** غزوة بدر الكبرى **

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 00:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.نفيسة الجعلى(مهيرة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-21-2005, 06:43 AM

مهيرة
<aمهيرة
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
** غزوة بدر الكبرى **

    الاخوة/ات الاعزاء

    رمضان كريم

    اسمحوا لى أن اقلب معكم فى هذا الشهر الكريم صفحات وضاءة من صفحات التاريخ الاسلامى

    المشرقة

    غزوة بدر الكبرى

    قلة من المؤمنين ساقهم الله تعالى لملاقاة الكثرة من المشركين المتكبرين، حتى إذا وافوهم لم يلبثوا إلا يسيرًا، ثم نصرهم الله بقدرته عليهم، تلك كانت قصة بدر! القصة التى مهما قلبت صفحاتها طالعتك قدرة الله، وتدبيره لعباده، حين تتأمل سبب الغزوة، أو قوة الجيش المسلم وتنظيمه، وإذا صحبتهم فى الطريق إلى بدر أو استمعت إلى النذير فى مكة، أو رأيت تجهز المشركين للغزو، وتحرك جيشهم، وانفلات عيرهم، وانشقاق جيشهم، فى كل ذلك ستجد حتمًا قدرة الله وتدبيره!. إن مشاهد بدر المتتالية تغرس اليقين فى قلب المسلم، وتورثه صدق التوكل على ربه، توكلاً لاينافيه أخذه بالأسباب، إن هذه المعانى تتسارع إلى قلوبنا ونحن نشاهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستشير صحابته قبل الغزوة، ثم حين يقوم بالاستكشاف لمعركته، وتتسارع إلى قلوبنا ونحن نستمع إلى صوت نزول المطر قبيل المعركة، أو ونحن نرى نشر القوات وتهيئة مكان القيادة، ثم حين نستمع إلى صوت القيادة، ثم حين نستمع إلى كلمات المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو يقوم بالتعبئة المعنوية، وكذلك حين نولى وجهنا شطر الجانب الآخر فنلحظ الخلاف وقد تجدد فى صفوف المشركين، لكن الأعجب من ذلك كله، هو دقات قلوبنا التى لا زالت بعد أربعة عشر قرنًا من هذه الحادثة تتلاحق وهى تتابع ترائى الجيشين، وقدوم ساعة الصفر، ثم المبارزة الأولى قبل الهجوم العام، ومناشدة الرسول ربه عز وجل، والهجوم المضاد، وانسحاب إبليس من المعركة، ثم الهزيمة الساحقة، ونهاية المعركة. إن مشاهد هذه الغزوة لا تسأم منها قلوب المؤمنين أبدًا، وإن صورة مكة وهى تتلقى أنباء الهزيمة، والمدينة وهى تتلقى أنباء النصر، ثم تستقبل عودة النبى -صلى الله عليه وسلم- وجيشه إليها لترسم فى مخيلتنا نهاية حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، أما قضية الخلاف فى الغنائم، وقضية الأسرى، فتؤكدان بشرية حملة ذلك الحق، وحاجتهم الدائمة للتربية والتوجيه.
    سبب الغزوة

    كسائر السرايا والغزوات التى سبقت بدرًا، بل كامتداد لإحداها -غزوة ذى العشيرة- كان منشأ هذه الغزوة، علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برحيل عير لقريش. وعير هذه المرة قد بلغ عددها ألفًا، وحملت من الدنانير الذهبية ما لا يقل عن الخمسين ألفًا، أما حرسها فلم يزد على أربعين رجلاً، يرأسهم أبو سفيان بن حرب فى رحلة عودته من الشام إلى مكة، وما عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أحد بالخروج - كشأنه فى سائر السرايا والغزوات السابقة- بل أعلن قائلاً: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها؛ ولذا فإنه لم ينكر على أحد من الصحابة تخلف عنه فى هذه الغزوة. هذا وقد استخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المدينة والصلاة عبدالله بن أم مكتوم، حتى إذا كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر، واستعمله على المدينة وقد كان خروجه -صلى الله عليه وسلم- فى اليوم الثامن أو الثانى عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة.
    قوة الجيش وتنظيمه

    أسرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإدراك العير، فلم يكن معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قد اصطحبوا فرسين لا ثالث لهما، أحدهما للزبير بن العوام والآخر للمقداد بن الأسود الكندى وسبعين بعيرًا يعتقب كل بعير الرجلان والثلاثة، وقد كان رسول الله وعلى ومرثد بن أبى مرثد الغنوى يعتقبون بعيرًا واحدًا، أما لواء الجيش فكان أبيض يحمله مصعب بن عمير العبدرى. وقد قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيشه إلى كتيبتين: إحداهما للمهاجرين، ويحمل علمها على بن أبى طالب، والأخرى للأنصار ويحمل علمها سعد بن معاذ، كما جعل على الميمنة الزبير بن العوام وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، وعلى الساقة قيس بن أبى صعصعة. أما القيادة العامة فكانت فى يده -صلى الله عليه وسلم-.
    الطريق إلى بدر

    سار الجيش على الطريق الرئيسى المؤدى إلى مكة، حتى بلغوا بئر الروحاء، ثم ترك طريق مكة بيسار، وانحرف ذات اليمين على النازية - يريد بدرًا- فسلك فى ناحية منها، حتى قطع واديًا يقال له رحقان، بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر على المضيق، ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، وهنالك بعث بسبس بن عمرو، وعدى بن أبى الزغباء الجهنيين إلى بدر يتجسسان له أخبار العير، وعند وادى ذفران جاءه خبر انفلات العير، وتجهز جيش المشركين وتحركه، فاستشار صحابته فى الرجوع أو القتال، ثم واصل مسيره فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثم هبط إلى بلد تدعى الدبة، وترك كثيبًا عظيمًا يسمى الحنان بيمين، حتى نزل قريبًا من بدر.
    النذير فى مكة

    "يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث"!. كانت هذه هى الصرخة التى شقت سماء مكة، الملتهبة بقيظ نهار رمضان، وقد أسرع أهل مكة نحوها، فوجدوا ضمضم بن عمرو الغفارى، الذى استأجره أبو سفيان؛ ليحذر قريشا، فتنقذ تجارتها التى معه- وجدوه واقفًا على بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، وأخذ يصرخ بصرخته السالفة
    تجهز المشركين للغزو

    إن قريشًا التى لم تندمل بعد جراحاتها من سرية نخلة، قد فزعت إلى الحرب مسرعة، وهى تصيح: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمى؟ كلا، والله ليعلمن غير ذلك!، وإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- الذى خرج فى قليل من أصحابه يطلب العير، تعد له الآن قريش جيشًا عرمرمًا، فمن لم يخرج من رجالها بعث مكانه رجلاً، وسوى أبى لهب لم يتخلف أحد من أشرافها، وما تقاعس عنهم بطن من بطون قريش خلا بنى عدى، فلم يخرج منهم أحد، وما مضت إلا سويعات قليلة حتى كان جيش قوامه ألف وثلاثمائة مقاتل، معهم مائة فرس، وستمائة درع، وجمال كثيرة، قد بدأ مسيره، يتقدمه قائده العام أبو جهل بن هشام. لكن قريشًا بعد أن همت بمسيرها، تذكرت حربه مع بنى بكر وخشيت أن تغير على مكة فى غيابها، فتبدى لها إبليس فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم -سيد بنى كنانة- يطمئنهم قائلاً: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشىء تكرهونه. فمضوا، وما علموا أن ما يكرهونه من خلفهم، قادم إليهم من بين أيديهم!.

    تحرك جيش المشركين

    "الآن نقتل محمدًا وصحبه، الآن يمحى من الدنيا وجودهم، وغدًا تعلم العرب من نكون"! يبدو أن هذه الخواطر التى جالت برؤوس قريش الفارغة، وهى تدب بأقدامها الثقيلة فى صحراء الجزيرة، فيعلو فى الآفاق دويها، ويرتفع فى السماء غبارها الكثيف، أما السؤال الذى تردد فى صدور قريش، فتعجبها: أى قوة الآن فى أرض العرب تقوم لنا؟!، تحركت جموع قريش بسرعة فائقة نحو الشمال فى اتجاه بدر، وسلكوا فى طريقهم وادى عسفان ثم قديدًا ثم الجحفة، حيث جاءتهم رسالة جديدة من أبى سفيان تقول كلماتها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم، ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. وقد كانت هذه الرسالة سببًا لوقوع انشقاق فى جيش المشركين

