|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
عودٌ على بدء إيمانيول ليفناس يهودي فرنسي مولود في لتوانيا قُتلت عائلته بكاملها في محارق الموت النازية في ألمانيا، لذا تعتبر فلسفته رد فعل لما حدث في ألمانيا، وتعني جوهريّاً بالمسائل الأخلاقية إضافة لعنايته بالمباحث المتعلقة بالفكر اليهودي . درس على يد إدموند هوسرل فيلسوف الظاهراتية الشهير وأستاذ هيدجر ويعتبر ليفيناس أول من عرّف الفرنسيين بهوسرل أهم كتبه هي كتاب الشمولية واللاتناهي وفيه يعالج دكتاتورية العقل البشري مبتدئاً من طاليس أول الفلاسفة الإغريق ومقولته الأساس (كل الأشياء من الماء) فينزعج ليفيناس من نزوع هذا العقل ومنذ طفولته الفلسفية إلى دكتاتورية المعرفة والمعاني مما يضعنا أمام مشكلة (مشكلة كل) إنه لا زال يحفظ لطاليس فضلهK كونه أول من لجأ إلى العقل كأداة معرفة وسط عالم كان يرد كل شيء إلى الآلهة، وإنه على العكس من هوميروس وهسيود الذين أنتجا لنا ملاحماً مليئة بالعنف والأساطير أمدّنا طاليس بشيء جديد، بفكرة تستند على مشاهدات في الطبيعة، ذلك أنه على عكس الفهم السائد بأن الله مصدر كل شيء فكّر طاليس في الأسباب المادية عوضاً عن الغيبية لتفسير ألغاز الكون ومصدره، وبالتالي كان في بحثه عن الحقيقة ينظر في ظواهر الطبيعة، يتأمل فيها ثم يعمل فكره وعقله فيما رآه، ليصبح أول شخص في تاريخ الفكر الغربي يعطينا تأويل عقلاني للحقيقة. لكن طاليس في حقيقة الأمر لم يتحرر تماماً من أسرالإسطورة، فقد قال أيضاً أن كل شيء ممتلئاً بالله، مما يعني أنه كان لا يزال متأثراً جداً بالعقائد الدينية الإغريقية بس رغم هذا إخترق الناموس السائد في المعرفة بتوحيل مصدرها من السماء إلى الأرض.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
يقرر ليفناس بأن الفلسفة في التقاليد الغربية إنشغلت بالبحث العقلي عن الحقيقة، ذلك الشبق المعرفي استمر يسعى لمعرفة كل شيء، ولأجل ذلك فتحت حقول متعددة تسعى عبرها لإحتواء كل شيء معرفياً، فتحت حقل الميتافيزيقا وسمته الفلسفة الأولى وفتحت حقل المعرفة المعروف بالإبستمولوجيا وما تلاه من حقول سعياً وراء لإمساك بكل الحقائق، وبالتالي فإنك ترى أن البحوث المعرفية تتناثر في اًالجهات وغايتها التوصل لنظرية تفسر كل شيء، وهذا ما يطلق عليه لفناس شمولية العقل البشري. إن المشاريع الفلسفية في إنطلاقاتها الإبستمولوجية والميتافيزيقية تتحرك مدفوعة برغبة عارمة في الإمساك بكل شيء في الكون أو ورائه، إنها النزوة الفلسفية في التنظير حول حقيقة كل شيء إعتماداً على أجهزة العقل البشري، فإذا أخذنا على سبيل المثال المعلم الأول أرسطو وأول جمله في الميتافيزيقيا يقول" كل البشر بطبيعتهم يرغبون في المعرفة"أيْ أن كل ذات إنسانية تسكنها رغبة في معرفة كل شيء، لذا فطاليس من قبل بدأ المشوار حين قرر أن كل شيء من الماء.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
لقد ذكرنا أن نزعة الشمولية في العقل الإنساني ظهرت مع أول تجلياته أي مع طاليس وإستمرت بعد ذلك بلا إنقطاع. أعقب الفيلسوف الإغريقي إنكسماندر تلميذ طاليس أستاذه في المدرسة الفلسفية الأيونية التي أسسها ودرس أيضاً فيها فيثاغورث. وكما نلاحظ أنّ هذه المدرسة كانت تعني بالبحث في أمور ميتافيزيقية (أصل الكون وأشيائه) . نظر أنكسماندر إلى فكرة طاليس للماء بإعتبارها أصل كل الأشياء، ثم الحجة المقابلة لها والتي طرحها تلميذه الفيلسوف أنكسيمانوس الذي حاجج في مفهوم طاليس عن الماء وإستبدلها بالهواء كأوّل مادة وُجدت ثم وُجدت على متنها الأشياء. إنتقد أنكسماندر فكرتي أستاذه وتلميذمعاً مشيراً إلى أنه لو كانت الأشياء كلها من الماء لإمتازت كل الأشياء بصفة الماء وهي الرطوبة، ولو كانت من الهواء لكان الجفاف طابعها، ثمّ إنتقد الطبيعة كلّها واصفاً لها باللاعدالة لأنها تحرق الناس في الصيف بحرارتها وجفافها، وتعذب الناس في الشتاء ببرودتها ورطوبتها، ثم أضاف لكن يبدو أنّ الماء والهواء كليهما جزء من شيء أكبر ولامحدود، وصفه بالهوة التي ينامان فيها، فيخرج منها الشتاء عندما يغادر إليها الصيف ويخرج منها الصيف عندما تنتهي مدة الشتاء، إنها هوّة اللامنتهى. وهكذا كما يبدو أن إنكسماندر سعى لمجابهة فكرة الشمولية التي ظهرت في فجر الفلسفة الإغريقية بما هو أشمل منها. وفكرة الشمولية هذه والتي تعرضنا لبعض تجلياتها في فجر الفكر الفلسفي مثّلت الحافز العقلاني الذي ظهر في الميتافيزيقا و الأنطولوجيا والإبستمولوجيا هادفاً لطمأنة الذات بأنها ألمّت بخفايا الكون وتجلّى هذا في محاولات تأسيس نظرية تشرح كل شيء، وهذه النزعة نزعة إشكالية لكنها زاملت مسيرة العقل البشري في تاريخ نشاطه كصفة تسفر عن طموح العقل البشري في السيطرة الكاملة على عالمه وما فيه من ظواهر ملغزة (وقد لاحظناها في البوست السابق ميل الفلاسفة الماديين لمحاولة الإفتاء في كل شيء) . كانت هذه المحاولات الفكرية العقلانية بنزعتها الشمولية محاولات مستشكلة في جوهرها، وقد تعرضنا من قبل للنقد الكانطي الذي وجهها إلى هذا العقل الذي يتجاهل حدوده، ولكن كانط حسب ليفناس عمل فقط على نقد هذا النزوع الشمولي للعقل لكنه لم يلتفت لضحامة النزعة الشمولية في العقل وحيويتها للظهور من جديد وبإستمرار زاعمة إدراك كل شيء والمحاججة في كل شيء (الإدمان المعرفي) أي الرغبة في المعرفة دون أي إعتبارات أخلاقية توهماً منه أن واجب المعرفة الوصول لحقيقة كل شيء، ذلك بالرغم من أنّ إستحالة هذه الشمولية قد بدت واضحة للعيان في أكثر من مناسبة. سعى ليفناس لمواجهة هذه الذات البشرية الموهومة وسحب البساط من تحت رجليها حتى تنتبه إلى أن الأرضية التي يجب أن تقف عليها قبل أن تتفلسف ليست أرضية الميتافيزيقا ولا الإبستمولوجيا ولا الأنطولوجيا بل أرضية الأخلاق بإعتبارها الأولوية التي من بعدها يمكننا أن نطلق عنان مباضعنا في جسد الأنطولوجيا، الإبستمولوجيا، فلسفة العلوم وغيرها. لقد كتبت من قبل مقالاً مطولاً إستناداً إلى فلسفة ليفناس وفكرته في الترانسندس التي سنتعرض لها لاحقاً، ويعالج المقال إغتيال الشاب الأبيض جورج زمرمان للفتى الأسود` ذو السبعة عشر عاماً تريفان مارتن، في سانفورد فلوريدا. صوّرت في المقال أنّه عندما نظر زميرمان إلى ترافيان مارتن لم يرى فيه اللامحدودية المطلقة (infinity) الكامنة في الآخر والتي يعالجها ليفناس في فلسفته (عندما تنظر في وجه الآخر لا تستطيع حصر لامحدودية الممكنات التي يمكن أن يعكسها ذلك الوجه). لقد رأى زمرمان في وجه مارتن ما يراه في وجه أو شبح أي شاب أسود يمر ليلاً في شوارع حيٍّ للبيض، تلك الصورة الذهنية النمطية والمحددة مسبقاً (مثلاً لو دخلت إلى شركة ووجدت شخصاً لا تنطبق عليه أبداً تصوراتك لهيئة وشخصية مدير شركة وكان هذا الشخص يقف في الصالة فلن تظن أنه مدير الشركة، رغم أنه قد يكون حقيقة مديرها. أو في مثال آخر قد يظهر لك من وجه أحدهم أنه شخص لئيم ويتضح لك لاحقاً انه أطيب من عرفت). تلقائياً صنف زمرمان ترافيان كشخص مريب، مشبوه، خطر وربما لص. هذا ما وصفه ليفناس بالنزعة الشمولية للعقل البشري، فما كان من زمرمان إلاّ شملنة ماهيّة هذا الآخر حتى قبل أن يتحدث معه، حتى قبل أن يهاجمه، لأنه مسبقاً شملن ماهيته، وذلك على خلفية عقود، بل عصور من الثقافة الإجتماعية والسياسية في إميركا التي عملت على تصنيف شبح الجسد الأسود كشخص مثير للريبة، وهذا البعد الإجتماعي للشملنة كان ولا يزال فعالاً جداً، لذا فبدلاً من أن يفكر في العدد اللانهائي من الهويات والصفات والعلاقات التي قد تنطبق على الفتى ترافيان (إنه ابن أحدهم واخ احدهم وحبيب إحداهن وزميل إحداهن وصديق آخرين، وقد يكون أول دفعته أو أمهر فريقه أوعائل أمه الوحيدة والمريضة أو أو أو.....) لقد غُيبت عن زمرمان كل تلك العلاقات والإحتمالات الممكنة غُيبت عن إعتبار ترافيان بأنه آخر، لأنه مسبقاً عرفه وشملنه في عبارة واحدة (شخص مريب) وألاحظ هذه الشملنة تحدث كثيراً في هذا المنبر فقط بسبب الكره السياسي (ما علينا). المهم قرّر زمرمان أن يقيم الحدعلى ترافيان أي لجأ للعنف المادي كمرحلة تالية للعنف الإصطلاحي، والمصطلحات حسب كانط تعمل ضمن إطار زمكاني محدد، فمثلاً عندما يستعمل مصطلح قطة سيولد ذلك صورة ذهنية محددة للقطة أي كائن محدود بالزمان والمكان، وعندما نستعمل مصطلح كلب سيحدث نفس الشيء. كذلك عندما يُطلق مصطلح فتى أسود يمر بشوارع الأحياء البيضاء ليلاً، فإن الصورة الذهنية المتولدة في دماغ ومشاعر زمرمان هي صورة الشخص المريب وربما المجرم. قد يكون ذلك صحيح نظرياً في المستوى المعرفي الإبستمولوجي المرتبط بالمعرفة العلمية، ولكنني بنيت حجتي في مقال ترافيان مارتن على أن هذا الشكل من التأسيس المفاهيمي يحدث ضمن سياقات إجتماعية وسياسية تمثل فيها الصورة الدهنية حضوراً بالنيابة عن مصدرها، في حضورهم وغيابهم، وعندما يظهرون في أي مكان فالصورة الذهنية تكون مسبقاً قد سبقتهم، وما المطلوب إلا إتحادهما معاً حتى تحدث ردود الفعل العنيفة. لذا فإنّ الخطورة الحقيقية للعنف ليست في تجلياته المادية لكن في إرغامه للآخر أن يتمثل صورة لا تمثل حقيقته وترغمه حتى أن يتوه عن نفسه، ففي اللحظة التي هوجم فيها ترافيان تحول فعلاً لشخص عنيف يدافع عن نفسه بكل ما يملك من قوة. فرانز فانون رسم صورة مشابهة من قبل في كتابه المترجم للعربية (جلد أسود وأقنعة بيضاء). سنرجع لموضوعنا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
يحاول ليفناس التحليق بالأخلاق إلى حدود المتعالي، إلى أبعد من حدود المعقول. طبعاً من قبل قامت مثالية إفلاطون على مفهوم المُثُل والتي شرحها في أوليغورية الكهف بأن ما الحياة الدنيا إلا ظلال لعالم آخر، عالم الحقيقة أو لنقل المُثُل، ونطق بمقولته المشهورة بأن الخير يقبع وراء الوجود (على هذه الأرضية تطورت جميع الفلسفات المثالية والفكر الفلسفي الديني في الأديان الثلاث) هنا أظن أن ليفناس يرتكز بقوة على إفلاطون وهو يطرح مفهومه بأن الأخلاق ليست أبداً موضوع المحايث بل هي موضوع المتعالي، وهي ما وراء المقاربة واللمس. المحايثة كانت كما نذكر موضوع وجودية هيدجر وظواهرية (أو إن شئنا إبستمولوجية) هوسرل، وسنتعرض في مداخلات قادمة للنقد الضروس الذي أكرم به ليفناس الفيلسوفين بحسبان أن توجههما لا يمثل إلا نزعة الشملنة والإحتواء التقليدية في تاريخ الفكر الفلسفي، وسيركب ليفناس عندها على القاطرة الإفلاطونية لتجاوز جغرافية فلسفتيهما، إضافة لتوائمه مع فكرة اللامحدود الديكارتية، لا سيما قول ديكارت (بأن حدسه يستشعر الله كلامحدود حقيقة، للدرجة التي لا تحتاج الفكرة التي يستشعرها إلى أي شيءٍ يزيدها كمالاً أوجلالاً) وفكرة اللامحدود الديكارتي هذه قريبة من فكرة المتعالي وأيضاً تتجلى في فكرة القوة والإرادة الحرة غير الموسومة بثنائيات الخير والشر الحقيقة والباطل لأنها تصدر عن المتعالي ولا يصدرعنها ، بينما الإرادة في المحدود مضمنة في هذه الثنائيات، مع الإشارة إلى أن ديكارت يرى بأن إرادة الإنسان غير محدودة أيضاً، رغم بشريتها ومحايثتها، وهذه الفكرة الأخيرة هي التي حفزت فكرة اللامحدود عند فختة، شلنج وهيجل (فلاسفة المثالية الألمانية). كذلك فكرة إرادة القوة عند نيتشة توصف مجاوزة الإنسان العادي إلى السوبرمان في محاولة لدمج المحدود في اللامحدود خارج نطاق أي مواضعة عملية، لذا تبقى مجرد فكرة بدون أي أمكانية تشخُّص وتجسُّد. هنا يؤسس ليفناس أرضية لنقد محدد لفكرة اللامحدود ويعرض كما في المداخلة القادمة تصوره الخاص
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
في التفسير أو قل التنظير الليفناسي لمفهوم اللامحدود يبدأ بتأسيس قاعدة مفادها أن الهدف الرئيسي لوجود المحدود هو اللامحدود ( وهي فكرة تتقاطع مع فكرة الأديان وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) لكن ما المقصود بالمحدود واللامحدود عند ليفناس؟ المحدود عنده هو الذات والأنا واللامحدود هو الآخر. نلاحظ في العقل العملي عند كانط أنّه بالرغم من وجود الآخر مع الأنا في الوجود عنده، إلاّ أنه يولي الأهمية الكبرى للذات، لأن وجود الآخرعنده هو وجود عرضي في عالم الذات، وكل عنايته هنا بالذات وواجبه الوجودي. بينما ليفناس يعكس الآية تماماً فالذات هي العرضية والأخر هو محط الأهمية كلها. لليفناس تنظير في مفهوم الذاتية يسميه الإنابة (التعويض أو الإستبدال) حيث الذات يمكن التعويض عنها أو تجاوزها أما الآخر فيستعصي على التجاوز (الفرق بين فلسفة ديكارت والأديان فيما يختص مفهوم الله أن الأديان وديكارت تربط هذا المفهوم بالعالم الآخر وجود الله خارج العالم المحدود وحدوث الجزاء في العالم الآخر، بينما ليفناس لا يهتم بعالم خارجي وآخر بل يهتم بالهنا ولآن) ليفناس يريد نقل معركة الروح للوجود الإنساني المادي أو أن يكسو الروح عظماً ولحماً في فضاء البيذاتية. في الثيولوجي المسيحي نجد (بداية إنجيل يوحنا ) عبارة " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " ومقابل مفردة الكلمة عند الأغاريق مفردة اللوغوس(العقل، العقلانية، المصطلح) وفي نفس الإنجيل (القوسبل) لاحقاً نجد عبارة " والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا." نلاحظ هذه النقلة من المستوى الإصطلاحي هنا في الإنجيل إلى مستوى التجسد الإنساني. لاحظ كيف كُسيت المفردة لوغوس لحماً وعظم وصارت بشراًيمشي بين الناس (للأستاذ محمود محمد طه مقاربة قريبة من ذلك). هنا إذا عدنا إلى ليفناس ومدلول الله عنده، نجده يختزال المفهوم إلى مستوى العلاقة. يمكننا أن نلاحظ أن مصطلح الله يشتغل عند ليفناس في مسار معرفي وميتافيزيقي معاً يرتبط بنزعة الشملنة والإحتواء الملازمة للمسارين والتي تبعد بعيداً بالمعرفة من دلالتها المرتبطة بالجسد البشري والتواصل البشري، وهو الأمر الذي يأخذ ليفناس على عاتقه مقاومته وإستعادة اللوغوس والله إلى فضاء علاقة الوجه بالوجه.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
ظهر اللوغوس عند الأغاريق القدماء كمفردة ومصطلح مجرّد، استعمل في معاني ودلالات غاية في الأهمية والتعدد، منها الكلمة والمفهوم والخطاب والعقل وغيرها، لكنها كانت مجرد مصطلحات نظرية. أحدثت المسيحية بعد ذلك نقلة عجيبة ومثيرة في دلالة المصطلح، وإن لم تخلو من إشكالات، وذلك عندما تم تجسيد وتحويل المفردة المجرّدة اللوغوس (الكلمة) إلى (جسد)كما أسلفنا رافعة من قيمة وحرارة المفردة إلى هكتارات من الأخيلة. ظهرت هذه العملية في إفتتاحية إنجيل يوحناعندما أصبحت الكلمة هي البداية، بداية كل شيء، وهذه الكلمة أصبحت جسد المسيح، الذي هو الرّب الأبن. تم تحويل المجرد إلى محسوس (مع أن أي دين في النهاية لا يعدو جملة تصورات قيمية مجردة لا تخضع للعقل أو الحس) إلا أنه بهذه الخطوة المثيرة والذكية جداً تم هذا التحويل، وقد دُشِّن رسمياً ضمن ما يعرف بطقس الأفخارستيا (الذي تم إعتباره لاحقاً أحد الأسرار السبعة المقدسة في المسيحية، مع إختلافات بسيطة في النظرة بين كنيسة وأخرى) يحكي طقس الأفخارستيا (طقس الشُّكرEucharistia)عن المناسبة التي تم فيها تحويل من نوع آخر في المفهوم، فبعد أن تحولت الكلمة إلى جسد المسيح، يتحول جسد المسيح إلى الخبز الذي نأكله ويتحوّل دمه إلى النبيذ الذي نشربه، كناية عن تجديدنا لفكرة وذكرى تعذيب المسيح وصلبه، أي تضحيته لأجل الإنسانية، وممارسة الطقس هي ممارسة لفعل الشكر (ضمن عملية تعرف بالإستحوالية transubstantiation) ، بإعتبار أن الخبز والنبيذ الذي يتم تناوله في هذا الطقس يمثّل حلول المسيح فيه حقيقة بجسده ودمه، مقرباً نفسه مرة أخرى بواسطة المتعبد لله لأبيه الذي في السماء. لقد تمّ تدشين هذه المعاني في مناسبة عشاء سرِّي جمعت بين المسيح وتلاميذه الإحدى عشر في أول لقاء له معهم في الكنيسة عقب ما تعرض له، وقدّم لهم في هذا العشاء خبزاً ونبيذاً مشيراً إلى أن الخبز يمثل لحمه والنبيذ دمه الذي بُذل حينما تم تعذيبه. هكذا تم تدشين هذا الطقس، طقس القداس التعبدي الذي كان له أن يستمر كإشارة لذبيحة الصليب عبر الأجيال (حتى مجيئ المسيح). وفي هذا الطقس أو الوليمة الفصحية يأكل قطعة صغيرة ورقيقة من الخبز تعرف بالـبرشان ويغمسون قطعة الخبز في القليل من النبيذ مجددين ذكرى الفداء (والتي تشبه بعض الشيء قصة فداء إسماعيل بأضحية الأنعام عند المسلمين). أعاد مجمع ترينت في القرن السادس عشر والذي دعا إلى انعقاده البابا بولس الثالث في روما إلى تأكيد مبدأ هذا التحوُّل الجوهري(الإستحوالية) ولكن المؤمنون بالنظرية الذرية وكان من ضمنهم جاليليو أوقعوا أنفسهم في مطبات شرعية بسبب نفيهم للأسس الفلسفية لطقس الأفخارستيا، أي نفي تحول الخبز والنبيذ فعليّاً للحم ودم المسيح، وتأويل التحول الجوهري تأويل مجازي. كانت تهمة إنتماء جاليليو للمجموعة تهمة كافية لإعدامه لا سيما وأن جمعية الرهبانيين اليوسعيين التي شجّع المجمع على تأسيسها كجزء من الإصلاح الكاثوليكي المضاد للإصلاح اللوثري ولصعود البروستانتية حملت على عاتقها مهمة حراسة العقيدة، فبالرغم من أنّ أعضائها كانوا بالغي النشاط في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات والفنون والترجمة وكانوا على صلة بالأبحاث الفلكية الكوبرنيكية (لم تكن النظرية الكوبرنيكية عن مركزية الشمس تمس أمور عقائدية إستراتيجية بالنسبة لليسوعيين) لكنّهم هم من تولّى إثم الحملة ضد جاليليو وكل مناهضي الفهم الأفخارستي. لم يكن السبب الأساسي لمحاكمة جاليليو هو إعلانه تأييد نظرية كوبرنيكوس عن مركزية الشمس في الكون، لكن كان بسبب إيمانه بالنظرية الذرية والتي على إثرها حيكت مؤامرة يسوعية في روما بقصد القضاء عليه لولا إنحياز البابا له (بمقتضى الصداقة التي جمعتهما) وتركيزه التهمة في القول بمركزية الشمس على الأرض مخفّضاً بذلك التهمة والعقاب. المفردة التي تقابل اللحم في الإغريقية هي مفردة ساركس (sarx) ولكن المفردة التي تحولت إلى لحم في المسيحية هي اللوغوس. لعلنا نكون منتبهين بالرغم من هذا التجسيد إلاّ أنّ الفكر الديني يكاد ينحصر كله في مستوى المفاهيم و الإصطلاحات النظريّة الشارحةً للعقائد والشرائع التي يطرحها ذلك الدين المعيّن. ولعل هذا هو سبب الورطة الأفخارستية التي حاولت تجسيد ما لا يحتمل الوعي البشري كيمياء تجسيده وهي مثل الورطة التي نشهدها في واقعنا اليوم عندما تُروى هذه الشرائع حد التشبع بالقداسة ثم تستولد مشاريع سياسية ضرورية وعملية مما يورط الأديان في حرج أخلاقي لأن الكلمة لا تتحول إلى لحم ودم وإلا لصارت الدنيا نعيماً مع الإنتقال من برودة المصطلح إلى حرارة الجسد وهذا هو الميدان الذي تلعب فيه الفلسفة الليفانسية، ميدان تجسيد المجرد، تمكين فكرة الإله (اللّامحدود) إلى بشرٍ يمشي على قدمين، إستحوال ما لا يرى إلى ما يرى (ربما ليضع حدّاً لأنانية الذات التي حولت حياة البشرية إلى ما لا يطاق) ويرسخ تلك الدرجة من الأهمية العالية جداً من الإلزام الأخلاقي الواجب توفرها في الذات، كل الذوات عند التعامل مع الآخرين بغض النظر عن هوية هذا الآخر، ملاكاً كان أو إبليساً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
قاريء ليفناس يلاحظ أنه يرسم صورة للعلاقة، أو حتى التعاطي بأي شكل بين الذات والآخر، لا تُرى فيه الذات وهي على قدم المساواة مع الآخر، بل هي علاقة أقرب إلي علاقة السيد والمسود أو علاقة السيد والعبد في فلسفة الذات الهيجلية. وضح أن القيمة النّظرية لأخلاق تقوم على الإحترام المبالغ للآخر قيمة جليلة، وقد تمنع كثير من الجرائم الإنسانية، لكن إمكانيات تطبيقها هي السؤال عالي التكلفة!! أقول أن القيمة النظرية قيمة جليلة وأنا أقف على تاريخ البشرية في كل الأماكن والأزمان وأتعجب كيف أن هذا التاريخ يكتنز بقصص استعباد الآخر وقتل الآخر على الهوية وعمليات الشنق على الأشجار بدون محاكمات LYNCHING والهولوكوست وإستهداف أطفال ونساء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والمذابح العرقية في رواندا وليبيريا وسيراليون وقمع المتظاهرين في رابعة العدوية وما شابه ذلك من الحركات الإحتجاجية والتظاهرات في شوارع كل البلاد التي تحكمها نظم شمولية (قد تحتج الأنظمة المتسلطة بأن المتظاهرين يمارسون العنف أيضاً، ونقول لهم بلى! ولكن عنف المتظاهرين هو عنف مقاومة بينما عنف السلطة عنف قمع. بالطبع ليفناس كل أشكال العنفن بينما يؤيد المعلم الأول أرسطو عنف المقاومة) وأزيد على ذلك تراجيديا مراكب الموت التي تحمل الشباب الذي يسعى للتسلل لأوروبا و ما تتم التغطية عليه من عمليات الإستهداف اللا إنساني لهؤلاء الشبان والشابات. كل هذه الأمثلة هي عنف موجه ضد الآخر، و ضد رؤيته للعالم وحلمه بعالم مسالم يحتمله ويحتمل كل الناس غيره. الفرق بين الأخلاق عند ليفناس والنظريات الأخلاقية التقليدية هو أن هذه النظريات تؤسس الأخلاق على العقل، بينما ليفناس يريد أن يبيّن أنه مع كامل الإحترام للمعرفة والميتافيريقيا والأديان والديانتولوجي، إلا إنها كلها يجب أن تجلس في المقاعد الخلفية بالنسبة للأخلاق، حيث أنه يرى أن مشكلة نظريات الأخلاق التقليدية تكمن في أنها تُجلِس الأخلاق على المقاعد الخلفية مؤسسة على العقل والأديان وغيرها، وذلك لا يجوز عنده، لأنه يرى أن الأخلاق لا يمكن أن تؤسس أبداً على العقل وهو الذي أدى بالبشرية إلى جملة معتبرة من المشاكل الوجودية، وبالتالي يصر ليفناس على إجلاس العقل في المقاعد الخلفية لتأتي الأخلاق أولاً. يضيف ليفناس من ناحية أخرى أن العقل بطابعه ينزع للشمولية ومن المفارقة أن تصدر عنه ما ينتفي ويتقاطع مع الشمولية. هذه النزعة الشمولية هي ما دعت هابرمس وماركوزة وأدورنو وبنجامين في مدرسة فرانكفورت النقدية إلى النقد المبين للعقل بتجلياته المختلفة الأداتي منها والعملي، بهدف إستعدال الحداثة مقابل الدعوات التي تقف موقفاً مضاداً ومحرضاً على العقل كما عند نيتشة وهايدغر وبونتي ودريدا. وهنالك حوارات عديدة بين جل هؤلاء وليفناس ربما نتناول كثيراً منها. ليفناس يرى بأن أولويتي كإنسان ليست اللغة، ليست اللوغوس، ليست كلمة أسعى لإحتوائها وشملنتها، لكنها تقع في وجوه الآخرين، وجه الآخر الذي أرى نفسي مسئولاً عن توفر كل حالات الأمان والإسعاد له، ثم من بعد ذلك لا توجد مشكلة في تعاطي المعرفة، الدين والحاجات الوجودية بعد أن تنطلق كلها من أرضية أولويتها تأمين الإلتزامات الأخلاقية للذات تجاه الآخر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
الإعتراض الأساسي لليفناس على العقلانية كأرضية تتأسس عليها الأخلاق كما هو الحال في نظرية كانط الأخلاقية (مفهوم الواجب الأخلاقي أو الأخلاق كواجب عقلاني) هو أنه يرتعب من الشوائب التي تشوب هذه العقلانية وأهمها ظاهرة النزوع اللاعقلاني للعقل، والنزوع الشمولي للعقل. لذا فليفناس كما ذكرنا يريد أن يعكس المعادلة و كي يحفظ للعقل مكانته بشرط أن يتأسس العقل على الأخلاق وليس العكس. عند ليفناس تصبح الأولوية لوجه الآخر وإلتزامنا الأخلاقي نحوه، وليس للوعي الذاتي الذي يقررالموقف المريح له مع أي شخص على حدا، فهناك من يحب ويستلطف وهناك من يبغض وينفر منه. الوعي الذاتي يسعى دائماً لوضع الذات فوق الآخر، مستعملاً أحياناً حتى غير المشروع من الوسائل لتحقيق غايته. هنالك كتاب لميرندا فركر بعنوان سلطة وأخلاق المعرفة "Epistemic Injustice: Power and the Ethics of Knowing" موجود بالمكتبات وهي تتحدث في هذا الكتاب عن الطرق المختلفة التي نستعملها لنُخرس بها الآخرين أو نستتفه ما يقولون (وأحياناً حتى قبل أن ينطقوا ببنت شفة) من منطلق فكرتنا المسبقة بأننا أعلم منهم أو أنهم جهلة، أو لأننا أثناء الحوار أو الجدل معهم لا يهمنا المحتوى، لكن يهمنا من الغالب أو المغلوب فيه. المشكلة أنه في أحيان كثيرة تكون المرجعية التي ننطلق منها في إستتفاه الآخرين هي صورة نمطية أو تنميطية إجتماعياً وسياسياً للآخر. تستخدم ميرندا في كتابها أساليب تحليلية وتفكيكية في مقاربة هذي المرجعيات فتكتب تحت عنوان إثبات المظلمة (Testimony of Injustice) مشيرة إلى أن دلائل عنف الذات تجاه الآخر متوفرة جداً في تفاعلاتنا اليومية مع الآخرين (مع زملائنا و خدامنا و أطفالنا) فنسفه بإستمرار ما يقولو، ونتجاوزهم أو لا نصغي لهم أو نقاطعهم قبل أن يكملوا توصيل فكرتهم، مسبّبين الأذى النفسي لهم. تشير ميرندا إلى أن هذا كثيراً ما يحدث للنساء (من أزواجهن أو غير أزواجهن) وللأقليات من المنتمين للطبقات الإجتماعية الدنيا (تحضرني هنا قصة حكاها ناشط إمريكي أبيض من المدافعين عن حقوق السود في إمريكا ليعبر عن مدى تغلغل العنصرية في الوعي الباطن للإنسان. يقول هذا الناشط إنه عندما ركب الطيارة كالعادة في سفرياته الكثيرة رأى بأن الكابتن الذي سيقود الطائرة هذه المرة رجل أسود، يقول فلبستني للتو حالة من عدم الإرتياح وجالت بذهني خاطرة عن هل بإمكان هذا الكابتن قيادة الطائرة بأمان، لكنني أيقظت وعيِ الحاضر وطفيت الهواجس زاجراً نفسي الأمارة). من جهة أخرى تتحدث ميرندا أيضاً عن الظلم والعنف اللغوي التأويلي: ” when there is a dearth of conceptual resources such that we are unable to give certain unjust behaviors a name and thus we are unable to interpret those behaviors through socially grounded conceptual filters that will enable us to redress wrongs there is a hermeneutical injustice” مشيرة إلى أننا ننفد بجلدنا ونحن نمارس العنف اللغوي تجاه الآخر لأن اللغة نفسها توفر الكثير من المصطلحات التي تعمل على التغطية على ذلك وندرة في المفاهيم والمصطلحات الناهية عن ذلك فلا تتوفر لنا الفلاتر المفاهيمية التي تصنع إجتماعية وسياسية تمككنا من تصحيح هذه السلوكيات المسيئة. وأضرب مثلاً هنا بسلوكيات الرجال ضد النساء في العمل (لا سيما في المستشفيات السودانية كممرضات) قبل ثلاثين سنة أو أكثر، فقد كانت النساء العاملات في مختلف المرافق يتعرضن للكثير من التحرشات الجنسية، لكن لم توفر اللغة آنذاك أي مصطلحات كما يتوفر الآن تحت مسميات (التحرش) مما جعل النساء في وضعية ضعيفة بدون أي سند إجتماعي أو سياسي، بينما وفّرت اللغة كل المصطلحات اللازمة لإمتهان من تعمل في هذه المهن وقد حكت لي الخالة دوما (رد الله قلمها وطلتها المحببة لنا للبورد هي والأخت بيان)الكثير من أشكال القسوة التي كان المجتمع يوجهها لمن تخرج وتعمل لأنها هي العائل الوحيد لأطفالها. لكننا نلاحظ أنه مع مرور الوقت والتعليم والعولمة وضغط الناشطات في الحركات النسوية طرأت تحولات على اللغة وفي المواقف الاجتماعية فأصبحت هذه السلوكيات تعرف بالتحرش بالنساء والأطفال وأظن أن هنالك نصوص قانونية تعاقب عليها الآن بالسودان. أما المقيمون في إمريكا فالصورة أوضح حيث أنه قبل ستين سنة لم تكن هنالك مصطلحات التحرش الجنسي لكن أنظروا ما يحدث الآن ضمن ظاهرة ال me too movement
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
إذا مررنا على مفهوم الحقيقة على سبيل المثال في المذاهب الفلسفية التي تدعي أولوية مشاريعها على ما عداها، نجد أن تعريف الوضعيين المنطقيين للحقيقة (وهم أهم التيارات الفلسفية للحداثة التي ناصبت الميتافيزيقا العداء وإحتفت بالعلم ومركزية الإنسان في الكون) والحقيقة عندهم تعتمد بالكامل على ما يعرف بالمماثلة والمطابقة ( حقيقة أي عبارة تكمن في إنطباقها زي الصورة الفوتغرافية أو عدمه على موضوعها التي تشترط وجوده وجوداً مادياً) وبالتالي فإن أيّ عبارة ينطقها الإنسان تكون إما صحيحة أو غير صحيحة حسب قابليتها للمقارنة بحالة خارجية محسوسة (حاجة موجودة في عالمنا). هنالك مقال شهير بعنوان "إنهاء الميتافيزيقا عبر التحليل التحليل المنطقي للغة" كتبه أحد أكبر رموز الوضعية المنطقية (حلقة فينا) رودلف كارناب، وهو يحاجج في هذه المقالة بأن أيّ عبارة حتى يكون لها معنى يجب أن تكون قابلة للحكم عليها بأنها إما صحيحة أو خطأ، أما إذا كانت العبارة لا صحيحة ولا خطأ فهي عبارة لا معنى لها. مثلاً إذا قلت أن غالبية الشباب السودانيين يحبون الإستماع لغناء مصطفى سيد أحمد، هنالك إحتمال كبير أن تكون هذه العبارة صحيحة، لكن حتى لو كانت خاطئة تبقى عبارة ذات معنى، لكن لو قلت لك أن الله يحبك، فعند كارناب هذه العبارة غير قابلة للمقارنة بحالة خارجية محسوسة (حاجة موجودة في عالمنا). الحقيقة كارناب هدفه من هذا التحليل المنطقي للغة إستبعاد كل الميتافيزيقيات من حلبة النقاش. ليس ذلك فحسب بل أنه يتوسع في المقالة للتصريح بمساعيه أيضاً لإستبعاد الأخلاق عن أي نقاش بإعتبارها وهماً. نخلص هنا إلى أن ماهية الحقيقة حسب فلاسفة الحداثة الأُوَل (الوضعية المنطقية) تتحدد بتبريرات معرفية (إبستمولوجية)مفادهاهل يمكن لأي عبارة نقولها الإنطباق على شيء خارجي موجود في كوننا. الوجوديون وأكثر منهم أعضاء مدرسة فرانكفورت للفلسفة الإجتماعية (أدورنو، ماركوزة، بنيامين، وهابرماس) لهم رأي مخالف. هيدجر مثلاً في تنظيره لما هي الحقيقة (مفهوم الحقيقة بالمناسبة مثّل أهم القضايا التي تفرقت فيها السُّبل بتيارات الفلسفة القاريةcontenental philosophy) يقول هايدجر في أهم كتاب له (الكينونة والزمن) منطلقاً من مرجعية فكره الوجودي، ومستنداً على الفلاسفة الأغاريق القدماء خاصة هيريقليتس وبارميندي أن الحقيقة هي الأليثيا aletheia أي الإنكشاف أو الإنفتاح unconcealment أي تكشف أو تفتح أو تزيح الستار والحجب عن الشيء المحتجب. الفرق بين مفهوم الحقيقة عند كارناب وهيدجر يشرحه الأخير بمثال أورده في كتابه (الكينونة والزمن) يقول فيه"إذا ما قلت أن الدهان على هذا الجدار معمول برداءة، فإن الوضعيين المنطقيين سيردون، هل هنالك جدار؟ وهل هذا الجدار مدهون؟ وهل الدهان معمول برداءة؟ إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة إذن العبارة صحيحة ولها معنى، لكن هايدجر ير على المفهوم الوضعي للحقيقة قائلاً أننا لا نستطيع أن نحدد معنى تلكم العبارة حتى أكشف تلك الشبكة الكائنة من المعاني بحيث أعرف أولاً ما معنى جدار، ثم ثانياً ما معنى دهان وأخيراً لا بد أن أعرف كيف يكون الدهان رديئاً. لذا هايدجر لا يعبأ كثيراً بكون العبارة مطابقة ببساطة لموضوعها لأنه بالنسبة له إن الديزاين (الإنسان المنهمك في أشغاله اليومية) هو داخل العالم كما يكون الحبر في الماء، إتصال لا ينفصل عن كونه بحيث نبحث عن مطابقة شيء خارج الإنسان لما قاله الإنسان في عبارته. لذا عندما يتحدث هايدجر عن الحقيقة يتحدث عنها بدلالة الكشف عن تلك الشبكة والأبينة من المعاني التي تعتمد بدرجة كبيرة على التعريقات والمصطلحات التي يبدعها الإنسان حتى يجعل من الكون عالم ذو معنى له (ليفناس لا يشتري فكرة الكشف عن المعنى ويهتم بأن كيف أن الآخر كقيمة هو خارج الكينونة والوجود وأن الكشف عن الكينونة يستحيل أن يماثل الكشف عن الآخر، بينما بالنسبة لهايدجر لا شيء يوجد خارج الكينونة والوجود)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
