مع حُسن ظـَــنِّي البالي بالبرلمان، وقريبٌ منه حُسن ظـَني في إدارات الشؤون القانونية بالبلد، إلّا أنني لا أنكــر أن ما تمّ بالأمس الثلاثاء (الثالث والعشرين من نوفمبر16) في برلماننا المرجــوّ ولو قَسراً، على عِلّاته الكثيرات..! ليكاد يـُنـبـي بأن وراءَ الأكَـمـَــة ما ورائها..! وتلك بلا شك ورائيات تشمل العديد من الخسائر في جانبٍ ما، كما أنها ربما تحمل العديد من البشائر على جانبِ المواطن العادي البسيط؛ ذاك الذي اغتيل حظـّه، وانتُهِك حقـَّه، بل وَ غـُــرِّب عدلُه، بأن أكل بعضُ فاسديه المال العام حَراماً، وعلى عينِك يا حكومة، وبما يفوق ال 230مليون دولار، كتجميعة حصائد صادر بمقدار الـ 10% من إجماليه السنوي؛ ولاحظ أن المرحوم بهاء بتاع المرحوم نميري كان يُسَمّيه السماسرة الدّوليون مستر فايف بيرسنت- 5% وَ ها قد تحضّرنا في ما يبدو بـفسادنا، بل وكدنا نطأُ بإخمُصِه الثُّريّا، من خمسٍ لعشرٍ، ثم انطوت في القلب حـســرة.
أكل الفاسدون تُراث السودان أكلاً لـَمـّا، عبر عدّة بنوك سودانية تجارية تمّت أسلمتها من قديم العهد السبتمبري الهرّاط، وللأسى، لم يكن حدوث تغريب العدالة عن المواطن البسيط، لسبب أنّ هناك تجّار فاسدون فحسب، بقدرما كان "عضم" الرِّبقة متمحوراً في عجز شأننا القانوني، عن أن يشكــُم مَنْ تُحدّثه نفسه الأمّارة، وتسحبه يده الطائشة بعد نوم ضميره وانخفاض اخلاقه في "أتون" دولة المشروع الحضاري الجبّار.
التحية للبرلماني المُستَقِل، نائب الدائرة 1 دنقلا، الدستوري ذي الحِراك (وَ كلّ حَرَكة وراؤها بَرَكة) في طرحه الســؤال من دكّة (مَــنْ ناداك الســودانية في القرن الحادي والعشرين .. وَ حليل دَكّة مَن ناداك السِّنّارية زمن الملك بادي الأحمر، عدالة مباشرة لا مُكاشرَة!!)، وأعني طارح السؤال البرلماني القوي، الأخ/ أبوالقاسم بُــرطُم، وإنّه للنّائب الهميم، قَطِع شــَــك! وقد ســَــرِّني كثيراً أنه رفضَ إجابة الوزير العدلي الكبير، الأخ الدكتور عوض الحسن النور؛ برغم أن الأخير في كنانة التوزير القانوني بدولة المشروع، كان قد أتى بإجابة دسمة ضخمة.
حقيقة الأمر، لقد ازدحمت إجابة معالي الوزير، بالسمك، لبن تمرهــندي ..! حيث لم يترك شارداً ولا أشفى من واردٍ، بل جاسَ وجاشَ وباش بين أحوال المال في بنك السودان، وحركة الضبط للغاوين من البنوك؛ عابرا من ممرّات مضايق التحري الجاري!! والذي- كما درجت العادة- لم ينتَهِ بعد..! مع المزوِّرين من التّجار الهواة في استيراد الدواه ...! وإنهم ما كانوا من مستورديه لولا أن بنك السودان (بَـهَــلــها) فاضطرّهم أن يعملوا أسماء عمل في إدارة تسجيل الشركات التابعة لوزارة العدل، ضمّنوا طلبات تسجيلهم التجاري لها، توصيات من مسؤولي الهيئة المُشرفة على استيراد الأدوية (المجلس القومي للأدوية والسـموم).
أقول، لقد طوّف السيد وزير العدل فوق تلك الهوائل، فـَـ طـفا الفهم عند السامعين بالبرلمان، بل وَ خارج البرلمان!! ذلك أنه، هداه الله تعالى، كان قريبٌ مِمَّن يُوصَف بأنه يُكثرُ الحـَــزَّ ويـُخطيء المِفصَل. هذا إن لم يكن ممّن يحومون حول الحِمى ولا يقرَبون اللّجّ؛ وبالتالي، فقليلٌ مَنْ يفهمُهم..! بل ولا أحدٌ يُتاحَ له أن يقطع، ما إنْ كان "معاليه" نَقيّا في ما يأخذ وَ يدَع أم أنّه كان مـُـتعمِّـــلا..؟!
التحية منقوصة بعض الشيء! للسيد الــSpeaker رئيس البرلمان، البروف الوقور/إبراهيم أحمد عُمر، ولا سبب لنقص التحية، إلّا لكونه " منع " التداول حول إجابة وزير العدل ..! وَ هاهنا، يتبدّى للمُتابع المراقب لكأنّما تغلّبتْ في شمائل البروف، تلك الغيرة المِهَنية لبيئات التدريس الجامعي والمشيخي! وأوسم وجوهها طاعة التلاميذ، دون أن ينسى الغيرة التانية في شان هيـبة البرلمان ..! مع أن أبواب الهيبة البرلمانية، في اعتقادي، تكون في حِــدّة التداول وحِـــرّة النبرة تكون لظىً، وذاك أقرب للصدق والأمانة، لأجل أن تُكوى بها تلك القالات المجرورات بفعلِ "فاعلٍ تارِكٍ" لا يخلو من غشامة وخمطٍ وشيء من لئامة في ظُلمٍ وبيل.
وأخيراً، أعتقد أن هذه الجلسة المحضورة، قد نجا بها البرلمان من لغة سوق الخضار، وأفكار البوبار، واصطناع الهزل ساعة الجـَـدِّ النّار، فقد خلت الجلسة من الشّخَتْ* وال بخَتْ وَ قطع الرّحَط ..! ثم لم يبقَ لي إلّا أن أشير بأنّ ترافُع كِبار القانونيين في البلد، بهذا الضِّغنِ الشفيف! وتحت قُبّة البرلمان الذي يكسوه شيب الوقار، يترافعون دفاعاً وتبياناً وإحقاقاً لسلامة وعدالة طرائقهم في ما اتّخذوه من قرارات عمومية، لــَ هو عملٌ له ما وراؤه من حِراك وبركات ستعمُّ البلاد عـَمــّا قريب بإذن الله تعالى، ويومها، يوم تسودُّ وجوه وتبيَضُّ وجوه، فإمـّا وأمَّــا؛ وعليه، أإن كان إجرامٌ بالبرلمان، فهل نقول: يا لــثــارات أهل الســـودان؟!
............ * الشخت، ككلمة (ولعلها لفظة أوابدية خالص!) دخلت البرلمان في جلسة قريبة، تولّى كِبَرِهاوزير التربية والتعليم تسعينات القرن الماضي، المحامي عبدالباسط سبدرات، النائب البرلماني لحزب المؤتمر الوطني، والزّاعم بأنه صاحب فكرة إلغاء المرحلة المتوسطة في النظام التعليمي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة