المتعاملة في الربا ... لا أخلاق لها .... فإن من يقرض الدينار ... ليسترده ... دينارين ... فهو عدو لأفراد المجتمع .... ولا تطيب نفوسهم له .... ولا يحملون له ودا ..... بل يحملون له كل الحقد .... فإذا شاع الربا في المجتمع .... فقدت المودة .... و التعاطف ... والتعاون .... والتساند ... و التراحم بين أفراد المجتمع .
    لكل هذه ألأسباب مجتمعة .... حرم ألإسلام الربا .... و ألإسلام عند تحريمه للربا في ذلك الوقت .... إنما كان ينظر إلى عصرنا هذا أكثر من نظرته لهذا النشاط في عصر بداية ألإسلام ... حيث كان الربا يمارس في نطاق ضيق ... إذا ما قيس بممارسته في العصر الحديث .... وذلك لتعقد طبيعة هذا النشاط و تحوله وتطوره من ممارسة ألأفراد .... إلى مؤسسات إحترفت ممارسة هذا النوع من النشاط .... ألأمر الذي أدى إلى كوارث ... عصفت بإقتصاديات الدول قبل ألأفراد .... وهذا ما يبرر أثار الدهشة التي إعترت العرب حينما حرم ألإسلام الربا .... وسنتناول نشاط الربا في العصر الحديث ... و آثاره الكارثية على ألإقتصاد العالمي .... و ألآثار السالبة لممارسة هذا النوع من النشاط في الجزء التالي من الدراسة بإذن الله ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات و العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الملكية والثروات .... و نشرنا مقدمة عن عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى و من ثم تناولنا العامل ألأول من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى وهو الربا والذي تناولنا فيه نشأة الربا عند العرب قبل ألإسلام .... و أنواع الربا السائدة في الجزيرة العربية قبل ألإسلام ..... وتحريم الربا عند ظهور ألإسلام .... وأسباب تحريم ألإسلام للربا .. وسنتناول هنا الربا في العصر الحديث و آثاره الكارثية على ألإقتصاد المحلى و العالمي :-
    الربا في العصر الحديث و آثاره الكارثيةعلى ألإقتصاد المحلي و العالمي
    الربا في العصور القديمة كان عبارة عن نشاط طفيلي يمارسه أفراد جشعون و من خلاله تركزت الثروات و ألأموال في أيديهم وجعلوا من المال سلعة يستغلون بها حوجة الكادحين لرأس المال لممارسة نشاطهم ألأساسي أو لحوجتهم للمال لسد حاجاتهم ألإضطرارية ... وذلك عن طريق مدهم بقروض بفوائد عالية ... ألأمر الذي أدى إلى زيادة ثروات تلك الفئة الطفيلية ... وتعاظمها خصما على بؤس .... وشقاء .... ودمار للكادحين ... متمئلا في العبء الكبير الواقع عليهم من جراء سداد هذه الفوائد الربويه العالية .
    بتطور الحياة و زيادة تعقيداتها .... تطور الربا ..... من نشاط كان يمارسه أفراد إلى نشاط تمارسه منشاءات و مؤسسات متخصصة .... وفي المقابل تطور طالبي القروض من أفراد .... ليصبحوا كيانات إنتاجية ... تختلف أنشطتها ... تجارية ... صناعية ... زراعية ... خدمية .... وقد تعدى ألأمر ذلك ليصبح المقترضون هم حكومات الدول ... و غالبية هذه الحكومات من حكومات الدول الفيرة أو النامية .
    من أهم المؤسسات المتخصصة في التعامل في الربا في العصر الحديث هي البنوك .... وقد نشأت البنوك الحديثة في صورة شركات مساهمة .... يقدم المؤسسون ... و المساهمون .. رأسمالها .... والذي تعتبر نسبته ضئيلة للغاية مقارنة بحجم النشاط الذي تمارسه تلك البنوك .... فحالما يعلن البنك بداية ممارسته لنشاطه ...تنهال عليه الودائع .... لتصل لحجم يفوق رأسمال البنك آلاف ألأضعاف بل قد تؤول النسبة في بعض ألأحايين إلى ملايين ألأضعاف ... ألأمر الذي أدى إلى أن يكون معيار مكانة كل بنك تكمن في مدى ضخامة الودائع الموجودة طرفه .
    و البنوك و في سعيها الدؤوب لجذب أكبر حجم من الودائع تغري أصحاب هذه الودائع بدفع فائدة ربوية محددة بنسبة ضئيلة ... مقنعة إياهم .. بأن هذه الفائدة الضئيلة مضمونة ... دون بذل أي جهد يذكر .... مع ضمان الحفاظ على ودائعهم ... وهذا ألأمر خير لهم من المجازفة في توظيف أموالهم في مشروعات قد تخسر .... ألأمر الذي قد يؤدي إلى فقدانهم لرؤوس أموالهم بعد كل الجهد الذي مارسوه في توظيف هذه ألأموال .
    تعمل البنوك على ألإستفادة من الودائع الموجودة طرفها .... عن طريق إقراضها بنسبة فائدة مرتفعة ... محققة من خلال هذا النشاط ... أرباحا فاحشة .... ناتجة عن الفارق بين الفائدة العالية التي تجنيها من إقرض الودائع كإيراد مضمون لها .... والفائدة الضئيلة التي تسددها للمودعين كتكلفة عن ممارستها لهذا النوع من النشاط .... ألأمر الذي يؤدي إلى تواجد أرباح عالية في تلك البنوك تفوق التكلفة التي أنفقت في سبيل الحصول على هذه ألأرباح .... أضعافا ... مضاعفة .
    وبزيادة الودائع ...و ممارسة البنوك لنشاطها الربوي هذا في إقراض الودائع بنسبة فوائد ربوية عالية .... و بتكرار هذا النشاط ... و ديموميته ...و إستمراره ...تضخمت ثروات البنوك .... وتركز في أيدي أصحابها ... الجانب ألأكبر من المال المتداول في المجتمع .... حتى صارت لهم السيطرة الكبرى على إقتصادياته ..... يبقى السؤال .... ما هي ألآثار الكارثية من ممارسة هذا النشاط الربوي الطفيلي على ألإقتصاد المحلي و العالمي ؟
    إن ألاثار الكارثية المترتبة على ممارسة هذا النشاط الربوى تنعكس على هذه البنوك كما تنعكس على طالبي القروض ... و تنعكس أيضا على حكومات الدول ... وبصورة أشمل تنعكس آثار ممارسة هذا النوع من النشاط عل المجتمع بأثره ... المحلي ... و العالمي و يمكن أن نفصل هذه ألآثار على النحو ألآتي :-
    آلآثار المترتبة من ممارسة البنوك للنشاط الربوي :-
    1/ تتكدس الثروات في البنوك نتاج لممارسة ... أساليب طفيلية ... فاجرة ... دون جهد يبذل ... وعن طريق إستغلال أموال غير مملوكة لها .
    2/ تكدس الثروات في البنوك ... يؤدي إلى تكدس ... قوة هائلة للبنوك تتمثل قي سيطرة إقتصادية ... لا ضابط لها .... و لا قيد .... سيطرة تتمتع بها فئة طفيلية قليلة ... يستغلون أموال غيرهم ... ويديرونها .... ويتصرفون فيها كما لو كانوا هم المالكين الحقيقين لها أصلا .
    3/ هذه السيطرة ألإقتصادية التي لا ضابط لها تجعلهم يسيطرون في التحكم على نسبة الفوائد الربوية التي سيدفعونها للمودعين ... كما تجعلها تفرض سيطرتها على نسبة الفوائد الربوية التي تتحصل عليها من ألأموال التي تقرضها لطالبي القروض ..... كما تجعلها تسيطر على العامل الزمني في منح القروض .... متي يمكنها أن تمنح القروض ... ومتى يمكنها التوقف عن منح هذه القروض .. و حجبها .... كما تمنحها السيطرة على محاربة بعض المؤسسات .... برفض منحها أي نوع من أنواع القروض التي تساعدها في ممارسة نشاطها ألأساسي .
    و البنوك و في إتخاذها لقرارتها هذه .... ونتيجة لهذه السيطرة ألإقتصادية ....فهي لا تسعى لنماء المجتمع .... و تطوره .... و إنما تسعى ... وفي المقام ألأول ... للتوافق مع مصالحها الذاتية ... لتحقيق أكبر قدر من ألأرباح .
    4/ إن ألأثر الكارثي ألأكبر لممارسة البنوك لهذا النشاط الطفيلي الربوي .... يكمن في أن البنوك .... وبعد أن تركزت كل ثروات البلاد في أيديها .... وتمكنت من أن تجعل من نفسها قوة إقتصادية هائلة ... لها سيطرة إقتصادية لا ضابط لها ....فإنها وبذلك ... ولا محالة فإنها ستستولي على السلطة السياسية للبلاد .... وذلك عن طريق سيطرتها الكاملة على ألأحزاب الحاكمة .... و المعارضة .... أو بسيطرتها على الحكام الدكتاتوريين ...المفروضين على شعوبهم ..... أو بسيطرتها على المسؤوليين في الدولة الذين يملكون سلطة إتخاذ القرار .
    5/ بعد إستيلاء هذه البنوك على السلطة السياسية في البلاد ... فإنها تعمل على إستغلال طاقات .... وقرارات السلطة السياسية .... لتدعم سيادتهاألإقتصادية .... و أهدافها الرامية لتحقيق أكبر قدر من ألأرباح الفاحشة .... والتي تحققها عن طريق إمتصاص دماء الكادحين ...من أبناء تلك البلاد .
    6/ بعد إستيلاء البنوك على السلطة السياسية للدولة .... و إستغلالها أبشع إستغلال .... لتنفيذ ... أهدافها ... و مراميها .... فإنها لاتكتفي بالسيطرة الكاملة على مقدرات البلاد .... داخليا .... بل أنها ستسعى لنقل هذه المعركة .... إلى المجال الدولي العالمي .
    ما تقدم كان إبراز للآثار الكارثية للبنوك .... وهي تمارس نشاطها الربوي الطفيلي في إستغلال حوجة طالبي القروض .... فيبقى السؤال هو ماهي ألآثار الكارثية الناتجة عن إستلام المقترضين لقروض ربوية بنسبة فوائد ربوية عالية علي صعيد المجتمع المحلى .... و المجتمع العالمي ؟ ويمكن أن نوضح ذلك في ألآتي :-
    آلآثار المترتبة عن ممارسة المقترضين للنشاط الربوي لتمويل نشاطهم :-
    1/ المقترض المنتج .... وهو يقترض من البنوك بنسبة فائدة ربوية عالية .... فإنه لا محالة ... سيضيف تكلفة هذه الفوائد الربوية ... إلى تكاليف التشغيل التي ينفقها على السلعة التي ينتجها .... ألأمر الذي يؤدي لإرتفاع السلع إرتفاعا جنونيا .... كما يؤدي ذلك إلى أن يقوم المجتمع ... ممثلا في مجموعة المستهلكين لهذه السلع ... بتحمل الفائدة الربوية المفروضة على المنتج المقترض ... وفي هذا ظلم ... و إجحاف ... ماحق على المستهلكين .
    2/ يظل المجتمع يدفع الفائدة الربوية التي حملها له المنتج ... متى ما كانت هذه السلعة .... سلعة أساسية له .... و متى ما دامت دورة الرخاء في المجتمع موجودة .... أما إذا تعذر ألأمر على المستهلكين في الحصول على هذه السلعة رغم أساسيتها .... أو تقلصت دورة الرخاء في المجتمع ...فإن ذلك يؤدي لإنخفاض الطلب على السلعة ..... و إنخفاض الطلب على السلعة يؤدي إلى فائض في ألإنتاج .... يتكدس .... دون تصريف .... وهذا الفائض المتكدس دون تصريف ....يكون كارثيا على المنتج المقترض .... الذي يستوجب عليه سداد القرض الذي إستخدمه في ألإنتاج .... إضافة لسداد فوائده الربوية ذات النسبة العالية .
    3/ والمنتج .... و لا بد له من وسيلة لتصريف فائض ألإنتاج المتكدس لديه .... وذلك للعمل على الوفاء بإلتزاماته تجاه البنوك ..... وللوصول إلى هذه الغاية ... وهي تصريف الفائض من منتجاته ... يتحتم عليه ألأمر ... على تخفيض ألأسعار العالية لمنتجاته ... وفي سبيل ذلك لا يتأتى له ألأمر إلا عن طريق أحدى الوسائل المذكورة أدناه ... وكل هذه الوسائل تكمن فيها آثار كارثية مدمرة وهذه الوسائل هي :-
    ¥ المنتج وفي سعيه لتصريف منتجاته الفائضة المتكدسة .... وحتى يضمن توفر السيولة اللازمة ... والتي تكفل له الوفاء بإلتزاماته على البنوك ... لإبد له من أن يخفض أسعار منتجاته ... محققا خسارة كارثية عالية لمؤسسته ... وذلك في سبيل توفير سيولة لتغطية إلتزاماته ... ولكن السيولة المتوفره له ... لاتغطي ... ألإلتزام الواقع عليه تجاه البنوك .... مما يجعل المنتج يلجأ إلى إحدى وسيلتين الوسيلة ألأولى هي التقدم بطلب للبنك لتأجيل سداد المتبقي من ألإلتزام مع فرض فوائد ربوية جديدة نظير التأجيل و الوسيلة الثانية و هي وسيلة ماكرة لتوفير الجزء المتبقي للوفاء بجملة إلتزاماته .... فيلجأ لطلب قرض إنتاجي من بنك آخر .... ليستغل هذا القرض ليس في العملية ألإنتاجية .... بل للعمل على سداد المتبقي من إلتزاماته .
    وفي الوسيلتين فإن ألآثار الكارثية ستنصب على المنتج ... نتيجة تراكم القروض عليه ... وتراكم الفوائد الربوية العالية .... مع توقف تدريجي عن ألإنتاج ... يؤدي إلى تدمير ساحق للمنتج .... ومؤسسته الصناعية مع مرور ألأيام .
    (ب) يسعى المنتج و في سبيل تخفيض ألأسعار لسلعه المنتجة ... إلى العمل على تخفيض تكلفة ألإنتاج .... و التي لا تتأتى له إلا عن طريق تخفيض إجور العاملين ... أو إنهاء خدمات الكثير منهم .... إلا أن هذه المعالجة تؤدي إلى أثار كارثية جديدة ... لأنها تؤدي إلى إنحسار ألإستهلاك .... وذلك لأن إنهاء خدمات العاملين يؤدي إلى إنتشار البطالة في المجتمع .... و تخفيض إجور العاملين يؤدي إلى إنخفاض القوة الشرائية في المجتمع ... ألأمر الذي يؤدي في الحالتين لإنخفاض ألإستهلاك .... و إنخفاض ألإستهلاك يؤدي إلى فائض في ألإنتاج و تكديس له دون تصريف .... ألأمر الذي يؤدي إلى حدوث ألأزمات ألإقتصادية الدورية المدمرة .... والتي تعتبر من أهم ظواهر النظام الرأسمالي .
    (ج) المنتج و في سبيل تخفيض أسعار سلعه المنتجة عن طريق تقليل تكلفة ألإنتاج .... قد يتجه في التأثير على أسعار المواد الخام ... التي تدخل في العملية ألإنتاجية .... مستغلا حوجة أصحاب المواد الخام .... في العمل على تصريف منتجاتهم ... حتى لا تطالهم أزمة فائض ألإنتاج .... مبررا في ذلك لأصحاب المواد الخام بأن هذا هو السبيل الوحيد لإستمرار العملية ألإنتاجية .
    و المواد الخام ألأولية غالبا ما ينتجها الكادحون ... داخل البلاد .... أو يتم إستيرادها من البلدان الفقيرة من دول العالم التي لاتتوفر لديها القدرة العالية على عملية تصنيعها .
    و حين يتعلق ألأمر بأن المواد ألأولية للمنتجات تستورد من البلدان الفقيرة و تعم مشكلة فائض ألإنتاج الدول الصناعية .... فإن الدول الصناعية ... وفي سعيها لتخفيض أسعار المواد الخام المستوردة من البلدان الفقيرة ... تقوم و عبر تكتلاتها ألإحتكارية بالتآمر على تلك الدول الفقيرة لشراء منتجاتها من المواد الخام بأسعار منخفضة ... و زهيدة ... غير عابئة بالاثار الكارثية التي ستقع على هذه الدول الفقيرة ... فتزيدها فقرا بعد فقر .... غير عابئة بالآثار التي ستصيب المنتجين في تلك الدول الفقيرة .... و الذين يعتمدون على هذه المواد كموارد أساسية لإقتصادهم .... ونمو ... و تطور ... وكفاية شعوبهم .
    (د) ألإنتاج الفائض المتكدس .... حينما يصبح مشكلة دول ... نشاطها الرئيسي هوالصناعة ... فإن هذه الدول الصناعية ... وفي سبيل سعيها لتصريف منتجاتها الفائضة المتكدسة ... تسعى للبحث عن أسواق خارجية ... وغالبا ما تكون هذه ألأسواق الخارجية ... هي الدول الفقيرة المتخلفة صناعيا .
    وبما أن هذه الدول الصناعية لديها القوة ... والنفوذ ... وحتى تستطيع أن تسيطر على أسواق الدول الفقيرة لتصريف منتجاتها الفائضة ... فلن يتأتى لها ذلك إلا عن طريق فرض نفوذها على تلك الدول .... ولن يتم لها فرض نفوذها على تلك الدول إلا عن طريق إستعمارها بأي شكل ... من أشكال ألإستعمار .... وهنا تتجلى ألآثار الكارثية للربا على الشعوب .... والتي تكمن في ألاثار المترتبة على إستعمار الشعوب الحرة ، .... و من هنا يظهر لنا جليا أن أضرار الربا ... و آثاره الكارثية تتعدى حدود المجتمع المحلي .... لتطال أمما أخرى خارج الحدود ... فتعم كل المجتمع العالمي .
    وكل هذه ألأمور هي التي دعت كارل ماركس و في نقده للرأسمالية أن قال قولته المشهورة :- ( إن ألإستعمار هو قمة الرأسمالية .... كما أن الرأسمالية ... هي ألأم الرؤوم لسعر الفائدة . )
    (و) والدول الصناعية وفي سعيها للحصول على أكبر عدد من المستعمرات ... لتكون أسواقا خارجية لتصريف منتجاتها الفائضة .... وللحصول على مواد أولية بأسعار زهيدة .... والحصول على عمالة بإجور ضئيلة ... أصبحت تتنافس فيما بينها حول هذه المستعمرات ... ألأمر الذي أدى لنشوب حربيين عالميتين .... و لايستبعد أن يكون سببا لنشوب حرب عالمية ثالثة في ظل ألإستعمار الحديث للدول النامية و الفقيرة .

    آلآثار المترتبة عن ممارسة الحكومات للنشاط الربوي عن طريق القروض :-
    الحكومات .. و نتيجة لعجزموازناتها الناجمة عن عدم مقدرة موارد الدولة ... و إيراداتها عن الوفاء بتغطية نفقاتها العامة المخطط لها .... تلجأ للإقتراض ... لسد العجز في موازناتها .... وغالبا ما يكون هذا ألإقتراض ربويا تتحمل فيه هذه الحكومات .... فوائد ربوية عالية .
    وهذه القروض المستلمة من قبل الدولة قد تكون .. قروضا داخلية من مؤسسات وطنية ... أو تكون خارجية ... من مؤسسات دولية متخصصة ... أو من دول بعينها..... و في الحالتين فإن نتائج ... و إنعكاسات هذا التعامل سيكون كارثيا على الدولة ... و وبالآ على شعوبها .
    الحكومات ... و هي تمارس هذا النوع من النشاط .... فهي ترتبط إرتباطا قانونيا .... ملزما .... وغير قابل للنقض ... أو التغيير .... أو التبديل عند تعاقدها لإستلام القرض .... بأداء فوائد تلك القروض المستلمة لاحقا ... في ظل ظروف ... و أسعار .... قد تتغير إلى ماهو أسوء من تلك الظروف التي سادت حين إستلامها للقروض ... ألأمر الذي يؤدي إلى إرباك هذه الحكومات و في سبيل الوفاء بإلتزاماتها أن تفرض أنواعا جديدة من الضرائب .... أو تزيد من نسب الضرائب المفروضة سابقا .... ألأمر الذي يؤدي إلى زيادة معاناة الطبقات الكادحة من المجتمع في تحمل كافة هذه الضرائب .... نتيجة قيام كل فئة تفرض عليها هذه الضرائب بتحميل هذه الضرائب للفئة التي تليها في التعامل ... حتى يصل كل هذا العبء الضريبي للكادحين من أبناء هذه الدولة ... ليتحملوا كل هذا العبء الضريبي منفردين ... دون غيرهم .
    وهذا العبء الضريبي على الكادحين سيعمل على إضعاف القوة الشرائية للمجتمع .... بمقدار ما تم دفعه من ضرائب ... ألأمر الذي يؤدي إلى خلق حالة كساد في مجتمع الدولة .... فتهب رياح ألأزمات ألإقتصادية على سائر أنحاء تلك الدول المقترضة .... و يؤدي ذلك إلى تدمير ألإقتصاد القومي لتلك الدول .... في كافة المجالات .... مما يجعلها لقمة سائغة ... للخضوع للجهات التي إقترضت منها ... سواء كانت دول ... أو مؤسسات ... داخلية كانت أم خارجية .... وهذه الدول ... و المؤسسات المقترض منها .... تسعى لمصالحها الذاتية .... الممثلة في ... تحصيل أصل قروضها ... مع فوائدها الربوية العالية ... وتسعى على الهيمنة على مقدرات ... و إمكانيات هذه الدول ... ولا تلقي بالا ...لمصالح هذه الدول ... و لا لمصلحة شعوبها .... فتقوم هذه الدول و المؤسسات بفرض سياساتها المتمثلة في رفع الدعم الحكومي عن السلع ألأساسية لمواطني الدول المقترضة ... كما تفرض عليها سياسة التخلص من الكثير من العاملين لديها ... أو تخفيض أجورهم أو تجميد ... و إلغاء الكثير من ألإمتيازات التي كانوا يتمتعون بها ... أو تعمل على خصصة المؤسسات العامة بالدولة ... وتشريد العاملين بها ..... وكل هذه السياسات مجتمعة تؤدي إلى إرتفاع نسبة البطالة ... في مجتمع الدولة .... فتسود ألإطرابات .... و الفوضى داخل المجتمع .... كما أن تراكم الديون .... وزيادة فوائدها المتراكمة نتيجة التأجيل ... تؤدي إلى وصول الدولة لحالة ألإفلاس التام .... وخير مثال لذلك ما يحصل في بعض دول ألإتحاد ألأوربي مثل اليونان .... و إسبانيا .... و البرتغال .
    و كل هذه ألآثار الكارثية للتعامل بالربا أو ( سعر الفائدة ) هي التي دعت اللورد ألإنكليزي كينز لإبداء رؤيته حول ذلك... في القرن التاسع عشر ... والتي أوضح فيها ... أن معدل سعر الفائدة الحالي ... يعوق النمو ألإقتصادي .... لأنه يعطل حركة ألأموال نحو ألإستثمار في حرية ... و إنطلاق ...كما يرى أنه أذا تم إزالة هذا العائق .... فإن راس المال سيتحرك .... وينمو بسرعة .... لذا فهو يرى ... أن حيازة المال يجب أن تكلف صاحبها ... كما لو كان يحوز أي سلعة أخرى أو يكتنزها ... أي أنه يجب فرض ضريبة على تلك ألأموال المكتنزة .... و المحجوبة عن ألإستثمار .
    و بالتدقيق في رؤية اللورد كينز لحل لمشكلة سعر الفائدة .... نلاحظ بأنه ينادي بما نادى به ألإسلام .... من قبله ... بكثير ... ولو أن هذه الرؤيا مشوهة نوعا ما بما نادى به ألإسلام .... فالإسلام قد حرم الربا .... و فرض الزكاة على ألأموال و الممتلكات عامة بما يساوي ربع العشر .... وبذلك يكون ألإسلام قد حرم سعر الفائدة التي تعطل حركة المال من ناحية .... و من ناحية أخرى ... دفع .... بأصحاب رأس المال بتوجيه أموالهم نحو ألإستثمار في السوق لتحريكه و ذلك .... حتى لا يفقدون أموالهم عاما بعد عام ....عن طريق الزكاة التي تفرض عليهم سنويا .... لو إختاروا حجب هذه ألأموال عن طريق أختزانها .... و إكتنازها .
    و أخيرا نخلص .... بأن ألإسلام .... وفي تحريمه للربا .... فإنه يهدف من ذلك ... إلى حماية البشرية ... و نشاطها ألإقتصادي ... من الكوارث ... و ألأزمات ألإقتصادية .... الناجمة عن التعامل بسعر الفائدة .... و الذي قاسى المجتمع الرأسمالي منه ... و مازال يقاسي ممثلا في ألأزمات ألأقتصادية والتي ... لاتؤثر عليه وحده .... بل تعصف بكل ألإقتصاد العالمي ... و تدمره .... يوما بعد يوم .
    و نتواصل لاحقا ... في العامل الثاني من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى في ألإسلام ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،




    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى وهو الربا ..... و سنتناول هنا العامل الثاني من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وهو ألإحتكار .

    ثانيا :- ألإحتكار
    تحدثنا سابقا بأن ألإسلام يحرم حرمة قطعية ... إستعمال صاحب المال لماله إستعمالا ... يترتب عليه إلحاق الضرر بالمجتمع .... في سبيل أن يحقق منفعة خاصة له ... وألإسلام يعتبر هذا ألإستعمال للإضرار بالمجتمع .... خيانة من صاحب المال ... لأمانة المال التي أودعها الله سبحانه و تعالى بين يديه .... و أمره سبحانه وتعالى أن يوجهه في ألإستعمال الذي يوفق فيه بين خير نفسه .... وخير المجتمع .
    و من بين تلك ألأنشطة التي يترتب عليها الضرر بالمجتمع في سبيل تحقيق مصلحة لصاحب المال .... نشاط ألإحتكار .... بكافة أنواعه .... والذي حرمه ألإسلام ... جملة ... وتفصيلا .... ككسب ... و نشاط غير مشروع .... وكل ملكية ... تتراكم كنتاج لممارسة هذا النوع من النشاط ... تعتبر ملكية غير مشروعة ... وعليه أصبح ألإحتكار .. كنشاط غير مشروع .. عاملا من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى .
    و ألإحتكار تم تحريمه.... بتشريع صريح من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ... في أكثر من حديث نبوي شريف و ذلك حسب ماهو مبين أدناه :-
    1/ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :- ( من إحتكر فهو خاطئ .) رواه مسلم
    2/ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :- ( من إحتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ .) رواه مسلم و أبو داؤود والترمزي .
    3/ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :- ( من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم ، كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة .) رواه أبو داؤود والترمزي .
    4/ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :- ( الجالب مرزوق و المحتكر ملعون .) رواه مسلم .
    5/ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :- ( من إحتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله و برئ الله منه .) حديث 4880 مسند أحمد شرح أحمد شاكر .
    نجد أن ألإسلام و في تحريمه لهذا النوع من النشاط .... يهدف إلى حماية المجتمع من الضرر الذي سيلحق به نتيجة ممارسة فرد طفيلي أو جماعة طفيلية لهذا النوع من النشاط .... و المتمثل في حبس ... ألأقوات .... و غيرها من ضروريات الحياة من المنتجات .... و إستئثار فئة قليلة بحيازتها ... دون سائر المنتجين ... و الموزعين ... بغرض التحكم في أسعارها ... برفع هذه ألأسعار كما يشاءون ... بصورة تمكنهم من الحصول على أرباح فاحشة ... مستغلين في ذلك حوجة المستهلكين لها ... في ظل عدم وجود منافس لهم ... ألأمر الذي يلحق الضرر البالغ بهؤلاء المستهلكين من جراء ممارسة هذا النوع من النشاط الطفيلي .
    و مما تقدم يمكن أن نخلص ... إلى أن ..كل نشاط يعمل على حبس مال ... أو سلعة ... عن الناس ... بغرض رفع أسعارها ... يكون نتاجه ألإضرار بالناس ... فإن هذا النشاط ... يعتبر إحتكارا .... وقد حرم ألإسلام ألإحتكار كنشاط يمارس ... بكافة أنواعه .
    و للوصول للحكمة ... والغاية ... و الهدف ... من تحريم ألإسلام ... لممارسة نشاط ألإحتكار ... لابد لنا من التطرق لما وصل إليه نشاط ألإحتكار في عالمنا المعاصر من تطور .. ليتخذ شكلا جديدا يعتبر من أكبر المخاطر ... و المهددات على ألإقتصاد المحلي و العالمي .

    الإحتكار في العصر الحديث و مهدداته للإقتصاد المحلي و العالمي
    في عصرنا الحديث تغلغل ... نشاط ألإحتكار .... إلى كافة ميادين ألإنتاج بكافة أشكاله.... ولم تقتصر ممارسة هذا النشاط على ميادين ألإنتاج المحلي فحسب ... بل إمتد ... لينتشر تأثيره إلى خارج حدود الدول .... ليصبح نشاطا عالميا .

    بدأ تطور هذا النشاط في عالمنا المعاصر ... بعد قيام الثورة الصناعية الحديثة ... و التي أدت للقضاء على الصناعة اليدوية ... ذات ألأدوات البسيطة .... و التي يمتلكها عدد كبير من العمال اليدويين ... ألأمر الذي جعل الصناعة الحديثة تنحصر في أيدي قلة .... من أصحاب الثروات الضخمة ... الذين إستطاعوا بفضل ثرواتهم الطائلة .... و إستكمال ما ينقصهم من مال بإستلام القروض الربوية التي تمدهم بها البنوك الربوية ... بضمان ثرواتهم ... إستطاع هؤلاء ... من إنشاء مؤسسات صناعية كبرى ... إتجهت كل مؤسسة منها على إحتكار منتجات محددة ... تتحكم في أسعارها كيفما شاءت ... مستغلة حوجة المستهلكين لهذه المنتجات .... لتحقق من وراءهم .... أرباحا فاحشة ... تتراكم يوما بعد يوم ... لتزيد الكادحين من المستهلكين ... بؤسا على بؤس ... وشقاءا في شقاء .
    إن تيسير عملية ألإنتاج ... و زيادته بصورة كبيرة نتيجة الصناعة الحديثة كان يتحتم على ذلك بداهة ... أن يؤدي إلى خفض ألأسعار للسلع المنتجة ..... ولكن أصحاب ألأموال .... لا يقتنعون عادة بألأرباح المعتدلة ... كنتاج لبيع سلعهم المنتجة ..... كما أن الدول الصناعية .... نتيجة لسياساتها المرسومة ..... لاتستطيع التدخل ... لإقناع أصحاب ألأموال للإتجاه نحو ألأرباح المعتدلة لمنتجاتهم ... وذلك لأن ألإقتصاد في تلك الدول يقوم على ... إطلاق حق الملكية لأصحاب المال .... فأجاز هذا ألإطلاق في حق الملكية لأصحاب المال .... أن يكون كل هدفهم .... و مسعاهم هو الحصول على أكبر قدر من ألأرباح من جماهير المستهلكين لإنتاجهم مستغلة حوجتهم الماسة لتلك المنتجات .
    ورغم ظهور عدة مؤسسات صناعية جديدة بدأت تنشأ في ذلك العصر مستغلة للظروف المواتية ... للطلب الكبير على تلك المنتجات ... ألأمر الذي أدى ... إلى خلق نوع من التنافس الحقيقي ... الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى عملية القضاء على ظاهرة نشاط ألإحتكار .... إلا أن هذا التنافس سرعان ... ما أنقلب إلى صراع ... وهذا الصراع ليس الهدف منه ... السعي للإهتمام بجودة المنتجات .... ولا لخفض أسعار تلك المنتجات .... بل كان يهدف كل طرف فيه على إقصاء ألآخر من السوق .... ليتسنى له إحتكار هذه المنتجات ... دون غيره .... وهو وفي سعيه لإقصاء ألآخر من السوق .... لا يتورع أي منهم في أن يمارس .... أبشع ... و أخس ... و أقذر ألأساليب ... التي تمكنه من إقصاء منافسه نهائيا عن السوق .... و لو أدى ألأمر .... لتدمير المؤسسة المنافسة له تدميرا إقتصاديا شاملا .... يجعلها عاجزة عن عملية ألإنتاج .
    وهكذا ساد ألإحتكار العالم المعاصر من بعد الثورة الصناعية .... وذلك لوجود فئة قليلة .... إستطاعت بما تملك من ثروات أن تحتكر ملكية أدوات ألإنتاج ... يساعدها في ذلك ألأموال التي تمتلكها لإدارة العملية ألإنتاجية .... كما أن من العوامل التي ساعدت على إتساع هذا النوع من النشاط .... تواجد البنوك الربوية .... التي تعمل على إقراض تلك الفئة القليلة ... دون غيرها ... وذلك بتوفير المواد الخام ... وتغطية تكاليف التشغيل ألأخرى ... حتى الوصول للمنتج النهائي ... وذلك في حالة ظهور أي قصور في عملية التمويل الذاتي لتلك الفئة القليلة .... ويكون نصيب تلك البنوك الربوية عن عملية التمويل هذه ..... هي إقتسام ألأرباح ألإحتكارية مع تلك المؤسسات الصناعية .... إما عن طريق الفوائد الربوية ذات النسبة العالية .... أو عن طريق قيام هذه البنوك الربوية بشراء أسهم ... في تلك المؤسسات الصناعية .
    نتيجة للملكية المطلقة لأدوات ألإنتاج .... ورأس المال ... لتلك الفئة القليلة من الرأسماليين ... في غياب تام لأي ضابط ... من دولة أو قانون ... أو ضمير إنساني ... أو وازع ديني ... يربط بالأخلاق ....وألأمانة .... والصدق ... يعمل على ردع هذه الفئة القليلة من ممارسة هذا النوع من النشاط الذي يحققون من وراءه أرباحا فاحشة .... يكون نتاجه ألإضرار الماحق بمصلحة الجماعة ... ممثلة في جمهور المستهلكين لمنتجاتهم .
    تطور هذا النشاط ألإحتكاري ... ليأخذ أشكالا متعددة .... هدفها واحد ... لم ... ولن يتغير ... وهو تحقيق أكبر قدر من ألأرباح .... خصما على أمتصاص دماء الكادحين ... من المستهلكين ... وهذه ألإشكال تنحصر أما في النشاط ألإحتكاري للمنشأة الواحدة ... أو النشاط ألإحتكاري للمنشأات المتعددة .... و سنتناول بالتفصيل ... هذين الشكلين من هذا النشاط .
    1/ ممارسة نشاط ألإحتكار عن طريق منشأة واحدة :-
    وهذا النوع من نشاط ألإحتكار قد إتخذ عدة أشكال يمكن أن نفصلها في ألآتي :-
    ¥ نظام الثقة TRUST
    ظهر هذا النوع من النشاط ألإحتكاري في الولايات المتحدة ألأمريكية... وقد إبتكرت هذا النظام منشأة أمريكية .... تدعى Standard Oil C0mpany في القرن التاسع عشر ... وقد أنشأت هذه المنشأة .... هيئة تسمى هيئة ألأمناء ... قامت بموجبها بشراء أعداد كبيرة من أسهم شركات البترول في الولايات المتحدة ألأمريكية .... مكنتها من السيطرة التامة ... و الكاملة على المنتجات البترولية وإحتكار هذه المنتجات لها هي فقط دون غيرها .. ألأمر الذي مكنها من السيطرة على تحديد أسعار كافة المنتجات البترولية .... و نتج عن ذلك تحقيقها لأرباح خيالية لها و للشركات المسيطرة عليها وكان ذلك خصما على الشعب ألأمريكي الذي تضرر غاية الضرر من سياسات هذه المنشأة .... ولم يتوقف ألأمر على المنتجات البترولية ... إذ أنه بدأ تقليد هذا النظام ... في ميادين إقتصادية عدة ... تضرر الشعب ألأمريكي بموجبه من هذا النوع ألإحتكاري من النشاط ألأمر الذي أدى لقيام البرلمان ألأمريكي في العام 1890 م بإصدار أول قانون فيما يتعلق بهذا النظام ألإحتكاري ... تبعه إصدار تشريعات مماثلة من برلمانات الولايات ... عمد بموجبه القضاء ألأمريكي لتطبيق هذه التشريعات ... ألأمر الذي دعا المحكمة العليا في ولاية أوهايو ألأمريكية من إصدار قرار بحل المنشأة التي إبتدعت هذا النظام و هي Standard Oil C0mpany ... ولكن هذا ألأخطبوط ذو ألأرواح المتعددة ... يجد من الوسائل ... ما يستطيع أن يجدد به عمره للعمل على إمتصاص دماء الكادحين من الشعوب ممثلا في جمهور المستهلكين ... فبعد أن تم حل منشأة Standard Oil C0mpany قامت هذه المنشأة من إتخاذ صورة إحتكارية أخرى ... وهي صورة الشركة القابضة .
    (ب)الشركة القابضة Holding Compan y
    والشركة القابضة هي عبارة عن شركة أم يتبع لها العديد من الشركات ألأخرى كشركات تابعة ... و تتكون الشركة القابضة عن طريق قيام شركة ما ... بشراء أكبر عدد من أسهم شركات أو مؤسسات بعينها ... تمكنها من السيطرة التامة على هذه الشركات أو المؤسسات .. ألأمر الذي يؤدي إلى إحتكار كافة منتجات هذه الشركات أو المؤسسات ... و التحكم في أسعارها .
    وقد إستمر إعتبار الشركات القابضة عملا مشروعا في الولايات المتحدة ألأمريكية عن الفترة من العام 1900 م و حتى العام 1904 م ... وذلك لما تحققه الولايات من الضرائب و الرسوم التي تفرضها على هذا النوع من النشاط .
    وفي العام 1904 م أصدرت المحكمة الدستورية العليا ألأمريكية حكما .. إعتبر قيام الشركات القابضة عملا غير مشروعا .... ثم صدر تشريع من البرلمان ألإتحادي ألأمريكي في العام 1914 م حرم قيام الشركات القابضة إذا كان قيامها يؤدي إلى السيطرة على الشركات المنافسة ... ثم إلى ألإحتكار .... ولكن هذا التشريع .... لم يتم تنفيذه .... حيث أن الشركات القابضة ... ما زالت ماثلة ... منذ ذلك التاريخ ... و إلى يومنا هذا .... دون أن تطالها يد القانون ... و التشريعات... التي حرمتها في الولايات المتحدة ألأمريكية .