خلصنا في المداخلة السابقة إلى محاججة ليفناس التي جادل فيها بأن إنكشاف الكينونة لا يمكن أن يشمل كينونة الآخر، فالآخر عنده يحلّق فيما وراء الكينونة (بالمعنى الإفلاطوني الذي ذكرناه في مداخلة سابقة، والذي يقول بأن الخير يقبع وراء الوجود- أي أن الحياة هي الزيف والنيقاتف لكينونة تقبع هنالك في السمو والعلالي، فيما وراء المظاهر والظواهر)وهكذا فآخر ليفناس يحلّق هنالك في السمو والعلالي، فيما وراء المظاهر والظواهر. يتفق ليفناس مع هايدجر في إعتراضه على الوضعيين و إستخدامهم فكرة إنشطارية للوجود التي تشطره إلى شطرين ، ما بداخل الإنسان كالعقل والجسد، وما يقع خارج الإنسان من أشياء الكون وأحداثه. يمتعض ليفناس من فكرة الوجود الخارجي هذه (خارج الذات) وحتة نفهم سر إمتعاضه يجب أن نتذكر بأن ينطلق أيضاص من نفس الأرضية التي أسسها أستاذه هوسرل في مشروعه المعروف باسم الفلسفة الظاهراتية (درّس هوسرل العشيقين هايدجر وحنا أردنت أيضاً، لذا هايدجر في فلسفته الوجودية ينطلق أيضاً من نفس الأرضية الظاهراتية) وخلاصة فكرة الظاهراتية التي أسس عليه هوسرل بنيانه تقوم على الذات، تلك التي يرسم لها هوسرل صورة جديدة و مثيرة (يسميها الذات المتعالية أو الترانسندنتالية، وفكرة ترانسندنتالية مصدرها الحقيقي كانط وتعني أن كل شيء يدركه الإنسان يلعب العقل دور مهم في عملية الإدراك يعرف بالدور الترنسدنتايلي أي لكي نرى منضدة لا يكفي وجود المنضدة وصحة البصر لكن أيضاً جهاز قبلي في العقل يعرف بإحداثيات الزمان والمكان، بمعنى آخر أن أي إدراك ندركه لابد أن يقع في زمان ومكان ما) فكرة هوسرل تقول بأن الذات والموضوع كلاهما يقعان في ذهن الإنسان، وتلك الحالة، حالة إدراك الأشياء كدالة في الذهن هي مصدر المعرفة الجديد في الفكر الظاهراتي. سأحاول التوقف لشرح فكرة الفلسفة الظواهرية ثم أوضح كيف بنى عليها ليفناس مشروعه بعد ذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
كما وعدت فسأقدم فكرة موجزة في هذه المداخلة عن الظاهراتية حتى نقدر نتعمق أكثر في المشروع الأخلاقي لليفناس. تطرقنا كثيراً للفلاسفة المهمين في الفكر الغربي الحديث وكررنا أن من أهم رموزهم ديكارت، هيوم وكانط. في الحقيقة قبل أن يأتي هوسرل فكّر هيجل لا سيما في كتابه الأهم (ظاهرية الروح) تفكيراً ظاهراتياً ورأى أن في كل المشاريع الفلسفية السابقة نموذج فلسفي ثابت ومتكرر وهو نموذج الفصل بين الذات والموضوع، الإنسان وما حوله، الأنا و عالمها. في هذا النموذج الذات تسعى للتعرف على الموضوع والإنسان يجتهد ليتعرف ويفهم الاشياء حوله. فمثلاً إذا رجعنا لديكارت في محاججة الكوجيتو (أنا أفكر إذن أنا موجود) نجده يؤسس للذات في بداية مشروعه الفكري بعد أن تناسى كل ما تعلمه سابقاً وقرر أن يؤسس لمعرفة عقلانية جديدة مقرراً أن العقل أعلى مكانة من الحواس، ومستخدماً للبرهنة على ذلك مثال الشمع الشهير (إذ أخذنا قطعة شمع وغيّرنا لونها، حجمها أو ملامحها، إذا ذوبناها كسائل في النارأو جمدناها كمادة صلبة في فريزر، وسألنا أي شخص عما هذا الشيء أمامنا؟ سيجيب أنه شمع، ذلك أن العقل بجهازه المتقدم لا زال يدرك أنه شمع مهما تغيرت خواصه المحسوسة ). أمّا هيوم ففي محاججته ضد مفهوم السببية (السبب والنتيجة) فنذكرأنه كفيلسوف شكّي يحاول ضحد هذا المفهوم بقوله إذا أخذنا أيّ علاقة سبب ونتيجة، مثلاً أن ترمي بقطعة من الزجاج على مادة صلبة فيتكسر الزجاج، فالمعتاد أن نقول أن سبب تكسر الزجاج أننا رمينا به على مادة صلبة. يقول هيوم؛ بأننا نرى هنا حدث يعقب حدثاً آخر، لكننا لا نرى القوة الخفية التي تربط عملية السقوط بعملية التحطم (تحضرني هنا قصة يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، فهل النار سبب الحريق أم أن قانون السببية هو قانون زائف كما يقول هيوم) هيوم يقول أنه لا يرى حدثاً يسبب حدثاً أخر، ولكنه رأى حدث يعقبه آخر، ويخلص إلى أنّ فكرة العلاقة السببية أو التسبيبية لا يمكن أن نرجعها لهذا التعاقب في الحدوث الذي نراه، لكن عوضاً عن ذلك يعود هذا التشوش لما تعودنا رؤيته سابقاً (كلما يقع الزجاج على البلاط يتكسر) فأصبحنا نسميه سبباً، لكن بغض النظر عما نسميه، إلا أنه لا يمكن أن نعتمده كحقيقة معرفية حسب هيوم، أيْ السببية ليست معرفة عند هيوم، ويضرب مثل شهير لنفي السببية كمعرفة وهو مثل كرات البلياردو حيث يضرب اللاعب الكرة بزاوية معينة تتحرك لتضرب الكرات الأخرى فتحركها نحو الهدف. كأنط من جهة أخرى في نقده الأول لتماثل الخبرات يشرح في مثال السفينة موقفه من ظاهرة السببية ولا أحبز الإستغراق في تفاصيله حتى لا ننحرف عن موضوع المداخلة. الخلاصة أننا هنا في هذه الأمثلة تحدثنا عن ديكارت وهو يلاحظ للتحولات في مظهر قطعة الشمع، هيوم يتابع كرات البلياردو وكانط يراقب سفينة تسير على تيار مياه البحرليستخلصوا منها نظريات فلسفية. الخلاصة أن النموذج المعرفي للعصر الحديث هنا هو نموذج ذات منفصلة عن الموضوع، وتلحظ في عالم الأشياء من حولها وهي خارج هذه الأشياء تتفكر فيها وتلخص خلاصات ما تصل إليه من فهم. كانت هذه الصورة المنهجية لكبار فلاسفة العصر الحديث تمثل مشكلة كما يوصفها هوسرل منظر الظاهراتية الأكبر هوسرل في الظاهراتية يشتغل على هذه الإشكالية، إشكالية الذات والموضوع، وطريقته في التعامل معها كما يلي. لقد إقترح هوسرل بأن ديكارت وهيوم وكانط كلهم إقتربوا حتى ولو لم يدروا من شط نهر الظاهراتية لكنهم كلهم لم يعبروا للضفة الأخرى. ما أحبه هوسرل في المنهجية الديكارتية هو منهجه في الشك العميق والذي يقول عنه هوسرل أنه كان قريباً جداً من منهجية الإختزال في الظاهراتية، لأن ديكارت في شكه العميق في كل ما عرفه وآمن به من قبل وقراره بأنه يجب أن يتعلم من أول جديد بطريقة لا يمكن أن تقود إلا للحقيقة إقترب كثيراً من المنهجية الظاهراتية...نواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