    العير تفلت![/

    إن داهية قريش، أبا سفيان بن حرب ليس كعمرو بن الحضرمى وصحبه، الذين فتك بهم نفر قليل من المسلمين فى سرية نخلة، فالرجل الحذر يعلم أن طريق القوافل اليوم ليس آمنًا كالأمس، وهو لذلك لا يكاد يخطو خطوة إلا وقد سبقتها حركاته الاستكشافية، وقد تقدم عيره حين اقترب من بدر، فلقى مجدى بن عمرو فسأله عن جيش المدينة فقال: ما رأيت أحدًا أنكره، إلا أنى قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا فى شن لهما، ثم انطلقا. فأسرع أبو سفيان إلى روث بعيريهما، ففته فإذا فيه النوى، فأدرك أنها عير علفت بتمر يثرب، فبادر بترك الطريق الرئيسى الذى يمر ببدر، واتجه نحو الساحل، ناجيًا بالقافلة من الوقوع فى قبضة جيش المدينة.
    انشقاق فى جيش المشركين
    "ما الذى أخرجنى هذا اليوم؟! آلدفاع عن دين الآباء والأجداد؟! أم حماية العير ودنانيرها؟!" كان هذا هو السؤال الذى جال بخاطر كل قرشى بجيش مكة، سمع برسالة أبى سفيان، التى تخبره بنجاة القافلة، ويبدو أن أرواح المشركين، التى هموا بأن يبذلوها فى سبيل الذهب، هى أغلى عندهم من أن تذهب دفاعًا عن اللات أو هبل، فآثر القوم الرجوع إلى مكة، والاحتماء بظل بيوتها! لكن جيش مكة أفاق من أمانيه على صراخ أبى جهل: والله لن نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب، وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدًا!. والعجيب أن واحدًا من الرجلين، أبى سفيان أو أبى جهل، لم يجل بخاطره أن يتحدث عن دين قريش! فأبو سفيان دفعهم للرجوع استمتاعًا بنعيم القافلة، وأبوجهل يدفعهم للمسير استمتاعًا باللحم والغناء، والخمر والنساء، وما درى مساكين قريش أى استمتاع كان بانتظارهم! أرادت بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع. وأصر الأخنس بن شريق على الرجوع، فصحبته بنو زهرة، إذ كان رئيسًا عليهم فى هذا النفير، ونقص بذلك جيش المشركين ثلاثمائة رجل، أما سائر الجيش فقد واصل سيره خلف أبى جهل، حتى نزل قريبًا من بدر، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى، على حدود وادى بدر، انتظارًا لمصيره المحتوم.
    الرسول يستشير صحابته
    "سيروا، وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم". لم تكن هذه كلمات الرسول -صلى الله عليه وسلم- التى ألقاها إلى صحابته حين أراد استشارتهم، بل كانت كلماته التى نطق بها بعد سماعه مشورتهم له بالمسير. أما سبب المشورة وموضوعها، فكان علم النبى -صلى الله عليه وسلم- من استخباراته بفرار عير قريش، وتجهز جيش المشركين، وتحركه إلى بدر، مما يذهب بالسبب، الذى من أجله خرج المسلمون بعيدًا، ويضعهم أمام أحد خيارين: الرجوع إلى المدينة، والاحتماء بها، بعد فرار العير، أو المضى قدمًا، والمسير إلى بدر، لملاقاة ألف مقاتل، لم تكن حربهم فى الحسبان، والخياران كلاهما مر، فالعودة إلى المدينة تحمل ضياع هيبة المسلمين، وخطر مهاجمة قريش لدورهم بالمدينة. كما أن مسيرهم إلى بدر، لا يعنى إلا مواجهة مع ثلاثة أضعافهم عددًا وما فوق ذلك كثير، خيلاً وعتادًا، دون ظفر بقافلة أو سواها. وقد تحدث أبو بكر وعمر فقالا وأحسنا، ثم تحدث المقداد بن عمرو فأعلن بحماس استعداده للمسير حيثما سار رسول الله، لكن النبى -صلى الله عليه وسلم- وقد أدرك أن ثلاثتهم من المهاجرين، الذين لا يشكلون سوى ربع الجيش، كرر طلبه قائلاً: أشيروا علىَّ أيها الناس، ففطن لذلك سعد بن معاذ قائد الأنصار وحامل لوائهم، فأجابه: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟، فقال النبى -صلى الله عليه وسلم-: أجل، فتحدث سعد عن الأنصار مؤكدًا عزمه وعزمهم على المسير مع النبى -صلى الله عليه وسلم- وطاعته فى الحرب والقتال، والصبر على ذلك مهما كلفهم، فسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقوله ذلك ونشط ثم بدأ المسير.
