البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 05:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-10-2006, 04:27 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي (Re: خالد عويس)

    الملف الأول: البطاقة الفكرية
    رؤى الحزب الفكرية منذ تكوينه
    تشكلت أول رؤية فكرية للحزب حول مقولة "السودان للسودانيين" متحدية الاستعمار الثنائي بشقيه: الأطماع البريطانية من جهة ومقولة الاتحاد تحت التاج المصري من جهة أخرى، وتركزت داخل المبادئ الاثني عشر المضمنة في مذكرة الخريجين لعام 1942م والتي كانت تطالب بالحكم الذاتي وبجملة مطالب تنموية وتعليمية وتضاد سياسة المناطق المقفولة في الجنوب.
    وفي 1953 حمل الحزب شعار "إعلان الجمهورية"، وفي 1957م كان شعاره "بناء الوطن"، وكانت القفزة الفكرية الأولى للحزب هي ما بعد ثورة أكتوبر 1964م حيث أصدر برنامجا بعنوان "نحو آفاق جديدة" يستصحب فيه المستجدات ويتبنى مسألة التنمية المتوازنة والوعي بالتنوع الثقافي والديني والمظالم التنموية في المناطق المهمشة. بعد انتفاضة رجب أبريل 1985م أصدر الحزب "نهج الصحوة" كبرنامج انتخابي احتوى على رؤية فكرية تدعو لقراءة معينة للإسلام والقومية والأفريقية وتبشر بصحوات إسلامية وتنموية واجتماعية..
    وقد واصل الحزب عطاءه الفكري في حقبة "الإنقاذ" فشارك في بلورة الرؤية الفكرية التي التفت حولها التنظيمات السياسية السودانية المعارضة "مقررات أسمرا للقضايا المصيرية" كما حاور النظام فكريا ووصل معه لبرنامج حد أدنى " نداء الوطن".. وأثرى الحزب المكتبة الفكرية والسياسية السودانية بالعديد من المطبوعات من كتب لوثائق لمقالات وساهم في حركة تبادل الآراء داخل وخارج البلاد وكان آخر ما سعى له الحزب في هذا الصدد هو تجميع القوى السياسية في الحكم والمعارضة حول مبادرة التعاهد الوطني:
    ملامح فكر حزب الأمة:
    q الدعوة لسيادة الشعوب فلا تخضع للوصاية الخارجية -التبعية أو الاستعمار- أو الوصاية الداخلية -الدكتاتورية العسكرية أو المدنية- والاعتراف بالشرعية الديمقراطية كأساس لنظام الحكم.
    q القومية، والدعوة لتجميع الآراء حول برنامج حد أدنى يتفق عليه الجميع لبناء الوطن.
    q التأصيل والتحديث بشكل يرفض الانكفاء على المعارف التقليدية ويرفض الاستلاب للرؤى الخارجية.
    q التكامل والتوازن، والدعوة لمراعاة كافة حاجات الإنسان فلا يغرق في الاهتمام بالجانب الروحي فقط- كما تفعل بعض الجماعات الدينية- أو بالجانب المادي فقط –كما بشرت بعض الفلسفات، أو الجانب الاجتماعي فقط .. فالإنسان له عشر حاجات هي: الروحية، الخلقية، المعرفية، المادية، الاجتماعية، الفنية، العاطفية، البيئية، الرياضية، الترفيهية. ينبغي إشباع تلك الحاجات بصورة متوازنة، وتراعي كل البرامج والسياسات التي تهدف للرقي بالإنسانية هذه الحقيقة.
    q العدل: الدعوة للعدل الاجتماعي، والسعي لإنصاف الشرائح المستضعفة، ورفع المظالم عن المناطق المهمشة. والدعوة للعدل الإنساني فلا يظلم الرجل المرأة ولا يظلم البالغ الطفل.
    q التطور: تطور الأطروحات السياسية وتجددها تبعا للمتغيرات.
    منطلقات الانتماء الحزبي:
    تنطلق الرؤية الفكرية للحزب من نظرة لدور الإنسان في عمارة الأرض، واعتراف بحاجات الإنسان العشرة -الواردة أعلاه- الواجب إشباعها، وتأمين على ضرورة الانتماء المشترك (للجماعة الحزبية، وللقومية الوطنية، ولحلقات الانتماء الإقليمية، وللإنسانية العريضة) كأساس للالتفاف حول مبادئ معينة والعمل من أجلها.
    إن انتماءات الإنسان التي تلزمه ذاتيا وتفسر تحركاته تقع في ثلاثة محاور: المحور الأول: يتعلق بالولاءات الدينية والإثنية والثقافية المو########. المحور الثاني: يتعلق بالأيدلوجية التي يؤمن بها الإنسان. المحور الثالث: يتعلق بالمصالح الفردية أو الطبقية التي يسعى الإنسان لتحقيقها.
    عندما أطلت الثورة الصناعية في أوروبا الغربية ونما النظام الرأسمالي بدا كأنما النظام الجديد سوف يطرد كافة الولاءات المو######## الدينية والقومية لتصبح انتماءات الإنسان طبقية أو أيدلوجية تحددها أيدلوجيات تخدم المصالح الطبقية.. هذا التصور افترضته الأيدلوجية الماركسية- وبنت عليه تصوراتها لمستقبل الإنسان وسارت بهديه الكتلة الشرقية طيلة الفترة (1919-1991م).
    تصور آخر إن انتماءات الإنسان سوف تهددها يد السوق الرأسمالية الخفية، وليس ببعيدة عنا أطروحة "نهاية التاريخ أو خاتم البشر " التي صكها فرانسيس فوكوياما التي افترضت إن مستقبل الإنسانية قد صب على القالب الرأسمالي الغربي.
    لقد شهد القرن العشرين أضخم صراع عرفته الإنسانية بين المجتمعات الإنسانية الأكثر تملكا للقدرات المادية على أساس أيدلوجي وطبقي. وبعد حمامات دم أودت بملايين الأرواح وحطمت العمران على نطاق واسع في الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) ساد العمران نظام عالمي مستقطب بين النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي فخاض الحرب الباردة (46-1991م) على أساس صراع أيدلوجي ومصلحي كلف الإنسانية من الدموع والدماء والأموال تكاليف غير مسبوقة.
    وبعد الحرب الباردة ظهر واضحا أن انتماءات الإنسان الدينية والقومية والثقافية لم تمت كما كان متوقعا بل برزت أهمية الانتماء الديني كمحرك فكري واجتماعي للبشر وتمددت ظاهرة الأصولية الدينية فعمت كل الأديان. والسبب الدافع لها هو تمسك الجماعات الدينية بعقائدها وقيمها الخلقية في وجه هجمات فكر وثقافة علمانية نافية لها.
    وفي تقرير لجنة الجنوب - أي جنوب الكرة الأرضية - التابعة للأمم المتحدة عن التحدي للجنوب في عام 1990م، جاء ما فحواه أن التنمية في بلدان الجنوب أخفقت لأنها لم تراع الجوانب الثقافية في تكوينات هذه المجتمعات. وفي نوفمبر 1995م جاء تقرير اللجنة العالمية للثقافة والتنمية المعنون " تنوعنا البشري الخلاق" النص الآتي: إن مجهودات التنمية غالبا ما أخفقت لأن العامل البشري: تلك الشبكة من العلاقات، والمعتقدات، والقيم، والدوافع التي تجسدها الثقافة- قد أهمل في التخطيط للمشروعات المختلفة. وجاء في التقرير: إن تقرير لجنة برندلاند قد أشار لأهمية العلاقة بين التنمية والأيكلوجيا، ولأسباب مماثلة ينبغي أن نراعى العلاقة بين الثقافة والتنمية. ولأهمية الجانب الثقافي في حياة الإنسان اقترح التقرير أن يراجع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لإضافة الحق الثقافي إليه.
