سألني أحد القراء الكرام قائلاً: لماذا تكتُب عن الأستاذ محمود محمد طه باستمرار وأنت لست جمهورياً؟ عجبت من قوله وأجبته إن ذلك صحيح جزئياً، فقد دأبت على الكتابة عنه بين الفينة والأخرى منذ استشهاده، وليتني استطيع أن أكتب عنه كل يوم، لعل ذلك يفيه بعض حقه علينا. قال: وما حقه علينا؟ قلت له إن نُخلِّد ذكراه كسوداني أولاً، لأنه علَّمنا ما لم نكن نعلم في حب الوطن، فقد استرخص روحه وافتداه. وكإنسان ثانياً، لأنه نذر نفسه للفكر الحر وأعمل العقل الذي ميَّز الله به بني آدم عن سائر خلقه تأملاً وتفكراً وتدبراً، ثمَّ سار على الدرب الذي سلكه الحلاج والجعد بن درهم والإمام أحمد بن حنبل والسهروردي وابن المقفع وابن رشد ولسان الدين بن الخطيب وابن الفارض.... وكبطل ثالثاً، لأنه أعاد علينا سيرة أبطال الأساطير الإغريقية الذين جسدوا ملحمتي الموت والحياة. وقلت له هكذا فعل أرسطو وهو يتجرع السم أمام تلاميذه بيمينه، ويحتضن (الأورجانون) الذي حوى مؤلفاته بشماله. وقلت له هكذا فعل السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وهو يواجه مؤامرات يهوذا الإسخريوطي ويتخطى (أسبوع الآلام) بإرادة جبارة ليواجه الموت صَلباً. وقلت له بل هكذا كان النبي الكريم محمد (ص) وهو يعاني عذاب أهل مكة، وعلى رأسهم عمه عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب) وهم يكيدون له كيداً! (2) ثمَّ قلت له أيضاً إنه على رغم الذي قرأته واستكثرته، فنحن ما نزال نشعر أن مثقفي أهل السودان لم يوفوه حقه بقدر ما أثرى الفكر الإنساني . ذلك لأن بعض حقه علينا أن يتبارى الفنانون والروائيون والتشكيليون والنحاتون والشعراء والكُتَّاب - كل ما وسعته موهبته - في توثيق حياة المعلم الأكبر بذات الزخم الذي اكتنفها، والتفرد الذي زانها والبهاء الذي لازمها (أثناء المحاكمة البائسة سأل القاضي المهلاوي الأستاذ محمود محمد طه عن مهنته فقال له معلم، وأرسطو كان يُكنى بالمعلم الأول، وكلاهما بها قَمِين) بل نحن نطمح أن نزيد من درجة وفائنا لشهيد الإنسانية في زمان غير هذا بدعوة المخلصين والأوفياء من سدنة الفكر والثقافة ليتنادوا بتضمين سيرته مقررات الطلب للأجيال اللاحقة، لعلهم يقفون على قيم البسالة وكيفية الثبات على المبدأ، وليتهم يستلهمون منها دروساً تعينهم على تنطع الجهلاء وترهات الرجرجة وتخرصات الدهماء من تجار الدين وسماسرة الوطن!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة