البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية والبيزنطية لل"فتوحات"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 06:06 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-06-2018, 05:13 AM

Asim Fageary
<aAsim Fageary
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 7810

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: Asim Fageary)


    نرجع للموضوع الأساسي للبوست والذي هو بالتأكيد قاد لكل التساؤلات

    في رأيي الخاص ليست المشكلة أن تكون مكة هي مكة الحالية أو أن تكون في الشام

    ولكن الحيثيات تشي بأن هنالك حلقات مفقودة في التأريخ أو هنالك بعض التزوير للحقائق

    طبعاً سيأتي من يقول أن القرآن في (لوح محفوظ) ولا يمكن أن يكون هنالك تغيير أو تزوير فيه

    هذا القول لا ينفي أن يكون هنالك تغيير إما في المعاني بسبب التغيرات التي حدثت في الخطوط نفسها وكما ذكر في عرض هذا البوست من الكتابة دون تنقيط والكتابة بتنقيط وغير ذلك من تفاسير مختلفة بعضها حرفي وبعضها تأويلي

    وحتى النص نفسه لا يتعارض التغيير فيه بأنه (في لوح محفوظ) فقد يكون ذلك اللوح المحفوظ مختفي حتى الآن في مكان ما !

    تحياتي


                  

05-06-2018, 06:44 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: Asim Fageary)

    في عجلة من أمري فاتتني تحية سميّ أسامة الكاشف..

    وله العتبى حتى يرضى.
                  

05-06-2018, 06:52 AM

Asim Fageary
<aAsim Fageary
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 7810

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)


    طبعاً إسم الكعبة نفسه هنالك إختلاقات حول سبب التسمية بعضها يقول كعبة من شكلها المكعب وبعضها يقول كعبة بمعنى عذراء من (كواعب) والتي هي الجمع كما ذكر في القرآن (كواعب أترابا)

    فإذا كان إحتمال أنها العذراء فهذا يقود إلى أن الكعبة أصلاً كان بداخلها تمثال للعذراء وتكون طقس مسيحي

    وإذا كانت بها تمثال للعذراء فهذا يشي بأن موقعها هو الشام

    وهذا بدوره يقود لكثير من التساؤلات

    تحياتي


                  

05-08-2018, 04:33 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: Asim Fageary)

    نلاحظ يا أستاذ فقيري ان السعودية تصرح بالتنقيب خارج الأماكن المقدسة، كما في خبر عن بعثة اجنبية تنقب في منطقة تبوك.

    ويقوم الوهابيون بتدمير كل أثر اسلامي قديم حتى لا يتم التبرك به..

    طيب على الاقل صوّروه قبل تدميره حتى تساهم الصور في نفي أي شكوك كالتي تثُار الآن حول منشأ الإسلام..

    أدناه مقال عن واقع الآثار المأساوي في السعودية وغيرهامن الأماكن التي ابتليت بالوهابية:

    من المقال "وثمة نقاش محتدم في الفترة الاخيرة حول التوجه لهدم غار حراء الذي كان الرسول يتعبد فيه قبيل نزول الوحي عليه".

    Quote: محو الآثار الاسلامية في السعودية بين السياسة والدين


    الدكتور سعيد الشهابي


    قبل بضع سنوات ألقى الدكتور أحمد زكي يماني، وزير النفط السعودي السابق، محاضرة بكلية الدراسات الشرقية والافريقية التابعة لجامعة لندن حول مشروع قام به للتنقيب عن منزل النبي محمد وخديجة عليهما السلام في مكة.

    كانت المحاضرة قيمة جدا، حيث اشتملت، بالاضافة للنبذة التاريخية عن تاريخ المنزل، على صور فريدة من نوعها للموقع الذي تم تنقيبه، واظهرت غرفه بوضوح ومنها محراب الرسول وغرفة ولادة السيدة الزهراء. يقول الدكتور يماني بانه جاء بأكثر من 300 عامل ومعهم كل ما يحتاجونه من معدات، الى الموقع، بالاضافة الى مهندسين وأخصائيين في التنقيب عن الآثار، وقام الفريق بعمل نادر على مدار 24 ساعة. استطاع خلالها كشف المنزل الذي لم يبق منه سوى ارتفاع متر من حيطانه، وبعد ان صوروه بشكل مفصل، قاموا بردمه بالرمل مباشرة وغادروا الموقع.

    وعندما سئل عن سبب ردمه بالرمل بعد هذا العمل الشاق، اجاب: لدينا في السعودية تيار يعتبر الاهتمام بهذه المواقع والآثار ضربا من الشرك. شخص اردني وقف وقال: كيف تبرر صرف هذا المبلغ الكبير على اكتشاف بيت قديم، ما الفائدة من ذلك؟ فرد الدكتور يماني : شكرا لك، لقد سهلت مهمتي في ايضاح الصورة للحاضرين. هذا نمط من التفكير الذي يحمله ذلك التيار. لقد كان الحاضرون مشدودين الى صور منزل النبي عليه افضل الصلاة والسلام، فهي تحكي تاريخا مجيدا، وقصة مثيرة لنشوء دين الاسلام، ولو كانت لدى غير المسلمين لحظيت باهتمام كبير، واستقطبت الزوار والسياح من كل مكان.

    في الفترة الاخيرة بدأ النقاش في المملكة العربية السعودية، خصوصا في اقليم الحجاز، حول هذه القضية يآخذا ابعادا جديدة، وطرحت تساؤلات مثيرة، خصوصا بعد ان بدأت تلك الاعمال تصل الى مناطق اخرى غير السعودية. فهل ان ذلك جزء من حرب دينية ام سياسية؟ وما دور السياسيين في تشجيع الظاهرة؟ وهل هي صراع على المصالح ام ناجمة عن جهل وتعصب؟

    لقد كان تدمير تمثال بوذا في مدينة باميان الافغانية في 2002 قد سلط الاضواء على هذه الظاهرة التي تهدف للقضاء على كل ما يعتبره التيار السلفي وسيلة من وسائل الشرك وقبل بضعة اسابيع قام بضعة أشخاص بتدمير قبر هاشم بن عبد مناف، جد الرسول الاكرم بمدينة غزة الفلسطينية.

    واتهم مدير دائرة التوثيق في وزارة الاوقاف الفلسطينية «عبد اللطيف ابو هاشم» جهات سلفية وهابية تتحرك «بايعاز من بلاد اخرى» بالوقوف وراء هذه الجريمة، موضحا ان هذه الجماعات اقدمت على هذا الفعل اعتقادا منها ان من يهدم المقامات والمزارات والمعالم الاسلامية «يؤجر عند رب العالمين» ويعتبر القبر واحدا من اهم المعالم الاسلامية في فلسطين المحتلة.

    مرتكبو هذه الافعال يستندون الى مقولة لمحمد بن عبد الوهاب وابن تيمية تعتبر زيارة القبور من البدع، ومظهرا من مظاهر الشرك لا شك ان هناك ارضية تتخذ طابعا دينيا لهذه العقلية، لكن هذه الارضية حديثة العهد.
    فما بين عهد الرسول عليه افضل الصلاة والسلام، وعهد ابن تيمية المتوفّى عام (708 هـ - 1308م) وتلميذه ابن القيم المتوفّى سنة (751 هـ - 1350م)، سبعة قرون ونصف مضت على المسلمين وهم لا يعرفون في أُمورهم الشرعية مسألة تثير التشنج والخصومة بينهم باسم مسألة البناء على القبور، حتّى أفتى ابن تيمية بعدم جواز البناء على القبور، وكتب يقول: «اتفق أئمة الإسلام على أنّه لا يشرع بناء هذه المشاهد التي على القبور، ولا يشرع اتّخاذها مساجد، ولا تشرع الصلاة عندها».

    ثمّ جاء بعده ابن القيّم الجوزية الذي قال: «يجب هدم المشاهد التي بُنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً» وجاء بعدهما الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتوفّى سنة (1206 هـ - 1791 م) فحوّل التشدّد والخشونة إلى مذهب فقهي يعتمد على التكفير والاتهام بالشرك والتهديد بهدر الدم وسبي الذراري لكل من ارتكب سبباً من أسباب التكفير عنده، وما أكثرها! بل ولكل من خالفه في تكفير المتهمين بالكفر عنده. هذه الظاهرة التكفيرية تمثل ارضية صلبة للقوى التي تسير على ذلك النهج، والتي تستحل دماء المسلمين الآخرين الذين يختلفون مع هذا النهج.

    وعلى مدى المائتي عام الاخيرة قام المحسوبون على هذا التيار بهدم عدد كبير من الآثار والقبور الاسلامية في أكثر من بلد، الامر الذي أثار ضجة كبيرة في اوساط المسلمين لعدد من الاسباب.

    اولها ان محو الآثار الاسلامية يعني القضاء على تراث معماري وفني وثقافي لا يمكن تعويضه بشيء.

    وثانيها: ان الاعتداء على ما يعتبره الآخرون أمورا مقدسة يؤدي الى اثارة التوتر المذهبي والديني، وقد ينجم عن ذلك سفك الدم.

    وثالثها: انه يسلب عن الاسلام السمة التي لازمته منذ بدايته، والتي يسعى الجميع للترويج لها، وهي انه دين متسامح، يحترم عقائد الآخرين، ويمنع الاعتداء على مقدساتهم واماكن عبادتهم، لان في ذلك تهديدا للسلم الاجتماعي والعلاقات الانسانية.
    ورابعها: ان استهداف مقابر الشخصيات الاسلامية التاريخية ينطوي على اهانة لقدرهم، واستخفافا بقيمتهم، وهو ما لا يتنافى مع التعليمات الدينية.

    ان ظاهرة هدم القبور والآثار الاسلامية ليست جديدة. فقد أمر المتوكل العباسي في العام 236 هـ بهدم قبر الامام الحسين، وحرث الارض التي كان عليها، ثم اجرى الماء فيها.

    لم تكن تلك العملية ذات طابع ديني، بل كانت بدوافع سياسية تتصل بالعلاقة المتوترة بين العلويين والعباسيين، والخشية من تحول المساجد التي تقام حول قبور بعض الاولياء والصالحين الى بؤر للمعارضة السياسية تارة، والتحدي الديني تارة اخرى.

    وفي القرون الاولى بعد الاسلام لم تكن هناك رؤية دينية معادية للآثار الاسلامية او الانسانية، وحتى اذا حدث اعتداء على قبر او مسجد، فانما يتم ذلك في اجواء احتقان سياسي وتوتر في العلاقات بين الدولة والرمزية الدينية ولكن الامر تغير في القرون الاخيرة، خصوصا بعد حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر التي أسست للطرح السلفي الذي ازداد انتشارات في السنوات الاخيرة.

    فعلى مدى المائتي عاما الماضية سعى اتباع الدعوة الوهابية لتطبيق تعليمات مؤسسها حرفيا وحيث انه اعتبر التوسل بالاولياء والصالحين او زيارة قبورهم من الشرك، فقد تصاعدت الاعتداءات على المساجد التي تقام حول قبور بعض الصالحين، الامر الذي يلقي بآثارة السلبية على العلاقات بين اتباع المذاهب الاسلامية المختلفة. واصبحت الجزيرة العربية مسرحا لهذا الصراع الديني الذي اتخذ ابعادا سياسية واسعة.

    ويمكن القول بان ما يقرب من 90 بالمائة من الآثار الاسلامية في المملكة قد تم تدميره من قبل المؤسسة الدينية القائمة على تعليمات الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وتزداد نزعة الوهابيين بشكل مضطرد لتدمير المساجد والمكتبات والمقابر خصوصا التي تتوفر على قدر من الرمزية لشيء مخالف للعقيدة الوهابية.

    في العام 1924 احتل عبد العزيز بن سعود وقواته مدينة مكة المكرمة، وكان اول اعمالهم ازالة مقبرة «المعلى» التي تضم قبر السيدة خديجة زوجة الرسول وقبر عمه، أبي طالب وبعد عامين (1926) احتل بن سعود المدينة المنورة، وقام هو واتباعه بهدم مقبرة البقيع التي تضم قبور عدد من أهل بيت رسول الله ومنهم ابنته فاطمة الزهراء وحفيده الحسن بن علي. كما هدموا المساجد السبعة في المدينة: مسجد الفتح «او الاحزاب» ومسجد سلمان الفارسي ومسجد أبي بكر ومسجد عمر ومسجد فاطمة ومسجد علي ومسجد القبلتين، وحولوا بعضها الى صرافات الكترونية. وقد انتقد عدد من الكتاب السعوديين هذا العمل، فكتب محمد الدبيسي مقالا في صحيفة المدينة بتاريخ 10 سبتمبر 2004 بعنوان: «بإزالة هذه المساجد تفقد المدينة المنورة معلماً من معالم تاريخها الخالد ومنارة من منارات سيرتها العطرة» .

    فرد عليه صالح الفوزان، وهو من رموز السلفيين، بمقالة في العدد الصادر بعد اسبوع مبررا تلك العملية. وقام الوهابيون بهدم قبة قبر الحمزة بن عبد المطلب، وازالوا مقبرة شهداء أحد، وأزالوا طريقي بدر وأحد.
    وثمة نقاش محتدم في الفترة الاخيرة حول التوجه لهدم غار حراء الذي كان الرسول يتعبد فيه قبيل نزول الوحي عليه هذا الغار ليس سوى تجويف صخري في الجبل، ولا يحتوي على شيء بشري، سوى انه يرمز الى رسول الله وتعبده الى الله قبل البعثة. وقبل اربعة اعوام تم إزالة أحد المعالم الدينية والمراكز الإسلامية الأثرية في المدينة المنورة بالسعودية.

    وذكرت المصادر القريبة من الحدث بأن جرافات ومعدات عديدة قامت في صباح يوم الاثنين الموافق 12/8/2002م بالتجهيز لهدم مقام السيد علي العريضي (766-825م) وهو ابن الإمام جعفر الصادق سادس أئمة الطائفة الشيعية الإمامية والذي يعد من أبرز علماء المسلمين وفقهائهم وهناك الآن اجازة بهدم قبر الصحابي رفاعة بن رافع الزرقي وهو ممن شهد بدراً، وأحداً، والخندق، وبيعة ، والمسجد القريب منه المعروف باسم «الكاتبية»، ويتوقع هدم المبنيين قريبا.

    ومنذ عهد الملك عبد العزيز دار نقاش حول مكان مولد النبي، واتخذ قرار بازالته، ولكن الخشية من ردة فعل عارمة دفعتهم لبناء مكتبة عليه، وفي الاسابيع الاخيرة أزيل الموقع تماما. وهناك ايضا خطة لفصل قبر النبي عن المسجد النبوي، وقد بدأوا بتهيئة الاجواء لذلك، بغلق بعض الابواب بين المكانين اما الكعبة الشريفة فهي الأخرى لم تسلم من العبث، فقبل بضعة أسابيع تمت مصادرة ما بداخلها من آثار تاريخية لا تقدر بثمن، ومنها الستائر والكتابات المنقوشة بالحرير.

    في 25 اغسطس 2005 نشرت قناة «العربية» على موقعها مقالا مهما بعنوان « مشروع تخطيطي جديد في المدينة المنورة يثير حفيظة المهتمين بالآثار، مؤرخون ومفكرون يدعون لمراجعة قضية هدم الآثار في مكة والمدينة» وجاء في المقال ما يلي: «تثير المخططات الجديدة في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حفيظة المؤرخين والمهتمين بالآثار في المملكة العربية السعودية لبترها معالم أثرية وتاريخية هامة يرون أن وجودها لا يمكن أن يؤدي لبدعيات أو الى التبرك بها.

    ورأي المفكر المعروف الدكتور أنور عشقي في اتصال هاتفي أجرته معه «العربية.نت» أنه يجب دراسة قضية الأثار بعمق ووضع خطة متكاملة لها وليس علاجها بمعاول الهدم.

    وقال إنه ليس هناك مبرر للادعاء بأن الأثار الباقية في المدينة المنورة وهي لا تزيد عن 10% مما كان موجودا قبل توسعة الحرم النبوي الشريف، ستؤدي إلى بدعيات أو إلى التبرك بها. بينما طالب الدكتور سامي عنقاوي الباحث المتعمق في أثار مكة والمدينة ومدير أبحاث الحج السابق برؤية شاملة لعلماء الأمة، مؤكدا أن آثارا قليلة جدا قد بقيت، وان استمرار الهدم يطمس تاريخنا وحضلرتنا».وكانت جريدة «الوطن« السعودية قد نشرت الخميس 25/8/2005 بأنه بات من المؤكد أن يأتي مخطط المدينة الاستراتيجي الذي تنفذه أمانة المدينة المنورة على أحد أهم الأحياء التاريخية فيها.

    وقالت إنه لم يتبق سوى بضعة أمتار يتوقع لها أن تلتهم في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة معالم حي «الشريبات» التاريخي الذي يختزل حزمة واسعة من المواقع الأثرية المرتبطة بالسيرة النبوية، والتي يعدها المؤرخون شاهدا حيا على عظمة الدولة الإسلامية الأولى، عندما كانت المدينة المنورة عاصمتها الأولى».
    لقد استطاع عبد العزيز بن سعود توحيد اقاليم الجزيرة العربية في دولته السعودية الحالية، ولكنه أقامها على أرضية دينية تتبنى المذهب الوهابي، الامر الذي ادى الى تدمير اكثر من 90 بالمائة من الآثار التاريخية القيمة في هذه الارض.
    انه منطلق ديني أصبح يضغط على العلاقات بين الأقاليم المنضوية تحت الحكم السعودي. فالحجازيون هم الخاسر الاكبر دينيا وسياسيا من عمليات الهدم هذه. فأغلب الآثار الاسلامية كانت موجودة في اقليمهم، ويرون في تدميرها محاولة لازالة تراثهم التاريخي الديني، على ايدي النجديين. ويلاحظ الحجازيون ان منطقتين وحيدتين لم تطلهما ايادي الهدم.

    فمنطقة خيبر ما تزال تحتوي على آثار مرتبطة بتاريخ اليهود، وهي منطقة يؤمها اليهود حتى اليوم لزيارة تلك الآثار. كما تتم المحافظة على آثار الملك عبد العزيز بن سعود وتعتبر تراثا وطنيا. فحصن الرياض يحظى برعاية خاصة، وكذلك قلمه وسيفه ونظارته وهكذا تبدو القضية بعيدة عن الدين، وأكثر ارتباطا بصراع الهويات، وهو صراع مفتوح بآفاق واسعة.

    ان من الصعب التمييز بين ما هو ديني وما هو سياسي في مملكة عبد العزيز بن سعود، ولكن ما هو واضح ان غفلة المسلمين وانشغالهم بأوضاعهم السياسية أتاحت للحركة السلفية الوهابية فرصة الانقضاض على ما تبقى من آثار اسلامية في الجزيرة العربية، وانتقلت الى العراق، حيث تم تدمير ضريح العسكريين في مدينة سامراء.
    ولا يستبعد ان تكون مساجد اخرى على قائمة الهدم، كما فعل الوهابيون عندما هاجموا العراق في 1816 وهدموا قبة قبر الامام الحسين ونهبوا محتويات الضريح. فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أخطر الوضع الذي بدأ بعض الاعلاميين السعوديين الجريئين في قرع أجراس الانذار بشأنه.

    ان المسألة ليست شأنا سعوديا، بل هي شأن المسلمين الذين يرون تاريخهم تدمره معاول الهدم بلا وازع من ضمير، ولا مانع من قوة سياسية. فالامة التي لا تاريخ لها لا حاضر لها ولا مستقبل ومن الخطأ الكبير تشويش الافهام بادعاء ان الحفاظ على التاريخ وآثار السابقين ضرب من البدع والشرك، فان وراء الأكمة ما وراءها، ووراء هذا الادعاء أجندة سياسية خطيرة، يجدر بالمسلمين قراءتها بوعي لكي لا يفاجأوا بما لا يحبون.


    المصدر: صحيفة القدس العربي » - 7-4-2006
                  

05-12-2018, 05:05 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)

    مقتطفات من مقال "هدم الآثار النبوية طمس للتاريخ الإسلامي"مصطفى مستحسان28 مارس، 2017:

    Quote: ويقدِّر معهد واشنطن القائم على شؤون الخليج،

    أن 95٪ من المباني القديمة والتي ارتبطت بحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم،

    قد تم هدمها في العقدين الماضيين.

    لم تعد صحراء الجزيرة تُضاء بالنجوم،


    لكن الآن تضيئها سلاسل الفنادق الفاخرة ،

    والمحال التجارية الرأسمالية المبهرجة أمثال:

    ماكدونالدز،

    ستاربكس،

    باسكن روبنز ،

    والعديد من بوتيكات باريس هيلتون!!









                  

05-19-2018, 04:17 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)

    التاريخ “المتخيَّل”

    حميد بن عامر الحجري




    تكاثرت في العقود الأخيرة الكتابات التي تطالب بإعادة النظر في تاريخ الإسلام المبكِّر، وقراءته في ضوء مناهج علمية حديثة، لفرز الواقعي من الخيالي، وتمييز الصحيح الذي يمكن الوثوق به من الزائف الذي اصطنعته الأهواء والأوهام والنظرات المنحازة والمواقف المسبقة.

    وهذه الدعوات محلُّ اعتبار، وبوادرُ انعتاق من أسر الرؤية الكلاسيكية التي رسَّختها التربية والآيديولوجيا وأزمنة متطاولة من التكرار والإعادة؛ إذ إن من يقرأ التاريخ الإسلامي (في مصادره الأولى) بعين فاحصة لا يخطئ ملامح (الأسطوري) الذي صنعه المخيال الجمعي والنزعة التقديسية، ولا ملامح (تصفية الحسابات) التي فرضتها الصراعات السياسية الدامية، ولا ملامح (شيطنة المخالفين) التي قادت إليها الخلافات المذهبية.

    ويقع على كاهل المؤرخ المعاصر عبء التعامل مع كل ما أنتجته العوامل السابقة من “تشوُّهات” في رواية التاريخ وسرد حكايته، بما يسهم في إنزال تصوراتنا عنه من “السماء”، وتسكينها في موقعها من حركة التاريخ “البشري” المحكوم بالعوامل المادية والنفسية، والفردية والاجتماعية، باللجوء إلى عدة متكاملة من المناهج المعرفية الحديثة المستقاة من علوم اللغة والنفس والاجتماع والأنثربولوجيا وغيرها.

    وإذا كان الخيال -في وجهيْه الفردي والجمعي، وبتأثير شبكة متداخلة من العوامل الدينية والسياسية والعرقية- قد أسهم على نحو لا يمكن إنكاره في صياغة التاريخ الإسلامي، وفي تكريس نُسَخٍ رسمية منه، بحسب الأزمنة والأقاليم، فإن بعض المحاولات الحديثة لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي -ولاسيما في مراحله الأولى- لا تنجو هي الأخرى من إغراءات الخيال في اختراع قصص جديدة تستجيب للرغبات الذاتية أكثر من استجابتها للمعايير الواقعية، وإن كانت تتذرَّع في الظاهر بالموضوعية العلمية الصارمة.

    تنتمي هذه المحاولات -فيما يُفْهم من مقدِّماتها ومداخلها النظرية وطرائق استدلالها- إلى منهج علمي يؤمن أن التاريخ الصلب الموثوق فيه لا يمكن أن يتأسَّس إلا على الوثيقة المكتوبة التي تنتمي إلى عصرها وتشهد عليه، أو على الآثار المادية التي يزوِّدنا بها علم الآثار كالعملات والأواني والأدوات بمختلف أنواعها والكتابات الأثرية على المعابد والقصور والأضرحة وغيرها.

    وكلُّ ما يقع خارج هذا الإطار الماديِّ الملموس لا قيمة له ويأخذ حكم المعدوم الذي لم يوجد أصلاً. وإنَّا وإن كنا نسلِّم بالشقّ الأول من هذا الرأي (وهو المتعلِّق بأهمية الوثيقة المكتوبة والأثر المادي) فإننا نرفض الشق الثاني منه (والداعي إلى تجاهل كلِّ تاريخٍ لا تنطبق عليه شروط الشق الأول، ويدخل فيه الروايات الشفوية والمراجع التاريخية التي كتبت في عصور لاحقة)، لاعتبارات عدة:

    أولها: أن التاريخ -في كثير من الحالات وبالنسبة لمعظم الشعوب- يُكْتَبُ في فترات لاحقة. ووفقًا لهذا المنهج، لا قيمة “تاريخية” لمعظم ما كُتب تحت عنوان “التاريخ”، لأنه –في نماذج عديدة- لا ينتمي لعصره، ولا يشهد على أحداثه شهود “عيان”.

    وثانيها: أن العديد من أمَّهات الكتب التاريخية والدينية والأدبية والعلمية -التي تنتمي إلى عصور قديمة وتحمل قيمة تاريخية- فُقِدَتْ أصولها (أي نُسَخها الأولى)، وما يتوفَّر منها الآن لا يعدو أن يكون نُسَخًا منقولة من نُسَخ أقدم. وفي ضوء هذا المنهج، يفقد هذا التراث الإنساني (في مختلف الحضارات: هنديةً وفارسيةً وعربيةً ويونانيةً ولاتينيةً) قيمته التاريخية لاحتمال أن يكون قد كُتِبَ في عصور زمنية لاحقة، أو طَرَأت عليه إضافات لم تكن في نُسَخِهِ الأولى.

    وثالثها: أن بقاء الآثار وصمودها على الزمن يتفاوت من حضارة لأخرى ومن مدينة لأخرى بحسب طبيعتها الجغرافية، ومستوى تمدُّنِها، وما مرَّ بها من كوارث تاريخية أو طبيعية، وبحسب نشاط الحفريات الأثرية فيها الآن. ومن غير المقبول منهجيًّا أن يُنْسَفَ تاريخ شعوب “كاملة” تحت ذريعة نقصان الأدلة الأثرية التي تنتمي إليها.

    ورابعها: أن الآثار صامتة في حدِّ ذاتها، وقابلة -خارج سياقها التاريخي- لأن تنطق بكل شيء، ويمكن للخيال أن ينسج قصة كاملة بالغة التعقيد بناء على قطعة أثرية واحدة.

    والمأخذ الأخير هو ما فتح الباب أمام عدد من الدراسات المعاصرة وشجَّعها على أن تطرح رؤى جديدةً تمثِّل انقلابًا جذريًّا في فهم التاريخ المبكِّر للإسلام متذرِّعة بدعاوى “علمية” شتَّى. وليس الإشكال بالنسبة إلينا في “ثورية” الأفكار المطروحة، فالاختلاف مع الرؤية السائدة ليس عيبًا في حد ذاته، ولا هو ميزةٌ أيضًا، وإنما الإشكال في افتقار هذه الأطروحات إلى الدليل، وفي انبنائها على مقدار كبير من الخيال، بحيث يصحُّ الزعم أن ثلاثة أرباع القصص المقترحة من نسج الخيال، وما تبقَّى منها عبارة عن وقائع ومستندات لا تتعارض “أصلاً” مع الرؤية الكلاسيكية التي ترويها المصادر الإسلامية.

    يمكن أن نلمس هذا التوجُّه في قراءة التاريخ في كتاب مثل “تاريخ الإسلام الأول” لمحمد آل عيسى، وفي مقال مثل “مسكوكات العملة وتزوير التاريخ” لهشام حتاتة، وفي برنامج وثائقي مثل “الإسلام، القصة التي لم ترو” للمؤرخ توم هولاند، الذي أنتجته قناة ال BBC البريطانية. وبالطبع، هذه مجرد أمثلة؛ فالكتابات والبرامج التي تندرج في هذا الخط كثيرة، ولسنا هنا بصدد تقصِّيها ولكن بصدد إجراء مناقشة عامة مختصرة للمنهج الذي تنبني عليه.

    هذا الخطُّ في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي المبكر ينهض على فكرة أساسية مفادها أن مصادر التاريخ الإسلامي التي أرَّخت لحقبة الإسلام الأولى تعود إلى فترات متأخرة (القرن الثاني ومايليه)، وقد اعتمدت في تأريخها لتلك الحقبة على الروايات الشفوية التي تناقلتها الأجيال، وهو العيب الذي يُطيحُ بمصداقيَّتها، ويقتضي من المؤرخ الحديث أن يُعْرِضَ عنها بالجملة، ويدشِّن عملية بحث موسَّعة عن الآثار والوثائق التي تعود إلى تلك الحقبة، لينطلق منها في محاولة رسم ملامح صورة واقعية تجسِّد ما حدث في الماضي البعيد.

    وعلى الرغم من أن جميع هؤلاء الباحثين يُقِرُّون بأن المكتشفات الأثرية التي تعود إلى تلك الفترة تكاد تكون معدومة أو أنها قليلة جدًّا ومتناثرة ولا تُعين على تكوين صورة واضحة عمَّا جرى في الماضي “البعيد”، فإن كثيرين منهم لا يجدون حرجًا في اقتراح قصص جديدة ممعنة في الغرابة، بالاعتماد على الكثير من “الخيال” والنزر اليسير من “الوثائق” و”الآثار”. ومن الأفكار التي يمكن استخلاصها من مجمل هذه الأطروحات (مع ملاحظة أن كل دراسة تتبنَّى مجموعة قصص خاصة بها تختلف في بعض أوجهها عن القصص التي تتبنَّاها الدراسات الأخرى) ما يأتي:

    – محمد شخصية أسطورية، ولا وجودَ ماديَّ حقيقيَّ له.

    – الإسلام نشأ في الشام وليس في مكة، ولم يكن سوى هرطقة مسيحية، وانفصل في فترات لاحقة ليكوِّن دينًا جديدًا. والحكام العرب الأوائل مثل معاوية بن أبي سفيان مسيحيون وُلِدوا وعاشوا في الشام وقبائلهم تتمركز هناك.

    – أخبار الفتوحات العربية مجرد اختلاقات أو أوهام صنعها المخيال العربي في فترات زمنية لاحقة، وهي في أحسن الأحوال غارات صغيرة كانت تشنها بعض القبائل العربية التي تعيش على هوامش الأمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية.

    لا تمثِّل الأفكار السابقة مشكلة في حد ذاتها، فكلُّ فكرة يمكن أن تكون صحيحة مهما بدت غريبة، وإنما الإشكال -كل الإشكال- في المنهج المستخدم في اقتراحها، وهو منهج “طفولي” قائم على “التحكُّم” و”الانتقاء” و”التسرُّع” و”التخيُّل”. ولننظر في هذه النقطة بعمق أكبر.

    تنبني الفكرة الأولى -وهي أن محمد شخصية خرافية- على دليل سلب لا دليل إيجاب. وفحوى هذا الدليل انعدام الوثائق “المادية” التي تعود إلى عصر محمد وتتضمَّن إشارة صريحة إليه، أو فقدانها بعبارة أدق. ولما كانت هذه الوثائق غير موجودة (بحسب هذا الزعم)، فمحمد -نفسه- غير موجود. وهكذا يصبح “النقص” في الوثائق، وهو أمر متوقَّعٌ بالنظر إلى ظروف المجتمع العربي في مكة والمدينة في ذلك الوقت، وبالنظر إلى طول الفترة الزمنية الفاصلة بيننا وبين عهد محمد، وقد يكون مرحليًّا ناتجًا عن أسباب عارضة متعلقة بضعف حركة البحث الأثري، يصبح هذا النقص (العارض/المؤقت) دليلاً “مُعتبرًا” تتأسَّس عليه فكرة في غاية الخطورة.

    وخطورة الفكرة تعود إلى النتائج الكبيرة المترتبة عليها في فهمنا للحضارة العربية والتاريخ الإسلامي في جميع جوانبهما، وفي فهمنا كذلك لسيرورة التاريخ البشري. وهذه مسألة متشعبة قد نُفْرِدُ لها مقالاً مستقلاً في المستقبل. ولا يخفى أن فرضًا خطيرًا كهذا يتطلَّب أدلَّة إثبات قوية جدًّا (من حيث الكم والكيف) لا مجرد دليل نفي (عارض).

    وإذا كانت الوثائق التي تعود إلى عصر محمد مفقودة، فقد وُجِدَت وثائق “كثيرة جدا” تضمَّنت اسم محمد بشكل صريح في فترات قريبة تالية، وبدل أن تُعْتَبر دليلاً على وجود محمد، فُسِّرت بطريقة جديدة تقترح أن شخصية محمد اختُرِعت في العصر الذي ظهرت فيه أول وثيقة جرى ذكره فيها.

    يتعامل هذا الطرح مع التاريخ بفكر “طفولي” جدًّا؛ فكما أن الأشياء تختفي من الوجود بمجرد ابتعادها عن عينيْ الطفل في مراحل إدراكه الأولى، كذلك -هنا- ينعدم وجود محمد لفقدان الأثر المادي الدالِّ عليه، وعندما يظهر محمد في فترة قريبة لاحقة لا تتجاوز نصف قرن (في آثار مادية كالعملات وغيرها) يكون محمد قد وُجِدَ فعلاً، ولكن باعتباره فكرةً مختلقةً لا أثرًا ماديًّا لوجود حقيقي سابق. وفي أطروحات من هذا النوع من “التحكم” و”الاختزال” و”التسطيح” ما يخلق مشكلة حقيقية في التعامل المنهجي “الجادِّ” معها.

    نفس هذا المنهج الطفولي في التفكير يستخدم في اقتراح الفكرتين الثانية والثالثة، فمكة التي هي مَهْدُ الإسلام تخلو من الآثار الأركيولوجية التي تشهد على عراقتها وأهميتها التاريخية، والفتوحات العربية لم يرد ذكرها في المراجع التاريخية غير العربية التي تعود إلى تلك الحقبة، ويترتب على حقيقتيْ النفي هاتين أن الإسلام لم ينشأ في مكة، ولم يَخُضْ المسلمون الأوائل أيَّ حروب “كبرى” في سبيل نشره، لأنه نشأ أصلاً في الشام، ولم يكن سوى هرطقة مسيحية تطوَّرت لاحقًا لتكوِّن دينًا جديدًا.

    وليس من دليل على هذه “القصة الجديدة كليًّا” سوى ما ذكرنا، بالإضافة إلى بعض “العملات” التي تعود إلى عصر معاوية وتتضمَّن إشارات إسلامية ممزوجةً بعناصر مسيحية أو بعناصر ساسانية مجوسية، وهي ما اعُتُبِرَ دليلاً على أن معاوية حاكم مسيحي لا مسلم. ولمَّا انقطعت هذه العملات مع بلوغنا عصر عبد الملك بن مروان وحلَّت محلَّها عملةٌ إسلامية خالصة، اقترح البعض أن عبد الملك هو مؤسِّس الإسلام وهو الذي اخترع قصته.

    ولا تخفى ملامح المنهج الطفولي في طريقة الاستدلال هذه، فالشخصيات والعقائد والأديان تظهر فجأة وتختفي فجأة، بناء على الأدلة المعثور عليها، وهي أدلة قليلة متبعثرة، في تجاهلٍ مطلقٍ لسنَّةِ التدرُّج التاريخي، وفي إعراضٍ تامٍّ عن مدى تماسك الرواية المطروحة، وعدمِ اكتراثٍ بإمكانية ظهور آثارٍ جديدةٍ تصادم الرواية المطروحة، وتفتح الباب أمام رواية “خيالية” جديدة.

    إن المقدمات (السلبية) التي انبنت عليها الدعاوى السابقة، والمتمثلة في انعدام الوثائق التي تشير إلى محمد وإلى الفتوحات العربية في المصادر غير العربية تتساقط عند التمحيص، وهو ما تكشف عنه دراسات مهمة مثل كتاب (رؤية الإسلام كما رآه الآخرون- Seeing Islam as Others Saw It) لروبرت ج. هولاند، وكتاب (الفتوحات العربية في روايات المغلوبين) لحسام عيتاني، وغيرها.

    والعجيب أن محمد آل عيسى في كتابه “تاريخ الإسلام المبكِّر” يعود –بعد أن يؤسِّس لمقولات الغياب- فيشير إشارات عابرة إلى بعض هذه الوثائق (التي تتضمن ذكر محمد والفتوحات العربية)، مدرجًا إيَّاها في سياقٍ يُرْغِمُها على أن تنطق بدلالات الغياب رغم أنها دليل حضور بيِّن.

    أما تنوُّعُ العملات في عصر معاوية وامتزاجُ ملامحها الإسلامية بملامح بيزنطية أو ساسانية وانقطاعُ ذلك في عصر عبد الملك فإنه لا يناقض الرواية العربية “الكلاسيكية” أصلاً، ويمكن تعليله بسنة التدرُّج التاريخي؛ فلا يمكن للفاتحين الجدد أن يفرضوا رموز دينهم على مختلف مؤسسات الشعوب المفتوحة بطريقة مفاجئة، ولا بد من مرحلة انتقالية، وهي المرحلة التي مثَّلها معاوية بن أبي سفيان ومن تلاه، حتى قرَّر عبد الملك بن مروان تغليب الطابع الإسلامي العربي وفرضه على جميع الأقاليم.

    وقد تَدْخُلُ في التعليل عوامل تتعلق بالسمات الشخصية للخليفة الحاكم، فمعاوية مثلاً أكثر “براجماتية” وأكثر انفتاحًا على الثقافات الأخرى من عبد الملك (وهي التعليلات التي يقترحها حامد عبد الصمد مُعِدُّ ومقدِّمُ برنامج صندوق الإسلام في الحلقة 54). ويمكن الحديث –بشكل عام- عن تدرُّج في استخدام العملات: ففي المرحلة الأولى استُخْدِمت عملات الشعوب المفتوحة، وفي الثانية أُدْخِلت عبارات عربية وإسلامية على تلك العملات، وفي الثالثة ضُرِبت عملات إسلامية خالصة. (وتوفِّر الويكيبديا تحت عنوان “العملات الإسلامية” نبذة عن هذا الموضوع).

    إن المأزق الكبير الذي وقعت فيه هذه الدراسات أنَّها شطبت بجرَّة قلم مصادر التاريخ الإسلامي كلَّها، وانطلقت تتلمَّس طريق بحثها في ظلام دامس، بالنظر إلى ندرة الآثار المتعلقة بتلك الفترة. والمصادر الإسلامية المتعدِّدة المنازع (الأدبية واللغوية والتاريخية والدينية المتعلقة بعلوم القرآن والحديث والفقه وغيرها) تتضافر جميعها على رسم إطار تاريخي عام يمكن الاطمئنان إلى صحته النسبية، ويمكن توظيفه في فهم الآثار واستنطاق حقائقها الصامتة،

    ويمكن للآثار عندئذٍ أن تكون بحثًا مفيدًا جدًّا في تصحيح الكثير من التصورات التاريخية التفصيلية التي تتأثَّر كثيرًا بعيوب الرواية الشفوية والمواقف المسبقة والتحيُّزات العرقية والدينية والجَهَوِيَّة. إن استثمار المكتشفات الأثرية في تصحيح فهمنا للتاريخ جهدٌ علميٌّ نافعٌ جدًّا، ولكنَّ الاكتفاءَ بها، والانجرارَ إلى “تقديسها”، وإطلاقَ العنان للخيال في إرغامها بأن تبوحَ بما تعجز عن البوح به، فليس أكثر من “شقلبات بهلوانية” لا تثري فِكْرًا ولا تعمِّقُ نظرًا ولا تحرِّرُ عقلاً.

    إن التاريخ (كما ترويه المصادر القديمة) يؤثِّر في حياة مجتمعاتنا بشكل يومي، يصوغ عقائدها وسلوكاتها وأُطُرها القيمية، وقد تحوَّل في بعض الحالات بفعل الهالة القدسية المحيطة به إلى سجن كببر يعوق انطلاقها في فضاءات الحداثة المعرفية. والتحرُّر من إسار هذا التاريخ يقتضي الاقتراب الجدِّي منه، وتفكيك مضامينه ومنظوماته، وفهم مقوِّماته البشرية والتاريخية، ووضعه في موقعه “الطبيعي” ضمن مسلسل التاريخ الإنساني الكبير.

    ويمكن للبحث الأثري متى ما استعان بمعطيات هذا التاريخ، وعاد إلى مصادره، أن يكون ذا مردود معرفي ثمين. أما الإعراض عنه بالجملة بحجة أنه “تراث شفوي”، واعتباره “نفاية معرفية” لا قيمة لها، فلا يفضيان إلاَّ إلى تكريس حالة “عدم الفهم” و”العجز عن الفهم” ومن ثم “العجز عن المواجهة”: مواجهة التصورات التقليدية الممعنة في الانغلاق والدوغمائية.

    http://www.alfalq.com/؟p=8648http://www.alfalq.com/؟p=8648
                  

05-25-2018, 05:18 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)

    نشرٌ للدين، أم شراهة للغنائم والسبي؟؟؟

    "أسطرة" طارق بن زياد، ونهايته المأساوية؟؟؟

                  

05-30-2018, 03:40 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)

    للنقاش بناء على الحلقة المبسوطة أدناه من "صندوق الإسلام":

    مااستعبده المسلمون من البشر، يفوق مااستعبده بقية العالم !!!

    امريكا استعبدت أربعة ملايين إنسان، بينما استعبد المسلمون ١٧ مليون إنسان !!!

    وزير خارجية سوداني في الستينيات، يطالب أمريكا بدفع تعويض للعبيد ؟؟؟؟






    سوق للنخاسة في ليبيا الحديثة ٢٠١٧، تغطية الصحفية السودانية البريطانية "نعمة الباقر" مراسلة شبكة السي ان ان :





    http://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2017/11/23/نعمة-الباقر-سودانية-فجرت-قضية-العبيد-بليبيا
                  

05-30-2018, 06:13 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)



    لقاء نعمة الباقر مع قناة تلفزيونية كندية حول سوق النخاسة الليبي:

                  

06-11-2018, 05:56 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)

    فصل الخطاب في تحريف راية العقاب

    انتشرت راية العقاب والتي يعتقدها الكثيرون انها الراية التي تمثل راية الرسول وجيشه ودولته منذ بدء الفتوحات الاسلامية، واخذتها الجماعات الاسلامية على انها الراية التي تؤصل للعقيدة الاسلامية، وعلى رأسها “الدولة الاسلامية” واعتبروها راية الخلافة الاسلامية،

    فما هي راية العقاب؟

    ولماذا عبارة “محمد رسول الله” مكتوبة بشكل معكوس؟

    هل هذه الطريقة في تركيب العبارة صحيحة؟

    وهل هي موجودة في اي من نقوش او رايات او رموز الدول الاسلامية المبكرة؟

    هنا نناقش هذه القضية ونبدأ بتعريف راية العقاب :

    الراية السوداء والمعروفة براية العقاب (النسر) هي احدى الرايات التي رفعها النبي محمد في الشريعة الاسلامية، والاستخدام الأساسي لها – تاريخيا – بدأ من عهد ابو مسلم الخراساني في الثورة العباسية 747 م وبالتالي فان الراية ترتبط بوجه خاص ليس مع العهد النبوي بل مع العهد العباسي الاول (عهد الثورة)،

    كما ان للراية دلالات أخرى فهي جزء من علامات ظهور المهدي وتبشر بظهوره، وشاع استخدامها بكثافة لدى الجماعات الجهادية والجماعات الاسلامية المعاصرة.

    الراية المزيفة

    تظهر راية العقاب على انها جزء من علامات نهاية الزمان، وهي من الدلالات التي ورثها الاسلام عن اليهودية والمسيحية وتعرف بــ “علم الأخرويات الإسخاتولوجيا eschatology أو علم الأخرويات (Εσχατολογία ) والتي ترتبط بنهاية عنيفة ودموية للعالم وتظهر في فرسان رؤيا يوحنا الاربعة.

    راية العقاب قبل الإسلام:

    ظهرت راية العقاب قبل الاسلام بوضوح لدى الرومان لتحديد الفيالق باستخدام رموز النسور في 600 م واستخدم العرب الراية لنفس الغرض، وكانت رايتهم مربعة الشكل وهناك فرق بين اللواء والراية والتي تتميز باللون الأحمر.

    كما ان للنسر جذور مهمة في عصر الجاهلية، فالعرب اعتقدت ان النسر لا ذكر له وان الانثى تضع البيض دون الذكر، وللعقاب اهمية كبيرة في تصوير القوة لدى عرب الجاهلية.ويعتقد ان اول صيغة اسلامية لراية العقاب كانت من قبل عائشة وهي عصابة الرأس عليه صورة النسر البيزنطي.

    تنظيم العبارات في الراية :

    ظهرت الراية وهي تحمل عبارة “لا اله الا الله محمد رسول الله” بطريقة تختلف كليا عما ظهر لدينا في البحث والتقصي في الرموز والنقود الاسلامية، فالراية المعاصرة تقوم بترتيب العبارة بشكل مقلوب “الله رسول محمد”

    ولهذه الطريقة جذور واسباب، فقد وصلنا في البحث الى وجود رسالة منسوبة للنبي مزيفة* اكتشفت في تركيا في القرن 19 من قبل مؤرخ الماني يدعى بوش كشف زيف الرسالة والختم الذي يظهر بالصياغة المعاصرة.

    وكتب دراسة تفصيلية عن الرسالة المزيفة في الجمعية الشرقية الالمانيةZeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft

    فاستندت الجماعات الاسلامية الى رسالة مزيفة.

    وحين مراجعتنا للنقود الاسلامية لم نعثر على قطعة (صحيحة او مكسورة) لنقد او عملة او مسكوكة او ورقة يظهر في الترتيب المعكوس لعبارة “الله رسول محمد” بل كل الدراهم والمسكوكات تظهر فيها العبارة بالشكل الصحيح “محمد رسول الله” .

    النتائج :

    ان الراية المستخدمة هي استناد الى نسخة مزيفة من رسالة منسوبة للنبي محمد.

    ان الرايات الاسلامية المبكرة والمتأخرة لم تستخدم عبارات او كتابات بل كانت في الغالب اشارة لونية فقط (الاسود، الاخضر، الابيض، الاحمر، والاصفر احيانا).

    ان التاريخ الاسلامي الذي وصلنا هو حصيلة ونتاج القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لذلك انصحكم بتوخي الحذر اثناء قراءة نصوص وتحليلات قادمة من مفكرين ومؤرخين اسلاميين من تلك الحقبة، ويقتضي الحال بكم مراجعة النصوص الاسلامية الاصلية ومقارنتها مع الدراسات الحديثة.

    المصادر والمراجع :

    David Cook (2002). Studies in Muslim Apocalyptic. Darwin Press. p. 197. from Majlisi,

    David Wroe; James Massola (December 16, 2014). “Flag being held by Lindt Chocolat Cafe hostages is not an Islamic State flag”. The Sydney Morning Herald. Retrieved 2015-03-03.the black banner which was used in the 1990s

    https://omarjasim.org/2015/12/18/فصل-الخطاب-في-تحريف-راية-العقاب/https://omarjasim.org/2015/12/18/فصل-الخطاب-في-تحريف-راية-العقاب/

    الرسالة المزيفة:



    الراية المقلوبة:

                  

06-17-2018, 05:19 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسرار تلف الإسلام المبكر ودراساته، فأي� (Re: osama elkhawad)

    تناقض "السردية الاسلامية التقليدية" حول "عام الفيل"،

    مع البحث الاركيولوجي والتاريخ البيزنطي والمنطق العسكري

    هل كانت حملة ابرهة\عام الفيل عام ٥٥٢ وليس عام ٥٧٠ م ؟؟

    هل تغيير التاريخ سيغيَّر ايضًا ميلاد الرسول محمد صلعم،

    وكل تواريخ السيرة النبوية كما وردت في ابن هشام؟؟؟!!!
    -----------
    قصة أبرهة والفيل: لمَ لا يتوقف المسلمون عن التفسير والنقد وتمحيص المصادر-
    محمد يسري

    تُعد سورة الفيل واحدة من السور المكية التي تنزلت على الرسول الكريم في أوائل البعثة النبوية.

    ورغم أن السورة لا تحتوي على معلومات يقينية أو تفصيلات قاطعة، إلا أن التراث التاريخي الإسلامي، سرعان ما عمل على ربطها بقصة أبرهة الحبشي وهجومه على البيت الحرام.


    في هذا المقال، نستعرض عدداً من التفسيرات المختلفة لتلك السورة، مع التأكيد بأن جميع تلك التفسيرات–بما فيها التفسير التراثي الشائع– هي مجرد نظريات وآراء تُنسب إلى أصحابها، دون المساس بالسورة نفسها، والتي تحظى بنفس القداسة التي تحظى بها باقي سور القرآن الكريم.

    وكما يقترح عنوان المقالة، هذا مثالٌ على أنّ التراث الإسلامي ليس منتجاً جامداً، بل كان ولا يزال مجالاً واسعاً للتمحيص والنقض والإبداع الفكري، امتاز بحوار دائم بين النظريات والتفاسير، التي تشير وتبني على بعضها البعض، والتي تنقض ما جاء قبلها مقدمة قراءات مختلفة.


    القصة التقليدية بحسب المصادر الإسلامية

    بحسب ما ذكره ابن هشام في السيرة النبوية، ونقله عنه أغلبية المؤرخين المسلمين بعدها، مثل الطبري في تاريخ الرسل والملوك، وابن الأثير في الكامل، وابن كثير في البداية والنهاية، فإن مملكة الحبشة استطاعت أن تنتصر على الحميريين ملوك اليمن، وتم تعيين أحد القادة الأحباش المسيحيين ويُدعى أبرهة كوالٍ على اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة.

    ثم سرعان ما انفرد أبرهة بالسلطة في اليمن، وقام ببناء كنيسة كبيرة في صنعاء، سماها القُليس، وعزم على أن يجعل منها قبلة ومزاراً لأهل شبه الجزيرة العربية، ولكنه اصطدم بحقيقة أن أغلبية العرب يحجون إلى الكعبة، وأن كنيسته قد بقيت وحيدة منعزلة لا يزورها إلا قلة من النصارى.

    غضب أبرهة سرعان ما تفجر بعد ذلك، عندما قدم أحد العرب بالإساءة داخل الكنيسة، وكان في ذلك الفعل، استهزاء واضحاً بأبرهة وبالديانة النصرانية، ولذلك قرر القائد الحبشي أن ينتقم، فجهز جيشاً كبيراً، وضم إليه عدداً من الفيلة، وكان أكبرهم فيل يُعرف بمحمود، وقاد أبرهة ذلك الجيش بنفسه إلى مكة، وكان العرب يهربون من أمامه لما عرفوا أنهم لا يستطيعون مقاومته أو صده.

    وفي الطريق إلى مكة، استولى الجيش على بعض الجمال المملوكة لزعيم مكة، عبد المطلب بن هشام، ووصلت تلك الأخبار إلى قبيلة قريش، فتركوا ديارهم ومنازلهم، وصعدوا للاختباء وسط الجبال القريبة منهم، أما عبد المطلب فقد ذهب للقاء أبرهة، وطلب منه ترك جماله، وهو الأمر الذي أدهش القائد الحبشي، إذ تعجب كيف يفاوضه كبير قريش في أمر الجمال، ولا يحدثه فيما اعتزم عليه من هدم الكعبة، فرد عليه عبد المطلب بجملته الشهيرة "أنا رب هذه البيت، أما البيت فله رب يحميه".

    وتُستكمل القصة بأن أبرهة وجه الفيل ناحية الكعبة، ولكنه امتنع عن المسير، ورفض أن يتحرك إليها، وبينما استعد الجيش لهدم بيت الله الحرام، إذ السماء قد امتلأت بأعداد هائلة من الطيور، وكان كل طير يمسك في منقاره ومخالبه عدداً من الحجارة الصغيرة، حيث تم إلقاؤها جميعاً على جيش أبرهة، فاخترقت تلك الحجارة أجسادهم ودمرتهم تدميراً، وهلك الجيش كله، ورجعت قريش لمنازلها بجوار الكعبة.

    بين الأركيولوجيا والتاريخ والمنطق العسكري

    في 1951م، قامت بعثة استكشافية عُرفت باسم بعثة ركمانز، بعدد من الاستكشافات الأركيولوجية في مناطق مختلفة من أراضي المملكة العربية السعودية.

    أبرز منجزات تلك البعثة، كان ذلك النقش الذي عُثر عليه في مريغان بمنطقة تثليث الواقعة في جنوب غرب المملكة.

    في كتابه "محمد وأصل الإسلام" (1994)، يذكر المؤرخ الأميركي فرانسيس إدوارد بيتر، ما ورد في هذا النقش، والذي جاء فيه:

    "بقوة الرحمن ومسيحه، الملك أبرهة، زبيمان، ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت واليمامة، والقبائل العربية في المرتفعات والسواحل، كتب هذا النقش عندما غزا قبيلة معد... عندما ثارت كل قبائل بني عامر، وعين الملك القائد أبي جبر... وحضروا أمام الجيش ضد بني عامر...، وذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة، ورجع أبرهة بقوة الرحمن في شهر ذو علان في السنة الثانية والستين وستمائة".

    الحقيقة، أن ذلك النقش قد فتح آفاقاً جديدة لفهم حملة أبرهة على بلاد العرب، لأن ما ورد به يتناقض مع الصورة النمطية التي قدمتها المصادر التاريخية الإسلامية، حيث أكد النقش على عودة أبرهة سالماً من حملته، كما أن أسماء القبائل والمدن المذكورة في النقش، لم تتضمن قريش أو مكة على الإطلاق.

    وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن النقش قد حدد توقيت الحملة بعام 662 من التقويم السبئي، والذي يناظر سنة 552 من التقويم الميلادي، وهو ما يسبق عام 570م، الذي يُعتقد بأنه قد شهد هجوم الفيل على مكة، بثمانية عشر عاماً كاملة.

    فإذا ما تركنا الأبحاث الأركيولوجية التي أجريت في السعودية، جانباً، وتطرقنا للتواريخ البيزنطية المعاصرة لتلك الحقبة الزمنية، لوجدنا أنها تتوافق توافقاً كبيراً مع المعلومات المستمدة من النقوش، وفي الوقت ذاته تقدم رؤية مختلفة لمسببات الحملة، عن تلك التي وردت في المصادر الإسلامية.