كان الدافع الأساسي عند هوسرل للبحث عن فلسفة جديدة هوإمتعاضه مما أخذت العلوم من حجم الحياة الحديثة وسؤال مفاده؛ أين موقع الإنسان في هذا العصر العلموي الرياضي؟ كيف يمكن أن نقول حقيقة أن هذا العالم هو عالم إنساني إذا كانت أفضل أدوات العيش ما تم تقديمه لنا كمعارف ومنتجات تقوم على الفيزياء والكيمياء والهندسة وغيرها. يقول هوسرل أن ديكارت وهيوم وكانط رغم أنهم في تأملاتهم الفلسفية إقتربوا من بر الأمل في حل هذه المشكلة، إلا أنهم كلهم إصطكوا بعدم قدرتهم على تجاوز ما يسميه الهوسرل الجِبلّة (the natural attitude). وعن هذه الجبلّة و كما أوردنا سابقاً عن هيدجر أنه قال أنّ البشر ملتصقون بالحياة والكون إلتصاقاً عجيباً وشبهه بإالتصاق الحبر عندما تسكبه في كوب ماء، ودوماً نكون غارقين في حالة الجبلة أو الروتين أو الروبوتية هذه حتى أننا لا نلاحظ عمق هذا الإنغماس إلى أن نصطك بمشكلة ، تحاول أن تفتح الكمبيوتر كما هي العادة فيجيبك بأنه الهارد درايف عطلان او غير موجود وتحاول لكن بلا جدوى. فهكذا نحن بالطبيعة لا نهتم بفعالية الهارد درايف أو دش الحمام إلا عندما تحدث مشكلة، فنبدأ نتنرفز ونسب. نعم نحن لا نلاحظ كم نحن مرتبطين باللابتوب أو الحنفية أو السيارة أو او حتى يتوقفوا عن العمل، فتظن أن حياتك نفسها توقفت عن العمل، هيدجر يحاول سد هذه الفجوة عبر منهجه الوجودي (الانتولوجي) بعد أن يثبت أن طبيعة وجودنا هو هذه الإرتباطية العجيبة بالأشياء. هوسرل يقول أن هذه الجبلّة والروتينية هي توجُّه وموقف ساذج في الحياة، نرى خلاله أن أشياء العالم منفصلة عنّا. ما يطرحه هوسرل في منهجيته الظاهراتية هو الدعوة لتجميد هذا الموقف الجبلِّي، الروبوتي، و القيام بمحاولة حقيقية وقوية في مقاربة العالم مقاربة جديدة ومنفصلة عن كل ما سبقها لنرى كيف أن خلاصة هذه المقاربة تمثل معرفتي أنا غير المتأثرة بما سبق، وهي مساهمة بشرية حقيقية في الحياة. يستعمل هوسرل هذين المصطلحين ؛فعل الوعى noesis وموضوع الوعي noema. يضرب هوسرل مثالاً بشجرة ليمون او تفاح في الجزء الخلفي للمنزل ويقول في حالة الجبلَّة أنظر للشجرة كشيء أو موضوع ولي أنا كذات أو وعي، ولكن إذا جمدت هذا الموقف الجبلي فلن أري الشجرة كموضوع لما أختبره أمامي كمحتوى داخل وعيِ، أي كموضوع لفعل الوعي بعدما جمدنا الروتيني والجبلِّي والأن أريد أن أتفحص ما خلد بوعيِ الذاتي من معرفة بهذه الشجرة خارج أي معرفة مسبقة تكونت لدي عنها، سواءً في المدرسة أو البيت أو التلفاز أو أو أو...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
في المداخلة السابقة يدعو هوسرل في فلسفته الظاهراتية إلى تجميد الشكل الروتيني والجبلي في التعامل مع الأشياء، ومحاولة مقاربة جديدة للعالم تبدأ من نقطة صفر، من غرفة الولادة، ولادة معرفة ذاتية مسرحها وعي الذات، متجرداً من كل ما قيل وكتب عن العالم والأشياء من قبل، ونطفتيها هما النويسس والنويما، أداة المعرفة وموضوعها، الذهن وشجرة الليمون، يتناسلان فينتجان بنتهما الوليدة، المعرفة الظاهراتية بشجرة الليمون. عالم البوتني (النبات) عندما ينظر للشجرة ، يصنفها إلى نوع وجنس وعائلة ووو. وهذا ما يطلق عليه هوسرل الموقف أو الفهم الجبلّي النظري للأشياء، والذي وبقوة سحرية أصبح مستولٍ على كل عقل بشري، يضيع قدرته الذاتية في التعرف على ما خلد بذهنه عن هذه الشجرة، خارج كل المؤثرات المعرفية الأخرى. يدعو هوسرل لتجميد كل النظريات والتعريفات المسبقة للأشياء لمصلحة مقاربة ذاتية هدفها رؤية ما خلد بذهن الذات (ماذا يوجد في الذهن عنها ) فالظاهراتية هي دراسة ما يبدو وما يظهر كا يبدو ويظهر في ذهن الذات فقط. هذه هي الفكرة الأساسية للظاهراتية الهوسرلية. هوسرل يهدف لتحفيز العالم إلى تجميد كل النسق المعرفي الحديث الذي يرى أنه يسوق البشرية بقابليتها للتسليم الروتيني بكل ما تنتجه المعرفة الحديثة كالطريق إلى سعادة البشرية زوراً، فهو يرى أن العالم بتبنيه وتوسيعه لهذا النموذج المعرفي يعمل في الحقيقة على حوسبة وموضعة العالم ، والنتيجة إغتراب الذات عن عالمها دون الإنتباه بأنها هي من تنتج العلم، ولأجل أن ننتبه لتلك الحقيقة خرج علينا هوسرل بهذا المنهج الظاهراتي الذي يدعو لتجميد كل المعارف السابقة والموقف منها ليعطي الذات فرصة لتحليل محتويات الذهن للتعرف على ما يسميه بالعالم الحي والعالم الراهن. يرى هوسرل أنه عندما نركز على وعينا وما يحتويه سنصل إلى أن ما يتوصل له العقل من المعرفة هو ليس تماماً إكتشافات علمية بل إبتكارات بشرية، وسنكتشف كيف أننا لصيقون بعالمنا عسى ولعل أن نتبنى نموذجاً ظاهراتياً وتصحيحي للنموذج المعرفي الحديث والذي يرى هوسرل أنه تجاوز حدود المعقول. لهذا المنهج الظاهراتي الآن تطبيقات كثيرة ومثيرة لا سيما في العلوم الإنسانية، ومن أهم رواده المفكر المصري حسن حنفي. يوافق ليفناس على هذه الفكرة التصحيحية لطغيان الإبستمولوجية لكنه يعترض على تعميمها على الآخر. يرى ليفناس إذا كان كل شيء يمكن إختزاله إلى محتوى ذهني (محتوى ذهن الذات) فيما يعرف بالإختزال الظاهراتي، فإن هذا الموقف ينتج إشكالات خطيرة أمام ما يسميه بتعالي ومغايرة حالة الأخرية، لأننا عندما نقصر المعرفة على محتوى الذهن قد ننجح في حالة شجرة الليمون لكن ماذا سيحدث عندما يكون موضوع المحتوى الذهني إنساناً آخر، هذا ربما يطوف بنا أيضاً حول جدلية السيد والعبد في الوعي الذاتي عند هيجل أو جدلية الأنا والآخر عند سارتر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