    (ج)ألإندماج Merger
    و ألإندماج يعتبر هو الشكل الثالث من أنواع نشاط ألإحتكار عن طريق منشأة واحدة .... وقد لجأ ألإحتكاريون إلى هذه الصورة من صور ألإحتكار ... بعد تحريم القانون ألأمريكي للشركات القابضة ... والتي ظلت قائمة ... و سائدة ... كما ذكرنا ... ولكن ما دعاهم للجؤ لهذا النوع من النشاط ألإحتكاري ... هو إستهجان الشعب ألأمريكي ... لقيام الشركات القابضة .... لما عاناه منها ... ومن سياساتها التي كانت وبالا عليه .
    و ألإندماج .... هو عبارة عن إتحاد شركتين ... قائمتين ... أو أكثر ... تشتري بموجبه إحداهما جميع أسهم الشركات ألأخرى .... بحيث لايبقى في الوجود .... إلا شركة واحدة .... هي الشركة التي قامت بشراء جميع أسهم الشركات ألأخرى .
    أو قد يكون ألإندماج ... عن طريق إنشاء شركة جديدة .... تقوم بشراء كافة أسهم بعض الشركات القائمة سابقا .... ذات النشاط المتماثل ... وتقوم بحل جميع هذه الشركات لتبقى هي وحدها .... الشركة القائمة .
    وفي الحالتين السابقتين .... فإن النتيجة النهائية ... واحدة ... وهي ... قيام شركة واحدة ... ضخمة ... ذات قدر كبير من القوة ألإحتكارية ... تستطيع من خلال هذه القدرة ... من التحكم ... في أسعار المنتجات الخاصة بها .

    عندما تعذر على ألإحتكاريون .... من الوصول إلى إحتكار ألإنتاج بأكمله ... عن طريق المنشأة الواحدة ... لأن هذا الإحتكار .. لا يتم إلا في صناعات قليلة بعينها .... لجأ ألإحتكاريون .... إلى إتخاذ إسلوب جديد ... و هو ممارسة النشاط ألإحتكاري عن طريق منشآت متعددة و هذا ما سنتناوله لاحقا ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى وهو الربا ..... و بدأنا في التحدث عن العامل الثاني من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وهو ألإحتكار .... بدأنا بمقدمة عنه ... وأوضحنا تحريم ألإسلام لهذا النوع من النشاط ... و أوردنا ألأحاديث النبوية التي كانت مصدرا لتحريم هذا النوع من النشاط .... كما تحدثنا عن الإحتكار في العصر الحديث و مهدداته للإقتصاد المحلي و العالمي وتطرقنا فيه للنوع ألأول من أشكاله و هو ممارسة نشاط ألإحتكار عن طريق منشأة واحدة .... وسنتطرق هنا للنوع الثاني من أشكال ألإحتكار في العصر الحديث وهو ممارسة نشاط ألإحتكار عن طريق منشآت متعددة :-
    2/ ممارسة نشاط ألإحتكار عن طريق منشآت متعددة :-
    وقد أخذ هذا النوع من النشاط ألإحتكاري أنواعا متعددة نفصلها في ألآتي :-
    ¥ إتفاقات ألأثمان Price Agreement
    و يمارس هذا النوع من النشاط ألإحتكاري في الصناعات التي يزاولها عدد كبير من المنتجين .... و يتعذر تجميعها في هيئة إحتكارية واحدة .... لذلك يلجأ المنتجون ... إلى إصدار إتفاق فيما بينهم .... يكون شفاهة ... او مكتوبا .... يتم فيه تحديد ألأثمان لمنتجاتهم .... كما قد يكون ألإتفاق ينص على تحديد الكميات الواجب إنتاجها ... و بذلك يبلغون هدفهم ألإحتكاري .. المنشود ... وهو التحكم في ألأسعار لمنتجاتهم ... و التحكم في العرض للكميات المنتجة لهم و ذلك للوصول إلى أعظم ربح من المستهلكين لمنتجاتهم .... ويكون ألأحتكار في هذه الحالة إحتكار محلي ... رغم تعدد المنتجين .
    (ب)قيادة ألأثمان Price Leadership
    و هذا النوع من النشاط ألإحتكاري يتم في شكل قطاع من الصناعات التي يمارسها عدد محدود من المنتجين .... وفيه يقوم المنتج ألأكبر في هذه القطاع ... بتحديد أثمان منتجات القطاع ... و بدون أي إتفاق ... على المنتجين الصغار ...ألإنصياع ... والعمل بألأثمان التي حددها المنتج ألأكبر ... لأنه في حالة مخالفتهم بتخفيض الثمن المحدد بواسطة المنتج ألأكبر... فهذا يعني هلاكهم ...... و تدمير منشآتهم .... و إقصاءهم من القطاع ألإنتاجي ..... حيث أن المنتج ألأكبرسيلجأ مؤقتا لخفض ألأثمان للمنتجات ... ما دون تكاليف ألإنتاج الفعلية ... وهو بذلك يعمل على تكليف المخالفين من المنتجين لتكبد خسائر عالية ... كفيلة بإخراجهم من القطاع .
    وبذلك يسود النشاط ألإحتكاري لهذا القطاع ممثلاً في في المنتج ألأكبر الذي يهدف إلى تحقيق أعظم ألأرباح من المستهلكين ... من خلال تحكمه في أثمان المنتجات ... دون وجود إمكانية للمنتجين ألآخرين من مخالفة ألأثمان المحددة مسبقا منه .
    (ج)نظام البِركة Pool
    و هذا النظام يعتبر من ألأنشطة ألإحتكارية الممارسة عن طريق عدة منشآت وهذا النظام بمعناه .... هو البركة الصغيرة التي يتجمع فيها الماء ... و المعنى ألإصطلاحي له ... أن يتم تجميع كافة إمكانيات فئة محددة من المنتجين ... يمارسون نشاطا إنتاجيا ..متماثلا .... حيث يقومون بحصر ... و إحصاء كافة إمكانياتهم .... ثم يتفقون معا على نبذ الصراع التنافسي بينهم .... و يقومون ومن خلال هذا النظام ... بتحديد ألأثمان لمنتجاتهم .... كما يتفقون على تحديد حصة كل عضو منهم في ألإنتاج ... و ذلك عن طريق القوة ألإنتاجية التي يمتلكها كل عضو في هذا النظام ... بحيث لا يتجاوز أي عضو في إنتاجه الحصة التي قررها له النظام من ألإنتاج .... كما يتفقون على إقتسام المواد الخام اللازمة لصناعتهم ... بتحديد نصيب كل عضو من المواد الخام ... حسب حصة ألإنتاج التي تم ألإتفاق عليها مسبقا .... كما أنهم يتفقون من خلال هذا النظام على إقتسام ألأسواق لتصريف منتجاتهم .... بحيث يكون لكل عضو ... إقليم ... أو قطاع ... أو منطقة جغرافية محددة .... لايستطيع مباشرة نشاطه ... و توزيع منتجاته .... خارج هذه الدائرة المحددة له من قبل النظام .
    ومن خلال هذا النظام ألإحتكاري يتم التحكم في أسعار المنتجات .... لتحقيق أعظم ربح إحتكاري ... في ظل ... إنعدام أي منافسة ... تمكن من خفض أسعار هذه المنتجات .... فيصبح هذا النظام ... إتحادا ضد الكادحين من المستهلكين ... الذين سيكتون .... و يعانون كل المعاناة ... في سبيل الحصول على هذه المنتجات ذات ألأسعار العالية .... ألأمر الذي يؤدي بإلحاق الضرر على كافة المجتمع .... ضررا يقابله ... مكتسبات عظيمة لفئة طفيلية قليلة تحقق من جراء هذا الضرر بالمجتمع .... أرباحا فاحشة .... تتحكم من خلالها في إقتصاد البلاد .... لتزيد الفقراء فقرا .... وتضيف لهم بؤسا ... وشقاءا جديدا في حياتهم العامة .
    (د) نظام الكارتل Cartel
    و الكارتل هو صيغة لنظام إحتكاري ... تتم ممارسته عن طريق عدة منشآت .... الغرض منه إحتكار منتج بعينه ... و التحكم في أسعاره .... بغية الحصول على أعظم ربح من جراء بيعه .... و نظام الكارتل .... ينقسم إلى نوعين هما :-
    1/ الكارتل المحلي National Cartel
    والكارتل المحلي عبارة عن جمعية داخل بلد ما .... تتكون من مجموعة لمنتجين لسلعة يشتركون في إنتاجها .... بموجبه تقوم هذه الجمعية بتحديد الحصة ألإنتاجية لكل عضو من أعضاءها .... وتقوم من بعد ذلك بشراء كافة إنتاج ألأعضاء ... لتتولى هي عملية البيع لكافة ألإنتاج ... و بالأثمان التي تتحكم في تحديدها .... بالصورة التي تحقق أرباحا عالية .... و من ثم تقوم بتوزيع هذه ألأرباح العالية على أعضاءها بنسبة نصيب كل عضو في ألإنتاج .
    2/ الكارتل الدولي International Cartel
    و هذا النوع من ألإحتكار يعتبر من أسوأ صور ألإحتكار .... إذ أن ضرره ... و أذاه .... يمتد لكافة شعوب العالم .... وقد سجل التاريخ طوال المائتي عام ألأخيرة ... أن الكارتلات الدولية كانت من أقوى حوافز ألإستعمار ... ثم صارت من بعد ذلك .... من أقوى ركائزه .
    وقد نشأت الكارتلات الدولية عن طريق ألإرتباط الوثيق للكارتلات المحلية ببعضها .... في بلدان أخرى .... و تدريجيا .... تحول هذا ألإرتباط الوثيق ... إلى إندماج ... تحولت بموجبه الكارتلات المحلية ... إلى كارتلات دولية .... وقد إستطاعت هذه الكارتلات الدولية ... من أن تسيطر على كثير من السلع ألأساسية في العالم ... وهي وعلى سبيل المثال وليس الحصر ....الحديد الصلب ... و ألأسمنت ... و الفحم الحجري .... و المطاط ... و السكر .... والقمح .... و اليورانيوم .... وحتى في مجال الخدمات ... ومثال لذلك .... التأمين البحري .
    و العوامل التي ساعدت على أنتشار الكارتلات الدولية .... متعددة ... منها ... التقدم التكنلوجي الذي إقترن بالصناعة الحديثة ... و التقدم في توفر سبل المواصلات ... و ألإتصالات الحديثة .... والتي جعلت من العالم الواسع ... قرية صغيرة ... كل هذه العوامل ... إستطاعت أن تربط كافة دول العالم ... برباط إقتصادي ... متماسك .
    و الكارتلات الدولية وهي تمارس نشاطها ألإحتكاري ... فهي تنتهج نفس نهج الكارتلات المحلية ..... من ناحية التحكم في ألأسعار ... بهدف الحصول على أعظم ألأرباح .... مع ألإختلاف بأن التحكم في أسعار المنتجات هنا .... يكون على مستوى العالم بأثره .
    و تعمل هذه الكارتلات الدولية و بما أصبحت تملكه من نفوذ ... على محاربة كل منتج ينافسها ... يعمل خارج دائرتها .... و لايعمل بألأسعار التي تحددها هي .... وذلك يكون طورا ... عن طريق عرقلة إمكانية حصوله على كفايته من المواد الخام .... أو تعمل على خلق سياسة تهدف فيها إلى مقاطعة منتجاته ... بإصدار توجيهات للموزعين للكف عن تصريف منتجاته .... أو أنها قد تلجأ في بعض ألأحيان لممارسة ألأساليب القذرة ... في صراعها مع المنتجين خارج دائرتها .... عن طريق إشعال حرب ألأثمان المؤقتة ... محليا ... ألأمر الذي يؤدي إلى أن يعجز المنتجين المحاربين عن مجاراتها في حرب ألأسعار هذه ... ويتم تدمير منشآتهم تدميرا كاملا ... ويتم إقصاءهم من ألإنتاج و عن السوق نهائيا .
    و من سياسات الكارتلات الدولية ... أنها تقوم بتقسيم أسواق العالم بين أعضاءها من الكارتلات المحلية ... على النحو الملائم لكل منهم ... بحيث يكون لكل عضو سوق معين ... لايتعدى نشاطه هذا السوق ... كما يستوجب ألأمر ... عدم مشاركة أي عضو من الكارتل .... له في هذه السوق المحددة له .... ومن خلال هذه الكارتلات الدولية ... إستطاعت الكارتلات المحلية ... أن تسيطر على ألأسواق المحلية ... مستفيدة من ألأسعار العالية التي تحددها الكارتلات الدولية .... وذلك في ظل الحماية الجمركية التي تفرضها حكوماتها من أجل حماية الصناعة الوطنية .
    و من خطورة هذه الكارتلات الدولية ... أنه نتيجة لنشاطها ... ترتفع أسعار المنتجات إلى مستوى فاحش .... و قد تم رصد بعض الحالات لمنتجات محلية في بلدان معينة .... إرتفعت أسعارها بنسبة تقارب العشرة أضعاف ... وذلك بعدما ... أندمجت المؤسسات المحلية التي تنتجها في كارتلات إحتكارية دولية .... ألأمر الذي ضاعف أرباح هذه المؤسسات ... و أرباح الكارتلات الدولية أضعاف مضاعفة .... و كان كل ذلك ... خصما على الكادحين من أبناء بلادها ... و على الكادحين من أبناء الشعوب ألأخرى .
    و من خطورة هذه الكارتلات الدولية أيضا .... ألآثار التي تمس ... سيادة ... و أمن ألأوطان .... حيث أن سياسات هذه الكارتلات الدولية ... تخلق من أعضاءها .... كيانات لا تؤمن بحق ألأوطان .... بل تؤمن فقط بمصالحها المالية ... ومصالح الكيان ألأكبر ... الكارتل الدولي .... إذ أن هؤلاء ألأعضاء .... و في ممارستهم لنشاطهم داخل الكارتل ... يكون ولاءهم لمصالح الكارتل ... و أعضاءه ... أكثر من ولاءهم لصالح أوطانهم .... وحتى ولو كان أعضاء الكارتل .... من الدول المعادية لبلدانهم .
    ومن ألإمور ألأكثر خطورة ... نتيجة ممارسة هذا النوع من النشاط ألإحتكاري .... هي الجهود التي تبذلها هذه الكارتلات الدولية ... و بما تملك من قدرة ... و قوة ... و نفوذ من العمل على عرقلة ... قيام ... و نماء ... و تطور نشاط التصنيع .... في المستعمرات .... أو الدول النامية ... و الفقيرة ... وذلك حتى لايتسنى لها منافستها في ألإنتاج الصناعي .... وحتى تتمكن من ألإستيلاء على المواد الخام منها ... بأبخس ألأثمان ،،، وبذلك نجد أن هذه الكارتلات الدولية ... تعمل على نشر الجهل ... و عرقلة التنمية ... ونشر الفقر ... و إستبقاء البؤس في أكثر بقاع العالم .
    يمكن أن نجمل ألآثار المترتبة عن ممارسة نشاط الكارتلات الدولية ... تتمثل في أن ... الكثير من علاقات الدول ألإقتصادية فيما بينها ..... تخضع لحكم فئة قليلة ..... تتولى هذه الفئة تقسيم الموارد ... و تتولى تقسيم ألأسواق العالمية ... ألأمر الذي يجعلها تسيطر سيطرة كاملة على ألإنتاج العالمي ... و ألأثمان للمنتجات العالمية .... و تسيطر على عملية توزيع هذا ألإنتاج العالمي .... و جملة ... فإنها تسيطر على شرايين الحياة في الصناعات العالمية .... وهي في مجملها تعتبر ... حكومة دولية ... حكومة لها مبعوثيها المتواجدين في الكثير من الدول الكبرى ... و النامية ... و هى التي تخلق نظم التعريفات الجمركية الملائمة لها ... في كل دول العالم ... كما أنها هي وحدها التي تصدر ألإذن لإعضاءها من الكارتلات المحلية بتحديد نسب ألإنتاج .... وأثمان شراء ... ونسب توزيع المواد الخام ..... كما أنها هي التي تقوم بتحديد ألأسعار العالمية ... و المحلية لكافة ألإنتاج العالمي .
    يبقى أن نقول أخيرا .... فيما يتعلق بنشاط ألإحتكار عموما ..... أن هذا ألأخطبوط ألإحتكاري .... إمتدت أذرعه في هذا العصر ... إلى بقاع ألأرض ... كافة ... حيث أن كل هيئة إحتكارية ... في أي دولة رأسمالية .... أصبحت لها فروعها في الدول الرأسمالية ألأخرى .... ثم إندمجت جميعها .... في كتلة ضخمة ... تسيطر على الصناعة ... و ألإنتاج العالمي .... كما أنها أصبحت تسيطر على العوامل التي تتطلب أنتاج كافة السلع .... من مواد خام ... في معظم الكرة ألأرضية ... مما جعل لها السيطرة التامة من حيث الكميات المنتجة عالميا .... و أسعارها ... و أسواق تصريفها ... و توزيعها .... فأصبحت السمة البارزة ... في ألإقتصاد العالمي المعاصر ... هي تآمر من أقطاب المال في جميع الدول ألإمبريالية ... ألإستعمارية ...على إقامة هذه المنشآت ألإحتكارية العملاقة .... حتى أصبحت ... ألإمبريالية و ألإستعمار ... و ألإحتكار حلفاء .... لا يفترقان .
    كما لايفوتنا هنا .... أن نشير بأن ألإحتكار ... و بكافة أشكاله .... و أنواعه ... و صوره ... أصبح حليفا للربا المصرفي ...تلك ألآفة الكبرى ... التي تنخر في بنيات ألإقتصاد الغربي المعاصر .... و تنخر في بنيات الحضارة الغربية ... وتهددهما بألإنهيار الوشيك ... دولة بعد دولة .... ولن ينقذهما ... ويخلصهما من هذا المصير المحتوم ... إلا ألإلتجاء إلى أحكام ألإقتصاد ألإسلامي .... الذي حرم الربا ( سعر الفائدة ) ... و حرم نشاط ألإحتكار .
    ونتواصل لاحقا في العامل الثالث من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ،،،،،،،،،
    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى وهو الربا ..... و بدأنا في التحدث عن العامل الثاني من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وهو ألإحتكار .... بدأنا بمقدمة عنه ... وأوضحنا تحريم ألإسلام لهذا النوع من النشاط ... و أوردنا ألأحاديث النبوية التي كانت مصدرا لتحريم هذا النوع من النشاط .... كما تحدثنا عن الإحتكار في العصر الحديث و مهدداته للإقتصاد المحلي و العالمي وتطرقنا فيه للنوع ألأول من أشكاله و هو ممارسة نشاط ألإحتكار عن طريق منشأة واحدة .... كما تطرقنا للنوع الثاني من أشكال ألإحتكار في العصر الحديث وهو ممارسة نشاط ألإحتكار عن طريق منشآت متعددة وسنتعرض هنا للعامل الثالث من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى و هو الأنشطة والبيوع التي حرم ألإسلام من ممارستها .