    فاعتماداً على ما ذكره المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس القيصري، في كتابه "تاريخ الحروب الفارسية"، ونقله عنه الدكتور جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، فإن حملة أبرهة الحبشي على بلاد العرب، لم تكن بسبب ما بدر من بعض العرب تجاه كنيسة القليس، كما يذكر ابن هشام في سيرته، بل إنها قد تمت في سياق المنافسة الشرسة التي وقعت ما بين الفرس والبيزنطيين.

    فبحسب ما يذكر بروكوبيوس، فإن نوعاً من التحالف قد عُقد ما بين أبرهة والإمبراطور البيزنطي جستنيان الأولى الذي كان يعرف بـ"الإمبراطور الروماني الأخير"، وكان الهدف الأول من هذا التحالف هو ضرب المكاسب الاقتصادية للإمبراطورية الساسانية الفارسية، عن طريق قطع السيطرة الفارسية على طريق الحرير، والذي كان يمثل خط التجارة الأساس في العالم القديم وقتها، واستبداله بخط بحري، يربط الهند بأوروبا عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر.

    وكان تأديب القبائل العربية الموالية للفرس، والتي تتفق أسماؤها مع الأسماء المذكورة في النقش، هو أحد السُبل لتنفيذ الخطة اليمنية –البيزنطية، ولكن بروكوبيوس يذكر أن ذلك المخطط لم ينجح في نهاية الأمر، لأن بلاد الحبشة واليمن لم تكن تمتلك أسطولاً قوياً، بالإضافة أن أبرهة نفسه قد توفي في عام 555م، في صنعاء، بعد أقل من ثلاث سنوات من رجوعه من حملته.

    الطعون الموجهة للروايات التراثية الإسلامية بخصوص قصة الفيل، لم تقتصر على الاستكشافات الأركيولوجية والمصادر التاريخية البيزنطية فحسب، بل أن أحد أقوى تلك الطعون، هي تلك المتعلقة بما يمكن أن نسميه بالمنطق أو الاستراتيجية العسكرية.

    ذلك أن الكثير من الشكوك توجه للكيفية التي تمكنت بها الأفيال المرافقة للجيش الحبشي، من قطع مسافة تربو على 800 كيلو متر، وهي المسافة ما بين صنعاء ومكة، في الوقت الذي يندر فيه وجود المياه في هذا الطريق الصحراوي، مع العلم بأن الفيلة تحتاج كميات ضخمة من المياه للشرب كل يوم.
    ويتفق ذلك مع أنّ استعمال الفيلة في الحروب في الأماكن الصحراوية، كان أمراً غير معروف على الإطلاق في الأزمنة القديمة، بل أن استخدامها في القتال، قد اقتصر على الأودية والسهول والمناطق المنبسطة المليئة بالمياه، وهو ما تحقق بشكل كبير في فترة الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس، حيث اعتاد الفرس في ذلك الحين، على الاستعانة بعدد من الفيلة المدربة على القتال.

    تفسيرات معاصرة للقصة

    الشكوك المتعددة التي تحيط بقصة الفيل، أدت لقيام عدد من العلماء والباحثين المسلمين المعاصرين، بمحاولات لإيجاد تفسيرات موضوعية ومنطقية لسورة الفيل، وذلك للخروج من قيود النظرة التراثية الجامدة التي شاعت وتواترت في المصادر الإسلامية التاريخية القديمة.
    محمد عبده، الذي وصف بكونه أحد المجددين الكبار في العالم الإسلامي، عمل على التقليل من حدة النزعة الإعجازية عند تناوله لسورة الفيل، في تفسير المنار، حيث نجده يقدم طرحاً مختلفاً لتفسير آياتها، فهو يميل لاعتبار هلاك أصحاب الفيل قد تم بواسطة مرض أو عدوى، فيقول:

    "ويجوز الاعتقاد بأن الطير المذكور في السورة من جنس البعوض، أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس، الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات فإذا اتصل بجسده دخل في مسامه، فأثار تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه، وإن كثيراً من هذه الطيور الضعيفة يُعَد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر، وإن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالميكروب لا يخرج عنها".

    وقد تعرض ذلك الرأي، فيما بعد بالكثير من الانتقاد، حيث علق عليه المفكر الإسلامي سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن"، مهاجماً جنوح عبده لصبغة القصة بصبغة عقلانية، فأكد على الجانب الإعجازي فيها، قائلاً:
    "فهذه الخوارق–كما يسمونها– هي من سنة الله، ولكنها خوارج بالقياس إلى ما عهدوه وما عرفوه، ومن ثم فنحن لا نقف أمام الخارقة مترددين ولا مؤولين لها، متى صحت الرواية".

    أما العالم الشيعي العراقي، السيد أحمد القبانجي، وهو المعروف بأراءه التي تختلف كثيراً عما هو متعارف عليه في السرد الشيعي، فقد فسر سورة الفيل على كونها أسطورة كانت معروفة ومنتشرة بين العرب قبل الإسلام، وأن الله لما حكى عن أصحاب الفيل في القرآن الكريم لم يقصد بذلك التأكيد على مصداقية القصة التاريخية، بل كان الهدف من ذلك هو تبيان العبرة والموعظة من قصة القضاء على الجيش الذي كاد أن يدمر البيت الحرام، وما في ذلك من إظهار القدرة الإلهية.

    أما أكثر التفسيرات غرابةً للسورة، فكان تفسير أحمد صبحي منصور، زعيم طائفة القرآنيين، والذين يعتمدون في تفسير القرآن الكريم على القرآن نفسه، دون اللجوء للأحاديث النبوية.

    يرى منصور، أن الفيل الذي سُميت به السورة، والذي ورد في آياتها، ليس المقصود به ذلك الحيوان المعروف بذلك الاسم، بل يرى أن كلمة الفيل هنا، تعني الخطأ، ويستدل على ذلك بما ورد في المعاجم اللغوية، ومنها على سبيل المثال كتاب لسان العرب لابن منظور، حيث ورد به في مادة فيل "فال رأيه: أي أخطأ وضعف... ورجل فيل الرأي: أي ضعيف الرأي".

    وبحسب اعتقاد أصحاب هذا التفسير، فإن سورة الفيل لا تتكلم مطلقاً عن أحداث الهجوم على الكعبة، بل إنها تتكلم عن قوم لوط، الذين وقعوا في الفاحشة والخطيئة، فاستحقوا العقاب من الله.
    ومما يستشهد به أصحاب ذلك الرأي، أن كلمة سجيل التي وصفت بها السورة، الأحجار التي ألقيت على أصحاب الفيل، لم تُذكر في القرآن، إلا في موضعين أخرين فقط، وذلك في سورتي هود والحجر، في سياق وصف العذاب الذي سلطه الله على قوم نبي الله لوط.

    وبحسب أراء ذلك الفريق، فإن التفسير التراثي للسورة، والذي يذكر قصة أبرهة والفيل، لا يتماشى مع السنن الإلهية المعتادة، ذلك أن سكان مكة في تلك الفترة كانوا من المشركين، ولم يكن هناك رسول أو نبي بينهم، بحيث تتنزل معجزات الله لتأييد رسالته أو دعوته، كما أنه كثيراً ما تم تخريب الكعبة في التاريخ الإسلامي، على يد يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف والقرامطة، دون أن تحدث معجزة مثل تلك التي تذكرها السورة.
    موقع "رصيف ٢٢".
    ----------

    بقايا كنيسة ابرهة الحبشي في صنعاء القديمة 1942

                  

06-17-2018, 10:46 PM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20357

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    مسألة الفيل والاستحالة الجغرافية والبيئية والعسكرية يا خواض ..
    ذكرتني بنقاش دار بيني واحد اقاربي جاء للمعايدة وجلسنا لمائدة الفطور فذكر انهم افطروا يوم العيد بصينية سمك (كاربة) اقتداء برسول الله في اول ايام عيد الفطر

    فسألته من اين اتى بهذه السنة المحمدية فأجاب بانها مذكورة في احد الاحاديث او كتب السيرة ولم يكن متأكدا, ولكنه بوغت تماما عندما سألته من اين يأتي اهل مكة او المدينة بالاسماك في ذلك الوقت وحتى تكون هناك عادة لتناول السمك عند كل عيد فطر ؟!

    (عدل بواسطة محمد حيدر المشرف on 06-17-2018, 10:52 PM)
    (عدل بواسطة محمد حيدر المشرف on 06-17-2018, 10:55 PM)

                  

06-22-2018, 10:28 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: محمد حيدر المشرف)

    اهلاً د. المشرف
    السردية الاسلامية التقليدية تهتم بالعنعنة أي بالرجال ولا تهتم بالمحتوى،

    ولذلك فهي مليئة بالأساطير كما في قصة فيل ابرهة...يقول ابن هشام في السيرة النبوية عن " فيل ابرهة" الاسطوري؟؟

    :
    Quote: فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبىَّ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ؛ وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن ‏‏‏.‏‏‏ فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذه بأذنه ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه ‏‏‏.‏‏‏فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى ‏‏‏.‏‏‏ فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، ‏‏ فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك ‏‏‏.‏‏‏

    هو فيل حبشي كيف يكون اسمه محمود؟

    وكيف يمكن الحديث مع الفيل؟

    كما ان الكعبة كانت بحسب السردية التقليدية تعج بالاصنام،

    فكيف يدافع الرب عن الأصنام؟؟؟

    مشكلة السردية الاسلامية انها تركز على العنعنة،

    ولا تنتبه الى أن المحتوى يمكن ان يكون اسطوريا مثلا...

    فكيف تتعامل السردية الاسلامية التقليدية مع "المحتوى" الذي لا يقبله العقل المعاصر؟؟

    "إعادة التأويل"....
    كيف؟؟

    سنعطي مثلا ًعن "أثر" القردة الزانية، وكيف تم التعامل معه ، كما يرى الشيخ اسحق الحويني:

    (عدل بواسطة osama elkhawad on 06-22-2018, 10:31 PM)

                  

06-25-2018, 00:00 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    اقتصاد "الغزو"؟؟؟

                  

06-25-2018, 03:46 AM

Asim Fageary
<aAsim Fageary
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 7810

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)


    يا اسامة الخواض ويا ود المشرف التساؤلات كثيرة

    خدو عندكم

    يقال أن هنالك حديث يقول قتل النفس اشد من هدم الكعبة .. وفي ذات الوقت عندما سألنا لماذا انتصر الله للكفار ضد المؤمنين حيث كانت قريش هم الكفار وكان أبرهة وجيشه هم المؤمنين المسيحيين حينها

    قالوا أن هذا الإنتصار لم يكن لقريش الكفار بل كان حماية للكعبة

    لاحظ التناقض .. قتل النفس أشد من هدم الكعبة وفي ذات الوقت قتلت أنفس بطيور أبابيل لحماية الكعبة من الهدم !


    ما تفسير هذا التناقض ؟


                  

06-28-2018, 04:39 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: Asim Fageary)

    الاستاذ عاصم فقيري

    سلامات

    وآسف لتأخير الرد.

    الثقوب التي أشرت إليها حول حملة ابرهة في حدود الرواية الاسلامية التقليدية ،

    تكشف عن خلل في الرواية نفسها، لأنها غير متماسكة، وتفتقد إلى المنطق اللاهوتي السليم...

    وهناك من يرى أن تلك القصة مختلقة ممن كتبوا التاريخ في العصر العباسي،

    ويحاول أن يجد تأويلاً مقبولاً لسورة الفيل بنسبتها إلى قوم لوط. وأنّ لكلمة "الفيل" معانٍ أخرى لا علاقة لها بالفيل كحيوان...

    أدناه رأي ليلى حسن في مدونتها:

    Quote: قصة اصحاب الفيل- التزوير المقدس

    علم الاثار يفضح فقهاء العباسيين

    قصة اصحاب الفيل و تزوير الكهنة العباسيين للتاريخ و النصوص الدينية

    أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ
    أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
    وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ
    تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ
    فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ

    من روائع الرواية الاسلامية العباسية التي دونها "الفقهاء" الكهنة في بلاط السلاطين العباسيين بعد اكثر من 250 سنة من ظهور القرآن. تفسيرهم المزور لسورة الفيل
    ادعى الكهنة المعممين أن سورة الفيل تتحدث عن أبرهة . من سوء حظهم ان أبرهة ترك لنا أثر نقش مفصل يؤرخ تفاصيل حملته على شبه الجزيرة العربية. صورة نقش أبرهة باللغة السبئية موجود في موقع وكالة الأثار والمتاحف بالسعودية: http://www.mnh.si.edu/epigraphy/e_pre-islamic/fig04_sabaean_img.htm
    ترجمة النص السبئي للعربي:

    بقوة الرحمن ومسيحه الملك أبرهة زيبمان ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وقبائلهم (في) الجبال والسواحل ، سطر هذا النقش عندما غزا (قبيلة) معد (في) غزوة الربيع في شهر "ذو الثابة" (ابريل) عندما ثاروا كل (قبائل) بنى عامر وعين الملك (القائد) "أبي جبر" مع (قبيلة) على (والقائد) "بشر بن حصن" مع قبيلة سعد (وقبيلة) مراد وحضروا أمام الجيش ضد بنى عامر (وجهت) كندة وعلى في وادي "ذو مرخ" ومراد وسعد في وادي على طريق تربن وذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة وحارب الملك في حلبان واقترب كظل معد (وأخذ) اسرى، وبعد ذلك فوضوا (قبيلة معد) عمرو بن المنذر (في الصلح) فضمنهم ابنه (عروا) (عن أبرهة فعينه حاكماً على معد ورجع (أبرهة) من حلبان بقوة الرحمن في شهر ذو علان في السنة الثانية والستين وستمائة (662)

    تحليل النص
    :
    أولا أبرهة في حديثه عن حملته على شبه الجزيرة العربية لا يذكر مكة مطلقا ويأخذ طريق يتجاهلها و كأنها غير موجودة. ذلك مع ان من المفروض طبقا لتاريخ الكهنة انه قام بحملته من أجل مكة. ومن النقش يمكننا ان نرسم بوضوح خط سير حملة أبرهة كما هو موضح في الخريطة المرفقة لهذا البحث.

    ثانيا النقش لا يوجد فيه أي إشارة من قريب أو بعيد إلى أي فيل. ولو كان أبرهة فعلا تكبد مشقة وصعوبة إحضار الافيال إلى الصحراء كان النقش أكيد ذكرهم. والنقش يوضح ان أبرهة هزم العرب و ليس العكس. وذلك يؤكد ما نعرفه من التاريخ الموثق بالنقوش المادية وهو ان دولة أبرهة لم تهزم من العرب وإنما هزمت من الفرس حوالي سنة 570 ميلاديا. وأبرهة هزم العرب عن طريق التحالف مع قبائل عربية أخرى ضدهم. يعني خيانة القبائل العربية هي التي مكنته من هزيمتهم.



    ثالثا تاريخ غزوة أبرهة من النقش هو سنة 662 في التقويم السبئي وهي توافق سنة 552 ميلادية. ولكن بعد حوالي 250 سنة بعد هذا الحدث روايات الكهنة العباسيين تدعى ان النبي محمد ولد في عام غزوة أبرهة وتدعى ان هذا كان عام 571 ميلادية. اذا إما أهم تاريخ الذي هو بداية سيرة ابن اسحاق فاسد وبالتالي تواريخ السيرة التي تتبعه كلها فاسدة أو الرسول محمد ولد وعاش قبل ما يدعي ابن إسحاق و باقي الكهنة بحوالي 19 سنة وبالتالي كل أحاديث أهل الحديث سوف تصبح تلقائياً مقطوعة وغير صحيحة.

    رابعا بالنسبة لسورة الفيل فهي لا تتحدث عن أبرهة ولا يوجد فيها أي ذكر له. السورة تتحدث عن قوم أمطر الله عليهم حجارة من سجيل. هناك قوم وحيدين فقط أمطرت عليهم حجارة من سجيل:

    فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ
    فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ
    وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ

    وطبعا هؤلاء هم قوم لوط.

    وكلمة فيل لها معاني أخرى في اللغة العربية الفصحى منها على سبيل المثال الرأي القبيح الخطأ وذلك يتفق مع سياق رأي وفعل قوم لوط القبيح الخطأ.
    من لسان العرب:
    فَيَّل رأْيَه: قبَّحه وخطَّأَه.

    التفسير المنطقي لسورة الفيل هو أنها تتحدث عن قوم لوط وليس لها أي علاقة بأبرهة وهي تفضح فساد وتدليس كل الروايات العباسية المزورة للتاريخ المكتوبة 250 سنة بعد ظهور القرآن...


    مسار حملة أبرهة:

                  

06-28-2018, 09:28 AM

Asim Fageary
<aAsim Fageary
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 7810

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    Quote:

    قصة اصحاب الفيل- التزوير المقدس علم الاثار يفضح فقهاء العباسيين قصة اصحاب الفيل و تزوير الكهنة العباسيين للتاريخ و النصوص الدينية أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ من روائع الرواية الاسلامية العباسية التي دونها "الفقهاء" الكهنة في بلاط السلاطين العباسيين بعد اكثر من 250 سنة من ظهور القرآن. تفسيرهم المزور لسورة الفيل ادعى الكهنة المعممين أن سورة الفيل تتحدث عن أبرهة . من سوء حظهم ان أبرهة ترك لنا أثر نقش مفصل يؤرخ تفاصيل حملته على شبه الجزيرة العربية. صورة نقش أبرهة باللغة السبئية موجود في موقع وكالة الأثار والمتاحف بالسعودية: http://www.mnh.si.edu/epigraphy/e_pre-islamic/fig04_sabaean_img.htm ترجمة النص السبئي للعربي: بقوة الرحمن ومسيحه الملك أبرهة زيبمان ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وقبائلهم (في) الجبال والسواحل ، سطر هذا النقش عندما غزا (قبيلة) معد (في) غزوة الربيع في شهر "ذو الثابة" (ابريل) عندما ثاروا كل (قبائل) بنى عامر وعين الملك (القائد) "أبي جبر" مع (قبيلة) على (والقائد) "بشر بن حصن" مع قبيلة سعد (وقبيلة) مراد وحضروا أمام الجيش ضد بنى عامر (وجهت) كندة وعلى في وادي "ذو مرخ" ومراد وسعد في وادي على طريق تربن وذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة وحارب الملك في حلبان واقترب كظل معد (وأخذ) اسرى، وبعد ذلك فوضوا (قبيلة معد) عمرو بن المنذر (في الصلح) فضمنهم ابنه (عروا) (عن أبرهة فعينه حاكماً على معد ورجع (أبرهة) من حلبان بقوة الرحمن في شهر ذو علان في السنة الثانية والستين وستمائة (662) تحليل النص : أولا أبرهة في حديثه عن حملته على شبه الجزيرة العربية لا يذكر مكة مطلقا ويأخذ طريق يتجاهلها و كأنها غير موجودة. ذلك مع ان من المفروض طبقا لتاريخ الكهنة انه قام بحملته من أجل مكة. ومن النقش يمكننا ان نرسم بوضوح خط سير حملة أبرهة كما هو موضح في الخريطة المرفقة لهذا البحث. ثانيا النقش لا يوجد فيه أي إشارة من قريب أو بعيد إلى أي فيل. ولو كان أبرهة فعلا تكبد مشقة وصعوبة إحضار الافيال إلى الصحراء كان النقش أكيد ذكرهم. والنقش يوضح ان أبرهة هزم العرب و ليس العكس. وذلك يؤكد ما نعرفه من التاريخ الموثق بالنقوش المادية وهو ان دولة أبرهة لم تهزم من العرب وإنما هزمت من الفرس حوالي سنة 570 ميلاديا. وأبرهة هزم العرب عن طريق التحالف مع قبائل عربية أخرى ضدهم. يعني خيانة القبائل العربية هي التي مكنته من هزيمتهم. ثالثا تاريخ غزوة أبرهة من النقش هو سنة 662 في التقويم السبئي وهي توافق سنة 552 ميلادية. ولكن بعد حوالي 250 سنة بعد هذا الحدث روايات الكهنة العباسيين تدعى ان النبي محمد ولد في عام غزوة أبرهة وتدعى ان هذا كان عام 571 ميلادية. اذا إما أهم تاريخ الذي هو بداية سيرة ابن اسحاق فاسد وبالتالي تواريخ السيرة التي تتبعه كلها فاسدة أو الرسول محمد ولد وعاش قبل ما يدعي ابن إسحاق و باقي الكهنة بحوالي 19 سنة وبالتالي كل أحاديث أهل الحديث سوف تصبح تلقائياً مقطوعة وغير صحيحة. رابعا بالنسبة لسورة الفيل فهي لا تتحدث عن أبرهة ولا يوجد فيها أي ذكر له. السورة تتحدث عن قوم أمطر الله عليهم حجارة من سجيل. هناك قوم وحيدين فقط أمطرت عليهم حجارة من سجيل: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ وطبعا هؤلاء هم قوم لوط. وكلمة فيل لها معاني أخرى في اللغة العربية الفصحى منها على سبيل المثال الرأي القبيح الخطأ وذلك يتفق مع سياق رأي وفعل قوم لوط القبيح الخطأ. من لسان العرب: فَيَّل رأْيَه: قبَّحه وخطَّأَه. التفسير المنطقي لسورة الفيل هو أنها تتحدث عن قوم لوط وليس لها أي علاقة بأبرهة وهي تفضح فساد وتدليس كل الروايات العباسية المزورة للتاريخ المكتوبة 250 سنة بعد ظهور القرآن...



    طبعاً من ناحية دينية أيضاً أفضل للمسلمين أن يتبنوا هذا التفسير .. لأن التفسير الذي يقول بأن أبرهة وجيوشه هم أصحاب الفيل حقيقةً يفتقر للمنطق العلمي والديني

    بيد أن حجارة من سجيل نفسها وكذلك طير أبابيل تفسر بطريقة خيالية غير مقبولة

    وهذا الموضوع لا يزال فيه الكثير والكثير من الثغرات التي تحتاج لإلقاء الضوء عليها


    تحياتي



                  

06-29-2018, 07:18 AM

Asim Fageary
<aAsim Fageary
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 7810

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: Asim Fageary)


    بإختصار .. الإنسان ليس بحاجة للقصص الخيالية والبحث والجري خلف إمكانية إثباتها

    الإنسان وبكل أسس القيم الإنسانية التي تقرها الأديان وتقرها الفطرة مبحثه الأساسي عن العدالة في هذه الأرض طالما هنالك تقسيم ثروة لا بد منه

    القضية هي وستبقى كيف تقسم الثورة بعدالة بحيث لا يظلم الإنسان أخيه الإنسان

    إن تحققت العدالة أو قل على أقل التقديرات إن سعت الإنسانية نحو تحقيقها وبذلت جهد في ذلك بسن قوانين تحفظ كرامة الإنسان فهذا هو المطلوب من الإنسان على المستوى الديني الإلهي وعلى المستوى الدنيوي

    فلماذا يصر البعض على خلق الشائعات بقصص خرافية لا تقدم ولا تؤخر

    يجب على الرواة والمؤرخين إحترام العقل البشري والتوقف فقط في حدود الغيبيات التي تحفظ لهم ولغيرهم إيمانهم دون محاولات تصوير التأريخ المادي للبشرية في تصاوير خرافية لا يقبلها العقل

    أرجو أن يكون السطر أعلاه واضحاً للقارئ

    تحياتي أسامة الخواض وهذا البوست لن يتوقف فلدينا الكثير المثير الذي يجب أن يضاف لمتنه


                  

06-30-2018, 06:02 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: Asim Fageary)

    Quote: يجب على الرواة والمؤرخين إحترام العقل البشري والتوقف فقط في حدود الغيبيات التي تحفظ لهم ولغيرهم إيمانهم دون محاولات تصوير التأريخ المادي للبشرية في تصاوير خرافية لا يقبلها العقل

    أرجو أن يكون السطر أعلاه واضحاً للقارئ

    تحياتي أسامة الخواض وهذا البوست لن يتوقف فلدينا الكثير المثير الذي يجب أن يضاف لمتنه

    عزيزي عاصم
    سلامات

    لايمكن فصل "المعجزة"، و"الكرامة"، من القصص الديني ، والخطاب الديني عموماً.

    لكن هل يمكن تأويلها باعتبارها "قصصاً رمزية"؟؟؟

    وفي انتظار رفدك للبوست..

    تحياتي واحترامي...
                  

07-01-2018, 03:13 AM

Asim Fageary
<aAsim Fageary
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 7810

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    لكن هل يمكن تأويلها باعتبارها "قصصاً رمزية"؟؟؟


    أستاذي الخواض .. سلام

    طبعاً أنا مع هذا الرأي ورددته كثيراً في كثير المناسبات التي شاركت فيها سواء في هذا المنبر أو غيره

    نعم هذه القصص الخيالية مقصود بها رمزية وليست حرفية نص

    حيث تجد دائماً ما يستفاد من خلاصة القصة يؤكد على أنها رمزية

    هذا على الأقل بالنسبة لحدود العقل البشري المعروفة حتى الآن

    قد تكون هنالك كائنات سبقتنا وكانت لها صلات مختلفة بهذا الكون وهذا ما لا نستطيع الجزم به إلا إذا أثبت لاحقاً

    ولكن حتى الآن تبقى كل القصص الخيالية رمزية ويجب التعامل معها على هذا الأساس

    نحن كبشر مطلوب مننا البحث في حدود إمكانياتنا وحواسنا الستة

    تحياتي

                  

08-06-2018, 10:24 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: Asim Fageary)

    جغرافيا القران ومكة في الخرائط القديمة:

                  

08-07-2018, 04:53 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)
                  

08-09-2018, 06:48 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)
                  

08-09-2018, 08:03 AM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    أخ أسامة لك التحية ولضيوفك الكرام
    ** اٍحد أهم الأسباب التي تقود للتشكيك في السردية الاٍسلامية لقصص القرآن - هو (علماء التفسير) أنفسهم
    وتلاميذهم من بعدهم الذين ((غلفوا تلك التفاسير وأعطوها قدسية مساوية للقرآن نفسه ))
    ** فقد كتب أحدهم في ملتقي أهل الحديث والسنة عن كتاب الدكتور مريس بوكاي مايلي
    ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لقد اشتريت هذا الكتاب منذ أكثر من ربع قرن وقرأته بدقة
    فأما مقارنته بين القرآن الكريم والكتب السماوية السابقة فجيد .
    وأما كلامه عن السنة النبوية والعلم الحديث فكلام كله خلط بخلط
    وفيه نسف للسنة للنبوية والادعاء بأنها مخالفة للعلم الحديث وهذا كذب بيقين
    ومن طالع هذا البحث الأخير في الكتاب تأكد لديه بشكل قاطع جهل المؤلف
    المطبق بالسنة النبوية وباللغة العربية ، وتصديقه لجماعة العقلانيين.
    الذين يحكمون عقولهم القاصرة على النصوص الشرعية ))))-------------((أٍنتهي)).
    **ولكن بالمقابل لايمكن الركون لكل كتابات المؤرخين تماما واٍعتبارها علم خالص
    مجرد من أي غرض - فالتاريخ مادة قابلة للخلط - والتفسير المضاد للحقائق والوقائع
    ويعتمد كثيرا علي (حجية) الكاتب - ولو كانت ((مجرد ظنون ))
    **منقووووووووووول - يقول سمير لشعيبي في نقل عن كتاب
    المؤرخ محمد حسين الفرح - المجلد الأول والثاني من كتابه ( الجديد في تاريخ دولة وحضارة سبأ وحمير)
    الصادرة عن وزارة الثقافة – صنعاء – 2004 م .
    ((( إحدى أهم المشاكل وأغربها المتعلقة بتاريخ الأمة العربية في موطنها الأول في عصورها السبئية
    هو أنه حتى اليوم لا يوجد في الوسط الأكاديمي “الرسمي” اي أساس علمي صحيح لكرونولوجيا (chronology)
    (تحديد زمني وترتيب تسلسلي) لعهود ملوك دولة سبأ القديمة.
    وباستثناء ما قدمه وتوصل إليه المؤرخ والباحث محمد حسين الفرح رحمه الله تعالى
    – الذي شق طريقاً بحثياً مستقلاً ومتحرراً مما فرضته المدرسة الإستشراقية على تاريخنا القديم
    – فخرج بشيء جديد وأسس بالفعل لبداية صحيحة في هذا الطريق يمكن بها تحديد وترتيب
    زمن العديد من الملوك السبئيين بكل ثقة- أقول – باستثناء ما قدمه الفرح رحمه الله –
    يمكننا القول بلا أي تحرج أن كل ما هو شائع حول التحديدات الزمنية لأولئك الملوك
    وما يتم تدريسه وبرمجة العقول به في الجامعات والمدارس وغيرها – كل تلك التحديدات
    والترتيب لأزمنة أولئك الملوك ما هي إلا نظريات وفرضيات هشة، استشراقية المنشأ والدافع،
    تعمدت واعتمدت في الغالب الإسقاط والخلط أساساً ومنهجاً ، ولم تكن يوماً مبنية على أدلة علمية حقيقية وثابتة. )))--((اٍنتهي))
    ** عليه يجب التعامل بحذر أيضا مع السرديات المخالفة - والأمر يحتاج الي مزيد من التمحيص والتدقيق .
                  

08-09-2018, 08:21 AM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    التاريخ - كمادة لصيقة بالتقويم حسابيا
    يعاني من اٍشكالات عدة - فقد تمت صياغة التقويم بشكله الحالي في زمن هو أقرب من الأحداث التي نتحدث عنها
    كما أنه كان مسار خلاف - وذو بعد ديني - لذا لايمكن اٍعتماده بصورة قاطعة -
    وكما كانت السردية الاسلامية غير مقنعة في بعض الأحيان
    فلايمكن التسليم بالسرديات التاريخية - غير المتوافقة معها ...
    هنا تكمن العلة

    (عدل بواسطة عمار قسم الله on 08-09-2018, 08:22 AM)
    (عدل بواسطة عمار قسم الله on 08-09-2018, 08:23 AM)
    (عدل بواسطة عمار قسم الله on 08-09-2018, 09:17 AM)

                  

08-11-2018, 04:12 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    Quote: وكما كانت السردية الاسلامية غير مقنعة في بعض الأحيان فلايمكن التسليم بالسرديات التاريخية - غير المتوافقة معها ...هنا تكمن العلة


    أهلا عمار

    المشكلة تكمن في مكان آخر:

    1-التدوين المتأخر لقرنين تقريبا مثلا للسيرة النبوية وفي جو صراعي بين شيعة آل البيت وأعدائهم..

    2-انعدام الوثائق التاريخية والارتكاز على "التواتر"..

    والتواتر تواتران: فالشيعة لهم "تواترهم الخاص"، ولا يعترفون مثلا بالبخاري...ولهم أحاديثم النبوية الخاصة المرتكزة أيضا على "التواتر".

    3-عدم سماح السعودية بالتنقيب، وهذا يكشف أنهم يخشون شيئا ما،

    أو يعرفون أنه سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه...

    هذه مجرد افتراضات، لكن الرفض له دلالة عميقة..

    (عدل بواسطة osama elkhawad on 08-11-2018, 04:20 PM)

                  

08-12-2018, 04:03 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    مكة وقوم لوط :

    فيصل البيطار ينقاش تفسير الطبري حول مكان قوم لوط

    مكه وقوم لوط

    (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين* وبالليل أفلا تعقلون ) الصافات : 137- 138

    وحسب تقسير الطبري فإن الخطاب في هاتين الآيتين موجه لمشركي قريش فيما يخص خمسة قرى هي صبعه وصعره وعمره ودوما وسدوم كان الله قد أهلكها بطريقه تبينها آيات أخرى عده .
    الطبري يفسر الآيات السابقه بأحاديث مسنده على ان المقصود منها هو مرور أهل قريش ببقايا تلك القرى التي عاش فيها أقوام سابقون ومنهم قوم لوط أثناء رحلاتهم التجاريه الى الشام .

    قوافل قريش لم تكن بحاجه لأن تهبط منحدرات شديدة الوعوره مازالت تتسم بالخطوره حتى الآن لتستمتع بمرأى آثار سدوم المزعومه لتعاود الصعود متجهه الى مركز التجاره في سوريا . هناك طريق أقصر وأكثر أمنا كطريق تراجان الذي يربط في جزء منه مدينة أيله جنوب الاردن مارا بعمّان وهو طريق كان مستخدما بالفعل في أزمان مختلفه وحتى القرن السادس عشر . البعض يدعي أن تلك القوافل كانت تمر بها في طريقها الى بيت المقدس، الا ان باتريشا كورونا وبعد أن تعدد وجهات قوافل مكه تقول " ولا يبدو انهم ترددوا على القدس كثيرا " (تجارة مكه وظهور الإسلام ص 208 ) .

    حجة الطبري وغيره من المفسرين تبدو قويه فيما لو أن الإسلام جاء لهداية رجال القوافل أو قدّمهم على باقي سكان مكه، لكنها تبدو متهالكه عندما نعلم أن آيات الوعيد والترغيب المكيه كانت موجهه لعامة الناس ولا فائده منها إن إختصت بقله قليله منهم يمارسون تجارة القوافل مرتين في السنه الا اذا كانت رسالة الاسلام خاصه بهذه القله وهي ليست كذلك قطعا . وفي تفسيره للآيه ( ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها ... : الفرقان 40 ) وهي أيضا تتحدث عن قوم لوط في سدوم، يقول القرطبي "يعني مشركي مكه " .

    لو إن هذا الخطاب موجه لعامة أهل مكه، وهو هكذا، فإن السؤال الذي يحتاج الى إجابه هو كيف كان أهل مكه يرون العذاب الذي أنزله الله بقوم لوط في سدوم صبحا ومساء وهي تبعد عنهم حوالي 1000 كم، وتحتاج القوافل الى ما لا يقل عن شهرين لتقطعها ذهابا وايابا ؟ الجواب المنطقي على هذا الإشكال هو في أن المخاطبون بهذه الايات هم قوم يعيشون بالقرب من مكان الحدث، معه، قريب من مرآهم، وتوارثوا قصة قوم لوط أبا عن جد عن التوراه دون تمحيص .

    هنا، يصبح قبول موقع مكه في مكانها الحالي في صحراء العربيه امر يصعب تصديقه، فإن كانت آيات قوم لوط تخاطب مشركيها فمن المنطقي أن يكون موقعها في مكان آخر، في بقعة ما من أرض الشام قرب حدث المرور على القوم المسخوطين صبح ومساء . وليس بعيدا عنه مئات الكيلومترات في صحراء العربيه .

    ما لفت إنتباهي عند البحث عن قصة قوم لوط هو ترديدعلماء المسلمين المحدثين تاريخا لحادثة نكبة سدوم وشقيقاتها الأربع هو 1800 ق.م ، بينما لم يأت ذكر هذا التاريخ أو غيره عند المفسرين القدامي كالطبري والقرطبي وابن كثير، ولقد حاولت جاهدا معرفة من الذي إخترع هذا التاريخ ومسوغات اختراعه دون نجاح، الى أن أوصلني البحث الى أن زلزالا مدمرا قد ضرب تلك المنطقه مصحوبا بإنفجارات بركانيه قذفت بحممها البازلتيه ونشرتها على مساحة واسعه كما نراها اليوم ونرى فوهات البراكين الخامده شمال وادي الأردن . تاريخ الزلزال يعود الى عام 2000 ق.م ، وهنا وكما يبدو، تفتق ذهن مخترع التاريخ الإسلامي الذي عمل على إضفاء المصداقية على حادثة قوم لوط فلم يحد أفضل من أختراع تاريخ اراده مقنعا فهو لا يختلف عن التقدير العلمي الا بمائتي سنه وهو إختلاف إعتقد أنه ليس بذي شأن في حادث عمره أربعة الآف سنه .

    قصة سدوم في القرآن وشقيقاتها الأربع مأخوذه من العهد القديم بتحويرات بسيطه كمعظم قصصه . هذا العهد كان قد كتب في بابل مستعيرا بدروه ثقافات وتراث سكان ما بين النهرين وخصوصا قصة الخلق البابليه وقصة الطوفان . لكن كتّابه لم ينسوا تطعيمه بقصص من تراث أجدادهم قبل أسرهم وترحيلهم عن أماكن سكناهم الى وادي الرافدين وقصة قوم لوط واحده منها، بهذا ستكون الذاكره اليهوديه قريبه من الوطن الأم ويكونوا قد أضفوا شيئ من الواقعيه على تراثهم الديني في هذا الجانب .

    في الإسلام سيكون الأمر مختلف تماما، فحتى توضع هذه القصه ( وغيرها من قصص القرآن ) موضع التصديق فإن من المجدي تقديمها لأناس قريبون من الحدث نفسه كانوا قد سمعوا به من قبل وتوارثوه أبا عن جد وليس توجيهه لأناس يعيشون بعيدا عنه في وسط الصحراء معزولين عن حضارات وثقافات العالم القديم، العبره ستكون أفضل، ووقع الحدث أشد فيما لو جاءت آيات وعيد أهل مكه من داخل بيئتهم ذاتها كقصة إساف ونائله مثلا .

    حدث الزلزال لا شك فيه علميا، ولا يوجد ما يمنع الإعتقاد من أن قرى وبلدات قد تضررت من وقعه، ولكن لا يوجد حتى الآن مايثبت قصة البلدات الخمس بالذات، فرغم جهود البحث الآثاري المضني الا أنه لم يعثر على أي أثر مادي يثبت وجودها وقد كذبت دائرة الآثار العامه الأردنيه ما اشاعه علماء آثار أمريكيون مؤخرا من أنهم عثروا على آثار تعود لمدينة سدوم، معتبره بلسان مديرها أن " الإكتشافات المزعومه تقوم على فرضيات وهميه " . وفي فتوى تحمل رقم 7761 ومؤرخه 2 صفر 1422 بعنوان " حكم الإنتفاع بمنتجات البحر الميت " يقول مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه، " أما منطقة البحر الميت، فلم يقم عندنا الدليل الشرعي على أنها منطقة عذاب قوم لوط ولا غيرهم " .

    رواية التوراه هذه، اسطوريه، وخاصه ببيئه تنظر بإستغراب وعدم فهم لتلك الحجاره البازلتيه المصقوله بنعومه كقوالب الجبن، وللتماثيل الملحيه والصخريه التي انتجها الزلزال وثورة البراكين وعوامل التعريه، الروايه موجهه لأناس هم من أبناء المحيط بهدف الدعوه للإيمان بتبيان القدره الإلهيه القمعيه لمن لا يهتدي . أما رواية القرآن فإنها من الضعف بمكان إن كان المخاطب بها بيئه لم تر آثار الحدث ولم تسمع به ، وإلا يصبح من المنطقي هنا ان ننقل مكة من مكانها الحالي الى ما قرب سدوم ليستقيم ذلك الخطاب. وهو ما تنبه له بعض من كتّاب الأدب الإسلامي مؤخرا كمركز الفتوى الوارد ذكره .
                  

08-13-2018, 08:38 AM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    أخ أسامة
    الحديث عن اٍكتشاف قرية (سدوم) - لا يعدوا كونه فرضية
    فقد ورد الخبر كالتالي :
    ((( بعد عقود من الحفريات، اكتشف علماء آثار أمريكيون، آثار المدينة التوراتية "سدوم"
    التي كان يسكنها النبي لوط والتي عاقبها الله بالنار والكبريت في تل الحمام بالأردن.

    ويعتقد الخبراء أن الآثار التي عُثر عليها شرقي نهر الأردن تتطابق مع الوصف المذكور
    في الكتاب المقدس لمدينة العصر البرونزي "سدوم" التي يعود تاريخها إلى ما بين 3500 و1540 سنة قبل الميلاد.

    وتشير مجمل الدلائل إلى أن قرية "سدوم" وقرية عمورة الواردة أيضا في "سفر التكوين" العهد القديم،
    وكانتا مملكتين تقعان على ضفاف نهر الأردن شمال البحر الميت الآن، وتم وصفهما في الكتاب المقدس
    بأنهما تميزتا بالفخامة والخضرة والماء العذب.

    وتعد "سدوم" من إحدى أكبر قرى شرق الأردن المذكورة في جميع نصوص "سفر التكوين"
    و"العهد الجديد"، وكانت محصنة بأبراج طويلة وجدران سميكة.

    وتتوافق رواية الكتاب المقدس العهد القديم مع رواية القرآن الكريم على أن القريتين ومجموعة
    أخرى من القرى خسفها الله بسبب ما كان يقترفه أهلها من مفاسد وفق ما جاء في النصوص الدينية،
    وبعد أن فشلت الملائكة في العثور على رجال صالحين فيها.
    وقال ستيفن كولينز، من جامعة ترينيتي في نيو مكسيكو، المشرف على عمليات التنقيب
    إن قرية الخطيئة هذه تتطابق مواصفاتها مع الآثار التي عثر عليها والتي يعود تاريخها للفترة ذاتها تقريبا.
    يذكر أن عمليات التنقيب عن بقايا العصر البرونزي في جنوب وادي نهر الأردن بدأت عام 2005؛
    لكن القرية-المدينة كانت ضخمة للغاية وتشير إلى مجتمع متطور، وكان فريق التنقيب قد عثر على مجموعة
    من الأدلة كالجدران والأسوار السميكة التي يصل سمكها إلى 5.2 أمتار والمبنية من الطوب واللبن السميك،
    ويصل ارتفاعها إلى 10 أمتار.
    وتتضمن المدينة بوابات وأبراج مراقبة وطريقاً واحداً، وقد تم استبدال الجدران خلال
    العصر البرونزي ليصل سمكها إلى 7 أمتار كما تمت زيادة ارتفاعها. ))).
    **
    الكشف لم يؤكد بصورة قاطع أنها قرية سدوم
    **
    ثم اٍن كلمة (يمرون (بها أو عليها) لا تعني وطأها أو المرور وسطها
    " مَرَّ عليه وبه يَمُرُّ مَرًّا أَي اجتاز .
    ومَرَّ يَمُرُّ مرًّا ومُروراً : ذهَبَ ، واستمرّ مثله .
                  

08-14-2018, 07:18 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    أهلا عمار

    للأسف ان كل الاديان تتعامل مع الظواهر الطبيعية ك"انتقام رباني"، وهذا يمكن أن ينطبق على "سدوم وعمورة"...

    والاسلام ليس استثناء من ذلك ، كما راينا في نقاش سابق حول الكسوف والخسوف...

    ويوضح الامام الشافعي تلك الرؤية للظواهر الطبيعية ك"آيات لتخويف العباد":

    Quote: تسن الجماعة للخسوف كما في الكسوف ‏(‏ والظلمة والريح والفزع ‏)‏ والزلازل والصواعق وانتشار الكواكب والأمطار الدائمة وعموم الأمراض ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال ،

    لأن ذلك كله من الآيات المخوفة،

    والله يخوف عباده ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعته التي فيها فوزهم وخلاصهم وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه الصلاة


    وقد انحاز الغزالي للفلاسفة في مواجهة الاحاديث النبوية التي تتعامل مع كسوف الشمس كآية ربانية لتخويف العباد !!!!!
                  

08-24-2018, 01:20 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)


    هل نشأ الإسلام في مكة؟ الجزء الأول: تاريخ مكة الغامض


    أُمّ القرى

    «بَلَغَنِي أَنَّ الْبَيْتَ وُضِعَ لآدَمَ عَلَيْهِ السّلامُ يَطُوفُ بِهِ، وَيَعْبُدُ اللَّهَ عِنْدَهُ، وَأَنَّ نُوحًا قَدْ حَجَّهُ، وَجَاءَهُ، وَعَظَّمَهُ قَبْلَ الْغَرَقِ، فَلَمَّا أَصَابَ الأَرْضَ الْغَرَقُ حِينَ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ، أَصَابَ الْبَيْتَ مَا أَصَابَ الأَرْضَ مِنَ الْغَرَقِ، فَكَانَتْ رَبْوَةٌ حَمْرَاءُ، مَعْرُوفَةٌ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُودًا إِلَى عَادٍ، فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ، حَتَّى هَلَكَ وَلَمْ يَحُجَّهُ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى صَالِحًا عَلَيْهِ السّلامُ إِلَى ثَمُودَ، فَتَشَاغَلَ حَتَّى هَلَكَ، وَلَمْ يَحُجَّهُ، ثُمَّ بَوَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لإِبْرَاهِيمَ، فَحَجَّهُ، وَعَلَّمَ مَنَاسِكَهُ، وَدَعَا إِلَى زِيَارَتِهِ، ثُمَّ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ إِلا حَجَّهُ.» – روايةٌ منسوبةٌ للتابعي عروة بن الزّبير.[1]

    «لمَّا أهبطَ اللهُ آدمَ منَ الجنَّةِ قالَ: إنِّي مُهبطٌ معكَ بَيتًا أو مَنزلًا يُطافُ حَولَه كما يُطافُ حَولَ عَرشي ويصلَّى عندَه كما يصلَّى حَولَ عَرشي، فلمَّا كانَ زمنُ الطّوفانِ رُفِعَ، وكانَ الأنبياءُ يحجُّونَه ولا يعلَمونَ مكانَه، فبَوَّأه اللهُ لإبراهيمَ فبناهُ مِن خمسةِ أجبُلٍ: حِراءَ وثُبَيرٍ ولُبنانَ وجبلِ الطّورِ وجبلِ الخَيرِ، فتَمتَّعوا منهُ ما استَطعتُم.» – روايةٌ منسوبةٌ لعبد الله بن عمر.[2]

    «وُضِعَ الْبَيْت عَلَى أَرْكَان الْمَاء عَلَى أَرْبَعَة أَرْكَان قَبْل أَنْ تُخْلَق الدّنْيَا بِأَلْفَيْ عَام، ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْت الْبَيْت.» – روايةٌ منسوبةٌ لعبد الله بن عباس.[3]

    «حَجَّ آدَمُ عَلَيْهِ السّلامُ فَلَقِيَتْهُ الْمَلائِكَةُ، فَقَالُوا: يَا آدَمُ! بِرَّ حَجَّكَ، قَدْ حَجَجْنَا قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَام.» – روايةٌ منسوبةٌ للنبي محمد. [4]

    اليوم، ربما أكثر من مليار مسلم حول العالم، يتوجّهون بالصّلاة جميعًا بشكلٍ يوميٍّ نحو ذلك البناء شبه المكعّب في مدينة مكّة – قبلتهم المقدسة – تلك المدينة التي تحتوي حرمهم وتمثّل لهم مركز ديانتهم، يسافرون إليها بالملايين كل عام حاجّين ومعتمرين إلى بيت الله، مطيفين حوله مقيمين طقوسهم وشعائرهم المرتبطة بعلامات المكان وما حوله: الحرم والمقام والحجر وعرفات والمزدلفة والصّفا والمروة وزمزم.

    ويؤمن المسلم تراثيًا أنّ مكّة والحرم هي بقعة الله الأكثر قداسةً في أرضه، خلقها قبل سائر البلاد، وأنّ بها أول بيت عبادةٍ وُضع للناس، وضع أساسه آدم بنفسه بمساعدة الملائكة، آخذين حجرها المقدس من الجنة مباشرةً، ثم تلاهم النّبي إبراهيم مسافرًا إلى الوادي غير ذي الزّرع، فأعاد بناء الكعبة هو وابنه اسماعيل، وطهّراها من الأصنام والأوثان، وأعادا إحياء شعيرة الحج مرةً أخرى.

    يؤمن المسلم كذلك أنّ مكّة استمرت على أهميتها تلك حتى زمن ما قبل الإسلام، والمسمّى بالجاهلية، وأنها كانت في ذلك الوقت مركزًا دينيًا وتجاريًا شهيرًا، وأنّ كعبتها كانت مزارًا مقدّسًا يأتي إليه العرب من جميع أنحاء الجزيرة، وهو مزارٌ محميٌّ (رغم وجود الأصنام به) بحمى الله نفسه، الذي يحفظه ويدافع عنه ضدّ كل من تسوِّل له نفسه العدوان عليه.

    يؤمن المسلمون أيضًا أنّه في تلك البيئة الوثنية، ووسط قبيلة قريش صاحبة الجاه والنّفوذ، عاش النّبي محمّد الذي تلقى آخر رسالات الله إلى البشرية في ذلك الغار، غار حراء، وتلا ذلك مراحل الدّعوة الدّينية في السّيرة المعروفة، من اضطهادٍ في مكّة، ثم الهجرة إلى يثرب (المدينة المنوّرة)، ثم سلسلة الغزوات والسّرايا النّبوية المنطلقة من هناك، والتي تنتهي بالعودة المنتصرة إلى مكّة مرةً أخرى، مقترنةً بتحطيم الأصنام وإعادة الكعبة لحالتّها الأصلية التّوحيدية، ثم منذ تلك اللحظة المصيرية صارت مكّة العاصمة الدّينية لجميع المسلمين إلى اليوم.

    هذا ما يعتقد به المسلمون، ويتلقّونه بالحفظ والإيمان منذ الطّفولة، باعتباره مجموعةً من الحقائق الكونية المسلّم بها، وغير القابلة للجدل أو التّشكيك.
    إلى أيّ مدى يمكننا الثّقة بالمرويات الدّينية وإجماع العوام؟

    «تاريخ الكتاب المقدس لم يحدث في المرحلة الزّمنية أو بالشّكلية الموصوفين… بعض أشهر الأحداث المذكورة في الكتاب المقدس لم تحدث على الإطلاق.» – من مقدمة كتاب: التّنقيب عن الكتاب المقدس The Bible Unearthed، لعالمي الآثار الإسرائيليين إسرائيل فنكلستاين ونيل سيلبرمان.

    المهتم ببحث التّاريخ يعرف أن المشهور لا يكون دائمًا صحيحًا، وأن الشّائع بين النّاس قد لا يكون بالضّرورة مستندًا إلى أرضيةٍ ثابتةٍ كما يُتوقّع، فالتّاريخ يقوم على المعلومات الموثقة، لا على المتعارف عليه بين النّاس، وعلى مرّ الزّمن ما أكثر الأحداث التي لُفّقت والوقائع التي زُورت وطالها التّحريف والمبالغة والكذب، سواءً عمدًا أم خطئًا، وكم من معتقدٍ آمن به الملايين طوال قرون ثم مع الفحص الدّقيق تبيّن زيفه، وتحديدًا مع التّاريخ الدّيني المقدس للشعوب تزيد مساحة الخلط والتّهويل والخرافة، فكم من معلمٍ تمّ تقديسه ارتباطًا بأحداثٍ ووقائع مفترضة، بغير أن يقوم هذا الرّبط على أساسٍ حقيقيٍّ إلا الاعتماد على أساطير الكهنة وجريًا على ثرثرات العوام من المؤمنين الأمّيين.

    لو أردنا مثالًا على هذا فلا أشهر من موقع الجبل المقدس في سيناء المسمى بالطّور، حيث ارتبط تراثيًا وتاريخيًا على مدى قرون بأنّه المكان الذي تكلم فيه الرّب ذاته إلى موسى، ومنحه فيه الوصايا العشر –كما تذكر التّوراة– وعلى هذا الأساس اهتم المسيحيون الأوائل به، وتمّ بناء دير سانت كاترين بالقرب منه في القرن الرّابع للميلاد، غير أنّه مع قليلٍ من التّدقيق نجد أنَّ هذا الرّبط بين جبل سيناء التّوراتي وبين هذا الموقع الجغرافي المعيّن، هو ربطٌ حديثٌ زمنيًا وغير مبنيٍّ على أيّ أسبابٍ أو دلائل يمكن الوثوق بها إطلاقًا، ولم يبدأ إلا متأخرًا نسبيًا في القرون المبكرة للمسيحية، ثم تمّ ترسيخه مع مرور الزّمن، اعتمادًا على تراكم الأقاويل المتناقلة شعبيًا، ولكن بالنّسبة للباحث، يظل الرّبط مجرد أمرٍ تراثيٍّ لا تاريخيًا.

    مثالٌ آخر للتزييف التّاريخي نجده في أساليب استخدام الدّين والتّاريخ للترويج لأغراضٍ سياسية، من هذا قصة ذلك الطّلسم الخشبي المعروف باسم البالاديوم، المحتوي على صورةٍ منقوشةٍ للإلهة اليونانية القديمة بالاس، والذي كان وجوده – كما تحكي الأساطير – بداخل المدن الكبرى كفيلٌ بأن يحميها ويحصّنها من كل شر، فكان موضوعًا أولًا في طروادة العتيقة، والتي لم يتمّ غزوها إلا بعد سرقة الطّلسم السّحري منها، ثم مع بزوغ مجد روما لاحقًا وانتقال القوة العالمية إليها، تمّ نسج الأقاصيص التي تعود بروما إلى سلالةٍ طرواديةٍ عريقة،

    وسرت الأقاويل بأنّ البالاديوم موجودٌ بداخل المدينة العظيمة يحميها ويحرسها، ولاحقًا مع قرار قسطنطين نقل مركز حكمه إلى القسطنطينية، في القرن الثّالثّ للميلاد، وجرت الشّائعات بأن الإمبراطور قام سرًا بنقل الطّلسم من روما إلى عاصمته الجديدة حيث استقر هناك، هكذا في زمنٍ كانت العظمة فيه تُقاس بمدى العراقة والقدم والعمق الضّارب في التّاريخ، كانت الحكايات تُؤلف والأساطير تُصاغ بعنايةٍ لمنح المجد الماضوي إلى مدنٍ معينةٍ ونزعها عن أخرى.

    هذه مجرد أمثلةٍ بسيطة، فالحقيقة أنّ معظم التّصورات التي سادت طوال قرونٍ بين البشر عن تاريخ الأديان والرّسالات وسيَر الأنبياء، قد بدأ التّشكيك فيها في عصرنا الحديث، من قِبل المؤرخين والباحثين وعلماء الآثار، في معظم الدّوائر العلمية المرموقة في الغرب خاصة.