بالنسبة لليفناس لا يمكن للوصف الظاهراتي أن يحتوى الآخر بكل أخرويته، ويزداد الأمر تعقداً كما يرى ليفناس عندما نستحضر دوافع ومنافع الميول التنميطية عند الناس (في مقالي عن ترافيان مارتن أشرت إلى الميول التنميطية عند الكثير من البيض في إميركا بما فيهم رجال البوليس إلى التورط في وعي تنميطي ينظرون فيه للشباب السود في عمر ترايفان بالكثير من التوجس، لذا عندما رأى زيمرمان الشاب الأسود ترافيان ماشياً في حي للبيض ليلاً، لم يرى وجه بلا محدودية، بل رأى وجه محدّد ومحدود جداً، وجه المجرم، طبعاً لا أقصد أن زيمرمان كان يمارس الإختزال الظاهراتي ولكن فقط أثبّت فكرة ميل البشر لتنميط البشر ضمن الموقف الجبلّي) التحدي الذي يواجه ظاهرية هوسرل هنا هو تحدي قدرة الذات على المعرفة الكاملة للموضوع!! لا سيما كمان عندما يكون موضوع المعرفة إنسان، وليس مجرد شيء!! هوسرل يعترف بشيء من هذه الصعوبة. إذا رجعنا لهوسرل لا أظن أني ذكرت أنه في الظاهرية طوّر أفكار فرانز برنتانوا الذي أنتج فكرة القصديّة ضمن شرحه للظاهرة الذهنية والذي أشار فيه إلى أن كل الأنشطة الذهنية أنشطة قصديّة. أُعجب هوسرل بفكرة القصدية هذه وطورها في ظاهريته لتصبح ركن من أركانها، القصدية تعني انني عندما أرى شجرة اليمون أراها فقط عندما أقصد رؤيتها، فلا فعل بلا قصدية. هوسرل بمناسبة حديثنا عن التنميط كصفة بشرية إنتبه أيضاً للإشكالية السيكلوجية التي تعترض منهجه الظاهراتي (الميول العاطفية التي تتدخل وتشوش على حيادية المعرفة)، لأنه في حالة إختزال كل شيء إلى ظاهرة ذهنية، إلى محتوى من محتويات ذهننا سيصبح من السهل إتهامه بالميل لإخضاع كل ظاهرة لإمرة السيكلوجية،الأمر الذي يسعى لتجنبه ويعترف بأن لكل شيء بعد متعالي لا يمكن للذات سبر غوره، لذا لا يقول الشجرة فقط في ذهن الذات، بل هي هنالك موجودة خارج الذهن، لكن عندما أراها خارج الذهن أراها وأنا في الحالة الجِبِليّة. أقصد أن هوسرل يعترف بأن هنالك مساحة للحالة الجبلية، هنالك مساحة للعلوم والحساب وغيرها، لكننا إذا أردنا حقيقة معرفة أو الوصول لأصل العلوم فلن يتثنى لنا ذلك عبرالتحليل العلمي للصيغ الرياضية والفيزيائية، وإنما يتثني لنا عبر تجميد الموقف الجبلّي والتوجه نحو محتويات الوعي القاصد للتعرف على الأمر المعنيِ، والتعبير عن ذلك المحتوى تعبيراً ذاتياً وجديداً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
يستدعي ليفناس لفلسفته عدة مفاهيم منها مفهوم الغيرية (alterity) والغيرية هي حالة خارج الذات مشيراً إلى أن الأنا والذات تحتاج لها بشكل قسري، فجوهر الحياة يتأسس لحكمة ما على إلى عجز الذات على الإكتفاء الذاتي، ليس ذلك لأن الإنسان بفطرته كائن إجتماعي، بل بنية الوجود والحياة نفسها تقوم على تواشج الداخل والخارج، فإن كان الداخل هو الذات فالخارج وهو الكون وهو الآخر، ويوضح ليفناس حوجة الذات لما هو خارجها عبر مفهوم يسميه السّكن (dwelling) وقبل شرح ما يقصد بمفهوم السكن أود أن أذكر أن ليفناس في مقالة له بعنوان ظاهرية التنفس يتحدث فيه عن تواشج الداخل والخارج فيقول أن الذات في عملية التنفس في طور الشهيق تأخذ داخلها شيئاً يأتي من خارجها، وفي طور الزفير تعطي الخارج ما أخذته منه، وتشرح بالتالي هذه العملية جانب من تواشج وكفاح الذات مع خارجها، فهي كما بدا تكون دوماً في حوجة لشيءٍ تأخذه من خارجها، وفي ضرورة حيوية لأن تعطي بقدرما أخذت، وهذا التواشج أساسي لحياة الذات (الأخذ والعطاء) بحيث لا تستطيع الذات الحياة دون الإعتماد وبشكل كامل على ما هو خارجها. بالنسبة للسكن لا يقصد به ليفناس المبني ولكن الحالة. الإحساس الذي يعطيه الوجود في سكن للإنسان(يربط سارتر السكن بالحرية) ويصف ليفناس السكن بإطناب المتعة (economy of enjoyment) انت في المنزل تستريح على ما يروق لك من وثير الكراسي وبيدك ريموت التلفاز تتجول بين القنوات وأمامك كوب من الشاي أو القهوة، أوالفول والبلح وقد تنشغل لبعض الوقت باللابتوب لمتابعة مواضيعك المفضلة في سودانيزاونلاين، ثم مباراة في كرة القدم أو السلة ثم العشاء وووو وكلها ضروب من الأنشطة الممتعة، فانت ونفسك والسكن معاً وكل ما تريده على مدّ زراعك تزيد مما تريد، ففي السكن توجد الذات في أطناب من المتع، ولكن هذه الحالة تضطرب في اللحظة التي يطرق الباب طارق (عند سارتر الآخرون هم الحجيم لأنهم يحدوا من تلك الحرية) ويتكرر هنا مثال ظاهرية التنفس عن كيف أن الذات مرتبطة بخارجها بشكل لا تتحكم فيه، لكن هل عند ليفناس أن ذلك الآخر الذي قطع الإطناب في المتع أو حد من الحرية هو الجحيم؟ أم هو الوخزة الإيجابية كما عند هايدجر والتي كشفت لنا كم نحن سابحون في بحرالحياة عبر مراكب اللاوعي حتى يصحى وعينا على طارق بالباب فنسرع في تعديل ما يجعل المكان يبدو محترماً قبل أن نفتح لذلك الطارق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: R (Re: Sinnary)
|
أعتذر لمن يتابع البوست عن التوقف في منتصف الطريق ونحن لم نتحدث كثيراً عن موقفه السلبي من الأديان كأداة للعنف المقدس ولتعطيل للمسئولية الأخلاقية الفردية المماثل لوهم التفاؤل العقلاني السقراطي ،في خطوة تهدف لإزاحة كل الحواجز التي تقف بين المرء ومسئوليته الأخلاقية. وحتى تتيسر الظروف لعودة أخرى أودعكم مؤقتاً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ليفناس فيلسوف الآخر ..الآخر في مقام الله ... (Re: Sinnary)
|
شكرا جزيلا دكتور ماجد "السناري"، ممنونين على التعريف بالفيلسوف وبفلسفته وبمقولاتها وعلاقتها بالإنسان والأديان. أنا أحد المتابعين بصمت وعرفان من مجلس طالب المعرفة والاستفادة العامة غير المتخصصة والمتمعقة. من قبلك لم أعرف الفيلسوف ليفناس ولا عن فلسفته الأخلاقية وعلاقتها بالأديان أو عن مركزية الآخر فيها. وبدون طريقتك وشرحك المستفيض في أول البوست، وربطك لمفاهيم فلسفته بأفكار كنت أنت قد بثثتها في حوارات متعلقة، لما كنت، في مثل قراءات المنبر العجلى هذه، قد استوعبت حتى القليل الذي استفدته هنا وأشرت إليه في في أحد البوستات. الحقيقة أيضا، بفضل تلك الحوارات، إنني ولأول مرة، قد قرأت كثيرا في عرضك وعصفك الفكري والفلسفي الأقدم كما هنا؛ إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكوإعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو Re: ما بين طه جعفر والحي بن يقظانRe: ما بين طه جعفر والحي بن يقظان ومما يعجبني في كلهم، بالآكثر؛ فهي تدخلاتك النقدية المقارنة، ومقارباتك من موقع (الآخر) خارج المركزية الغربية، وخاصة كسوداني. سننتظر مواصلتك مع فلسفة (الآخر) لليفناس وغيرها من فلسفات، ولكنني فكرت؛ بمثل هذا الأسلوب المبسط الذي يقرب المفاهيم للتناول العام بأكثر من طريقة، لم لا تبسط للقراء كتبا منهجية لعرض هذه المقولات الفلسفية في علاقتها بالأحوال السودانية.. ثلاثة بوستاتك الهنا قد تكون فصولا في أي كتاب منها..
أكرر شكري وإلى حين معرفة جديدة من المؤكد أنك ستبذلها.
| |
|
|
|
|
|
|
|