    ثالثا :- ألأنشطة و البيوع التي حرم ألإسلام ممارستها
    مقدمة :-
    يتميز ألإقتصاد ألإسلامي بقاعدة ذهبية ... تميزه عن سائر غيره من ألأنظمة ألإقتصادية السائدة في عالمنا المعاصر .... و هذه القاعدة الذهبية .... هي قاعدة الحلال ... و الحرام .. عند مزاولة أي نشاط إقتصادي ... يتم فيه تبادل المنفعة بين طرفين ... أو بين أطراف شتى .... بينما نجد في الطرف ألآخر ... أن كافة ألأنظمة ألإقتصادية ألأخرى ... لاتتقيد بالقيم ... و لاترتبط بألأخلاق .... في قواعدها ألأساسية .
    و قاعدة الحلال ... و الحرام ... في ألإقتصاد ألإسلامي ... تجعل الموارد ألإقتصادية ... تتوجه ... و تتركز ... في إنتاج السلع ... و الخدمات ... التي تشبع الحاجات السوية للإنسان .
    كما أن قاعدة الحلال و الحرام ... تفرض حماية سابقة ... على المستهلكين من الكادحين ... كما أنها تفرض الحماية السابغة ... على المنتجين .. من الزراع ... و الصناع ... وصغار التجار ... فهي تفرض عليهم الحماية ... من إستغلال ... و أطماع ... و جشع ... كبار الرأسماليين ... الذين يلحقون الضرر بكافة المجتمع .... في سبيل تحقيق أرباحا .. عالية ... فاحشة ... تتحقق خصما على ظلم ماحق ... وتبخيس لأشياء الناس ... و إهدار لجهود الكادحين .

    و ألإسلام ... قد حرم الكثير من ألأنشطة ... التي تؤدي إلى ألإضرار بالمجتمع ... وتمارسها فئات قليلة ... تحقق من وراءها أرباحا عظيمة .... وقد تعرضنا لنشاطين منها سابقا ... وهما من أكثر ألأنشطة التي تؤدي بألإضرار بالمجتمع من النواحي ألإقتصادية ... و ألإجتماعية .... و قد أفردنا لكل نشاط منهما ... جانبا منفصلا ... لبيان ألآثار الكارثية لهذين النشاطين ... و هما ... الربا ... و ألإحتكار .... وسنتناول هنا بعض ألأنشطة ألأخرى .. و البيوع التي حرمها ألإسلام ... و التي حرمها لنفس ألأسباب التي حرم بها كل من الربا ... و ألإحتكار ... و لو أن آثارهما ... رغم كارثيتهم على المجتمع ... إلا أنها تعتبر أقل وطأة .... لذلك فقد أفردناها كعامل واحد من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى .... و سنتناول كل نوع منها ... بتفصيل أقل من التفصيل الذي أفردناه في كل من الربا و ألإحتكار ... وسنتناول أولا ... الغش :-

    (1) الغش :-
    حرم ألإسلام الغش ... حرمة قطعية في كافة التعاملات المتبادلة بين ألأفراد ... لكافة ألأنشطة التي يمارسها ألإنسان .... وقد كان التحريم لممارسة الغش ... قد ورد في نصوص قرآنية صريحة نذكر منها :-
    ¥ يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن ( ألا تطغوا في الميزان ، و أقيموا الوزن بالقسط ، و لاتخسروا الميزان . ) ألآيات (8) و (9)
    (ب)يقول الله سبحانه و تعالى قي سورة ألإسراء ( و أوفوا الكيل إذا كلتم ، و زنوا بالقسطاس المستقيم ، ذلك خير ، و أحسن تأويلا . ) ألاية (35) .
    (ج) يقول الله سبحانه و تعالى قي سورة ألنساء ( يا أيها الذين امنوا ، كونوا قوامين بالقسط .... شهداء و لو على أنفسكم ، أو الوالدين و ألأقربين ، أن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ، فلاتتبعوا الهوى ، أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا . ) ألاية (135) .
    (د) يقول الله سبحانه و تعالى قي سورة ألحديد ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط . ) جزء من ألاية (25) .
    و كما حرم ألإسلام الغش بنصوص قرآنية .... كذلك حرمه بالسنة النبوية الشريفة ... بكثير من ألأحاديث النبوية ... نذكر منها هنا :-
    (أ)عن إبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله قال :- ( من حمل علينا السلاح فليس منا ، و من غشنا فليس منا . ) رواه مسلم .
    (ب)عن أبي هريرة رضي الله عنه روى أن رسول الله مر على صبرة طعام ، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال : - ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال – ( أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ، من غشنا فليس منا .) رواه مسلم .
    (ج)عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( التاجر الصدوق ألأمين ، مع النبيين ، و الصديقين ، و الشهداء و الصالحين . ) مصابيح السنة جزء 2 ص 4.
    (د)عن عبيد بن رفاعة ، أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال :- ( التجار يحشرون يوم القيامة فجارا إلا من أتقى ، و بر ، و صدق ) مصابيح السنة جزء 2 ص 4.
    وقد حرم ألإسلام الغش كسلوك مشين في المعاملات ... لأن نتائجه دائما تؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخر ... في مقابل تحقيق منفعة لفرد أو جماعة ... لم يبذل جهدا يذكر .... سوى ... ألإحتيال و التضليل .... للطرف ألآخر .
    و الغش من أهم أثاره السيئة على ألإقتصاد .... أنه يعمل على عدم تحقيق ألإزدهار ألإقتصادي ... و الذي يقوم أساسا على إكتمال الثقة بين المتعاملين . وذلك ألأمر حدا بكثير من التشاريع الوضعية ... و التي وضعت بعد حقبة طويلة من ظهور ألإسلام ... أن جعلت من الغش .... سببا أساسيا ... من أسباب بطلان العقود بين المتعاقدين .
    و لكننا ... و في الوقت المعاصر ... نجد أن هنالك كثير من المعاملات اليومية .... التي تتم دون أن يكون هنالك إبرام لعقود .... يمكن أن تبطل هذه العمليات ... إن كان يشوبها ... أي نوع من أنواع الغش .... أو التدليس .... و ذلك حسب نصوص التشريعات الوضعية والتي إستنادا عليها يفصل القضاء .... و في هذه العمليات .... يجد ضعاف النفوس ... المحتالين .. مجالا فسيحا ... لتحقيق أرباحا فاحشة .... عن طريق الغش .... و من ألأمثلة على ذلك الكثير ... فمثلا ... منتج السلعة .... يغش في محتويات أو مدخلات إنتاج السلعة.... بأن لاتكون مطابقة للمواصفات ... و المعايير المطلوبة ... في الجودة ... و النفع ... وهنا فإن المنتج ... يمارس نوعا من الغش الخفي .
    كما نجد غشا آخر يمارسه موزع السلعة .... فهو يزينها للناس ... طورا بالكذب في القول ... و طورا بالخداع في ألإعلان .
    كما نجد نوعا آخر من أنواع الغش .... يمارسه رب العمل ... بغش عماله ... بعدم إيفائهم قيمة ... و جزاء جهدهم ... بالتطفيف في إجورهم فإن إستخدم رب العمل عمالا في تنمية ماله ... فبخس من إجورهم .... فقد إرتكب جريمة الغش .... و دخل في زمرة المطففين و الذين أنذرهم الله تعالى بقوله في سورة المطففين :- ( ويل للمطففين ، الذين إذا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم ، أو وزنوهم يخسرون ، الا يظن أولائك بأنهم مبعوثون ليوم عظيم . ) ألآيات
    و غش آخر يمارسه الرأسماليون عند شراءهم لمنتجات غيرهم من المواد ألأولية التي تدخل في عملياتهم ألإنتاجية ... وذلك عن طريق بخس الناس أشياءهم .... في سبيل الحصول على هذه المنتجات من الكادحين ... بأبخس ألأثمان .... لإنتاج سلعهم التي يبيعونها بأغلى ألأسعار .
    وغش آخر يمارسه بعض المنتجين في تقليد بعض المنتجات ذات الرواج الكبير .... ينتجونها بمواصفات لا تتطابق مع المنتجات ألأصلية .... ليبيعونها بنفس أسعار المنتجات ألأصلية .
    و نجد أن عمليات الغش هذه ... و التي تحدث في المعاملات اليومية .... تعجز أجهزة الدولة ..... و يعجز القضاء عن ملاحقتها .... و متابعتها ..... ولايجدي في منع هذه المعاملات ... سوى الوازع الديني ..... وذلك لإستشعار من تحدثه نفسه ببمارسة هذا السلوك المشين .... بأن هنالك رقابة عليا عليه ... لا تخفى عليها خافية .... تراقبه في تصرفاته .... بل تراقبه حتى في نواياه ... وهنا يظهر الفرق جليا بين .... تحريم التشريعات الوضعية للغش ... ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة .... وبين تحريم ألإسلام للغش ... كجريمة يعاقب مرتكبها ليس في الحياة الدنيا فقط .... بل أنه يعاقب عليها في الحياة ألآخرة ... من قبل الله سبحانه و تعالى ... الخالق ... الذي نهى ... و حرم حرمة قطعية .... ممارسة هذا النوع من السلوك المشين ..... و الذي لم يحرمه إلا .... لحماية المستضعفين .... الذين تستغلهم ... فئة قليلة من ضعاف النفوس ... و التي تحقق من خلال إستغلال هؤلاء الضعفاء ... خداعا ... و غشا ... وتضليلا .... تحقق مكاسب كبيرة ... وذلك خصما على ألإضرار البالغة التي تحيق بمجموعة كبيرة من الكادحين .
    ونجد أنه قديما قد إبتكر المسلمون .... نظام الحسبة .... لمكافحة الغش ... في كافة أشكاله .... و أوضاعه .... الظاهر منها و الخفي .... فكان المحتسب .... يجول في ألأسواق .... و يرتاد المصانع .... و المتاجر .... و يحسم الغش .... بالتعزير ... الفوري ... الرادع .
    ونتواصل لاحقا في نوع آخر من أنواع ألأنشطة و البيوع التي حرم ألإسلام ممارستها وهو البيوع التي حرمها ألإسلام ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى وهو الربا ..... كما تحدثنا عن العامل الثاني من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وهو ألإحتكار .... وبدأنا التحدث عن العامل الثالث من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى و هو الأنشطة والبيوع التي حرم ألإسلام من ممارستها حيث تعرضنا بالحديث عن الغش ... وسنتناول هنا بعض البيوع التي حرمها ألإسلام كعامل من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى .
    (2) البيوع التي حرمها ألإسلام :-
    أقر ألإسلام بالتجارة كنشاط حلال من ألأنشطة التي يمارسها ألإنسان .... ومنذ خلق البسيطة كمهن ... يتم فيها التبادل للناس بعضهم ..... لبعض ..... لتعم الفائدة كل المجتمعات ألإنسانية .... و ليستنعم المجتمع بسد إحتياجاته .... وطلباته .... ورغباته ..... بتبادل نتاج هذه ألأنشطة ... سواء كان خدمة ... أو سلعة .... و ألإسلام و في تحليله لنشاط التجارة .... كنشاط مشروع ..... لم يطلق ألأمر على عواهنه ..... لأن في هذا النوع من النشاط .... أكثر الوسائل .... لإستغلال ألإنسان لأخيه ألإنسان .... ظلما .... و خداعا .... وغشا .... وتدليسا .... و مكرا.... و إستغلالا للحوجة الماسة ... و إستغلالا للجهل ... و عدم الدراية .
    وقد قام ألإسلام بوضع أول شرط للممارسة هذا النشاط بقوله سبحانه و تعالى في ألاية رقم 29 من سورة النساء ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلو أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم و لاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )
    ومن ألآية السابقة بتدبر الظاهر و الباطن يتضح إن الدين ألإسلامي يسعى لكل مافيه الخير للإنسانية ... ويسعى لعدم إستغلال ألإنسان لأخيه ألإنسان في حميع ضروب ألأنشطة ومنها يمكن أن نقول إن التجارة لاتكون نشاطا حلالا إلا إذا توفرت فيها بعض الشروط .... و تتمثل هذه الشروط في ألآتي :-
    1/ أن يكون البيع ... و الشراء فيها .... يتوفر فيه رضاء الطرفين البائع و المشتري على شروط العقد المتمم للصفقة سواء كانت تجارة خارجية ... أو محلية .... أو شراء مواطن عادي من تاجر تجزئة ...... وذلك في إنتفاء الجهالة في الثمن ........ و السلعة لكل من المتبايعين .... لذلك فإن البيع من مكره بلا حق .... لايصح .... و يتمثل ذلك في قيام بعض الحكومات .... بفرض أسعار على المنتجين .... هي أقل بكثير من تكلفة إنتاجها .... و ترغم النتجين على البيع بها .... وذلك لكسب ثقة ... المواطنين ... و أنها تعمل على توفير هذه السلع لهم .... بأقل ألأثمان .... و يؤيد ذلك ما جاء في ألآية 29 من سورة النساء ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم .) .... كما يؤيده الحديث الشريف ... فيما رواه ابن ماجة ... و ابن حيان و غيرهما قول رسولنا الكريم ( إنما البيع عن تراض ) أي عن طيب نفس كل واحد منكم .
    2/ حيازة البائع للسلعة وتواجدها في ملكيته ... وليس ملكية الغير .... و بمعنى آخر .... أن يكون عقد البيع من مالك السلعة المتعاقد عليها .... أو ممن يقوم مقامه ... كالوكيل .... أو الولي .... و يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه و سلم لحكيم بن حزام ( لاتبع ماليس عندك ) رواه بن ماجة و الترمزي .... أو بمعنى آخر أن يكون المعقود عليه .... مقدور على تسليمه .... أي تسليم السلعة المباعة ... حال العقد ... و كذلك الثمن المعين لشراء السلعة ... ما لم يشترط على غير ذلك في العقد .... إذ أن الذي لا يقدر على تسليمه .... يكون في حكم المعدوم .... و المعدوم لا يصح بيعه .... لأنه يعتبر بيع غرر .... وكذلك يكون الحكم على شبه المعدوم .
    3/ أن لايكون في السلعة عيب قادح .... وقد تم إخفاءه .... إما بترويج إعلاني ... أو بتغليف.... مميز .... أوبتغيير لبلد المنشأ الذي وردت منه البضاعة .... أو تغيير لتاريخ أنتاج .... وإنتهاء صلاحية السلعة .
    4/ أن يكون في عملية البيع شرط النكول ... و الرجوع عن عملية البيع لكل من البائع ..... و المشتري .... ما داما في مجلس البيع ... قبل إتمام الصفقة .... لأي مستجدات تطرأ .... في عملية البيع .... أو عدم توافر ... الضمانات ... أو المواصفات المطلوبة للسلعة .
    5/ أن لايكون الهدف من البيع ممارسة نشاط منهي عنه .... و محرم .... مثل أن يكون هدف البيع ... ممارسة نوع من أنواع الربا .... كبيع العينة ( الذي سنتعرض إليه لاحقا ) أو أي نوع من ألأنشطة المشبوهة ألأخرى .
    6/ أن يكون كل من البائع .... و المشتري ... جائز التصرف .... بمعنى أن يكون كل منهما .... مكلفا ... و رشيدا .... كامل ألأهلية .... فلا يصح
    و من ما سبق يتضح لنا إن ألإسلام و بتحليله لنشاط التجارة .... قد لها شروطا .... و مواصفات .... تم بيانها في القرآن الكريم .... وتم تفصيل البعض ألاخر في السنة النبوية الشريفة .... فليس ... كل مايسميه الناس بيعا .... هو نشاطا حلالا .... فالبيع الحلال .... هو كل ما جاء ... موافقا ....للشروط ....و المواصفات .... التي شرعت في كتاب الله سبحانه و تعالى .... و أقرتها سنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم .... وكل بيع ينطوي على ... غرر ... أو خداع .... أو حيلة .... أو ربا .... فهو حرام .
    و تأييدا لما سبق ... من السنة حديث رسولنا الكريم حينما دخل السوق وقال ... ( يامعشر التجار ) فأستجابوا له صلى الله عليه وسلم ... ورفعوا أعناقهم .. و أبصارهم إليه ... فقال :-
    ( إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من إتق، و بر ، و صدق . ) رواه الترمذي .
    وعليه فإن ألإسلام و في تحليله للتجارة و البيع ... و الشراء ... ووضع شروط ... صحتها .... و المواصفات ... التي تتطلبه ..... فقد حرم بعض أنواع البيوع ..... و قد كانت حكمة مشروعية تحريم هذه البيوع ... أن في ممارستها يكون هنالك إستغلال للآخر .... أو أنها تؤدي للإضرار بالمجتمع في عقيدته ... أو في أخلاقه .... أو مقوماته . حيث من مبادئ ألإسلام ... التي شرعها بواسطة سنة نبينا الكريم ... أن لا ضرر ... و لا ضرار .
    وسنتناول هنا بالتفصيل تلك البيوع المحرمة بالسنة وهي كالتالي :-