    جاءت الأحداث التي صحبت انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة فظهر فيها وزن الانتماءات الدينية والاثنية والثقافية فأدى ذلك لتحليلات جسدها الكاتب الأمريكي صمويل هنتتجتون في كتابه "صدام الحضارات، وإعادة تكوين النظام العالمي" خلاصة أطروحته: إن السياسة الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة سوف تدور حول الحضارات وعلاقاتها تنازعا، وتعاونا، وتنافسا، وصداماً".
    لا يوجد مقياس واحد لسلوك الإنسان. نعم سيكون للانتماءات الدينية والثقافية المكونة للحضارات دور في تشكيل العلاقات بين المجموعات البشرية كما سيكون للمصالح والأيدلوجيات دورها.
    وبالنسبة لحزب الأمة فقد قام في منشئه على تحالف بين قطاعات مختلفة جذب بعضها للحزب انتماءه الديني المرتبط بالمهدية أو المصلحي المرتبط ببعض القبائل أو الأيدلوجي الداعي للاستقلال لدى بعض الخريجين.
    الإنتماء لحزب الأمة
    ويفتح الحزب الآن أبوابه على مصراعيها ليشكل بحق "مسار الوسط" السوداني الرابط بين سوداني النيل والغرب، وسوداني الشمال والجنوب، وسوداني التقليد والحداثة، وسوداني الداخل والمهجر وسوداني المرأة والرجل، وسوداني الشباب والمخضرمين.
    فكر حزب الأمة في المولد الجديد:
    بلدان عالم الجنوب تتطلع للنهضة واللحاق بالركب العالمي.. هذه النهضة مربوطة بواقع عالمي معين وآخر إقليمي، ولكنه يبدأ بصحوات ذاتية في تلك البلدان. وفي السودان فإن المولد الجديد مرتبط بصحوة ذاتية للسودانيين تحت ثنائيتين هامتين: ثنائية التحديث والتأصيل. وثنائية الوحدة والتنوع. إن الخريطة الفكرية للحزب في المولد الجديد تحاول الإجابة على الأسئلة التالية: ما هو الواقع العالمي المطلوب؟ وما هو الوضع الإقليمي المنشود؟ وما هي مقومات الصحوة الذاتية؟
    المحور الأول: الواقع العالمي:
    في أعقاب نهاية الحرب الباردة تشكل النظام العالمي الجديد الذي وجدت فيه أطروحة "صدام الحضارات" تربة خصبة مع نهاية الثنائية القطبية والبحث عن منطق عالمي جديد. وتصاعدت الأصوات التي ترشح الصدام المحتمل أن يدور بين حضارتين بالذات هما الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية.. لماذا؟
    أولا: ميزات خاصة بالحضارتين عن غيرهما: أنفردت الحضارتان الإسلامية والغربية بثلاثة أمور هامة هي:
    الأول: الانتشار السريع، والثاني: تجاوز الهوية إلى العالمية. الثالث:إنهما اشتملتا على محتوى سياسي بينما اكتفت الحضارات الأخرى بأن استقرت في الوجدان الروحي والخلقي والثقافة الفنية.. هذه الصفات المشتركة جعلتهما متنافستين وأعطت التنافس بينهما خصوصية، وجعلت مستقبل الصدام والوئام بين الحضارات يدور حول مستقبل العلاقة بينهما.
    ثانيا: تاريخ العلاقة بين الحضارتين: أيضا، تاريخ العلاقة بين الحضارتين يشكل طينة صالحة لمنطق الصدام.. لمدة ألف عام كانت القوة السياسية والعسكرية الإسلامية خطرا مباشرا على وجود واستقلال دول أوروبا الغربية. ومع محافظة دول أوروبا على استقلالها السياسي والعسكري، فإن فكرها وثقافتها وحضارتها استمدت كثيرا من عناصرها ومكوناتها من الحضارة الإسلامية. لهذه الأسباب صارت نظرة الحضارة الغربية للحضارة الإسلامية محملة بأعباء وخصوصيات وآراء ومشاعر مختلفة عن رؤيتها لأية حضارة أخرى. كما شهد تاريخ العلاقة بين الحضارتين أيضا الحروب الصليبية التي ارتكب فيها القادة الأوروبيون أفظع الجرائم بحق العرب والمسلمين، ثم الاستعمار الأوروبي للعالمين العربي والإسلامي وما فيه من مظالم واستغلال.. تاريخ يغذي مشاعر العداء المشتركة. مشاعر تؤججها تيارات الاستعلاء في الغرب وتيارات الانكفاء في العالم الإسلامي.
    إن العالم لا يشكل –في أي من بقاعه- كيانات مقفلة، ففي الغرب تيارات مستنيرة تدرك مصلحة الإنسانية ومصلحتها المستدامة في العدل العالمي والتعاون والحوار، بجاب تيارات الاستعلاء والهيمنة عالية الصوت.
    وفي العالم الإسلامي تيارات مستنيرة تدرك أن مصلحة شعوبها والعالم في سيادة منطق الحوار والتحديث المؤصل، إلى جانب تيارات الانكفاء التقليدية التي تؤجج منطق الصدام، وتيارات الاستلاب التي تدعو للتبعية للغرب وقبوله "بخيره وشره".
    أحداث 11سبتمبر وما بعدها:
    لقد شكلت أحداث 11 سبتمبر الفالقة والفارقة لدى الكثيرين مصداقا لنبوءة "صدام الحضارات" إذ اندفعت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب افغانستان (بتاريخ 7أكتوبر 2001م) فلم تكتف برد العدوان وتعقب الجناة بل خرقت قوانين الحرب العالمية وقصفت بدون تمييز للمدنيين. كما أنها وحلفائها تدخلوا –بعد نهاية الحرب- في تشكيل الحكم الأفغاني بحيث تم إقصاء القوى الإسلامية التقليدية ودفعها لمعسكر طالبان، وجيء بنظام حكم لا يعبر عن التركيبة الأفغانية بقدر ما يعبر عن الأماني الغربية.
    وفي الساعات الأولى من صباح الخميس 20مارس 2003م بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرب العراق الأخيرة بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وبدون الرجوع للشرعية الدولية، وانقسم الشارع العربي والإسلامي إلى تيار شعبي عارم يرفض الحرب ويقف مدافعا عن النظام العراقي بشكل عاطفي متأجج، يقف أو يتقاطع معه التيار الذي أيد من قبل طالبان وحمل صور بن لادن على الرؤوس، ثم تيار لا يرى بدا من التدخل الأجنبي مهما كان مجردا من الشرعية الدولية طالما أنه سيخلص الشعوب من قهر الحكم الديكتاتوري المستبد.
    إن موقف الحزب الفكري والمبدئي من هذه الحرب هي أن كل الخيارات المتاحة الآن في الشارع الإسلامي والعربي (التدخل الأجنبي-الحكم المستبد - والانكفاء الطالباني) خيارات خاطئة، وأن على المسلمين إيجاد خيار رابع: خيار الشعوب والحكم الديمقراطي الخالي من الانكفاء الماضوي الطالباني، ومن التبعية الأجنبية، في ذات الآن.
    هذه الأحداث تضعنا أمام بيت الداء العالمي الآن: سيادة منطق الصراع. والمطلوب - لتجاوز ذلك المنطق وللعمل من أجل نظام عالمي أعدل وأفضل - عملية معقدة متشابكة يمكن الحديث عنها عبر: إصلاح النظام العالمي الذي تتحكم فيه الحضارة الغربية ثم الحديث عن المطلوب من الحضارة الغربية من جهة، والمطلوب من الحضارة الإسلامية من الجهة الأخرى.