    حتى بعد تنامي أفكار العقلانية والعلمانية والتّنوير في أوروبا وزوال سلطة الكنيسة، ظل المعتقد السّائد لفترةٍ – مع بعض الاستثناءات – أنّ موسى هو من كتب التّوراة، وأنّ الكتاب المقدس بعهديه هو كتابٌ موثوقٌ به تمامًا من النّاحية التّاريخية على الأقل،

    ولم يبدأ التّشكيك في مصداقية تلك الأمور بشكلٍ جديٍّ إلا في النّصف الأخير من القرن التّاسع عشر، بعد اكتشاف التراث الهائل للحضارات العراقية والمصرية القديمة بعيد فكّ رموز حجر رشيد أوائل نفس القرن، وبعد بدء عمليات التّنقيب الأثري على نطاقٍ شاملٍ في المناطق الشّرق أوسطية، والتي يُفترض أنها وقعت بها أحداث التّوراة، مما مكّن العلماء من إعادة رسم صورةٍ جديدةٍ لتاريخ المنطقة، والنّتيجة أنه لأول مرةٍ بدأ وضع الكتاب المقدس، ليس كمرجعٍ حاكمٍ لا يأتيه الباطل يُقيّم التّاريخ في إطاره، وإنما كمنتجٍ ثقافيٍّ يحتمل الخطأ والصّواب، يتم تقييمه هو في إطار التّاريخ.

    و لأنّ التّاريخ بطبعه يناقش أحداثًا غيبيّةً وقعت في الماضي، وبالتّالي فهي غير مشهودةٍ، فهنا يعمل الباحث بشكلٍ يشبه طريقة عمل شرطة التّحري حين تواجه جريمةً من الجرائم وقعت ولم يشهدها أحد؛ حيث تبدأ بجمع الأدلة المتاحة، كثرت أو قلّت من بقايا أو بصمات أو آثار دماءٍ مثلًا، وقد تستمع إلى شهادات وأقوال كل من له صلةٌ بالواقعة، ومن ثم أخيرًا تشرع في رسم عدة سيناريوهات متصوّرة لما قد يكون قد حدث بالفعل، وفي النّهاية يتمّ قبول أكثر السّيناريوهات (أو النّظريات) منطقيةً وتماسكًا باعتباره الأقرب إلى حقيقة ما حدث فعلًا على أرض الواقع، مفصولًا عن الخرافات الشّعبية والبروباغاندا السّياسية والدّينية.

    هكذا بدأ في الدّوائر البحثية الغربية إعادة النّظر في كتابة موسى للتوراة، فظهر ما يسمى بالنّظرية الوثائقية، والتي تنصّ على أنّ التّوراة كُتبت على فتراتٍ زمنيةٍ مختلفة، وبواسطة مجموعاتٍ متنوعةٍ من الكهنة والأحبار، وكذلك بدأ التّشكيك في مصداقية الأحداث الموصوفة في ثناياها، كدخول بني إسرائيل إلى مصر واستعبادهم فيها وخروجهم منها بقيادة موسى، ثم غزوهم لفلسطين بقيادة يوشع، فظهر الرّأي بأنها في مجملها أحداثٌ وهميةٌ صِيغت في فتراتٍ متأخرةٍ لخدمة أهدافٍ سياسيةٍ محليةٍ معيّنة، وامتد الشّك ليطال وجود الأنبياء الأوائل الذين يُسمُّونهم الآباء أو البطاركة، كإبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط، بل وضع احتمال أنها مجرد شخصياتٍ خرافيةٍ أسطوريةٍ شعبية، مثلها مثل الآلهة القديمة زيوس أو هرقل أو حورس أو كريشنا، إلخ…

    ولم يختلف الحال مع مملكة داود وسليمان التّوراتية، والتي لم يجد الباحثون أيّ دليلٍ تاريخيٍّ أو أثريٍّ يُذكر يدلّ على وجودها خارج التّوراة، فتمّ اعتبارها مجرّد أسطورةٍ يهوديةٍ شعبيةٍ أخرى.

    ولم يكن حظ المسيحية أفضل بكثير، فظهرت رؤًى بحثيةً متنوعةً تتراوح ما بين التّشكيك بوجود يسوع بالمطلق واعتباره شخصيةً أسطوريةً أخرى، وما بين الاعتراف بوجودٍ فعليٍّ واقعيٍّ لداعيةٍ يهوديٍّ عاش في ذلك الزّمن بالفعل، مع التّحفظ على كل ما ورد بشأنه في الأناجيل والتي –مثلها مثل التّوراة– لم تعد تُعتبر مراجع تاريخية يمكن الوثوق بها.

    وتنوعت نظريات بحث الأديان تاريخيًا بين ما يمكن تسميته اتجاه تقليلي minimalism، والذي يميل إلى رفض التّسليم بالمرويات الدّينية وعدم قبول سوى الحقائق الصّلبة التي يوجد اتفاقٌ عليها أو تدلّ عليها الآثار، وما بين اتجاهٍ تكثيري maximalism، والذي لا يجد مانعًا في تصديق ما جاءت به المصادر الدّينية والتراثية، حتى وإن لم يكن هناك أدلةٌ صارمةٌ تدعمه، وشهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين طفراتٍ آثاريةٍ وبحثيةٍ جديدةٍ تبشر بإمكانية الجمع بين تلك الرّؤى المختلفة، في أُطُر أكثر تماسكًا، تمنحنا فرصةً أفضل لفهم ما حصل على الأرض، وكيف وصلت إلينا الأديان بالفعل.

    الخلاصة أن شيوع المعتقد بين عددٍ كبيرٍ من النّاس، ولفتراتٍ طويلةٍ من الزّمن لا يجعله حقيقيًا، وأنّ مناهج البحثية الحديثة قد نجحت في قلب الكثير مما كان سائدًا ومتعارفًا عليه بين النّاس لقرونٍ طويلةٍ رأسًا على عقب.
    ماذا عن الإسلام؟

    في هذا السّياق النّقدي الاستشراقي الذي ابتدأ بشكلٍ منهجيٍّ منذ حوالي منتصف القرن التّاسع عشر، تعرّضت نصوص السّيرة ومعها الأحاديث المنسوبة للنبي محمد ونصوص التّاريخ المبكر للإسلام وخصوصًا في القرن الأول للهجرة، ومعهم الآليات الإسلامية المرافقة مثل سلاسل السّند وما يسمى بعلم الجرح والتّعديل، إلى نقدٍ منهجيٍّ منظمٍ بحيث تكشف معها من وجهة النّظر الاستشراقية على الأقل، بأننا لا نعرف في الحقيقة عن النّبي محمد إلا شذراتٍ بسيطةً جدًا، بحيث لا يمكننا معها تكوين أيّ تصورٍ واقعيٍّ عن حياته ولا عن أحداثها ولا عن تفاصيل دعوته، دع عنك إمكانية تكوين سيرةٍ كاملةٍ له كالتي نقرأها اليوم في مراجع إسلاميةٍ متعددة؛ فكما هو الحال تمامًا مع النّبي موسى والمسيح عيسى، من وجهة النّظر هذه فإنّ التّاريخ الذي ترويه التّوراة (أسفار موسى الخمسة) والأناجيل سواءٌ منها الأربعة المعترف بها من الكنيسة أو غير المعترف بها، هذه جميعها لا تروي تاريخًا حدث بالفعل ولكنها بالمقابل تروي لا شيء آخر سوى إلباس أفكارٍ دينيةٍ لبوس التّاريخ، يتمّ تشكيلها بواسطة قوة الأساطير الإبداعية وبشكلٍ غير واعٍ، ثم يتمّ تجسيدها من خلال شخصيةٍ تاريخية.

    يقول المستشرق ديفيد شتراوس، وهو باحث في التراث التّوحيدي:

    «وبالنّسبة لقلب الجزيرة العربية فإنّ الأدلة الأثرية والتّاريخية عن الفترة الجاهلية تكاد تكون معدومة، وهنالك بعض النّقوش والآثار القليلة التي اُكتشفت في مناطق متفرقة من أطراف الجزيرة العربية وبالدّرجة الأولى في اليمن وحضرموت وكذلك في حفريات نمارة. كما توجد إشاراتٌ عابرةٌ إلى عرب الأطراف الشّمالية وبادية الشّام في النّقوش الأشورية والبابلية والفارسية. وكذلك إشاراتٌ أخرى يغلب عليها الطّابع الأسطوري واللاتاريخي في التّوراة، ثم هناك بعض الفقرات المتفرقة في الكلاسيكيات اليونانية في التّاريخ والجغرافيا لأخيلوس وهيرودوتس وبطليموس، كما تعاني الفترة الانتقالية من الجاهلية وصدر الإسلام من افتقارٍ مماثلٍ في المصادر والأدلة التّاريخية والأثرية.»

    «والواقع أنه لا يوجد أيّ دليلٍ تاريخيٍّ أو أثريٍّ ملموس على وجود الإسلام قبل فترة عبد الملك بن مروان، فأقدم المساجد والنّقوش والآثار النّقدية والإشارات المتفرقة في أوراق البردي تعود إلى تلك الفترة، وحتى القرآن لا يشذّ عن هذه القاعدة، وأول دليلٍ ثابتٍ على وجوده يعود إلى الرّبع الأخير من القرن الهجري الأول، أواخر القرن الميلادي السّابع». من مقدمة كتاب: مقدمة في التّاريخ الآخر، سليمان بشير.

    من المؤكَّد أنّ البحث في تاريخ الإسلام لم يقطع أشواطًا طويلة، يمكن مقارنتها بما تمّ في تاريخ اليهودية والمسيحية، فمع وجود جهودٍ جيدةٍ قديمةٍ وحديثةٍ من مستشرقين وعرب، بدأت بالتّساؤل مثلًا عن مدى مصداقية الأحاديث النّبوية الواردة عن محمد، وامتدت في قليلٍ من الأحيان لتشمل التّشكيك في تاريخ الجاهلية وأدبها، على نحو ما رأينا مثلًا في أفكار المستشرق الانجليزي مرجليوث والأديب المصري طه حسين، إلا أنّه وحتى اليوم، يظلّ المعتقد السّائد بين المتخصصين –كما بين غيرهم– هو التّسليم ضمنًا بصحة مجمل ما وصلنا في كتب السّيرة سواءٌ عن زمن ما قبل الإسلام أو عن سيرة محمد ودعوته ذاتها.

    بمعنًى آخر، فإنّ دراسة الإسلام تمرّ اليوم بما مرّت به دراسة التّاريخ اليهومسيحي منذ عقود، ولم تطلها المراجعة «الثّورية» بشكلٍ كافٍ حتى الآن، ولا نرى استثناءاتٍ لهذا سوى محاولاتٍ معدودة، لكنها متصاعدةٌ ومتناميةٌ لبعض الباحثين الذين صاروا يشككون في الثّوابت المعروفة للقصة الرّسمية التي وصلتنا عن نشأة هذا الدّين ويهدفون لإعادة رسم صورةٍ مختلفةٍ جديدةٍ للأحداث.

    ولكن لو اتفقنا أنّ التّشكيك والرّفض ليس هدفًا بحدّ ذاته طبعًا، فهل هناك إذًا أسبابٌ تدعونا للريبة في الرّواية التّقليدية الإسلامية؟

    بعيدًا عن الغياب شبه التّام لأيَّة آثارٍ جاهليةٍ تدعم ادّعاءات الرّواة وكتّاب السّير العباسيين بشأن تلك الحقبة، مثلًا، لم يتم العثور أبدًا على قصاصةٍ واحدةٍ من الشّعر الجاهلي المزعوم!، وبعيدًا كذلك عن الضّعف الواضح لمصادر السّيرة من النّاحية التّاريخية، فهي تمثّل أقاويل ظلت تتناقل شفهيًا لأكثر من قرنٍ من موت محمد (عام 632م)، ممّا يفتح الباب لكل تشويهٍ وتحريفٍ وزيادةٍ ونقصانٍ ونسيانٍ مرتبطٍ بالرّوايات الشّفهية،

    ثم تولى ابن إسحاق (المتوفي عام 768م) جمعها تحت سلطة الخليفة العباسي، وفي إطار ظرفٍ معقدٍ ومتصارعٍ دينيًا وسياسيًا، في كتابٍ مليءٍ بالأساطير والخرافات والأخطاء التّاريخية، لم تصلنا منه إلا نسخةٌ منقحةٌ على يد آخر هو ابن هشام، الذي يفصله قرنين كاملين عن زمن محمد، بينما لم يصلنا أيّة مخطوطةٍ كاملةٍ مما كتبه ابن إسحاق، مع ملاحظة أن المصادر الأخرى للسيرة هي كتبٌ متأخرةٌ: المغازي للواقدي 822م، وكتاب طبقات إبن سعد 845م، وتاريخ الطّبري 922م، ومجموعة كتب الصّحاح للبخاري 870م،والتي كتبت لسببٍ ما في جيلٍ واحدٍ في القرن التّاسع، ومسلم 875م، وإبن داوود 888م، والتّرمذي 892م، والنّسائي 915م، وإبن ماجه 886م،

    والغريب هنا أن الكتابات الأحدث تتضاعف فيها الرّوايات كمًّا وكيفًا عن الأقدم، أي كلما تأخر المصدر زمنًا، كلما ازدادت التّفاصيل التي يحكيها، وهو أمرٌ آخر يثير الشّكوك، أما أكثر المصادر قدمًا ومصداقيةً تاريخيةً، القرآن، فهو شحيحٌ جدًا في التّفاصيل يكاد يخلو مما يمكن الاعتماد عليه تاريخيًا.

    ونقول: هناك أسبابٌ تدعو للرّيبة في القصة السّائدة، وهي أسبابٌ لها جوانبٌ متنوعةٌ وعديدة، ولا تختلف كثيرًا عن الأسباب التي دعت الباحثين للشك في رواية الكتاب المقدس للتاريخ.

    من الجوانب المريبة على سبيل المثال لا الحصر، ما هو متعلقٌ بالآثار أيضًا: فنجد النّدرة المدهشة لأيّ أثرٍ يدلّ بوضوحٍ على وجود القرآن، أو وجود دينٍ يسمّى الإسلام، على مدى النّصف الأول من حكم الأمويين على الأقل: فأقدم آياتٍ قرآنيةٍ على الإطلاق نجدها في نقوش قبة الصّخرة، التي بناها الخليفة عبد الملك ابن مروان في القدس عام 691، وأقدم أجزاءٍ من مصحف نجدها في مخطوطات صنعاء، والتي يُقدّر بأنها تعود إلى زمن الوليد ابن عبد الملك،

    كذلك أقدم نقوش أو عملات تحمل أيّ اعترافٍ بنبوة محمد أو شهادة التّوحيد، فهي تعود أيضًا إلى زمن صراع عبد الملك مع الزّبير حوالي عام 685، أما المنقوشات والعملات قبل ذلك الزّمن أي في العهد المفترض للخلفاء الرّاشدين ومعاوية، فهي لا تحوي سوى صورًا وعلاماتٍ يهوديةً ومسيحية، دون أي شيء يدل على أن أصحابها كانوا مسلمين! فجأةً في عهد عبد الملك اختفت الصّور والرّموز اليهومسيحية من العملات وظهر مكانها لأول مرة شهادة التّوحيد المألوفة.

    أما المصادر غير العربية المعاصرة والقريبة من زمن محمد، سواء سريانية أو أرمينية أو قبطية أو نسطورية أو يهودية كتعاليم يعقوب، والحواليات المارونية وغيرها، ورغم إبهامها وانحيازها المتوقع، فهي لاتذكر في مجملها أكثر من ظهور نبيٍّ بين السّراسنة العرب، وتتحدث عن بضعة معاركٍ وغزواتٍ أمر بها أو قادها بنفسه، فيما عدا ذلك فالقليل الذي تذكره يعطينا صورةً مغايرةً كثيرًا للصورة المعروفة، إذ لا نجد أيّ شيءٍ يشير إلى ديانة العرب الفاتحين،

    كما لا نجد ذكرًا لكلماتٍ مثل الإسلام أو المسلمين أو القرآن، وإنما ما نجده هو تسميةٌ للقوم بالـ «مهاغرايا»، والتي قد تفسر بأبناء هاجر وهم العرب أو ربما «المهاجرين»، ونجد حديثًا عن وجود تحالفٍ ما بين هؤلاء السّراسنة وبين اليهود، تحت شعار المطالبة باستعادة الأرض الابراهيمية المقدسة في فلسطين، ولاحقًا نجد أشياءً لا تقلّ غرابةً، مثل إشارةٍ إلى معاوية باعتباره أميرًا مسيحيًا حكم الشّام! هذا إلى جانب اختلافاتٍ أخرى عديدةٍ لا مجال للخوض فيها هنا.

    ومن الجوانب المريبة أيضًا ما هو متعلقٌ بشخص نبي الإسلام نفسه، مثل إظهاره في السّيرة كشخصٍ مليءٍ بالمتناقضات، فهو تارةً داعيةٌ مسالمٌ حسن الخلق، يصبر على الاضطهاد من الكفار طوال ثلاثة عشر سنةً كاملة، ثم هو يتحوّل فجأةً إلى زعيمٍ قبليٍّ براجماتيٍّ دمويٍّ مزواج، وتارةً ذكيٌّ متزن، وتارةً أخرى يبدو حادّ الطّبع أقرب إلى الجنون، بحيث يبدو الأمر أحيانًا وكأننا نتحدث عن شخصين مختلفين، أو حتى عدة شخصيات.

    كذلك أحداث سيرته ذاتها لا تقلّ غموضًا، فهي تارةً تبدو شديدة الصّدق والواقعية، وتارةً تبدو كملحمة انتصارٍ خارقةٍ تحتوي كل العناصر اللامعقولة والمتكررة التي نجدها في ملاحم الأبطال الأسطوريين أو نصف الأسطوريين: كالنّداء إلى المغامرة –التّردد في الإستجابة – التّدخل السّماوي – المعاناة – الهجرة – المعارك والمواجهات – الإنتصار – العودة إلى نقطة البداية[5]، هذا مع ملاحظة التّشابهات الملفتة جدًا بين سيرة محمد وسيرة العديد من الشّخصيات الدّينية الأقدم، مثل النّبي الفارسي ماني وموسى، وحتى هرقل البيزنطي وغيرهم..

    مع عدم إغفال ربط هذا مع تشابه ديانة الإسلام نفسها مع ديانات المانوية واليهودية والسّامرية والصّابئة، وهناك أيضًا التّشابه مع سيرٍ إسلاميةٍ لاحقةٍ كسيرة محمد بن علي بن أبي طالب، والملقب بـمحمد بن الحنفية، ولو تذكّرنا أنّ السّيرتين كُتبتا متأخرتين، فمن الصّعب تصوّر أيّهما أُخذ عن الآخر.

    إضافةً إلى بعض الجوانب المريبة المتعلقة بالقرآن نفسه، مثل مسألة تشابه بعض أبيات الشّعر الجاهلي مع آيات قرآنية، وخاصةً الشّعر المنسوب للأحناف حيث يصل الأمر أحيانًا إلى التّطابق في الكلمات وفي الأفكار، كشبه قول امرؤ القيس:

    «دنت السّاعة وانشق القمر»

    مع قول القرآن: «اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ» (القمر:1).

    وكقول أمية بن أبي الصّلت:

    إلــه العـالمـين وكـلِّ أرضٍ ورب الرّاسيات من الجبـال

    بناها وابتنى سبعًا شدادًا بـلا عَمدٍ يريــن ولا حبــال

    وتشابهه مع قول القرآن:

    «وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ» (لقمان:10)

    «وَبَنَيْنَا فَوْقَكمُ سَبْعًا شِدَادًا» (النبأ:12)

    «خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِعَمَدٍ تَرَوْنَهَا» (لقمان:10)

    وغيرها الكثير مما يصعب تصوّر أيّهما سبق الآخر زمنيًا في الحقيقة، وأيضًا مثل مسألة وجود كلماتٍ دخيلةٍ كثيرةٍ في ثنايا المصحف، منها ما ينتمي إلى لهجاتٍ عربيةٍ غير قرشيةٍ ومنها ما ينتمي إلى لغاتٍ أجنبيةٍ كلغة الفرس والرّوم والنّبط والحبشة والبربر والسّريانية والعبرية والقبطية.

    فعلى سبيل المثال لا الحصر، كلماتٌ مثل رحمن ونبي ومدينة وذكر وسبّح وفرقان وقسط وجزية وأباريق وطور وسريا وطاغوت وماعون ومنافق وسورة وكتاب ومثاني ومصحف وغيرها الكثير، هي كلماتٌ يمكن إرجاعها إلى أصلٍ آرامي–سرياني، وبعضها مستخدمٌ في العبرية والفارسية والرّومية والحبشية، بل حتى كلمة «قرآن» ذاتها هي مشتقةٌ من كلمة قِريانا qeryana السّريانية التي كان يستخدمها المسيحيون واليهود قبل الإسلام، للإشارة إلى الكتاب المقدس المقروء، حتى ذكر البعض أنّ القرآن أُخذ عن خمسين لهجةٍ ولغة![6]بل ونجد رواياتٍ عديدةً تقول بأنّ الصّحابة أنفسهم –كأبي بكر وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس– استعصى عليهم فهم الكثير من كلمات القرآن! وأيضًا ممّا يريب هو طريقة جمع المصحف ذاته، وتضارب الرّوايات التي تتعلق بجمعه مع الحديث عن آياتٍ وسور ضائعة، ووجود عدة مصاحف متنافسةٍ في زمن الصّحابة.

    أيضًا هناك جوانب تثير الرّيبة تتعلق بمدينة مكّة ذاتها، مثل ماضيها الغامض وعدم وجود أيّ ذكرٍ تاريخيٍّ قديمٍ لها، مما يناقض تمامًا ما ذُكر في أقوال الإخباريين ورواة التراث عن أهميتها المزعومة قبل الإسلام وصولًا إلى زمن آدم ونوح وإبراهيم، بل ومثل أنّ قبلات المساجد الأولى في زمن الإسلام لم تكن مُوجّهة لها، بل تمّ تحويلها لاحقًا، ومثل شواهد عديدةً ومتنوعةً توحي بنقل مسرح نشأة الإسلام بالكامل إلى مكانٍ آخر.

    هذه الجوانب التي أوردناها هي مجرّد أمثلةٍ وإشاراتٍ مختصرة، فالمريب والمتناقض في المصادر والنّصوص الإسلامية كثير، ولعلّ معظمه لايزال بحاجةٍ إلى المزيد من الدّراسة من المتخصصين، أما ما سنتناوله هنا فهو الجانب الوارد في الفقرة الأخيرة والمتعلق بمكّة.
    المدينة الشّبح

    «من الممكن القول إننا لا نعرف عن تاريخ مكّة في فترة ما قبل الإسلام إلا من خلال ما ربطته الرّواية بها من العقيدة الإسلامية» – من كتاب: مقدمة في التّاريخ الآخر، سليمان بشير.

    مع معرفتنا بأن مدوّني أقدم سيرةٍ للنبي كانوا يكتبون بعد نحو قرنين من زمن وفاته، ترى إلى أيّ مدى يمكننا قبول فرضيتهم القائلة بأنّ مكّة القرن السّابع كانت بالأساس مكانًا على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية والثّراء: أم القرى؟

    من المقبول عقلًا القول بأنها كانت مركزًا للحج، للوثنيين المحليين، ولكن القول بأنها كانت دبي زمانها مركزًا تجاريًا عالميًا مزدهرًا في قلب الصّحراء، هو حتمًا ليس كذلك.

    أيّ حافزٍ قد يدفع باحثًا عن الأرباح كي يضع نفسه في قريةٍ قاحلةٍ على بعد مئات الأميال من أقرب بوتقةٍ استهلاكية؟ حتى قوافل الجمال القليلة التي استمرت آنذاك في التّنقل شمالًا منطلقة من حِمْيَر، متجهةً نحو سوقٍ رومانيٍّ كان قد فقد شهيته نحو البخور منذ زمنٍ طويلٍ، كانت تذهب في طريقٍ لا يمرّ بمكّة بحال.

    وفي كتابات المدوّنين المعاصرين لمحمد، سواءً أكانوا سياسيين أو جغرافيين أو مؤرخين، يواجهنا ذِكر مكّة بالصّمت الصّادم، حتى في القرآن نجد ذكرها مرةً واحدةً فقط:

    «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة» (الفتح:24).

    وهي إشارةٌ قد تكون لقريةٍ كما قد تكون لمدينة. وباستثناء ذلك ففي الكم الهائل من الأدب القديم لا يوجد ذِكرٌ واحدٌ لمكّة.

    فقط في عام 741، بعد أكثر من مئة سنة من موت النّبي، يظهر اسم مكّة أخيرًا على صفحات نصٍّ أجنبي، ونجد أنّ المؤلف يضع موقعها في العراق (بين مدينتي أور وحرّان).

    «من الواضح إذًا أنه مهما كانت مكّة في بدايات القرن السّابع، فإنها لم تكن مدينةً تجاريةً مزدهرةً بحال» – من كتاب: تحت ظل السّيف، للمؤرخ توم هولاند، ص 303.

    «يبدو جليًا أنه لو كان المكيّين وسطاء في تجارةٍ طويلة المسافة، من النّوع الذي وصف في الأدب الإسلامي، لكان هناك ذِكرٌ لذلك في كتابات زبائنهم، الذين كتبوا باستفاضةٍ عن العرب الجنوبيين الذين كانوا يمدّونهم بالعطريات، بالرّغم من الاهتمام الكبير الذي أُولي إلى العرب، فإنه ليس هناك أيّ ذكرٍ على الإطلاق لقريشٍ (قبيلة محمد نبيّ الإسلام) ومركزهم التّجاري مكّة، سواءٌ في الكتابات اليونانية أو اللاتينية أو السّريانية أو الآرامية أو القبطية، أو أيّة لغاتٍ أخرى كانت تستخدم خارج شبه الجزيرة العربية»– من كتاب: التّجارة المكية وصعود الإسلام Meccan Trade and the Rise of Islam، لباحثة التّاريخ الإسلامي باتريشيا كرون.

    تاريخيًا، فالقرآن لا يخبرنا الكثير: لا نجد فيه ذكرًا واضحًا لمكان ولادة محمد، أو حياته، أو هجرته، أو نسبه، وهناك ذكرٌ واحدٌ غير واضحٍ لكلمة مكّة وذكرٌ آخر لبكّة مقرونةً بـأول بيتٍ وضع للناس، والتراث يقرن بين مكّة وبكة، فيقول أنّ هذه هي تلك بتنويعاتٍ مختلفة، وهناك كذلك إشارةٌ واحدةٌ مبهمةٌ لقريش وعلاقتها ببيتٍ مقدسٍ ما، وفي مواضع أخرى يتحدث عن الحرم وطقوس الحج. (سنتطرّق أكثر إلى بكة وإلى المزيد من الإشارات القرآنية فيما بعد).
    ماذا عن نصوص التّاريخ؟

    مع تفحّص المدوّنات القديمة غير الإسلامية، نفاجأ بأنّ مكّة ليس لها أيّ ذكرٍ واضحٍ أيضًا في التّاريخ، سواءٌ في الزّمن القديم المقارب لابراهيم والأنبياء، أو في الزّمن السّابق على الإسلام مباشرة.

    في كتاب للباحث د. رأفت عماري بعنوان: الإسلام: في ضوء التّاريخ Islam: In Light of History، يرصد في بعض فصوله الحضارات المختلفة في المنطقة منذ القدم، ويتتبع التراث الأشوري، والبابلي، والفارسي، واليوناني، والعربي محاولًا البحث عن أي ّذكرٍ لمكّة في نصوص تلك الحضارات، دون أن يجد لها أثرًا بالمرة.

    يلاحظ الكاتب مبدئيًا الغنى الكبير للآثار والموجودات المتبقية في الجزيرة العربية، منقوشاتٍ ومنازل ومعابد ونُصب وسجلات تجارية وألواح وأطلال مدن وأواني فخارية وخزفية، مما يعود الفضل فيه إلى المناخ الجاف والصّحراوي الذي يساهم في الحفاظ على الآثار ويمنعها من الانهيار والتّحلل، بحيث أن علماء الآثار اليوم نجحوا في رسم صورةٍ شبه كاملةٍ لتاريخ تلك المنطقة أحداثها وملوكها وحروبها وأنماط حياتها وأسماء آلهتها، وهذا يردّ على كل من يحاول تبرير غياب مدينةٍ بالحجم والثّقل المفترضين لمكّة بالقول أنّ غياب الدّليل لا يعني دليل الغياب، بل لو كانت مكّة موجودةً لتوقّعنا حتمًا أن يكون لها أيّ أثرٍ أو ذِكرٍ ما.

    يبدأ الكاتب بسرد المدوّنات التّاريخية لمنطقة شمال غرب الجزيرة العربية منذ القرن التّاسع قبل الميلاد، منها مدنٌ كقيدار وديدان وتيماء، وقبائل وحضاراتٍ كثمود ولحيان والأنباط، والموثقة جيدًا، سواءٌ من خلال ما وُجد في تلك المناطق ذاتها من آثار، أو من خلال حديث الحضارات المجاورة (كالآشورية والبابلية) عنها، مع التّأكيد على الغياب الكامل لأيّ ذكرٍ لمكّة.

    بعدها ينتقل إلى الحضارات الواقعة جنوب الجزيرة العربية، والتي تملك تراثًا آثاريًا أغنى حتى من سابقتها، يعود إلى القرن الرّابع عشر قبل الميلاد، ويتحدث عن مملكة هَرَم اليمنية، وعن ملوك مَعِن، ومملكة قَطبان، وحضارتَي سَبَأ وحِمْيَر، وكلها لديها سجلٌ مزدحمٌ بالآثار، ولكن أيضًا لا أثر لحديثٍ عن مدينةٍ تسمّى مكّة.

    ثم يأتي دور شرق شبه الجزيرة، حيث نجد مملكة كِنْدَة، والتي لها مثل سابقاتها تاريخٌ معروف، كما يردّ الحديث عنها في السّجلات السّبأية، وفي أقصى شرق الجزيرة نجد تاريخًا معروفًا لحضاراتٍ عريقةٍ مثل دلمون التي تقع في دولة البحرين الحالية، والتي نعلم عنها الكثير وتذكرها المدوّنات السّومرية والأكادية منذ الألفية الرّابعة قبل الميلاد، ومَجَان وهي عُمان الحالية التي تملك تاريخًا موثقًا أيضًا، يمتدّ حتى الألفية الثّالثّة قبل الميلاد.

    بعدها ينتقل إلى غياب ذكر مكّة من سجلات الحضارات العربية التي استعمرت المنطقة، فيبدأ من توسع حضارة المعنيين شمالًا واحتلال اللحيانيين للمنطقة، وعدم ذكرهم لمكّة، ثم يتحدث عن بسط الأنباط سيطرتهم على طريق التّجارة من شمال الجزيرة إلى جنوبها لقرونٍ قبل وبعد الميلاد، متضمنٌ صحراء غرب وسط الجزيرة العربية، والتي تحتوي مكّة، وعدم ذكرهم لها أيضًا رغم تسجيلهم لمدنٍ وقرًى صغيرةٍ لا أهمية لها.

    كذلك أهل كِنْدَة سيطروا على غرب الجزيرة العربية، ودراسة منقوشاتهم لا تُرينا أيّ وجودٍ لمكّة في القرن الثّاني والثّالثّ بعد الميلاد.

    ونرى ذات المسألة عند الحِمْيَريين الذين استعمروا المنطقة التي توجد بها مكّة اليوم ورغم كثرة منقوشاتهم فلا يوجد للمدينة ثمّة ذكر.

    ولا يختلف الأمر فيما يخصّ الحضارات الكبرى غير العربية التي قامت بغزو المنطقة، كالآشوريين والبابليين والفرس والرّومان، وهي كلها حضاراتٌ قامت باحتلال شمال وغرب وسط الجزيرة العربية، فيتناولها الكاتب ببعض التّفصيل ليخلُص إلى أنه لم تقم إحداها بالحديث عن أيّ وجودٍ لمكّة في جميع السّجلات والنّقوشات والمخطوطات التي تركتها.

    وفي فصلٍ آخر من الكتاب يتناول المؤلف بالتّفصيل الكتابات القديمة للمؤرخين والجفرافيين الكلاسيكيين، وعلى الأخصّ اليونانيين والرّومان، منذ القرن الخامس قبل الميلاد وصولًا إلى الثّالثّ بعد الميلاد، حيث جمعوا معلوماتٍ مُكثّفةً ومُوثّقةً عن شبه الجزيرة العربية، ومنهم من زارها بل ورسم لها الخرائط، ذاكرًا مدنها وقراها ومعابدها وجبالها بكل اهتمامٍ ودقة، ومع ذلك فتلك الكتابات –مرةً أخرى– تخلو من أيّ ذكرٍ لمكّة.

    يبدأ من هيرودوت، الذي تجوّل في كثيرٍ من أنحاء العالم القديم، وزار الجزيرة العربية في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، وكتب عن جغرافيتها ومدنها، لكنه لم يذكر مكّة، ثم ينتقل إلى القرن الرّابع قبل الميلاد، حيث أرسل الاسكندر الكبير جغرافييّن إلى الجزيرة العربية، ليجمعوا له معلوماتٍ عنها تمهيدًا لغزوها، ومع ذكر هؤلاء لتفاصيل مهمةٍ بشأن ساحل البحر الأحمر والمناطق المحيطة به، إلا أنهم أيضًا لم يذكروا شيئًا عن مكّة.

    بعدها يسير المؤلف مع كُتّاب آخرين، جغرافييّن ومؤرخين، يونانيين ورومان، كثيوفراستوس الذي كتب في القرن الرّابع ق.م عن تجارة السّبأيين البرية والبحرية وإراتوسثينيس، الذي قاس طول ساحل البحر الأحمر، وأجرى مسحًا شاملا ًعن الطّرق البحرية والبرية التي تربط جنوب الجزيرة بخليج العقبة شمالًا، ووصف كل الشّعوب والمراكز في المنطقة في أواخر القرن الثّالثّ ق.م،

    وأغاثاركايدس السّكندري، أهمّ مؤرخٍ وجغرافيٍّ في زمانه، والذي كان قريبًا من القصر البطلمي الحاكم، مما مكّنه من وضع يديه على أرشيفٍ كاملٍ من البعثات الاستكشافية في القرن الثّالثّ والثّاني ق.م، بالإضافة إلى التّعامل شخصيًا مع «شهود عيان»، من سفراء وتجار ومكتشفين زاروا بأنفسهم المنطقة المحيطة بالبحر الأحمر، وقام بوصف تفصيلي ودقيق للقبائل والمعابد وطرق التّجارة والظّواهر الطّبيعية في تلك المنطقة، وأرتيميدوروس، المؤرخ والجغرافي اليوناني، الذي كتب أحد عشر مجلدًا في الجغرافيا في القرن الثّاني ق.م، جامعًا معلومات سابقيه ومضيفًا عليها، وواصفًا أيضًا ساحل البحر الأحمر وما حوله ثم هناك المؤرخ والجغرافي الرّوماني سترابو، والذي رافق الحملة العسكرية الرّومانية على جزيرة العرب، بالتّعاون مع الأنباط، في القرن الأول قبل الميلاد وقام كشاهد عيانٍ بتسجيل كلِّ قريةٍ ومدينةٍ في المنطقة التي تحركت فيها الحملة على ساحل البحر الأحمر من شماله حتى جنوبه،

    بعدها يأتي مسح بليني، الفيلسوف والعسكري والمؤرخ الرّوماني، والذي كتب موسوعته الضّخمة: «التّاريخ الطّبيعي» في القرن الأول بعد الميلاد، متحدثًا في بعض أجزائها عن جزيرة العرب، من شمالها إلى شرقها إلى جنوبها إلى غربها، ذاكرًا أكثر من تسعين إسمًا لشعبٍ وقبيلةٍ عربية، وفي جميع تلك الكتابات لا ذكر لمكّة ولا جرهم ولا قريش.

    وتستمر الظّاهرة في المصادر القديمة الأثيوبية، والسّريانية، والآرامية، والقبطية: لا حرف عن مكّة.

    وحين نقارن هذا الحال بأيّ مدينةٍ أخرى مثل القدس، والمذكورة بوفرةٍ في المصادر التّاريخية القديمة كرسائل تلّ العمارنة المصرية وغيرها، أو حتى كمدينة يثرب التي نجد اسمها عدة مراتٍ في المدوّنات الرّافدية واليونانية واليمنية منذ القرن السّادس قبل الميلاد، هنا يتضح لنا حجم المعضلة، بل اللغز.

    أخيرًا نشير إلى ما قد يُرى كذكرٍ استثنائيٍّ لمكّة في كتاباتٍ كلاسيكية، وهو حديث الجغرافي بطليموس السّكندري في كتاباته في القرن الثّاني بعد الميلاد، عن مدينةٍ تسمى موكا وأخرى تسمّى ماكورابا، حيث يرى البعض أنّ هذه أو ربما تلك قد تكون هي مكّة التي نعرفها، غير أنّ تتبّع إحداثيات المكانين من كتابات بطليموس، يُرينا أنّ موكا تقع شمال الجزيرة العربية قرب البتراء في الأردن، بينما ماكورابا تقع في شرق جنوب الجزيرة العربية ناحية عُمان، ويحتمل أن نقرنها بميناء موكوربا الذي ذكره بليني أيضًا.

    النّتيجة إذًا أنه ليس هناك ما يثبت وجود مكّة قديمًا، فضلًا عمّا يُثبت أهميتها التّجارية أو الدّينية أو السّياسية، ونفس الشّيء ينطبق على ما قبل الإسلام مباشرةً، حيث يستبعد الكثيرون وجود ذلك النّشاط التّجاري البري بين الشّمال والجنوب العربي، في ذلك الوقت كما رأينا في إشارات باتريشيا كرون وتوم هولاند وغيرهما.

    ختامًا، لو ألقينا نظرةً على صفحة ويكيبيديا على الإنترنت تحت عنوان: المدن الأثرية في السّعودية Ancient Towns in Saudi Arabia، فسنجد الحدث عن المناطق ذات السّجل الأثري المعتبر: قرية الفاو، وادي الأخدود، مدائن صالح، دومة الجندل، وغيرها، بينما لا نجد إسم مكّة، ذلك لأنها لا تملك سجلًا أثريًا يُذكر.

    هذا عن المدينة، فماذا عن كعبتها المقدسة؟
    كعبة أم كعبات؟

    «كان للعرب كعباتٍ عديدةًّ أخرى تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة، تعتر (تذبح) عندها، وتقدّم لها النّذور والهدايا، وتطوف بها، ثم ترحل عنها بعد أن تكون قد قامت بجميع المناسك الدّينية المطلوبة، وقد اُشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات ما وجدنا ذكره عند الهمداني: بيت اللات، وكعبة نجران، وكعبة شداد الأيادي، وكعبة غطفان، وما ذكره الزّبيدي: بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية، وما جاء عند ابن الكلبي: بيت ثقيف، إضافةً إلى ما أحصاه جواد علي: كعبة ذي الشّري وكعبة ذي غابة الملقب بالقدس، ومحجّاتٍ أخرى لآلهة مثل: اللات، وديان، وصالح، ورضا، ورحيم، وكعبة مكّة، وبيت العزي قرب عرفات، وبيت مناة، هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد عن البيوت التي تُعرف ببيوت الله أو البيوت الحرام، ويقصدها الحجيج في مواسمٍ معلومةٍ تشترك فيها القبائل،

    وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوتٍ مشهورة، وهي: بيت الأقيصر، وبيت ذي الخلصة، وبيت رضاء، وبيت نجران، وبيت مكّة، وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل؛ من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجّون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده.» – من كتاب: في طريق الميثولوجيا عند العرب، للباحث محمود سليم حوت.

    تاريخيًا، تمّت إعادة بناء كعبة مكّة الحالية عام 1630، على يد السّلطان العثماني مراد الرّابع، بعد أن كانت قد تصدّعت،أما البناء الأقدم فتحكي لنا المصادر الإسلامية أنه قد تهدّم وأعيد بناؤه مرتين متتاليتين في العصر الأموي: مرة في عام 683 م في أثناء حصار مكّة الأول، من قِبَل جيش يزيد بن معاوية، لحاكم الحجاز آنذاك عبد الله بن الزّبير المتحصّن بالحرم حيث شبّ حريقٌ في الكعبة لأسبابٍ غامضةٍ اختُلف في إلقاء الذّنب فيها على جيش يزيد أو على الزّبير نفسه،

    وبعد فشل الحصار وانسحاب الجيش الأموي بسبب وفاة الخليفة يزيد في دمشق، وهدّ الزّبير ما تبقّى من الكعبة، وأعاد بناءها مرةً أخرى على قواعد إبراهيم، مغيّرًا فيها بعض الأمور حسب ما تخبرنا الرّوايات.

    وبعد تولّي عبد الملك بن مروان للخلافة، أراد التّخلص من ابن الزّبير، فقام بتوجيه حملةٍ عسكريةٍ أخرى إلى مكّة بقيادة الحجّاج بن يوسف الثّقفي، والذي وصل هناك وحاصرها ثانيةً عام 692 مكررًا سيناريو القذف بالمنجنيق حتى هدمها مرةً أخرى، وبعد انتصار الأمويين ومقتل ابن الزّبير، يُقال أنّ الحجاج قد أعاد بناء الكعبة مرةً أخرى على أسس قريش، معيدًا الوضع إلى ما كان قبل تغييرات ابن الزّبير.

    أما قبل الإسلام، فتحدثنا المصادر الإسلامية عن بناء قريش للكعبة زمن الجاهلية، في شباب محمد وقُبيل دعوته، حيث كانت تهدّمت بسبب حريقٍ عفويٍّ شبّ بها، ثم قبل هذا الزّمن لا نجد سوى السّرد القصصي الغامض، الذي ينسب بناء الكعبة إلى ابراهيم وآدم والملائكة… إلخ.

    بشأن تاريخ الجاهلية فلدينا مصادرٌ قديمةٌ عديدةٌ غير عربية، تتحدّث عن وجود بيوتٍ مقدَّسةٍ دينيًا لدى عرب شبه الجزيرة قبل الإسلام، وأحيانًا يكون الحديث عن بيتٍ واحدٍ مميز، لكنّ مكانه لا يُذكر بدقة، على الجانب الآخر تذكر لنا مصادر التراث الإسلامي أسماء بضعٍ وعشرين كعبةً على الأقل، منتشرةً بين الأردن واليمن، تحجّ إليها مجموعاتٌ من العرب وهو ما تؤكّده لنا الآثار، حيث أنّ بعضًا من تلك الأبنية المقدسة مازال قائمًا بالفعل إلى يومنا هذا.

    لكن الملاحظ أيضًا أنّ معظم تلك المصادر الإسلامية المكتوبة في العصر العباسي، تُلحّ على أنّ بيت مكّة كان يحظى بأهميةٍ وقداسةٍ مميزةٍ عن سائر البيوت العربية، وهو ما لا أثر له في التّاريخ كما قلنا.
    حملة أبرهة التي لم تحدث

    «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ۞ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ۞ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ۞ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ۞ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ۞» (الفيل).

    أبابيل: جماعات متتابعة، سِجِّيل: الطّين المتحجر، عَصفٍ: ورق الزّرع.

    «32– لذلك هكذا قال الرّب عن ملك آشور: لا يدخل هذه المدينة ولا يرمي هناك سهمًا ولا يتقدّم عليها بترسٍ ولا يقيم عليها مترسة.

    33– في الطّريق الذي جاء فيه يرجع، وإلى هذه المدينة لا يدخل، يقول الرّب.

    34– وأحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي.

    35– وكان في تلك الليلة أنَّ ملاك الرّب خرج وضرب من جيش آشور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا، ولما بكّروا صباحًا إذا هم جميعًا جثثٌ ميتة.» (سفر الملوك الثّاني 19: 32–35)، متحدثًا عن حصار الآشوريين للقدس وكيف أنقذ الرّب المدينة المقدسة.

    يُنقل عن ابن إسحاق أن أبرهة الأشرم حاكم اليمن التّابع للنجاشي ملك الحبشة (أثيوبيا) بنى كنيسةً في صنعاء وسمّاها القُلَّيس، وأراد أن يجتذب الحجيج العرب إليها منافسًا بذلك كعبة مكّة، فجاء رجلٌ من العرب فقعد فيها (أي قضى حاجته)، مما أثار غضب أبرهة وقرّر أن يهدم الكعبة فخرج بجيشه مُحضرًا الأفيال مع كبيرهم الذي اسمه محمود، فأرسل الله على أبرهة طيرًا ترميه بحجارةٍ من مناقيرها، حتى هلك هو وجيشه وأفياله، ويُفترض أنّ الواقعة حدثت في عام ميلاد محمد على أشهر الأقوال وهو ما سُمّي بعام الفيل.

    بغضِّ النَّظر عن الملامح الأسطورية الواضحة للقصة، وبغضّ النّظر عن أنّ السّورة القرآنية تخلو من أيّ تفاصيل تربط هؤلاء القوم الغامضين المسمّون «أصحاب الفيل» بالكعبة أو بمكّة أو بالحبشة بأيّ شكل، مما يفتح المجال واسعًا لتخمين ما المقصود منها بالتّحديد إلّا أننا نسجّل عدة نقاطٍ عامة:

    1– الحادثة –كما يُتوقع– غير مذكورةٍ بالمرة في أيّ مرجعٍ معاصرٍ أو لاحق يدعم ما ادّعاه ابن إسحاق، والذي ظلّ الجميع ينقلون عنه حتى صارت القصة من المسلّمات، مع ملاحظة أنّ غياب مصادر أخرى يعني أننا نتحدث عن حملةٍ عسكريةٍ كاملةٍ تمّ إهلاكها في الصّحراء، دون أن نجد أيّ مصدرٍ تاريخيٍّ يتحدث عن الأمر!

    2– قلنا أنّ مكّة ذاتها غير مذكورةٍ في أيّ تاريخٍ غير عربي، وتاريخ الحبشة ليس استثناءً: الملك المسيحي أبرهة الذي حكم بالفعل أجزاءً من اليمن والحجاز منتصف القرن السّادس، لم يُذكر عنه أنه ذهب إلى موضع مكّة، ولا يوجد حتى ما يثبت أنه كان على علمٍ بمدينةٍ بذلك الإسم.

    ونشير هنا إلى أحد الكتابات المنسوبة لأبرهة، اكتشفها آثاريون فرنسيون عام 1951، وتتحدث عن الحملات العسكرية التي قام بها الرّجلفي جنوب الحجاز.

    النّقش معروفٌ باسم «نقش بئر المريغان» تحت الرّمز RY 506 وهو آخر نصٍّ معروفٍ لأبرهة، حيث يعود إلى العام 552 للميلاد، ونصه مُترجمًا هو كالتّالي:

    «بقوّة الرّحمن ومسيحه الملك أبرهة زيبمان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وقبائلهم (في) الجبال والسّواحل، سطر هذا النّقش عندما غزا [قبيلة] معد [في[ غزوة الرّبيع في شهر ذو الثّابة (أبريل) عندما ثاروا كل [قبائل] بنى عامر، وعيّن الملك [القائد] أبا جبر مع [قبيلة] علي [علا؟ علي؟] [والقائد] بشر بن حصن مع [قبيلة] سعد [وقبيلة] مراد، وحضروا أمام الجيش ـ ضد بنى عامر ]وقد وجّهت] كندة وعلي في وادي ذو مرخ، ومراد وسعد في واد على طريق تربن وذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة وحارب الملك في حلبن واقترب كظل معد (وأخذ) أسرى وبعد ذلك فوّضوا [قبيلة معد] عمرو بن المنذر [في الصّلح] فضمنهم ابنه (عروة) (عن أبرهة) [فعيّنه حاكمًا على] معد ورجع (أبرهة) من حلبن بقوة الرّحمن في شهر ذو علان في السّنة الثّانية والسّتين وستمائة [552 ميلادي]».[7]

    ومن النّقوش يتبيّن لنا أولًا أنّ أبرهة لم يذهب إلى آخر الطّريق وإنما توقّف في مرحلةٍ ما، وقام بتوجيه الحملات، وثانيًا أنه لم يصل إلى موضع مكّة بل قد يكون أقرب مكانٍ وصلوا إليه هو وادي تربن الذي يقع بعيدًا عن مكّة نحو 190 كيلومتر، مع ملاحظة أنه لم يصل حتى إلى تربن وإنما إلى مكان على طريق تربن، وثالثّا يتبيّن لنا أنّ أبرهة قد عاد منتصرًا من حملاته، ولم يهلك، وبالطّبع لا يوجد أيّ ذكرٍ لأفيال أو طيور تلقي بحجارةٍ من مناقيرها.

    3– أبرهة (على الأرجح في رأي كثيرٍ من المؤرخين) مات عام 553 أو نحو ذلك، أي قبل عام الفيل المزعوم بكثير. [8] [9]

    4– القصة مليئةٌ بالصّعوبات المنطقية التي تجعلها مستحيلة الحدوث: فالأفيال أولًا تحتاج إلى كمياتٍ هائلةٍ من الماء والطّعام، كما أنها بطيئة الحركة ولا تتحمّل السّير في الصّحراء لمسافاتٍ كبيرة، مما يجعلها اختيارًا غير عمليٍّ بالمرة في تلك البيئة وتلك الظّروف، ولا يُتوقع أن قائدًا عسكريًا سيكلّف نفسه باستيراد تلك الكائنات الثّقيلة والمرهقة من أفريقيا، كي يغزو بها وسط الجزيرة العربية وفوق هذا فالفيل الأفريقي يختلف عن الآسيوي في أنّ حجمه أضخم وطبيعته أشرس وأعصى على التّرويض، ولذلك لا يُستخدم في الحروب أصلًا [10]، علمًا بأنّ الشّعب الوحيد الذي كان يستخدم الفيل في الحروب في ذلك الزّمن هم الفرس.

    5– يلاحظ محمد النّجار في مقالتّه: قراءة في بعض السّيرة النّبويّة، وجود رواياتٍ أخرى مختلفةٍ للواقعة، غير رواية ابن إسحاق، فيذكر مثلًا رواية مقاتل بن سليمان صاحب أقدم تفسيرٍ للقرآن، الذي يذكر أن بطلَّ القصة ليس أبرهة وإنما ابنه! كما يحكي أنّ الجيش انسحب في هذا العام؛ وعاد في حملةٍ أخرى بعد سنتين، ويشير النّجار أيضًا إلى أقدم كتابٍ في الحديث، وهو: مصنّف بن عبد الرّزاق، الذي ينقل عن الزّهري أنّ القصة لم تحدث عام ولادة محمد؛ وإنما قبل ذلك بعقود وهو ما تدعمه رواياتٌ أخرى في المصادر الإسلامية. ويرى الكاتب أن هذا الخلط يدلُّ على أنّ القصّة لم تأخذ صورتها النّهائيّة التي نعرفها اليوم.

    إذّا، فالخلاصة كما يبدو لنا أنّ القصة مختلقة، حيث تحوي جميع ملامح الأساطير القديمة التي صِيغت بشكلٍ هوليوودي مشوقٍ تم بلورتها في العصر العباسي أو قبل ذلك بقليل، والهدف الأساسي الواضح منها هو إعلاء شأن مكّة على سائر المدن العربية ورفع مكانة كعبتها على سائر الكعبات العربية، والتّأكيد على كونها علامةً مقدسة، يتدخل الله شخصيًا للدفاع عنها حتى وهي مليئةٌ بالأصنام!
    الهدف من اختراع تاريخٍ عريقٍ لمكّة

    لو تذكرنا مثال أساطير تأسيس روما التي سادت في زمانها، مع محاولات خلق أمجادٍ ماضيةٍ لها عن طريق القصص الرّوايات في زمنٍ كانت العظمة فيه تقاس بالعراقة والقدم؛ وهو ما حدث أيضًا مع القسطنطينية والقدس وغيرهم من المدن، فسيمكننا الاستنتاج إذًا من خلال ما استعرضناه أنه في مرحلةٍ ما؛ تمّ اختلاق تاريخٍ قديمٍ مجيدٍ لمكّة من قِبَل الرّواة ومدوّني السّيرة والتّاريخ الإسلامي، مع إحاطتها بالقصص والرّوايات ذات الطّابع الأسطوري بهدف منحها المزيد من القداسة والهيبة الشّعبية؛ على غرار ما تمّ سابقًا مع مدنٍ أخرى.

    هكذا علينا ألّا نكتفي بملاحظة أنّ تاريخ مكّة في الحقيقة هو أكثر حداثةً وأكثر تواضعًا مما يُراد لنا تصديقه، لكن الأهم أيضًا هو ملاحظة أنّ وجود تلك الأساطير نفسها وكثرتها يعتبر دليلًا على أنّ الحاجة إلى تعظيم مكّة وكعبتها ظلّت موجودةً في العصر العباسي، أي في عزّ قوة الإسلام واستقراره! مما يثير التّساؤلات حتمًا.

    لهذا احتمالان: الأول متوقعٌ ومفهوم، هو أنّ ارتباط مكّة بمهد الرّسالة الإسلامية وحياة النّبي كان هو الدّافع لدى الرّواة اللاحقين لتمجيدها ومنحها تاريخًا عريقًا.

    أما الاحتمال الثّاني –والأكثر راديكالية– هو أنّ ربط مكّة بالإسلام ونبيّه، هو ذاته ليس إلّا كذبةً أخرى صِيغت كجزءٍ من خطة الرّواة لتمجيد المدينة!

