انهم يغتالون ذاكرتي...أنا ملكال بقلم السفير موسس أكول أجاوين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 05:01 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-02-2014, 07:31 PM

السفير موسس أكول أجاوين
<aالسفير موسس أكول أجاوين
تاريخ التسجيل: 04-02-2014
مجموع المشاركات: 1

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
انهم يغتالون ذاكرتي...أنا ملكال بقلم السفير موسس أكول أجاوين

    طفلة لم تبلغ السادسة من العمر بعد، رفعتْ وجهها الحزين وببراءة سألت والدها "أبي, على من يطلقون النار فى المدينة ليلا ونهارا؟ " سألتْ سؤالها هذا والحزن يكسو وجهها الصغير ودموع حيرى ترقرق في مقلتيها. تململ الأب في مجلسه. تحاشى النظر اليها، ورحل ببصره صوب الافق الاخضر. لقد أخذه سؤالها على حين غِرة. حاول الهروب ولكن نظراتها المتوسلة لاحقته بعزم كما يلاحق الليل النهار.
    ضمها الى صدره وحاول الهروب بمعسول الكلام، إذ قال لها مطمئنا "لا تبالين ياصغيرتي. إنهم يطلقون النار لأنهم أناس أصابهم الجنون وفقدوا رُشدهم بحيث انه لم يعُد في مقدورهم فرز الامور من بعضها البعض. يآلهم من قوم إختلط في دنياهم الحابل بالنابل، وتشابه عليهم البقر، وأصابهم البكم، وأعمى الجهل بصرهم، وأصبحوا لا يفرقون بين الليل النهار".
    لكن نبضات قلبه المرتبكة كانت تنبئ بغير ما جاء على لسانه. تأملتْ أسارير وجهه النحيل، وفي نبرة مفعمة بحكمة لا يتعلمها المرء الا من مدرسة الحياة، قالتْ والشك لا يخالجها : "أبي، إن الذين يطلقون النار ليسوا مجانين وليس صحيحا إنهم لا يفرزون هذا من ذاك، إذ شاهدتهم يفرزون الأطفال وذويهم من الآخرين ومن بعدها يصرخ الاطفال واُمهاتهم ثم يسقطون جمعياً على الارض وينامون بدون غطاء وبدون حراك ومن ثم يقوم هولاء المسلحون بإطلاق الرصاص فى الهواء، ويضرمون النار فى المنازل قبل ان يفرون بالغنائم." وأردفتْ بنبرة حاسمة " أبي، إن هولاء الناس ليسوا مجانين، أليس كذلك!"
    هرب الأب بنظره مرة اُخرى وحلّق فوق الاُفق البعيد, إلا إن نظره إرتد إليه كالصدى وولج في صدره كألم لا يمكن الغض عنه. وبينما كانت أنامله الطويلة تداعب ببطء شعرها الأجعد، وبينما ظل شاخصا بنظره نحو الاُفق، ململ ونمنم كمنْ يمشي في نومه، وقال لها بصوت خافت كدبيب النمل "كلا يابنتي، إن هولاء الناس ليسوا بمجاذيب بل انهم يدركون تماما ما يفعلون وما يريدون."
    أبرقتْ عيناها الصغيرتان وتلألأتا كمشكاة فيها شموع عيد ميلاد، وغمرت فرحة عارمة وجهها البرئ، وفي لحظة فرح نادرة في أتُون المصائب التي تجتاح المدينة منذ منتصف شهر ديسمبر الماضي، قفزتْ في الهواء فرحة وكأنها قد ربحت رهانا لتقول "ألم ..." إلا انها لم تكمل جملتها، إذ أخذت تصرخ من الألم الشديد. آه، إنه الألم الذي يقتل براءة الطفولة وأحلامها.
    في غمرة فرحتها أرادت الإبنة أن تقول لوالدها "ألم أقُل لك أن هولاء ليسوا مجانين"، لكن الصغيرة نسيتْ أن رصاصة طائشة متمردة قد إستقرت في ساقها قبل بضعة أسابيع.
    وبعد لحظات قضتها في نحيب، إستردت الصغيرة حيويتها وإبتسامتها المُعُدية. نسيتْ آلآمها وجفتَ دموعها كما تجف الماء في الجروف، لكن الدموع المتجمدة على خديها قد نقشت لوحة تحكي قصة أحزانها. أردفت الطفلة في هدوء وكأنها تخاطب أحياء وموتى قومها سوياً. "ألم يقتلوا العم ابان ايونق والمهندس انجلو اوطو والاستاذ كيمو ناكواروآخرين؟" سالتْ والدها وهي غير آبهة بالآمها.
    "نعم, لقد قتلوا أيضاً إبن عمك اوكويج وعمك اوفارض فقد زوجته وإبنتيه في النيل غرقاً كما فقد الآلآف أرواحهم."
    بدتْ الصغيرة منهمكة في التفكير برهة، وأخذت عيناها تسافر بلا قِبلة فوق أناملها التي تداعب سوار البلاستيك الأخضر الذي يزين معصمها النحيل. وفجأة وبدون أن تنظر إليه، سألتْ "ولماذا يريدون قتلك يأبي؟"
    أقرورقت عيناه، وتلعثم قليلا. ونبتت ذرات العرق على جبينه رغم أنف نفحات الشتاء. صمتَ حيناً وصمتتْ هى الأخرى لصمتِه.
    "إنهم يريدون قتلي ليس لشخصي بل لأنني أنا."
    "ومن أنت، يأبتي؟"
    "أنا العُمدة دينق فرج قائد فرقة أعالي النيل للفنون الشعبية، أنا أدينق ضينق، و عوض دوكة، وأحمد محجوب صاحب الموبيليات، وإبراهيم جالدونغ، وأكول حكيم، وأيول صباح الخير، وناتوالي القابلة الصحية، وعلوية عبدالفراج مربية الاجيال، وجونسون ملوال ليك، وماهر النجار في الري المصري، وعبدالعاطي الموسيقار، وهمروس الإغريقي صاحب الطاحونة بحي الملكية، وجعفر ناظر محطة البواخر النيلية، وأمبروس صاحب السينماء المتجولة، ومونسينيور موجوك مطران الكنيسة، وخميسة الميكانيكية، وجمعة أمان الفنان، واُوراج أوك هداف فريق النسر."
    أنا ملكال ...أنا كل الذي كان، وأنا كل الذي سيكون. أنا ملكال تلك المدينة التي كانت تمشي الخيلاء وتتبختر على ضفاف النيل عند الاصيل وتخلد للنوم كطفل قرير العين كلما عَسعَسَ الليل. إنهم يريدونني الآن مدينة بلا ذاكرة، وبلا ماضي او حاضر، وبلا مستقبل او هوية. إنهم يريدونني مدينة من الاطلال والقبور لا تشرق فيها الشمس، وتنبت على جنبات طُرقاتها ورد أسود، مدينة يزورها الموت محمولاً على أكتاف الليل. ولكن لأنني أنا ملكال، سأنهض من الاطلال كما العنقاء من الرمضاء، طال الزمان أو قصر."
    بدتْ االصغيرة مشدوهة كمن تستمع لعندلة عندليب حزين او لسجع قمري جريح في براري الوحدة والألم. وفي لحظة خاطفة تفوح منها عبق الطفولة، وضعتْ الصغيرة يديها النحيلتين على خاصرتها وقد إرتسمت على وجهها إبتسامة نضِرة كصحابة خريف. قوست ظهرها القصير وأشرأب عنقها نحو أبيها حتى كاد رأسها يلامس جبينه الندي، وفي دعابة مشحونة بالتحدي سألت. "من انا اذاً، يأبي"
    إسترختْ أسارير وجهه، وتصاقطت طبقات التعب وحلقات الالم من وجهه رويداً كما تتصاقط أوراق الشجر في الخريف. ودبتْ الحياة الى وجهه من جديد، ولمعت عيناه وكأن ستار الموت قد نزع عنها نزعاً للتو. تناثرتْ إبتسامة عريضة غمرتْ شفتيه كما تغمر النيل شطيه. رفع راسه ورمى بنظره بعيداً حتى إرططم بجدار الحقيقة الذي كتب عليه بخط عريض ان هناك من يريده مطأطأ الراس. أدرك الأب حينها أن الأسوار العالية حوله، والتي نُصبتَ عليها أسلاك شائكة كأسلاك سجن غونتانمو هي شريان حياته وملاذه الاخير لحفظ ذاكرة ملكال.
    "نعم، من أنت؟" ردد سؤالها بينما أمسك بها من ابطيها يهذها برفق، وبدتْ كفراشِة تتأرجح على فَنن. قال لها "انهم الآن يطلقون عليك لقب "نازحة"، وقد حاولوا عبثاً أن يضعوا على رأسِك تاج الذُل، وأن يلبسوك ملابس رثة تفوح منها رائحة الموت. لكن أتدرين ياصغيرتي إنك أميرة من سلالة الملوك؟" "أجل، جَدتك الملكة أبوضوك بنت بَوش، سِت جيلها، حكمتَ القبيلة لعقد من الزمان (1662 – 1652)، و لم تكن لها مثيلة في زمانها الا الكنداكة. أما جَدك المك كور نيضوك الأعظم، فقد أرعب وأرهق الفرنجة حتى عندما كان مكبلاً بالقيود في منفاه على مرمى حجر من مقرن النيلين."
    "أبتاه، هذا عظيم جداً. أكاد أطير من الفرح !" "اذاً، من هم هولاء الاشرار الذين يقتلون كل هذه الاشياء الجميلة؟"
    نظر إليها مشفقاً وكأنه يخاف عليها من تناقضات الحياة. "إن هولاء الناس هم بنو جلدتك! هم أهل لنا و نحن أخوالهم وجيرانهم. لقد عشنا السنين العُجاف سويا كما خُضنا الحرب اللعينة جنب الى جنب. نحن وهم لحما ودما. أتعلمين ان والد صديقتك مارثا من الذين يريدون قتل كل هذه الاشياء الجميلة؟ لكن رغم ذلك انه من الأهمية بمكان ان نتحلى بالصبر وأن لا نرُد الصاع صاعين. ولأننا جُبِلنا على تحمل الشدائد ووضع المصلحة العليا نصب الأعين، لا يسعنا الآن إلا أن نردد قول الشاعر:
    بلادي ان جارت علي عزيزة
    وأهلي ان ضنوا علي كرام
    أجهشتْ الصغيرة في البكاء، وبكى الأب في صمت لدموعها وحزن مرير يعصر قلبه، وما أمّر دموع الرجال لاسيما عندما تختلط بدموع الاطفال وعويل الاُمهات الثكلى ودموع الذاكرة والذكرى.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de