    المطلوب لإصلاح النظام العالمي:
    أولا: تجاوز رواسب الحرب العالمية الثانية نهائيا وحسم كل المسائل المتعلقة بها فالذين كانوا يواجهون بعضا في خنادق الحرب اليوم أصدقاء في نطاق سلام واحد والمطلوب أن تقنن الحدود والحقوق نهائيا بحيث لا يسمح بالعودة لظروف ما قبل الحرب. القوى التي خسرت الحرب كألمانيا، واليابان، ينبغي ألا تعامل من الآن فصاعدا على أساس ماضيها ولكن على أساس وضعها الراهن فأجيالها الحالية لا تقبل أن تعاقب على جنايات أجيال سبقت وأي محاولة لفرض ذلك عليهم ستأتي برد فعل مضر للسلام العالمي.
    ثانيا: النظام الدولي الحالي الذي تجسده الأمم المتحدة نظام أقامه المنتصرون وهو نظام خطا بالعلاقات الدولية في الاتجاه الصحيح. ولكن ينبغي الآن على ضوء تجربة الخمسين عاما الماضية، وعلى ضوء آراء الذين لم يشاركوا فيه مشاركة تأسيسية من الدول التي هزمت ودول العالم الجنوبي، أن يراجع ليصبح بحق برلمانا دوليا. كما يراجع تكوين مجلس الأمن ليصبح أداة للسلام والتعاون الدولي عادلة التمثيل للأسرة الدولية. إن الفكر الليبرالي قد وضع مقاييس لكيفية النيابة والقيادة وهي مقاييس عادلة لا يجوز أن تكون المؤسسة الدولية الأولى نابية في تكوينها عنها. في هذا الصدد فإن العالم محتاج بحق إلى شرطة دولية وهو دور ينبغي ألا تقوم به أية دولة منفردة مهما عظمت قوتها ولكن تقوم به الدول ضمن ضوابط النظام الدولي والقانون الدولي. الدور واجب وإهماله تفريط في السلام الدولي وممارسته بضوابط عادلة ضرورة.
    ثالثا: لقد تطورت المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة تطورا صحيا والتزمت بمقاييس التمثيل العادل مثل منظمة الصحة العالمية، منظمة الفاو، اليونسكو، وغيرها ولكن هذه المنظمات أقعدت بها الإمكانات المادية والفنية دون تحقيق درجات أعلى من العطاء. إن مرجعية نظام الأمم المتحدة بحيث يخرج عن كونه ظلا لهيمنة المنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية سوف يوظف موارد مادية أوسع لتمويل المنظمات المتخصصة.. هنالك قضايا خطيرة جدا استجدت على الساحة الدولية وزاد خطرها مثل: الحروب الإقليمية –العنف الدولي- الدين الخارجي- المخدرات- تدهور البيئة- التوازن السكاني- الجفاف والتصحر- الفقر- الأمراض الفتاكة لا سيما الإيدز.
    هذه القضايا ينبغي علاجها في إطار دولي ليتعاون الجميع وفق رؤية متفق عليها لمواجهتها بحزم شديد وكفاءة عالية.
    رابعا: لقد لعب البنك الدولي دورا إيجابيا، كذلك صندوق النقد الدولي ومنظمة القات للتجارة العالمية. ولكن المطلوب تطوير هذه المؤسسات على نحو توصيات برانت- وزيادة- لتناول وحل مشاكل ما كانت في حسبان الذين خططوا لهذه المؤسسات. إن ثروة العالم اليوم قائمة على وجود نظام اقتصادي، ومالي، وتجاري، عالمي حر مستقر. إن النظام الحالي الذي يقعد به أنه منحاز لمصالح مخططيه.
    الآن توجد فرصة كما لم تكن في الماضي أبدا للتخطيط لنظام اقتصادي عالمي حر يرتضيه الجميع بعد أن يشاركوا في التخطيط له ويجنبوه مظالم وأخطاء التجربة التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية.
    خامسا: إن في عالم الجنوب في أمريكا الجنوبية، وفي بعض بلاد آسيا، وفي أفريقيا مشاكل تنموية من نوع خاص في كل إقليم منها بحيث أن أسوأها مشاكل أفريقيا جنوب الصحراء. هذه البلاد تعاني من مشاكل هيكلية لا يمكن حلها إلا في إطار تعاهد بين دولها وجهة دولية متخصصة ومؤهلة، ومشاكل استثمارية ينبغي حلها في إطار تفاوض بين الدول الفقيرة والشركات الاستثمارية العالمية للاتفاق على برنامج استثماري تقبل عليه الشركات وترتضيه الدول المعنية. المطلوب في هذا الصدد هو تكليف هيئة متخصصة مؤهلة لوضع أسس تتعاقد عليها الدول المعنية لإحداث حقنة تنموية لتعالج المشاكل المزمنة في العالم الجنوبي وتنتشله من الهاوية وتعده للمساهمة في بناء حضارة الإنسان. إن العالم الغني المستنير المدرك لوحدة مصير الإنسان مطالب بتطوير نظرته لمشاكل العالم الجنوبي على نمط الأسلوب الذي عالج به مظالم الفقر والتظلم الاجتماعي داخل مجتمعاته الوطنية. أي درجة من الاهتمام أقل من ذلك لا تجدي.
    سادسا: إن للقوة العسكرية حدودا في تحقيق الأهداف السياسية، هذا هو الدرس المستفاد من التجربة الأمريكية في فيتنام وروسيا في أفغانستان. ولا جدوى لسباق التسلح لأن ما تحقق من توازن الرعب جعل كل طرف قادرا على تحطيم الآخر ولا يستفيد البادئ بل كلاهما يواجه مصيرا واحدا هو الدمار الشامل النتيجة لن تكون غالبا ومغلوب ولكن مغلوبين.
    هذه الخطة ذات الستة أضلع هي الأرضية التي تمهد للحوار بين الحضارات بإنهاء أوجه الغبن التنموي والاستعلاء الغربي، ولكنها محتاجة لمتطبات ذهنية للغرب في قبول الآخر واحترامه واحترام دوره وطوعية خياراته الحضارية هي:
    المطلوب من الحضارة الغربية:
    أولا: أن يدرك الغرب ويعترف بأن الحضارة الغربية الحديثة مركبة ساهمت كل حضارات الإنسان السابقة لا سيما الحضارة الإسلامية في تكوينها.
    ثانيا: الاعتراف بأن الحضارات الإنسانية والثقافات الأخرى لها دورها في بناء حاضر ومستقبل الإنسانية، ولا يجوز التعامل معها ككائنات منقرضة أو في طريقها للانقراض الوشيك.
    ثالثا: التسليم بأن منجزات الحضارة الغربية الحديثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية التي نضج عودها في الغرب والصالحة لاستصحاب البشر لها في كافة البلدان، سيتم استصحابها برؤية ذاتية لا بالإكراه، والرؤية الذاتية هذه تشتمل على أقلمة ثقافية واجتماعية تحددها الشعوب المعنية باختيارها.
    رابعا: إدراك أن الظلم الاجتماعي على صعيد الدولة الواحدة مثل الظلم الاجتماعي على صعيد العالم. كلاهما يقوض الاستقرار والسلام. إن إزالة الغبن التنموي عن عالم الجنوب والسعي الحثيث لدعم التنمية في عالم الجنوب المتخلف ضرورة لحفظ السلام العالمي.
    خامسا: إقامة علاقة حوار إيجابي بالحضارات الأخرى عن طريق تبادل الآراء و التعليم المتبادل.
    سادسا: التواصل عن طريق حوار متكافئ قدر المستطاع للاتفاق على غايات إنسانية وأيكولوجية مشتركة.
    سابعا: إدراك أن الغرب كان سببا أساسيا في عدد من بؤر النزاع الساخنة مهما كانت مسئولية الأطراف المحلية عن استمرار تلك البؤر الملتهبة فإن اعتراف الغرب بدوره في تكوينها واستعداده للقيام بدور تكفيري في علاجها أمر هام وعتبة نحو علاقات دولية سليمة وسوية.
    ذلك النهج الغربي المطلوب يشكل لنا بيئة خارجية صالحة. ولكن الأهم منها أن يقف جميع أهل الحضارات وقفة صدق مع الذات يحاسبون أنفسهم ويحسبون أخطائهم لأن تجديد دورهم الفاعل في الحياة يبدأ بصحوة ذاتية.
    الواقع الإسلامي المطلوب:
    الواقع الإسلامي يتطلب صحوة ثقافية وعلمية تسفران عن أقلمة لمنجزات الحضارة الحديثة واستصحابها بصورة مؤصلة في العالم الإسلامي.. ويتطلب اتفاق حد أدنى للمسلمين حول أهم القضايا التي يختلفون حولها وتؤجج الصراع بينهم.
    مجالات الصحوة الثقافية:
    الصحوة الثقافية الإسلامية تشمل تغيير المفاهيم في ستة محاور:
    أ. مفهوم الإسلام إن اعتراف الإسلام بقيمة دينية للأديان الأخرى يعزز خصوصيته على مستوى أعلى من الفهم ولا يجحدها.
    ب. مفهوم المعرفة: الإسلام يذكر ويقر كل وسائل المعرفة الإنسانية: الوحي، الإلهام، العقل، التجربة. النظرة الصحيحة أن نقر وسائل المعرفة الأربع ونقول أن الإنسان يوفق بين نتائج معارفه المتعددة المصادر عن طريق ملكات وهبها الله للإنسان هي: الحكمة والميزان، والقسط. وهي ملكات لا مندوحة عنها للفلاح في الحياة.
    ت. مفهوم الأخلاق: الأخلاق هي مراجع النفس الإنسانية وركائز تماسك المجتمعات، الفكر العلماني يقيم الأخلاق على المنافع، والفكر الإسلامي المنكفئ يقيمها على أوامر الشارع ونواهيه فقط. الفهم الصحيح أن للأخلاق أسس موضوعية تبدأ في أدنى حالاتها بالمماثلة، وتتدرج سموا لتقوم على إثبات المعروف ونفي المنكر، وتسمو لتبلغ درجة الإيثار. هذه أسس موضوعية للأخلاق يقرها الشرع الإسلامي ويسبغ عليها قيمة روحية ويترتب على إتيانها جزاءا أخرويا ورضا إلهيا.
    ث. مفهوم الجهاد: الفهم الضيق للجهاد يجعله قتالا هجوميا.. الجهاد هو بذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله في: نفس الإنسان (الجهاد الأكبر) وفي كل دروب الحياة: الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة، مغالبة الجهل والفقر والمرض، والقتال لاتقاء الفتنة في الدين أو للدفاع عن النفس والأرض والمال والعرض... الجهاد بهذا الفهم الواسع ليس حصة في الحياة إنه كل حياة المسلم، إنه رهبانية الأمة.
    ج. مفهوم الدولة في الإسلام: إن في الإسلام مبادئ سياسية وأحكاما ولكن ليس فيه شكل معينا للدولة. الدول التي حكمت المسلمين في الغالب كانت دولا استبدادية غير آبهة بمبادئ الإسلام السياسية - الشورى، والعدالة، والحرية، والوفاء بالعهد - حتى كاد أن يطوي تلك المبادئ النسيان. أما على الصعيد النظري فقد نشأت نظريات حول الدولة الإسلامية أهمها نظريتان: النظرية السنية، والنظرية الشيعية، هاتان النظريتان لا تصلحان أساسا لدولة عصرية. الدولة هي شعب وأرض وسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، بهذا الفهم لا توجد دولة إسلامية ملزمة للمسلمين، ولكن توجد مبادئ سياسية إسلامية.. إن مبادئ الإسلام السياسية تجعل المسلمين مسئولين عن اختيار الحاكم وهم مسئولون عن محاسبته أي أنه حاكم مدني مفوض أمره للجمهور.
    ح. مفهوم الاقتصاد الإسلامي: المشكلة الاقتصادية واحدة تتعلق بندرة السلع والخدمات وسعة حاجة الناس لهما. الإنتاج الذي تشترك فيه عوامل عديدة: الخامات، ورؤوس الأموال، والأيدي العاملة يسعى لإنتاج السلع والخدمات لكي تلبي حاجة الناس. عملية الإنتاج تواجه مشكلتين، الأولى: اختيار الاستخدامات البديلة للموارد والثانية: توزيع عائد الإنتاج بين العوامل المساهمة فيه. هنالك مبادئ إسلامية ذات محتوى اقتصادي كالتعمير والملكية والتكافل، وهنالك أحكام إسلامية ذات أثر اقتصادي كالزكاة وتحريم الربا، والمواريث، تحول دون تعطيل المال وتساهم في عدالة توزيع الثروة بين الناس. الكثير من أشكال الأحكام الإسلامية ذات المضمون الاقتصادي تحتاج للاجتهاد الذي يأخذ المستجدات في الحسبان ولكي تتحقق مقاصد الشريعة في ظروف العصر الحديث. مهام الفكر والأداء الاقتصادي الآن هي: تحقيق التنمية بمعدلات عالية – - العدالة الاجتماعية- وقيام علاقات اقتصادية دولية في كل المجالات تحقق مصلحة مشتركة لكل أطرافها. آلية الاقتصاد الحديث ستقوم بالدور الأهم في تحقيق التنمية ولكن التنمية تتوقف على دوافع سلوك العنصر البشري. الانضباط الخلقي والسلوك غير الاستهلاكي – وهما من شروط تحقيق التنمية - يعتمدان على قيم خلقية مستفادة من الإسلام.آليات التنمية تركز على الربح والتنافس ولكن العدالة الاجتماعية مطلوبة في حد ذاتها كقيمة خلقية وإنسانية، ومطلوبة لأنها شرط للسلام الاجتماعي وهي من العوامل الغائية التي يحث عليها الإسلام وتتطلبها النظرة الحكيمة للتنمية.. العلاقات الاقتصادية الدولية ينبغي أن تقوم على أسس مصالح متبادلة ومتكافئة، هذه المعاني تجعل العلاقات الاقتصادية الدولية مستدامة وهي تجد من الإسلام على قاعدة (لا تظلمون ولا تظلمون) سندا روحيا خلقيا.
    اتفاق الحد الأدنى الإسلامي:
    بعد تنفيذ شروط الصحوة أعلاه ينبغي أن تجتمع كافة التنظيمات والحركات والتيارات المستنيرة على اتفاق حد أدنى حول المعاني الآتية:
    أولا: الالتزام بالقطعي ورودا والقطعي دلالة من نصوص الوحي في الكتاب والسنة وتحرير الاجتهاد فيما سوى ذلك.
    ثانيا:الاتفاق مع الآخر المذهبي على القطعيات والتسامح معه حول الاجتهادات.
    ثالثا: الأحكام الإسلامية لا تطبق قهرا ولا ارتجالا بل تقننها مؤسسات منتخبة مستهدية باستشارات فقهية فنية.
    رابعا: ثلث المسلمين يعيشون أقليات في بلدان العالم وفي غالبية الأقطار الإسلامية توجد جماعات وطنية ذات أديان خاصة بها. المواطنون في هذه البلدان أهل عهد مواطنة على نمط صحيفة المدينة التي كتبها النبي (ص). المواطنون سواسية في عهد المواطنة. والتعامل بينهم يقوم على (لا إكراه في الدين) وعلى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن..الأية)
    خامسا: الجهاد قائم حتى قيام الساعة والجهاد هادف لتكون كلمة الله هي العليا. وهو قائم بكافة وسائل العمل. ولا يصبح قتالا إلا دفاعا عن النفس على أساس: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير).