    (أ) بيع الغرر :-
    و بيع الغرر .... هو كافة المعاملات ... التي تتوقف نتائجها على المستقبل المجهول ... أو يمكن أن نوضحه بصورة أشمل أنه هو بيع ما ليس عندك .... أو ما لم تستطيع التأكيد بحيازتك له .... لأن أمر حيازته .... يتوقف على المجهول .... ةتنطبق هذا النوع على التجارة بكافة أنواعها .... داخلية كانت أم خارجية .
    و المراجع الفقهية .... تعرف بيوع الغرر تعريفا دقيقا بأن الغرر ... هو في ألأصل الخطر ..... من غر ... يغر ... بكسر الغين ... و الخطر ... هو الذي لايدرى ... أيكون أم ... لا ... و قدقال أبن عرفة .... هو ماكان ظاهره يغر .... و باطنه مجهول .... و منه سمي الشيطان ... غرورا .... لأنه يحمل محاب النفس .... ووراء ذلك ما يسؤ ..... كما قال ... و الغرور هو ....مارأيت له ظاهرا تحبه ... وباطنه مكروه أو مجهول.
    بصورة إجمالية يمكن أن نقول أن بيوع الغرر نوع من المقامرة ... لاتنتهي في الغالب .... إلا بخلاف بين المتعاملين ... لذلك فقد حرمها ألإسلام .
    وقد وردت أحاديث نبوية شريفة .... عديدة ... تناولت هذا النوع المحرم من البيوع ... بالتفصيل ..... ونورد هذه ألأحاديث على النحو التالي :-
    1/ عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال ، نهى رسول الله عن بيع الغرر . رواه مسلم
    2/ و عن علي ( رضي الله عنه ) قل ، نهى رسول الله عن بيع المضطر ... و بيع الغرر ... وبيع الثمرة حتى تدرك . أخرجه أبو داؤود .
    3/ عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله علي أنهيكم عن شراء ما في بطون ألأنعام ، حتى تضع ، و ما في ضلوعها إلا بكيل ، و عن شراء العبد وهو آبق ، و عن شراء الغنائم حتى تقسم ، وعن شراء الصدقت حتى تقبض . ) أخرجه ابن ماجه .
    4/ عن عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، نهى البائع و المشتري ، و عن النخل حتى تزهو ، و عن السنبل حتى يبيض ، ويأمن العاهة .) مصابيح السنة للإمام البغوي للحسين بن مسعود الجزء الثاني صفحة7 .
    5/ عن حكيم بن حزام قال نهاني رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع ما ليس عندي فقد قلت ... يا رسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي فأبتاع له من السوق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لاتبع ما ليس عندك . ) مصابيح السنة للإمام البغوي للحسين بن مسعود الجزء الثاني صفحة7 .
    6/ عن أنس قال نهى رسول الله عن بيع الثمار حتى تزهى، قيل و ما تزهى ، قال حتى تحمر ، أو تصفر ، قال إذا منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه .) مصابيح السنة للإمام البغوي للحسين بن مسعود الجزء الثاني صفحة7 .
    و مما سبق ومن ألأحاديث النبوية التي وردت ... وحسب مقومات هذا النوع من البيوع المحرمة .... يمكن ان نقيس في وقتنا المعاصر .... على كل ألأنشطة التي تمارس وتشوبها ... كل أو جزء من مقومات هذا النوع ... من البيوع المحرمة .... وخاصة ما تمارسه البنوك .... فيما يتعلق بصيغة السلم .... و التي يتم بموجبها تمويل المزارعين .... و مايشوب هذه العملية من جزء من مقومات ... بيع الغرر .... فالسلم نشاط شرعي أقره ألإسلام ... و أباحه .... ولكن ما تمارسه البنوك المعاصرة ... في إستغلال المزارعين .... الكادحين .... و إدخال عدد كبير منهم ... لغياهب السجون .... نتيجة التعسر ..... في تسليم المحاصيل محل عقد السلم .... نتيجة ظروف أحالت دون الحصول على هذا المحصول .... وفي عقد السلم يقوم المزارع ببيع ... محصوله للبنك .... قبل بداية الموسم الزراعي .... وخاصة في مناطق الزراعة المطرية قبل حلول موسم الخريف ... و ذلك نظير تمويل يقدمه البنك ... في عملية توضيب ألأرض .... وعملية الزرع .... و عملية الحصاد .... وهذا مانهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .... في عدم بيع ماليس عندك .... و المزارع يكون قد باع محصوله للبنك قبل عملية تجهيز ألأرض للزراعة ..... و بثمن تم تحديده .... قبل أن يتم معرفة زمن المحصول عند حصاده .... كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع النخل حتى تزهو .... وعن بيع الثمار حتى تزهى .... وعن بيع السنبل حتى يبيض ... و يأمن العاهة ..... وأبيضاض السنبل لدينا في السودان .... يسميه المزارعون ... (مرحلة اللبنة ) ووصول المحصول لهذه المرحلة .... يكون قد تخطى مرحلة ألإصابة .... بألافات الزراعية .... مما عني الـاكد من وصول المحصول لمرحلته النهائية دون تأثر .... و كان هذا مصداقية .... لحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم ونجد في عملية السلم الذي تمارسه البنوك فإن المزارع لايبيع محصوله قبل أن يبض .. و يأمن العاهة ... أو يزهو .... فإنه يبيعه..... قبل عملية تجهيز ألأرض للزراعة .... و في مناطق الزراعة المطرية ... قبل حلول فصل الخريف .
    و السلم الذي أقره ألإسلام ... و شرعه ... بواقعة حديث الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم عندما قدم ئغلى المدينة ... و وجد الناس يسلفون في الثمار .... السنة ... و السنتين .... فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم ... إلى أجل معلوم . )
    فالسلم الذي كان يباشر في عهد رسولنا الكريم .... كان تسليف ثمار بكيل معلوم ...و وزن معلوم و إلى أجل معلوم .... أي أن السلف لم يكن تبادل بين قرض ... ومحصول يستلم نظير ذلك القرض ..... ولو كان ألأمر كذلك .... والرسول لاينطق عن الهوى ... إنما هو وحي يوحى ..... فلو كان السلم الذي يمارس في عهد رسولنا الكريم .... له نفس مقومات السلم الذي تمارسه البنوك اليوم .... لما توقف حديث رسولنا الكريم .... عند ألأجل المعلوم ... بل سيكمل التوضيح .... فيشمل ذلك السعر المعلوم .
    كما يمكن مقارنة مقومات هذا النوع المحرم من أنواع البيوع ...المحرمة فيما تمارسه شركات التأمين في بعض عملياتها ..... و على ما يمارس في سوق ألأوراق المالية .... لبعض العمليات ألآجلة .
    ونتواصل لاحقا في نوع آخر من أنواع ألأنشطة و البيوع التي حرم ألإسلام ممارستها وهو البيوع التي حرمها ألإسلام ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى وهو الربا ..... كما تحدثنا عن العامل الثاني من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وهو ألإحتكار .... وبدأنا التحدث عن العامل الثالث من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى و هو الأنشطة والبيوع التي حرم ألإسلام من ممارستها حيث تعرضنا بالحديث عن الغش ... كنشاط قد حرمه ألإسلام ... ثم تناولنا البيوع التي حرمها ألإسلام كعامل من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى تناولنا مقدمة لذلك .... ثم تناولنا بيع الغرر كبيع من البيوع التي حرمها ألإسلام .... و سنتناول هنا .... عدد من البيوع التي حرمها ألإسلام :-

    (ب)بيع العينة :-

    وبيع العينة بيع يتم فيه .... التحايل على ما حرمه الله من الربا .... إذ أن في هذا البيع .... يقوم البائع ببيع سلعته للمشتري بألأجل بثمن عالي .... ثم يقوم بشراء نفس السلعة التي باعها له .... نقدا .... و بثمن أقل .... ونجد في بيع العينة .... أنه قد أخل بشروط ألإسلام ... في تحليله للتاجرة كنشاط .... في فرعين .... الفرع ألأول ... هو إحتوائه على الربا .... و الفرع الثاني .... إجتماع بيعتين في بيعة واحدة .... وهذا النوع يعتبر من البيوع المحرمة .... و الذي سنتناوله لاحقا .
    و للأسف الشديد فإن هذا النوع من البيوع المحرمة إنتشر ... في السودان و بصورة خاصة في تجارة المحاصيل .... وقد تم مباشرة هذا النشاط .... من بعض ذوي النفوس الضعيفة .... في ولاية القضارف ..... و الذين يستغلون حوجة المزارعين .... الكادحين .... والمواطنين الذين يحتاجون للسيولة لتغطية ظروف طارئة ... و ملحة أبشع إستغلال ... وذلك بهدف تحقيق أرباح عالية ... لهم .... هي أصلا من دماء ... و كفاح .... الكادحين .... الغلابة في هذه الولاية .... و تتم عملية بيع العينة هنا .... بقيام الرأسمالي .... المرابي ..... بفتح مكتبين خاصين به .... المكتب ألأول يقوم ببيع محصول للمزارع .... أو المواطن المغلوب على أمره بألأجل .... مقابل شيكات مؤجلة كأقساط شهرية .... قد تكون فترة الدين ألإجمالية لمدة عام .... وعادة مايكون سعر المحصول المباع .... أعلى بكثير من السعر السائد في السوق ..... بعد إنتهاء عملية البيع .... يقوم المكتب بتوجيه المشتري للمكتب الثاني ..... و الذي يمكنه شراء المحصول منه نقدا .... و بموجب سند التسليم الذي إستلمه من المكتب ألأول ..... أي أنه يمكن بيع المحصول الذي إشتراه ... ولم يستلمه .... و لم يراه ... أصلا .... فيقوم المكتب الثاني بشراء هذا المحصول نقدا .... و بسعر منخفض للغاية .... قد يكون أقل من السعر الذي تم به الشراء بنسبة قد تصل إلى 50 % .
    وهذا البيع بهذه الصورة حرام؛ لأن فيه احتيالاً على الربا، فكأنه باعه أموالا مؤجلة بأكثر منها، وجعل السلعة مجرد حيلة ووسيلة إلى الربا,

    من هنا تضح لنا حكمة ألإسلام في تحريم هذا النوع من البيوع ..... وقد تم تحريم هذا البيع بالسنة النبوية .... بقتضى الحديث النبوي الشريف :-

    عن ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم

    (ج)بيع النجش :-

    والنجش يعني الزيادة في السلعة بدون قصد شرائها وإنما ليوقع السوام عليها فيشتروها فيغرر بالمشتري وهذا البيع حرام؛ لأن فيه تغريراً بالمشترين الآخرين وخداعاً لهم.
    وللنجش عدة صور يمارس بها نذكر منها على سبيل المثال ألآتي :-

    1/ أن يزيد في ثمن السلعة التي لا يريد شراءها؛ ليغر المشتري بالزيادة.

    2/ أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ويمدحها؛ ليغر المشتري فيرفع ثمنها

    3/ أن يدعي صاحب السلعة أو الوكيل أو السمسار ادعاء كاذب أنه دفع فيها ثمنًا معينًا؛ ليدلس على من يسوم.
    4/ ومن الصور الحديثة للنجش المحذورة شرعًا اعتماد الوسائل السمعية والمرئية المقروءة التي تذكر أوصافًا رفيعة لا تمثل الحقيقة، أو ترفع الثمن لتغرَّ المشتري وتحمله على التعاقد.

    ونجد أن هذا النوع من البيوع منتشرا في حياتنا اليومية .... و غالبا ما نجده ... في المزادات العلنية .... و كذلك في المزادات ألإلكترونية ..... حيث يستعين البائع .... ببعض ألأفراد .... ليزيدوا له في السعر .... للوصول للسعر ألأعلى الذي ينشده ..... كما أن هذا ألإسلوب قد بدأ يمارس .... وفي أبسط ألأعمال .... وكمثال لذلك إستخدامه بواسطة أصحاب المركبات العامة .... حينما يستعينون .... ببعض ألأفراد ..... للجلوس في مقاعد مركباتهم ...... للإيحاء للراكب المستعجل ..... بأن المركبة ..... قد شارفت على ألإمتلاء .

    وقد تم تحريم هذا البيع بالسنة النبوية .... بقتضى الحديث النبوي الشريف :-
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا؛ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه


    .

    (د) البيعتين في بيعة واحدة :-
    نهى ألإسلام على أن تشتمل البعة الواحدة بيعتين وذلك لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين في بيعة , فلا يجوز للمسلم أن يعقد بيعتين في بيعة واحدة.... وهذا النوع من البيوع له أوجه عديدة ... نورد منها ألآتي على سبيل المثال لا الحصر :-

    1/ يقول البائع للمشتري بعتك الشيء بخمسة أو عشرة إلى أجل ويمضي البيع ولم يبين البائع أي البيعتين قد أمضاها.

    2/ يقول البائع للمشتري بعتك هذا المنزل مثلا بكذا على أن تبعني كذا بكذا .

    3/ أن يبيع البائع للمشتري أحد شيئين مختلفين بمبلغ محدد مثلا ويمضي العقد ولم يعرف المشتري أي الشيئين قد اشترى .

    و قد تم تحريم هذا النوع من البيوع بالسنة النبوية .... بالحديث النبوي الشريف :-
    ( قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسُهما أو الربا( .

    واختلف في المراد بالحديث فقيل:أن يجمع بين عقدين في عقد؛ كأن يجمع بين بيع وإجازة في نفس العقد، وقيل: أن يقال بعتك هذه السلعة بمئة نقدًا، أو بمئة وخمسين مؤجل. وأقرب التفاسير هو تفسير ابن القيم رحمه الله قال: البيعتان في البيعة؛ أي يبيعه السلعة بمئة مؤجلة ثم يشتريها منه بثمن حالاً؛ فقد باع بيعتين في بيعة؛ فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما؛ وهو من أعظم الذرائع إلى الربا. اهـ. أي أن المراد بها العينة.

    وينتشر هذا النوع من البيوع في عالمنا المعاصر و يكون الغرض منه تصريف بعض السلع و المنتجات الراكدة الغير متحركة .... لتكون ملازمة في بيع .... أحد السلع .... أو المنتجات .... التي يوجد عليها طلب كبير ..... فلا يتم بيع المنتجات ذات الطلب العالي إلا بموجب عقد يتضمن بيع كمية محددة من تلك السلع أو المنتجات الراكدة .... ألأمر الذي يؤدي إلى تحمل المشتري تكلفة لبضاعة قد إشتراها .... ولا يوجد لها طلب .... في السوق .... مما يعني بأن قيمة السلعة ذات الطلب العالي قد إشتراها .... و هي تضمن سعر السلعة الراكدة ..... و في هذا إجحاف .... وظلم كبير في حق المشتري ..... ولهذا كانت الحكمة من نهي ألإسلام عن ممارسة هذا النوع من البيوع .

    (ذ) بيع السوم أو بيع المسلم على بيع أخيه :-

    وهذا البيع يعتبر من البيوع المحرمة في ألإسلام .... و مثال لهذا النوع من البيوع المحرمة أن يتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه فيقول الآخر لمالك المبيع: استرده؛ فأنا أشتريه بأكثر. أو يقول للمستام: رده لأبيعك خيرًا منه بثمنه أو مثله بأرخص منه.
    ولا شك أن التبايع والتصرف يترتب عليه كثير من الحقد، والبغضاء، والشحناء، والكراهية بين المسلمين, وهذه كلها أمور محرمة ينبغي على المسلم أن يبتعد عنها، وعن الوسيلة المؤدية إليها …… لذلك فإن ألإسلام .... قد حرم هذا النوع من البيوع .... لما يتركه في النفوس ... من آثار ... بغيضة ... و قد تم تحريم هذا النوع من البيوع بأكثر من حديث نبوي شريف نورد منها ألآتي :-

    1/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا يسم المسلم على سوم المسلم( .
    2/ يقول - عليه الصلاة والسلام :- ( ولا يبع بعضكم على بيع بعض(,





    تحدثنا سابقا عن العامل ألأول من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ..... وهو الربا ..... كما تحدثنا عن العامل الثاني من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ... وهو ألإحتكار .... وبدأنا التحدث عن العامل الثالث من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى ...... و هو الأنشطة والبيوع التي حرم ألإسلام من ممارستها حيث تعرضنا بالحديث عن الغش ... كنشاط قد حرمه ألإسلام ... ثم تناولنا البيوع التي حرمها ألإسلام كعامل من عوامل تقييد الملكية عند نشأتها ألأولى تناولنا مقدمة لذلك .... ثم تناولنا بيع الغرر كبيع من البيوع التي حرمها ألإسلام .... وتناولنا من بعده .... من البيوع المحرمة .... بيع العينة ,,,, و بيع النجش ..... و البيعتين في بيعة واحدة .... و بيع السوم و سنتناول هنا .أخيرا ... متبقي البيوع التي حرمها ألإسلام و هي :-


    (ز) بيـــــع العربــــــون :- 

    و يسمى أيضا بيع العربان و يحرم هذا النوع من البيوع .... بالسنة النبوية ....لنهي رسولنا الكريم (صلى الله عليه مسلم) ((نهى عن بيع العربون (.

    والعربون هو أن يشتري المشتري السلعة ............ ويدفع إلى صاحبها البائع مبلغا مقدما ( دفعة من الحساب ) ....على أن يمضي البيع وتـُحسب من ثمن السلعة المباعة , وإن لم يتم البيع كان لصاحب السلعة البائع أن يستلم مبلغ العربون ... و لا يرده للمشتري .... لإخلاله و عدم إلتزامه بشراء السلعة ..... و أحقية البائع للعربون .... تبرر بأن المشتري دافع العربون .... قد حجز السلعة لفترة من الزمن ..... كان من الممكن في هذه الفترة التمكن من بيع السلعة

      و يرى بعض العلماء و رغم التهي عن بيع العربون ... أنه إذا لحق البائعُ ضررٌ كإنفاق ِ جزء من العربون على السلعةِ ..... أو ضرر ٍ لحق بهِ جراءَ ربطِ السلعة ، ففي هذه الحالة يأخذ بقدر الضرر ....ولا يزيد .... وإن عفا كان فضلا ً منه لقوله (صلى الله عليه وسلم): ((من اقالَ أخاهُ المُسلم صفقة ً كرهها ، أقالَ اللهُ عثرتهُ يومَ القيامة )). رواه أحمد في المُسند.