    كما سنرى، فهناك من الأدلة ما قد يدفع لترجيح الاحتمال الثّاني على غرابته: هناك فعلًا شواهدٌ عديدةٌ آثاريةٌ وتاريخيةٌ ومنطقية؛ بل وقرآنية توحي من ناحية بأنّ الإسلام لم يبدأ في مكّة، وتوحي من ناحيةٍ أخرى باستمرار الصّراع بين البيوت العربية المقدسة، والتّخبط في الاتفاق على القبلة والتّحولات فيها؛ وصولًا إلى منتصف العصر الأموي على الأقل وتوحي من ناحيةٍ ثالثّةٍ بأنّ مكّة لم تأخذ مكانتها المألوفة لنا إلّا في وقتٍ متأخر، وكحلقةٍ في تلك السّلسلة من التّحولات ثم بعد ذلك تمّ نسج الرّوايات بحيث تدعم ذلك التّحول وتمنح مكّة بُعدًا تاريخيًا مفتعلًا.

    بالتّالي الشّك في تاريخ مكّة لا ينبغي أن يقتصر على أحداث ما قبل الإسلام، كبناء آدم أو الملائكة أو ابراهيم أو اسماعيل للكعبة، أو مكانة المدينة كمركزٍ دينيٍّ وتجاريٍّ جاهلي، بل ينبغي أن يمتدّ الشّك ليشمل تاريخها الإسلامي المبكّر أيضًا، وطبيعة علاقتها مع محمد والمؤمنين الأوائل كما سنرى.
    لغز بكة

    «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ۞ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ.» (آل عمران: 96،97).

    «كون بكة هي مكّة، وكون مكّة واقعةٌ في الحجاز، هما فرضيتان مأخوذتان كأمورٍ مسلمٍ بها عند ابن إسحاق، ووارثوه، ومع ذلك تبقى الحقيقة غير المريحة أنه لا يوجد أدنى دعمٍ لهذه أو تلك بين ثنايا القرآن نفسه.» – من كتاب: تحت ظل السّيف، للمؤرخ توم هولاند ص328، 329.

    «وعلى الرّغم مما يبدو من إجماع الجغرافيين العرب على كون مكّة هي بكة، فإن اضطراب الرّوايات بشأن ذلك ربما يشكل صدى لمحاولاتٍ متأخرةٍ من الدّمج بين المكانين، يقول ياقوت بعد أن يؤكد أن مكّة هي بكة بإبدال الميم باء: وقيل بكة بطن مكّة، وقيل موضع البيت المسجد ومكّة وما وراؤه، وقيل البيت مكّة وما والاه بكة، ورُوي عن مغيرة عن إبراهيم قال: مكّة موضع البيت وبمكّة موضع القرية، وقال يحيى بن أبي أنيسة: بكة موضع البيت ومكّة الحرم كله، وقال زيد بن أسلم: بكة الكعبة والمسجد؛ ومكّة ذو طوى وهو بطن مكّة، ولعل هذا الاضطراب وتعدد الرّوايات بشأن الموقع والتّسميات قد نتجا بالدّرجة الأولى عن كون القرآن نفسه لم يجزم بكون مكّة وبكة يدلان على نفس المكان، كما أنه من المفيد ملاحظة أن الرّواية الإسلامية تنسب إلى مكّة حوالي عشرين اسما آخر.» – من كتاب: مقدمة في التّاريخ الآخر، سليمان بشير ص 90.

    ما أحلى مساكنك يارب الجنود.

    تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب. قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي.

    العصفور أيضًا وجد بيتًا، والسنونة عشًا لنفسها حيث تضع أفراخها، مذابحك يارب الجنود، ملكي وإلهي.

    طوبى للساكنين في بيتك، أبدًا يسبحونك.

    طوبى لأناسٍ عزهم بك. طرق بيتك في قلوبهم.

    عابرين في وادي البكاء (في النسخة الانجليزية: وادي بكّة Valley of Baka عن العبرية בְּעֵמֶק הַבָּכָא وترجمتها الحرفيَّة: وادي الدموع)، يُصيرونه ينبوعًا. أيضًا ببركاتٍ يغطون مورة.

    يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله في صهيون.

    يارب إله الجنود، اسمع صلاتي، واصغ يا إله يعقوب.

    يا مجننا انظر يا الله، والتفت إلى وجه مسيحك.

    لأن يومًا واحدًا في ديارك خيرٌ من ألف. اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار.

    لأن الرب الله، شمس ومجن. الرب يعطي رحمةً ومجدًا. لا يمنع خيرًا عن السالكين بالكمال.

    يارب الجنود، طوبى للإنسان المتكل عليك» – (سفر المزامير: 84).

    في حين أنّ القرآن لا يفهم منه بالمرة موضع بكة أو أيَّ شيءٍ محددٍ بشأنها، لكن المُلفت أننا نجد ذكرًا لذلك الإسم في التّوراة مقرونًا بطقوسٍ تشبه الحج، في حديثٍ عن بيت الرّب، والارتحال نحوه بالتّسبيح والصّلاة علمًا بأن العبارة في المزامير التي تترجم عادةً بـ«وادي البكاء»، من الأصحّ ترجمتها إلى «وادي بكة» كإسم علم، والذي يرجح أنه وادٍ حقيقيٌّ في فلسطين قرب القدس.[11]

    ولو عدنا إلى الآية القرآنية من سورة آل عمران، لنلاحظ أن سياقها – ما سبقها وما لحقها – إنما يتحدث عن بني إسرائيل تحديدًا وحصريًا حينها يزداد الشّك.

    «كُلُّ الطّعَامِ كَانَ حِـلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۞ فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ۞ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۞ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ۞ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ۞ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ۞ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ۞» (آل عمران: 93–99).

    وحين نلاحظ ربط الآية لبكة مع النّبي إبراهيم، مقامه ودينه، فسنعود لتذكر ارتباط إبراهيم الأصلي ومعه التراث الإبراهيمي كله بفلسطين وشمال الجزيرة لا مكّة، وحينها ربما تتضح المسألة أكثر.
    أين وُجد إبراهيم وهاجر واسماعيل والإسماعيليين؟

    «فنقل إبرام خيامه وأتى واقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون. بنى هناك مذبحًا للرب.» – (سفر التّكوين، 13: 18)

    «وظهر له الرّب عند بلوطات ممرا وهو جالسّ في باب الخيمة وقت حرّ النّهار.» – (سفر التّكوين، 18: 1)

    1– وحدث بعد هذه الأمور أنّ الله امتحن ابراهيم فقال له يا ابراهيم؛ فقال هأنذا.

    2– فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق واذهب إلى أرض المريا واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك.

    3– فبكّر ابراهيم صباحًا وشد على حماره وأخذ اثنين من غلمانه معه واسحق ابنه وشقق حطبًا لمحرقة وقام وذهب إلى الموضع الذي قال له الله.» – (سفر التّكوين، 22: 1،3)

    14– فبكّر ابراهيم صباحًا وأخذ خبزًا وقربة ماءٍ وأعطاهما لهاجر واضعًا إياهما على كتفها والولد وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئر سبع.

    15– ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت احدى الاشجار.

    16– ومضت وجلست مقابله بعيدًا نحو رمية قوس. لأنها قالتّ لا انظر موت الولد، فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت.

    17– فسمع الله صوت الغلام؛ ونادى ملاك الله هاجر من السّماء وقال لها ما لك يا هاجر. لا تخافي لأنّ الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو.

    18– قومي احملي الغلام وشدّي يدك به لأني سأجعله أمةً عظيمةً.

    19– وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام

    20– وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس

    21– وسكن في برية فاران.» (سفر التّكوين، 21: 14–21).

    ذكرنا عرضًا في البداية أنه من النّاحية التّاريخية لا يوجد أيّة معلوماتٍ تفيد بشيءٍ عن حياة إبراهيم وعائلته؛ أو حتى وجودهم، حتى أن الكثير من المؤرخين يعتبرونهم مجرّد شخصياتٍ أسطوريةٍ مُخترعة، ولكن يجب الانتباه إلى أنه حتى الأساطير ترتبط بأماكن وأحداث، وتنتشر في بيئاتٍ محليةٍ معينة، ويكون لها مراجع معينةً تتحدث عنها، وفي تلك الحالة التّوراة هو المصدر الرّئيسي قبل الإسلام لحياة أولئك الآباء.

    لو تتبعنا خط سير رحلات النّبي إبراهيم وجميع الأحداث المرتبطة به كما تخبرنا بها التّوراة، فسنجدها تدور بالأساس حول فلسطين وشمال الجزيرة العربية، ولا يوجد أيُّ شيءٍ يشير لذهابه جنوبًا إلى مكّة لا من قريب ولا من بعيد.

    أما الموقع المفترض لرحلة هاجر المطرودة مع ابنها إسماعيل؛ فهو حسب التّوراة صحراء بئر سبع جنوب غرب القدس وليس مكّة التي تقع على بعد نحو ألفٍ ومئتي كيلومتر جنوبًا، وأيضًا موضع جبل المروة أو الموريا؛ هو في التّوراة المكان الذي امتثل إبراهيم فيه للتضحية بابنه بناءً على أوامر الرّب.

    كذلك حياة اسماعيل ونسله لاحقًا فهي في «برية فاران» قُرب بئر سبع قُرب سيناء، تلك الصّحراء المذكورة أيضًا في سفر الخروج كمكانٍ مر به الإسرائيليون الخارجون من مصر في زمن موسى فهؤلاء هم القبائل المعروفة باسم الإسماعيليين، والذين نجد الحديث عنهم في قصة يوسف حيث كانوا هم أصحاب القوافل التي التّقطته من البئر وباعوه في مصر، فقد ظلوا دومًا مرتبطين جغرافيًا بسيناء وصحراء الأردن لا مكّة.

    أما المكان الذي عُرف باسم مقام إبراهيم فهو «بلوطات ممرا» الموضع المقدس، قرب حبرون (حيث مدفن إبراهيم ويعقوب وإسحاق) بين القدس وبئر سبع، وسمى المقام لأن إبراهيم وقف فيه أمام الرّب كما يخبرنا المؤرخ توم هولاند في كتابه.[12]

    والملفت أيضًا هو إشارة هولاند إلى أنّ هذا المكان (ممرا) صار من المزارات الوثنية المقدسة للعرب قبل الإسلام، حيث كانت تُمارس فيه طقوسًا تشبه طقوس الحج الوثني التي ستُنسب لاحقًا إلى مكّة.

    الخلاصة إذًا، أنّ الأماكن والأحداث المتعلقة بحياة إبراهيم وعائلته: لوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، إلخ.. قد ارتبطت حصريًا بفلسطين والصّحراء المحيطة بها لا مكّة.

    هنا نتذكر ما تخبرنا به المصادر الإسلامية من أنّ الدّين الإسلامي قد ارتبط بالفعل في بدايته ولفترةٍ مؤقتةٍ بفلسطين والقدس.

    من هم القرشيون؟

    نلاحظ في النّصوص السّابقة من المزامير والتي تتحدث عن وادي بكّة، ذكر لجماعة «بني قورح» فمن هؤلاء؟

    «قورح» أو «قوره» في الحقيقة هو الشّخص المعروف لدى المسلمين بقارون: هو عدو موسى الأثيم ومنافسه، والذي ابتلعته الأرض بأوامر الله.[13]

    أمابنوه «بنو قورح» أو «القورحيون»، فهم الذين صاروا كهنة البيت وسندته:

    نسل قورح بن يصهار بن قهات بن لاوي، وقد اشتهر بعضهم بالغناء بين زمرة القهاتيين، كان منهم بوابون وأحدهم وهو مسّلميًا وكيلًا على المطبوخات وبوّاب باب خيمة الاجتماع وكان هيمان المغني وصموئيل النّبي بين القورحيين) [14]، هكذا نجد أن بني قورح كانوا بوابي المعبد أي حملة مفاتيحه، والمغنيين، وحراس الخيمة، ووكلاء المطبوخات والطّبخ من أجل القرابين المقدسة. [15]

    ألاتذكرنا تلك المهام والوظائف بشيءٍ معين؟

    حسب السّيرة الإسلامية فهذه بالتّحديد كانت وظائف عوائل قريش، فيبيتا لله في مكّة: حجابة الكعبة (أي تولي أمر مفاتيحها)، ورفادةالحجيج (إطعامهم) وسقيهم تلك الوظائف التي يُقال أن جد محمد الرّابع (قصي) هو من قسمها بين عبد الدّار وعبد مناف. [16]

    ويزداد الأمر تشويقًا حين نجد في مراجع الكتاب المقدس أن اسم بنو قورح (القورحيون) ينطق أيضًا ببنو قورش (beno qorach) قرشي qorchi القرشيون! [17] [18]

    و من وصفهم كذلك تتضح صلة كهنتهم بالغناء، مما يذكّرنا نوعًا ما بقول القرآن عن قريش: «وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً» (الأنفال:35).

    والمُكاء هو الصّفير بينما التّصدية هي التّصفيق باليد، فما الذي يعنيه هذا تحديدًا؟
    الإسراء الغامض

    «سُبْحَانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ» (الإسراء:1).

    تخبرنا مصادر السّيرة الإسلامية، أن الإسراء من المسجد الحرام في مكّة إلى المسجد الأقصى في القدس قد حدث قبل الهجرة مباشرةً نحو عام 621 م، ولكن أوّل ما قد يلفت النّظر في هذا الادعاء أنّه في ذلك الزّمن لم يكن هناك مسجد في القدس أصلًا!

    ففي تلك البقعة المقدسة منذ القدم عند اليهود والمسمّاة بجبل الهيكل، قام الرومان بهدم المعبد اليهودي فيها عام 70 بعد الميلاد، ثم بُني تحت حكمهم وحكم البيزنطيين عدَّة أبنيةٍ دينيةٍ في ذلك الموضع، أولها وثنية، كمعبد جوبتير في القرن الثّاني للميلاد، ثم مسيحيةٌ متمثلةٌ بالكنائس، لكنها هُدمت أيضًا، وبدأ اليهود إعادة بناء هيكلهم المقدس في ظل الحكم الفارسي القصير للقدس بين عامي 610 و 615، إلّا أنّه تم إجهاض المحاولة على يد السّكان المسيحيين والذين قاموا بتحويل السّاحة إلى مقلب قمامة على سبيل الانتقام، وهو ما تؤكده المراجع الإسلامية [19]؛ وظلّ هكذا حال المنطقة حتى دخول المسلمين في خلافة عمر بن الخطاب عام 638 م.

    قد يقول قائلٌ هنا إن محمد أُسريَ به إلى ساحة الأقصى؛ على أساس أن المُقدّس هو الموضع ذاته لا الأبنية، لكن القرآن يتحدث عن «مسجد» أي مكان للسجود، كما أن روايات الإسراء تتحدث عن «بيت المقدس» وأنّ جبريل ربط الدّابة عند «الباب» وأن محمد «دخل» فوجد الأنبياء مجتمعين، إذن الحديث هو بوضوحٍ عن مبنى قائم لا عن ساحة مفتوحة فضلًا عن مزبلة!

    ولكن إن لم يكن للمسجد وجودًا في ذلك الزّمن، فإلى أين أُسريَ بمحمد؟ بل وإلى أين ظل المسلمون يتوجهون بالصّلاة طوال ثلاثة عشر عامًا قبل تحويل القبلة؟
    حقًا، متى تم تحويل القبلة؟

    «سَيَقُولُ السّفَهَاء مِنَ النّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۞ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۞ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الذينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ۞ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الذينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًَا لَّمِنَ الظّالِمِينَ ۞ الذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۞ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۞ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۞ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الذينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون۞.» (البقرة: 142– 150)

    كما رأينا في مثال تناول القرآن للتراث اليهودي الخاص بإبراهيم وهاجر والإسماعيليين، فيبدو أنّ التّداخل بشكلٍ عام بين نشأة الإسلام واليهودية هو تداخلٌ كبيرٌ ولافتٌ للنظر.

    يُحكى لنا أنّ مكّة كانت مدينةً وثنيةً لا يكاد يوجد فيها أثرٌ لنفوذٍ يهودي، ومع ذلك نجد أن كثيرًا جدًا من القرآن ليس فقط موجهًا لخطاب بني إسرائيل في السّور اللاحقة المسماة بالمدنية والموجهة ليهود يثرب، وإنما اللافت أنّ معظم السّور المبكِّرة (المكيَّة) أيضًا تتحرك بداخل التراث اليهودي حصريًا، فتحكي عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط ويوسف؛ وتتناول مرارًا تفاصيل قصة موسى وفرعون، مما يدعونا إلى التّساؤل: أولًا من أين اقتبس محمد هذا التراث الإسرائيلي؟ وثانيًا إلى من كان يتوجّه به في مكّة؟

    وإن سلّمنا بأن وجود ورقة ابن نوفل مثلًا كفيلٌ بالإجابة على السّؤال الأول، فماذا عن الأهم: الثّاني؟ لماذا يكلّف النّبي العربي نفسه بحمل تراثٍ خارجيٍّ غريبٍ بالكامل إلى قومه؟ أوَلم تكن هناك وسيلةٌ أسهل لإنشاء دعوةٍ دينية؟!

    نعم؛ يُحكى لنا أن مكّة لم يكن فيها نفوذٌ يهودي، ولكن المسلمون مع ذلك ظلوا يصلّون إلى قبلة اليهود منذ بداية الدّعوة وحتى ما بعد الهجرة، ولم يقوموا بتحويل القبلة إلّا بعد استقرارهم إلى جوار اليهود في يثرب، وهو أمرٌ آخر يبدو لافتًا سواء بمقاييس الدّين أو حتى السّياسة، ويدعو إلى المزيد من التّشكيك في الرّواية الرّسمية.

    والحديث عن تحويل القبلة ينقلنا إلى قضيةٍ صادمةٍ أخرى: وهي أنّ الدّراسات الآثارية والتّاريخية ترينا أن المسلمين الأوائل لم يكونوا يصلون نحو مكّة، وأن قبلات المساجد الأولى في العصر الإسلامي لم تكن أيّ منها تشير منها إلى مكّة! وإنما إلى مكانٍ آخر أكثر شمالًا بكثير!
    لغز المساجد الأولى

    لقد جاء القرآن غامضا بالنّسبة لمكّة المكان الذي ذكرت تلك الرّواية أن القرآن نزل فيه والذي خصص له الدّور الرّئيسي في تطور الدّعوة والعقيدة الإسلاميتيين، فالقرآن لا يذكر مكّة سوى مرة واحدة وذلك في إطار الحديث عن بعض أعمال عسكرية تتعلق بمكان للعبادة. كما أنه لا يحدد كون مكان العبادة هناك وفي موضعٍ آخر نجده يسمي ذلك المكان «بكة».

    وعدم التّحديد هذا يصبح مسألةً خطيرةً على ضوء وجود بعض الفجوات في الرّواية الإسلامية أو تلك التي توفرها بعض الأدلة الأثرية، من ذلك أن أبا حنيفة النّعمان مثلًا لم يكن في النّصف الأول من القرن الثّاني الهجري يكفّر من يقول أن الكعبة حق وفي نفس الوقت يشكّ فيما إذا كان موضعها هو حتمًا هذا البيت الذي يحجّ النّاس إليه ويطوفون حوله أو بيت بخراسان،

    وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه لم يحدد مكان القبلة وأنه اكتفى بقوله: «القبلة ما بين المشرق والمغرب»، أما عبد القاهر البغدادي (توفى سنة 429 هـ، 1037 م) فقد أعطانا صورةً أكثر تشددًا في الموقف من مسألة موضع الكعبة بقوله: «وأصحاب الحديث لا يصححون إيمان من شك في موضع الكعبة كما لا يصححون إيمان من شك في وجوب الصّلاة إلى الكعبة».

    بالإضافة إلى ذلك هناك روايةٌ أخرى تشير إلى أن قبلة جامع عمرو بن العاص في فسطاط مصر، التي وقف على إقامتها «ثمانون رجلًا من الصّحابة» كانت مشرقةً جدًا وأنها بقيت كذلك إلى أن هدم المسجد في زمن الوليد بن عبد الملك حين «تيامن» عامله بالقبلة الجديدة.

    يضاف إلى ذلك كله وجود بعض الأدلة الأثرية التي تشير من النّاحية الأخرى إلى انحراف قبلة مسجدين أمويين آخرين باتجاه اليمين، وهما مسجد الحجاج بن يوسف في واسط ومسجدٌ آخر يقع بالقرب من الموضع الذي بنيت فيه مدينة بغداد فيما بعد. الأمر الذي دفع بعض المؤرخين إلى محاولة البحث عن مكان القبلة حتى أواسط الفترة الأموية في شمال غرب الجزيرة العربية. وذلك في حد ذاته يضع مسألة تغيير القبلة في الإسلام في إطارٍ تاريخيٍّ جديدٍ للغاية لأن القرآن وإن كان تحدث عن وجود قبلة منسوخة وعن عملية نسخها فإنه لم يذكر بالتّحديد أنها كانت القدس.

    من كتاب: مقدمة في التّاريخ الآخر، سليمان بشير ص50–60.

    «يبدو أنهم اتجهوا في الصّلاة إلى مكانٍ ما في الشّمال الغربي من جزيرة العرب. في الموضع الأوّل، لدينا الدّليل الأركيولوجي على وجود مسجدين أمويين في العراق، مسجد الحجاج في واسط وآخر يُعْزا إلى الحقبة ذاتها تقريبًا قرب بغداد. هذان المسجدان متوجهان شمالًا إلى درجةٍ كبيرةٍ بمقدار 33 درجة و30 درجة على التّرتيب، ومع هذا يمكن لنا أن نقارن الشّهادة الأدبية التي تفيد أن القبلة العراقية كانت نحو الغرب.

    ثانيًا، لدينا الدّليل الأدبي المتعلق بمصر؛ فمن الجانب الإسلامي هنالك تقليدٌ يقول إن مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط كان متوجهًا نحو الشّمال البعيد، وكان لابد من تصحيحه تحت حكم قره بن شريك. من الجانب المسيحي لدينا عبارةٌ شهيرةٌ ليعقوب الرّهاوي، وهو شاهد عيان من ذلك الزّمن، تقول إن المهغرايه في مصر كانوا يصلّون إلى الشّرق نحو الكعبة. والجمع بين الدّليل الأركيولوجي من العراق والدّليل الأدبي من مصر يشير دون لبس إلى حرم في شمال غرب الجزيرة العربية، وبهذا يصعب أن نتجنب الاستنتاج بأن موقع الحرم الهاجري في مكّة كان ثانويًا.» – من كتاب: الهاجرية. لباتريشيا كرونه ومايكل كوك، ترجمة نبيل فياض، ص 17.

    يبدو أن مساجد القرن السّابع –وقت ظهور الإسلام– لم تكن قِبلاتها تشير إلى مكّة، فنحن نتحدث هنا عن المساجد الأموية في مصر والعراق والشّام، ونتحدث عن فارق انحرافٍ كبيرٍ جدًا لا يمكن أن ينتج عن خطأ في التّوقيع الهندسي؛ على الأخصّ من قومٍ لهم خبرةٌ بالإرتحال والاتجاهات الجغرافية.

    تؤكد المصادر القديمة الإسلامية وغير الإسلامية هذه الملاحظة: فالبلاذري مثلًا؛ المؤرخ في العصر العباسي يقول: «أنّ قبلة مسجد الكوفة بالعراق والذي يُفترض أنه بُني عام 670 تشير إلى الغرب[20] بينما كان من المفترض أن تشير إلى الجنوب مباشرةً نحو مكّة»، أما الكاتب والرّحالة المسيحي يعقوب الرّهاوي؛ فيذكر حوالي عام 705 أن المهاغرايا (العرب) في مصر يصلّون بإتجاه الشّرق نحو الكعبة[21]، ولا ندري أي كعبةٍ يقصد التي تقع شرق مصر! بالإضافة لغيرهما من المصادر.

    وفي مرحلةٍ ما، لربما في النّصف الأول من القرن الثّامن، تم تعديل قبلات المساجد لتتجه ناحية مكّة.[22]

    هذا يؤكد ما ذهب إليه بعض الباحثين وذكرناه سابقًا، بأنّ صراع البيوت المقدَّسة لم يتوقف، ومُعضلة القِبلات لم تُحسم، ووضعية مكّة كعاصمةٍ للإسلام لم تستقر إلّا في وقتٍ متأخرٍ جدًا، وأنّ الرّوايات والتّفاسير الإسلامية قد تمّ صياغتها لاحقًا خصيصًا لملائمة ذلك الوضع الجديد ودعمه
                  

09-06-2018, 05:39 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    هل نشأ الإسلام في مكة؟
    الجزء الثاني: الدلائل تشير الى الشمال

    بقلم: Moussa Eightyzz أغسطس 30, 2015

    «مدينة مكَّة وقريش لم تكن معروفةً خارج الجزيرة، مع أنّ المصادر أخبرت الكثير عن جزيرة العرب، وهذا يشير إلى أنّ نشوء الإسلام لم يكن في الحجاز، ولم يكن الحجاز المكان الذي انطلقت منه موجات الفتوحات لنشر عقيدة العرب في العالم» – من مقال لنادر قريظ بعنوان: “إسلام بدون محمَّد – تحدي كاليش للعقل الإسلامي”.

    «”تجارة مكَّة وظهور الإسلام” هو كتابٌ لباتريشيا كرونة، باحثةٌ في التاريخ الإسلامي، تحاول فيه المؤلفة الوصول إلى فكرة أنّ الإسلام لم ينشأ في مكَّة، وتوضّح في الكتاب أنّ مكَّة كانت بعيدةً تمامًا عن الطريق بين اليمن وسورية، وأنه ليس هناك أيّ ذكرٍ لمكَّة في مصادر غير إسلاميةٍ في هذه الفترة.

    فحصٌ شاملٌ لكلّ الأدلة المتاحة، قادت باتريشيا إلى أنّ مهنة محمَّد لم تكن في مكَّة والمدينة ولا جنوب شبه الجزيرة العربية أصلًا بل في شمال الجزيرة العربية» من تقديم كتاب “التجارة المكية وصعود الإسلام”، ويكيبيديا.
    «وعلى الرّغم من أنّ القرآن يذكر عرفات والصفا والمروة وأسماء أمكنةٍ أخرى ارتبطت بشعائر الحج، فهو يُبقي الباب مفتوحًا أمام إمكانية أن تكون الرواية الإسلامية المتأخرة هي التي ربطت هذه الأسماء بمواقع داخل مكَّة وحولها». من كتاب “مقدمة في التاريخ الآخر”، سليمان بشير، ص 104.

    ينقل المؤرخ توم هولاند في كتابه المذكور ص241 و466، من كتابات دبلوماسي روماني عمل كسفيرٍ في عدة مناطق عربية، يتحدث عن حرمٍ كبيرٍ محاطٍ بالنخيل، يجتمع فيه الحجيج للاحتفال مرتين سنويًا في جوٍّ يسوده الأمان والسلام بشكلٍ استثنائي، لكنّ الدلائل المذكورة في النص تؤكد أنّ الحرم لا يقع في مكَّة، وإنما في مكانٍ ما جنوب فلسطين، حين نلاحظ:

    1- بكّة وعلاقتها بمحيط القدس.

    2- الكعبة وعلاقتها بشخصياتٍ وأحداثٍ مرتبطةٍ بفلسطين والأردن في الأصل.

    3- الإسماعيليون وكون موطنهم الأصلي الأردن وسيناء.

    4- التراث القرآني وارتباطه عمومًا بالتراث التوراتي بالأساس.

    5- الإسراء وعلاقته بموطن الهيكل اليهودي.

    6- الصلاة الإسلامية وتوجهها أولًا نحو فلسطين.

    7- المساجد الأولى وقبلاتها التي كانت تشير إلى شمال غرب شبه الجزيرة فسنجد أنّ كلها شواهد-ولا أقول دلائل- تشير إلى ارتباط بداية الإسلام الأولى فعلًا بمواضع قرب فلسطين والأردن، وتؤكد أنّ بروز دور مكَّة لم يأتِ إلّا لاحقًا.

    علامة أخرى مهمّة: آثار قوم لوط

    «ولوط السائر مع إبرام كان له أيضًا غنمٌ وبقرٌ وخيام. ولم تحتملهما الأرض أن يسكنا معًا، إذ كانت أملاكهما كثيرة؛ فلم يقدرا أن يسكنا معًا. فحدثت مخاصمةٌ بين رعاة مواشي إبرام ورعاة مواشي لوط. وكان الكنعانيون والفرزيون حينئذٍ ساكنين في الأرض. فقال إبرام للوط: لا تكن مخاصمةً بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك؛ لأننا نحن إخوان، أليست كل الأرض أمامك؟ اعتزل عني. إنْ ذهبتَ شمالًا فأنا يمينًا وإنْ يمينًا فأنا شمالًا، فرفع لوط عينيه ورأى دائرة الأردن أنّ جميعها سُقي قبلما أخرب الرّب سدوم وعمورة كجنة الرب كأرض مصر. حينما تجيء إلى صوغر، فاختار لوط لنفسه كل دائرة الأردن وارتحل لوط شرقًا، فاعتزل الواحد عن الآخر. إبرام سكن في أرض كنعان؛ ولوط سكن في مدن الدائرة ونقل خيامه إلى سدوم». (التكوين 12-13:5)

    «هي الأرض المعروفة بالملعونة وليس فيها زرعٌ ولا ضرعٌ ولا حشيشٌ ولا نبات، وهي بقعةٌ سوداء قد افترشتها حجارةٌ متقاربةٌ في الكبر. ويُروى أنها الحجارة المسومة التي رُمي بها قوم لوط، وعلى جميع تلك الحجارة كالطابع من وجهيها، وهي كقوالب الجبن المستديرة هيئاتها وخلقها فلا يُرى ما يخالف شيئًا من أشكالها». ابن حوقل، كاتبٌ وجغرافيٌّ ومؤرخٌ ورحالةٌ وتاجرٌ مسلم من القرن العاشر للميلاد. (23)

    «وعلى القرب من البحيرة المنتنة ديار قوم لوط، وهي ديارٌ تسمى بالأرض المقلوبة، وليس فيها زرعٌ ولا ضرعٌ ولا حشيش، وهي بقعةٌ سوداء قد فُرش فيها حجارةٌ كلها متقاربةٌ في الكبر، ويُروى أنها من الحجارة المسوّمة التي رُمي بها قوم لوط». أبو الفداء مؤرخٌ وجغرافيٌّ سوريّ من القرن الثالث عشر للميلاد. (23)

    يتحدث القرآن عن قرية لوط التي دمرها الله بسبب ممارسة أهلها “للفواحش” قائلًا:

    «وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۞إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ۞ إلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ۞ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ۞ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ۞ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (الصافات:133- 138)، فيصف المخاطبين أنهم يمرّون على آثارهم مصبحين؛ وبالليل، ما يوحي بقرب المسافة.
    و هناك آياتٌ أخرى يُفهم منها التأكيد على ذلك القرب الجغرافي لمن يخاطبهم مع آثار قوم لوط، فيصف موضعها بأنه في طريقهم:

    «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ-فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ۞ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ۞ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ» (الحجر:73 – 76)

    ويؤكد أنّ تلك الآثار قريبةٌ من القوم:

    «فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ- مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ». (هود:82-83)
    فأين تقع آثار قوم لوط؟ أو بصيغةٍ أدق:ما المواقع الجغرافية التي ربطتها الأساطير بقوم لوط؟

    الجواب بشكلٍ حصري هو على حدود فلسطين عند البحر الميت قرب نهر الأردن، هذه هي منطقة سدوم وعمورة التاريخية، على بعد نحو ألف كيلومتر من مكَّة.


    غُلِبَتِ الرُّومُ
    ما يذكرنا بآيةٍ أخرى تصب في نفس التلميح:

    «آلم ۞ غُلِبَتِ الرُّومُ ۞ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ۞ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ» (الروم:1- 4)
    “أدنى الأرض” حسب المعاجم والتفاسير، تعني أقرب الأرض، علمًا أنّ الانتصارات المتبادلة بين الفرس والروم قد جرت في الشام وفلسطين أيضًا، ما يُعتبر قرينةً قويةً أخرى أنّ القرآن كان يخاطب أشخاصًا يعيشون في تلك المنطقة؛ لا في مكَّة.

    آثارٌ أخرى: مَدْيَن والحِجْر

    بالإضافة إلى آثار قوم لوط عند البحر الميت؛ يلمح القرآن إلى آثار منازلٍ وبيوت قومٍ آخرين، الأرجح أنها البيوت الصخرية القديمة، يربطها جغرافيًا بشكلٍ ما بمن يخاطبهم، حيث يصفهم تارة بأنهم “يمشون في مساكنهم”:

    «أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى». (طه:128)

    «أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُون في مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ». (السجدة:26)
    وتارةً يشير لهم إلى تلك المساكن وكأنها ماثلةٌ أمامهم:

    «وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن ْمِن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ». (القصص:58)
    ورغم الإشارة الماضية بقلة الساكنين في تلك الديار، إلّا أنه يأتي مرةً ويخاطب القوم بصفتهم من أولئك الساكنين فيها!

    «وَسَكَنتُم فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ». (إبراهيم:45).
    وهذه الآية الأخيرة ملفتةٌ بشكلٍ خاص، إذ لا يُعرف عن أيّة بيوتٍ قديمةٍ في مكَّة تُنسب لقومٍ هالكين، فمن يقصد القرآن بكلامه؟

    من تفسير الطبري للآية نقرأ:

    «قال ابن زيد، فـي قوله: {وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكنِ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ وَتَبَـيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ} قال: سكنوا فـي قراهم مدين والـحجر والقرى التـي عذّب الله أهلها، وتبـين لكم كيف فعل الله بهم، وضرب لهم الأمثال».
    ويبدو هذا التفسير بالفعل هو الوحيد المتاح بأنّ القرآن يتحدث هنا عن آثار مدين (قوم شعيب) والحِجْر (قوم صالح: أي الثموديين).

    أما مدين فتقع في منطقة تبوك شمال غرب الجزيرة العربية قرب الأردن، ناحية الساحل الشرقي لخليج العقبة، وهي المنطقة التي تتفق التوراة والقرآن على ربطها بموسى حيث مرّ بها بعد هروبه من مصر قبل نبوته.

    أما الحِجْر، فهي المنطقة المعروفة باسم مدائن صالح، وهي بقعةٌ تبعد نحو أربعمائة كيلومترٍ شمال يثرب بالقرب من محافظة العُلا.

    يربط القرآن المكانين (الحجر ومدين) بنبيين لم يرد ذكرهما بشكلٍ مؤكدٍ في التوراة، هما صالح وشعيب، ويربطهما أيضًا – خاصة الأولى- بالبيوت الصخرية والمنازل التي كانوا ينحتونها في قلب الجبال، ويربطهما كذلك بمصيبة إهلاكٍ مريعةٍ حلت بهما على التوالي، فمحت سكانهما من الوجود.

    أما تاريخيًا، فمنطقة شمال الجزيرة بالكامل من شمال السعودية حتى سيناء؛ كانت تحت حكم العرب الأنباط منذ نحو القرن الثاني قبل الميلاد وحتى الثاني بعد الميلاد، والذين امتد حكمهم جنوبًا ليشمل البقعة المسماة بمدائن صالح، علمًا أنّ الأنباط هم الذين اشتهروا ببناء تلك المنازل الصخرية في عدة أماكن والتي ستنسبها الأساطير العربية لاحقًا إلى قوم صالح وقوم شعيب والأقوام الذين أهلكهم الله بسبب عصيانهم وتجبّرهم، كما أهلك التورانيون نوح ولوط.

    هكذا نرى أنّ القرآن لم يذكر فقط أنّ خصوم محمَّد كانوا يمرُّون على تلك القرى، و هو ما يمكن قبوله في ظل مرور القوافل التجارية المعتاد، ولكنه أيضًا يجعلهم قريبين في مساكنهم أو ربما حتى ساكنين فيها! كما جعلهم من قبل قريبين من ديار لوط يمرّون عليهم ليلًا ونهارًا، وكما وصف مكان هزيمة الروم (الشام) بأنه “أدنى الأرض” أي أقربها منهم، كل هذا يوحي بتمركز الدعوة القرآنية في تلك المنطقة بالذات، وليس إلى الجنوب البعيد في مكَّة.

    ونشير هنا إلى بعض الروايات الملفتة الموجودة في المصادر الإسلامية، تذكر أن محمَّدا حذّر قومه بشدة من الدخول إلى تلك المنطقة:

    «لا تدخُلوا مساكنَ الذين ظلموا أنفسَهم إلّا أن تكونوا باكينَ، أن يُصيبَكم مثلَ ما أصابَهم». (24)
    ونلاحظ المفارقة الملفتة بين قول محمَّد لأصحابه “لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم” من ناحية؛ وبين قول القرآن للكفار سابقًا: «وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم» من ناحيةٍ أخرى فمن نصدّق؟

    قراءةٌ مغايرةٌ لسورة الفيل؟

    «قال ابن زيد، في قوله: {تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سَجِّيلٍ} وهي التي أنزل الله جلّ وعزّ على قوم لوط». من تفسير الطبري لسورة الفيل.
    لو صحّ إذاً ارتباط أحداث الدعوة القرآنية بتلك المنطقة شمال غرب الجزيرة العربية، فهل يُمكن فهم سورة الفيل الغامضة هذه بشكلٍ مغاير على أنها لا تتحدث عن أبرهة ومكَّة، وإنما تتحدث ببساطةٍ عن إحدى أولئك القوم الهالكين الذين أرسل الله عليهم حجارةً من طين فقضت عليهم؟

    في منطقة العلا، بالقرب من مدائن صالح نجد مَعلمًا شديد الضخامة، يرتفع نحو خمسين مترًا، عبارةٌ عن صخرةٍ على شكل فيلٍ عملاقٍ حتى أنها بالفعل تشتهر كمعلمٍ سياحيٍّ بذلك الاسم: “صخرة الفيل”.

    فهل يُحتمل أنّ السورة إنما تتحدث عن إحدى القوم الهالكين كقوم لوط أو ثمود أو المدينيين،سمّاهم القرآن تبعًا لاسم المعلَم الموجود في المكان، وربما لهذا استخدم صيغة المفرد: الفيل لا الأفيال، ثم لاحقًا تكفّل الرواة بربط أحداث الآيات بأسطورة أبرهة ومكَّة؟

    يظلّ هذا مجرّد تخمينٍ يصعب حسمه.

    شاهد آخر: القرآن والمناخ

    «يصعب معرفة أيهما أكثر إرباكًا: النقص التام في القرآن لأيّة إشارةٍ تدل على تحطيم أصنامٍ من قِبَل محمَّد، أم تصوير المشركين كمُلّاك قطعانٍ عظيمةٍ من الثيران والبقر والخراف؟

    مكَّة، بصفتها مكانٌ شديد الجفاف والقحل، سيتفق معظم المهندسين الزراعيين على أنها ليست موضعًا مناسبًا لتربية المواشي-كما أنّ التربة البركانية المُكوِّنة لأرضها غير مناسبةٍ بالمرة لإنبات الحبوب والأعناب والنباتات وأشجار الزيتون، والحدائق الشهية والفواكه والعلف، ورغم ذلك فالله- حسب ما يذكر النبي- قد زوّد المشركين بجميع تلك البركات، لا شيء بالطبع يستحيل على قدرة العليّ القدير؛ لكنها ستكون معجزةً حقًا لو أنّ مكَّة قد حظيت بحدائق متسعةٍ من الأعناب والزيتون والرمان. لو وُجدت هذه في جزيرة العرب القرن السابع؛ فستكون محصورةً في الواحات، أما في أرض الأنباط (الأردن) والنقب حيث كانت تلك الصحراء آنذاك في زمن النبي قد أخذت في التفتّح، وبدأت الزراعة تزدهر بشكلٍ غير مسبوق وسط كآبة الرمال المقفرة». من كتاب “تحت ظل السيف” للمؤرخ توم هولاند ص 326- 327.

    بالفعل نجد في القرآن آياتٍ عديدة تخاطب خصوم محمَّد على أنهم مزارعون، وتذكر حدائقهم وحقولهم الخضراء، وثمارهم وفاكهتهم ورعيهم للأغنام، ما لا يبدو منطبقًا نهائيًا على مكَّة الصحراوية، نذكر على سبيل الأمثلة:

    «وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (الأنعام:99)

    «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الأنعام:141).

    «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ – يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». (النحل:10-11)

    «وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ». (النحل:67)

    «وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ۞ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ» (المؤمنون:18-19)

    «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ۞ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ۞ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ۞ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ۞ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ۞ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ۞ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ۞ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ۞ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ» (عبس: 24-32)
    إذاً، ترى هل كان بمكَّة قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ معروشاتٌ وغير معروشات، من أعناب ونخيل يتخذون منه الخمر؟ هل كان ينزل فيها الماء فلهم فيه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه يسيمون (أي يرسلون أنعامهم للرعي)؟ هل كان فيها حدائق ونخيل وزيتون ورمان وفواكه كثيرة منها يأكلون؟ هذا غير مُتوقّع بالمرة، ولكن ألا ينطبق ذلك الوصف المناخي على الشام وما حولها؟

    وشاهدٌ آخر:ديانة المشركين

    «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ۞ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ۞ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى؟» (سورة النجم:19- 21)

    من اللافت أنّ جميع الملامح الدينية المنسوبة لـ”مشركي مكَّة” حسب ما تحكي لنا السيرة الرسمية، نجدها هي بذاتها في ما وصلنا من أديان شمال الجزيرة العربية، وخاصة في المناطق التي وقعت تحت حكم الأنباط، وذلك بدءًا من وجود النصب الحجرية والكتل شبه المكعبة المقدسة المتناثرة وسط مراكز دينيةٍ مقترنةً بطقوسٍ تشبه طقوس الحج المعروفة، كتقديم القرابين والطواف وغيرها، مرورًا بتقديس الحجارة النيزكية، حيث يروى أن الإله النبطي “ذو الشرى” كان يُعبد على هيئة حجرٍ أسود وصولًا إلى وجود نفس أسماء الآلهة المؤنثة القرآنية: اللاّت (إلهة الخصوبة والزراعة والعالم السُفلي ذات الأصول الرافدية) والعُزَّى (إلهة القوة، والتي يُحتمل أنّ لها أصلًا مصريًا وتُقرن بإيزيس) ومَنَاة (إلهة القدر والمصير)- والتي نجد أسماءها جميعًا منقوشةً مع بقايا من أصنامها -ضمن آلهةٍ أخرى- في تلك المراكز وما حولها فهي آلهةٌ نبطيةٌ في الأصل (25) (26) (27) (28)، وهو ما لا تنكره الرواية الإسلامية بل تبرر الأمر عن طريق شخص يُسمّى “عمرو ابن لُحَيّ” يُنسب له القيام بـ”استيراد” تلك الأصنام من شمال الجزيرة إلى مكَّة في الجنوب قبل الإسلام (29)، بالإضافة لهذا، نجد اسم الله نفسه مذكورًا بكثرةٍ في المنقوشات والآثار النبطية (30).

    الإله الغريب: الرحمان

    المسلم التقليدي يتعامل مع “الرحمن” على أنه مجرّد اسمٍ آخر ضمن تسعةٍ وتسعين اسمًا، لله الواحد، لكن، ومع القليل من التأمل، نجد أنّ المسألة أعقد نوعًا ما من ذلك.

    صحيحٌ أنّ القرآن غالبًا ما يذكر الاسمين بشكلٍ تبادليٍّ وكأنهما واحد، لكن هناك بضع آياتٍ توحي بشيءٍ مختل: فبينما نجد آياتٍ قرآنيةً عديدةً تؤكد أنّ خصوم محمَّد كانوا يعرفون الله بل ويؤمنون به على شركهم:

    «وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ». (الزمر:38)
    نجد آياتٍ أخرى تقول بأنهم رفضوا “الرحمن”:

    «وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ». (الأنبياء:36)

    «وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ ۚ قُلْ هُو رَبِّي». (الرعد:30)
    بل ويستنكرون الاسم ذاته:

    «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا للرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا». (الفرقان:60).
    مما يخبرنا بوجود انفصالٍ وتباينٍ بين الاثنين.

    من تفسير الطبري للآية من سورة الرعد، نقرأ أنّ الخلاف بين محمَّد وقريش حول الله والرحمن ظهر في أثناء كتابة صيغة صلح الحديبية، وفيها تأكيدٌ على أنّ اسم الرحمن كان غريبًا على أسماعهم:

    «فلمَّا كتب الكاتب: بسم الله الرحمن الرحيـم، قالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه وكان أهل الـجاهلـية يكتبون: بـاسمك اللهمّ، فقال أصحابه: يا رسول الله دعنا نقاتلهم، قال: لا ولكِنْ اكْتُبُوا كمَا يُرِيدُونَ.»
    كما نجد رواياتٍ أخرى تنسب اسم “الرحمن” إلى مسيلمة في اليمامة (نجد شرق وسط السعودية)، وتخبرنا بأنّ خصوم محمَّد حين سمعوا البسملة المعروفة اتهموه أنه يدعو إلهًا آخر، هو إله مسيلمة، ما منعه من الجهر بذلك الاسم مرةً أخرى:

    «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْهَر بِبِسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ، وكان مُسيلمة يُدعى رحمنَ اليمامةِ، فقال أهلُ مكَّة: إنّما يدعو إلَهَ اليمامةِ، فأمرَ اللهُ ورسولهُ بإخفائها، فما جهر بها حتى ماتَ». (31)
    ما معنى ذلك؟ وهل الرحمن هو مجرّد اسم آخر لله أم هو إلهٌ آخر بالكُلّية؟

    نلاحظ في النقش الذي أوردنا لأبرهة في الجزء الأول من الموضوع؛ أنه يبدأ بذكر اسم “الرحمن”، وهذا لا يقتصر على ذلك النقش وحده، بل إنّ آثار الجزيرة العربية بشكلٍ عام تؤكد أن الرحمن (الرحمان) كان الإله الرئيسي المعبود في اليمن وجنوب الجزيرة العربية، بشكلٍ توحيديٍّ لا وثني، فكان يسمى أحيانا “رب اليهود”، وأحيانًا “ربّ السماوات والأرض”، ولا يُذكر معه آلهةٌ أخرى، وذلك ابتداءً من أواخر القرن الرابع للميلاد أي قبل قرنين ونصف من ظهور الإسلام (32) (33) (34)، مع ملاحظة أننا لا نجد الاسم في نقوش شمال الجزيرة العربية.

    هكذا يمكن فهم التنازع بين الاسمين “الرحمن” و”الله” على أنه ظهر كنتيجةٍ لمحاولة النبي محمَّد تقديم الإله الواحد العربي الجنوبي إلى سكان عرب الشمال الذين يؤمنون بالله، لكن يشوب إيمانهم الشرك، ذلك التنازع الذي يقوم القرآن بحلّه في النهاية عن طريق دمج الاسمين معًا وإظهارهما كأنهما نفس الكيان: فالله والرحمن ليسا إلا اسمين للإله الواحد:

    «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ». (الإسراء:110)
    وهذا الدّمج بين الآلهة هو تقليدٌ دينيٌّ متبعٌ بشكلٍ متكررٍ منذ القدم. (35)

    هذا الانفصال بين الإلهين ومحاولة ترويج محمَّد للرحمن مع إنكار خصومه لذلك، يمكنه– بمزيدٍ من الدراسة- أن يدلَّنا من ناحيةٍ على الأصل الذي جاء منه محمَّد والمؤثرات التي صاغت دعوته، ويدلنا من ناحيةٍ أخرى على المسرح الذي نشطت فيه تلك الدعوة، وهو ما يهمنا هنا، فهو على ما يبدو مسرحٌ عربيٌّ شمالي.

    والخط القرآني دليلٌ آخر

    ما يسمّيه الباحثون عادةً بـ”اللغات العربية”، هو عبارةٌ عن مجموعةٍ من اللغات واللهجات المتنوعة، التي انتشرت في جزيرة العرب منذ القدم، فهي تسمية جغرافية بالأساس، واللغات العربية تنقسم إلى:

    1- لغاتٌ عربيةٌ شماليةٌ، وهي مجموعة لهجاتٍ ساميةٍ كانت تستخدم في شمال الجزيرة العربية وسورية والعراق، هي الصفائية والحسائية والثمودية والديدانية والودومائية والتيمائية.

    2- لغاتٌ عربيةٌ جنوبيةٌ، وهي مجموعة لهجاتٍ يُختلف في تصنيفها إلى العائلة السامية أو العائلة الأفريقية الآسيوية، وكانت تستخدم في اليمن وجنوب الجزيرة، وهي السبئية والحضرمية والقتبانية والمعينية.

    قبل الإسلام لم يكن للعربية أبجديةٌ موحدةٌ خاصة، بل كانت تكتب بعدة أبجدياتٍ أجنبية، وذلك حسب المنطقة الجغرافية الموجودة فيها (بشكلٍ يشبه ما يُسمّى اليوم “العربيزي”، وهو كتابة الكلمات العربية بحروفٍ لاتينيةٍ أو إنجليزية)، وكانت أكثر أبجديةٍ مستخدمةٍ هي أبجدية “المُسْنَد” السبأية العريقة، حيث كانت تكتب بها غالبًا العربية الشمالية والجنوبية أيضًا- علمًا أنّ أبجدية المسند مختلفةٌ تمامًا عن الأبجدية العربية الحالية، والمألوفة لنا اليوم.

    أما الأبجدية العربية الكلاسيكية المعروفة لنا، فيُعتقد أنها نشأت عن النبطية، والمتطورة بدورها عن الآرامية التي كانت لغة الاتصال والتجارة في الشرق الأوسط منذ القدم-مع هجرة الأنباط العرب من الجنوب واستقرارهم في الأردن بدؤوا يطوّرون أبجديتهم الخاصة كفرعٍ عن الآرامية، ذلك التطور الذي سيُفرز لاحقًا الأبجدية العربية الكلاسيكية. فتاريخيًا الأنباط كانوا عربًا واستخدموا الخط النبطي (العربي) في نقوشهم، وكذلك في الأسماء الشخصية (36) (37).

    هذا يعني أنه في زمن ظهور الإسلام كانت العربية غالبًا تُكتب بخطين رئيسيين: الخط النبطي في الشمال، والخط المسند في الجنوب، أما الأولى فهي التي كُتب بها القرآن وتمّ تعميمها على حساب الثانية والتي انقرضت تمامًا في القرن السابع والثامن مع سيادة الإسلام في المنطقة.

    الآن نجد أنّ معظم المنقوشات والمخطوطات العربية عمومًا قبل الإسلام التي تم العثور عليها كانت مكتوبةً بخط المسند، مثل نقش قرية الفاو في نجد، وهو عبارةٌ عن كتابةٍ على قبرٍ تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، ومثل نقش أبرهة نفسه. لكن أيضًا القليل منها ما كان بالخط النبطي الذي سيتطور لاحقًا إلى الأبجدية المعروفة لنا، مثل نقش زبيد في سورية الذي يعود إلى القرن السادس بعد الميلاد، ونقش أمّ الجمال في الأردن منذ نهاية القرن الثالث، ونقش نمارة جنوب دمشق من القرن الرابع، ونقوشٍ أخرى في سكاكا شمال السعودية والحجر غيرها.(38)

    إذاً، بما أنّ القرآن كُتب بالخط النبطي وليس المسند، فهذا يعني أنّ تتبع أماكن العثور على تلك النقوش يمكن أن يعطينا قرينةً إضافيةً مهمةً أخرى، تحدد لنا المواضع الجغرافية التي كُتب فيها القرآن.

    النتيجة-كما هو متوقع- أنّ معظم النقوش النبطية والعربية الكلاسيكية توجد في شمال شبه الجزيرة، بينما في الجنوب نجد نقوش المسند، مما يطرح سؤالًا: لو أنّ القرآن ظهر في وسط الجزيرة العربية قرب الجنوب ألم يكن من الأولى أن يُكتب بخط المسند؟ فلماذا يكتب بأبجدية الشمال النبطي؟!

    الجواب يجب وضعه في إطار ما بحثناه حتى الآن: الخط الذي تمت به كتابة القرآن، يُعد قرينةً إضافيةً أنّ القرآن كُتب في الشمال.

    ملحوظةٌ أخرى:

    المسألة لا تقف عند “شمالية” الخط فقط بل اللغة ذاتها: يشير توم هولاند في كتابه الذي مررنا به، إلى تأثر القرآن بالتراث اليوناني في شمال شبه الجزيرة، ليس فقط من ناحية القصص (كقصة ذو القرنين- الإسكندر، وقصة أصحاب الكهف- النيام السبعة وغيرهما)، وإنما أيضًا تأثر لغة القرآن بالألفاظ ذات الأصل اليوناني، مثل “قصر” و”زخرف” و”صراط”… والمأخوذة تحديدًا عن التعامل العسكري للعرب مع البيزنطيين قبل الإسلام حيث كان الأواخر يستعينون بالأوائل كمرتزقة، علمًا أنّ تلك الكلمات لها في الأصل مدلولاتٍ عسكريةٍ صرفة، ما يعتبر دليلًا إضافيًا يؤكد صلة النص القرآني بتلك البيئة تحديدًا (39)،

    وهو ما يذكّرنا أيضًا بما لفت نظر بعض المستشرقين من أنّ القرآن، رغم انطلاقه من التراث اليهودي بشكلٍ أساسي، إلّا أنه يستخدم الأسماء اليهودية بلهجةٍ أقرب إلى السريانية المتأثرة باليونانية لا العبرية، فيقول “عيسى” بدلًا من “يشوع”، و”اسماعيل” و”إسحاق” بدلًا من النطق العبراني “يسماعيل” و”يتسحاق”،بشكلٍ مماثلٍ نلاحظ أن الفاتحين العرب كانوا يسمّون القدس مثلا باسمها اليوناني “إيلياء”، بدلًا من “يورشاليم”، حتى اسم “بيت المقدس” أراميّ ويعني “كنيس” (40)، هذا ما جعل عالم فقه اللغة الألماني وبروفيسور اللغات السامية والعربية القديمة كرستوف لوكسنبرغ يقترح أنّ القرآن في أصله كُتب بلغةٍ أقرب إلى السريانية، وذلك في كتابه “قراءةٌ آراميةٌ سريانيةٌ للقرآن”. (41)

    إن لم يكن في مكَّة، فأين؟

    «وَكَذَلِك َأَوْحَيْنَا إِلَيْك َقُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِر َأُمّ َالْقُرَى وَمَن ْحَوْلَهَا». (الشورى:7)

    «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ۞ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ». (يونس:13-14)
    «من الواضح أنّ البتراء كانت تمثّل مركزًا للحجّ، يجتذب إليه العرب من أنحاء شبه الجزيرة منذ القرن الثاني والثالث بعد الميلاد». – من كتاب “الحياة الدينية للأنباط”، بيتر جون ص 64.