    سادسا: العلاقات الدولية تقوم على العهد لا التفرقة بين دار سلام ودار حرب. والعهد يقوم على أساس: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)
    سابعا: نهضة العصر الحديث مؤسسة على ثلاث ثورات: ثورة سياسية حققت كفالة حقوق الإنسان والحريات العامة وثورة اقتصادية حققت التنمية وثروة معرفية حققت حرية البحث العلمي والتكنولوجي. هذه المنجزات ينبغي استصحابها في تحديث مؤصل وليس تبعيا..
    ثامنا: العولمة هي المرحلة الحالية لتطور الإنسانية واستصحابها ضروري واحتواء سلبياتها مطلوب.
    تاسعا: هناك حقائق جديدة كالوطنية، والقومية، للوطنية دور إيجابي كأساس لتنظيم الأمن والتنمية والخدمات، كما للقومية دور إيجابي جمعي تنموي وثقافي. ينبغي التعامل الإيجابي مع الوطنية والقومية ورفض ما قد يلحق بهما من سلبيات نتيجة العصبية.
    عاشرا: وحدة المسلمين هدف مطلوب ويمكن أن يتحقق منه ما يتكامل مع المصالح الوطنية، والقومية والدولية.
    حادي عشر: الغرب ليس كومة صماء، على المسلمين إدراك الوضع الحالي بكل تناقضاته والسعي لإقامة العدالة فيه عبر الدعوة بصوت عال لإزالة المظالم الاقتصادية العالمية الاقتصادية التي تلحق بكل عالم الجنوب والسياسية التي تلحق بالمسلمين على وجه الخصوص.. هذه الدعوة يجب أن تتخندق مع كل يقظى الضمير في العالم، وأن تدرك أن في الغرب بؤرا مستنيرة ترفد دعوتها العادلة.
    ثاني عشر: الشريعة الإسلامية واسعة التطبيق علما بأن هامش الالتزام الإسلامي واسع: يمتد من "الجهر بالكفر" لـ "من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" إلى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" ويمتد من "فاتقوا الله ما استطعتم" إلى "اتقوا الله حق تقاته" ويمتد من "كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة" إلى "وجاهدوا في الله حق جهاده" ويمتد من "لكم دينكم ولي دين" إلى " ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" ويمتد من تعليق أحكام الإسلام في ظروف معينة خوف الفتنة –مثلا رفع الجزية عن نصارى نجران لأسباب سياسية، وتجميد الحدود في عام الرمادة- إلى الالتزام الكامل بها. ويمتد من "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" إلى "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله". ويمتد من تخصيص النص بأسباب النزول أو بظروف معينة، إلى إطلاق النص. التطبيق المطلوب الآن هو ذلك الذي يراعي حقوق المواطنة للآخرين والمغايرة الدينية، ويستصحب مستجدات العصر، ويشرع بوسائل ديمقراطية.
    ثالث عشر: التعامل مع ظاهرة العنف والتطرف الديني يكون بإزالة المؤثرات التي أحدثته، يتم ذلك بالسعي نحو التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وأقلمة الحداثة بخطى ثابتة تشيع الحريات وتوفر الشفافية وتشيع العلم، وتقطع دابر القهر والعنف المضاد.
    التمسك بنهج الاستنارة الإسلامية ضروري لتجفيف منابع الشر والضر.. إن غلبة هذا النهج ضرورية لسيادة الحوار والتعايش بين الحضارات محل الصراع والاحتراب.
    المحور الثاني: الواقع الإقليمي المطلوب
    السودان داخل إقليميه: كان شمال السودان مشدودا لشمال وادي النيل، وكان شرق السودان مشدودا للسودان الغربي والمغرب العربي، وجنوبه مشدودا لشرق ووسط أفريقيا.
    ومنذ حرب التحرير ضد الإمبراطور هيلاسيلاسي والدكتاتور منقستو ظهر عنصر جيوسياسي بشري آخر هو لجوء الإريتريين والأثيوبيين بأعداد كبيرة للسودان الشمالي. وبعد قيام نظام "الإنقاذ" دفعه الهوس لسياسة إقليمية توسعية فتحت أبواب دول الجوار في القرن الأفريقي للمقاومة السودانية بكل فصائلها الشمالية والجنوبية.
    إن التداخل السياسي والبشري بين الشعب السوداني ودول القرن الأفريقي وعوامل أخرى سياسية وعسكرية ودبلوماسية أبرزت وجود فضاء جيوسياسي جديد واسع هو حوض النيل طولا وحزام السافنا عرضا.
    إلى جانب هذه التطورات ظهرت مشروعات تكتل اقتصادي جيوسياسي أوسع تكتل أفريقي بانتيونيلي يمتد من جنوب السودان شمالا إلى جنوب أفريقيا جنوبا على حد تعبير الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني. وتكتل في حوض البحر الأبيض المتوسط يتطلع لمصير متوسطي مشترك لدول الحوض ويحسب شمال السودان جزءا منه. هذان التصوران يقومان على قسمة قديمة لأفريقيا، قسمة أفضت إلى تصورين أيدلوجيين أحدهما يربط الأفريقانية بالعزة الزنجية أو النجرتيود ، وقد بلوره الرئيس السنغالي سنغور والآخر يدعو لأفريقيانية قارية وقد بلوره الرئيس الغاني نكروما. هذان التصوران سوف يتصارعان لتحديد المصير الأفريقي.
    علاوة على هذا الصراع الثقافي الذي تواجهه إفريقيا (بين النجرتيود والإفريقانية)، هنالك تحد ثقافي آخر يواجه الإقليمين العربي والإفريقي. تحد يواجه قيادات الفكر والسياسة فيهما وهو كيفية بلورة خطاب ثقافي يجمع بين الاتجاهات المفرقة في دعوات الإحياء والنهضة مثل العزة الزنجية "النجرتيود"، والأفريقانية، والقومية العربية والصحوة الإسلامية والتي تدور حول الذاتية والعصرية والديمقراطية المؤقلمة والعدل الاجتماعي، والنزعة للتكتل والاتحاد. خطاب ينجح في استقطاب الفئات الحديثة والمثقفة ويلهب الجماهير في المدن والبوادي والأرياف. كبر هذا التحدي يكمن في أن الخطابات المستنيرة في الوطن العربي وأفريقيا غالبا معزولة وصفوية والخطابات الأكثر جماهيرية هي الخطابات الإنكفائية.
    عجز المؤسسات الإقليمية الرسمية:
    وبغض النظر عن الرؤى المتضاربة بشأن الصلات الإقليمية بالسودان فإن الواقع الإقليمي العربي والأفريقي يؤثران على السودان. هناك تحديات في المجال الإقليمي للسودان للشعوب والدول على السواء، هناك مشاكل في المجتمعات العربية والأفريقية تعرقل عطاءها. وهنالك عجز كامل في المؤسسات الرسمية التي أقامتها الدول العربية والأفريقية والإسلامية كجامعة الدول العربية ومؤتمر الدول الإسلامية ومنظمة الوحدة الأفريقية وخلفها الاتحاد الأفريقي وما تفرع من تلك المؤسسات من منظمات متخصصة. هذا العجز ليس ظاهرة خارجية معزولة بل هو مرآة لعجز الدول الأعضاء ومؤسساتها الرسمية. إن المؤسسات الخارجية عاجزة بعجز المؤسسات الداخلية ضعيفة بضعفها لأنها الوليد الشرعي لأحوالها. والدول من جانبها تعكس ضعفا في المجتمعات

    يظهر عجز المؤسسات العربية والأفريقية في مجالات عديدة منها: عجز القرارات المتخذة، ضعف العلاقات البينية، عجز الاجتهاد السياسي بسبب الأوتقراطية وانعدام الشرعية، وانعدام الحيوية بسبب عجز الدول.
