قراءات فى إنتفاضة 6 أبريل.....دعوه للتوثيق والتحليل!!

Quote: السودان- حروب الموارد والهوية د. محمد سليمان اتفاقية كوكادام بعد إسقاط نظام الجنرال نميرى في انتفاضة أبريل 1985م ، أتيحت مرة أخرى الفرصة للبحث عن فرص السلام في السودان وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية. وقد كانت أهم مبادرة على المستوى الشعبي في تلك الفترة هي لقاء مندوبي "التجمع الوطني لإنقاذ الوطن" ممثلة للقوى السياسية الراديكالية التي قادت الانتفاضة الشعبية ، بممثلين لحركة تحرير شعوب السودان في 24مارس 1986م بمدينة كوكادام بإثيوبيا. وتوصل الطرفان لمشروع اتفاقية تمهد لخلق مناخ ملائم تتضمن إقامة مؤتمر قومي دستوري بعد 3أشهر. وقد كان إطارها العام هو التزام القوى السياسية والحكومة بمناقشة مشاكل السودان الرئيسية وليس "مشكلة الجنوب" وحدها ؛ على أن تترافق معها إجراءات رفع حالة الطوارئ وإلغاء قوانين "الشريعة الإسلامية" الصادرة في سبتمبر 1983م ، والقوانين المقيدة للحريات والعودة إلى دستور العام 1956المعدل 1964م كإطار دستوري مع إلغاء المعاهدات مع ليبيا ومصر والماسة بسيادة السودان. ولقد أيد كل من حزبي الأمة القومي والشيوعي وقتها اتفاقية كوكادام بينما رفضها الحزب الاتحادي الديمقراطي والجبهة القومية الإسلامية. ولعل ما يميز إعلان كوكادام ،والذي كان ميثاق انتفاضة ابريل 1985ضد حكم الجنرال نميرى مرجعيته الأساسية انه كان نقطة فاصلة في طريق البحث عن السلام والوفاق الوطني باحتوائه لأول مرة على خطوات محددة للوصول إلى طاولة المفاوضات. ولكن كان ،أيضا ، متميزا بإضافته ولأول مرة في تاريخ حقب الحرب الأهلية السودانية لمسالة الموارد الطبيعية إلى أجندة المؤتمر القومي الدستوري. وبذلك أدى إلى أن تبرز هذه المسالة الحيوية لأول مرة كنقطة مرجعية على ساحة العمل من اجل السلام في السودان. لكن تسارعت الأحداث وتخلى حزب الأمة ورئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي سريعا عن اتفاقية كوكادام بعد أن تمكن من النجاح في ابريل 1986من إنشاء تحالف على النمط المهدوى القديم بين الجلابة وقبائل البقارة بغرب السودان ، وحصل على كميات كبيرة من الأسلحة من ليبيا والعراق . وشرع الصادق المهدي في مواصلة الحرب بضراوة مستعينا ، هذه المرة، بمليشيات المراحيل الذين "يفوق ولاؤهم له احتكامهم لسلطة القانون وللدولة. وبنهاية العام 1988 كان الحزب الاتحادي الديمقراطي قد بلغ درجة عالية من الانزعاج من نوايا الصادق المهدي واختلال ميزان القوى السياسي لصالحه فتفاوض مع "حركة تحرير شعوب السودان" حول "اتفاقية السلام السودانية" في 16 نوفمبر 1988 . واتفق الطرفان من حيث المبدأ على تجميد قوانين الشريعة الإسلامية وعقد مؤتمر قومي دستوري،وتنفيذ وقف لإطلاق النار وإلغاء حالة الطوارئ التي فرضها الصادق المهدي العام 1987. ولقد تجلى التـأييد الكبير لهذه الاتفاقية في الاستقبال الشعبي الحافل الذي لقيه زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني في مطار الخرطوم عند عودته من أديس اببا. وفى مواجهة التأييد الشعبي الكبير لاتفاقية نوفمبر والإدانة الضمنية إلى موقف الصادق المهدي في مواصلته خيار التصعيد العسكري ومواصلة الحرب, عمد الصادق المهدي بالاحتماء على الجبهة الإسلامية لكسب تأييدها مشكلا حكومة تحالف جديدة ابعد عنها الحزب الاتحادي الديمقراطي. وقد كانت الملاحظة الجديرة بالاهتمام بان طوال فترة التعددية الثالثة (1985-1989) لم تكن هنالك مفاوضات مع "الحكومة" بشكل رسمي، بل كانت المفاوضات تتم بين "الحركة" مع كل حزب سياسي على حدي. هذا إلى جانب أن قيادة الجيش كانت قد اقتنعت بعدم جدوى الحرب، وفى فبراير 1989 وجه الجيش، مدفوعا بضعف الإرادة السياسية للحكومة، إنذارا إلى الصادق المهدي فحواه انه إذا لم يتحقق تقدم نحو السلام، ولم يتم حل المليشيات القبلية والحزبية خلال أسبوع فان الجيش سيتدخل. أذعن الصادق المهدي أخيرا لمطالب قيادة الجيش المدعومة بسند جماهيري كبير، فخرجت الجبهة الإسلامية من الحكومة وعاد الحزب الاتحادي الديمقراطي لها، واستؤنفت المفاوضات مرة أخرى مع" الحركة" وتوصل الطرفان، من دون إبطاء، إلى اتفاق بوقف إطلاق النار.وعاد برنامج"شريان الحياة"، التابع للأمم المتحدة، عملياته لإغاثة المتأثرين بالمجاعة. ووافقت الجمعية التأسيسية على تجميد القوانين الإسلامية، وحدد يوم 18 سبتمبر1989 موعدا لانعقاد المؤتمر القومي الدستوري، وكان يتوقع أن يلتقي رئيس الوزراء الصادق المهدي والعقيد جون قرنق في أديس اببا في 4يوليو 1989. لم يتحقق الاجتماع بين الصادق المهدي وقرنق أبدا، ففي 30 يونيو 1989،وبتوقيت دقيق، وقع الانقلاب الذي نفذته "الجبهة الإسلامية" مما أجهض مواصلة العملية. وبدعاوى الجهاد دشنت مرحلة جديدة من الرعب في الشمال كما تصاعدت حملات الإرهاب في الجنوب. وصعد النظام الجديد الحرب في الجنوب إلى مراحل جديدة من الوحشية مستندا إلى دعم الحركات الإسلامية وبعض الأقطار العربية. ولقد صارت إيران، بالتحديد، بجانب ليبيا والعراق مصدرا لدعم عسكري واقتصادي هائل. لم يختلف واقع الحال منذ الاستقلال، فقد استمرت المناهج والسياسات نفسها التي استهدفت دعم مواقع الفئات المستفيدة من استمرار الحروب الأهلية السودانية. وان كان هذا الأمر يبدو غريبا ومدهشا إلا إن واقع الأحداث الآن يؤكد ذلك. لقد كانت الجبهة الإسلامية، قصيرة النظر ومحدودة التفكير على المستوى الاستراتيجي في توجهها لحل"مشكلة الجنوب"؛ إذ تصورت حلا نهائيا للمأزق التاريخي عن طريق برنامج مكثف للاسلمة والتعريب. وهى تسعى من دون كلل لتنفيذ برنامجها في الإسراع باستغلال موارد الجنوب تحت غطاء تكتيكات الموافقة على "حق تقرير المصير" مع القوى السياسية الجنوبية وتؤكد فيها أهمية الاتحاد للدفاع عن "المشروع الحضاري الاسلامى" مع القوى السياسية الشمالية. أما حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي فإنهما يعتبران الجنوب امتداد طبيعيا لقاعدتهم الاقتصادية واحتياطيهم من الموارد الطبيعية، وقد يفضلان عمليا، على المديين المتوسط والطويل، استمرار ويلات الحرب على الاستجابة الفورية لتنفيذ إرادة القوى السياسية الجنوبية بتقرير المصير والانفصال عن السودان.