    البتراء هي المدينة العريقة الواقعة جنوب الأردن، بالقرب من موطن إبراهيم ومركز الإسماعيليين، ومن ديار قوم لوط ومسار الإسرائيليين الخارجين من مصر ومساكن مدين والحجر، وهي العاصمة الأشهر للأنباط ملوك العرب القدامى، الذين اشتهروا بالمباني الصخرية المنحوتة في الجبال، وكانت مدينتهم مركزًا مهمًّا على المستوى الديني، حيث تعاملت منذ القدم مع اليهود والمسيحيين وغيرهم، واشتملت على مقدساتٍ عديدةٍ كوادي موسى الذي ضرب فيه بعصاه الحجر ففجّر الاثنتي عشرة عينًا مائيةً للأسباط، وجبل هارون المقدس الذي يحوي المدفن المفترض للنبي، واحتوت كذلك على الأصنام الوثنية والكعبات والمواسم الدينية السنوية، وكانت كذلك مدينةٌ مهمةٌ على المستوى التجاري، حيث كانت ملتقىً ذائع الصيت للقوافل المارة من الشمال إلى الجنوب، أو من الشرق إلى الغرب،

    كما عُرف سكانها أيضًا بالتجارة البحرية منذ القدم، وهذا يتناسب مع كثرة حديث القرآن عن السفن وأحوال البحر، وكلامه لخصوم محمَّد على سيرهم في مائه، واستخراجهم منه الأسماك واللؤلؤ والمرجان، ما يبدو غريبًا تمامًا على قريش الصحراويين. واشتهرت المدينة أيضًا بالزراعة المتنوعة للفواكه والحبوب المختلفة، والاعتماد على جمع مياه الأمطار كما أنها منشأ الخط العربي (النبطي) الذي كُتب به القرآن، وفيها كان يتم استخدام اللغتين العربية والنبطية جنبًا إلى جنب، وقد أصيبت المدينة قبل الإسلام بأكثر من زلزالٍ عنيفٍ، قضت على كثيرٍ من مبانيها، وهو ما نجد له أثرًا في بعض آيات القرآن أيضًا الموجّهة للكفار، حيث الحديث عن «مكر الذين من قبلهم»، ثم إتيان الله «بنيانهم من القواعد»، مما أدى إلى أن «خرّ عليهم السقف من فوقهم». (النحل:26).

    في كتاب “الجغرافية القرآنية” (42) يرى الباحث دان جيبسون، أنّ بكة اسم آخر للبتراء، ولعله مشتقٌّ من الهدم الذي أصابها من جرّاء الزلازل، فالبكّ حسب المعاجم هو “دقّ العنق”، ويرى كذلك أنّ المسلمين الأوائل-حسب القبلات القديمة- لم يكونوا في البداية يصلّون نحو القدس كما تقول الروايات، وإنما إلى البتراء، وأنّ بعض الخلط في الاستقراء جاء بسبب وجود الأخيرة على الخطّ الواصل بين يثرب والقدس، ما يجعل المتوجّه إلى البتراء يتوجّه إلى القدس في نفس الوقت، وهو ما يذكرنا نوعًا ما بالرواية التي تجعل محمَّدا يصلي قبل تحويل القبلة مستقبلًا بيت المقدس والكعبة في نفس الوقت، وينقل جيبسون عن د. أفراهام نجف، من مؤسسة الدراسات المتقدمة في برينستون اقتراحه أن البتراء-لا القدس- كانت مركزًا للحج العربي، وأنّ كثيرًا من النقوشات العربية الموجودة في الأردن وصحراء النقب تمّ كتابتها بأيادٍ عربيةٍ أثناء مسيرتهم إلى الحج في البتراء.

    و يعقد الكاتب مقارنةً بين طبوغرافية مكَّة، معالمها وجبالها ووديانها وتربتها وبيئتها المناخية والزراعية، حسب ما ترد في الروايات الإسلامية والأحاديث ونصوص السيرة، وبين طبوغرافية البتراء ليخلُص إلى نتيجة أن الأخيرة أكثر مطابقة للمواصفات الواردة في المصادر الإسلامية، بما في ذلك بئر زمزم الذي يقترح أنه أقرب إلى خزان وليس بئرًا طبيعيًا.

    لو صحّ هذا التصوّر، فهل يمكن ربط الله الذي نجد ذكره في النصوص النبطية، بالإله النبطي الرئيسي صاحب رمز الحجر الأسود، ذو الشرى والقول بأنه قد تمّ دمجهما معًا في مرحلةٍ من المراحل أيضًا؟ حينها هل يمكن اقتراح أنّ الآية القرآنية: «وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ» (النجم:49)، هي ترديد لاسم ذلك الإله بشكلٍ ما؟

    لا شكّ أن هذه مجرد تخميناتٍ قد تصيب وقد تخطئ، فالأمر بحاجةٍ للمزيد من التقصي، لكن ما لا شكّ فيه أنّ العديد من المدن الواقعة في تلك المنطقة، مرشّحٌ ليكون حرمًا عربيًا، يطابق الشواهد التاريخية والقرآنية، بشكلٍ أفضل كثيرًا من مكَّة.

    الصورة الكبيرة

    فإن كان الإسلام ظهر في الشمال فلماذا إذن وكيف ومتى صارت مكَّة هي عاصمة الإسلام؟ وإن صحّت تلك الرؤى فإلى أيّ مدى تمّ تزييف التاريخ؟ وهل سيمكننا يومًا فهم ما حدث على الأرض؟

    لن نزعم هنا تقديم الإجابات اليقينية بحال، وإنما يكفينا تأكيد أهمية فتح باب الأسئلة مع طرح بعض الاحتمالات المفتوحة بشكلٍ عابرٍ حتمًا يحتاج إلى بحوثٍ أخرى، فمن البديهي أنه لا يمكن فهم ظاهرةٍ فكريةٍ أو سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ بمعزلٍ عن سياقها الذي نشأت فيه، فلا يوجد دينٌ أو اتجاهٌ ينشأ هكذا في الفراغ دونما مقدماتٍ تؤثر فيه وتفرزه وتساهم في تشكيله وتحديد مساره، فإن أسأنا فهم السياق فسنسيء فهم الظاهرة، والمشكلة أنّ السياق الذي يُقدم لنا لفهم الإسلام من خلال الروايات والسيرة والأحاديث هو سياقٌ شبه أسطوريٍّ غير تاريخيٍ وغير دقيقٍ وهو لا يُقبل بشكلٍ عامٍ إلّا لكون المصادر الأخرى أكثر ندرةً وأقل تفصيلًا وتحتاج إلى جهدٍ في تجميعها معًا كي ترسم لنا صورة ما حدث فعلًا.

    لا شكَّ أنَّ المسألة بحاجةٍ للكثير من الدراسات، فلو أردنا أن نفهم كيفية نشوء الإسلام علينا أن نفعل ذلك في إطار التطورات السياسية والدينية والاجتماعية التي كانت سائدةً في الجزيرة العربية وعلى الأخصّ شمالها، ففي تلك الفترة كان لدينا حُمّى صراعٍ دينيٍّ وسياسيٍّ مستفحلٍ في المنطقة بين اليهود والمسيحيين والزرادشتيين، مع فوران دعوات دينيةٍ متنوعةٍ، وعقائد مهووسةٍ بقرب القيامة ونهاية الزمان، لدينا الصحراء العربية التي تستقبل الوفود والطوائف المهاجرة إليها هربًا من الاضطهاد الديني البيزنطي المسيحي الملكاني، يهودًا وسامريين وأبيونيين وإسينيين وغير ذلك لدينا ممالكٌ وسلالاتٌ عربيةٌ حاكمةٌ منتشرةٌ في المنطقة، كالمناذرة اللخميين في العراق، وهم المسيحيون النسطوريون الموالين للفرس، ثم الغساسنة في الشام المسيحيون المونوفيزيون والموالون للروم، ثم الحِمْيَريون في اليمن المتأثرون باليهودية والموحدون بإلههم الرحمن،

    ولدينا إمبراطوريتان متهالكتان (الروم والفرس) من جرّاء صراعٍ طويلٍ بينهما، انتهى بمواجهاتٍ عنيفةٍ قضت على ما تبقى من نفوذ الاثنين، ما أدى بهما إلى محاولات تفكيك وترويض النفوذ العربي اللخمي والغساني في العراق والشام، ما سيفسح المجال لجماعاتٍ عربيةٍ أخرى مهاجرةٍ من الجنوب إلى الشمال لتملأ الفراغ السياسي القائم، وتحصل أخيرًا على حكم المنطقة من خلال بعض المعارك العسكرية، هذا وسوف تستعر لاحقًا الصراعات بين العرب أنفسهم تنازعًا على السلطة والمُلك، ونجد أنّ كثيرًا جدًا من الشواهد القرآنية والإسلامية تقطع بأنها مرتبطةٌ جذريًا بهذا السياق وليست منفصلةً عنه.

    وأيًا كان الدور الذي لعبته الدعوة الإسلامية في هذا المسرح، فمن المؤكد أنّ الجانب الديني منها لم يبدأ مع محمَّد، ولم ينتهِ به، بل لعلّها جاءت كحلقةٍ في سلسلة تطوراتٍ معقدةٍ كانت تمرّ بها المنطقة وتفرّعت عن طوائف دينيةٍ عديدة، ثم في لحظةٍ ما ظهرت الحاجة إلى وجود دينٍ عربيٍّ جديدٍ ينافس المسيحية والزرادشتية، وكتابٍ عربيٍّ جديدٍ ينافس التوراة والإنجيل ونبيٍّ عربيٍّ ينافس موسى وعيسى، ومدينةٍ مقدسةٍ عربيةٍ تنافس القدس وبيزنطة بشكلٍ يلائم الإمبراطورية العربية الجديدة الناشئة، ويوحّد بين العرب المتنازعين، ثم في مرحلةٍ ما تمّ إعادة صياغة سيرة محمَّد ودينه بشكلٍ يتناسب مع هذا الغرض.

    بالتالي تجب الإشارة إلى أننا هنا – في حديثنا عن دور صحراء جنوب فلسطين- إنما نتحدث عن جانبٍ واحدٍ فقط من جوانب نشأة الإسلام، والخاص بالحرم العربي الأهم، وعن جزءٍ كبيرٍ من نشاط الدعوة المحمَّدية والمصاحب لنزول الكثير من آيات القرآن، ما لا يهمل ضرورة دراسة الدور الشرقي (العراقي) والجنوبي (اليمني) فهذا وذاك يحويان شواهد كثيرة على تأثيرهما على ظهور الإسلام، وتحملان دلائل عديدةٍ – دينيةٍ ولغويةٍ وسياسيةٍ- قد تساهم في فكّ شفرة ذلك الظهور، بل وفي فهم الصراعات التي تلته، سواءً على المستوى السياسي أم الديني بين أهل الشام وأهل المدينة وأهل العراق الأمويين والخوارج والشيعة وآل البيت والعباسيين إلخ.. والتي قد تكون امتدادًا لصراعاتٍ أقدم، وقد تساهم أيضًا في فهم كيفية انتقال المركزية الدينية للإسلام من الشام إلى مكَّة جنوبا.

    فهم ما حدث

    لا يعلم أحدٌ من أين جاءت الفتوحات الإسلامية تحديدًا، ولا نجد مشكلةً في قبول أنها انطلقت فعلًا من يثرب (القاعدة العسكرية لمحمَّد) كما جاء في السيرة، والتي تحكي لنا أيضًا عن معارك حربيةٍ سابقةٍ وقعت بين محمَّد وجماعته المؤمنين من ناحية والكفار القريشين من ناحيةٍ أخرى، انتهت بسيطرة الأوائل على مكَّة، وبعد عامين تقريبًا من الحروب الأهلية بين العرب، انطلقت الفتوحات خارج الجزيرة.

    لكن مراجعة حالة المنطقة في تلك الفترة والنظر في تفاصيل الروايات الإسلامية بخصوص قريش وأصولهم وكذلك تفحّص نهاية صراعهم مع محمَّد وصلح الحديبية وفتح مكَّة ثم علاقة المدينة بالشام في عهد عمر وما تلاه قد يجعلنا نرى الأمر بشكلٍ مختلفٍ نوعًا ونشك في تلاعبٍ تاريخيٍّ لاحق قد حدث، وأنّ الأقرب للحقيقة ربما، في أنّ قريشًا هو على الأرجح اسمٌ لحلفٍ قبليٍّ غامضٍ (يهودي؟ وثني؟) من العرب الشماليين، وأنّ صراع محمَّد معهم دينيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا أيضًا، كان صراعًا ليثرب مع الشام شمالها لا مع مكَّة جنوبها.

    فلو عدنا لتذكّر وجود الحرم العربي الغامض جنوب فلسطين، فيمكن تصوّر-كما يرى البعض- أن صلح الحديبية لم يكن إلّا عهدًا وحلفًا سياسيًا بين أهل يثرب وقريش ضمن اعتراف قريش بمحمَّد، ومكّن المؤمنين أخيرًا من ارتياد البيت المعظّم جنوب فلسطين، والمسيطر عليه من قبل قريش، صاحب ذلك تعاونٌ عسكريٌ تجلّى في انضمام القائدين القرشيين خالد بن الوليد وعمرو بن العاص إلى محمَّد وأتباعه، وهو ما سيتمّ تتويجه بما سيُسمّى: فتح مكَّة، وهو فيما يبدو نوعٌ من السيطرة السياسية على الحرم المقدس تم منحه للنبي العربي الجديد، وسيُتبع ذلك بدعم اليثربيين واليمنيين لأهل الشام في معارك الفتوحات اللاحقة.

    لو صحّ هذا التصور، فيمكن القول: إن الأمويين الذين لا يوجد أيّ دليلٍ يربطهم بالإسلام قبل عبد الملك، ظلُّوا على معتقدهم، وظلَّ لهم الحكم المركزي، بينما كان دور حلفائهم في يثرب في زمن محمَّد وبعده مباشرةً هو إخضاع عرب نجد واليمن، فيما سُمي: “حروب الردة”،في تلك الحالة سنتصور علاقة عمر بن الخطاب مثلًا بمعاوية بشكلٍ مختلف، فالثاني لم يكن واليًا معيّنًا من قِبل الأول، كما ستحاول الروايات التاريخية اللاحقة التي صيغت في يثرب والعراق إقناعنا، وإنما الأقرب أنّ معاوية كان الحاكم الأقوى، بينما الأول كان مجرّد حاكمٍ محليٍّ للمدينة.

    وبعد نجاح الفتوحات التي ستقودها المدينة، سيبدأ النزاع الداخلي بين العرب، فكما تمّ قتل عثمان (الحاكم الأموي ليثرب) في تمرّدٍ غاضب، تلتها ثورة ابن أبي طالب في العراق، والتي قمعها معاوية (الفتنة الأولى)، في شكلٍ أيضًا سيتمّ تقديمه لنا بشكلٍ شبه معكوسٍ من قِبل الرّواة، كذلك سيتكرر الوضع لاحقًا في حُكم يزيد بن معاوية، حيث سيقوم واليه على يثرب (مروان ابن عم عثمان) بالهرب من غضب أهل المدينة إلى سورية، وسيتلو ذلك ثورة الحسين بن علي في العراق والتي سيقمعها يزيد (الفتنة الثانية).

    بعد هذا تأتي موقعة الحرة، حيث أخضع الأمويون يثرب، ثم هروب ابن الزبير وتحصّنه في البيت المقدّس، وحضور جيش يزيد خلفه ليحاصره عام 683 م، وفي كتابه (ص373،374)، يقوم توم هولاند بملاحظة أنه لا يوجد نصٌّ معاصرٌ يوضح لنا إلى أين هرب ابن الزبير تحديدًا، ولا يوجد ما يثبت أنه مكَّة، لكن من تتبُّع نصوصٍ أخرى غير إسلاميةٍ، يرى هولاند أنّ البيت المقصود هو على الأرجح مكانٌ شمال الحجاز؛ بين الكوفة والإسكندرية، وبين يثرب وفلسطين، وهو نفس الموقع على ما يبدو الذي ارتبط نشاط محمَّد به.

    يستمر هولاند ليلاحظ (ص375،376) أنه بعد انسحاب جيش يزيد، وشروع ابن الزبير في هدم الكعبة وإعادة بنائها، ظهرت رواياتٌ ذات طابعٍ أسطوريٍّ مدهش، منها أنه في أثناء حفر الأرض -و بمصادفةٍ رائعة- تمّ إيجاد أسس ابراهيم ذاتها! ثم تمّ استخراج حجرٍ أسودٍ تسبب خروجه في اهتزاز الحرم كله، وُجد أنه مختومٌ بختم الله ذاته ومكتوبٌ عليه “أنا الله، رب بكة”، ولاحقًا سوف يتمّ حصار ابن الزبير في ظروفٍ مشابهةٍ على يد جيش الخليفة الجديد عبد الملك بن مروان عام 692. في فترة ما بين الحصارين، شهدت نزاعاتٍ محوريةً، منها إعلان ابن الزبير نفسه كخليفةٍ للمسلمين، وسيطرته على مصر والحجاز واليمن وأجزاءٍ من الشام، وإخماده لثورة المختار الثقفي في العراق، وصداماته مع الشيعة والخوارج هناك أيضًا، ثم في تلك الأثناء، أصدر عامله في العراق أول عملةٍ معروفةٍ تحمل شعارٍ مرتبطٍ بنبوة محمَّد “بسم الله، محمَّد رسول الله” عام 685 أو 686.

    وبعد تولي عبد الملك الحُكم، قام بمهاجمة العراق أولًا، حتى انتزعها من سلطة الزبير، وكان ذلك عام 691، لكن المُلفت أن العملات الخاصة بمحمَّد استمرت في الصدور بانتظامٍ هناك تحت سلطة الأمويين.

    آنذاك، في عام 691، كان عبد الملك قد انتهى من بناء مسجد قبة الصخرة (أو مسجد إيلياء كما كان يُسمّى) في القدس، والذي تقول المصادر الإسلامية كالكلبي والواقدي واليعقوبي وأيضًا الطبري والحلبي والكواكبي، أنه قد بُني خصيصًا لمنافسة الكعبة التي كان يسيطر عليها ابن الزبير آنذاك، ومحاولةً للحل محلها، وتخبرنا تلك المصادر أيضًا أن المسلمين ظلوا بالفعل يحجّون إلى القدس طيلة ثلاثة سنوات! مع ملاحظة أن الآيات القرآنية المكتوبة على قبة الصخرة في زمن عبد الملك، كانت موجّهةٌ ضد المعتقد المسيحي الذي يؤلّه يسوع، وكانت تحثّ المسيحيين حثًّا على الاعتراف برسالة النبي العربي محمَّد.

    أما بعد انتصار عبد الملك النهائي على الزبير عام 692، والذي ترافق مع هدم الكعبة مرةً أخرى وإعادة بنائها على يد الحجّاج؛ فيخبرنا هولاند (ص386،387) أنه مذ ذلك الوقت فقط بدأت عملية تحويل قبلات المساجد الكبرى في مصر والعراق والشام جنوبًا إلى مكَّة التي نعرفها، تلك العملية التي ستستمر في عهد الوليد ابن عبد الملك، وقد صاحب ذلك اعتراف عبد الملك أخيرًا بالمدينة المقدسة وذهابه للحجّ إليها عام 694.

    فما الذي جرى هنا بالضبط؟

    أولًا فيما يخصّ موضوعنا؛ كيف ومتى تحديدًا حدث نقل الحرم المقدّس من الشمال إلى الجنوب؟

    هل تمت بيد الزبير؟ بمعنىً آخر؛ هل قام الزبير بعد الحصار الأول للحرم الشمالي بالانسحاب جنوبًا مع نقل الحرم إلى مكَّة الجنوبية الحالية، وبذا تكون هي التي هدمها الحجّاج؟

    وفي تلك الحالة؛ فما الذي يجعل الحجّاج يعيد بناءها في مكانها مرةً أخرى ثم يقوم عبد الملك وأولاده لاحقًا بتحويل القبلات إليها؟ هل هي مثلًا المسايرة لجماعاتٍ مؤمنةٍ منتشرةٍ في الحجاز تعظّم هذا البيت، ومحاولة كسب تلك الجماعات إلى صفه؟

    أم أن الكعبة التي هُدّمها الحجّاج هي كعبة الشمال، أما إعادة البناء فتمّ في مكَّة الجنوبية، وبذا يكون الأمويون أصحاب قرار نقل الحرم بعيدا عن مركز حكمهم، ذلك القرار الذي سيدعمونه لاحقًا بتحويل القِبلات جنوبًا؟

    و بشكلٍ أشمل؛ هل جاء إصدار الزبير للعملة التي تحمل اسم محمَّد في إطار محاولة توحيد أهل العراق دينيًا، بشكلٍ يهدّئ من ثوراتهم التي كان لها طابعٌ دينيٌّ لا شك فيه، ويضمن له المزيد من السيطرة هناك؟ وهل قرارات عبد الملك والحجّاج المشابهة، كإعادة بناء الكعبة، والاستمرار في إصدار عملات محمَّد، والإضافية، كتعريب الدواوين، وتحويل قِبلات المساجد الرئيسية، وإعادة صياغة النص القرآني، جاءت لأهدافٍ مشابهةٍ: توحيد العرب؟

    هل أراد عبد الملك، السياسي البراغماتي الطموح المُهدَّد من البيزنطيين في الشمال، والمتململ من سيطرة الإداريين المسيحيين على شؤونه في سوريا القيام بما قام به الإمبراطور البيزنطي قسطنطين وخلفاؤه من قبل، عندما تبنّى ديانةً شعبيةً منتشرةً، وجعلها ديانةً رسميةً لدولته، مع إعادة صياغتها بشكلٍ يتناسب مع ذلك الدور، ثم محاولة تعميمها بين جميع الشعوب تحت حكمه، بهدف توحيد تلك الشعوب دينيًا، مما يساعد حتمًا في التوحيد السياسي؟

    ولكن لماذا مكَّة تحديدًا؟

    ربما نجد المفتاح في الآية القرآنية التي تذكر مكَّة بشكلٍ عارضٍ فكما أن الأمويين،كالرومان، قاموا بتبنّي دعوةٍ دينيةٍ موجودةٍ وحقيقيةٍ فعلًا في زمانهم (دعوة محمَّد)، أليس من الأرجح أيضًا، أنهم تبنّوا عاصمةً كان لها جذورًا سابقة؟ ولكن هل لتلك الجذور علاقةٌ بمحمَّد؟ وإن قلنا إن نشاط النبي كان في شمال الجزيرة فهل كانت أصوله مثلًا تعود إلى مكَّة فعلًا؟

    لو صح هذا، فقد يفسّر لنا جوانب أخرى من سيرته، مثل محاولته إقناع عرب قريش بإلهه الرحمن ذي الأصول الجنوبية، وقد يفسّر لنا أيضًا أنّ ما تخبرنا به السيرة من أنّ هجرة محمَّد تأخرت عن باقي المهاجرين، فكأنه وصل إلى يثرب بشكلٍ منفصل عنهم، ما يوحي ربما بأنَّه جاء أصلًا من مكانٍ آخر، و هو ما نجد أصداءً له في بعض الروايات. (43)

    احتمالٌ آخر، أنّ محمَّدا قد مرّ بمكَّة في مرحلةٍ ما، وربما بعض مناوشاته العسكرية تمّت هناك، وهو ما نجده في الآية، هذا المرور ربما صاحبه نوعٌ من التقديس للمكان.

    ذلك كلَّه قد يذكّرنا بمعضلة “المسجد الحرام” في مقابل “المسجد الأقصى”، ومن المحتمل أنها قد تكون المعاني الأصلية لهذين، فلو قلنا إن الحرم الأصلي كان هو ذلك الحرم في جنوب فلسطين فهل يُحتمل أن المسجد الأقصى هو في مكَّة؟!

    هذا ما يراه البعض (44) (45) حيث يربطون بين اسم “المسجد الأقصى” وبين موضعٍ يُسمّى “الجعرانة” شمال مكَّة ببضعٍ وعشرين كيلومترًا، ويوردون الكثير من الروايات الإسلامية التي تؤكد هذا الربط (46).

    هذا يتركنا مع احتمال أن محمَّدا في مرحلةٍ ما ارتبط فعلًا بمكَّة الحالية، لكنه في مرحلةٍ أخرى بعد الهجرة إلى يثرب، لجأ إلى الصلاة نحو البيت المقدس الرئيسي في الشمال، وهذا هو تحويل القبلة إلى المسجد الحرام، ثم في خضمِّ الصراعات والفتن اللاحقة بين العرب والشاميين، تم تدمير الحرم الشمالي، واستبدال بيتٍ آخر به في مكَّة الحالية، وتكفّلت الروايات بإعادة صياغة التاريخ بشكلٍ يجعل مكَّة هي “البطل الرئيسي” للأحداث.

    هوامش ومراجع

    (23) كتاب بلدانية فلسطين العربية .جمع النصوص الأب أ.س.مرمرجي الدومنكي، وفهرسها محمَّد خليل الباشا .عالم الكتب .

    (24) من صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 3381، وبرواياتٍ أخرى بأرقام 1338 – 4419، وكذلك في صحيح مسلم برقم 2980.

    (25) PETRA: Lost City of Stone” (in (French)). Civilization.ca. Retrieved 2013-02-03.

    (26) Healey، John F. (2001). 4. The Religion of the Nabataeans: A Conspectus. Religions in the Graeco-Roman World 136. Boston: Brill. pp. 107–119.

    (27) Jane Taylor، Petra and the Lost Kingdom of the Nabataeans، I.B.Tauris Publishers، 2001 pg. 130

    (28) Hommel، First Encyclopaedia of Islam، Vol. 1. p. 380.

    (29) جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، (11/253).

    (30) Alfred Guillaume. Islam. Penguin 1990 pp.7

    (31) الراوي:سعيد بن جبير المحدث:ابن حجر العسقلاني – المصدر:الدراية – صفحة : 1/136، وأيضا: المراسيل – صفحة 141.

    (32) C. J. Robin، “South Arabia، Religions In Pre-Islamic”، in J. D. McAuliffe (Gen. Ed.)، Encyclopaedia Of The Qur’ān، 2006، Volume Five Si – Z، Koninklijke Brill NV: Leiden (The Netherlands)، pp. 84-85.

    (33)J. Ryckmans، “South Arabia، Religion Of”، in D. N. Freedman (Editor-in-Chief)، The Anchor Bible Dictionary، 1992، Volume 6، Doubleday: New York، pp. 174-175; J. Ryckmans، “The Old South Arabian Religion”، in W. Daum (Ed.)، Yemen: 3000 Years Of Art And Civilization In Arabia Felix، 1987؟، op. cit.، p. 110; A. Sima، “Religion” in St. J. Simpson (Ed.)، Queen Of Sheba: Treasures From Ancient Yemen، 2002، The British Museum Press: London، p. 165; A. F. L. Beeston، “The Religions Of Pre-Islamic Yemen” in J. Chelhod (Ed.)، L’Arabie Du Sud Histoire Et Civilisation (Le Peuple Yemenite Et Ses Racines)، 1984، Volume I، Islam D’Hier Et D’Aujourd’Hui: 21، Editions G. -P. Maisonneuve et Larose: Paris، pp. 267-268.

    (34) J. C. Greenfield، “From ’LH RḤMN To AL-RAḤMĀN: The Source Of A Divine Epithet” in B. H. Hary، J. L. Hayes and F. Astren (Eds.)، Judaism And Islam: Boundaries، Communication And Interaction – Essays In Honor Of William M. Brinner، 2000، Brill: Leiden

    (53) من أشهر الأمثلة على دمج الآلهة هو ما تم من دمج الإله المصري الشمالي الشمسي القديم “رع”، مع إله طيبة الجنوبي الصاعد “المختفي”، “آمون”، مما أنتج الإله الجديد “آمون رع” كحل وسط يرضي الجميع.

    (36) The Religion of the Nabataeans: A Conspectus, p26.

    (37) PETER JOHN, The Religious Life of NabataeaALPASS, p31.

    (38) للاطلاع على بعض تلك النقوش http://www.islamic-awareness.org/History/Islam/Inscriptionshttp://www.islamic-awareness.org/History/Islam/Inscriptions

    (39) In the Shadow of the Sword: The Battle for Global Empire and the End of the Ancient World, p. 311-313، 335.

    (40)Bosworth، Clifford Edmund (2007). Historic cities of the Islamic world.BRILL. p. 225.

    (41) The Syro-Aramaic Reading of the Koran: A Contribution to the Decoding of the Language of the Koran English Edition of 2007 (Die syro-aramäische Lesart des Koran: Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Koransprache, 2000).

    (42) Dan Gibson, Qur’anic Geography-2011, Independent Scholars Press, 470 pages.

    (34) «عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ أَفَصَحُنَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا؟ قَالَ: ” كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ دَرَسَتْ فَجَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَحَفِظْتُهَا»، تاريخ دمشق لابن عساكر، حرف الألف، ذكر من اسمه أَحْمَد ومحمَّد والحاشر والمقفى والعاقب، باب ما روي فِي فصاحة لسانه وحسن منطقه.

    (44) مقال للدكتور الشيخ مصطفى راشد، أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر، بعنوان “لأن قول الحق شرط لصحة الإيمان، المسجد الأقصى موجود بالسعودية” http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp؟aid=319658

    (54) مقال للباحث صباح إبراهيم، بعنوان “أين يقع المسجد الأقصى الحقيقي؟”

    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp؟aid=189134

    (64) بعض الروايات:

    1- من المغازي للواقدي: «وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا; فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي تَحْتَ الْوَادِي بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى، وَكَانَ مُصَلّى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا كَانَ بِالْجِعِرّانَةِ، فَأَمّا هَذَا الْمَسْجِدُ الْأَدْنَى، فَبَنَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَاِتّخَذَ ذَلِكَ الْحَائِطَ عِنْدَهُ».

    2- من كتاب أخبار مكَّة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي ج 2 ص 207: «قال محمَّد ابن طارق: اتفقت أنا ومجاهد بالجعرانة فأخبرني أنّ المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى مصلى النبي كان بالجعرانة، أما هذا المسجد الأدنى فإنما بناه رجل من قريش».

    3- جاء في مسند أبي يعلى ج 12 ص 359: «عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله يقول: من أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة».
                  

10-14-2018, 02:17 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)



    كتاب "مقدمة في التاريخ الآخر: قراءة جديدة للرواية الإسلامية" للفلسطيني "سليمان بشير " عملاً مؤسِّساً في تعبيد الطريق نحو تاريخ بديل للرواية التقليدية للإسلام . وكما يقول عنه الباحث موريس عايق :
    ((يبدو عمل الراحل سليمان بشير المعنون بـ"مقدمة في تاريخ الآخر، نحو قراءة جديدة للرواية الإسلامية"، والذي نشر في القدس عام 1984 (2)، عملا بالغاالأهمية وسباقا في مجال دراسات هذه التاريخية النقدية، فهو قد افتتح طريقا لم يسلكها أحد بعده من العرب.

    وإضافة إلى الخشية من الإهمال الذي قد يتعرض له عمل بشير وخاصة مع الأسبقية التي يحوزها دوما الوافد الغربي إلينا، فإن هناك سببا آخر لأهمية التعريف بعمل بشير مقارنة بعمل الآخرين. فبشير لا يتجاوز الرواية الإسلامية كما سيفعل بوب،أو كرونه وكوك في عملهما "الهاجريون"، بل سيعمد إلى استكشاف الجذر التاريخي الذي تستند إليه الرواية الإسلامية، والتي تشكل في النهاية المصدر الوحيد الذي يروي لنا بداية الإسلام، بغياب أية وثائق خارجية)).
    __________________________________
    عودة إلى كتاب "مقدمة في تاريخ الآخر": نحو قراءة جديدة في نشأة الإسلام "



    موريس عايق

    تظهر حاليا دراسات جديدة (1) تعيد النظر في نشأة الإسلام انطلاقا من المعطيات الأثرية والبحوث الحديثة التي تناولت الإسلام المبكر، دون الاعتماد على الرواية الإسلامية للتارخ تلك الحقبة، بسبب من الالتباسات الكثيرة والقضايا الغامضة وغير المفهومة التي تلابس الرواية الإسلامية.

    ضمن هذه الطريق الجديدة التي تشقها هذه الدراسات التي تتعامل مع الرواية الإسلامية كنص أسطوري لا يُركن إليه، يبدو عمل الراحل سليمان بشير المعنون بـ"مقدمة في تاريخ الآخر، نحو قراءة جديدة للرواية الإسلامية"، والذي نشر في القدس عام 1984 (2)، عملا بالغاالأهمية وسباقا في مجال دراسات هذه التاريخية النقدية، فهو قد افتتح طريقا لم يسلكها أحد بعده من العرب.

    وإضافة إلى الخشية من الإهمال الذي قد يتعرض له عمل بشير وخاصة مع الأسبقية التي يحوزها دوما الوافد الغربي إلينا، فإن هناك سببا آخر لأهمية التعريف بعمل بشير مقارنة بعمل الآخرين. فبشير لا يتجاوز الرواية الإسلامية كما سيفعل بوب،أو كرونه وكوك في عملهما "الهاجريون"، بل سيعمد إلى استكشاف الجذر التاريخي الذي تستند إليه الرواية الإسلامية، والتي تشكل في النهاية المصدر الوحيد الذي يروي لنا بداية الإسلام، بغياب أية وثائق خارجية.

    نقد الرواية، وهو المقدمة لأي "تاريخ آخر" كما سيعنون بشير كتابه، هو الخطوة التي ينجزها بشير في مؤلفه هذت، وهذه الخطوة هي مصدر أهمية عمل بشير والأرضية التي سيبني عليها نتائجه، وإن لم يحاول تقديم رواية متكاملة لما حصل على العكس من عمل بوب (والآخرون الذين اشتركوا معه) وكرونه/كوك، إلا أنه يمكننا بناء هذه الصورة عبر نتائجه ومقارنتها مع عمل بوب بشكل أساسي.

    فلنبدأ بعرض عمل بشير.
    إن إشكالية تاريخ الفترة الأولى من الإسلام تعود لغياب أية أدلة على وجوده قبل فترة عبد الملك بن مروان، بل أن أول الأدلة التي تشير إلى وجود القرآن تعود إلى الربع الأخير من القرن الهجري الأول. مع هذا الغياب تبدو الرواية الإسلامية كمصدر وحيد برغم ما تعانيه من إشكاليات متعددة، فتواريخها مضطربة إلى درجة كبيرة حتى أن المرء يعجز عن إيجاد تاريخ متفق عليه بين مختلف الروايات.

    يبدو هذا جليا في قضية مثل عملية جمع القرآن التي تنسب إلى عثمان بن عفان، إلا أنه توجد روايات أخرى تنسبها إلى أبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب، في حين تتحدث روايات أخرى عن عمليات جمع تمت على عهد محمد نفسه. أما الرواية الشيعية فتعطي لعلي بن أبي طالب دورا مميزا في هذا الأمر، بل يصل الاضطراب إلى الحجّاج الذي قام بتنقيط القرآن، وربما بجمعه وتحقيقه كما أشار إلى ذلك الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث في مراسلاته مع عمر بن عبد العزيز، وكيف قام الحجاج بإتلاف "كتابات المهاجرين" و"إنه جمع كل كتاباتكم القديمة وألف أخرى حسب ميوله ووزعها على أمتك في كل مكان.... ولم ينج من هذه الإبادة سوى القليل من أعمال أبي تراب لأنه لم يستطع القضاء عليها كليا".

    بل يتعلق هذا التضارب بالرسول نفسه، بين روايات ثبّتت أميته وأخرى تجعله يتقن السريانية التي علمه إياها جبريل. فضلا عن إننا لا نعرف بشكل دقيق عدد أبنائه ولا حتى سنة ميلاده أو وفاته.

    وتلك هي أيضا حال الروايات التي تتناول نسب الرسول، فهي مضطربة بشكل كبير على العكس من الرواية السائدة والتي تجعله ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، مما دفع بعض إلى اعتباره مجهول النسب. بل أن هناك رواية تُنسب إلى عمر أنه سأله "يا رسول الله مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل درست فجاء جبريل فحفظتها".

    كما أن هناك أحاديث تروى عن الرسول تناسب فترات لاحقة، كما في حديث عبد الله بن عمر "القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود"، وكذلك الحال مع الآيات القرآنية، مثل الآية 33 من سورة الإسراء "وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" والتي تنطبق على قتل عثمان، أو الآية 55 من سورة النور"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" في مسألة الخلافة.

    إن نشوء الرواية التاريخية استند إلى الحاجة الدينية مقدما، كما في علم تفسير القرآن (أسباب النزول) حيث سعت الرواية إلى إعطاء الآيات القرآنية مضمونا تاريخيا عبر ربطها بأحداث معينة أو شخصيات، يضاف إليها الحاجة إلى ضبط الإسناد وتوحيده مع ازدياد ظاهرة الحديث عن الرسول والتي ازدادت بكثرة في نهاية العصر الأموي وبداية العباسي (القرن الثاني للهجرة)، على العكس مما سبق حيث كان الحسن البصري يروي دون إسناد.

    هذه الرواية –إضافة إلى أسباب أخرى سنأتي عليها- هي التي أعطت المأثور الإسلامي إطاره التاريخي والذي يبدو أنه هو المشكلة برغم محاولات عقلتنه.

    إن الإطار التاريخي الذي يبدو أنه يناسب الأحداث هو إطار متأخر عن الإطار الذي تتحرك الرواية الإسلامية ضمنه وهو منتصف القرن الهجري الأول، أي فترة الحرب الأهلية الثانية والتي دارت أحداثها بين المختار الثقفي وعبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان.

    فالتقاطعات بين أحداث الرواية السائدة لهذه الفترة والأحداث اللاحقة، كما بين شخصيات الفترتين، كبيرة ومهمة.

    تبدو شخصية الرسول وكأنها بنيت على أساس من شخصية محمد بن الحنفية، فكلاهما كني بابي القاسم، برغم نهي الرسول عن أن يجتمع اسمه وكنيته لأحد من بعده، إلا أن الرواية تجد مخرجا في رخصة حصل عليها علي لابنه، وكلاهما لديه ابنة تدعى فاطمة وكنيتها (أم أبيها).

    ومن أوجه الشبه الأخرى بين الشخصيتين الحصار الذي ضربه ابن الزبير على محمد بن الحنفية وأهله من بني هاشم بعد رفضه مبايعته، فأرسل المختار "الخشبية" لفك الحصار وفيها صدى لأقوال الرسول ونهيه عن حمل السلاح، وهناك مرويات عن أن الحصار دام ثلاث سنوات.

    بعد مقتل المختار يهاجر ابن الحنفية باتجاه آيلة شمالا، وفي رواية أخرى انه هاجر بعد ذهابه إلى الطائف مع ابن العباس، وهنا يدخل عبد الملك مسرح الأحداث ويسمح لابن الحنفية بالدخول إلى أراضيه، فيهاجر إليه بسبعة آلاف ولكن في الطريق لا يبقى منهم إلا 900 في تشابه بيّن مع مسيرة الرسول إلى تبوك والآيات القرآنية التي تتحدث عن المتخلفين.

    وعندما حاول ابن الحنفية الحج إلى مكة منعه ابن الزبير (كما منعت قريش محمدا) ولكنه وبعد فتح الحجاج لمكة بسنتين قام بالحج وبعده بثلاثة أشهر مات، وهو ما يتشابه مع سيرة الرسول والذي حج حجة الوداع بعد سنتين من الفتح وتوفي بعدها بثلاثة أشهر.

    كما أن العلاقة بين محمد وأبي سفيان عشية فتح مكة تتشابه مع العلاقة التي ربطت كلا من عبد الملك بن مروان ومحمد بن الحنفية.

    وهناك أيضا أوجه شبه تربط بين الرسول محمد ومحمد آخر هو محمد النفس الزكية.

    وهذا هو أيضا حال عمر بن الخطاب والذي يبدو أن القصص التي وردت عنه اختلطت بروايات لأشخاص آخرين، كما مع عبد الملك بن مروان فيما يتعلق بتعريب الدواوين أو ضرب السكة أو مع شخصية ابن الزبير في توسيعه للكعبة أو الدور المنسوب لعمر في محاولة تقويض صلح الحديبية والذي ربما يشبه هنا ابن الزبير، أو حتى مع عمر بن عبد العزيز.

    أما موقف الزبير من علي حيث بايعه أول الأمر ثم عاد وحاربه في موقعة الجمل فهو يشابه سلوك ابنه فيما بعد تجاه محمد بن الحنفية وزين العابدين، حيث أيد أولا الحق العلوي ثم عاد ليطالب محمد بن الحنفية بمبايعته.

    أما معركة الأحزاب فتبدو وكأنها إعادة صياغة لمعركة الحرة التي شنها يزيد ضد المدينة، فالمدافعون عن المدينة تحصنوا في خندق الرسول ويزيد رآها ثأرا لأهله الذين قتلوا على يد أهل المدينة، وكذلك فيما يخص الطابع السري للدعوة الإسلامية في بدايتها. ففي قصة إسلام أبي ذر يبدو أن اسم الرسول ومكانه كانا غير معلومين، وهي تعكس أجواء الحركات الشيعية السرية في العهد الأموي.

    أما فيما يتعلق بروايات فتح مكة (وقد يكون الفتح الفعلي هو القضاء على ابن الزبير) فهي تبدو غامضة ويحضر فيها أطراف ثلاثة، الرسول وأبو سفيان والقرشيون، و يظهر الأخيرون وكأنهم مختلفون عن أبي سفيان، زعيمهم المفترض، الذي فاوض النبي.

    وبعد الفتح تسلم الأمويون كافة مقاليد الدولة الإسلامية، وشكلوا هم وحلفاؤهم قادة ألوية الجيوش التي حاربت القبائل المرتدة والتي كان من ضمنها قبائل مسيحية، مما يناقض الصورة التي تقدمهم فيها الرواية الرسمية كمهزومين. بل أن حروب الردة والتجهيز الذي سبقها والأعداد التي خاضتها تجعلها غير مناسبة للفترة التي تتحدث عنها بل أقرب إلى أجواء احتلال منظم قام به الأمويون في الشام للحجاز وإخضاع القبائل العربية، بعد قضائهم على ابن الزبير.

    إن الرواية الإسلامية، وقد كتبت في العصر العباسي الأول، قامت بإضافة الفترة الراشدية إلى التاريخ الإسلامي من أجل الانتقاص من شرعية الحكم الأموي ومنجزاته في مجال الفتوحات وجمع القرآن وغيرها، عبر إيجاد حيز تاريخي يمكن أن توضع فيه هذه المنجزات وهو ما تم بإضافة فترة الخلفاء الراشدين الأربعة، وربما وبشكل خاص تشير موافقات عمر إلى التعديلات التي أدخلها الأمويون على الصلاة وعبادات ومسائل تشريعية أخرى. وحشر الفترة الراشدية بشكل قسري بين الرسول من جهة والأمويين من جهة أخرى كان هو السبب في أكثر الظواهر اضطرابا. وهكذا علينا أن نعيد قراءة الأحداث ضمن إطار تاريخي مغاير للذي تقدمه الرواية السائدة، وان يكن معكوسا بشكل ما ضمن أحداثها.

    فالخلفاء الراشدون ربما عاشوا في المدينة بعد وفاة الرسول ومارسوا بعضا من الصلاحيات في المدينة ولكنها كانت صلاحيات وكان ذلك أساسا بموافقة الأمويين- ربما بسبب تحالف الرسول معهم- وتحت إشرافهم وهو الأمر الذي تنعكس ملامحه في الرواية الإسلامية. فعمر لا يسيطر على مواسم الحج، وعثمان يستنجد بمعاوية مما يعني أن المدينة لم تكن تملك المقومات العسكرية كعاصمة، بل أن هناك أدلة على أسبقية الشام فعثمان كان يرسل المعارضين إلى معاوية، كما أن معاوية خاطب علي "أهل الشام حكام لأهل الحجاز"، حتى انه تنسب إليه تهديدات للصحابة بشأن عثمان.

    أما الروايات التي تتحدث عن البيعة بعد الرسول فهي تشير إلى دور أموي في اختيار أبي بكر تحت قوة الوجود العسكري للأمويين، مما اقنع الأنصار بالخلود إلى السكينة.

    وفي أحداث السقيفة، ستظهر جميع التيارات التي ستشكل فيما بعد التيارات المعارضة للأمويين والتي ربما تمثل التيارات اليهودية –مما يلفت الانتباه في هذا الشأن هو أن الشوام كانوا يعيرون الأنصار خلال وقعة الحرة بكونهم يهودا رغم أنه من المفترض أن اليهود في هذا الوقت كانوا قد أخرجوا من المدينة، كما أن معاوية عير سعد بن عبادة احد قادة العلويين وابن زعيم الخزرج بكونه "يهوديا ابن يهودي"/ فكان أن رد عليه "وثني ابن وثني"- في المدينة التي التفت حول علي.

    وملابسات مقتل عمر بن الخطاب تشير إلى معارضة قوية للأمويين من طرف العلويين والزبيريين والعناصر اليهودية في المدينة. مما دفع الأمويين على ما يبدو إلى تشديد قبضتهم بالانتقال إلى الحكم المباشر عن طريق العناصر الموالية لهم ممثلة بعثمان.

    إلا أن الغموض يحيط بعثمان بن عفان نفسه والذي ربما شكل مخرجا راشديا- سلفيا للجوانب الايجابية في الدور الأموي ونوعا من حلقة تبريرية لانتقال السلطة إلى الأمويين، إلا انه من جانب آخر يتقاطع كثيرا مع شخصية أخرى وهي عثمان بن محمد بن أبي سفيان عامل المدينة الأموي، والذي وثب عليه أهل المدينة وأخرجوه منها، مما كان المقدمة لمعركة الحرة، حيث دافع أهل المدينة عنها في خندق الرسول،كما يشار إلى أن مروان بن الحكم وابنه عبد الملك كانا ضمن من أخرجوا من المدينة، كما كانا سابقا ضمن من أخرج منها في الفتنة الأولى.

    كما أن معارضة عثمان -عبد الله بن مسعود مثلا- سوغت موقفها بأمرين وهما توسع الحكم الأموي، الذي أشير إليه عن طريق تولية عثمان لأقاربه عمالا وولاة، والمعارضة لفرض صيغة موحدة للقرآن ما يوحي بدور عبد الملك في فرض صيغة نهائية للإسلام، تلك التي دخلتها عن طريق الأمويين تأثيرات مسيحية.

    يبدو أن الإسلام تشكل بشكل معكوس لما تقدمه لنا الرواية السائدة فهو لم يخرج من الصحراء إلى الهلال الخصيب، بل يجب النظر إليه على انه نشأ كحاجة لحماية وتثبيت الاستقلال الذي قام به الأمويون في الشام عن البيزنطيين، وتوسيع سلطانهم باتجاه شبة الجزيرة وتوحيدهم الهلال الخصيب.

    هنا نلحظ فترتين متمايزتين في الإسلام ، الأولى والتي تعكس تأثيرات يهودية وهذا ما أشار إيه كثير من الباحثين كاسم الرحمن وصيام عاشوراء (والذي سيكون يوم مقتل الحسين). وربما أثرت على محمد في الفترة المبكرة من دعوته مجموعة يهودية ذات معتقدات يغلب عليها طابع التصوف والرهبنة مخالفة بذلك اليهودية الرسمية التي كانت سائدة في المدينة.

    كما أن هذا الإسلام الأولي حمل معه عداء صريحا للأعراب.

    ومفهوم الهجرة المرتبط بالإسلام الأولي كان مفهوما غامضا، وربما يدل على فئة اجتماعية متمايزة، فالرسول كان يميز في رسائله إلى أمراء السرايا بين المهاجرين وأعراب المسلمين، لكن ومع تحول الإسلام إلى دين الدولة توجب فتح باب الهجرة للجميع كما فعل عمر بن عبد العزيز.

    أما الفترة الثانية والتي بدأت مع تبني الإسلام من قبل الأمويين، فقد ما أدت إلى بروز تأثيرات مسيحية فيه، كما في تعبير "الرسول" وهو تعبير مسيحي ظهر إلى جانب تعبير النبي. بل أن كلمة "حنيف" والتي أشير عبرها للإسلام كدين العرب الحنيف الذي أسسه إبراهيم، هي بالأصل كلمة أرامية تعني "وثني"، وقد استخدمتها الكنيسة البيزنطية للدلالة على المذاهب المنحرفة والمنشقة.

    أما معاوية فقد توج على جبل الجلجلة عند موقع كنيسة جيتسمياني، وعمر بن عبد العزيز لقب بالراهب واختار دير سمعان مدفنا له، كما كني الأمويين من قبل خصومهم ببني الأصفر، ومما يلاحظ انه في الشام لم تكن هناك معسكرات لجيوش الفتح كما في العراق أو مصر، بل كانوا يعيشون في المدن القديمة مع أهلها الأصليين- وربما كانوا هم من أهلها الأصليين- وكانوا يشاركونهم دور عبادتهم –كنائسهم- وذلك بتحويل نصفها إلى مساجد لهم.

    وهناك واقعة مهمة في هذا الصدد، وهي الحرب التي استأنفها الروم مع العرب بسبب ضرب عملة خاصة بهم بحسب ثيوفانس، إلا أن الرواية الإسلامية تؤكد أن ما أثار حفيظة الأخيرين هو ذكر عبد الملك للرسول في افتتاح مراسلاته معهم.

    إن الأمويون هم الذين دفعوا باتجاه تعريب الإسلام، فظهرت الأحاديث التي تشيد بالعرب وترفع من شأنهم، وأيضا تعريب عبد الملك للدواوين وهذا ما كان جزءا من خطة استقلالية عامة.

    كما أن هناك دلائل على أن نشاط عبد الملك بن مروان وابنه الوليد في بناء المساجد في دمشق والقدس كان أساسا لجعلها قبلة للمسلمين. وبالتعارض مع رفع مكانة دمشق ظهرت أماكن مقدسة أخرى كما في مسجد نوح في الكوفة. إلا أن عملية تعريب الإسلام وازدياد وزن العرب فيه دفع إلى تبني مكة، رغم وجود إشارات تدل على عدم تحديد موقع الكعبة فعليا، فقبلة جامع عمرو بن العاص في مصر والتي أشرف عليها ثمانون صحابيا كانت مشرّقة جدا، وتدل الكشوف الأثرية في جامعين أمويين في العراق إلى إنهما كانا منحرفين إلى اليمين.

    اختيار مكة كمكان للقبلة دفع إلى اكتشاف أصول قرآنية لمكة، كما في الألقاب التي ذكرها القرآن ونسبت إليها (مثل أم القرى، أو واد غير ذي زرع) دون مبرر تاريخي لهذه التسميات. كذلك محاولة ربط مكة مع تاريخ نبوي يبررها كقبلة، هذا التاريخ الذي ستبرره قصص الأنبياء والتي يبدو أنها دخلت بشكل متأخر إلى الإسلام، فهناك روايات عن ضرورة استئذان السلطة فيها على أيام عمر بن الخطاب، وروايات أخرى تؤكد عدم وجودها في عهود أبي بكر وعمر وعثمان وأنها انتشرت زمن الفتنة.

    أما بناء الأنساب القبلية للعرب فهي جاءت لتلائم التحالفات التي سادت خلال العصر الأموي، ولإعطاء شرعية للحكم الأموي نفسه عبر ربطه بقريش وبالرسول، وربما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الروايات المتعلقة بمصاهرات الرسول لأبي بكر وعمر وبدرجة أقل لأبي سفيان أي أنها ذات قيمة سياسية تتعلق بالنقاشات المتأخرة حول شرعية السلطة.

    وكذلك يبدو دور العباس الغامض نوعا ما، كما في دوره في بيعة العقبة ورغم عدم إسلامه أو بدر وحتى في مسألة مبايعته لعلي بعد وفاة الرسول، وكأنه إضافة عباسية إلى هذه الروايات.

    يبدو أن الإسلام تحول في فترة عبد الملك إلى دين الدولة، وذلك بعد تنظيمه وضبطه على الأقل فيما يخص البنية اللاهوتية الأساسية له والنص المقدس، فإنه يمكن الافتراض أن الفترة السابقة كانت بحكم الجاهلية، حيث التأثيرات اليهودية في المدينة وجنوب العراق، والمسيحية- النسطورية في العراق واليمامة، والمسيحية- اليعقوبية في الشام.

    وبهذا الحال يكون الإسلام مع عبد الملك والأمويين مر بمرحلة إعادة إنتاج (تتضمن التعريب وإدخال التأثيرات المسيحية وحتى معاداة اليهود إلى الإسلام الرسولي) وتحويله إلى الدين القومي للهلال الخصيب الموحد مع الجزيرة العربية بما يضمن الاستقلال التام له عن بيزنطة، وفي الوقت ذاته استيعاب الهجرات القبلية التي وفدت على الهلال الخصيب خلال عقود بتأثير الوهن الذي أصاب البيزنطيين.

    إن الجوانب الايجابية لعمل بشير تتجلى ليس وحسب في محاولة حل المعضلات التي تثيرها التناقضات الداخلية للرواية التقليدية وعدم اتفاقها، بل أيضا في ما تثيره من إشكاليات بقيت غامضة، فالعربي في الرواية الإسلامية يظهر على ساحة التاريخ مباشرة ممتطيا حصانه، فارسا وشاعرا دونما ممهدات. والفتح العربي تم بسرعة مذهلة، تلاه مباشرة الانتقال إلى تأسيس إمبراطورية مترامية الأطراف، ومعها بداية حضارة جديدة وكل هذا في فترة زمنية قصيرة بشكل غير معقول.

    ومن المحير أن العرب المسلمين ارتضوا لأنفسهم وخلال خمسين عام العملة الفارسية أو العملة البيزنطية وما عليها من رسم الصليب وصورة قيصر.

    إن محاولة بشير تأتي لبناء سياق عقلاني للأحداث وذلك انطلاقا من الرواية الإسلامية ذاتها، ونقدها. لكن هذا لا يعني أن ما قدمه بشير حل كل المعضلات، يبقى –مثلا- من غير الواضح من هو الرسول، وهل هو شخص آخر غير ابن الحنفية أم أنهما شخص واحد، وخاصة مع وجود دلائل على استمرار إمامة ابن الحنفية حتى أبي جعفر المنصور؟

    هناك أشخاص آخرون في الرواية الإسلامية يبقون غير محددي الملامح مثل عائشة أو طلحة بن عبد الله.

    والآن سنحاول تقديم الصورة التي أعاد بوب تركيبها للأحداث التي أدت إلى نشوء الإسلام، وبشكل مختصر ومهملين نوعا ما البراهين والنقاشات التي ساقها وسنحتفظ فقط بنتائجها، وفي هذا لن يهمنا عمل بوب نفسه بقدر ما سنتوقف عند تقاطعاته مع عمل بشير والضوء الذي يمكن له أن يلقيه على الموضوع.

    تبدأ رواية بوب للأحداث من الحرب البيزنطية- الفارسية، والانقلاب العسكري الذي طرأ عليها مع الهزيمة القاصمة التي تعرض لها الفرس عام 622م (والتي هي أيضا بداية التقويم الهجري)، وما تلاها من إحراق هرقل لمعبد النار الأكبر 623م، وذلك بمساعدة من القبائل العربية(3) المسيحية، حتى نهاية الحرب ومقتل كسرى الثاني ابرويز 628م. هذه الهزيمة أدت إلى انهيار الإمبراطورية الساسانية، ومعها كذلك النخبة الدينية الزارادشتية.

    كان قد تم الاتفاق بين الفرس والبيزنطيين على أساس استعادة الوضع كما كان عليه عام 590م، إلا أن الإمبراطورية الساسانية المنهارة لم تقو على الاستمرار، وانتقلت السيادة في مناطق بلاد الرافدين وسورية إلى الأمراء المحليين من العرب المسيحيين الشرقيين، والعرب الساسانيين الذين كانوا سابقا حلفاء للفرس، وأصبحوا الآن أمراء حرب لحسابهم الخاص على هذه المناطق التي كانت تحت السيادة الساسانية.

    كان من الصعب توحيد هؤلاء مع البيزنطيين، فقد كان عصيا أن يجدوا حلولا للمشكلات اللاهوتية المتفاقمة بينهم.

    وهكذا بدت السيادة العربية كوراثة للإمبراطورية الساسانية المنهارة، وتحققت بالتعاون مع البيزنطيين، ومما يدل على هذا إعادة تنظيم الإمبراطورية التي قام بها هرقل بعد انتصاره وحيث يبدو أنه قد أخرج سوريا من أراضي الإمبراطورية المباشرة (4).

    فيما بعد قامت سياسة هرقل تجاه المشرق البيزنطي كاستمرار لسياسته تجاه الساسانيين، وهي الحفاظ على التوازن مع العرب المسيحيين. هذه السياسة التي لم تستطع أرملته الاستمرار فيها فيما بعد فاضطرت إلى الانسحاب من الإسكندرية 642م.

    إن أول الأمراء العرب هو معاوية، وقد دون اسمه على النقود، التي ستبقى تحمل نقوشا ساسانية وبيزنطية- مسيحية، مع لقب أمير المؤمنين، هذا اللقب الذي تمت قراءته بطريقة ارتجاعية. فالقراء رأوا فيه المعنى الإسلامي للقب، والذي هو نتاج الرواية الإسلامية المتأخرة والتي دونت في العصر العباسي، بينما اللقب نفسه ينتمي إلى الموروث المسيحي لعرب إيران، وهو يفيد بسلطة محلية ويمكن ترجمته بـ"أول المؤمنين" والمؤمنين تحيل هنا إلى المسيحيين العرب.

    عبارات أخرى ظهرت على قطع النقود مثل "خليفة" و"عبد الله" وهي تستند إلى أصول مسيحية ومحلية، بل إن اسمي عبد الله ( عبد وجمعها عباد، وليس تلك التي جمعها عبيد) ومحمد لا تنتمي إلى عربية مكة وهي تبدو كأسماء أجنبية بالنسبة إلى منطقة الحجاز.

    تابع معاوية في سوريا السياسة الساسانية، وربما يكون قد نقل عاصمة ملكه إلى دمشق من أجل تأمين السيادة عليها، خاصة وأن السيادة في المناطق الشرقية قد حسمت مع انهيار الإمبراطورية الساسانية، ولكنها تبقى مسألة مشكوك بها في القسم الغربي بحكم استمرار الإمبراطورية البيزنطية.

    كذلك استفاد معاوية من أهمية دمشق، التي فيها قبر النبي يوحنا المعمدان، وهو شخصية محورية في المسيحية العربية، وقد قدم معاوية نفسه كحام لـ"الحرم- قبر يوحنا المعمدان"، كما يبدو في القطع النقدية العائدة إلى عصره.

    بعد وفاة هرقل (أما خلال حياته حيث يبدو أن العرب قد قدروا له صنيعه فلم تحدث اضطرابات بينهم) قام معاوية بمحاولة احتلال القسطنطينية بإدخال القوى البحرية متفاديا الخطأ الفارسي، ولكن هذه المحاولة فشلت أمام أسوار القسطنطينية، مما دفع أميرا عربيا آخر في القسم الشرقي إلى التمرد عليه وهو عبد الله بن الزبير (الزبير ربما يكون اسم عائلة)

    بينما سيخلف معاوية في القسم الغربي عبد الملك (شخصيات يزيد ومعاوية الثاني وحتى مروان هي شخصيات مشكوك بوجودها فلم تصل أية قطع نقدية او نقوش تعود إليهم).

    ومع عبد الملك بدأ تاريخ الإسلام، فالفترة التي سبقت لم يكن العرب إلا مسيحيين.

    تعتبر فترة الإسلام التي بدأت مع عبد الملك بمثابة الإسلام-I، وفيها ظهرت العبارات التي تحيل إلى محمد رسول لله.

    إن المحمدية في زمن عبد الملك لم تكن إلا مسألة مسيحية داخلية، ومحمد رسول الله تشير إلى شخصية يسوع المسيح.

    ذلك أن ضرورة تأمين الاستقلال عن بيزنطة من ناحية، والدور العربي المتزايد في الدولة الناشئة عبر عن نفسه في إنتاج فهم عربي للاهوت السوري المسيحي، وهو ما كان بمثابة إعادة النظر إلى المسيح انطلاقا من الدين القبلي للعرب في إيران وبلاد الرافدين.

    المسيح هو عبد الله ورسوله، وكذلك هو محمد عبد الله. ويلعب التوحيد في الفهم العربي للمسيحية دورا مركزيا وهو ما نجده إلى اليوم في الكنيسة الأثيوبية.

    إن إسلام فترة عبد الملك وأولاده فيما بعد بقي يتحرك ضمن المجال المسيحي الداخلي، وحتى حربه مع جستنيان الثاني لم تأخذ معنى جهاديا، بل إن ما حرك الصراع بينهما هو التنافس على المشروعية الدينية على الأرضية المسيحية ذاتها، فما أن أصدر جستنيان نقودا عليها عبارة "خادم المسيح" في إشارة إليه، حتى قام عبد الملك بسك نقوده تحمل عبارة "خليفة الله"(5)، بل أن شعار-محمد سيبدأ بالظهور مع بيت إيل، والذي يستعاض به عن الصليب الذي كان في النقوش السابقة.

    ربما يكون بيت إيل وحتى شعار- محمد، مفهومان كإشارة إلى الدولة الجديدة على أنها إسرائيل الجديدة، الدولة المستقلة، وعلى أنها العقد بين الله وشعبه، في استعادة للتقاليد السامية.

    والأعمال العمرانية الضخمة وذات الطابع الإمبراطوري التي وسمت مرحلة عبد الملك وابنه الوليد لا يمكن إلا أن تكون ضمن دائرة تأسيس الشرعية الدينية المستمدة من حماية الحج إلى "الحرم" والحفاظ عليه في القدس ودمشق.

    تبدو قبة الصخرة كنيسة لا جامعا، بل إن العبارات التي نقشت عليها تتوجه إلى المسيحيين لتؤكد على الطابع الرسولي للمسيح (محمد رسول الله) وعلى وحدانية الله.

    إن هذه المفاهيم المحمدية للإسلام أتت من مناطق الرافدين، وبهذا يمكن الحديث عن أن الإسلام لم يتحرك من الجنوب إلى الشمال إنما من الشرق إلى الغرب.

    لعبت بعض التأثيرات اليهودية من العهد القديم، فيما يتعلق بالنبيين موسى ووليه هارون دورا في بناء شخصية مرافقة للرسول محمد كولي له هي شخصية علي. كذلك أسهمت التقاليد القبلية والفهم القبلي للرسول في إعطائه نسبا. إن هذا التطور للمحمدية الخاصة بعبد الملك سيصل إلى حدوده القصوى في القسم الشرقي، في بلاد الرافدين.

    الفترة الأخيرة من الحكم الأموي كانت فترة الاضطراب الديني لعموم المنطقة، وحتى مع الفترة الأولى من قدوم العباسيين (وهم يمثلون صعود النخبة الساسانية الزارادشتية واستعادة مواقعها كما مع أسرة البرامكة، والجهاد ضد بيزنطة لن يكون إلا تكرارا للحرب البيزنطية –الفارسية)، والذي بدأ دعوتهم أبو مسلم الخراساني، ومما يلفت الانتباه أن كلمة "مسلم" بدأت تظهر في تلك الفترة.

    أول الأمراء العباسيين المعروفين هو السفاح، ويبدو أن فهم السفاح للرسول محمد لم يختلف عن فهم عبد الملك له وكونه هو نفسه عيسى. إن ما يحسم مسألة إن كان المقصود بمحمد هو عيسى أو شخصية تاريخية مستقلة هو صفة عبودية الله، وأصلها التأكيد على عبودية المسيح.

    غياب هذه الصفة من وصف محمد سيكون أول دليل على تحول محمد من شخصية المسيح إلى شخصية مستقلة تاريخيا، وهو ما تم كما يبدو على عهد المأمون، وهو الذي جمع القرآن وقدمه ككتاب مستقل للمسلمين، بينما لم يكن هناك سابقا إلا "كتاب الله" وهو مجموعة من الكتابات المتنوعة. أما سنة نبيه والتي كانت ترد دوما بالترافق مع "كتاب الله" فهي لم تكن تشير إلا إلى أعمال موسى النبي.

    إن المأمون، وربما كان أبو مسلم الذي يأتي من الشرق بجيوشه العربية-الشرق إيرانية والتركية إلى العرب في بغداد صورة أولية له، قدم نفسه بمثابة "خليفة الله" ولأسباب مغايرة للأسباب التي دفعت عبد الملك سابقا، فعوضا عن الصراع على الشرعية الدينية على الأرضية المسيحية كان المأمون يخوض صراعه مع الإمام علس الرضا... الإسلام (في صيغته النهائية) سيكون إذن من عمل المأمون الذي أمسى "خليفة الله" و"الإمام"

    ربما يستطيع المرء أن يلحظ نقاط مشتركة مهمة بين كل من عملي بشير وبوب، وكذلك نقاط الافتراق بينهما. الميزة الأساسية لبوب هي أنه يقدم لنا الخلفية التاريخية التي يفتقدها عمل بشير. بالمقابل يقدم لنا بشير قراءة جديدة ومهمة للرواية الإسلامية، التي أهملها بوب بالرغم من أنها تشكل مصدرا هاما وغنيا بالأحداث والتفاصيل الفريدة.

    إهمال الرواية الإسلامية واعتبارها إنتاجا متأخرا وأسطوريا تماما، يطرح مشكلة التراث الشفهي الذي نشأت عنه. فهل من الممكن بناء تراث شفهي بهذا الحجم وفي فترة قصيرة نوعا ما، بحدود قرن ونصف وقرنين من الزمن انطلاقا من لا شيء؟ وأكثر من هذا من قبل مجموعات لم تكن مضطهدة ومتخفية كما كان المسيحيون الأوائل.

    هذه النقطة تبقى صعبة القبول، حتى لو قبل المرء اعتبار هذا التراث الشفهي قائما على أرضية أسطورية في قسم كبير منه، وان الصياغة النهائية له لم تنفصل عن احتياجات وتشويهات السلطة السياسية وبناء الشرعية لها.

    بالمقابل يمكننا اغناء عمل بوب تحديدا بالقراءة المميزة التي قام بها بشير للرواية الإسلامية، والتي علينا أن نتعامل معها (الرواية الإسلامية) بحذر شديد وننظر إليها بما تقدمه لنا من أصداء عن التاريخ، أكثر من كونها تقدم تاريخا صرفا لا أدلة إلى الآن على وجوده.

    إن أول التماثلات بين عمل بشير وبوب هي أن كلا منها يعتبر أن منطقة الهلال الخصيب هي الأصل الذي نشأ منه الإسلام، وان فترة عبد الملك هي بمثابة اللحظة المحورية في الإسلام ونشأته كدين.

    فالخلفية التاريخية للحرب الفارسية- البيزنطية التي قدمها بوب قد تكون مفيدة لمعرفة من هم الأمويون الذين بقوا غامضين عند بشير سوى أنهم من الشام.

    بالمقابل يفسر الأمويون أيضا الاتجاه المسيحي الذي برز في الإسلام، ولكن عند بوب يبدو الأثر المسيحي هو الأثر الأولي، ولكن هذا لا يمكننا من فهم مصدر التأثيرات اليهودية في الإسلام، والتي لا يمكن لنا إرجاعها وحسب إلى التوراة، فالنصوص القرآنية تبدي تشابهات كبيرة مع نصوص تلمودية، مما يعني أن هناك تأثيرا يهوديا مهما ولا سبيل إلى اعتباره تأثير ثانويا للعهد القديم، بالمقابل من الصعب تفسير التأثير اليهودي انطلاقا مما وفد من بلاد الرافدين في فترة الاضطراب الديني في أواخر الفترة الأموية و بداية الفترة العباسية. إن الظواهر اليهودية في الإسلام تبدو بمثابة حجر الأساس، وسابقة على التأثيرات المسيحية المتأخرة والتي يدلل عليها ليس وحسب التسليم بعيسى، بل كذلك العداء الكبير لليهود في الإسلام، والذي يبدو إنه إسهام متأخر في الإسلام.

    بالمقابل يلاحظ المرء أن تشابهات مهمة بين الأصداء التي نقلت عن النقاشات اللاهوتية التي دارت في العصر الأموي حول مسائل الجبر والحرية، مع تلك المسيحية في الفترة السابقة مباشرة.

    كما يمكن بوضوح التمييز ضمن الإسلام بين فترتين، واحدة منهما تخضع لتأثيرات يهودية جلية ومعادية للعرب، والأخرى تبدو فيها تأثيرات مسيحية وترفع من شأن العرب بشكل واضح وتعتبرهم مادة الإسلام، والاختلافات هذه لا يمكن تفسيرها بما يقدمه بوب، وخاصة أن المرحلة الأولى (ذات التأثيرات اليهودية والمعادية للعرب) لا يمكن أن تكون لاحقة على التأثيرات المسيحية العربية التي تميز الإسلام الآخر، من هنا ربما علينا أن نقول أن الإسلام بدأ يهوديا، وليس مسيحيا كما يرى بوب.

    أما تأخير بناء صياغة نهائية للإسلام (بما يتعلق بالشخصية المستقلة للرسول) حتى عصر المأمون فإنها صعبة القبول، فلم يصل إلينا أي شيء يحتمل أي تأويل ممكن لكون محمد هو المسيح من تلك الفترة، من شأنها أن تحمل بشكل أو بآخر ذكريات متعلقة بمثل هذا الطرح. خاصة أن عاصفة لاهوتية قد نشبت بعصر المأمون، اشتهرت بمحنة القرآن، عللها بأن الفقهاء قد ضاهوا بقولهم في القرآن قول النصارى، إلا أنها من المستبعد أن تكون إشارة إلى بناء صياغة نهائية للقرآن ضدا من تأويلات ذات بقايا مسيحية، وخاصة أن الذين حاربهم المأمون، أي أهل الجماعة، كانوا أبعد الناس عن أي تصور يمكن مقاربته بما يقدمه بوب، بالرغم من أنهم كانوا يحسبون على الأمويين من وجهة التعاطف السياسي.

    أما فيما يخص الفهم العربي للاهوت السوري فهو يزيد من تعقيد الموضوع، فما نعرفه عن التيارات اللاهوتية لتلك المرحلة هي النسطورية، واليعقوبية وأخيرا الملكية، ومن المستبعد أن يتطور أي شيء من النسطورية أو اليعقوبية باتجاه مشابه لما تطورت إليه مسيحية عبد الملك، أما التيار اللاهوتي الأقرب للإسلام وهو الأريوسية (6) فكان منتهيا وقتها، ولم يعد قوة فاعلة. على العكس من هذا يمكن أن نرى في العراق في ذلك الوقت نشاطا يهوديا قويا، ومن غير المستبعد أن القصص التي نقلتها الرواية الإسلامية عن اليهود في المدينة، والإشارات لاستمرارهم إلى فترة الحروب الأموية، أو حتى إنهم أخوال الرسول وجده، تعطي إشارات عن الجذور اليهودية للدعوة، ولا يكون التفسير عندها نتاجا لفهم عربي للمسيحية، بقدر ما هو توليفة متأخرة لتيارات متنوعة بين اليهودية والمسيحية بدأت في فترة عبد الملك (ربما بعد قضائه على تمرد ابن الزبير) وما بعده.

    حتى العرض الذي يقدمه بوب لتطور مفهوم آل بيت محمد يبدو من العسير قبوله، وإشارته إلى الصراعات التي عاشتها الدولة الأموية وفشل التيارين، تيار آل بيت محمد والتيار الثاني الذي يدعو إلى دولة الله (الخوارج) تدل على اعتماده المصادر الإسلامية الداخلية، والتي بدونها لا يمكن إعطاء مفاهيم إيديولوجية للصراعات التي عاشتها الدولة الأموية.

    ما يمكن لنا عمله هو أن نأخذ الخلفية التاريخية التي يقدمها لنا عمل بوب القائمة على انهيار الإمبراطورية الساسانية وبداية الاستقلال العربي الذاتي في مناطق الهلال الخصيب، ومن ناحية أخرى أن نسترشد بعمل بشير في قراءة الرواية الإسلامية بطريقة مختلفة، وبما يتناسب مع المعطيات الأثرية الموجودة، لهذا سنقول مبدئيا إن الرواية الإسلامية التي تقدم لنا فترتين منفصلتين (الفترة الممتدة من بداية الدعوة حتى فتح مكة ثم الحرب الأهلية الثانية) هي في الواقع رواية لفترة تاريخية واحدة، انشطرت فيما بعد إلى فترتين، وتم إدخال الخلفاء الراشدين وحتى معاوية بينهم للتقليل من شرعية الأمويين الذين تمرد عليهم العباسيون من ناحية، ومن ناحية أخرى بناء الزمن المقدس، واليوتوبيا الإسلامية ، وإعطاء بعد تاريخي للحدث القرآني.

    إن الأهمية التجارية لخط الحرير يمكن أن تعطينا سببا إضافيا لفهم الحرب الفارسية- البيزنطية، وهو الخط الذي ارتبط به تاريخ نشوء ممالك وتضخمها كتدمر ومملكة الأنباط. لقد استوجب انقطاع في خط الحرير خلال الحروب الفارسية-البيزنطية إيجاد طريق أخرى له. يمكن لنا هنا أن ننظر إلى أهمية مكة كطريق بديل للطريق السابقة مع عدم إمكانية استخدام البحر الأحمر بسبب شعابه المرجانية.

    وقد أشار القرآن إلى الأهمية الخاصة لرحلتي الصيف والشتاء(7)، ويمكن لنا أن نرى حرب الفجار على إنها إشارة لمحاولات فارسية للسيطرة على هذه الطريق المارة عبر الجزيرة العربية، وكذلك المحاولات الحبشية (والفارسية) لاحتلال اليمن ومكة، كإشارات متأخرة لأهمية هذة الطريق.

    إن الخط التجاري المار من اليمن عبر مكة إلى فلسطين هو خط قديم حمل بضائع يمنية سابقا، إلا أن أهميته ازدادت مع فترة الصراع الفارسي- البيزنطي.

    أهمية هذا الخط، ومروره عبر مكة، هو التدليل على إن مكة وربما المدينة معها، دخلتا خلال الفترة الأخيرة في علاقات مكثفة مع الهلال الخصيب، مما يبرر حضورها في الإطار الداخلي للهلال الخصيب في تلك الفترة بعد انهيار الإمبراطورية الساسانية، وبدء فترة السيادة العربية الذاتية في تلك المنطقة، والذي بدأ تعريبها منذ زمن سابق وبعيد وبتأثير تحولات مناخية، وربما بشكل متسارع منذ سقوط تدمر على يد الرومان.

    مع غياب أية إشارات إلى الإسلام خلال فترة معاوية، لا يمكننا إلا وضع فترة معاوية ضمن الإطار المسيحي الشرقي للمنطقة، وربما يكون نشاط النبي (الذي لا نعرف اسمه وخاصة أن أسماء محمد، وعبد الله يمكن أن تلعب دور الصفات أيضا، وربما يكون ابن حنيفة نفسه) بدأ في نهاية فترة معاوية، أو أقدم ولكن عندها لا يكون تجاوز النشاط المحلي، وربما السري، الذي نرى أثرا له في الرواية الإسلامية.

    ربما كان النبي كان لتأثيرات يهودية، ضمن النشاط اليهودي في بلاد الرافدين أو المدينة، وربما كان أصلا نشاطا إصلاحيا يهوديا صرفا.

    إن الأهمية التي أخذها النبي ربما كانت مع بداية التمرد الذي قام به ابن الزبير، والذي يجد سببه في محاولة معاوية التحول إلى الملك، فالرواية الإسلامية تنقل لنا صورة لمعاوية تشبه من ناحية شيخا عشائريا لاتحاد قبائل (والصراع القبلي هو سمة ستبقى خلال كل العصر الأموي) ومن ناحية أخرى على أنه أول الملوك، ولا يمكن لمحاولة معاوية احتلال بيزنطة أن تتم بدون محاولات لتحويل سلطته إلى سلطة ملكية مركزية ربما دفعت العرب الآخرين إلى التمرد عليه أو الرفض، وخاصة في المناطق الشرقية، المتضررة من انتقال العاصمة إلى دمشق.

    إن التمرد الذي كان على خليفة معاوية عبد الملك التعامل معه لم يكتف بأخذ أبعاد قبلية، إنما اتخذ أيضا أبعادا دينية في منطقة مضطربة بين الكنائس اليعقوبية والنسطورية والملكية، يضاف إليها اليهود والزادشتيين وغيرهم، وهكذا ربما كان هناك تأثير يهودي بين المتمردين في وادي الرافدين، والذين كانوا من أتباع النبي، أو المتعاطفين معه.

    والإشارات التي تنقلها لنا الرواية الإسلامية عن دعم حبشي لابن الزبير وحتى بيزنطي ستكون مفهومة في إطار الصراع الذي كان عبد الملك يخوضه ضد البيزنطيين.

    بعد الانتصار الذي حققه عبد الملك على ابن الزبير (حيث كانت حروب الردة وفتح مكة هي أصداء للحملة الأموية على مناطق الحجاز والعراق وإخضاعها) والذي سبقه تحالفه مع الرسول وتبني دعوته، سعى عبد الملك إلى توحيد القبائل العربية في دولة واحدة، وترسيخ هذه الوحدة عبر بناء دين قومي لها، يضمن بواسطته تأمين الاستقلال النهائي عن بيزنطة، وهو ما كان متعذرا على الأرضية المسيحية السابقة.

    إن تبني عبد الملك للرسول حتم إضفاء تعديلات مهمة على الدعوة ذات الطابع اليهودي، وإدخال مؤثرات مسيحية، وأيضا الإعلاء من شأن العرب بشكل خاص، وحتى البدء باختراع سلاسل انساب تربط الأمويين بين والرسول.

    ذلك أن سلاسل الأنساب العربية تعكس لنا صورة التحالفات التي سادت في العصر الأموي، ومحاولات إعطاء شرعية للحكم الأموي، في محيط تشكل علاقات القرابة محورا أساسيا في فهمه للعالم.

    لكن بالمقابل علينا الانتباه إلى أن تبني عبد الملك للرسول لا يعني تحويل الإسلام بشكل ناجز إلى دين الدولة، إنما اعتبارها نقطة البداية في مسيرة تكون الإسلام، التي لا تبدو واضحة بشكل نهائي. فالقصور التي خلفها لنا الأمويون بعد عبد الملك لا تعكس مفاهيم إسلامية في عمارتها وزينتها التي بقيت ساسانية، وحتى في رسوماتها الجدارية، بل تدل على استمرارية للتقاليد السابقة على الإسلام، مما يعني أن الإسلام لم يتكون دفعة واحدة مع عبد الملك وخلفائه، أو على الأقل لم يصبح بعد نمطا للحياة.

    إن المساومة التي حصلت بين الرسول وعبد الملك لم تتم بدون معارضة ما من أتباع الرسول أنفسهم، وهذا ما تدل عليه ربما القصص التي تقدم لنا صورة لمجموعتين، مجموعة علي و مجموعة عمر، أو حتى الاعتراضات ذات السمة الدينية على النبي نفسه والتي قدمتها الرواية الإسلامية على أنها بداية تكون الخوارج، أهم تيار معارض تعين على الدولة الأموية محاربته، ولن تنتهي من الصراع معه إلا بانتهائهما معا.

    إن الجذور اليهودية للدعوة، والتسوية الأموية التالية معها ربما تسمح بفهم أفضل للإسلام ، من افتراض فهم توحيدي عربي، لا توجد دلائل عليه (إلا بمقارنته مع الكنيسة الأثيوبية) ولا يفسر التشابهات الكثيرة التي يعكسها القرآن مع النصوص التلمودية.

    فالفترة التالية لحكم عبد الملك كانت فترة اضطراب ديني، من بين ما يدل عليها أن القبلة أخذت وقتا ليتم تثبيتها في مكة، في حين كانت سابقا تنتقل بين دمشق والقدس وربما أمكنة أخرى في شمال الحجاز وهناك أحاديث عن أما كن مقدسة في العراق أيضا وهو ما ستحفظه التقاليد الشيعية. كذلك كانت فترة اضطراب سياسي يمكن أن نفهمه بصعوبةِ بناء الدولة مع استمرار القبائل كوحدات أساسية، لكن علينا أن ننتبه أن القبائل العربية هذه هي قبائل عايشت لفترات طويلة الساسانيين والبيزنطيين وليست قبائل الحجاز والجزيرة البدوية التي تقدمها لنا الرواية الإسلامية.

    إن البنية النووية للإسلام، التي تقوم على الرسول ومفاهيم دينية توحيدية يمكن اعتبارها على أنها نشأت في تاريخ مضطرب منذ فترة عبد الملك وأبنائه، وريما يكون القرآن قد جُمع في فترة لاحقة (وان كانت قد وُجدت بدءا من فترة عبد الملك نصوص يمكن اعتبارها كمصدر أولي للقرآن، و تمثل كتاب الله) من نصوص متنوعة وربما بعضها سابق على هذه الفترة، إلا انه من المستبعد أن يكون الإسلام انتظر عهد المأمون ليعثر على شخصية مستقلة تاريخيا لرسوله، لكن الصيغة المنظومية المتكاملة للإسلام لن تتشكل إلا مع عصر التدوين وبناء الرواية الإسلامية وإعطاء صيغة نهائية للنص القرآني وللحدث التاريخي الذي يمكن تأطيره داخله.

    يمكن لنا وضع نقطة انطلاق الإسلام في فترة الحرب الأهلية التي عاشها العرب، بعد استقلالهم في مناطق الهلال الخصيب، وهو لم ينشأ وحسب من الحاجة إلى الاستقلال عن بيزنطة إنما أيضا ضمن واقع الحرب الأهلية وضرورة توحيد العرب.

    الإسلام بهذا لم يخرج من الجزيرة إلى الهلال الخصيب، بل إن ما حصل هو العكس تماما، لقد انتقل الإسلام من الهلال الخصيب إلى الجزيرة، وكان بمثابة الدين القومي للدولة الناشئة في الهلال الخصيب. أما الحجاز فلم يدخل إلا متأخرا مع التحولات التي أصابت الخط التجاري، وقد دخل كمنطقة ملحقة في فترة الأحداث التي عصفت بالهلال الخصيب وقتها، وفيما بعد دخلت في الرواية المتأخرة للزمن المقدس وأيضا كأرض الآباء المقدسة، ربما على غرار ديمون بالنسبة للسومريين.

    خاتمة
    تعاني الفترة الممتدة من السنة الأولى للهجرة حتى سنة 72 للهجرة غيابا للوثائق التي تدل على الإسلام، وأحداث الجزيرة العربية ونشوء الدعوة فتبقى منطقة مظلمة تماما، بالمقابل تتأخر الرواية الإسلامية المدونة لها بما ينوف القرنين عن زمن الحدث الأصلي، وتعاني من كثير من الثغرات مما يدفع الكثيرين إلى ستبعادها، مما يعني أن أية رواية لما حصل تبقى رواية مفترضة حتى تظهر أدلة تثبتها أو تدحضها.

    التاريخ المدون للبدايات الضبابية التي تسم الأديان جميعها ليس تاريخا للأحداث كما حصلت، إنما تاريخ للأحداث كما يجب أن تكون قد حصلت، تاريخ تدخله علاقات القوة وحاجات الشرعيات السياسية، تاريخ للمتعالي والمقدس والأبطال، ومهمته إعطاء المعنى للعالم الذي يعيشه البشر، تاريخ منتخب واختراع للأصول، وليس رواية لما حصل فعلا.

    مسألتان فقد يمكننا أن نكون على يقين منهما: أولاهما تأخر تحول الإسلام إلى نمط حياة متكامل إلى نهاية العصر الأموي أو بداية العباسي، والثانية أن تصورنا للتطور السياسي للإسلام (من خلافة راشدة إلى خلافة- ملك وانتهاء بملك عضوض) كما تقدمته الرواية الإسلامية خاطئ تماما ومغاير لما حصل، وهو ينتمي إلى التاريخ القيمي، إلى النقد الذي رفعه الفقهاء في العصور المتأخرة على حكامهم عندما قدموا على الضد منهم عصرا ذهبيا كان الحكم في الإسلام بمثابة تراجع عنه. وهذا يتوافق مع ما أسماه بجمالية فهمي جدعان ب"الزمان الملحمي" (8) الذي شكل بؤرة محورية في رؤية الفقهاء ورواة الحديث وحتى المؤرخين – الذين أنتجوا هذا التاريخ- للعالم، التاريخ الذي يتجه نحو الأسوأ انطلاقا من زمن ذهبي مقدس، وربما ما علينا إلا أن نقول أن هذه البداية لم تكن إلا في لا مكان، إنها اليوتوبيا الشرطية للملحمة.

    الهوامش
    1- نشير هنا إلى سلسلة من الكتب والتي تناولت موضوع نشأة الإسلام ، وهي "القراءة السريانية الآرامية للقرآن" للوكسنبرغ، و"البدايات المعتمة" و"الإسلام المبكر" كمؤلفين مشتركين بإشراف كارل هاينس أوليش.

    وهناك مراجعة نقدية للكتاب الثالث منها في مقال "تهافت التحريفية الجديدة" لدانييل برنشتيل على موقع القنطرة

    http://www.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-471/_nr-569/_p-1/i.html
    وأيضا عمل للدكتور رالف غضبان عن الكتاب الأول في مقاله "معاني القرآن على ضوء علم اللسان"

    http://www.middleeasttransparent.com/article.php3؟id_article=1430
    وما سأعتمد عليه هنا هو دراسة فولكر بوب من الكتاب الثاني "البدايات المعتمة"

    Karl-Heinz Ohlig / Gerd-R. Puin (Hg.)
    Die dunklen Anfänge
    Verlag Hans Schiler

    الدراسة
    Wieso dunkle Anfänge des Islam؟
    Zur Frühgeschichte des Islam
    Volker Popp

    كما تجدر الإشارة إلى عمل "الهاجريون" لباتريسيا كرونه ومايكل كوك والذي ترجمه نبيل فياض ضمن هذا الاتجاه، وقد أشار بشير إلى هذا العمل في كتابه.

    2- الدكتور سليمان بشير محاضر في جامعة النجاح في نابلس بالضّفّة الغربيّة الفلسطينيّة، وقد وضع الكتاب على أساس المادّة المكتشفة لأول مرة من مكتبة الجهرية القديمة في دمشق.

    3- من هنا فصاعدا لن يعني أي حديث عن العرب إلا العرب الذين يتحركون ضمن الهلال الخصيب، في بلاد الرافدين والشام ولا علاقة للقبائل العربية في الحجاز إلا إذا أشير إلى هذا.

    4- إن نظرة إلى الوضع البيزنطي العسكري في سوريا وبلاد الرافدين تظهر الصورة واضحة إلى حد ما، ففي الولايات البيزنطية الثلاث والولاية العربية لم يكن هناك جنود نظاميون، وقد تولى الحراسة جنود مستأجرون من الأصدقاء العرب.

    أما في سوريا فكان الجنود في الشمال، وأكبر الحاميات كانت حامية أنطاكية وتقدر بـ 1500 جندي، وبعدها حامية قنسرين وتضم بضع مئات. أما في القسم البيزنطي فوُجد بضعة آلاف من القوات الجيدة.

    مقابل هؤلاء قد يصل عديد قوات العرب الأصدقاء إلى عدد القوات البيزنطية النظامية في سورية والعراق وفلسطين، بل قد يبلغ ضعفيها أو ثلاثة أضعافها.

    كما أن الحاميات العربية المحلية قد ساوت عددا، أو ربما تجاوزت عدد الجنود البيزنطيين النظاميين، وكانت الحاميات قرب حلب وتكريت وهيت. ص 81-84. "بيزنطة والفتوحات الإسلامية المبكرة". ولتر كيغي، ت: نقولا زيادة، دار قدمس ط1، 2002.

    5- نلاحظ أن تطور استعمال مفهوم الخليفة مغاير لما قدمه لنا التراث السياسي الإسلامي، والمرة الأولى التي يرد فيها التعبير يدل على سلطة محلية دون أي ارتباط برئاسة دولة، وفيما بعد ومع عبد الملك يصبح الخليفة هو خليفة الله، أما تعبير "خليفة رسول الله" فهو إضافة متأخرة على سيرة الأحداث، وهذا ينسجم أكثر مع المنطق التاريخي، والبناء اللاحق لـ"لعهود الذهبية المقدسة".

    ومن هنا يمكن أن نرى أن الحضور المبكر لما سماه الجابري –في عمله "العقل الأخلاقي العربي"- بأخلاق الطاعة ونسبه إلى الموروث الأخلاقي الفارسي، والذي حدد بداياته مع سالم وعبد الحميد في الفترة الأموية المتأخرة، مؤسس في الدولة الإسلامية – كما يحضر لدى الدولة البيزنطية مع جستنيان الثاني - بينما يمكننا أن نعتبر الموروث الأخلاقي العربي (وكذلك الإسلامي) الخالص بمثابة إضافة متأخرة.

    6- تجدر الإشارة إلى أطروحة مهمة للمؤرخ الاسباني أنياسيو أولاغي والتي قدمها إلى العربية إسماعيل الأمين في كتابه "العرب لم يفتحوا الأندلس" عن دار رياض الريس، ط1- 1991.

    يرى اولاغي أن الذي حصل في الأندلس هو تطور داخلي باتجاه الإسلام وانه لا وجود لفتح عسكري، وهو ليس إلا أسطورة تاريخية متأخرة. والأسرة الأموية لا تنتسب إلى القرشيين إنما إلى القوط.

    ما يهمنا هنا هو أن ما ساعد على دفع تطور المسيحية في بلاد الأندلس باتجاه الإسلام عدة عوامل، بعضها متوافر في حالتنا إلا أن هناك عاملين مهمين غائبين، أولهما المثال الذي يُحتذى، وفي حالة الأندلس كان المثال الذي يدفع إلى التماهي معه هو الشرق الإسلامي، وهكذا فان المسيحية تطورت باتجاه إسلام كان موجودا أصلا.

    والثاني وهو الأهم أن الكنيسة التي تطورت باتجاه الإسلام هي الكنيسة الأريوسية،وهي غائبة هنا، لكن ربما تجدر الإشارة إلى نص مهم وهو نص للقديس يوحنا الدمشقي يتحدث فيه عن الإسلام في كتابه "هرطقات" ويرى أن محمدا كان يعرف الكتاب المقدس وانه خضع إلى تأثير راهب أريوسي (بحيرى).

    إلا أنه يتوجب التعامل بكثير من الحذر مع هذه الشهادة، فهناك شكوك حول نسبتها إلى يوحنا الدمشقي، وعلى الرغم من أنها تشير إلى وجود أثر أريوسي، بل وتذهب إلى حد أبعد وترى الإسلام من داخل الأرضية المسيحية حيث يتحدث يوحنا عنه في "هرطقات"ـه، إلا أنه من ناحية أخرى ينظر إلى محمد على أنه شخصية تاريخية مستقلة.

    7- هذه النقطة كانت منطلقا لعدة أعمال مهمة، على سبيل المثال لا الحصر عمل خليل عبد الكريم "قريش"، انطلقت من التطور التجاري لمكة مما أدى إلى تحلل البنية القبلية وتغير الشروط الاجتماعية وجعل من الدولة ضرورة ملحة، وهذه الدولة احتاجت إلى شرعية تبررها وهذه الشرعية كانت الإسلام، فالإسلام كان الطريق إلى الدولة.

    تعتمد هذه الأعمال على الرواية الإسلامية بشكل كامل وهكذا فإنها تحمل معها كافة مشاكلها، فلا أدلة أثرية تسندها، وموقفها من التناقضات التي تطرحها الرواية الإسلامية هو عقلنتها، وتبقى المشاكل المتعلقة بالفتوح الإسلامية السريعة وبناء الإمبراطورية، والعربي الفارس الذي يظهر فجأة في التاريخ وباني الدولة، والذي يمكن قبوله بصعوبة، لأن ما فيها يتعلق بمكة والمدينة وحتى الطائف لا أكثر.

    8- فهمي جدعان. المحنة: بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام. دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان. ط1- 1989 ص 312- 322
                  

10-19-2018, 06:30 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    "الكتاب الملعون" يصدر من جديد..!

    في نهاية سبعينات القرن العشرين، ظهر في القدس، صوت متفرد، انه الدكتور سليمان بشير، العائد حديثا من ألمانيا، حاملا إجازة دكتوراه في التاريخ.

    لسبب غير مفهوم، بدا ان بشير، لا يريد ان يضيع وقتا، وكأنه يعلم، بان عمره سيكون قصيرا، وبانه يعمل في بلاد "تقصر العمر"، فأصدر اطروحته عن الحركة الشيوعية في المشرق العربي، وبالإضافة الى عمله الاكاديمي، نشط حزبيا في صفوف الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وتوالت إصداراته، ولعل اهمها (جذور الوصاية الأردنية) الذي صدر عن وكالة أبو عرفة بالقدس، ولقي الكتاب اهتماما من الباحثين والجمهور، لرصانته وجديته، وللموضوع الذي يناقشه بالوثائق.

    ورغم ما بدا من توجه بحثي له طابع سياسي، لدى بشير، كما يمكن ان يستشف من كتابه (جذور الوصاية الأردنية) ومجادلاته السياسية-الفكرية، على صفحات صحف ومجلات الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وصحيفة الطليعة، التي رأس تحريرها بشير البرغوثي، زعيم الحزب الشيوعي الفلسطيني، الان ان اهتمامات الرجل، كانت موجهة لمسار اخر جديد ومختلف، ظهر في كتابه (توازن النقائض) ضمنها محاضراته الأكاديمية في جامعة بير زيت في الجاهلية وصدر الاسلام.

    وكل هذا النشاط كان ينبيء، عن جهود باحث، لديه الكثير ليقوله، وهو ما ظهر عام 1984م، في كتابه (مقدمة إلى التّاريخ الآخر: نحو قراءة جديدة للرواية الإسلامية)، الذي حاكم فيه فترة صدر الإسلام، معتمدا على وثائق ومخطوطات، عثر عليها في المكتبة الظاهرية في دمشق، وحصل بشير، كما يذكر في مقدمة كتابه على صور منها بمساعدة الدكتور منذر صلاح رئيس جامعة النجاح الوطنية انذاك، والدكتور هشام ابو رميلة من قسم التاريخ فيها، والدكتور صائب عريقات مدير دائرة العلاقات العامة فيها وشكرهم: "على مساعيهم الحميدة في تصوير وتأمين وصول المخطوطات".
    وحصل بشير، على إجازة تفرغ لمدة عام من جمعية الدراسات العربية برئاسة فيصل الحسيني، لكتابة مخطوطة الكتاب، ولكن ما حدث بدا غريبا، فبشير وجد نفسه فجأة وحيدا، والكل يتنصل من الكتاب حتى قبل صدوره، فاضطر لطباعته على حسابه الشخصي، في طبعة محدودة، لم تتجاوز الـ 200 نسخة، واخذ ببيعها بنفسه.

    ورغم عدد النسخ القليل، والذي استهدف المثقفين، إلا ان ذلك لم يحل دون ان توجه لبشير اتهامات عديدة، لتجرؤه، في بحث علمي، على محاججة قضايا مهمة في التاريخ الإسلامي، ووصل الامر الى فصله من عمله في جامعة النجاح.
    وتخلى عنه الشيوعيون، المحسوب عليهم، لأنه لم يكن ضمن اجندتهم، الدخول في معارك ثقافية ثقيلة من هذا النوع، فبقي بشير وحيدا في معركة غير متكافئة. ولم يناصره الكتاب والمثقفون.

    ورغم هذا "الجحود" الفلسطيني، الا ان الكتاب وجد طريقه إلى الخارج، وصدر بطبعات غير مرخصة، وتم تداوله من قبل مؤيدين لما جاء فيه، في حين حظي بنقد لم يرتق إلى مستوه البحثي كما في مقالة كتبها الباحث المصري كمال النجمي في مجلة (الهلال) العريقة.
    ولكن في هذه الاثناء رحل الدكتور سليمان بشير، وحسب مقربين له، فانه رحل مفعما بالغربة، التي شعر به، بعد أزمة كتابه "الملعون".

    ورغم رحيله، بقي كتاب بشير "ملعونا" من جهات اكاديمية فلسطينية عديدة، حيث هوجم من قبل هذه الاوساط.
    وفي الوقت ذاته، نشر مؤيدو بشير، ومعظمهم من خارج فلسطين، كتابه على الانترنت، واصبح بإمكان من يريد تنزيله، وسماع وجهة نظر صاحبه الغائب.

    ومؤخرا، اصدرت دار الجمل في المانيا، التي يديرها الشاعر العراقي خالد معالي، طبعة جديدة من كتاب بشير، بعد 28 عاما من صدور طبعته الاولى محدودة التوزيع في القدس، وكأن لسان حالها يقول بان الأفكار لا تموت.

    http://alrawwya.blogspot.com/2012/04/blog-post_07.htmlhttp://alrawwya.blogspot.com/2012/04/blog-post_07.html
                  

10-28-2018, 05:10 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    كتابة القران بين السردية الإسلامية التقليدية والأبحاث المعاصرة


                  

11-09-2018, 02:40 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

                  

11-12-2018, 03:31 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    حوار.. محمد المسيّح يتحدث عن مخطوطات القرآن والاختلافات بين المصاحف الحديثة (الجزء 1/3)
    الأول 7 يونيو، 2018 0 9 ‫دقائق‬

    في هذا الجزء الأول من الحوار الذي أجراه موقع “الأول” مع الباحث محمد المسيح المتخصص في علم مخطوطات القرآن القديمة يتحدث بداية عن مساره الأكاديمي الذي خوله له، الغوص في مخطوطات القرآن القديمة لمقارنتها مع المصاحف الموجودة الآن، كما نقف مع المسيح على الدراسة التي قام بها من أجل الوقوف على الاختلافات الموجودة بين المصاحف ويقف بالأخص على أهم الاختلافات الموجودة بين القراءتين المشهورتين حفص عن عاصم وورش عن نافع.

    بداية من هو محمد المسبح، وما هو تخصصه حتى يتحدث عن مخطوطات القرآن والأخطاء والتغييرات التي عرفها في سيرورة نسخه وقراءاته إلى غير ذلك ؟

    المسيّح باحث مغربي من مواليد مدينة فاس سنة 1966م بدأ دراسته الجامعية في علوم الأحياء والأرض بجامعة سيدي محمد بن عبد الله ولم يكملها، ثم انتقل في سنة 1989م إلى أروبا وتابع دراسته الحرة بعيداً عما بدأه في المغرب بسبب الصدمة الثقافية التي جعلته يعيد التفكير في المسلمات التي اكتسبها منذ نعومة أظافره وحبه لمادة التاريخ والفلسفة، فدرس تاريخ العرب والإسلام من مصادر إسلامية،

    ثم انتقل اهتمامه إلى تفسير القرآن لفهم علاقة النص القرآني بمحيطه التاريخي والجغرافي، ومقارنة هذه التفاسير بعضها ببعض، وعندما حج والدها إلى مكة سنة 1999م وبعد حادثة القراءات وسؤال والدته عن الفرق بين قراءة ورش عن نافع وحفص عن عاصم، إتجه اهتمامه نحو دراسة القراءات المختلفة الأربعة عشر وكذلك القراءات الشاذة، ثم دراسة رسم المصحف، وللمزيد من المعرفة والتدقيق في البحث بدأ يبحث عن مؤسسة علمية تدرس التاريخ المبكر للإسلام والمخطوطات القديمة للقرآن، فسمع بتأسيس معهد إنارة المتخصص في التاريخ الإسلامي المبكر والقرآن التابع لجامعة ساربروكن الألمانية سنة 2007م وزداد حماسه للتعرف والتواصل بأعضاء هذا المعهد خصوصًا لما عرف أن الدكتور اكريستوف لكسنبيرغ صاحب كتاب القراءة السريانية-الأرامية للقرآن وهو أحد مؤسسي هذا المعهد، حتى تمكن من التواصل معه من خلال صديق سوري يعيش في ألمانيا وتربطه علاقة صداقة بالأستاذ لكسنبيرغ،

    فأثمر هذا التواصل بالتلمذة على يديه دامت 448 ساعة أكاديمية في ظرف ثماني سنوات فدرس خلالها مادة الفيلولوجية وعلم الخطاطة والمخطوطات، وخلال هذه الدراسة عمل مساعدا له ولبعض الباحثين العالمين من بينهم الأستاذ الأب إدوارد ماري جاليز Édouard-Marie Gallez، وشارك ببحث أكاديمي معه نشر في المجلد السابع لسلسة كتب معهد إنارة بعنوان: Suspicions of Ideological Manipulation and Codicology A Provisional synthetic Approach، ثم ببحث خاص في المجلد الثامن بعنوان قصة أصحاب الفيل بين التاريخ والخرافة The Elephant Story in the Qur´än Myth, History or Both، ونظم مؤتمر هلسنكي سنة 2013م بشراكة بين جامعة هلسنكي ومعهد إنارة بعنوان Early Islamic History (700-800 CE) the Origins of the Qur`än وبعد نجاح هذا المؤتمر قامت إدارة المكتبة الوطنية الروسية بسان بتربورغ National Library of Russia بالموافقة على طلب نشر صور ودراسة مخطوطة مارسيل 18.

    تتحدث في بداية كتبكم، مدخل لمخطوطات القرآن، عن قصة قراءة والدتك للقرآن والاختلاف الموجود بين رواية ورش ورواية حفص، وذكرتم أن هذه الواقعة دفعتكم إلى التوجه إلى البحث في مسألة الاختلاف، ماهو المسار الذي قمتم به على المستوى الأكاديمي للتخصص في مخطوط القرآن ؟

    دارسة القراءات المختلفة كان الهدف منها معرفة سبب وجودها: هل هي فعلاً كما هو شائع؛ اختلاف في اللهجات بين قبائل العرب أم شيئًا آخر؟ فإتجهت نحو دراسة جل المراجع التي تعالج موضوع القراءات المختلفة وعلى رأسها المصاحف للسجتاني والمقنع لأبي عمرو الداني، والمسير لمحمد فهد خاروف، وغيرها من المراجع المهمة في هذا المجال، ما توصل إليه فيما يخص القراءات الأربع عشرة لا يتعلق بإختلاف اللهجات العربية! وإنما في التنقيط والتشكيل والتهميز وألف المدّ مما يدل على أن النص الأول لم يكن يتوفر على هذه الخصائص؛ فإختلف اجتهاد القراء أسفر عن هذا العدد الكبير من القراءات، فلو كان هذا النص محفوظًا في الصدور كما هو شائع، لكانت هناك قراءة واحدة فقط، كقراءة القصائد الشعرية “للعصر الجاهلي” التي وصلتنا من زمن بعيد بقراءة واحدة فقط لا أربع عشرة قراءة كما هو الأمر في النص القرآني! ولهذا السبب فكر في دراسة المخطوطات القديمة للقرآن؛ لأنها تحمل أسرارًا لم يتحدث عنها علماء الإسلام لجهلهم لها أو تجاهلهم لها.

    طيب ما هي أهم الاختلافات التي وجدتموها بين القراءتين المشهورتين، حفص عن عاصم وورش عن نافع ؟

    كما سبق ذكره هذه الإختلافات في القراءات سببها غياب التنقيط وألف المدّ والتشكيل والتهميز للنص الأصلي، فالطريقة سهلة لوضع قراءة من القراءات؛ حيث يؤخذ النص بدون هذه الخصائص ثم محاولة تنقينطه وتشكيله وتهميزه حسب السياق، وهكذا وصل عدد القراءات المشهورة في القرن الثاني الهجري إلى خمسين قراءة بحسب كتاب “كامل في القراءات لأبي القاسم الهُذلي”، بل وصل عدد الروايات واختلاف طرق القراءات إلى 1459 طريقة ورواية. فأهم الإختلافات بين رواية ورش وحفص كثيرة جدًا والمثال الذي قدمته ولدته من سورة الزخرف “الملائكة الذين هم عند الرحمن” أو “الملائكة الذين هم عباد الرحمن” فالمعنى الجوهري متقارب والاختلاف طفيف فيما يخص كلمة “عند” و”عباد” فألف المدّ لم تكن موجدة، وفي الأصل “عىد” فالمقرأ وضع نقطة فوق النبرة فأصبحت “عند” والثاني وضع نقطة تحت النبرة “عبد” وبما أن الملائكة بالجمع أضيفت ألفًا صغيرة كعلامة على المدّ فأصبحة “عباد” بكل بساطة.
                  

11-13-2018, 06:38 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    حوار..

    المسيّح يتحدث عن إختلاف لغة مكة عن لغة القرآن وضياع بعض الآيات (2/3)

    ‬ في الجزء الثاني من حوار محمد المسيّح، الباحث المتخصص في المخطوطات القرآنية، يتحدث عم مراحل تدوين القرآن وحقيقة ضياع بعض الآيات من القرآن التي لم تبق موجودة في نسخة القرآن التي تم اعتمادها في عهد الخليفة عثمان بن عفان، كما يتحدث عن أسباب هذا الضياع التي ظهرت من خلال الرجوع إلى المخطوطات القديمة التي اكتشفت مؤخرا وخصوصا من خلال مخطوطة صنعاء،

    ويعود أيضا المسيّح إلى إشكال غياب التنقيط والتهميز والتشكيل في النسخ الأولى وكيف أدى ذلك إلى تحوير مجموعة من الكلمات، ويتحدث كذلك عن إشكال اللغة في وقت نزول الوحي والاختلاف بين لغة القرآن واللغة التي كانت سائدة في الصحراء العربية التي يعتبرها، الباحث، مختلفة تماما عن اللغة التي كتب بها القرآن.

    تحدثتم في كتابكم عن مرحلة تدوين القرآن، وكيف أنه في مرحلة معينة، تم التخلص من مجموعة من النسخ التي دونت في المرحلة الأولى بحرقها وتوحيد المصحف في عهد عثمان، هل ضاع في هذه العملية في رأيكم الكثير من أجزاء القرآن في هذه المرحلة ؟

    المصادر الإسلامية تخبرنا عن الجمع الثاني للقرآن في عهد الخليفة عثمان بن عفان، والسبب هو وجود مصاحف كثيرة مختلفة على الساحة، أهمها مصحف عبد الله بن مسعود، ومصحف أبيّ بن كعب، ومصحف علي بن أبي طالب وغيرها، مما أدى إلى نزاعات بين المسلمين على قراءة المصحف الصحيحة حتى كادوا يقتتلون فيما بينهم، مما دفع الخليفة عثمان لإزالة فتنة الصراع القائم، وقام بأمر تدوين مصحف رسمي للدولة يقبل به الجميع ثم يحرق ويتلف باقي المصاحف، والسؤال المطروح: هل ضاع شيئاً من القرآن بحرق هذه المصاحف؟ فالجواب: بالتأكيد لوجود سورة الأحزاب على سبيل المثال لا الحصر تضاهي سورة البقرة كما أخبر أبيّ بن كعب الصحبي زر بن حبيش، والأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها.