    الاستكشاف النبوى
    إن رسول الله الذى أراه ربه -عز وجل- مصارع أعدائه، لم يجلس مستريحًا فى خيمته، استعدادًا لمصرع هؤلاء الأعداء!. لكن النبى الرءوف بأمته، المحتاط لها، الآخذ بكل سبب، قد قام بنفسه، يصحبه صدِّيقه أبو بكر، فى استكشاف أماكن العدو.
    وقد لقى وصاحبه شيخًا عربيًا، رفض أن يدلى إليهما بمعلوماته حتى يعلم من هما، فأجابه النبى -صلى الله عليه وسلم-: إذا أخبرتنا أخبرناك. فدلهما على ما سألاه عنه: موقع جيش محمد، وموقع جيش قريش، فمضى النبى -صلى الله عليه وسلم- وهو يجيبه عن سؤاله: ممن أنتما؟ قائلاً: نحن من ماء!. وبقى الشيخ يردد: ما من ماء؟، أمن ماء العراق؟. وفى المساء بعث النبى -صلى الله عليه وسلم- استخباراته من جديد، ونفذ هذه العملية ثلاثة من كبار المهاجرين: على بن أبى طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص، فى نفر من أصحاب النبى، وقد قاموا بإلقاء القبض على غلامين، عند ماء بدر، يستقيان لقريش، ثم عادوا بهما إلى المعسكر الإسلامى لاستجوابهما، فأصرا على قولهما: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، لكن القوم ظلوا يضربونهما رجاء أن يعترفا أنهما لأبى سفيان، حتى يصرفا عن عقولهم فكرة مجىء جيش قريش! وانتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صلاته، ثم خلص الغلامين، وعاتب صحابته قائًلاً: إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش! وسأل الغلامين عن مكان الجيش المكى فأجاباه، وعن عدده فقالا: ما ندرى.! فسألهما: كم ينحرون كل يوم؟، فقالا: يوما تسعًا ويومًا عشرة، فقال النبى -صلى الله عليه وسلم-: القوم بين التسعمائة إلى الألف. ثم سألهم عمن معهم من أشراف قريش، فعددوا أشرافهم جميعًا، فالتفت النبى -صلى الله عليه وسلم- إلى جيشه قائلاً: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
    نزول المطر
    أنزل الله -عز وجل- فى ليلة المعركة مطرًا على أرض بدر، فكان على المشركين وابلاً شديدًا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطَّأ به الأرض، وصلب به الرمل، وثبت الأقدام، ومهد به المنزل، وربط به على قلوبهم، ومما لا شك فيه أن مطر تلك الليلة فى حين رفع أنظار المسلمين إلى السماء، خفض أنظار المشركين إلى الأرض ليعالجوا أوحالها!.
    نشر القوات وتهيئة مكان القيادة
    أسرع الجيش النبوى بالتحرك، ليسبق المشركين إلى ماء بدر، حتى إذا وصل إلى أقرب ماء من مياه بدر، نزل الجيش واستقر، لكن الحباب بن المنذر قام ليشارك فى رسم صورة مشرقة، يحتفظ بها التاريخ ويزهو، صورة تدل على عظمة الإسلام، بقدر ما تدل على عظمة نبيه، قام الحباب ليسأل رسول الله: أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟. فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- ببساطة: بل هو الرأى والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل. ثم استأنف مشيرًا: فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله، ونغور ما وراءه من القُلُب، ثم نبنى عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون) فأجاب محمد -صلى الله عليه وسلم-بعظمة النبى وتواضعه: لقد أشرت بالرأى. وعلى الفور قام الجيش بتنفيذ الخطة الجديدة: ردم آبار بدر جميعها ما عدا أقرب بئر إلى قريش، ثم نشر القوات أمام هذا البئر، وبناء حوض عليه، حتى إذا حمى وطيس المعركة، شرب المسلمون، وعطش أعداؤهم، وبقيت هذه الصفحة المجيدة تنير السبيل للشعوب وزعمائها. أما سعد بن معاذ، فقد أشار على النبى -صلى الله عليه وسلم- برأى سديد قدَّر فيه الاستعداد للهزيمة قبل النصر، إذ نصح النبى -صلى الله عليه وسلم- ببناء مقر له خلف صفوف الجيش، وتهيئة الدابة التى تحمله إن هزم المسلمون، وانتخاب فرقة من شباب الأنصار، يتزعمهم سعد بن معاذ لحراسة الرسول، وعلى الفور تم إنفاذ المشورة الصائبة.
    التعبئة المعنوية
    ليلة السابع عشر من رمضان، ليلة المعركة، غدًا تتلاقى السيوف، ويتساقط القتلى أو الشهداء، ويعلو غبار المعركة، غدًا تلاقى الفئة القليلة المؤمنة الفئة الكثيرة المشركة، فكيف قضى المسلمون أوقاتهم؟، وما صنعوه فى ليلتهم تلك؟!. أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه مشى فى موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، ثم بات ليلته يصلى إلى جذع شجرة هنالك، وأما المسلمون، فقد نفضوا عن أنفسهم من غبار القلق، وباتوا ليلتهم هادئين مطمئنين، أخذوا من الراحة قسطهم، وغمرت الثقة بنصر الله قلوبهم.
    تجدد الخلاف فى صفوف المشركين
    امتطى عمير بن وهب الجمحى جواده، ثم انطلق به من معسكر المشركين إلى جيش المدينة، وجال بفرسه، ودار حول معسكر المسلمين، ثم عاد إلى قريش قائلاً: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصون. ثم انطلق بفرسه ثانية فى أعماق الوادى حتى أبعد، ليطمئن أللمسلمين مدد أو كمين يخفونه أم لا؟، وعاد ثانية إلى قريش ملقيًا كلمات كالسهام: ما وجدت شيئًا، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذل؟! فَرَوْا رأيكم. إن رغبة المسلمين فى الشهادة كانت واضحة لعينى عمير، والرجل تساءل ببداهة: ما هذا النصر الذى نصل إليه عبر ثلاثمائة قتيل قرشى؟! ولسماعه كلمات عمير النافذة، انطلق حكيم بن حزام إلى أبى الوليد عتبة بن ربيعة، يسأله أن يدفع دية قتيل سرية نخلة عمرو بن الحضرمى، ثم يرجع بجيش قريش إلى مكة، فأجابه عتبة إلى ذلك، على أن يقنع حكيم أبا جهل برأيه، وقام عتبة -الذى كان ابنه أبو حذيفة فى جيش المسلمين- يذكر قريشًا بأن أعداءهم الذين يريدون قتالهم ما هم إلا أهلوهم، ثم كرر عليهم نصيحته التى نصحهم بها من تسع سنين فقال: ارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذى أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون. أما أبو جهل فإنه ثار لقدوم حكيم إليه، ولكلام عتبة، وأقسم ألا يرجع حتى يقاتل محمدًا، ثم دفع عامر بن الحضرمى أخا عمرو المقتول لأن يهيج الناس للثأر لأخيه، ففوجئ القوم بعامر يكشف عن استه، وهو يصرخ: واعمراه واعمراه. وهنالك حمى القوم، وثار غبار الحقد، فأعمى العيون والقلوب.
    الجيشان يتراءيان
    وقف المسلمون متأهبين للقتال، وأقبل جيش المشركين يقترب، حتى تراءى الجمعان، وهنا نظر إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وقال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتنى، اللهم أحنهم الغداة. ثم حانت منه -صلى الله عليه وسلم- التفاتة، فرأى عتبة بن ربيعة على جمل له أحمر، فقال: إن يكن فى أحد من القوم خير، فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا. ثم طفق النبى -صلى الله عليه وسلم- ينظم صفوف جنده، ويوجه إليهم تعليماته الأخيرة: إذا أكثبوكم -أى كثروكم- فارموهم، واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم. ثم عاد إلى عريشه بصحبة أبى بكر، وقد وقف سعد بن معاذ، وكتيبة الحراسة على بابه، وفى الجانب الآخر، وقف