    * وفي سنن ابن ماجة : العُربان : أن يشتري الرجل سلعة ..... بمئة دينار ..... فيُعطيه ِ دينارين عربوناً فيقول .... إن لم أشتري السلعة فالديناران لك .

    أو أن يشتري الرجل الشيء فيدفع للبائع درهماً أو أكثر ويقول إن أخذته وإلا فالدرهم لك.

    (ر) بيــع الديّن بالديّن ( الكالئ بالكالئ :- (

    لا يجوز للمسلم أن يبيع دينا ً بدين ٍ ...... إذا هو في حكم بيع المعدوم بالمعدوم ، كأن يكون لك صك مؤجل على شخص ..... فتبيعه لآخر بقيمة أقل بما يُسمى ( تكييش) و هذه الظاهرة ... بيع الديون كانت من أسباب ألأزمة المالية العالمية ألأخيرة .... ومثال آخر أن يكون لك ثمن سلعة على رجل ٍعجز عن سداد ثمنها ....عند إستحقاق الأجل ، فيقول لك بعها لي بمبلغ آخر ( أكثر ) إلى أجل ٍ آخر ، فتكون قد بعتهُ دينا ً بدين ٍ ، أو بما يُعرف( النسيئة بالنسيئة) وهو من أصناف الربا ويُعرف بربا النسيئة. 

    وقول ابن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) :  نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) ( . البيهقي في السنن الكبرى والدارقطني في السنن.)


    (و ) بيـــع الحاضر للبادى :- 

    اذا أتى البادي أو الغريب عن البلد بسلعة ..... يريد أن يبيعها في السوق بسعر يومها ...... فلا يجوز للحضري أن يقول له أترك السلعة عندي ...... وأنا أبيعها لك بعد يوم أو أياماً باكثرمن سعر اليوم ..... والناس في حاجة السلعة ....... فيدخل بها الأحتكار لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ) : لا يبيع حاضر لباد , دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ( متفق عليه .
    وإذا لم يدخل بها الإحتكار ...... دخل بها الضرر على البادي ...... وذلك لتعطيل بيع بغرض طلب سعر أعلى مما تستحق ... حتى يستفيد الحاضر من فرق السعر .... و في حالة نزول السعر فجأه فيتحقق الضرر للبادي فتحصل المُشادة والمُشاجرة أحيانا ً ، وما حرّم الشرع شيئا ً إلا لسد أي ذريعة ممكن أن تـُؤدي إلى بغضاء أو شحناء بين المُسلميين .... ويحدث هذا البيع في تجارة المحاصيل ... و الخضر و الفاكهة ... و الثروة الحيوانية في الغالب . 


    (س) الشــراء من الركبــان أو تلقي الركبان :-

    لا يجوز للمسلم ..... إذا سمع بالسلع قادمه إلى البلد ..... فيخرج ليتلقاها من الركبان خارج البلد فيشتريها منهم ...... ثم يُدخلها الى المدينة ِ .... فيبيعها كيفما شاء ..... لما في ذلك من تغرير بأصحاب السلعة ...... والأضرار بأهل البلد ...... من تجار وغيرهم .... لذلك فإن ألإسلام قد نهى عن هذه البيوع بالسنة النبوية .... حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :  لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد )متفق عليه.
    كما قال :  رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم ( لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الى السوق . ) متفق عليه. 
    كما سُئلَ ابن عباس (رضي الله عنهما) عن معنى لا يبيعن حاضر لباد ، فقال لا يكن لهُ سمساراً . صحيح البخاري .



    (ش) بيــــع المُصراة :-

    لا يجوز للمسلم ..... أن يُصري الشاة ..... أو البقرة ....أو الناقة ..... بمعنى جمع لبنها في ضرعها ....أياماً ليغش الناس بضرعها ..... فيظُـنها الناس حلوبا ً فيرغبوا بشرائها بسعر ٍأعلى مما تستحق ..... لما في ذلك من ُغش ٍ ..... وخديعة ٍ ...... لقوله صلى الله عليه وسلم)  لا تصروا الأبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا ً من تمر ( وقوله صلى الله عليه و سلم ( من إشترى شاة ً مصراةً فهو بالخيار ثلاثة أيام , فإن ردها رد معها صاعا ً من طعام . ) رواه مسلم .

    ويمكن لنا القياس على ذلك .... في كلَ غش ٍ يحصُل بين الناس .... من إخفاء عيوب السلعة ........وعدم إظهارها أو تزيين السلعة المعيوبة .

    (ص ) البيــع عند النداء الأخير لصلاة الجمــعة :-

    لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يشتري ...... وقد نوديَ للصلاة من يوم الجمعة ...........وهو الوقت الذي يصعد فيه الأمام .... المنبر وحتى يُسلم الأمام من الصلاة . 
    و هذا البيع قد حرم بنص قرآني .... و ليس بالسنة النبوية كما في البيوع السابقة .....
    لقوله تعالى  :- (يا أيها الذين آمنوآ إذا نـُودي للصلاة ِ من يوم ِ الجمعة ِ فاسعواْ إلى ذكر ِاللهِ وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (  الجمعة 9. 

    (ض) بيــع الثـنيـــــــا :-

    لا يجوز للمسلم ان يبيع شيئاً ...... ويستثني بعضه ..... إلا أن يكون معلوماً ...... فإذا باع رجل بستانه ..... لا يجوز له أن يستثـني منه شجرة .... أو نخلة غير معلومة ..... لما في ذلك ...من الغرر المُحرم .....لقول جابررضي الله عنه) :-  نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُحاقلة والمزابنة والثـنيا إلا أن تـُعلم ) رواه الترمذي .
    (ط) بيــع المُضطرين :- 

    لا يجوز للمسلم ...... استغلال حاجة ِ أخيهِ المُسلم ..... إذا أ ُضطر إلى بيع ِ شيءٍ لظرف ٍ ما ........ ويكون السعر المدفوع للسلعةِ مُتدني جداً ...... بالنسبةِ إلى سعر السلعة الأصلي وهكذا.... وقد حرم هذا النوع من البيوع .... بالسنة النبوية الشريفة .... عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المُضطرين وعن بيع الغرر ) رواه أحمد وابو داود. 

    (ظ) بيــع السلع حيثُ تـــُبتاع :-

    عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه قال كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق فيبـيعونهُ في مكانهِ ..... أي يشترونه ..... و لايحركون من مكانه ..... فيبيعونه .... لآخر فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبـيعوه في مكانه حتى ينقلوه )) رواه بخاري . وأكثر ما نرى هذا ..... في أسواق الخضار عندنا ..... فيقوم التجار ببيع نفس كمية .... الخضار .... بنفس المكان بمجرد دفع الثمن .... واحدا ً تلو الآخر ...... دون تحريكها ونقلها إلى رحالهم ..... وكذا ما يحدثُ في معارض ِ السيارات ..... فبمجرد ما اشترى التاجر سيارة من معرض ما ...... يُحضر زبون ليبيعهُ هذه السيارة بنفس المعرض .... دون نقلها ......الى مكانه ..... أو معرضه ِ وهكذا....

    (ع) النهي عن الحلف الكاذب بالبيـــع : -

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : إياكُم وكثرة ِ الحلف ِ في البيع ِ فإنه يُنفقُ وَيمحقُ ) رواه مسلم . أي ُينفقُ السلعة َ وُيذهبَ البركة .
    وقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم) :- الحلفُ منفقة ٌ للسلعة ِ ممحقة ٌ للبركة ) متفق عليه. 
    وعن قيس ٍ بن أبي ُغرزة رضي الله عنه قال : ( مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا معشرَ التجار، إن البيعَ يحضُرهُ اللغوَ والحلفَ ، فشوبوه بالصدقةِ ) رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه . أي طهروهُ بالصدقة ِ, والحلفُ هنا ، لمن لم ينعقدُ اليمينُ في قلبهِ . 
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) : التجارُ يُحشرونَ يومَ القيامة ِ, ُفجاراً إلا من إتقى وبرَّ وَصدق( رواه الدرامي والترمذي وابن ماجه.

    و يقول الله سبحانه و تعالى في محكم تنزيله ( ولا تجعلوا اللهَ عُرضة ً لأيمانكـُم أن تبرواْ وتتقوا وتـُصلحوا بين الناس ، واللهُ سميعٌ عليمٌ * لا يُؤاخذكُم اللهُ باللغو ِ في أيمانكُم ولكن يُؤاخذكُم بما كَسَبَت قُلُوبُكُم ، واللهُ غفورٌ حليمٌ 224 + 225 ( البقرة .

    (غ) النهي عن اخفاء عيوب السلعة والغش :-
    عن أبي هريرة (رضي الله عنه قال :- ( أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعهُ بللا ً: فقال ما هذا يا صاحب الطعام ؟؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله , قال : أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس , من غش فليس منـّي ) رواه مسلم .

    وهذا يشمل كلَ غش ٍ ، وكلَ إخفاءٍ للعيب ِ في السلعة .
    (ق) بيع و شراء كل ما تم تحريمه بنص:-

    ويمكن أن نقسم ما تم تحريمه بنص إلى مشارب تفسد العقول ...... ومطاعم تفسد الطباع ....... وتغذي غذاء خبيثاً ...... وأعيان تفسد الأديان ..... وتدعو إلى الفتنة والشرك، فصان الشارع الحكيم بتحريم النوع الأول .....العقول .... عما يزيلها ويفسدها ...... وبالثاني القلوب عما يفسدها من وصول الغذاء الخبيث إليها ..... والغاذي شبيه بالمتغذى ..... وبالثالث ...... الأديان عما وضع لإفسادها .....فتضمن هذا التحريم .... صيانة العقول ....... والقلوب والأجسام والأديان . .
    كل شيء ..... حرم تناوله .... حرم ثمنه ........فلا يصح بيعه .... كالميتة بجميع أجزائهما ...... إلا ميتة السمك ..... والجراد ..... للنص على إباحتها ....... وكالدم إلا الكبد والطحال ...... وكالخنـزير بجميع أجزائه ...... والمسكرات ...... والمخدرات ..

    صحة بيع كل ما فيه نفع مباح ...... وبطلان بيع ما لا نفع فيه ....... أو فيه نفع محرم ...... كالآت اللهو المحرم ....... والآلة المتخذة للشرك .... من صنم ..... أو وثن .... أو صليب ..... أو صورة ..... وكالسم القاتل ......وكتب الإلحاد ... والشعوذة ......والفجور.
    تحريم كل بيع تعلق ...... بحال خاص محظور ......كبيع السلاح في فتنة ... وللحربي ....... وقاطع طريق ........ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان ..
    ويحرم إمداد أهل الحرب ...... (العدو) ..... بما يقويهم على المسلمين ...... من غير السلاح .... مثل الأغذية .....والمواد الخام لمصانعهم ..... من حديد وبترول ..... وغير ذلك ........ بل يلزم التضييق عليهم ........ ومحاصرتهم حتى يسلموا للمسلمين ويدخلوا تحت راية الإسلام .

    .تلخيصا لم تناولناه سابقا في الجزء ألأول من الدراسة ..... فقد بدأنا بمقدمة عن ألإقتصاد ألإسلامي .... و أوضحنا ماهي الملامح العامة للإقتصاد ألإسلامي .... ثم تطرقنا للبنيات ألأساسية للإقتصاد ألإسلامي .... ثم عرجنا للتحدث عن الملكية في ظل النظام ألإسلامي .... ثم أفردنا جانبا كبيرا لتلك العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات .... و قد تطرقنا بالتفصيل لتلك العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات .... و التي يتفرد بها ألإقتصاد ألإسلامي عن كافة ألأنظمة ألإقتصادية ألأخرى .... ثم تطرقنا من بعد ذلك لتلك العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات .... و من بعد ذلك أخيرا تناولنا بالتفصيل تلك العوامل التي تقيد الملكية عند نشأتها ألأولى .

    و سنبدأ في الجزء الثاني من الدراسة .... بتناول موضوع هام للغاية ..... أثر تأثيرا مباشرا .... في الحياة ألإقتصادية المعاصرة ..... و أصبح هو العامل المؤثر ..... في كافة النواحي ألإقتصادية في عالمنا المعاصر .... و أصبح هو عصب الحياة .... لكافة ألأنشطة ألإقتصادية في العالم أجمع ...... فكان لابد لنا من تناول هذا الجانب منذ نشأته .... و تطوره ..... و نظرة ألإسلام تجاهه و الرؤية التي إتنهجها .... المفكرين ألإقتصاديين ألإسلاميين .... فيما يتعلق بهذا الجانب ..... أنه جانب البنوك ..... و المصارف المالية ... و الذي سنتناوله بالتفصيل .... في هذا الجانب من الدراسة ..... و إلى تفاصيل الجزء الثاني من الدراسة فيما يتعلق بهذا الجانب :-

    البنوك و المصارف في ظل النظام ألإقتصادي ألإسلامي

    أولا :- نشأة و تطور البنوك

    نشأت البنوك ...... أول ما نشأت ... في شكل مرابي ... يقرض الناس بالربا ... وهذا المرابي ... كان في ألأصل يحترف صياغة الذهب ... و تجارته .... و يقوم الناس ... بحفظ مصوغاتهم ... و ذهبهم ... و نقودهم لديه .... خوفا من تعرضهم للسرقة .... أو ضياعه .... و ذلك مقابل أجر يدفعونه له .... مقابل هذه الخدمة .... خدمة الحفظ ... و يقوم هو بتحرير إيصال لهم .... يحتوي على كافة ما أودعوه طرفه كأمانة تسترد .... عند الطلب ..... و قد لاحظ المرابين بأن المودعين .... لايستردون ذهبهم .... و نقودهم بالكامل .... إلا جزءا يسيرا .... لمجابهة ظروفهم الطارئة ..... لذلك فقد أخذوا إستغلال تلك الودائع ... الغير متحركة .... في ألإقراض بالربا .... لمن يحتاجون التمويل .... مقابل فائدة بنسبة من رأس المال المقرض ...... ثم تطور ألأمر حتى أصبح ذلك المرابي الفرد .... مؤسسة هي البنك .... له قوته .... و إحترامه .... و تقديره في نظر الناس .... و القانون .
    تطورت هذه البنوك .... و أصبحت هي الدعامة ألأساسية ... في تسيير حركة النشاط ألإقتصادي في العالم ..... بل هي العصب الحساس للجهاز ألإقتصادي الحديث بأكمله .

    البنوك و بعد تطورها أصبحت .... تعتمد .... إعتمادا كليا .... على الفائدة التي تحصل عليه من القروض التي ... تعطيها لعملاءها .... سواء كانت هذه القروض هي قروض قروض إنتاج .... أو قروض إستهلاك .... و من ثم فإن هذه البنوك .... تستعمل أموال المودعين لديها ... كرأسمال .... و كأنه يخصها .... في عملية إقراض العملاء .... و هنا تكمن الخطورة .... لأن هذا الكسب .... من منظور ألإسلام .... غير شرعي من ناحيتين .... الناحية ألأولى ... وهي خيانة ألأمانة ... عندما يقوم البنك .... بإستعمال ودائع الغير .... و التصرف فيها ... و إتخاذها كرأسمال له ..... لمزاولة نشاطه ألأساسي .... و كأن هذه ألأموال مملوكة له ...... و من الناحية الثانية .... فهي ممارسة لنشاط حرمه ألإسلام حرمة قطعية .... و هو الربا .... حينما يقوم البنك بإسلاف العملاء قروضا ..... نظير فائدة بنسبة محددة من أصل القرض المسلم للعميل ... و من ناحية أخرى ... فإن حصيلة هذا الكسب حصيلة .... لمبالغ لا يستهان بها ..... فهي طائلة .... نتيجة تكرار عملية ألإقراض التي لا تتوقف .... ونسأل سؤال ... لمن تتوجه تلك ألأرباح الطائلة ؟؟؟؟ .... إنها تتوجه لصالح إخطبوط خطير من المرابين ..... الذين تجردوا من كل معاني ألإنسانية .... و قد صار لهم بهذا الكسب من أسباب التحكم في مقدرات العالم ألإقتصادية ... و السياسية .... و الثقافية .... و ألإجتماعية ما يكفي لتصوير مدى خطورته .... أن نقرأ ما كتبه الدكتور محمد عبد الله العربي عن خطر البنوك .... و الذي نشر في كتاب ألإقتصاد ألإسلامي المقارن ... للدكتور إبراهيم الطحان في صفحة رقم 418 :-
    يقول د. محمد عبد الله العربي نقلا من كتابه محاضرات في النظم ألإسلامية ص23 و 24 :- ( إني أحيل من يطلب المزيد عن البنوك إلى كتاب أصدره أحد العلماء الفرنسيين ألأحرار ..... و هو كتاب ..... لم يكد يخرج من المطابع .... عام 1955 م ..... حتى إستولى عليه هذا ألإخطبوط ..... فأباد جميع نسخه ..... إلا عددا قليلا .... أفلت من قبضته ..... وهذا الكتاب عنوانه :- ( الماليون وكيف يحكمون العالم و يقودونه للهاوية .... ففيه الدليل تلو الدليل .... و الوثيقة ...تلو الوثيقة .... و كلها تثبت بالبرهان المفحم كيف أن كل المحن ... و الكوارث ... التي تحل بعالمنا اليوم ... إنما هي من صنع هذا ألإخطبوط .... و مؤلف هذا الكتاب يشير إلى كتاب آخر .... بحثت عنه .... سنوات متتالية .... و في كل مكان .... فلم أجد له أثرا .... و لعل ألإخطبوط قد أباده أيضا ..... و هذا الكتاب عنوانه ( فرنسا اليهودية أمام الرأي العام ) ... و نقتبس من هذه المقدمة كلمة لمؤلف هذا الكتاب الثاني ... أرى لزاما علي أن أنقلها هنا إلى العربية لأنها صورة دقيقة و موجزة لنفوذ البنوك العالمية الحديثة و هي :-