    هناك الحديث عن آيات أسقطت أو ضاعت من القرآن، هل من عند الرجوع إلى المخطوطات الأصلية الموجودة، يظهر سبب هذ الضياع أو كيفيته ؟

    بالفعل من خلال بعض المخطوطات القديمة يظهر آثار الزيادة والنقصان كما هو الحال في طرس صنعاء DAM01.27-1 ، لكن ما ذكره عبد الله بن عمر وغيره عن هذا الضياع في المصادر الإسلامية هو اعتراف ضمني بحقيقة هذا الضياع؛ حيث قال ابن عمر:”لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله. وما يريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير. ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر منه” وأنظر على سبيل المثال الدر المنثور للسيوطي. فهذا الضياع له أسباب عديدة منها ما يتعلق بالحالة العامة التي كان يعيشها الصحابة من استنفار دائم للغزوات وفيما سبق بالإضطهاد الممارس عليهم من قبل خصومهم، فلا توجد مدرسة بمعنى الكلمة يقضي فيها الطالب وقتاً وسط الكتاب، ويحفظ أو يكتب النص كما سارت عليه الأمور في العصر العباسي.

    المواد البدائية التي كانت يدون عليها النص القرآني لا تقاوم الزمن، وسن الصحابة لم يكن يسمح بالحفظ الراسخ في العقول، وأما قول أن العرب كانوا يحفظون النص بمجرد سماعه فهذا يفنده ما جاء من اعتراف ضمني من بعض الصحابة بضياع جزء كبير من هذا النص المؤسس، كذلك عدم وجود محترفين ونساخ يحيطون بالرسول وقت تأسيس النص، أضف على ذلك أن الحروف التي كتب بها النص؛ كانت قاصر من ناحية التنقيط والتشكيل والتهميز وحروف المدّ المتفق عليها. النسيان كذلك عامل من عوامل الضياع، وغيرها من الأسباب التي أنتجت هذا الضياع.

    تتحدثون في كتابكم، أيضا على مسألة التنقيط والتشكيل والتهميز في القرآن، وأن هذه العملية حورت الكثير من المعاني التي كان عليها القرآن كيف ذلك ؟

    في غياب التنقيط والتشكيل والتهميز وحروف المدّ، تصبح عندنا فوضى تراكم القراءات المختلفة التي تخضع لرسم واحد، فما بالك بوجود مصاحف أحرقها الخليفة عثمان بن عفان وقضى الحجاج بن يوسف الثقفي على ما تبقى منها؛ فقد كانت على الساحة خمسين قراءة على الأقل اختير منها أربعة عشر قراءة. أنظر كذلك: الكامل في القراءات لأبي القاسم الهذلي.

    وكشاهد على خطورة هذا الموضوع، فبالرغم من وجود أربعة قراء من خيرة الصحابة والتابعين؛ وهم عبد الله بن مسعود، وأُبَيّ بن كعب، وابن عباس، والضحاك بن مزاحم؛ كلهم قالوا أن الآية 23 من سورة الإسراء تقول:”ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه…” بدلا من “وقضى”! ويعلل ابن عباس هذا الخطأ بقوله: إن أصل الكلمة “ووصى” فالتصقت الواو بما بعدهما فصارت “وقضى” ويبرر قراءته بالقول:”ولو كان على القضاء ما عصى الله أحد قط؛ لأن خلاف قضاء الله ممتنع”.انظر تفسير الرازي على سبيل المثال.

    فلو كان هناك حفظ محكم، وحروف منقطة ما كان لهذه الكلمة “ووصى” أن تنقلب “وقضى” وشتانا بين الوصية والقضاء.

    تعود أيضا في كتابك إلى مسألة مهمة جدا، من خلال الخلفية التاريخية، والتقسيم الذي كان تعرفه المنطقة العربية إلى العربية “البتراء”، والصحراء العربية، وشبه الجزيرة العربية، ومن الملاحظات التي دونتها أن مخطوطات القرآن القديمة كتبت بخط غير الخط الذي كان متداولا في الجزء العربي (الصحراء) الذي تتحدث المراجع الإسلامية على أنه مهبط الوحي هل معنى ذلك أن التاريخ يكذب الرواية الإسلامية بهذا الشأن؟

    بحسب الأستاذ روبرت كير Robert M. Kerr الإخصائي في اللغات القديمة والنقوش، يذكر شيئاً خطيرًا عن التقسيم الإداري الروماني التي كانت تعرفه بلاد العرب؛ فهناك العربية البتراء Arabia Petraea أي عرب الشمال ، وفي الوسط الصحراء العربية Arabia Deserta ، وفي الجنوب العربية السعيدة Arabia Felix. انظر المجلد السابع لمعهد إنارة الألماني ص: 39- 45.

    فالغريب أن القرآن كتب بأحرف تنتمي إلى العربية البتراء رغم عجزها ونقصها؛ لأنها لا تحتوي على كل الحروف المنطوقة، في حين يوجد الخط الثمودي الذي ينتمي إلى مكة والمدينة كاملا لا ينقصه سوى حرف الثاء! وبالتالي هذا دليل قاطع على أن القرآن لم يولد في مكة والمدينة كما تقول المراجع الإسلامية وإنما في الشمال، وهذا يؤيد ما توصلت إليه المستشرقة الدنماركية-الأمريكية باتريسيا كرون Patricia Crone من أن مكة لم تكن موجودة في القرن السابع الميلادي، انظر كتاب تجارة مكة وظهور الإسلام.
                  

11-13-2018, 05:25 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    المسيّح:

    مخطوطة برمنغهام ليست الأقدم.. وهذه أهم الاختلافات بين المخطوطات والمصحف (3/3)


    في الجزء الثالث والأخير من حوار محمد المسيّح المتخصص في مخطوطات القرآن القديمة، يتحدث عن أهم المخطوطات التي اشتغل إليها في مساره العلمي، ويوضح حقيقة الإدعاء أن مخطوطة برمنغهام هي أقدم مخطوطة للقرآن، ويبيّن كيف الحجج التي تجعلها في المرتبة الثالثة، في التحقيب الزمني، بعد طرس صنعاء ومصحف باريسنو-بيروبوليتانس، كما يوضح أهم الاختلافات الموجودة بين هذه المخطوطات والمصحف الذي يوجد بين أيدينا اليوم، كما يتحدث المسيح عن مشاريعه الجديدة في دراسة المخطوطات القديمة بعد كتابه الأخير مدخل لدراسة المخطوطات القرآنية.

    ما هي أهم مخطوطات القرآن التي اشتغلت عليها، في سياق عملك، وأي مخطوطة يمكن اليوم اعتبارها أقدم مخطوطة للقرآن؟

    أهم مخطوطة اشتغلت عليها في سياق عملي هي مخطوطة مارسل ١٨ . 18 Marcel وتنتمي إلى مصحف باريسنو-بيروبوليتانس Codex Parisino-petropolitanus وهو مصحف وجد في مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة وأخرج في عهد الحملة الفرنسية على مصر، بالخط الحجازي خالية من التنقيط والتشكيل والتهميز، وغياب ألف المدّ في العديد من الكلمات وعلى رأسها ڡلوا “قالوا”، تعود الربع الأخير من القرن السابع الميلادي، وهي ثاني أقدم مخطوطة في العالم بعد طرس صنعاء DAM01-27.1.

    عند اشتغالك على مخطوطة برمنغهام ما هي أهم الخلاصات التي توصلتم لها؟

    بالنسبة لمخطوطة برمنغهام Mingana Islamic Arabic 1572a f 1-2، والتي زُعم أنها أقدم مخطوطة للقرآن في العالم، بعد الضجة الإعلامية التي فجرتها بي بي سي بتاريخ 22 يوليوز 2015م في مقال بعنوان: أقدم رقع القرآن التي عثر عليها في جامعة برمنجهام، معتمدين في هذا الإدعاء على الفحص بمادة الكربون المشع C14 دون أن يعلموا أن الكربون المشع قد يكون في المواد التي صنعت منها هذه الرقع قبل تجهيزها!

    وهذا ما ينبه عنه الدكتور فرنسوا ديروش François Déroche أكبر متخصص في علم المخطوطات العربية وعلى رأسها مخطوطات القرآن القديمة؛ فيطلب من الباحثين في هذا المجال أن ينتبهوا للخصائص الفنية التي توجد في المخطوطة من خط وزخرفة وقراءة والمادة المخطوط والحبر وحجم الرقع وطريقة ترتيبها وغيرها من الخصائص لتقدير عمر المخطوط، وطبقًا لهذه النصيحة العلمية يمكن أن نقول أن مخطوطة برمنجاهم ١٥٧٢ /أ ليست أقدم مخطوطة للقرآن في العالم بل هي الثالثة في الترتيب بعد طرس صنعاء ومصحف باريسنو-بيروبوليتانس

    وأهم الأسباب التي نرتكز عليها وجود ألف المدّ بعد القاف في كلمة ڡڡالوا “فقالوا”. أنظر الرقعة الأولى الوجه بداية السطر السابع عشر في هذه المخطوطة، وهذه الخاصية لم تكن موجودة حتى عصر الخليفة عبد الملك بن مروان بحسب كتاب المصاحف للسجتاني: 462-463 ؛ حيث أضافها عبيد الله بن زياد في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي، بخلاف مصحف باريسنو-بيروبوليتانس فلا يوجد أي ألف المدّ بعد القاف في كلمتي ڡل وڡلوا “قال وقالوا”، مما يدل قطعًا على أن مخطوطة برمنغهام تعود لبداية القرن الثامن الميلادي.

    شيء آخر لا يعرف سوى المختصون في هذا المجال، وهو أن مخطوطة برمنغهام تنتمي لنفس المصحف الذي تنتمي له مخطوطة باريس أراب 328/س، Arabe 328c f 1-16 الموجودة في المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس فلو فعلاً هي أقدم مخطوطة للقرآن في العالم لكانت فرنسا هي السباقة لمثل هذا التصريح وخاصة على لسان الدكتور ديروش! ففي هذه المكتبة ستة عشر رقعة من نفس مصحف الذي تنتمي له مخطوطة برمنغهام وهي رقعتين فقط.

    هل هناك اختلاف واضح بين مضمون هذه المخطوطة ومصاحف القرآن المتداولة في يومنا هذا ؟

    الخلاف الواضح بين هذه المخطوطات القديمة والمصحف الحالي يتجلى في غياب التنقيط والتشكيل والتهميز وألف المدّ كما سبق وأن أشرت، وبالتالي يمكن قراءة النص بخلاف القراءات المختلفة التي وجدت وما كتاب القراءة السريانية- الآرامية للقرآن للدكتور اكريستوف لكسنبيرغ The Syro-Aramaic Reading of the Koran , Christoph Luxenberg إلى دليل على توسع قراءة هذه المخطوطات، وتبقى مخطوطة طرس صنعاء هي أهم هذه القراءة وأقدمها لأنها تختلف تمامًا عن المصحف الذي بين أيدنا الآن.

    اعتبرت كتابك الصادر حديثا مجرد مدخل لدراسة مخطوطة القرآن، ما هي الخطوة المقبلة التي تشتغلون عليها في بحثكم حول المخطوطات دائما ؟

    بالفعل كتاب “مخطوطات القرآن مدخل لدراسة المخطوطات القديمة” الذي أُصدر في أكتوبر السنة الماضية 2017م هو بداية سلسلة من الإصدارات حول المخطوطات القديمة للقرآن، الآن بصدد كتابة الإصادر الثاني بعنوان: “دارسة حول مخطوطة مارسيل ١٨” التي تنتمي إلى مصحف باريسنو-بيروبوليتانس ثاني أقدم مخطوط للقرآن في العالم، وقد وصلت للصفحة 138 من هذا الكتاب، ثم يليه إصدار ثالث وهو دراسة حول مصحف مكناس أتمنى أن يُوفقني الحظ في الحصول على ترخيص من مكتبة طارق رجب بالكويت التي تمتلك جزءًا منه.



    *نقلاَ عن موقع "الأوّل" المغربي.
                  

11-13-2018, 07:25 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    محمد المسيّح.. عالم مخطوطات "يَستنطق" التاريخ والتراث!

    سورة الفيل في القرآن تتحدث عن الصراع الفارسي البيزنطي

    محمد المسيح، عالم مخطوطات مغربي، تخصص في المخطوطات القرآنية.. عرف باشتغاله مع كريستوف لوكسنبورغ، ورغم تحفظه على وصف "العالم"، فقد نذر وقته للمؤتمرات العلمية، وسبر أغوار التراث الإسلامي بزاد أكاديمي وعلمي.. في هذا الحوار نتعرف على عالم مغربي اختار "استنطاق" المخطوطات وفق منهج علمي صارم.

    أولا هل لك بتقديم نبذة تعريفية عن مساركم، من جامعة سيدي محمد بن عبد الله حتى التحاقكم بالديار الأوربية؟

    لن أدخل في التفاصيل نظرا للهاجس الأمني من جهة، ومن جهة أخرى لطول المسيرة، كل ما يمكن قوله هو أنني هاجرت إلى أوروبا في سنة 1989 من أجل الدراسة أو العمل، حيث كانت الأوضاع الدراسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في موسم 88-89 لا تسر أحدا: إضرابات باستمرار من أجل مطالب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، دون الحديث عن بداية الصدام بينهم وبين الطلاب الجدد من الإخوان. في ظل هذه الظروف انتقلت للضفة الأخرى بحثًا عن الدراسة أو العمل، فاستطعت أن أوفق بين العمل بالدرجة الأولى والدراسة لأنني من عائلة فقيرة، خصوصًا أنني الأكبر سنا بين إخوتي.

    لم يكن لي مجال للدراسة فقط، مما جعل مسيرة الدراسية طويلة وشاقة، استطعت بعد سنين من الدراسة والأبحاث أن أكسب ثقة الدكتور كريستوف لوكسنبرغ - اسم مستعار لعالم جليل من أصل لبناني- الذي نصحني بدراسة القراءات المختلفة للقرآن، ورسم المصحف كي يمكن البدء في دراسة مادتي: علم المخطوطات Codicology وعلم الخطاطة Palaeography وعند النجاح في هاتين المادتين بدأت بعلم فقه اللغة المقارن Philology،

    وعندما أكملت هذه الدراسات عملت كمساعد له ولبعض الباحثين في موضوع المخطوطات، وفي شتنبر 2013، وبعد ما نظمت بنجاح مؤتمر هلسنكي بعنوان التاريخ الإسلامي المبكر والقرآن (ق 7و 8 الميلادي) بشراكة بين جامعة هلسنكي ومعهد إنارة الألماني، والمؤسسة الراعية للدعم الثقافي كيميديا KM، كسبت ثقة المكتبة الوطنية الروسية LNR في سانت بطرسبورغ ونلت أحقية دراسة ونشر مخطوطة مارسيل 18 Marcel. بعدها قدمت بحثاً علميًا لسورة الفيل في القرآن نالت تزكية كل علماء المعهد العلمي الألماني إنارة Inârah.Istitut zur Erforschung der frühen Islamgeschichte und des Koran وهذا البحث بعنوان "سورة الفيل بين الحقيقة والأسطورة"، وهناك أبحاث أخرى قدمتها بشراكة بعض العلماء مثل الأب Edouard-Marie Gallez وغيره من الباحثين في هذا المجال.

    ما الأسباب التي جعلتكم تفضلون الاشتغال بعيدا عن أرض الوطن؟

    الأسباب التي جعلتني أفضل الاشتغال بعيدا عن أرض الوطن هي الأوضاع التي كانت تعيشها جامعاتنا من إضرابات وشح الكتب المهمة للدراسة وغلاء سعرها، ناهيك عن الفقر الذي يظل العامل الرئيسي في الموضوع وسياسة التصفية والمحسوبة، فقد قدمت على العديد من المدارس العليا في البلاد، ولم أحصل حتى على جواب منهم يفيد برسوبي في مباريات الولوج، مما جعلني أقبل بالتسجيل في جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كنت أرى المستقبل مظلما حالكا أمامي، كل هذا وأنا أرى ثقل المسؤولية على السيد الوالد وثمانية من الإخوة والأخوات ينتظرون فرصة للنجاح.


    على ماذا يرتكز تخصصكم في علم المخطوطات، ومتى تخصصتم في هذا العلم؟ وما أبرز إسهاماتكم في المجال؟

    تخصصي بالضبط هو دراسة وتحقيق ونشر مخطوطة مارسيل 18 Marcel ؛ منذ 2013، أما أهم إسهاماتي في المجال، نجد على رأسها كتاب بعنوان "مقدمة مخطوطة القرآن القديمة" سوف يُنشر في هذه الأيام، والبحث العلمي لسورة الفيل بين الحقيقة والأسطورة.

    عرف عنكم اشتغالكم إلى جانب الدكتور كريستوف لوكسونبرغ في كتابه قراءة آرامية سريانية للقرآن الكريم.. هل لك أن تحكي لنا كيف مر العمل معه، سيما ما أعقب إصدار الكتاب من تهديدات لصاحبه؟ ألم تتعرضوا لأي مضايقة بعد إصداره؟

    كتاب القراءة السريانية الآرامية للقرآن من تأليف كريستوف لوكسنبرغ، وهذا الاسم المستعار هو ربما الذي جعله لازال على قيد الحياة حتى الآن، والدكتور بوين هو تلميذ كذلك للوكسنبرغ درس عنه مادة Philology وهو أستاذ مختص في مادة Palaeography وهو الذي حقق مخطوطات صنعاء الشهيرة،

    أما بالنسبة للمضايقات، أنا شخصيا لم أتعرض لأي نوع من المضايقات، بل على العكس، بعد دخولي للمغرب في آخر شهر السنة الماضية وقضاء رأس السنة الميلادية فيه كان هناك ترحيب شديد من متابعي برنامج صندوق الاسلام (برنامج على اليوتوب يعده الدكتور حامد عبد الصمد)، الذين تعرفوا عليّ ، وكذلك المكتبة الوطنية الملكية بالرباط. وبالمناسبة أشكر فريق العمل في هذه المؤسسة المشرفة رغم إمكانياتها البسيطة بالمقارنة بمكتبات دول صديقة للمغرب، وأتمنى من وزارتي الثقافة والتعليم أن تدعم وترعى ماديًا ومعنويًا هذه المؤسسة العلمية.


    برأيكم كيف تقترحون التعامل مع النص الديني؟ معالجته كنص تاريخي في سياقه أم تنزيل ما يزال صالحا فيه في المجتمعات الدينية؟

    للحصول على نتائج علمية مهمة يجب أن نترك الجانب العقائدي على الهامش وندرس النص القرآني، كنص تاريخي يستحق كل الاهتمام والاحترام، فالجانب العقائدي يجعل الباحث ينساق وراء مشاعره تجاه هذا النص المقدس.

    هناك حاليا موجة كبيرة ممن يسمون أنفسهم "الباحثون في الإعجاز العلمي للقرآن".. على ماذا تقوم أطروحاتهم؟

    النص القرآني تراث مشترك بين العديد من الأجناس والأعراق، الغاية منه وصول رسالة دينية للشعوب والأمم، وإدخال ما يسمى بالإعجاز العلمي في النص القرآني هو لي عنق الحقيقة، فكل ما ذكره القرآن يُوافق تمامًا البيئة التي نشأ فيها كموضوع قبة السماء على سبيل المثال التي قد تسقط كسفًا على رؤوس المكذبين في سورة الإسراء: 92، الشعراء: 187، سبإ: 9، الطور 44. كما أعطي مثالا بموضوع "انشقاق القمر وإشاعة الناسا"،

    وهو فهم خاطئ للموضوع، فلو انشق القمر في القرن السابع الميلادي لتأثرت الأرض كلها من ذلك الحدث وماتت العديد من الكائنات لانتشار قوة الإشعاع النووي الناتج عن هذه التصدعات، ولذُكر كذلك هذا الحدث عند كل الأجناس والأعراق الأخرى في تاريخهم، فحتى المسلمون أنفسهم لم يذكروا شيئا عن هذه "المعجزة" في القرنين الأول والثاني للهجرة، ولا توجد أي وثيقة من ذلك العصر تُفيد هذا الادعاء أو غيره.

    وأنهي هذه النقطة بقول الشيخ الشاطبي "لا يجوز لأحد أن يفسر آيات القرآن الكريم، بما لم يكن معروفا عند الصحابة مما جدّ فيما بعد. يقول: إن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحدّ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين: من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، وإلى هذا فإن السلف الصالح – من الصحابة والتابعين ومن يليهم – كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى، سوى ما تقدم وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة وما يلي ذلك" (إعجاز القرآن لفضل حسن عباس وسناء فضل عباس جامعة القدس المفتوحة ص: 259).

    لعل أبرز إكراه لكم في تخصصكم هو أنكم تستعملون مناهج علمية في مجال يزاوج بين التاريخ والاسطورة، كيف يتم العمل لو أن بعض نتائجكم تخالف المعتقد العام؟ أعني هل تمسكون العصا من الوسط من خلال اختيار دقيق للكلمات، أم تضعون نتائجكم مجردة وبحياد تام؟

    في البحث العلمي لا يمكن أن تمسك العصا من الوسط، فالخرافة خرافة لا يمكن أن تجعلها حقيقية، والحقيقة التاريخية هي حقيقة ترتكز على أدلة تاريخية معروفة، ولمعرفة طريقتي في التعامل مع ما هو أسطورة وما هو تاريخ أطلب من القارء الكريم أن يقرأ البحث الذي قدمته على سورة الفيل.

    عرفكم الجمهور العربي الواسع، من خلال إسهاماتكم في برنامج "صندوق الإسلام"، هل لامستم أي تقدم للعقلية العربية في التعامل مع التراث الديني؟

    نعم هناك تقدم في العقلية الإسلامية المثقفة؛ حيث لاحظت أن العديد من المثقفين مهتمين جدًا بما نقدمه من مادة في صندوق الاسلام، وقد اتصل بي العديد من الأساتذة الجامعيين وخاصة في أقسام الفلسفة ولامست هذا التجواب والتشجيع منهم، وخاصة في المغرب.


    هل تتفقون أن اكتشاف مصحف صنعاء، كان حجر الزاوية في إزالة الغيوم عن العديد من الحقائق التي تهم النص القرآني؟

    مخطوطات صنعاء الشهيرة التي اكتشفت في أوائل السبعينيات القرن الماضي والتي حققها أستاذي الدكتور بوين كشفت الغطاء عن ما كان مبهماً في الفترات الأولى للتدوين، حيث قدمت لنا قراءة أخرى تختلف عن كل القراءات التي درسناه عن علماء القراءات المختلفة من زيادة ونقصان وترتيب السور واختلاف في المعنى بينها وبين القراءات الرسمية المعروفة على سبيل المثال بدلاً من كلمة الذكر في سورة الحجر: 6 يوجد :" وقالوا يا أيها الذي نزل عليه القرآن إنك لمجنون". فقد قدمت الدكتورة إليزابيث بوين خمسة أبحاث في هذا الموضوع في سلسلة كتب معهد إنارة السبعة.


    اشتغلتم بشكل مستفيض على وثيقة مصحف بيرمنغهام، هل لك أن تضعنا في الصورة حول ما خلص من تحليل الوثيقة عبر تقنية الكاربون المشع؟

    مخطوطة برمنغهام Arab 1572a مكونة من رقعتين فقط، قيل في الإعلام إنها أقدم مخطوطة للقرآن في العالم، وهذا الادعاء باطل لأن الكربون المشع لا يعطي تاريخاً محددًا للمخطوطة، بل يعطيك نتائج بهامش خطإ يقارب خمسين سنة بإفراط وتفريط، وهذه هي معضلة الكربون المشع فمادة Codicology تحل هذه الإشكالية، فالعوامل الأخرى هي التي تحدد نسبية عمر المخطوطة من خط ورسم وزخرفة وقراءة. فعندما نجد في هذه المخطوطة قراءة ابن عامر الشامي (ت 118 هـ) نقول إن هذه المخطوطة لا تعود لعصر الرسول ولا حتى الخلفاء الأربعة، فهي تأتي في المرتبة الثالثة من بعد مجموعة صنعاء (DAM 01-27.1) ومصحف باريِسِنُو- بِطْرُبُولِيتانُس Parisino-petroplitanus التي تنتمي إليه مارسيل 18.

    علمت أنكم اشتغلتم على بحث حول سورة الفيل، ماذا كانت خلاصات البحث؟ وهل ستنشرون البحث بالمغرب وباللغة العربية؟

    بحث "سورة الفيل بين الأسطورة والتاريخ"، بحث باللغة الإنجليزية، وسوف أترجمه للغة العربية في الأيام المقبلة فلو هناك مؤسسة علمية تريد نشره، ممكن الاتصال بي عبر صفحتي على الفايسبوك، أما عن الموضوع فهو وضعها في سياقها التاريخي، أي أن سورة الفيل في القرآن تتحدث عن الصراع الفارسي البيزنطي وبالضبط معركة حدثت 591م بين القائد الفارسي بهرام والبيزنطيين لاسترجاع عرش خسرو الثاني المغتصب ومحاولة الجنرال بهرام استمالة القائد الأرميني موشغ الثاني إلى صفه وتهديده بالفيلة المدربة على الحروب في حالة رفضه الانضمام إليه،

    أما قصة أبرهة الأشرم فليس لها أي سند تاريخي بخلاف ما ذكره المؤرخ الأرميني سيبيوس Sebeosعن معركة 591م في مخطوطة Matenadaran, MS. № 2639، والتي أدعو الجمهور الكريم إلى قراءتها.

    في الخطاب الملكي لـ20 غشت 2016، وردت جملة "وهل يقبل العقل السليم أن يكون جزاء الجهاد هو الحصول على عدد من الحور العين ؟ وهل يقبل المنطق بأن من يستمع إلى الموسيقى ستبلعه الأرض، وغيرها من الأكاذيب"... هل ترون في الأمر بداية للقطع مع استغلال الأساطير لغايات سياسوية؟ ولبنة أولى في نقد التراث الإسلامي من وجهة نظر عقلانية؟

    الخطاب الملكي لـ20 غشت 2016، مبادرة رائعة من الملك محمد السادس لمراجعة مناهج وبرامج الدروس الدينية التي تقدم في مدارسنا العامة والخاصة وكذلك مساجد المملكة، فجلالته لم ينكر فوز الأبرار بالجنة، ولكن أنكر سخافة الفكر الساذج الذي يُوهم الإرهابيين بالحصول على نساء في الجنة لا شغل لهم سوى فك الأبكار، وهذه المبادرة تُساعد على طرد الفكر الإرهابي المتطرف والحركة الوهابية المتشددة، وتجعل القانون الوضعي للدولة أسمى من كل قانون آخر، فيه كل أفراد المجتمع سواسية كأسنان المشط، كانوا مسلمين أو يهودا أو مسيحيين أو لا دينيين.

    معاذ كنينس
                  

11-17-2018, 05:23 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    هذا البوست يستند إلى نظرية جيبسن عن البتراء.

    في الفيديو التالي محاولة للرد على المعترضين على تلك النظرية. ومحاولة للبحث عن تاريخ آخر خارج السردية الاسلامية التقليدية.

    في الدقيقة 65 هنااك رد على نقطة أثارها منتصر عبدالباسط عن الاندلس ولماذا لم يقولوا شيئاً عن "البتراء":


                  

11-19-2018, 08:40 AM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    أخ أسامة - وضيوفك الكرام
    لكم التحية
    مابين دان جيبسون - ومحمد المسيح - وباتريشا وعاصم فقيري والمشرف - وكتاباتك
    دارت في رأسي عدة تساؤلات - فقد اتيحت لي الفرصة لأطلع علي التوراة (العهد القديم) - والأناجيل الأربعة
    وأنجيل برنابا -- وتذكرت كتاب الدكتور - (موريس بوكاي = التوراة الانجيل القرآن والعلم) ....
    وخلصت الي أن معظم الكتابات تدور حول (( صدقية القرآن )) دون سواه - وبغض النظر عن الكاتب
    أو أهدافه أو منهج البحث والمقاربة التي تبناها - يبقي محور الدراسة هو ((القرآن)) لاغيره .
    والقاريء للقرآن يجد أوله (بعد الفاتحة) يقول ((كتاب لاريب فيه))!!!!
    والذين يدافعون عن القرآن ((يحتجون بآياته نفسها)) - وهذا ملال يتوافر لأي كتاب آخر !!!
    ولذا نجد المشككين في صدقيه (هذا الكتاب) يلجأون الي ((الروايات والتفاسير)) الضعيفة أحيانا والمتناقضة أحايين أخري ..
    ويبقي السؤال ((لماذا القرآن)) دون غيره -- والاٍجابة بسيطة - لأنه الكتاب (الوحيد) الذي ظل (صامدا) دون تحرييف لأكثر من 14 قرنا من الزمان
    ** فمثلا: الذين يشككون في اٍختلاف الروايات - واٍشكالية التنقيط واٍختلاف الألسن - يبقي أمامهم سؤال تصعب اٍجابته
    فبرغم مقارباتهم - يظل القرآن ((واحدا)) لا ثاني له -- وهو تحد موجود في آياته !!!!
    ** والذين يشككون في مكان (مكة) وأين تنزل القرآن - يبقي أمامهم الكثير من الأسئلة تحتاج لاٍجابات
    ** من حوّل مكة من مكانها في البتراء الي أرض نجد !! ومتي !!! وكيف !!! وأين الدلائل التاريخية !!!!!! ولا مجيب !!!
    ** لماذا ظلت مكة (المشكوك في موقعها) - هي القبلة الثابتة لكل مسلمي العالم - اٍنصياعا للقرآن ((وحيثما تكونوا فولوا وجوهكم شطره - أي المسجد الحرام)).!!!

    ** أستاذ أسامة -- وضيوفك الكرام
    هذا البوست تثقيفي لأقصي درجة -- وأوقد في نفسي سؤال ظل يؤرقني --- لماذا نظل (مسلمين بالوراثة) عوضا عن (مسلمين) قناعا ووعيا واٍدراكا
    وهذا مايجعل مسمانا هو الاٍسلام -- وسلوكنا غير ذلك تماما ..

    ** لو اٍطلعت علي التوراة والاٍنجيل - لوجدت مواضيع أكثر اٍثارة - وتحتاج الي الكثير من التبريرات - ولكنني أفضل أن نظل بين القرآن ومكة الي نهاياتها ...
    وأقول هذا - لأن أمرهما جد عظيم - ولا أريد أن أحرف مقاصد البوست - ولكني أشير الي حقيقة هامة
    ** الهجوم الكاسح الذي يقوده المتشككون - يضعنا في موقع الدفاع - وهذا وضع غريب - لأن أسئلتهم يمكن أن تنقلب عليهم أيضا
    السادة/ دان جيبسون وباتريشا والمسيح والآخرون -- من آمن بسردية (البتراء) - لماذا لا يجيبون عن كيفية حدوث هذا التحول الكبير
    السادة/ الذين يتشككون في (صدقية) وعدم تحريف كلمات أو معاني القرآن - لماذ اٍكتفوا بذلك زلم يقدموا دليلا عليه
    ** الاٍحتجاج بالتفاسير الضعيفة والمتناقضة - لن تكون دليلا - ولايعتد بها -- لأنها لاتعتبر أكثر من ((تراث) أو أقوال مأثورة لآخرين
    فكل حديث (ناقض) القرآن متنا أو معني - فهو قول مردود لصاحبه .
    ** وكمثال لتثبيت حادثة (الفيل) مثلا - لماذا لانستشهد بسيرة بن اٍسحق - وبعض أشعار الجاهلية - ألا ترقي لتكون دليلا (ربما) أقوي
    من كتابات باتريشا وجيبسون
    لك التحية والاحترام
                  

11-19-2018, 03:16 PM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    أستاذ أسامة
    لماذا أوردت سيرة بن اٍسحق
    لأنه الأقرب من حيث الزمان والمكان بمكة والرسول
    ** ابن إسحاق (85 هـ/703م المدينة - 151 هـ/ 768م بغداد) مؤرخ من العصرين الأموي والعباسي،
    إسمه الكامل أبو بكر محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار المدني، ويعتبر أول مؤرخ عربي كتب سيرة رسول الإسلام محمد بن عبد الله وأطلق تسمية "سيرة رسول الله" على كتابه.
    **كان مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب القرشي، ولد في المدينة سنة 85 هـ/703م، وبها نشأ، وكان فتى جميلا وقرأ على علمائها ومحدثيها.
    وكان جده يسار من سبي قرية عين التمر حين أفتتحها المسلمون في خلافة أبو بكر الصديق، سنة 12 هـ،
    وقد وجده خالد بن الوليد في كنيسة عين التمر من بين الغلمان الذين كانوا رهنا في يد كسرى فأخذه خالد إلى المدينة.
    **ماذا قال عن مكة وحادثة الفيل :
    **نا أحمد: حدثنا يونس، عن ابن إسحق، قال: فلما حفر عبد المطلب زمزم، ودله الله عز وجل عليها، وخصه بها،
    زاده الله عز وجل شرفاً وخطراً في قومه، وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت،
    فأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها، لمكانها من البيت، وأنها سقيا الله عز وجل اسماعيل.
    **فخرج يسير، حتى إذا كان ببعض طريقه، بعث رجلاً من بني سليم، ليدعو الناس إلى حجد بيته الذي بناه،
    فتلقاه أيضاً رجل من الحمس، من بني كنانة، فقتله، فازاداد بذلك لما بلغه حنقاً وحردا، وأحث السير والانطلاق،
    حتى إذا أشرف على وادي وج من الطائف، خرجت إليه ثقيف، فقالوا: أيها الملك، إنما نحن عبيدك،
    وليست ربتنا هذه بالتي تريد يعنون اللات، صنمهم، وليست بالتي تحج إليها العرب، وإنما ذلك بيت قريش،
    الذي تجئ إليه العرب، قال: فابغوني دليلاً يدلني عليه، فبعثوا مع رجلاً من هذيل، يقال له نفيل، فخرج بهم يهديهم،
    حتى إذا كانوا بالمغمس، نزلوا المغمس من مكة على ستة أميال، فبعثوا مقدماتهم إلى مكة،
    فخرجت مكة عباديد في رؤوس الجبال، وقالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء القوم،
    فلم يبق بمكة أحد إلا عبد المطلب بن هاشم، أقام على سقايته؛ وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار،
    أقام على حجابة البيت، فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب، ثم يقول:

    اللهم إن المرء يمـن.........ع حله فامنع حلالك

    لا يغلبوا بصليبـهـم..........ومحالهم غدرا محالك

    أن يدخلوا البلد الحرام.........غدا فأمر ما بدا لـك
    ** أستاذ أسامة
    باٍعتبار القرب التاريخي - (والغرض) من تأليف السيرة -
    تري أيهم أكثر موثوقية ((بن اٍسحق أم حيبسون وباتريشا))!!
    لك التحية
                  

11-30-2018, 05:51 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    Quote: أستاذ أسامة
    باٍعتبار القرب التاريخي - (والغرض) من تأليف السيرة -
    تري أيهم أكثر موثوقية ((بن اٍسحق أم حيبسون وباتريشا))!!

    أهلاً أستاذ عمار

    وآسف لتأخير الرد..

    اولاً أين اختفت سيرة بن اسحق الأصلية؟؟؟

    ومن هنا يظل هنالك سؤال ليست له أجابة "ما هي الإضافات والحذف الذي قام به بن هشام؟؟

    وما دور الخلافات السياسية في دوافع كتابة السيرة، وأيضاً تحريرها من قبل بن هشام؟؟

    طيب بالنسبة إلى قصة الفيل كما ترويها السيرة النبوية "كيف لفيل أن يعبر كل تلك المسافات"؟؟؟

    هل تصدق ان اسم الفيل هو "محمود"؟؟؟

    ابرهة كان مسيحياً، وسكان مكة مشركون وثنيون:

    فكيف ينتصر المشركون الوثنيون على المسيحي في ذلك الزمن؟؟؟

                  

12-01-2018, 07:56 AM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    أخ أسامة - لك التحية
    Quote: هل تصدق ان اسم الفيل هو "محمود"؟؟؟
    ابرهة كان مسيحياً، وسكان مكة مشركون وثنيون:
    فكيف ينتصر المشركون الوثنيون على المسيحي في ذلك الزمن؟؟؟

    **
    كون اٍسم الفيل (محمود) فهذا يوحي بتدخل أيدي ما - لغرض ما - !!!!!
    ** اٍنتصار الوثني علي المسيحي أو علي المسلم - ليس أمرا مستغربا
    (( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون )) - العنكبوت .
    **
    نعود للسيرة النبوية
    Quote: على الرغم من التغيير الذي أجراه ابن هشام في مواضع كثيرة منها،
    فإنه صرح في غير مواربة بما حذفه من النص الأصلي، فضلاً عما قام به من التصحيحات والإضافات،
    وخاصة في الأنساب واللغة، وكان دائمًا ينبه على ما يضيفه، ويشير إلى ما يحذفه دون أن يغير في النص الأصلي.

    **
    مع العلم أن اٍبن هشام متوفي عام (218ه) -
    أي أنه من حيث القرب الزماني كان أقرب الي (بن اٍسحق) الذي عاصر بعض الصحابة ..
    وعليه لاتزال كتاباته أقرب (للصحة) من حيث القرب الزماني - ((والغرض)). وهو حتما قام ((بما يشبه التنقيح))
    لسيرة بن اٍسحق وليس التعديل - ولكن تبقي كتاباته مقتبسة من سيرة بن اٍسحق .
    ورغم التقارب الزمني بينهم اٍلا أن الاٍسرائيليات تمكنت من الوصول لسيرة بن اٍسحق -- وغالبا هي الاٍسرائيليات
    التي قادت (جيبسون وباتريشا) في نفس الاٍتجاه --
    **
    ولو سألت عن أصل مجلدات سيرة بن اٍسحق - أو حتي (مصحف عثمان) - فلنسأل عن النسخ الأصلية
    للتوراة والأنجيل - ولكن البحث سيطول في ظل وجود الحروب والحرائق - والسرقات عبر التاريخ .
    **
    وأعود لأذكرك - بأن معظم هذه المجلدات والنسخ - توزعت داخل كتب الآخرين - وحفظت بعضها في القلوب
    وأفرغت في الصحائف - وحرف الكثير عن قصد أو بسبب النسيان والخطأ والترجمات .
    ** والغريب أن (مصحف القرآن) لم يتأثر بأي من هذه الأسباب - بسبب الحفظة - وظل هو الكتاب الوحيد
    (غير المحرّف) علي مدي أربعة عشر قرنا .... ألا يوحي ذلك بمعجزة !!!
                  

12-01-2018, 12:01 PM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    اٍضافة بسيطة أخي أسامة
    ** خلال بحثي المتواضع - لم أجد صلة بين (قصة أصحاب الفيل - ومولد الرسول الكريم)
    بل لم أجد اٍشارة واحدة أو حديث منسوب للرسول الأكرم - يربط بين ميلاده وعام الفيل !!!!
    ** الربط جاء في سيرة (بن اٍسحق واٍبن هشام من بعده)
    ** تبقي الحادثة كما وردت في القرآن (مثبتة) - ولكن (لاتاريخ ) لها - بل اٍن القرآن لم يحدد المكان .
    ** ورغم بعض الأحاديث التي أشارت الي أحداث وقعت عند مولده ( بدون التحقق من صدقيتها) فٍانها
    لم تذكر عام الفيل كأحد المعجزات - وكا الأجدي أن يذكر الحدث هذا - عوضا عن (تصدع اٍيوان كسري)
    أو خبو واٍنطفاء مار المجوس .....
    **
    ** الأغرب أن السير تختلف في موعد ميلاد الرسول الأكرم - وفي اليوم والشهر والسنة :
    Quote: وكان مولده عام الفيل، وكل الروايات المخالفة معلولة الأسانيد،
    وهي تفيد أن مولده بعد الفيل بعشر سنين أو ثلاثة وعشرين سنة أو أربعين سنة، انظر دلائل النبوة للبيهقي (1/78).
    ومما اشتهر على الألسنة أنه قال: “ولدت في زمن الملك العادل” يعنى كسرى أنوشروان
    ” قال الحافظ ابن حجر: إنه كذبٌ باطل لا أصلَ له”، وقال الحليمي: هذا الحديث لا يصح وكذلك قال الحاكم والبيهقي والسخاوي وغيرهم.
    وصف ولادته:

    **
    بالطبع هذا لاينفي وجود الرسول ونزول القرآن - ولكنه يحل (معضلة) (عام الفيل) - وقد ذهب الي هذا الشيخ محمد عبده
    وأتهم بالموالاة (للأعداء) واٍيجاد المبررات والأعذار - برغم أن الأمر خلاف في التاريخ وليس في أصل التشريع
                  

12-03-2018, 07:15 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    Quote:
    ** الأغرب أن السير تختلف في موعد ميلاد الرسول الأكرم - وفي اليوم والشهر والسنة

    أهلاً أستاذ عمار

    آسف لتأخري لأسباب قاهرة..

    ذلك الاختلاف يسم كل التاريخ العربي الإسلامي المدوّن،

    أولاً لطول المدة بين وقوع الأحداث التاريخية وتدوينها.

    وثانياً :اعتماد الشفاهة من خلال "العنعنة" أي الشفاهة رغم اعتماد "التواتر" كدليل على صحة "العنعنة"...

    ذلك أن "التواتر" ليس حجة قوية على صحّة الحدث أو الحديث.

    فالأساطير مثلاً والقصص الشعبي والخرافات تقوم على "التواتر"..

    وثالثاً:

    تأثير الخلافات السياسية والمذهبية على الطريقة التي بها يُروى بها الحدث التاريخي..

    ولي تعليق على كلامك حول "تحرير " -باللغة الحديثة- ابن هشام لسيرة ابن اسحق..

    كان يمكنه بدلاً من حذف كلام ابن اسحق ،أن يترك كلامه كما ورد في النص الأصلي، ثم يصوّبه أو يعلق عليه في الهامش. كما يفعل محقّقو المخطوطات..

    أما أن تختفي المخطوطة الأصلية لسيرة ابن اسحق ، وه النص المؤسس لكتابة السيرة النبوية، فهذا بالتأكيد يثير علامات استفهام كثيرة،

    تشبه تلك الشكوك حول الهدف السياسي من كتابة السيرة النبوية، وتأثير ذلك على كتابتها..

    مع خالص التقدير .
                  

12-08-2018, 04:53 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    الاستاذ عمار

    سلام وتحايا قلبية

    بما أنك أعدت الإشارة إلى "أصحاب الفيل" كما أوردها ابن اسحق، فإنني أعيد بسط حلقة من صندوق الاسلام سبق أن نُشرت هنا في يوم ٦\٢\٢٠١٨ ،

    وهي تنفي السردية الاسلامية التقليدية حول تلك الواقعة.

    وتطرح بديلاً تاريخياً موثّقاً ، وتنقد "لا معقولية" قصة اصحاب الفيل كما اوردها ابن اسحق:

                  

12-08-2018, 08:51 AM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    أسامة - تحياتي
    محمد المسيّح - في الدقيقة ((23:30)) - يثبت حادثة الفيل
    وقصة (برهام الفارسي والدولة البيزنطية)
    وسردية القرآن لم تقل أكثر من ذلك - فلايمكن الحكم عليها
    من (سيرة بن اسحق واٍبن هشام) !! أو مابقي من سيرتهما !!!!
    فالقصة تاريخيا حدثت - والفيل كان هناك ((أي يوجد أصحاب الفيل )) وأبيدوا أو هزموا
    ولاتوجد اٍشارة واحدة في القرآن تشير الي أن الحدث - يخص (أبرهة الحبشي) و (هدم الكعبة) !!!
    ** الغريبة أنه في النهاية يشير الي الحادثة ((كأحد خرافات القرآن )) !!!!
                  

12-09-2018, 03:44 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    عزيزي عمار

    سلامات

    قلت سيدي:
    Quote: محمد المسيّح - في الدقيقة ((23:30)) - يثبت حادثة الفيل
    وقصة (برهام الفارسي والدولة البيزنطية)
    وسردية القرآن لم تقل أكثر من ذلك - فلايمكن الحكم عليها
    من (سيرة بن اسحق واٍبن هشام) !! أو مابقي من سيرتهما !!!!

    كلام المسيحّ يؤكد فعلاً صدق القران،

    لكنه يوضّح من جهة أخرى أن قصة أصحاب الفيل التي وردت في سيرة ابن اسحق في نسختها المعدّلة الهشامية هي محض اسطورة وخرافة، ولا تستند إلى وقائع تاريخية مثبتة.

    وهذا يعيد إلى الأذهان خلاف الإمام مالك مع ابن سحق حين وصفه :
    Quote: دجّال من الدجاجلة يقول: اعرضوا علي علمه؟

    في رده على كلام ابن اسحق:
    Quote: اعرضوا عليّ علم مالك فإني أنا بيطاره.
                  

12-09-2018, 08:01 AM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    مرحب أسامة
    هل حديث محمد المسيّح - من خلال اٍثبات حادثة الفيل - أن ينقلنا الي (سردية البتراء)!!!
    خاصة أن لاعلاقة حتي الآن لا من القرآن ولا من أبحاث (المسيّح) - تربط الحادثة بهدم الكعبة
    أو موقع مكة أو حتي ميلاد الرسول الكريم .
    ** أما اٍن كان القصد (اٍثبات أن القرآن قد حوي خرافات كانت متداولة وقت بعثة الرسول الأكرم)
    فحتما سيطول البحث - ولن يصل الي اٍثباتات تأكيد
    **
    ** ويبقي لدي سؤال هام جدا - خاصة أنك مطلع علي كتابات وأحاديث المسيّح وجيبسون وباتريشا وآخرين -
    (( كيف ومتي تم تحوّل أو تحويل - الكعبة ومكة - من البتراء الي وسط الحجاز - حيث موقعها الآن ....))
    لأن عدم وجود دليل علي ذلك (حتما) سينسف فرضية البتراء - من أساسها !!!
    لك التقدير
                  

12-09-2018, 05:16 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20422

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: عمار قسم الله)

    Quote: ويبقي لدي سؤال هام جدا - خاصة أنك مطلع علي كتابات وأحاديث المسيّح وجيبسون وباتريشا وآخرين -
    (( كيف ومتي تم تحوّل أو تحويل - الكعبة ومكة - من البتراء الي وسط الحجاز - حيث موقعها الآن ....))
    لأن عدم وجود دليل علي ذلك (حتما) سينسف فرضية البتراء - من أساسها !!!

    أهلاً أستاذ عمار

    دعني أقول أن محاولة كتابة تاريخ مختلف ليست نزهة عابرة، ولا تتمّ -لو كللت بالنجاح- إلا عبر "فراغات" كثيرة..

    بالنسبة لسؤالك ، الإجابة متوفرة في هذا البوست الطويل ، ودعنى أبذل لك المقال الضافي التالي لطه لمخير بعنوان "
    ثرثرة خارج التراث..كيف تحولت الكعبة من البتراء إلى مكة":


    في بداية هذه الورقة، أودّ أن أنوه إلى أنه لا يملك أحد أن يحجر على رأي أو يصادر فكرة لأنها تخالف قناعاته التي تربى عليها ونبت في تربتها وترعرع تحت ظلالها، وأن تطور البشرية يعود الفضل فيه إلى قسط وافر من التمرد على المعهود من تلك القناعات الراسخة والمسلمات المتمكنة، وأن أشد الحقائق إزعاجا للعقل هي أشدها نفعا للإنسان، وأكثر الأفكار جدة وابتكارا هي أكبر حافز لإعادة اكتشاف الذات، فهذه دعوة لحوار مفتوح مع العقل والمنطق، مع التاريخ والتراث، واختبار لتلك القناعات عندما توضع على محك المنطق والحجة، ولعله من نافلة القول أن أذكر بأن هذه الورقة لا تنكر وجود حرم مقدس للمسلمين، ولكنها تطرح سؤالا جديدا، سؤال المكان والجغرافيا.

    في سنة 683 بعد أن بلغ الصراع بين ابن الزبير والأمويين أشده على إثر رفض هذا الأخير الاعتراف بشرعية خلافة يزيد لوالده، اجتاحت جحافل جيش يزيد ابن معاوية مدينة الرسول حيث كان يتمترس ابن الزبير وأنصاره، وكما هو معروف في التاريخ التراثي؛ فإن المدينة وضعت على حد السيف لثلاثة أيام، وبعد تسعة أشهر من الواقعة، وضعت نساء المدينة المغتصبات؛ أزيد من ألف مولود سفاحا. رغم ذلك لم يكن ابن الزبير من بين القتلى، فالرجل بدل أن ينتظر في المدينة ويواجه قوات يزيد، ركب الصحراء إلى بقعة أشد سحرا وجاذبية للقداسة، إلى «بيت الله».

    المؤرخون المسلمون الذين أتوا بعد 100 عام من هذه الحادثة، تناولوا من باب البديهيات والمسلمات أن ذلك المكان المقدس الذي قصد إليه ابن الزبير بعد المذبحة اليزيدية؛ هو مدينة مكة، لكن بالعودة إلى الأرشيف التاريخي والمادي والأدبي لتلك الحقبة نجد أن أحدا من المعاصرين لها لم يشر إلى أن بيت الله يوجد في مكة، تلك المدينة المعروفة طوبوغرافيا اليوم في المملكة السعودية، بل إن مكة نفسها لم يرد لها ذكر في مؤلفات المؤرخين ولا في سجلات التجارة الإقليمية والعالمية ولا الخرائط الطوبوغرافية لذلك العهد، ولا حتى العهود السابقة لبعثة محمد(ص).

    فرغم أن التاريخ الإسلامي يبرزها كمدينة تجارية هامة في الشرق الأوسط، تلتقي فيه القوافل القادمة من الشرق والغرب، الشمال والجنوب، ويصوّرها المؤرخون الإسلاميون، كأنها دبي الشرق الأوسط في ذلك الزمن-لم يتحدث عنها أي من المؤلفين الرومان والمسيحيين والهنود والفرس وغيرهم، وقد عبرت المؤرخة الراسخة باتريشيا كرونا عن دهشتها عندما راجعت جميع الوثائق التاريخية والمادية لتلك الحقبة وما قبلها، أي منذ القرن الأول الميلادي إلى السابع، فلم تعثر على مستند واحد ورد فيه ذكر اسم مكة، هذا أمر مجمع عليه بين المؤرخين اليوم دون استثناء.

    ودونت كرونا ملاحظات هامة في كتابها«التجارة المكية وظهور الإسلام»« meccan trade and the rise of islam»، تشير فيه إلى أن السفن القادمة من الهند وهي محملة بالتوابل والبهارات وغيرها من السلع، كانت بعد إغلاق ممر بحر العرب والخليج العربي بسبب الحرب بين الساسانيين والبيزنطيين، تمر عبر خليج عدن فمضيق باب المندب في اليمن ثم البحر الأحمر، متجهة إلى البتراء المدينة النبطية العربية التي كانت ملتقى القوافل الحقيقي بين شمال إفريقيا وغرب آسيا والدولة البيزنطية لمئات السنين، وليس من المنطقي أن تقوم تلك السفن بتفريغ حمولتها في البر اليمني؛ لتسلك عبر الجمال والدواب طرقا برية قاحلة إلى مكة داخل الصحراء، حيث لا وجود لأي نشاط تجاري، ثم تكمل طريقها صاعدة إلى الشمال، وتترك طريق البحر الذي يعتبر مسارا آمنا وسريعا نحو خليج العقبة، وتقول المؤرخة إن مكة أرض جدباء والأرض الجدباء لم تكن قط محلا تجتمع فيه القوافل وتريح فيه ركابها، خصوصا إذا كان بالقرب منها مواقع خصبة وخضراء مشهورة مثل الطائف.

    وأشارت كرونا إلى أن المدة التي يقتضيها التنقل بمقدار طُنّ من البضائع برا لمسافة 50 ميلا، هي نفس المدة التي يقتضيها المقدار ذاته الذي يمكن التنقل به بحرا لمسافة 1200 ميل بحرا، الذي هو طول المسافة بين باب المندب وخليج العقبة عبر البحر الأحمر، الأمر الذي يجعل التكلفة باهضة من خلال البر مقارنة بالبحر، إضافة إلى تكاليف تأمين القافلة من قطاع الطرق وتوفير الزاد للجمال والركاب، وأماكن لإقامة الخدم، لذلك كان البحر أكثر أمانا وأقل كلفة من البر، فكل ما تحتاجه السفينة هو شراع خفاق و دفقة من الرياح وسواعد للتجديف.

    فلماذا سوف تتجشم القوافل مشقة الذهاب الى قرية نائمة في أحضان الصحراء، ليس فيها من وسائل الراحة ولا أساسيات الحياة إلا بئر لا تكفي كل تلك القوافل التي تتوارد عليها يوميا؟، كما أن الوثائق التجارية والسجلات التاريخية كانت تؤكد أن الأثيوبيين هم الذين كانوا يديرون حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، ويسيطرون على المضيق والممرات البحرية، وكانوا على دراية متقدمة بصناعة السفن وطرق وتقنيات الإبحار ونقل البضائع والمبادلات التجارية.


    كرونا التي تتقن 15 لغة من اللغات القديمة كالسوريانية والساسانية والعربية، اتجهت في رحلة بحثها عن المكان التاريخي الذي انطلقت منه الرسالة المحمدية ونزل فيه الوحي إلى بغداد، حيث نظرت في الوثائق التي بقيت من عهد الساسنيين الفرس عندما كانوا يذهبون إلى يثرِب للتنقيب عن الفضة حيث بنوا هناك عدة مناجم، لقد تحدثت الوثائق عن يثرِب وخيبر والطائف، لكن لم يرد ذكر مكة في أي منها رغم أنها في نفس الإقليم.
    لقد راجعت وثائق بروكوبياسprocopius أحد مؤرخي الإمبراطورية البيزنطية الرسميين في القرن السادس، وغيره من مؤرخي الدولة البيزنطية الذين سافروا واستكشفوا الجزيرة العربية، ولم يشر أحد منهم إلى مدينة اسمها مكة.

    كان علينا أن ننتظر حتى سنة 740م أي بعد 120 سنة من ظهور الإسلام حيث ظهر أول ذكر لمكة في مؤلف بالسوريانية لرجل دين مسيحي مجهول، باسم apocalypse of pseudo-methodius، المخطوط الذي اكتشف عام 1932، وهو وثيقة أصلية يؤرخ صاحبها لفترة الفتح العربي التي عايشها، وينظر فيها لفكرة نهاية العالم من وجهة نظر مسيحية، في أعقاب تفكك الدولة البيزنطية وسقوط أعظم حواضرها بأيدي العرب.

    فهل يتصور أحد أنه بعد 500عام من الآن، عندما يريد أحد الباحثين دراسة اقتصاد كبرى العواصم الاقتصادية في الشرق الأوسط؛ أن لا يجد في الأرشيف الذي يؤرخ لهذه الحقبة، أي ذكر لمدينة دبي باعتبارها قطبا تجاريا مزدهرا في الخليج العربي والشرق الأوسط؟.ورغم أن فقهاء الإسلام ومؤرخيه يعتبرون مكة البقعة الأقدم والأقدس في الأرض، وأن إبراهيم وإسماعيل، قبل 900 عام من الميلاد، أسسا أول بيت وضع للناس في مكة، فإننا لا نجد ذكرا لهذه المدينة في أي من المصادر التاريخية خارج التراث الإسلامي، على الإطلاق.

    فهل من الجائز أن يجتمع كل أولئك المؤرخون من مختلف الأمم واللغات والأديان، جيلا بعد جيل؛ على تجاهل ذكر مكان شهد بناء أول بيت وضع للناس في الأرض، وكانت له كل تلك العظمة والقداسة والرواج التجاري؟، هل هي مؤامرة تاريخية على الإسلام؟، وهل المؤامرات تجوز على الخرائط و الوثائق التاريخية والأدبية التي دونت قبل حتى أن يولد رسول الإسلام؟.

    في المقابل، ورد ذكر »الحرم المقدس» بوصف جغرافي عام على لسان جون بار بينكاي John bar Penkaye وهو مؤرخ نسطوري عاش في أواخر القرن السابع في فترة حكم عبد الملك بن مروان، في مؤلفه المعروف «كْتَبَا دريش مللّي» أو مختصر تاريخ العالم، في الجزء الذي تحدث فيه عن الفتح العربي، حيث وصف المكان الذي لجأ إليه ابن زبير في أثناء حروبه مع بني أمية الآتية:« لقد ذهب إلى مكان ما في الجنوب، حيث حرمهم المقدس، وعاش هناك«، فَلَو كانت مكة معروفة في ذلك الوقت، والنَّاس يحجون إليها بالآلاف، فلا يعقل أن يصفها المؤرخ الذي فصل القول في حوادث تلك الحقبة بهذا الشكل المبهم.

    لكن لدينا بعض القرائن والإشارات التاريخية والأركيولوجية ذات الدلالة التي يمكن من خلالها استشفاف المكان الأصلي ل«الحرم المقدس» عند العرب، قبل أن تستقر الرواية الإسلامية الشائعة لهذا المكان بعد وفاة الرسول بقرنين من الزمن. يعقوب الرهوي يعطينا بعض الملامح، المؤرخ والكاتب السرياني المشهور، المولود في عين دابا قرب حلب عام 640م، دون في بعض كتبه أن المهاجرين في العراق، عندما كانوا يسجدون في الصلاة، كانوا يتجهون نحو الغرب، بينما أولئك الذين يسكنون في الاسكندرية كانوا يتجهون نحو الشرق.

    بل إن بعض الروايات في التراث الإسلامي قد أشارت إلى أن رامي السهم الذي حدد اتجاه القبلة عند بناء مسجد الكوفة على يد سعد بن أبي وقاص، لم يقع سهمه باتجاه الجنوب من المسجد باتجاه مكة، ولكن إلى مكان ما في جهة الغرب.

    فرغم أن أحدا من المعاصرين لتلك الحقبة لم يكشف لنا صراحة وتعيينا عن المكان الذي لجأ إليه ابن الزبير، فإن ثقل القرائن التاريخية يعين مكانا إلى شمال الحجاز، منتصف الطريق بين الكوفة والإسكندرية.

    وهذه المنطقة بالذات هي التي كان محمد (ص) على اتصال ومعرفة بها حسب المؤشرات الضمنية في لغة القرآن، فقد أشارت المعطيات من نصوص القرآن، إلى المشركين الذين كانوا يجاورون محمدا (ص) في مكة ويجادلونه في دلائل النبوة والمفاهيم الدينية - أنهم على علم عميق ومتقدم بالتراث الإنجيلي والتوراتي، وطفحت نصوص القرآن بمواد جدلية في الثيولوجيا المسيحية التي كانت مثار جدل في المجتمعات المسيحية واليهودية، إذا عندما نريد أن نبحث عن "مكة" الحقيقية التي عاش فيها النبي محمد وعاشر فيها مجتمعا كتابيا غاصا بالموحدين monotheists ، لن نجدها في عالم وثني كما تصوره لنا كتب التراث؛ عالم من الأصنام وعبادة الأوثان، بل في منطقة عرفت حضورا حيويا للمسيحيين واليهود كما يصورها القرآن الكريم.

    ثم إن الشخصيات التي يصفها القرآن هي شخصيات زراعية تمتهن الفلاحة، كما أن المشهد البيئي نفسه في القرآن، يرسم تضاريس أرض زراعية وليست صحراوية على الإطلاق، فلا وجود للزراعة في مكة، فهي واد غير ذي زرع، ورغم ذلك يصف القرآن أعداء محمد أنهم يربون المواشي و يزرعون أشجار الزيتون ودوالي العنب…الجغرافيا القرآنية تصف لنا موقعا خصبا مثمرا، تتراقص فيه حقول الكروم والتين والزيتون، وتسرح على بساطه الأخضر المراعي والأبقار، وتجري خلاله الجداول والسواقي، وهذا المشهد الأخضر الغني بالماء والثمار والفواكه والأنعام؛ نجده في شمال الجزيرة العربية، في فلسطين وسوريا التاريخية وما جاورهما من المدائن والقرى، وليس في الحجاز ونجد، حيث النباتات الصحراوية من عوسج ونخل ومُرّار، وحيوانات صحراوية من ضب وبنات آوى و وعول برية.

    لنتناول هذا المقطع من حديث في صحيح البخاري كتاب التمني 6804 وهو بيت شعري كان ينشده الصحابي بلال بن رباح في مكة قال:
    ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
    وهل أرِدن يومـاً مياه مجنـة وهل يبدو لي شامة وطفيل

    يصف بلال مكة، واديا معشوشبا تملأه الخضرة ونباتات الأذخر وأزهار الجليل وتحيط به عيون الماء الجارية، والإذخر أو Cymbopogonهو نبات معمر غليظ الأصل، يصل ارتفاعه إلى مترين، كثير الفروع دقيق الورق، وبالإطلاع على قاعدة البيانات الأوروبية المتوسطية للنباتات التي توضح خريطة انتشار الأذخر، يتبين أنه ينتشر في بلاد الشام إلى شمال إفريقيا، ولا ينبت في الحجاز أو نجد، مثله مثل نبات أو أزهار الجليل Hylotelephium، فهي أزهار لا يمكن بحال أن توجد في مناخ صحراوي، أما شامة وطفيل فهما عينان ينبع منهما الماء.

    في حديث آخر للبخاري من كتاب الجهاد والسير 56:251 يصف الحديث رجلا (الصحابي خباب بن الأرت) أسيرا لدى قريش في مكة يتناول حبات العنب، في منطقة لا يبلغ فيها معدل التساقطات المطرية 10 مليمترات سنويا، فكيف تكون أرضا خصبة بالأشجار والحقول الخضراء وتقوى على احتمال كثافة سكانية تعج بالقبائل والبطون والعبيد والخدم، إضافة إلى كونها قطبا تجاريا تتوافد عليها الطوائف والأجناس المختلفة، و ألوف القوافل من الجهات الأربعة، مع ما يصف به القرآن أهل مكة من الجندية والقدرة على الحشد للقتال جيشا عظيما مجهزا بالعتاد والسلاح.

    أضف إلى هذا أن علماء الأركيولوجيا المسلمين في جامعة الحسين بن طلال في الأردن لم يجدوا في مكة أي آثار أو حفريات، في مدينة ضاربة في القدم يفترض أن تكون عاجة بالآثار، لكن أقدم أثر توصلوا إليه لا يتجاوز القرن الثامن الهجري، رغم أن الكعبة حسب التراث الإسلامي يعود بناءها إلى قرون طويلة قبل ظهور الاسلام، وهذا ما صرحوا به أولئك الأركيولوجيون للمؤرخ دان جيبسون كما ورد في كتابه الجغرافيا القرآنية، ممتنعين عن ذكر أسمائهم لأسباب لا تخفى، في حين يعلم كل من اهتم بتاريخ الجزيرة العربية أن المدينة النبطية العربية البتراء كانت قبلة للحجاج لقرون طويلة، ومعروفة في التاريخ بأن لها حرما يحرم القتل فيه، ورغم أن الجزيرة العربية عرفت العديد من الكعبات والبيوت المقدسة من نجران إلى شمال الجزيرة العربية، ظلت البتراء أهم تلك المراكز الدينية على امتداد القرون.

    في القرآن ما يرشدنا إلى تلك المنطقة التي تتمتع بالأوصاف التي جاءت في القرآن، عندما تحدث عن قصة لوط، ومدينة سدوم في الأردن، قال في سورة الصافات التي يصفها المفسرون بأنها سورة مكية : «وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ 133إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ 134 إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ 135 ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ 136 وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ 137 وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ 138».


    فإذا كان المشركون الذين وجه إليهم القرآن خطابه، يمرون على مدينة لوط التي بينها وبين مكة 1000 كيلومتر، مرتين، في الصباح وفِي المساء، فإنه من غير المعقول أن يكون محمد (ص) والمشركون يقيمون على بعد 1000 كيلومتر عن سدوم(المسافة بين مكة وسدوم في الأردن)، بل يفرض المنطق أنهم يعيشون في مكان قريب جدا يجعلهم يمرون على تلك الأطلال صباحا وهم ذاهبون لأعمالهم ومساء وهم عائدون، وإلا فألف كيلومتر ليست بنزهة يسيرة حتى يستطيع المرء أن يمر مرورا على قرية بالغداة والْعَشِي، تفصلها عن قريته مئات الكيلومترات.


    بعض الباحثين يرى أن المكان الذي تجتمع فيه صفات المجتمع الذي نشأ فيه محمد ويصف القرآن مظاهره الجغرافية والبيئية والمعرفية، هو البتراء في الأردن حيث توصلت الأبحاث الأركيولوجية إلى أن البتراء كانت تتوفر على نظام ري متطور، ومشاتل الكروم والعنب وأشجار الزيتون وبساتين خاصة وعامة، وأراض ذات تربة خصبة صالحة للزراعة دلت التحليلات التي أجريت على عينات منها أنها وقبل 100 عام فقط كانت فيها أشجار الصنوبر والفستق وغيرهما.

    يقوم حرم ذي الشرى أو dushara، في البتراء اليوم، كموقع أثري لا زال قائما بأحجاره المتهدمة قبلة للسياح، هذا الحرم ذكره ابن هشام في سيرته في قصة إسلام عمرو بن الطفيل الأزدي، يقول عمرو داعيا زوجته إلى الإسلام : "فاذهبي إلى حِنا ذي الشَّرى - قال ابن هشام ويقال حمى ذي الشرى - فتطهري منه، قال وكان ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له ، وبه وَشَل من ماء يهبط من جبل قال فقالت بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ؛ قال قلت لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت". فكيف يكون ذو الشرى في مكة وهو في البتراء، وكيف يهبط نبع من الماء من جبل في مكة؟ وهل هناك معبد لذي الشرى في السعودية؟

    وبالعودة إلى اتجاه القبلة الذي أشرنا إليه آنفا، فإن لفيفا من الأركيولوجيين قاموا باستقصاء مدهش لمجموعة من المساجد الأولى في الإسلام، وبالنظر إلى اتجاه القبلة الأول الذي تبنته تلك المساجد؛ كانت النتيجة مذهلة ومحيرة في آن واحد.

    لقد وردت في القرآن نصوص تأمر محمدا (ص) بتغيير اتجاه القبلة في الصلاة، لكن لم يحدد القرآن مكان تلك القبلة ولا السنة التي تعين فيها ذلك التغيير، وأطلقت التعبيرات منكرة مبهمة عامة: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"، "لنولينك قبلة ترضاها"، "فول وجهك شطر المسجد الحرام"…وحسب الرواية الإسلامية التقليدية حدث ذلك في عام 624م، هذا يعني بالضرورة أن أي مسجد بني بعد عام 624م، فإن قبلته سوف تكون باتجاه مكة، لكن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد، كشفت عنها الأبحاث الأركيولوجية على المواقع الأثرية للمساجد القديمة، التي وجدت على سبيل المثال أن القبلة الأولى لمسجد غوانجزهو الأعظم في الصين الذي بني عام 630، أي أربع سنوات بعد تحويل اتجاه القبلة، كانت اتجاه القبلة فيه نحو البتراء، مسجد الحميمة في جنوبي الأردن، اتجاه القبلة نحو البتراء، مسجد بعلبك الأعظم في لبنان قبلته تشير إلى البتراء، مسجد صنعاء الأعظم الذي بني عام 705م، اتجاه قبلته نحو البتراء، المسجد الأقصى الذي بني عام 709م، نحو البتراء، اتجاه القبلة في الجامع الأموي في دمشق الذي بني عام 709 أيضا يشير نحو البتراء، مسجد الأنجار في بيروت 714، ومسجد عمر في سوريا 720 كلاهما قبلته نحو البتراء.

    في عام 727 م، أخيرا في باكستان، مسجد بانبهور يتجه في القبلة إلى مكة، أي بعد 103 أعوام من نزول الآية التي تأمر المسلمين بتغيير اتجاه القبلة من القدس إلى مكة، ورغم ذلك فإن مسجد الشرقي في سوريا الذي بني عاما بعد ذلك، كانت اتجاه القبلة تشير إلى البتراء كما تشير إلى ذلك الأبحاث الأنتروبولوجية على الموقع الأثري للمسجد، مسجد قلعة الرباط في تونس الذي بني عام 770م، هو أيضا تتجه قبلته نحو البتراء، بل تمتد الفترة الزمنية إلى القرن التاسع عندما بني جامع القيروان عام 817، هذا الأخير اتجاه القبلة لم يكن يشير لا إلى البتراء ولا إلى مكة.

    والخلاصة، هي أن جميع المساجد التي بنيت بعد وفاة محمد (ص) وحتى بداية القرن الثامن، كانت تتجه بالقبلة إلى البتراء لا إلى مكة، وأن المساجد ظلت مدة مختلفة في اتجاهات القبلة على امتداد رقعة الإسلام ما بين 700م و822م ، ولم تتوحد حول القبلة المكية كليا وبشكل نهائي إلا بعد مضي 200 عام من تاريخ تغيير القبلة، فهل كانت البتراء هي القبلة التي كان يصلي إليها محمد (ص)؟ هل كانت الكعبة الأصلية في البتراء وليس في مكة؟.

    قديما، كان هذا العمل يتطلب جهودا مضنية للوصول إلى المواقع الأثرية، والتنقيب في آلاف الكتب والمخطوطات والخرائط القديمة للعثور على تلك المساجد والأبنية الأولى في الإسلام، اليوم يوفر موقع archnet.org إمكانية العثور على أي بناء من الأبنية الأثرية لمختلف الحضارات القديمة وأنواع العمارات، إسلامية رومانية قوطية… ويمكن من خلاله جمع تلك المواقع بطريقة كرونولوجية وتحديد الموقع الجغرافي بدقة، ثم ما على الباحث إلا نقل العنوان إلى جوجل ايرث ليعطيه صورة حية، دقيقة وواضحة من الفضاء، تمكنه من رصد اتجاهات القبلة في المساجد المختلفة، ويمكن الاطلاع على الصور الفضائية لتلك المساجد في موقع indipress.ca.

    هناك اعتقاد قوي تعضده القرائن والأدلة الأركيولوجية، ويدعمه التطور العلمي الكبير الذي تشهده مناهج البحث التاريخية مسلحة بالتكنولوجيا الحديثة، يشير إلى أن هناك خطأ تاريخيا وقع فيه المؤرخون المسلمون الذين جاءوا بعد أزيد من 150 عاما من وفاة الرسول عليه السلام، وهناك فترة غامضة في التاريخ الإسلامي تعتبر لغزا معقدا يحتاج إلى تفكيك مضني، يجعل ما تقود إليه الأبحاث الأنتروبولوجية و حجج الأركيولوجيا والوثائق التاريخية وسجلات التجارة القديمة؛ يتصادم مع مدونات التراث تصادما صارخا، وتتضارب فيها الأخبار في السيرة وكتب التاريخ و الحديث بين الوصف والموصوف.

    وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلم إذا ما توصل إلى المكان الأصلي الذي شهد مهبط الوحي وبعثة الرسول وكان ذلك على خلاف ما قررته الأدبيات الإسلامية، فإن ذلك لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية في حد ذاتها، ولا مع صدق النبوة، لأن الأمر لا يعدو أن يكون خطأ جغرافيا في تحديد الموقع، وتصحيحا للمكان الذي يتوجب على المسلمين الحج إليه، واستقباله في الصلاة، والحق أحق بالاتباع، ولغرابة المفارقة ودلالتها أيضا، نجد أن غياب اسم مكة في كتب التاريخ قبل الإسلام، يقابله غياب اسم البتراء في كتب التراث والتاريخ الإسلامي .

    فإذا كانت البتراء -وهو افتراض قوي ينبغي أخذه في الاعتبار- هي المكان الذي نزل فيه الوحي والبقعة التي كانت فيها الكعبة أول الأمر، والقبلة التي كان يتوجه إليها المسلمون الأوائل في الصلاة، فلماذا تحولت إلى مكة؟، ما هي الأحداث التاريخية والدوافع المنطقية التي جعلت المسلمين يتحولون عنها إلى مكان بعيد في الصحراء في المملكة العربية السعودية؟ مكان ليس له ذكر في التواريخ والخرائط والأدبيات القديمة؟ كيف حدث ذلك على مرأى من الناس؟ ما هي المدة التي تطلبها تحويل القبلة ليستقر الأمر في النفوس؟ لا بد أن حدثا جللا وقع أدى إلى ذلك التحول العظيم في التاريخ؟

    لقد دقق دان غيبسون -المؤرخ الكندي الذي قضى عمره في دراسة تاريخ الجزيرة العربية في كتابه الجغرافيا القرآنية- في الفترة التي تحول فيها اتجاه القبلة من البتراء إلى مكة، فوجد نفسه وجها لوجه مع فترة الحرب الأهلية الثانية التي أشرنا إلى طرف منها في بداية هذه المكاشفة، تلك الحرب بين عبد الله بن الزبير في البتراء -بعد أن ترك المدينة- والأمويين في دمشق، حرب من أجل السلطة حرب من أجل النفوذ حرب من أجل الإمامة العظمى.

    نحن الآن في العام 680م، مات معاوية، وخلفه يزيد في الحكم، كان يزيد فتى ماجنا خليعا، مغرقا في الملذات الحسية، كان يربي قردا ويقيم على معاقرة الخمر ومعاشرة النساء، و اختار مثل سلفه دمشق لتكون عاصمة الخلافة، أما ابن الزبير فقد كان رجلا عقائديا يريد أن يقيم حكمه على أساس ديني يستند إلى استخلاف إلاهي في الأرض، وكانت تمثل له المدينة المقدسة بقعة مهمة يمكن من خلالها أن يسمع صوته في أرجاء الشام ومصر والعراق والجزيرة العربية، يمكن أن نصف الصراع في ذلك الوقت بالصراع بين تيارين؛ أحدهما دنيوي يروم توريث الحكم وإقامة مملكة لا تلتزم بأحكام الدين كثيرا، أو بعبارة تراثية "ملكا عضودا"، وبين آخر ديني عقائدي متشبث بإقامة خلافة تخضع لأحكام السماء، أو بعبارة تراثية أيضا؛ "خلافة على منهاج النبوة".

    في عام 683م استغل ابن الزبير عدم رضا الناس عن ممارسات الأمويين في دمشق خصوصا بعد مذبحة الحسين بن علي وأهل بيته في كربلاء، ثم وفاة يزيد بعد أن قضى ثلاث سنوات في الحكم، وتولي ابنه معاوية بن يزيد الحكم وهو ابن 13 ربيعا، فأعلن ابن الزبير نفسه خليفة للمؤمنين، لتبدأ الحرب الأهلية الثانية.

    تحرك جيش الأمويون من دمشق لقمع تمرد ابن الزبير، ثم فر هذا الأخير من المدينة إلى البتراء تاركا خلفه القوات الأموية تنهب الأموال وتغتصب النساء بقيادة مسلم بن عقبة، ثم تعقبه هذا الأخير بعد 3 أيام إلى البتراء، حاصر الأمويون ابن الزبير في البتراء أربعة وستين يوما تمكنوا خلالها من قصف البيت الحرام بالمنجنيق، واحترقت ثياب الكعبة، ووانصدعت بعض أركانها، لكن المعبد الذي كان مصنوعا من أعواد الخشب ظل قائما.

    اضطر المحاصرون إلى فك حصارهم والعودة إلى دمشق بعد أن بلغهم نعي يزيد بن معاوية الذي توفي في أثناء الحصار. في تلك الأثناء ثارت البصرة على والي الأمويين عليها عبيد الله بن زياد قاتل الحسين بن علي، واضطر إلى الفرار إلى دمشق في جنح الظلام، وظهر في الناس من يدعو إلى مبايعة ابن الزبير، فتمددت سلطته لتشمل العراق وإيران، وتمكن من استعادة المدينة المنورة حيث ولى عليها أخاه عبيدة بن الزبير،في هذه الفترة انشغل بنو أمية في الشام بالصراعات الداخلية بين أفراد العائلة، أدت إلى اغتيال معاوية بن يزيد ذو 13 ربيعا بعد مبايعته 40 يوما، ثم اغتيال خليفته مروان بن الحكم على يد زوجته أم معاوية؛ زوجة يزيد السابقة.

    بعد أن تولى عبد الملك بن مروان عام 686م الحكم في دمشق، كانت رقعة الإسلام تتناهبها الفرق والأحزاب والثورات من أطرافها، سيطر الأمويون على بلاد الشام ومصر وشمال الجزيرة العربية وأطراف من العراق، وحكم ابن الزبير مدينة البتراء حيث بيت الله والمدينة المنورة والكوفة والبصرة إلى خراسان، لكن العراق لم يخلص لأي منهما، ظهرت فرقة التوابين التي طالبت بدم الحسين وتنادت لأول مرة بثاراته على يد سليمان بن صرد، وخاضت معركة طاحنة مع الأمويين في موقعة عين الوردة في العراق، وقاتلت الأزارقة والخوارج قوات ابن الزبير، إضافة إلى ظهور المختار الذي ادعى النبوة وكان له كرسي مقدس يخرج به في حروبه.

    أما الجيوش المرابطة في الثغور فلم تكن مشغولة إلا بالفتح وحده، تقف اليوم لتمضي غدا، و تعمل على إقرار النظام في ما أكلته من أراضي الإمبراطوريتين المتهدمتين البيزنطية والساسانية، ورغم الصراعات الداخلية في الدولة الإسلامية الفتية بين مختلف مكوناتها؛ فقد كانت الرغبة في اكتساح العالم وبناء امبراطورية شاسعة لا تغيب عنها الشمس، رغبة مشتركة بين كل تلك العناصر المتصارعة على الخلافة، فإن الأمويين كانوا يخوضون حروبهم ضد دولة جاستينيان الرومانية المتراجعة في لبنان وآسيا الصغرى وأذربيجان وأرمينيا، كما ظل ابن الزبير يوفد بعوثه وولاته إلى خراسان والأهواز، وكانت فلول الخوراج والأزارقة المنهزمة في معاركها ضد ابن الزبير وبني أمية تتجه إلى الثغور للمشاركة في الغزو وتثبيت السلطان الجديد على أنقاض السلطان القديم، كانت تلك الأحزاب والطوائف والأهواء تتوحد لحمتها وتجتمع كلمتها كلما ابتعدت عن جغرافية الصراع الإسلامي- الإسلامي، واتجهت نحو المواقع التي يكون فيها القتال واضحا بين العرب وغير العرب.

    في تلك المرحلة التي انشغل فيها بنو أمية باسترجاع ما ضاع منهم من الأراضي العراقية على إثر موت يزيد وسقوط بيعته فيها، بعد أن ثار أهالي الكوفة والبصرة على عمال وولاة الأمويين، وفرار والي البصرة عبيد الله بن زياد منها، وثورة الطوائف الشيعية والخارجية إضافة إلى تمدد الزبيريين في المدن العراقية-كان ابن الزبير في البتراء قد هدم الكعبة تماما وسواها بالأرض، ففي سنة 683م كما يذكر ذلك الطبري في تاريخه في أحداث سنة 64 للهجرة، "هدم ابن الزُّبَيْر البيت حَتَّى سواه بالأرض(…) وجعل الركن(الحجر) الأسود عنده فِي تابوت فِي سرقة من حرير، وجعل مَا كَانَ من حلي البيت وما وجد فِيهِ من ثياب أو طيب عِنْدَ الحجبة فِي خزانة البيت، حَتَّى أعادها لما أعاد بناءه".

    في هذه اللحظة بالذات، كان ابن الزبير قد اختار بقعة استراتيجية بعيدة عن طَوْل الأمويين في دمشق الذين يبعدون عن البتراء زهاء 435 ميلا، فقد كان يدرك ألا محالة سوف يعودون إليه، فكان لابد له من مكان أكثر حصانة من البتراء وأبعد مسافة أيضا، وبما أن دعوته كانت دعوة دينية عقائدية فقد كان يتوجب عليه ألا يفقد ميزة سيطرته على الحرم التي جعلت صوته يسمِّع بعيدا، ومكنته من منافسة بني أمية على الحكم، لكنه مع ذلك لا يستطيع أن يأخذ معه الكعبة إلى الوجهة التي اختارها، كما أنه لا يمكنه أن يتركها إلى بني أمية فيفقد أهم دعامة جعلت الناس يلتفون حوله وهذا ما جعله يهدمها.

    لكنه كان يملك شيئا مقدسا ساحرا وثمينا، يمكنه أن يضفي الشرعية والقداسة على أي بيت يبنيه إذا ما كانت جزءا من بنائه وركنا في أساسه، لقد كان يملك الحجر الأسود؛ قطعة من الجنة في الأرض، و الذي من دونه لا يكون البيت الحرام بيتا حراما بالفعل، لأن الحجر هو الشيء المادي الوحيد الذي تبقى من عبق القداسة بعد تسوية الكعبة بالأرض، ومحو كل أثر لها، وفي كتب الحديث والفقه والتاريخ ما يشير إلى عظمة هذا الحجر ومكانته، يقول عبد الله بن العباس: "ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، فإنها جوهرتان من جوهر الجنة، ولولا من مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله"، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص:" الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب"… و قد أشار صاحب الموسوعة البيزنطية سودا ليكسيكون Suda lexicon إلى مركزية هذا الحجر في العالم المتوسطي القديم، لكنه ذكر أن مكان ذلك الحجر في البتراء.

    لم يكن بناء كعبة أخرى أمرا عسيرا أو منكرا، لأن أخبار قصف الأمويين للكعبة بالمنجنيق حتى مالت عيدانها و تصدعت جدرانها الخشبية كان قد بلغ أهل العراق وغيره وانتشر بين الناس، وكانت الخوراج تعير به جنود بني أمية عند القتال، كما أن كون الكعبة هيكلا من الخشب والعيدان بلا أساس ولا حجر، يسر على ابن الزبير طمسه وتسويته بالأرض، لكنه عندما بنى الكعبة في مكة قرر بناءها هذه المرة بالحجر وحفر أساساتها حتى تصمد أمام أي محاولة لحرقها أو هدمها، قال الطبري راويا عن ابن الزبير في أحداث عام 65ه/684م:" إِنَّ أُمِّي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ حدثتني ان رسول الله ص قَالَ لِعَائِشَةَ: [لَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ رَدَدْتُ الْكَعْبَةَ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَزِيدُ فِي الْكَعْبَةِ مِنَ الْحَجَرِ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَحُفِرَ،]"، وقال في موضع آخر: "وحفر أساسه وأدخل الحجر فِيهِ".

    في عام 689م كان ابن الزبير قد بدأ في إفراغ البتراء من الأهالي وتهجيرهم مع الجيش نحو المدينة المقدسة الجديدة، هذه الهجرة الجماعية من البتراء إلى مكة اختفت من كتب التاريخ وطالتها يد الرقيب في زمن العباسيين الذين كان يهمهم أن يختفي كل أثر أدبي وتاريخي يدل على البتراء لأسباب سوف نأتي إليها، ومن الغريب والملفت في آن؛ أن الطبري الذي كان يعقد أكثر من فصلين من عشرات الصفحات لكل سنة من السنوات في تاريخه، جاء إلى سنة 70ه/689م، ولم يذكر عنها من أحداث سوى خبرين من سطرين أحدهما عن مصالحة عبد الملك لملك الرومان، والآخر عن قدوم مصعب بن الزبير إلى أخيه.

    لكن هذا الخبر القصير أو جذاذة خبر بالأحرى، تحمل في طياتها دلالات على تلك الهجرة الجماعية من البتراء إلى مكة، يقول الطبري: "وفيها شخص- فيما ذكر مُحَمَّد بن عمر-مصعب بن الزبير إلى "مكة"(البتراء) فقدمها بأموال عظيمة، فقسمها في قومه وغيرهم، وقدم بدواب كثيرة وظهر وأثقال." لم يأت مصعب بالجنود ولا بالسلاح رغم أنه الأمر المنطقي في حالة بلدة تترقب الحصار في أي لحظة من جيش عبد الملك، لكنه في المقابل أتى بدواب كثيرة وظهر (أي ما تحمل عليه الأمتعة) وأثقال (وهي المؤن التي يتزود بها للسفر الطويل)، إنها الدواب والرِّكَاب والمطايا التي استخدمت في تلك الهجرة الجماعية إلى مكة، والتي من دونها تتقطع بالأهالي والجموع سبل بلوغ مقصدهم، لأن المسافة بين البتراء ومكة لا تقل عن 1000 ميل.

    خلال تلك السنوات من 683م إلى 692م، كان هناك حجان أحدهما إلى البتراء والآخر إلى مكة، كان ابن الزبير هو من يحج بالناس في البتراء، لكنه بعد انتقاله إلى مكة أصبح ولاة بني أمية يحجون بالناس في البتراء، وإن كان حجهم منقوصا لأن ابن الزبير كان قد هدم الكعبة وحمل معه الحجر الأسود، ولذلك نجد الطبري يورد أخبارا متعددة عن حجين في سنة واحدة حج الأمويين إلى البتراء وحج أنصار ابن الزبير إلى مكة خصوصا أهل العراق، ويذكر أن بعض ولاة بني أمية كان يحجون بالناس لكنهم لا يطوفون بالبيت، كما أن فقدان الحجر الأسود يجعل إعادة بناء كعبة في البتراء أمرا شبه مستحيل، لأن الحجر الأسود كان مع ابن الزبير وقد أدخله في بناء كعبته الجديدة في مكة كما سبق الإشارة إلى ذلك.

    ففي الوقت الذي يذكر فيه الطبري أخبار حصار مكة الأخير(دام زهاء 8 أشهر) الذي سوف يشهد نهاية عبد الله بن الزبير على يد الحجاج عام 692م، فإنه يورد خبرا ظاهره التناقض إذا قرأنا التاريخ حسب الرواية التقليدية، لكنه يتكامل مع الرأي الذي يؤكد تغيير الحرم من البتراء إلى الكعبة، ففي نفس العام (691م) الذي يحج بالناس ابن الزبير وهو محاصر في مكة، يحج بالناس الحجاج بن يوسف في البتراء "وحج الحجاج بالناس في هذه السنة، وابن الزبير محصور (في مكة)" (الطبري أحداث عام 72ه)، لكن الطبري يخبرنا بأن الحجاج لم يطف بالكعبة رغم حجه بالناس، وما ذلك إلا لأنها لم يعد لها وجود بعد أن سواها ابن الزبير بالأرض ، في حين يمتنع أحد سفراء عبد الملك هو طارق بن عمرو إلى ابن الزبير وأهل مكة عن الحج وأداء المناسك، بل و يخالف القواعد العامة التي يتحلى بها من دخل المسجد الحرام مثل التخلي عن السلاح، كما أنه لم يطف بالبيت ولم يصل إليه.

    في حين يورد الطبري خبرا عن بجير بن عبدالله المسلي يخاطب فيه ابن الزبير ويستشفعه في العفو عنه وعن أصحابه في الكوفة؛ بكونه يتبع نفس القبلة التي يستقبلها ابن الزبير: "يا بن الزبير، نحن أهل قبلتكم،(…)، فإن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا فإما أن نكون أصبنا وأخطئوا، وإما أن نكون أخطأنا وأصابوا" الطبري أحداث عام67ه.، فَلَو كانت قبلة ابن الزبير هي قبلة المسلمين جميعهم، لما كان لهذه العبارة(أهل قبلتكم) من معنى.

    لقد ظل هذا الإشكال مطروحا طيلة فترة حكم بني أمية التي بلغت ثمانين عاما، ورغم مقتل ابن الزبير واجتياح عبد الملك للعراق وقتله مصعبا شقيق عبد الله بن الزبير وواليه عليها، وسقوط الكوفة والبصرة وخراسان وفارس بيد الأمويين، فإن ذلك لم يثن الزبيريين و شيعة أهل البيت من أنصار محمد بن الحنفية وَعَبد الله بن عباس من التوجه في صلاتهم تلقاء البلدة التي اختارها ابن الزبير، والتي باتت تضم الهيكل الذي أدخل فيه الحجر الأسود، بدلا عن القبلة التي يستقبلها أعدائهم و قاتلوا حفيد الرسول من بني أمية.

    لقد كان الصراع بين الفرق الكبرى يكتسي أبعادا مختلفة سياسية ودينية وعرقية، و ما انفكت الساحة تشهد اقتتالا محموما ومتشابكا بين أربعة تيارات تتنازعها أهواء السياسة وأهواء الطائفية وأهواء القبلية أيضا، بنو أمية، والزبيريون، والخوارج، والشيعة، إضافة إلى أهالي البلاد المغلوبة مثل الفرس والترك والديلم الذين كانوا سادة في بلادهم قبل أن يجردهم الأمويون من حريتهم وأموالهم ويصيرونهم عبيدا وموالي، وتفرض عليهم الجزية والإتاوة، فكانوا عادة ما ينضمون إلى الثورات الشيعية والخارجية التي تعادي السلطة المركزية في دمشق، وكانوا أول من ناصر دعوة المختار بن أبي عبيد وإبراهيم الأشتر ثم دعوة آل العباس التي قضت على حكم بني أمية.

    لقد استثب الحكم نوعا ما في الفترة التي حكم فيها عبد الملك بن مروان بعد أن انتصر على الزبيريين وهزم ثورات الخوارج وبايعه أهل الكوفة والبصرة، وكان أقوى حكام الدولة الأموية على الإطلاق، لكنه مع ذلك فشل في توحيد القبلة وظلت المساجد تبنى بعضها يستقبل مكة وبعضها يستقبل البتراء كما سبق وذكرنا، وظل الحجاج يختلفون إلى البقعتين كل حسب اجتهاده، وكان السؤال ملحا: هل البقعة الأولى أولى أم الثانية التي فيها الحجر الأسود؟، بل إن بعضهم اختار الحج إلى المدينتين معا في سنة واحدة حتى يدرأ الشك، كما حدث مع أبان بن عثمان عام 698م، يقول الطبري في أحداث سنة 76ه:" حج أبان بن عثمان وهو على المدينة بالناس حجتين سنة ست وسبعين"، بل إن هناك أعواما لم يسجل فيها أي ذكر للحج على الإطلاق في التراث الإسلامي، وهي السنوات بين 83ه و87ه.

    و إن كان الخلاف حول القبلة تشوبه آثار الصراع السياسي، فإن الشرعية الدينية كانت الهاجس الأول للمختلفين والمجتهدين في ذلك،لأن بلاطا ومسجدا للأمويين بني عام 701ه في عمان الأردن، كانت قبلته نحو مكة، وهذا البناء هو من أوائل الأبنية التي حصرها الأركيولوجيون التي تتجه إلى القبلة الجديدة(مكة)، وهذا إن دلنا على شيء فهو يدل على الحيرة و التذبذب الذي طبع تلك المرحلة حتى بين الأمويون أنفسهم، الذين لم يتخذوا أي إجراءات عقابية أو زجرية للمختلفين على القبلة، وتركوا الأمر عشواء خاضعا لتقديرات الناس.

    وكما أشرنا من قبل فإن مرحلة التذبذب والحيرة هاته لم تنته تماما إلا في القرن التاسع، حيث تمكن العباسيون الذين أطاحوا بحكم بني أمية من حسم الأمر تماما وتوحيد القبلة نحو الكعبة، ومحو أي أثر أدبي للبتراء في كتب التراث ونحله في المقابل إلى مكة، وقد ساعدهم على ذلك الزلزال التاريخي عام 712 الذي ضرب البتراء ودمر جل ملامحها، والزلزال الآخر الذي هز الأردن وسوريا عام 745م وجعل التركيز يتجه نحو مكة وفقدان أي أمل لدى الأمويين لإعادة الحجر الأسود إلى البتراء.

    مع الأخذ في الاعتبار الدلالات الدينية والاجتماعية للظواهر الطبيعية العنيفة مثل الزلازل في مخيال العامة، الذي عادة ما يرتبط بسخط الله على المكان الذي يحدث فيه زلزال ما، إضافة إلى ما كان قد أذاعه ابن الزبير في الناس وهو يحفر أساسات الكعبة الجديدة في (مكة) أنه وجد في أرضيتها حَجَر إبراهيم الذي بنى به أساس البيت الحرام أول مرة، وقد نقل روايته الطبري في أحداث سنة 65ه: يَقُولُ: إِنَّ أُمِّي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ حدثتني ان رسول الله ص قَالَ لِعَائِشَةَ: [لَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ رَدَدْتُ الْكَعْبَةَ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَزِيدُ فِي الْكَعْبَةِ مِنَ الْحَجَرِ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَحُفِرَ،] فَوَجَدُوا قِلاعًا أَمْثَالَ الإِبِلِ، فَحَرَّكُوا مِنْهَا صَخْرَةً، فَبَرَقَتْ بَارِقَةٌ فَقَالَ: أَقِرُّوهَا عَلَى أَسَاسِهَا، فَبَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ: يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنَ الآخَرِ."

    ورغم ذلك فإن العصر العباسي شهد ميلاد حركة تصحيحية تعاملت بطريقتها مع هذا الخطأ التاريخي، ولكن بدل أن يكون التصحيح بسن القلم كان بذؤابة السيف، فقد نشأت في القرن العاشر فرقة القرامطة الذين اتخذوا من مدينة هجر في البحرين عاصمة لهم، و كانت الفرقة تنكر على المسلمين توجههم بالقبلة شطر مكة والحج إليها، وكان القرامطة يصلون نحو شمال الجزيرة جهة البتراء، وما انفكوا يعترضون سبيل الحجاج وينهبون قوافلهم ويقتلونهم ويسبون النساء لمنع المسلمين من الحج إلى مكة، ولقد عانى خلفاء بني العباس من ثوراتهم التي كانت تصل إلى شن حملات على حواضر الدولة مثل الكوفة والبصرة وبغداد ودمشق، بل إنهم تمكنوا في عام 929م من دخول مكة واستباحة الحرم واقتلاع الحجر الأسود وحمله إلى منطقة الأحساء التي كانوا يسيطرون عليها، ولم يتمكن العباسيون من استرداده إلا بعد مفاوضات دامت21 عاما.

    يقول ابن الأثير في تاريخه: "حجّ بالناس في هذه السنة منصور الديلميُّ، وسار بهم من بغداد إلى مكّة، فسلموا في الطريق، فوافاهم أبو طاهر القرمطيُّ بمكّة يوم التروية، فنهب هو وأصحابه أموال الحجّاج، وقتلوهم حتّى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه، وقلع الحجر الأسود ونفّذه إلى هَجَر، فخرج إليه ابن محلب، أمير مكّة، في جماعة من الأشراف، فسألوه في أموالهم، فلم يشفّعهم، فقاتلوه، فقتلهم أجمعين، وقلع باب البيت، وأصعد رجلاً ليقلع الميزاب فسقط فمات، وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام حيث قُتلوا بغير كفن، ولا غسل، ولا صُلّي على أحد منهم، وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه، ونهب دور أهل مكّة".

    ولقد دفع العباسيون عام950 مبلغا كبيرا من المال لاسترداد الحجر الأسود، وظل الحج متوقفا طيلة 3 سنوات التي تلت سلب الحجر، وكانت أزمة حقيقية في الإسلام، قال القلقشندي في صبح الأعشى:" وتعطل الحج من العراق إلى أن ولي الخلافة القاهر في سنة عشرين وثلثمائة فحج بالناس أميره في تلك السنة"، وعندما استلموا الحجر كان مهشما ومفتتا.

    لقد أشار المؤرخون إلى وقائع عديدة شهدت حرق آلاف الكتب والمخطوطات وساهمت في محو جزء كبير من ذاكرة الإسلام، بل إن إتلاف الكتب وإعدامها كان قد عرف بداية مبكرة مع حرق عمرو بن العاص لمكتبة الإسكندرية واستعمال الكتب في تدفئة حمامات المدينة لمدة ستة أشهر، و حرق سعد بن أبي وقاص التراث الأديي للفرس وإلقاء كتبهم في الماء والنار، وهو سلوك كان شائعا بين الأمم المتغلبة تجاه الأمم المغلوبة، وقد تحدث عن ذلك غير واحد من المؤرخين المسلمين مثل القفطي وابن خلدون في المقدمة والمقريزي في الخطط، إضافة إلى مصادرة خلفاء بني العباس أي انتاج أدبي يذكر الأجيال التي جاءت بعد أكثر من قرنين من تلك الحوادث بتلك الفترة، أو يتبنى خطابا مخالفا للرواية العباسية الرسمية.

    وقد لاحقت السلطات العباسية كثيرا من الكتاب والمؤلفين الذين خرجوا عن طريقة كتاب بني العباس في التأليف وأعدمت كتبهم، بل وألبت عليهم كتاب ومثقفي وفقهاء العصر العباسي على امتداد القرون للنيل من سمعتهم ورميهم بالكفر والزندقة والتجديف، مثل ما حصل مع العالم المتكلم أبي الحسن ابن الراوندي في القرن التاسع الذي صلبه أحد حكام بني العباس ومُحي كل أثر لكتبه ومؤلفاته التي فاقت 100 مؤلف؛ لأنه تجرأ على أمور ما كان ينبغي له أن يتكلم بها، وهذا ما يفسر غياب الإنتاج الأدبي والتاريخي لفجر الإسلام وبداياته، رغم توفر وسائل الكتابة وتطور صناعة الورق وتوافر المؤلفين، ولم يحكيها لنا إلا جيل من الكتاب جاءوا بعد وفاة الرسول بزهاء قرنين.

    فقد تأخر ظهور كتب السيرة النبوية والمدونات الحديثية والتاريخ الإسلامي حتى بداية القرن التاسع مع لفيف من كتاب ومفكري الدولة العباسية، فظهرت سيرة ابن هشام- التي اقتطعها ابن هشام من كتاب (سيرة رسول الله) لأستاذه ابن إسحاق، وحذف منها كل ما طلبت السلطات العباسية حذفه، كما اعترف بذلك هو نفسه في مقدمة السيرة، وبعدها ظهرت كتب الحديث والسنن والمسانيد، كالبخاري الذي جمع أكثر من 300 ألف حديث ولم يدون منها في صحيحه إلا2,602 دون المكرر، ثم كتب التفسير والتاريخ لمؤلفين مثل الطبري والواقدي و وياقوت… الذين كيفوا الروايات والأحداث بل و الجغرافيا أيضا مع ما يوافق إديولوجية العباسيين،وكان ذلك كله بعد مضي زهاء 200 عام من وفاة الرسول.

    بل إن تلك الكتب التراثية نفسها تعرضت للتحرير والتعقب وحذف فصول بأكملها من الذين نسخوا أصولها بعدهم، ولازالت إلى اليوم مخطوطات ومؤلفات لا يمكن النفاذ إليها بسبب الحظر الذي تفرضه بعض الحكومات في الدول الإسلامية، لقد محيت أجزاء مهمة من ذاكرة الإسلام الأولى، ووقع المسلمون ضحية مؤامرة العباسيين الذين أتاح لهم ذلك الفراغ الأدبي والتاريخي من ناحية انعدام المؤلفات المعارضة لروايتهم، وتلك الفجوة الهائلة التي اتسعت لقرنين؛ أن يملؤوها بما وافقهم من روايات و مفاهيم وأفكار مهما كانت بعيدة عن الإسلام.

    وما قصة البتراء إلا صورة من صور التحريف الذي طال التاريخ الإسلامي في جوانب كثيرة، و غدت تلك التحريفات -مع الزمن الذي نحتها في النفوس نحتا، والمحاريب التي صقلتها على امتداد القرون صقلا- مسلمات وبديهيات لا تقبل الجدال والرد، وأصبح الاقتراب منها أو محاولة النظر فيها وتقليبها؛ يعتبر عند كثير من المسلمين زيغا في العقيدة أو لوثة في العقل أو محاولة مغرضة للنيل من الإسلام، ومهما حاول المرء أن يبرأ نفسه من أي من تلك التهم؛ فإنه يجد نفسه في نهاية المطاف غرضا لسهام التخوين والتسفيه، وفِي أحيان كثيرة يلقى به خارج بيضة الدين مهدور الدم أو مسلوب الحرية، وفِي هذا يقول المعري :" وحق لمثلي أن لا يُسأل، فإن سئل تعين عليه ألا يجيب، فإن أجاب ففرض على السامع ألا يسمع منه، فإن خالف باستماعه ففريضة ألا يكتب ما يقول، فإن كتبه فواجب ألا ينظر فيه، فإن نظر فقد خبط خبط عشواء."
                  

12-12-2018, 03:08 PM

عمار قسم الله
<aعمار قسم الله
تاريخ التسجيل: 12-21-2015
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: البتراء من جديد؟ السرديَّتان الإسلامية و� (Re: osama elkhawad)

    تحياتي أسامة
    لطالما كانت لي قناعة أن (اٍشكالية جيبسون) ستكون في كيفية (اٍخراج) الحدث (الجلل) الذي حوّل الكعبة من البتراء الي مكة !!!!!
    وجاء المبحث التاريخي أعلاه مدللا :عن دور (بن الزبير المسلم الورع )
    Quote: لكنه كان يملك شيئا مقدسا ساحرا وثمينا، يمكنه أن يضفي الشرعية والقداسة على أي بيت يبنيه
    إذا ما كانت جزءا من بنائه وركنا في أساسه، لقد كان يملك الحجر الأسود؛ قطعة من الجنة في الأرض،
    و الذي من دونه لا يكون البيت الحرام بيتا حراما بالفعل، لأن الحجر هو الشيء المادي الوحيد الذي تبقى
    من عبق القداسة بعد تسوية الكعبة بالأرض

    **جعل من الحجر الأسود شيئا مقدسا وجوده يؤكد قداسة المكان !!!! وفي الأثر أن اٍبن الخطاب قبل الحجر الأسود
    وهو يقول ((والله اٍني أعلم أنت حجر لاتضر ولاتنفع ولولا أنني رأيت رسول الله يقبلك مافعلت ...
    وطبعا هذا لايفوت علي (اٍبن الزبير المتدين الورع)ولا علي الصحابة ولا التابعين - ويبدوا الاٍستناد علي هذا التحليل مهلهلا -
    ولا يتماشى وعقيدة وفقه المسلم (العادي في هذا الزمان) ناهيلك عنبن الزبير
    القاريْ لقوله تعالي (( وأينما تكونوا فولوا وجوهكم شطره)) - هذا الاٍدعاء حتما صادر عن اٍنسان لا يعلم
    عن عقيدة المسلم ومدي تمسكهبالقرآن والقبلة تحديدا ...ويقول :
    Quote: لم يكن بناء كعبة أخرى أمرا عسيرا أو منكرا، لأن أخبار قصف الأمويين للكعبة بالمنجنيق حتى مالت
    عيدانها و تصدعت جدرانها الخشبية كان قد بلغ أهل العراق وغيره وانتشر بين الناس، وكانت الخوراج تعير به جنود
    بني أمية عند القتال، كما أن كون الكعبة هيكلا من الخشب والعيدان بلا أساس ولا حجر،

    **((كعبة أخري)) -- لا أحب التعليق ولكن أي قارئي لهذه العبارة يعلم - مدي بعد الكاتب عن معني (الفبلة لدي المسلم)
    **أما قوله
    Quote: في عام 689م كان ابن الزبير قد بدأ في إفراغ البتراء من الأهالي وتهجيرهم مع الجيش نحو المدينة المقدسة الجديدة،
    هذه الهجرة الجماعية من البتراء إلى مكة اختفت من كتب التاريخ وطالتها يد الرقيب في زمن العباسيين الذين
    كان يهمهم أن يختفي كل أثر أدبي وتاريخي يدل على البتراء لأسباب سوف نأتي إليها،

    **فليس له سند تاريخي - بل يبدوا أن (مؤلف الحدوتة) شعر بالحياء فلجأ للتبرير التالي :
    Quote: وما قصة البتراء إلا صورة من صور التحريف الذي طال التاريخ الإسلامي في جوانب كثيرة، و غدت تلك
    التحريفات -مع الزمن الذي نحتها في النفوس نحتا، والمحاريب التي صقلتها على امتداد القرون صقلا- مسلمات
    وبديهيات لا تقبل الجدال والرد، وأصبح الاقتراب منها أو محاولة النظر فيها وتقليبها؛ يعتبر عند كثير من المسلمين زيغا في العقيدة
    أو لوثة في العقل أو محاولة مغرضة للنيل من الإسلام، ومهما حاول المرء أن يبرأ نفسه من أي من تلك التهم؛
    فإنه يجد نفسه في نهاية المطاف غرضا لسهام التخوين والتسفيه،

    وحتما هذا لايقنع أي قاريء لهذة الحكاية المستوحاة من خيال الكاتب أو الكتاب - ليس اٍلا وبالمقابل أورد المقطع التالي -
    للتدليل علي مدي اٍستهداف التاريخ الاٍسلامي - نسبة للثغرات التي خلفت نتيجة للحروب والدمار والحرائق
    التي حلقت بالمخطوطات والمراجع الاٍسلامية
    Quote:
    " أنه في الترجمة العربية للتوراة السامرية – التي نشرت عام (1851م) – ورد فيها أن ( فاران ) تقع في ( الحجاز )،
    على الوجه الآتي: " سكن في برية فاران ( حجاز )، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر. وهذه الترجمة استمرت
    متداولة لوقت طويل ، ولكن عندما نبه المسلمون العالم المسيحي إلى هذه النبوءة ، وأنها بمثابة شهادة على
    حقيقية هذا النبي الكريم ، تم تعديل الترجمة " انتهى.رابعا :وورد في " العهد الجديد " في
    " المزمور " (84) (5-10) اسم " وادي بكة "، ونحن نورد النص هنا باللغة الانجليزية ، من نسخة الملك جيمس ،
    حيث جاء فيه :" Blessed is the man whose strength is in thee; in whose heart are the ways
    of themWho passing through
    the valley of Baca make it a well…For a day in thy courts is better than a thousand"
    وترجمة هذا النص هي :" طوبى لأناس عِزُّهم بك ، طرق بيتك في قلوبهم ، عابرين في وادي (Baca)،
    يصيرونه ينبوعا... لأن يوما واحدا في ديارك خير من ألف " .وليس ثمة في الأرض واد اسمه ( بكة ) يشتمل
    على بيت عبادة وينبوع ماء ( زمزم )، الصلاة فيه أفضل من ألف فيما سواه ، سوى مكة المكرمة .

    ** ورغم رفض الكثير من المؤرخين لهذا الطرح - تشير التوراة الي أن اٍسماعيل سكن هو وأمه (جنوب سيناء)
    وحتما هذا الاٍتجاه لايشير الي (البتراء)
    **وأخيرلايزال جبل أبوقبيس الوارد في اليرة موجود بمكة (الحالية) غار حراء وغار ثور - ومني وعرفات والمزدلفة -
    تقف شاهدة علي موقع (مكة والكعبة) بئر زمزم - ومقام اٍبراهيم وحجر اٍسماعيل (الصفا والمروة)
    جبل حراء - ودار الأرقم - ومقبرة المهلاة -قبر أم المؤمنين خديجة وقبر عبدالله بن الزبير وأمه أسماء -
    وقبر آمنة أم الرسول الكريم (الأبواء - شمال مكة وجدة في الطريق الي المدينة
    والكثير .........
    وهو كم من الشواهد يحتاج لاٍخراج غير رواية (بن الزبير)

    (عدل بواسطة عمار قسم الله on 12-13-2018, 07:24 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 5 „‰ 5:   <<  1 2 3 4 5  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de