أبو جهل ينظر إلى جيش المسلمين قائلاً: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة، اللهم أينا أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم. وإن المرء لينظر إلى كلا الجيشين الآن، فتتداعى أمام عينيه ذكريات طويلة، تمتد فى الزمان إلى وقت بعثته ، ثم وقوفه صادحًا بالحق على جبل الصفا، وما لاقاه ولاقاه المسلمون معه من اضطهاد وتعذيب، إن صورًا كهذه، وصورًا أخرى كثيرة تتلاحق أمام أعيننا الآن ونحن ننتظر نتيجة المعركة. صورته وهو بالشعب مع عمه، وصورته وهو عائد من الطائف، وصورته وهو جالس إلى ستة نفر من يثرب، وصورته وهو مهاجر مع صديقه، وغيرها، وغيرها. إنها قصة طويلة، عاشها أهل الإنس والجن فى الأرض، وشاهدتها الملائكة فى السماء، وآن لهذا الفصل الطويل من القصة أن تشهد خاتمته!.
    ساعة الصفر
    إن غطرسة قريش وتكبرها، قد تجمعتا وتجسدتا فى شخص الأسود بن عبد الأسد المخزومى! وقد كان الأسود رجلاً شرسًا سيِّئ الخلق، خرج من صفوف المشركين رافعًا عقيرته بقوله: أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه. ثم توجه بثقة إلى حوض المسلمين ليبر قسمه. وهنا خرج إليه حمزة بن عبدالمطلب، يعطيه ما أراد، ضربة بالسيف قطعت قدمه بنصف ساقه، حتى إذا أصر الأسود على الزحف إلى الحوض ليشرب منه، عاجله حمزة بدوائه: ضربة أتت عليه وهو داخل الحوض. وكان مقتل الأسود بمثابة الشرارة التى أشعلت نار المعركة.
    المبارزة
    رأت قريش مصرع الأسود بسيف حمزة، فأخرجت ثلاثة من أشرافها: عتبة وشيبة ابنى ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف، طلبوا المبارزة، فخرج إليهم معاذ ومعوذ ابنا الحارث، وعبدالله بن رواحة، فسألوهم: من أنتم؟، فأجابوهم: رهط من الأنصار! فقالوا لهم: أكفاء كرام، ما لنا بكم من حاجة، وإنما نريد بنى عمنا!، ثم نادوا على النبى -صلى الله عليه وسلم-: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فأخرج إليهم النبى -صلى الله عليه وسلم- عبيدة بن الحارث، وحمزة بن عبدالمطلب، وعلى بن أبى طالب، فرضوا بذلك واقتتلوا. فأما حمزة وعلى فلم يمهلا قرينيهما حتى قتلاهما، وأما عبيدة فقد تبادل مع قرينه الضرب فسقط كلاهما، ثم كرَّ على وحمزة على عدوه فقتلاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله إلى صف المسلمين، فصبر أيامًا ثم مات فى طريق عودة الجيش إلى المدينة. وهكذا كانت بداية المعركة، فقد المشركون ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم فى لحظات، وعاد المسلمون إلى صفهم سالمين حامدين
    الهجوم العام
    ثار المشركون لما أصابهم فى بداية المعركة، فانطلقوا مندفعين تجاه جيش المسلمين، وقد أعماهم الحقد والغضب، فصاروا لا يرون صلة لرحم، ولا يسمعون منطقًا لعقل، إنما همهم ألا تذهب شمس هذا اليوم، إلا على أجساد محمد ومن معه، وقد تقطعت أشلاؤه فى صحراء بدر، وأما المسلمون فإنهم حافظوا على أمر نبيهم بالمرابطة، فلم يتحركوا من مواقعهم، إنما دافعوا عن أنفسهم، فألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وشعارهم الخالد أحدٌ أحد، ينطلق من حناجرهم فيتصل بأهل السماء. ألا ما أروع هذا المشهد السريع الذى لخص قصة الدعوة بأسرها!، قوم ذكروا ربهم ووحدوه، وآخرون لم يرضهم ذلك فبادؤوهم بالعداوة، وهاجموهم. وما كاد يمر من الزمان إلا قليل حتى إذا نحن بهؤلاء الطغاة وقد تساقطوا، وإذا أهل الحق يقومون ليغسلوا عن الأرض طغيان أهل الباطل ودنسهم.
    الرسول يناشد ربه