    ( إن الذي يلفت النظر في عصرنا هذا .... ليس هو تكدس الثروات في إيد قليلة ..... و أحيانا بأساليب فاجرة ..... بل هو على ألأخص ...تكدس قوة هائلة .... تتمثل في سيطرة إقتصادية .... لا ضابط لها ... و لاقيد ..... سيطرة تصول بها فئة قليلة .... ليس هم في الغالب ملاك للمال .... بل هم مستودعين له ..... ولكنهم .... يديرونه .... و يتصرفون فيه .... كما لو كانوا ملاكه بالفعل .... إنها لقوة هائلة .... تلك القوة التي يصل بها هؤلاء في سيطرتهم المطلقة على المال .... و على ألإئتمان .....إلى ألإقراض .... الذي يوزعونه بمحض مشيئتهم المطلقة .... فكأنهم بذلك إنما يوزعون الدم اللازم .... لحيوية الجهاز ألإقتصادي ..... بكل أوضاعه ... فإذا شاءوا حموه دم الحياة ... فلايستطيع أن يتنفس ..... و إذا شاءوا قدروا مدى إنسيابه في جسم هذا الجهاز ..... التقدير الذي يتفق مع مصالحهم الذاتية .
    ثم أن تجميع هذه القوى ... وهذه الموارد المالية في أيديهم .... يؤدي بالتالي إلى إستيلائهم على السلطة السياسية في النهاية ..... و ذلك يتحقق في خطوات ثلاث متدرجة .... متساندة وهي :-
    يبدأءون بالكفاح في سبيل إحراز السيادة ألإقتصادية ثم الكفاح في سبيل إحراز السيادة ألإقتصادية ثم الكفاح في جمع مٌقاليد السيادة السياسية في أيديهم ... ومتى تحققت لهم .... بادروا إلى إستغلال طاقاتها .... و سلطانها .... في دعم سيادتهم ألإقتصادية .... و في النهاية ينقلون المعركة إلى المجال الدولي العالمي ...... ثم ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى النتيجة الملازمة لهذا الوضع و هي :- ( إن ولي ألأمر الذي كان مفروضا فيه أن يمثل مصالح المجتمع .... و أن يحكم من مكانه الرفيع ..... في نزاهة .... و حياد ....... وعدل ... و إيثار لمصالح المجتمع ..... قد سقط إلى درك الرقيق .... لهذه القوى المالية ..... و أصبح أداة طيعة ..... لتنفيذ أهوائها .... و شهواتها . )

    و يختم الكاتب هذه الفقرة بهذا النداء :- ( أعيدوا سلطان الدولة الذي إنتزعته القوى المالية ..... و أعيدوا إلى ولي ألأمر .... كامل إختصاصه .... الذي ناطه به ألمجتمع ... عندئذ تتحول النقود من رب شرير .... إلى خادم طيب كما كان في الماضي . )

    و يقول الدكتور محمد عبد الله العربي في كتابه محاضرات في النظم ألإسلامية ص35 ( إن ألإقتصادي ألأمريكي هنري سيمونز قال في تعليقه على ألأزمة ألإقتصادية التي هزت العالم في العام 1930 م ( لسنا نبالغ إذا قلنا إن أكبر عامل في ألأزمة الحاضرة هو النشاط المصرفي التجاري .... بما يعمد إليه من إسراف خبيث ..... أو تقتير مذموم في تهيئة وسائل التداول النقدي ..... و لاشك في أن البنوك .... و بمعاونة ألإحتكار ستوالينا بأزمات ... أشد و أقسى .... إذا لم تدخل الدولة .... في ألأمر .... فأستعادت .... في حكمة ... و مسئولية ... و ظيفتها في ضبط أداة التداول . )

    تلخيصا لم تناولناه سابقا في الجزء ألأول من هذه الدراسة نقول بأننا بدأنا بمقدمة عن ألإقتصاد ألإسلامي .... و أوضحنا ماهي الملامح العامة للإقتصاد ألإسلامي .... ثم تطرقنا للبنيات ألأساسية للإقتصاد ألإسلامي .... ثم عرجنا للتحدث عن الملكية في ظل النظام ألإسلامي .... ثم أفردنا جنبا كبيرا لتلك العوامل المباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات .... و قد أفردنا بالتفصيل تلك العوامل التي يتفرد بها ألإقتصاد ألإسلامي عن كافة ألأنظمة ألإقتصادية ألأخرى .... ثم تطرقنا من بعد ذلك لتلك العوامل الغير مباشرة لإعادة توزيع الملكية و الثروات .... و تناولنا بالتفصيل تلك العوامل التي تقيد الملكية عند نشأتها ألأولى .... و من ثم بدأنا في الجزء الثاني من الدراسة و الذي بدأنا فيه بالمصارف في ظل النظام ألإقتصادي ألإسلامي ..... وتناولنا فيها أولا نشأة و تطور البنوك .... و سنتناول هنا وجهة نظر ألإقتصاد ألإسلامي في البنوك .
    ثانيا :- وجهة نظر ألإقتصاد ألإسلامي في البنوك :-

    و مما تقدم ... يتضح لنا مدى تأثر ألأنظمة ألإقتصادية .... و الحياة ألإقتصادية ... بصفة عامة بالبنوك .... لذا وجب علينا و نحن نستعرض النظام ألإقتصادي ألإسلامي .... أن نحدد ماهي وجهة نظر ألإقتصاد ألإسلامي ... في هذه المؤسسات .... و التي أصبحت تلعب دورا هاما .... في الحياة ألإقتصادية .... بل أنها أصبحت تعتبر هي ألأداة ... في تنفيذ أي نظام إقتصادي .... مهما كان شكله ... أو نوعه ... أو وجهته .

    و رغم أن هذه المؤسسات هي مؤسسات مستحدثة ... وليست هنالك نصوصا واضحة ... و ثابتة .... فيما يتعلق بها .... إلا أننا قد أشرنا في بداية هذه الدراسة .... بأن ألإسلام ... و في وضعه لنظامه ألإقتصادي فقد إهتم بتحديد الثوابت والتي لا تتغير بتغير الزمان و المكان ، وهي ألإيطار العام الذي لا يمكن تجاوزه أو التعارض معه وهي التي تحدد نوع هذا النظام و شكله.... و غايته .... أما فيما يتعلق بمتغيرات النظام فإنه لم يتم التطرق إليها حتى لايصاب النظام بالجمود ، فلو أنه قد تم تحديد هذه المتغيرات للنظام في وقت نزول القرآن فإنها ستتناول حلول لمشاكل عصر يختلف عن العصور التي تليه ، ولأصبح من الصعب تجاوزها ..... بل أصبح من الوجوب ألإلتزام بها .... رغم أنها ستكون عاجزة أمام مستجدات العصور المتعاقبة ... و من هنا إكتسب هذا النظام صلاحيته لكل زمان و مكان إلى أن تقوم الساعة .... مواكبا لكل المستجدات ..... فمن خلال تلك الثوابت مقارنة مع هذه المؤسسات المستحدثة .... نجد أن النظام ألإقتصادي ألإسلامي ... و في ثوابته .... قد تعرض ... ومن قبل قرون قد خلت لكافة السياسات المتبعة في هذه المؤسسات المستحدثة .... وقد تمثل ذلك في ألآتي :-



    أولا :- تحريم الربا ( الفائدة ) :-

    حرم ألإسلام حرمة قطعية ... صراحة .... و بنصوص قرآنية .... و أحاديث نبوية شريفة .... التعامل في الربا .... وهذا الربا المحرم .... هو ما يمثل الفوائد ... التي تعتبر المورد ألأساسي و الركيزة ألأساسية التي بني عليها نشاط هذه المؤسسات .
    ثانيا :-العمل على عدم تركز الثروات في أيدي قلة :-

    إن حجر الزاوية الذي قام عليه ألإقتصاد ألإسلامي هو العمل على عدم تركز الثروات في أيدي قلة أي أن النظام ألإسلامي كرسالة منزلة من خالق أدرى بشئون خلقه هدفها و غايتها أن لاتتركز الثروات في أيدي قلة تتحكم بها في رقاب العباد ... فتصادر حرياتهم ... و تستعبدهم بجاه وقوة هذه الثروات .... وكما أسلفنا سابقا نجد أن هذه المؤسسات تعمل على تكدس الثروات في إيد قليلة ..... عن طريق جذب كافة ألأموال الخاصة بألأفراد ... و المنشأءات ... ألأمر الذي يؤدي إلى ...تكدس قوة هائلة .... تتمثل في سيطرة إقتصادية .... لا ضابط لها ... و لاقيد ..... سيطرة تصول بها فئة قليلة .... ليس هم في الغالب ملاك للمال .... بل هم مستودعين له ..... ولكنهم .... يديرونه .... و يتصرفون فيه .... كما لو كانوا ملاكه بالفعل .... وكما أسلفنا فإن ألإسلام ... و في نظامه ألإقتصادي ... لهو ضد هذه السياسة ... قالبا .... و مضمونا .... وهو في سعيه للعمل على عدم تركز الثروات في أيدي قلة .... هدفه الوصول لمجتمع الكفاية ... و العدل ... و المساواة .... و ألإطعام من الجوع ... و ألأمن من الخوف .

    ثالثا :- ألإسلام لا يقر بإستغلال ألإنسان لأخيه ألإنسان :-

    إن ألإسلام لايقر بإستغلال ألإنسان لأخيه ألإنسان .... فيستغل حاجته .... ليجني من وراء تلبية ... و إشباع تلك الحاجة .... أرباحا فاحشة .... تؤدي بالضرر ... و أحيانا الهلاك .... على ذلك الفرد الذي تم إستغلاله ... و إستغلال حوجته .... إجحافا ... و ظلما ..... و نجد أن هذه المؤسسات .... و إن كانت أهدافها في الظاهر .... تحقيق التنمية .... و توفير التمويل ... و ألإئتمان .... لدفع حركة ألإنتاج ... إلا أنها ... و من خلال تقديمها لتلك الخدمات .... سواء كان ذلك ... للأفراد .... أو للمنشأءات .... لإغن غايتها ألأولى ... و ألأساسية ... هي تحقيق .... أكبر قدر من ألأرباح ... من وراء تلك الخدمات التي تقدمها ... سواء كانت هذه الخدمات ... خدمات بغرض ألإستهلاك .... أو بغرض ألإنتاج .

    رابعا :- ألإسلام يأمر الناس بعدم ألإكتناز :-

    نجد أن ألإسلام قد أمر الناس بعدم ألإكتناز .... وهدد المكتنزين بالويل ... و العذاب .... و فرض الزكاة ... و التي يمكن أن تستوعب كل المال المكتنز .... إذا طال إكتنازه لعدة سنين .... كما رغب الناس .... في ألإنفاق على الفقراء ... و المساكين .... ودعا الناس للإبتعاد ... و تجنب ... الشح ... و البخل ... فيطرح السؤال نفسه ... بإلحاح ... و بشدة .... ماهي حكمة ألإسلام ... من ألأمر بعدم ألإكتناز .... و الدعوة للإنفاق على الفقراء .... و النهي عن البخل ... و الشح ... نجد أن الحكمة في ذلك بأن ألإسلام و في نظامه ألإقتصادي ... يحث على سرعة التداول .... التي تؤدي إلى إنعاش الحياة ألإقتصادية .... و ضمان بقاء المال في مجالات ... ألإنتاج .... و التبادل .... و ألإستهلاك ... وبذلك ... يضمن بقاءه في التداول دون التسلل لصناديق ألإكتناز .
    و نجد أن هذه البنوك .... و بجذبها لأموال الأفراد و الجماعات .... و تصرفهم في هذه ألأموال ... و كأنها ملك لهم .... يتجهون بها إلى ألإقراض الذي يوزعونه بمحض مشيئتهم المطلقة .... فكأنهم بذلك إنما يوزعون الدم اللازم لحيوية الجهاز ألإقتصادي ..... بكل أوضاعه ... فإذا شاءوا حموه دم الحياة ... فلايستطيع أن يتنفس ..... و إذا شاءوا قدروا مدى إنسيابه في جسم هذا الجهاز ..... التقدير الذي يتفق مع مصالحهم الذاتية .... أي أن التداول الذي ينشده ألإسلام .... ينتفي مع سياسات هذه البنوك .... لأن إنسياب هذا التداول ... لا يكون طبيعيا .... بل محكوما بسياسات ... جهة محددة .... تتحكم فيه .... وتسيره بالصورة .... التي تجني من خلاله .... أعظم .... و أفحش ألأرباح ..... خصما على تعاسة .... و إجحاف ... و ظلم ماحق ...في حق كل من تعامل معهم .

    و بعد أن حددنا ثوابت ألإقتصاد ألإسلامي ... و مقارنتها .... بسياسات البنوك و المصارف .... و بتطبيق هذا ألأمر على أنواع البنوك الموجودة حاليا في الساحة في وقتنا المعاصر .... و هي البنوك الربوية .... و البنوك الغير ربوية يتضح لنا ألآتي :-

    1/ البنوك الربوية :-
    نجد أن البنوك الربوية .... تتعارض جملة .... و تفصيلا .... مع ألإسلام .... و نظامه ألإقتصادي .... في سياستها المتبعة .

    2/ البنوك الغير ربوية :-
    و هي ما تسمى حاليا بالبنوك ... ألإسلامية ... و هي رغم إلغاءها للفوائد الربوية .... إلا أنها لم تتخلص من مساوئ البنوك الربوية .... و ذلك لأن معظم هذه البنوك ..... مملوكة .... ملكية خاصة .... هاجسها ألأول هو تحقيق أكبر قدر من الربحية .... شأنها شأن الذات البشرية .... و هي أيضا تعمل على إبقاء المال دولة بين ألأغنياء فقط .... و ذلك بعدم تقديم خدماتها .... إلا لمن يمتلك الضمانات ... العالية ... و التي تضمن من خلالها .... إسترجاع كافة .... إستحقاقاتها .... و لايملك هذه الضمانات .... إلا ألأثرياء .... و ذوي النفوذ ..... و بذلك فهي تحرم ..... الكادحين .... و الفقراء .... من التمتع بخدماتها المقدمة ..... وهذا النهج يتعارض جملة ... و تفصيلا مع مع ألإسلام .... كما نجد أن معظم هذه البنوك ... توجه أغلب إستثمارتها .... في المشاريع ذات التكلفة المنخفضة ... و العائد السريع ... المضمون .... دون التوجه للإستثمارات التنموية ... ذات ألأجل الطويل .... و التي تعود على المجتمع .... بالكفاية و العدل ... و الرفاهية .... و ألأمن .... و القضاء على الفقر .... و هذه غاية النظام ألإقتصادي .
    كما أن هذه البنوك .... و في سبيل ضمان أرباحها .... و إسترداد أموالها لجأت إلى تشويه حتى الصيغ ألإسلامية للتمويل ... مثل المرابحة .... و المشاركة .... و السلم ... و كل الصيغ ألأخرى .... بأن إتخذت إجراءات في التمويل جعلت هذه الصيغ .... عبارة عن صيغ ربوية .... تدثر بالعباءة ألإسلامية .... و خير مثال لذلك في صيغة المرابحة .... حيث تطلب دراسة جدوى للمشروع المراد تمويله عن طريق المرابحة ..... و هي تنظر أول ما تنظر للأرباح التي سيققها هذا المشروع ..... فإن كانت أرباح عالية فإنها تقبل بتمويله .... و إن كانت أرباحا منخفض .... ترفض تمويل المشروع ... بغض النظر ..... عن جدوى ... و أهمية هذا المشروع للمجتمع .... أو لتحقيق التنمية .
    و في حالة موافقتها على تمويل مشروع ما فإنها وبعد إستلام كافة الضمانات .... تعمل على حجز نصيبها من ألأرباح .... حسب ما يظهر في دراسة الجدوى المقدمة .... و تقدم التمويل بالصافي لصاحب المشروع .... وهي بذلك قد جعلت من المرابحة قرضا ربويا ..... بل أنها قد إنتهجت نهجا .... حتى البنوك الربوية لم تنتهجه .... و هو إستقطاع الفائدة مقدما من القرض الربوي .... كما أنها و بهذا النهج .... قد سلمت بأرباح هي في حكم المجهول .... قبل أن يستلم صاحب المشروع مبلغ التمويل .... و قبل أن يشرع في تنفيذ مشروعه ... و هذا يتنافى جملة ... و تفصيلا مع ... أحكام ... و قواعد ألإقتصاد ألإسلامي .

    وضح ذلك جليا في المحاضرة القيمة للبروفيسر محمد هاشم عوض التي قدمها في مؤتمر ألإنقاذ ألإقتصادي ... الذي نظمته الحكومة السودانية في مطلع التسعينات بقاعة الصداقة ... بالخرطزم .... حيث وضح في تلك المحاضرة .... إعتراف القائمين على البنوك ألإسلامية له في أحد مؤتمراتهم .... و بعد أن واجههم .... بسياساتهم هذه .... إعترفوا له .... بأنهم يأخذون من الصغار ... و يعطون الكبار في هذه المرحلة حقيقة .... و قد برروا بأن هذه البنوك مازالت حديثة التكوين .... و لم يتعدى عمرها السبع سنوات .... و منذ ذلك الحين .... و حتى يومنا هذا .... لم يطرأ أي جديد .... فمازالت هذه البنوك .... تأخذ من الصغار .... و تعطي الصغار .... بل أضافت إلى ذلك .... قيامها بتقديم خدماتها .... لأطياف سياسية بعينها ... دون ألأخرى .... و ما بني على الباطل ... فهو باطل .