    عجز الوساطات الإقليمية وفتح الباب للدور الدولي الغربي بدون توازن يدعوان الوطنيين في هذه الدول للعمل على تجاوز الوضع الإقليمي الحالي في المجالين العربي والأفريقي.
    الإقليم العربي: هناك تعريف للعروبة بالعرق والتعريف الأفضل للعروبة بالثقافة.
    مشاكل المجتمعات العربية:
    غياب الديمقراطية: أكبر مشاكل العالم العربي هو سيادة نظم الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وتقييد الحريات العامة وما يستتبع ذلك من مضار. لقد وضع تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية -المشار له في المقدمة- وضع نظم الحكم العربية من حيث توفر الحكم الصالح بمقياس ديمقراطي في خانة الإدانة. أربع مقولات تحاول دفع هذه الإدانة هي: الأولى مقولة هجومية تعتبر الديمقراطية غزو ثقافي "مع أن رفض المفاهيم والنظم بحجة أنها آتية من مصادر غير إسلامية ينافي مبادئ الإسلام وتجربته التاريخية" والثانية مقولة تبريرية ترى أن الديمقراطية لا تناسبنا بسبب الحرية اللامحدودة مع أنه لا توجد ديمقراطية تعمل بدون سقف، و الثالثة مقولة اعتذارية بأن الديمقراطية تفشل في مجتمعات متخلفة مع أن التجربة أثبتت أن الأوتوقراطية أكثر فشلا ثم الرابعة مقولة تسوق حجة هيكلية مفادها زيف الديمقراطية أصلا واستحالة النيابة، مع أن الديمقراطية هي الطريقة المؤسسة الوحيدة المتاحة لإدارة الاختلافات سوءا المو######## أو الفكرية أو الطبقية الحتمية بين الناس.
    الكساد الاقتصادي: أيضا المجتمعات العربية تعاني من كساد اقتصادي مظاهره ارتفاع نسب النمو السكاني مقارنة بالاقتصادي. بلدان النفط العربية ريعية الاقتصاد- مع ارتفاع نسبة الأموال المغتربة-
    المشاكل الاجتماعية: وتوجد مظاهر اجتماعية سالبة مثل تهميش النساء والشباب والعطالة والتطلع الكبير للهجرة للغرب. الفجوة المعرفية: فالاستثمار في المعرفة في العالم العربي لا يتناسب مع المستوى التنموي في غالب الدول بل هو أقل منها.
    أزمة الحكم في البلاد العربية الإسلامية: نظم الحكم في العالم العربي الإٍسلامي في حصار متعدد الجبهات من: التيارات الحركية الإسلامية ومطالبها - التيارات الليبرالية العلمانية ومطالبها- وتيارات الصحوة الإسلامية، إضافة إلى تعرية التطورات الاستراتيجية في عدة مواقع لنظمها الرسمية، ونهاية رضا الغرب عنها بعد أحداث11 سبتمبر، وحصار المطالب الديمقراطية العالمية.. استمرار هذا الحال كما هو عليه مستحيل. الاحتمالات هي: حيثما توجد مؤسسات مجتمع مدني قوية يمكن حدوث ثورات- أو حدوث انقلابات عسكرية بدعم أجنبي- أو تحول سلمي ديمقراطي.
    المطلوب على الصعيد العربي: الاحتمال المأمون والأفضل هو التحول الديمقراطي المحسوم الذي يوجب التعددية والالتزام بالمواثيق الدولية والتسامح الديني والسياسي واستقلال القضاء والانتخابات النيابية الحرة وتكوين نظم دستورية توفق بين التأصيل والتحديث. هذه الحركة نحو الديمقراطية ينبغي أن تتزامن معها وتدفع باتجاهها حركة داخل الشعوب تستصحب الصحوة الثقافية التي أشرنا لها في المجال الإسلامي، تفتح الباب أمام التحديث المؤصل وتغطي فجوة المعرفة وتساعد على تجاوز العجز الرسمي.
    الإقليم الأفريقي:
    تعريف الأفريقية: يوجد تعريف للأفريقية مربوط باللون أو الاثنية وهو ذلك الذي تدعوا له النجرتيود. التعريف الأشمل للأفريقية هو الأفريقانية وهو تعريف جغرافي يؤكد تنوع الثقافات الأفريقية مع وجودها على ذات القارة بشكل أصيل. في أفريقيا تنوع حضاري لأنه لا توجد حضارة واحدة عامة في أفريقيا شمال وجنوب الصحراء بالنسبة لأفريقيا شمال الصحراء تغلب الحضارة العربية، وفي أفريقيا جنوب الصحراء بالرغم من غياب وحدة حضارية فهناك مراجع تؤكد أن ثمة معالم مشتركة بين اللغات واللهجات الأفريقية، كما أن ثمة عوامل مشتركة بين الأديان الأفريقية. تناولت بعض الدراسات التراث الأفريقي جنوب الصحراء باعتباره مكونا من ثلاثة عناصر هي: الأفريقانية- الإسلام-الحضارة الغربية. هذه المعالم المشتركة سميت الأفريقانية الأفريقانية كونت الذهنية الأفريقية ولونت تعاطي أفريقيا مع المكونات الوافدة وبنفس المنطق يمكن أن تضم ثقافات أفريقيا شمال الصحراء لتياراتها.
    مشاكل أفريقيا:
    ضعف البناء القومي: التكوينات القبلية وضعف الشعور القومي من مشاكل البلدان الأفريقية الظاهرة ويؤدي مع غيره من العوامل إلى الحروب الأهلية ويودي بالاستقرار.
    الفقر والتخلف: تأتي غالبية بلدان القارة في قائمة الدول الأقل نموا (الدول الأقل نموا 49 دولة 33 دولة منها في أفريقيا منها السودان) وتستتبع هذه الحالة انتشار الأمراض والأوبئة أهمها الإيدز الذي يشكل خطرا يتهدد القارة خاصة جنوب الصحراء.
    الحكم الاستبدادي: الواقع الأفريقي أفضل حالا من العربي الإسلامي من هذه الناحية ولكن تبقى الحكومات المستبدة أحد الملامح الموجودة في القارة.
    الانفصام داخل القارة: من أهم المشاكل التي تواجه القارة الانفصام الذي تغذيه رؤى أيدلوجية مختلفة بين شمال القارة وجنوبها، من ما يجعل الجزء الشمالي مشدود للإقليم المتوسطي أو المشرقي بصورة تتجاهل الرابط الجيوسياسي الأفريقي.
    عجز المؤسسات الرسمية: سواء كانت منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقي الذي خلفه وينطبق ذلك على الشراكة الجديدة من أجل التنمية " النيباد"
    بالرغم من بداية النيباد بداية صحيحة بالتركيز على الحكم الصالح والديمقراطية كأساس للتنمية.
    المطلوب على الصعيد الأفريقي:
    أن يكون الحكم الديمقراطي الصالح أساس الشرعية.
    أن تدرك المجتمعات الأفريقية أن طريق النهضة لا يكون باقتفاء أثر الحضارة الغربية أو أي حضارة أخرى، بل لكل حضارة وكل ثقافة طريقها الخاص نحو النهضة، يجب أن يكون الطريق للنهضة إبداعيا وبتشجيع الإبداعية في كل مجالات الحكم والسياسة والفكر والفنون. فتسعى لتأصيل جذورها الثقافية مع عمليات التحديث الضرورية للنهضة. هذا لا يمنع التلاقح الحضاري ولا الاستفادة من الوافد بعد أن يتم تمثله داخل الثقافة المعنية.