    ماذا ننتظر من محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أعد جيشه، وبدأت الحرب؟، ماذا ننتظر منه وقد اجتاحت قريش بحدها وحديدها، وخيلها ورجلها الفئة القليلة من المسلمين؟، ماذا ننتظر والمرء لا يشاهد الآن إلا غبار المعركة، ولا يسمع إلا صيحات القوم وصليل السيوف؟. إن ما ننتظره من محمد -صلى الله عليه وسلم- هو كلماته تلك: اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا. وسقط رداء النبى -صلى الله عليه وسلم- عنه من شدة الابتهال، فأعاده أبو بكر وهو يقول: حسبك يا رسول الله ، ألححت على ربك!، ثم أغفى النبى -صلى الله عليه وسلم- إغفاءة واحدة، رفع بعدها رأسه قائلاً لأبى بكر: أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع. وخرج إلى باب العريش، واثبًا فى درعه وهو يقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر)، ثم أخذ حفنةً من الحصباء، فرماها فى وجوه قريش، قائلاً: شاهت الوجوه، فأصابت عينى وأنف وفم كل مشرك بالمعركة يومئذ.
    الهجوم المضاد
    ذهبت حدة قتال المشركين فى الهجوم العام، وفترت حماستهم، أما المسلمون، فإنهم قد احتفظوا بنشاطهم حين بقوا فى موقف الدفاع، وهنا انطلقت أوامر الرسول تحرضهم على القتال: شدوا! والذى نفس محمد بيده ،لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة، قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فقام المسلمون بهجوم كاسح، لا يقف أمامه شىء، وأصبح لا يرى فى أرض المعركة من المشركين إلا فار أو مقتول، وتمزقت صفوف قريش، واختفى كبراؤها. وزاد من حماسة المسلمين رؤيتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يثب فى درعه، وما لحظوه من تأييد الملائكة لهم بل وقتالهم.
    إبليس ينسحب من المعركة
    فوجئ المشركون وهم فى أقسى لحظاتهم بسراقة بن مالك يفر ناكصًا على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام، فوكزه سراقة بن مالك فى صدره، فألقاه، ثم استأنف هربه، والمشركون ينادونه: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا، لا تفارقنا؟. ومن بعيد سمع المشركون من كانوا يظنونه سراقة يولى قائلاً: إنى أرى مالا ترون إنى أخاف الله والله شديد العقاب، ثم فر إبليس الذى تشبه بسراقة حتى ألقى نفسه فى البحر.
    الهزيمة الساحقة
    ما كاد يمر من الزمن على الهجوم المضاد إلا يسير، حتى تهدمت صفوف المشركين، وفرت جموعهم، ولاحقهم المسلمون يأسرونهم ويقتلونهم حتى تمت عليهم الهزيمة.
    نهاية المعركة
    انقشع غبار المعركة، وسكن ضجيجها، وأصبحت الصورة واضحة ناصعة، أجداث سبعين من المشركين، عامتهم القادة والزعماء، قد اندثرت فى صحراء بدر، ووقف سبعون آخرون منهم مقيدين بالسلاسل، تعلو وجوههم كآبة ذل الأسر، وانشغل المسلمون بدفن شهدائهم الأربعة عشر، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقف على قتلى قريش يقول: بئس العشيرة كنتم لنبيكم، كذبتمونى وصدقنى الناس، وخذلتمونى ونصرنى الناس، وأخرجتمونى وآوانى الناس. وهى كلمات تحوى حسرة على العشيرة المكذبة بقدر ما تحوى عرفانًا لمن صدقه ونصره وآواه، ثم أمر بهم، فسحبوا إلى قليب من قلب بدر، وجمع منهم أربعة وعشرون رجلاً من صناديدهم، فقذفوا فى حفرة خبيثة. وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث ليال بعدها ببدر، ثم أمر براحلته فشد عليها رحلها، ومشى مع جيشه المنصور إلى المدينة، وكان آخر ما صنعه بأرض المعركة أن نادى على قتلى المشركين بأسمائهم وأسماء آبائهم قائلاً: أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟

    منقووووووووووول

    تحياتى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de