    بعد أن وفقنا الله بعونه في نشر الجزء ألأول من دراسة ألإقتصاد ألإسلامي رسالة سماوية لخلاص البشرية ...... و شرعنا بحمد الله و عونه في نشر الجزء الثاني من هذه الدراسة .... و الذي تناولنا فيه البنوك و المصارف في ظل النظام ألإقتصادي ألإسلامي .... حيث تعرضنا بالتفصيل إلى ... نشأة البنوك ..... و تطور البنوك ..... وتعرض ألإسلام ... ومن قبل قرون قد خلت لكافة السياسات المتبعة في هذه المؤسسات المستحدثة .... و بيان ... و توضيح حكمه صراحة ....في هذه السياسات التي أتخذتها البنوك الحالية .... أساسا ... لمعاملاتها .....نتواصل في الجزء الثاني من هذه الدراسة لنفرد جانبا من الجوانب ذات الصلة .... نبني عليها وجهة نظرنا فيما يتعلق بإيجاد مؤسسات مصرفية ... و مالية .... إسلامية .... لاتتعارض من حيث النشأة .... مع ألأحكام ألإسلامية ..... و تتمثل وجهة النظر هذه ..... بأن تكون كافة ..... المصارف ... و البنوك .... و المؤسسات المالية .... مملوكة ملكية مطلقة للدولة .... لا مجال فيها .... لولوج القطاع الخاص ..... لأن هذه المؤسسات .... هي الوسيلة الفاعلة حديثا ..... لتطبيق سياسات الدولة ألإقتصادية العليا ..... فيما يتعلق .... بتحقيق الغايات التي يرمي إليها ألإقتصاد ألإسلامي .... من أجل التنمية .... و محاربة الفقر .... و إقامة مجتمع ... الكفاية ... ومحاربة الجوع ..... و إرساء قيم .... العدل ... و المساواة في المجتمع ..... و الحيلولة دون تركز الثروات في أيدي قلة ..... و العمل على سد كافة إحتياجات .... المواطنين .... دون النظر إلى وضع إجتماعي .... أو إنتماء سياسي ..... أو عرقي .... فالكل أمام الدولة سواء .... تعمل ... و تسهر على تغطية كافة إحتياجاتهم .... من خلال سياسات مبرأة من الغرض و الهوى ..... لأهداف هذه المؤسسات .
    و يشتمل هذا الجانب الذي سنفرده في هذه الدراسة على أهمية تدخل الدولة في الحياة ألإقتصادية . .... و إلى مضابط .... هذا الجانب من الدراسة :-


    أهمية تدخل الدولة في الحياة ألإقتصادية :-

    أعطى ألإسلام لولي ألمر صلاحيات تجعل له الحق في الرقابة الكاملة على سير التداول .... و ألإشراف على ألأسواق ... للحيلولة دون أي تصرف يؤدي إلى الضرر و زعزعة الحياة ألإقتصادية .... أو يمهد للتحكم الفردي غي المشروع في السوق ... و في مجال التداول ز
    و في أهمية تدخل الدولة في الحياة ألإقتصادية يقول السيد / محمد باقر الصدر في كتابه إقتصادنا في الجزء ألأول صفحتي 263 و 264 :-
    تدخل الدولة في الحياة ألإقتصادية يعتبر من المبادئ المهمة في ألإقتصاد ألإسلامي ... و الذي تمنحه القوة و القدرة على ألإستيعاب و الشمول .
    و لايقتصر تدخل الدولة على مجرد تطبيق ألأحكام الثابتة في الشريعة .... بل يمتد .... ليشمل ملء منطقة الفراغ من التشريع ... فهي تحرص من ناحية على تطبيق العناصر الثابتة من التشريع ... و تضع من ناحية أخرى العناصر المتحركة ... و فقا للظروف ... ففي مجال التطبيق تتمثل الدولة في الحياة ألإقتصادية لضمان تطبيق أحكام ألإسلام التي تتصل بحياة ألأفراد ألإقتصادية ..... فتحول مثلا دون تعامل الناس بالربا .... أو السيطرة على ألأرض بدون إحياء ..... كما تمارس الدولة نفسها تطبيق ألأحكام التي ترتبط بها مباشرة ... فتحقق مثلا الضمان ألإجتماعي .... و التوازن العام في الحياة ألإقتصادية بالطريقة التي سمح ألإسلام بإتباعها لتحقيق تلك المبادئ .
    و في المجال التشريعي تملأ الدولة منطقة الفراغ التي تركها التشريع للدولة لكي تملأها في ضؤ الظروف المتطورة .... بالشكل الذي يضمن ألأهداف العامة فلإقتصاد ألإسلامي ... و يحقق الصورة ألإسلامية للعدالة ألأفجتماعية
    و الفكرة لمنطقة الفراغ تقوم على أساس أن ألإسلام لا يقدم مبادئه التشريعية للحياة ألإقتصادية بوصفها علاجا مؤقتا .... أو تنظيما مرحليا .... يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من أشكال التنظيم .... إنما يقدمها بإعتبار ها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور .... فكان لا بد لإعطاء الصورة هذا العموم و ألإستيعاب أن ينعكس تطور العصور فيها ... ضمن عنصر متحرك يمد الصورة بالقدرة على التكيف وفقا لظروف مختلفة ..... و لكي نستوعب تفصيلات هذه الفكرة يجب أن نحدد الجانب المتطور من حياة ألإنسان ألإقتصادية ... و مدى تأثيره على الصورة التشريعية التي تنظم تلك الحياة .
    فهناك في الحياة ألإقتصادية علاقات ألإنسان بالطبيعة .... أو الثروة التي تتمثل في أساليب إنتاجه لها ... سيطرته عليها ..... و علاقات ألإنسان بأخيه ألإنسان ... و التي تنعكس في الحقوق و ألإمتيازات .... و التي يحصل عليها ... هذا ... أو ذاك .
    و ألإسلام كما نتصوره يميز بيهذين النوعين من العلاقات ... فهو يرى أن علاقات ألإنسان بالطبيعة أو الثروة .... تتطور عبر الزمن ... تبعا للمشاكل المتجددة التي يوجهها ألإنسان بإستمرار ... و تتابع خلال ممارسته للطبيعة .... و الحلول المتنوعة التي يتغلب بها على تلك المشاكل .... و كلما تطورت علاقته بالطبيعة إزداد سيطرة و قوى في وسائله و أساليبه ..... و أما علاقة ألإنسان بأخيه ألإنسان .... فهي ليست متطورة بطبعتها لأنها تعالج مشاكل ثابتة جوهريا .... مهما إختلف إيطارها ... و جوهرها .
    فكل جماعة تسيطر خلال علاقاتها بالطبيعة على ثروة .... تواجه مشكلة توزيعها ... و تحديد حقوق ألأفراد و الجماعة فيها ... سواء كان ألإنتاج لدى لدى الجماعة ... على مستوى البخار ... و الكهرباء ... أو على مستوى الطاحونة اليدوية ...... و على هذا ألأساس وضع ألإسلام منطقة الفراغ في الصورة التشريعية التي تنظم بها الحياة ألإقتصادية .... لتعكس العنصر المتحرك ... و تواكب تطور العلاقات بين ألإنسان و الطبيعة .... و تدرأ ألأخطار التي قد تنجم عن هذا التطور المتنامي على مر الزمن .... لأن الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصا .... أو إهمالا ... و إنما حددت للمنطقة أحكامها بمنح كل كل حادثة صفتها التشريعية ألأصلية ... مع إعطاء ولي ألأمر صلاحية منحها صفة تشريعية قانونية حسب الظروف .... فأحياء الفرد للأرض مثلا .... عملية مباحة تشريعيا ... بطبيعتها .... و لولي ألأمر
    حق المنع من ممارستها وفقا لمقتضيات الظروف .
    و الدليل على إعطاء ولي الأمر صلاحيات كهذه لملء منطقة الفراغ هو النص القرآني الكريم في ألآية 59 من سورة النساء ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي ألأمر منكم .
    فإن هذا النص يدل بوضوح على وجوب طاعة ولي ألأمر .... و لا خلاف بين المسلمين في أن أولي ألأمر هم أصحاب السلطة الشرعية في المجتمع ألإسلامي ..... و إن إختلفوا في تعيينهم .... و تحديد شروطهم ..... و مواصفاتهم .... فللسلطة العليا إذن حق الطاعة و التدخل لحماية المجتمع .... أو تحقيق التوازن ألإسلامي فيه .... على أن يكون هذا التدخل ضمن
    دائرة الشريعة المقدسة .... فلا يجوز للدولة أو لولي ألأمر .... أن يحلل الربا ..... أو يجيز الغش ..... أو يعطل قانون ألإرث ..... أو يلغي ملكية ثابتة في المجتمع على أساس إسلامي ..... و إنما يسمح لولي ألأمر في ألإسلام ... بالنسبةإلى التصرفات ... و ألأعمال المباحة في الشريعة ... أن يتدخل فيها ...... فيمنع عنها ... أو يأمر بها وفقا للمثل ألإسلامي للمجتمع .
    و حدود منطقة الفراغ التي تتسع لها صلاحيات ولي ألأمر تضم في ضؤ هذا النص القرآني الكريم ..... كل فعل مباح تشريعيا بطبيعته ..... فأي نشاط ... و عمل لم يرد نص تشريعي يدل على حرمته ... أو وجوبه ..... يسمح لولي ألأمر بإعطائه صفة قانونية .... بالمنع عنه .... أو ألأمر به ...... فإذا منع ألإمام عن فعل مباح بطبيعته .... أصبح حراما ..... و إذا أمر به ...... أصبح واجبا ..... و أما ألأفعال التي ثبتت تشريعيا تحريمها بشكل عام .... كالربا مثلا .... فليس من حق ولي ألأمر أن يأمر بها ..... كما أن الفعل الذي حكمت الشريعة بوجوبه ..... كإنفاق الزوج على زوجته مثلا ..... لا يمكن لولي ألأمر المنع منه ...... لأن طاعة أولي ألأمر مفروضة في الحدود التي لا تتعارض مع طاعة الله ... و أحكامه العامة .... فألوان النشاط المباحة بطبيعتها في الحياة ألإقتصادية هي التي تشكل منطقة الفراغ
    .

    وسائل وطرق القضاء على ألإكتناز و الفوائد الربوية و بطء التداول

    حدثت هذه التجربة قبيل الحرب العالمية ألأخيرة في بلاد النمسا ..... و حينما كانت ألأزمة ألإقتصادية العالمية في أوج شدتها .... ففي يوليو 1922 قدم عميد بلدية فرجل و إسمه ميكائيل أونترجوجنبرجير تقريرا يتضمن خطة لينقذ بها المدينة من ما حل بها من فقر و بطالة جاء فيه :-
    إن البطء في تداول النقود قد أدى بالعالم إلى أزمة إقتصادية لم يسبق لها مثيل ...... حتى أضفت الملايين من العمال في عوز شديد .... و فشل النقد و هو وسيط التبادل المرة تلو المرة .... في أن يصل إلى أيدي المنتجين .... و أخذ يتلكأ في أيدي قليلين من الكسالى ... و لم يعد في المنال الحصول على السلع و الخدمات ... و هكذا إنقلب وسيط المبادلات ... إل وسيطا للإستغلال .... و المضاربات .
    لقد غدت النقود محورا لا غنى عنه في آلة التوزيع .... يتوقف على دورانه السليم .... إستمرار ألإنتاج ....... أما لو تكدست النقود ... و تجمعت في أيدي قليلة عن طريق ألإكتناز ..... فإن هذا ألأمر يؤدي إضطرابات في عمليتي ألإنتاج ... و التوزيع ..... ألأمر الذي يؤدي إلى تكدس السلع .... و إنتشار البطالة بين ألأيدي العاملة ..... ورغم أن هذه ألآثار تكون نتاجا لحجب النقود من التداول بألإكتناز .... و عدم ألإستثمار .... فإن هذه ألآثار تجعل ممسكو النقود يزدادون حرصا على أموالهم .... فلا يثقون ... في ألإستثمارات .... و يزدادون تمسكا بأموالهم .

    و حين تتقلص الخاص بألإستثمارات .... يتقلص نتيجة لذلك ألإنتاج ... و من ثم المجال المعيشي للإنسان ..... و إذا ظلت النقود كما هي قابلة للإكتناز ... فإن ذلك سيؤدي إلى تدمير ألإقتصاد ... و الرخاء ... و السلام في العالم أجمع ... و سينسحب الدمار على ألأجناس و الشعوب .
    فإن لم يكن في مقدورنا أن نخلص العالم من هذا الخطر المحدق ..... فعلى ألأقل يجب علينا أن نرفع راية ألإنذار .... و نقدم المبادرة .
    ( إن الناس يعيشون من تبادل سلعهم ... و خدماتهم ........ وقد صار هذا التبادل كسيحا ..... من جراء بطء تداول النقود ... ألأمر الذي أدى ... إلى إنتشار البطالة وسط الكثير من القوى العاملة ... المؤهلة ... و المدربة .... ألمر الذي أفقد هذه الشرائح كل الفرص لإشباع حاجاتهم المادية .
    لذلك أصبح من الحكم اللازم .... أن نستعيد التبادل ... و نحميه .... حتى نسترجع .... حق العيش لكل أؤلئك الذين لفظوا ... من العمل .... و من الحياة .
    و أنهى عميد بلدية فيرجل .... تقريره الطويل بالإقتراح التالي ... فقال :- ( من أجل ذلك أقترح أن نحل في في مجتمعنا محل النقود الوطنية ... وسيطا للتبادل .... يظل بحكم طبيعته مجبرا على البقاء أبدا ...و سيطا للتبادل .... فيسد العوز .... و يمنح العمل .... و قد قبل إقتراح عميد البلدية .... و أصدرتأوراق نقد ... أطلق عليها (شهادات العمل) .... من فئة واحد شلن ... و خمسة شلنات .... و عشرة شلنات .... و عهد إلى لجنة ألإغاثة مسؤلية إصدار هذه ألأوراق .... و أعطيت لها قوة النقود ..... و قوة إبراء الذمة ..... و صارت تدفع بها مرتبات الدولة .... و كانت معادلة للأوراق النقدية الرسمية السائدة في ذلك الحين ....... و قد قررت البلدية .... أن من يريد إستبدال ورقة عمل ....بورقة نقدية رسمية يدفع ما يعادل نسبة 2% من المبلغ المراد تبديله .... أو يخصم نسبة 2% من أوراق العمل المراد تحويلها إلى أوراق نقدية ... ليستلم بالصافي ما يعادل 98% نقد رسمي نظير ما قام بتسدديده من أوراق عمل ...... و قد أدت هذه السياسة إلى عدم تواجد الرغبة في تبديل أوراق العمل ... إلى أوراق نقد رسمية .... إلا لضرورة الدفع خارج نطاق البلدية المذكورة .
    أما الضريبة المعادلة لإثنين في المائة من قيمة النقود المستبدلة تذهب إلى صندوق لجنة ألإغاثة .... و يتم تسخيرها ... و صرفها بالكامل ... في مساعدة الفقراء .... و العجزة .... و المساكين ..... و رغم أن هذه السياسة لها أثر إقتصادي عظيم على الفقراء ... و العجزة .... و المساكين ...... إلا أن أثرها ألإقتصادي من جانب آخر .... كان أعظم .... إذ حالت هذه السياسة دون إستبدال أوراق العمل .... بأوراق نقديةإلا للضرورة القصوى .... و أخذ الناس يتداولون هذه ألأوراق بسهولة تامة ... و بثقة عالية .... و قد حلت تماما ... محل النقود الرسمية ...... حتى أدى ذلك إلى توفر 50% أصبح من مجموع ألأوراق النقدية الرسمية لدى خزينة البلدية ...... حيث أصبح متاحا لها سداد ما عليها من ديون خارجية .

    أما الصفة الهامة .... و المميزة ... لأوراق العمل ... عن غيرها من ألأوراق النقدية ..... فهي ضرورة إلصاق طابع قيمته 1% من قيمة الورقة في موضع مخصص لذلك .... و ذلك في أول كل شهر ..... و قد أدى ذلك إلى محاولة كل حامل لتك الورقة ....العمل على التخلص منها قبل حلول أول كل شهر ..... و هذه المحاولة ... تنعكس بالضرورة على صورة شراء .... أو دفع مستمر ...... و هكذا تغيرت ألأوضاع .... و العادات في التعاملات ألإقتصادية السائدة في تلك البلدية ... فأصبح ألأفراد يفضلون الدفع العاجل ... على ألآجل .... و بدأ العمال .... و الموظفون .... ينفقون نقودهم بمجرد قبضها ... وذلك عن طريق شراء كافة إحتياجاتهم الشهرية كاملة ..... كما أخذ أصحاب العمل يحرصون على دفع الرواتب و ألإجور في مواعيدها ... كما أنهم يحرصون على السداد الفوري لكافة ديونهم تجاه الغير ..... و الحرص على السداد الفوري لكافة إلتزاماتهم الرسمية تجاه البلدية من رسوم حكومية و ضرائب ..... أما إذا توفر فائض من دخلهم .... سارعوا .. إلى إيداع الفائض في حساباتهم لدى البنوك .
    و نظرا لأن البنك أيضا تفرض عليه هذه السياسة بكلياتها فإنه بدوره يسارع لإقراضها للمنتجين و التجار بدون فائدة ...... وبهذا يكون هؤلاء المقترضون يتحملون نسبة 1% من قيمة المبلغ المقترض كضريبة ... يدفعونها ... لا إلى ( المقرض ) و هو البنك ....و لكن يدفعونها للدولة و هي ( البلدية ) و ذلك نظير الطابع الشهري الواجب إلصاقه .. في أوراق العمل .... و ذلك نظير حصولهم على ما يحتاجونه من رؤوس أموال دون سداد أدنى فائدة .




    ننوه بأنه قد بدأنا بإعداد هذه الدراسة في العام 1985 م .... و يعتبر هذا الجزء المنشور عبارة عن خلاصة جهد لطيلة تلك الفترة من السنوات ....
    و ما التوفيق .... إلا من عند الله ....
    محمد رضا عثمان سليمان
    مدير مالي
    شركة بن جريبة و المخزوم
    صنعاء - اليمن
    حاليا متواجد بفرع الشركة
    جدة - المملكة العربية السعودية















































































































































































































































































































































































































































































    أحدث المقالات

  • كيف يعمل ويتعامل رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع منسوبيه بقلم جمال السراج
  • أحاسيس !! بقلم صلاح الدين عووضة
  • ابتسامة تحت المقصلة..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • كتاب الدرديري بين الوحدة والانفصال بقلم الطيب مصطفى
  • سوء الأدب الجمهوري (1) بقلم محمد وقيع الله
  • الحزب الحاكم وتدخل الرئيس!! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • باكستان تتمرد على الضغوط السعودية بقلم نقولا ناصر*
  • معركة فتح الخرطوم ونبل الفاتحين بقلم هلال زاهر الساداتي
  • الوحدة مع الجنوب.. مطلب قومي..هل تساهم فيها ؟!
  • الدكتور محمد الوقيع أو كلب الحر! بقلم عثمان محمد حسن
  • نعي السيد اسماعيل عبد الله الفاضل المهدي بقلم د محمد سيد احمد عبد الهادي
  • اَلْسُّوْدَاْنُ بَيْنَ اْسْتِعْمَاْرِ اَلْدَّاْئِنِيْنْ وَهُرُوْبْ اَلْمُتَأَسْلِمِيْنْ ..!
  • درة الدورات المدرسيه المزعومه بولاية شمال كردفان جلبة الغوغاء تحاول أن تغطى على الفشل (1) ...
  • الديمقراطية / الأصولية... أي واقع؟ وأية آفاق؟.....4 بقلم محمد الحنفي
  • سلاماً وتحية لوحدة الأنفاق وشهدائها بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de