    والمطلوب تشجيع التعاون بين شقي القارة والتبشير بمفهوم الأفريقانية. إن حركة التنمية والثقافة والسياسة في القارة مرتبطة حيويا بين شمال القارة وجنوبها، وإغفال هذه الحقيقة غفلة من الدول وتضييع لمصالح الشعوب.
    المحور الثالث الصحوة الذاتية السودانية:
    بعد استعراضنا لما يدعو له الحزب على الصعيدين الدولي والإقليمي يبقى لنا الحديث عن صحوة السودانيين الذاتية، وهي كما هو واضح مربوطة بصحوة إقليمية عربية أفريقية وأخرى عالمية تتأثر بها وتؤثر فيها لأن لما يجري في السودان أصداء على عالميه العربي والأفريقي وأثر على ما يحدث في العالم وأهم محورين من الصحوة الذاتية المطلوبة هما مجال التأصيل والتحديث ومجال الوحدة والتنوع
    ثنائية التأصيل والتحديث: شعوب عالم الجنوب تفجؤها الحضارة الغربية الشمالية بمنجزات إنسانية عظيمة "الحداثة- حقوق الإنسان- دعوة التعايش بين الأديان – دعوة التعايش بين الحضارات-العلاقات الدولية القائمة على السلم والتعاون - الدعوة لسلامة البيئة والعولمة" ولكنها مخلوطة بسمات ذاتية غربية تجعل العولمة في بعض أوجهها نشرا لثقافة التسلية في الغرب. تقع الجماعات في مجتمعات الجنوب في حيرة وانفصام بين جذورها والتجديد الوافد بل يقع الأفراد في تلك المجتمعات أمام تلك الحيرة الخيارات المختلفة التي تتخذها الجماعات والأفراد والفعل ورد الفعل المتبادل بينها يدخل مجتمعات عالم الجنوب في حرب أهلية باردة وساخنة أحيانا تثمر أحداث العنف الديني في مرات عديدة.
    هذا الانفصام يوجد بشكل أكبر يبن البلدان الإسلامية وذلك في حوار الطرشان بين جماعات الاتباع للغرب من جهة وجماعات الانكفاء على الماضي من جهة أخرى والسودان كان في تاريخه الحديث حلبة لهذه الصراعات تفجرت إبان إعلان نظام مايو عن تشريعات سبتمبر 1983م الإسلاموية وتفجرت بصورة أكبر على عهد الإنقاذ والمشروع الحضاري الذي اتخذ نهجا إسلامويا أحاديا نفى الآخر الإسلامي والآخر الملي بشكل حاد.
    إن الحكمة العالمية قد أدركت الآن أن طريق النهضة والتحديث لا يكون عبر تقليد الوافد بل بتلمس طريق إبداعي يستند على الجذور.
    والسودان بحكم تعدد انتماءات أهله الدينية والثقافية والاثنية مؤهل لأن تكون دعوة التأصيل فيه باب للفتن.
    وهو مؤهل لتأجج العاطفة الإسلامية لدى مسلميه، ومنشأه الحديث على يد الدولة المهدية ودعوتها الدينية، وسياسات الاستعمار الثنائي المداهنة للعاطفة الدينية إيثارا لسلامتها، مؤهل لتفجر دعوات التأصيل بصورة عاطفية مرتجلة وغير مدروسة وغير مراعية للعواقب.
    كل هذه الاعتبارات تجعل دعوة التأصيل أمر لا مناص منه لكل أهل الانتماءات الدينية في السودان.
    تقابل دعوة التأصيل دعوة التحديث:
    إن الدعوة للتحديث واستصحاب منجزات الحضارة الحديثة هي من طبيعة الأشياء ولا ينتظر أن توقفها دعاوى التجاهل مهما علت الأصوات التي تنادي بذلك.
    ولكن الدعوة للتحديث يجب أن تنطلق من أرضها، وتعبئ جمهورها.
    وقطاعات الشعب السوداني الجماهيرية قطاعات تقليدية.
    وكذلك نشاطاته الاقتصادية والتعليمية والثقافية والطوعية جزء كبير منها يقع في المناشط التقليدية: الزراعة المطرية، المسيد أو الخلوة، النشاط الفني التقليدي في العمارة والصناعات اليدوية، الرعي، الطريقة الصوفية وبرامجها الاجتماعية، هذه كلها نشاطات تقليدية تشكل حياة الناس في السودان، ولكنها بعيدة عن التخطيط للتطوير وعن الدعم الرسمي.. إن عملية التحديث التي تغفل دور القطاع التقليدي ولا تأبه به إنما تلعب بشعار التحديث وحسب.
    هذا الوضع يتوجب أن تحل ثنائية التحديث والتأصيل فيه بشكل مدروس واع وسابق لتفجر القنابل الموقوتة، أو ضياع الدعوات حسنة النية لسوء التدبير.
    التأصيل: التأصيل لدى السودانيين معناه أن تتلمس كافة الثقافات المتنوعة تأصيل جذورها. التأصيل لدى السوداني المسلم الملتزم واجب مفروض مثل ما هو حق إنساني مشروع ولكن هنالك تأصيل منكفئ وتأصيل مستنير. التأصيل المنكفئ يناقض حقائق العصر، وينكر حقوق الأديان والثقافات الأخرى، ويتناقض مع حقوق المواطنة المتساوية مع الآخرين. أما التأصيل المستنير فإنه يسلم بحقوق المواطنة للكافة ويتعايش مع التعددية الدينية والثقافية
    جماعة الإنقاذ وقد استولوا على السلطة وبرروا العدوانية والعنف باسم الدين خلقوا ردة فعل ضد الإسلام وضد العروبة في الفكر السياسي السوداني. وصار في هذا الفكر اتجاهات واضحة لا تقف عند حد نقد تجاوزات الإنقاذ بل تحاكم الإسلام والعروبة أيضا:
    - اتجاه علماني قوي يرى في إبعاد الإسلام نهائيا من السياسة شرط الاستقرار السياسي في السودان.
    - واتجاه يجعل تخلي عرب السودان عن عروبتهم شرطا لتحقيق الوحدة والسلام.
    التناول الصحيح لهذا الموضوع لا ينطلق من تجاوزات النظام الحالي لمحاكمة الإسلام والعروبة. بل يقف موقفا يضبط العلاقة بين الدين والسياسية والدين والدولة كالتالي:
    إقرار المواطنة أساسا للحقوق الدستورية.
    · ألا يكون هنالك تمييز بسبب الدين أو الثقافة أو الإثنية.
    · ألا يسمح بقيام حزب سياسي يسعى للسلطة السياسية ويستبعد مواطنين آخرين لأسباب دينية أو ثقافية.
    · القوانين التي تطبق على الجميع في البلاد يجب أن تكون مصادرها مقبولة للجميع والقوانين خاصة المصادر يكون تطبيقها خاصا.
    · تراعي الدعوة للتأصيل الإسلامي شروط الصحوة الثقافية الواردة آنفا. وتراعي الدعوة للتأصيل لدى الثقافات الأخرى شروطا مماثلة تعلي من حقوق الإنسان والتعايش بين الأديان.
    · الحركات السياسية التي يغلب عليها الاتجاه الإسلامي تلتزم بنقاط اتفاق الحد الأدنى الواردة آنفا. والحركات السياسية الأخرى التي تتحدث عن أجنحة روحية لكياناتها السياسية تلتزم بكل الشروط الواردة أعلاه.
    · التأصيل الديني حق من حقوق الديانات وتلتزم الجماعات الدينية في سعيها له بالميثاق التالي:
    الميثاق الديني:
    التجربة السودانية بما فيها من نزاعات أوجبت الاتفاق على مجموعة من المواثيق لتكون بمثابة دروس مستفادة من التجربة ولبنات صالحة لبناء الوطن. وفي مجال اتقاء النزاعات الدينية وتثبيت التعايش بين الأديان وكفالة الحقوق الدينية يلتزم جميع أهل الأديان في السودان ويلتفوا حول النقاط التالية :
    أولا: الاعتقاد الديني ضرورة إنسانية. ضرورة للطمأنينة النفسية، وللرقابة الذاتية، ولتحصين الأخلاق، وللتماسك الاجتماعي، ولإقامة هوية جماعية تؤنس وحشة الأفراد.. الإيمان حق إنساني اختياري لا يجوز إجبار الإنسان عليه ولا حرمانه منه لأنه غذاء الضمير فلا يشبع إلا إذا كان اختياريا. إن للحياة الإنسانية معان كثيرة مادية، ومعرفية، واجتماعية، وعاطفية، وجمالية ورياضية، وترفيهية، وبيئية، كذلك إن لها معان روحية وخلقية نزلت بها رسالات الوحي أو تفتقت عنها الفطرة الإنسانية المتطلعة دائما لإيجاد قيم للأشياء ولاكتشاف غاياتها الغيبية.
    ثانيا: لكل دين عقائد وقيم ومبادئ يحددها بوسائله.. هذه العقائد والقيم والمبادئ ينبغي الاعتراف بها كما يحددها أصحابها. وعلى المجتمع كفالة حرية الاعتقاد الديني، وكفالة حق أصحابه في تطبيق شرائعهم وإقامة شعائرهم وتأسيس معابدهم ونشر تعاليمهم دون عائق على أن يلتزموا جميعا بالامتناع عن فرض تلك العقائد بالإكراه أو نشرها بالقوة. وأن يلتزموا بالتعايش مع المذاهب الأخرى داخل الملة الواحدة، ومع العقائد الأخرى بين الملل والدعوة لعقائدهم بالحسنى وبلا إكراه.
    ثالثا: إن الإله الذي تؤمن به الأديان الإبراهيمية الثلاثة واحد مما يسهل أمر التعاون الروحي والخلقي بينها.
    رابعا: أديان الثقافات الأفريقية على تنوعها تؤمن بإله واحد مهيمن وإن اختلطت به رموز تعددية في بعضها، وهي تحرص على مفاهيم التواصل بين أجيال البشر حاضرها وماضيها ومستقبلها، وعلى التواصل بين البشر والبيئة الطبيعية حولهم، ولأصحابها حقوق دينية.
    خامسا: المسيرة الإنسانية أوقعت ظلما على بعض الشرائح الإنسانية: اضطهادا لونيا، ونوعيا، وثقافيا؛ وشرائح إنسانية مستضعفة لصغر سنها أو لكبر سنها أو لأنها معاقة.. إن الضمير الديني يتبنى إنصاف هذه الشرائح دعما للإخاء الإنساني.
    سادسا: إن على الأديان الاعتراف بحرية البحث العلمي واعتبار المعرفة العلمية في مجالها وهو اكتشاف حقائق العالم الحسي الزمان المكاني معرفة تجريبية وعقلية صحيحة.
    سابعا: العولمة باعتبارها سوقا عالميا حرا موحدا بوسائل الاتصال الحديثة تمثل حلقة نافعة وجديدة في تطور الإنسانية ولكن للعولمة سلبيات اجتماعية وبيئوية يجب التخلص منها، كما لا ينبغي إغفال الخصوصيات الدينية والثقافية للبشرية.
    ثامنا: على الصعيد الوطني ينبغي كفالة حرية الأديان، والالتزام بحقوق المواطنة المتساوية كأساس للحقوق الدستورية. ولا يجوز للدستور أو القانون أن يمنح امتيازا أو يفرض حرمانا لأية مجموعة سودانية بسبب انتمائها الديني.
    تاسعا: الالتزام على الصعيد الدولي بمواثيق حقوق الإنسان العالمية والمطالبة بإبراز جذورها الروحية والخلقية ترسيخا لها في النفوس.
    عاشرا: إن للروابط الدينية علاقات أممية ينبغي الاعتراف بها على ألا تكون على حساب حقوق المواطنة المتساوية ولا على حساب المواثيق العالمية لحقوق الإنسان.
    حادي عشر: تكوين آلية مستقلة تمثل الطيف الديني في السودان لمتابعة الالتزام بهذه المبادئ والعمل على أن تكون جزءا لا يتجزأ من اتفاقية السلام العادل.
    التحديث:
    ينبغي أن ترتبط دعوة التحديث بالدعوة للإبداعية والانصراف عن تقليد الوافد بل أقلمته للواقع الثقافي والاجتماعي. مجالات الحضارة الحديثة الواجب استصحابها هي: الحداثة- حقوق الإنسان- التعايش بين الأديان- حوار الحضارات- العلاقات الدولية القائمة على التعاون- سلامة البيئة- العولمة. تستصحب تلك المنجزات بعد أقلمتها للواقع السوداني، وهي تقتضي إقامة النظام السياسي الديمقراطي الحر والشفاف، وصحوة اقتصادية تقيم التنمية الاقتصادية.. كما تقتضي صحوات ثقافية داخل الثقافات السودانية كلها (مجالات الصحوة الثقافية بالنسبة للمسلمين وردت آنفا).
    ينبغي لدعوة التحديث أيضا مراعاة التالي:
    - أن رسالة التحديث التي تغفل دور القطاع التقليدي سواء كان الاقتصاد أو الإدارة أو الثقافة التقليدية لن تحقق النهوض. فالاقتصاد التقليدي مثلا (الزراعة والرعي والصناعات التقليدية) يمثل القطاع الأكبر من حيث الأيدي العاملة فيه والذي يؤدي دوره خارج الرصد وبدون الدعم الرسمي.
    - إن سياسات التعليم والتدريب الحديثة يجب أن توجه جانبا من مقرراتها لتفهم المعرفة التقليدية في مختلف النشاطات، ولتوثيقها.
    - في المقابل، لا بد من وجود خطة لتدريب ناشطي القطاعات التقليدية وتسليحهم بالخبرات الحديثة، سواء أكان ذلك في مجالات الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة والفنون.
    - ضرورة زوال الفجوة بين القطاع الحديث والقطاع التقليدي والاستفادة والحوار والتعلم المتبادل بينهما.
                  

العنوان الكاتب Date
البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:25 AM
  Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:27 AM
    Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:27 AM
    Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:29 AM
      Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:29 AM
        Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:31 AM
          Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:32 AM
            Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي اساسي04-10-06, 04:44 AM
              Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 04:53 AM
                Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي اساسي04-10-06, 05:01 AM
  Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي Adil Osman04-10-06, 04:57 AM
    Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي خالد عويس04-10-06, 05:12 AM
      Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي lana mahdi04-18-06, 07:20 AM
        Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي Rashid Elhag04-18-06, 09:14 AM
  Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي عبد الله عقيد04-18-06, 11:13 AM
    Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي lana mahdi04-18-06, 11:26 AM
  Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي Tariq Sharqawi04-24-06, 01:48 AM
  Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي JAD04-24-06, 08:06 AM
    Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي عبدالرحمن الحلاوي04-25-06, 02:46 AM
      Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي زول ساكت04-25-06, 04:04 AM
        Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي إسماعيل وراق04-25-06, 04:53 AM
  Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي AbuSarah04-25-06, 06:54 AM
    Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي محمد حسن العمدة05-09-06, 05:09 AM
      Re: البرنامج السياسي لحزب الأمة القومي aymen05-09-06, 07:38 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de