الكاتب: مصطفى عبدالعزيز بحيري .. اولاً حول ضبط المصطلح : حـوار .. Dialogue مـفـاوضـات .. Negotiations الفرق بينهما ..أن الحوار قد يكون فكرياً ، فلسفياً أو حتى سياسياً . و قد تنتج عنه توصيات ، مخرجات إلخ .. لكن لا تنتج عنه قرارات ملزمة . بينما المفاوضات تنتج عنها إتفاقية Agreement تتم إجازتها لاحقاً بواسطة السطة التشريعية أو الدولة و تصبح من ثم ملزمة بقوة القانون الوطني أو الدولي او كليهما . كما أن هناك فرق بين الوساطة ، الرقابة و الرعاية و ما توفره كل منها من ضمانات . الحكومة السودانية تخوض الآن كل من الحوار والمفاوضات معاً . المتحدثون الكُثر بإسم الحكومةيخلطون بين الحوار و المفاوضات، عمداً و جهالة . بينما يخلط بينهما الكثيرون من هواة الصخب و الضجيج ، و من هواة الديماغوجية و الغوغائية غفلة ًو صبيانية . .. أمثلة من التاريخ : هوشي منه _ نيكسون : بينما جلس الوفدان الفيتنامي و الامريكي حول طاولة المفاوضات في باريس العام ١٩٧٤. كانت طائرات الفانتوم الاحدث حينها ، تصّعد إلى الذروة الأقصى من قصفها على سايغون و كل الاراضي الفيتنامية بقنابل النابالم الاكثر فتكاً حينها . .. مانديلا _ دوكليرك : ظل مانديلا يغادر زنزانته المنفردة في جزيرة روبن في عرض المحيط و يعود إليها . تتعثر و تفشل المفاوضات ثم تُستأنف ، دون أن يضع مانديلا حينها شرط إطلاق سراحه هو و رفاقه في المؤتمر الافريقي و لا سراح حلفائه في الحزب الشيوعي. كذلك فعل غاندي في مفاوضته الامبراطورية البريطانية العظمى . فهل ثمة من هو أصلب من هؤلاء المناضلين عوداً ، أقوى منهم شكيمة ، أو بأخبر منهم بمنعرجات الدروب ممن عجمتهم الحياة ؟! دعونا الآن من السيد الأمام الصادق المهدي ، نعود إليه لاحقاً . مَن يُشكك في وطنية و صلابة عرمان ، الحلو ، ميناوي و د. جبريل ؟! طوبى لـ .. عرمان الذي طوى المسافة بين الفكر و الفعل . ميناوي الذي ركل كرسي نائب الرئيس الوثير و جبريل الذي غادر المنصب غير آسف و عادا يقاتلان رفعاً للمظالم عن رقاب أهليهما . أليس هو الحلو نفسه الذي قُوبلت رسالته إلى مؤتمر الحزب السادس بالحمد و الاستحسان ؟!! .. إتفاقية نيفاشا ، رغم كل الملاحظات المحقة و تحفظ الحزب و إعتراضه على العديد من نصوصها .. فقد عدلت موازين القوى و فرضت معادلة و واقع سياسي جديد خرج بموجبه و تحت ظله الحزب و السكرتير العام من السرية و الاختفاء إلى العلن . و شارك الحزب بموجبها بالتعيين لا بالأنتخاب في المجلس الوطني ، عقد المؤتمر الخامس بحضور نافع علي نافع جلسة الختام . ثم أقام المؤتمر السادس في زفة من السيارات و رفرفة من الاعلام الحمراء الصارخة !!! .. أليس هذا هو فن الممكن ، و تلته و لا كتلته التي يستهزئ البعض الآن بها و يعرّضون ؟! .. يردد البعض الآن خيار الثورة و الانتفاضة . حسناً .. ثورة اكتوبر توفر لها شرط الاجماع السياسي و المطلبي بين الاحزاب ، النقابات ، المنظمات الشعبية و الديمقراطية في المركز و في مدن مثلث الوسط الكبرى . في أوساط الجيش ، كما في الهامش . و كانت مسألة الجنوب أحد محركاتها الاساس . ثم تطور الاحداث الدراماتيكي في جامعة الخرطوم و ارتقاء الشهداء ( و ليس سقوطهم ) . إنتفاضة ١٩٨٥. توفر لها شئ من ذلك الاجماع أيضاً . بإستثناء الأخوان المسلمين حلفاء نميري و قوانينهما الاسلامية التي إنتفض الشعب عليها و خلعهما معاً . لكن الجيش و التوازن الاقليمي بخاصة ( مصر و السعودية ) و ابتعاد الحركة ا لشعبية/قرنق عنها حتى بعد انتصارها ، أضعف من إندفاعتها ، إتساعها و تجذرها . و جعل منها إنتفاضة و ليس ثورة . تورة اكتوبر نهشها اليمين ( حزب الامة/الصادق المهدي ) إثر حل الحزب الشيوعي و طرد نوابه المنتخبين من الجمعية التأسيسية و عدم الامتثال لقرار المحكمة الدستورية العليا ١٩٦٥ ، ثم إنقض عليها اليسار بإنقلاب مايو ١٩٦٩. بينما إنقض اليمين ( الاخوان المسلمين ) على الإنتفاضة بإنقلاب يونيو ١٩٨٩ .. و واحدة بواحدة . .. الآن .. ما هي الشروط المتوفرة لثورة أو إنتفاضة تطيح بالنظام الحاكم ؟ .. المعادلة السياسية الآن .. في تقديري ، هي كما يلي : .. النظام : في أضعف حالاته . فهو معزول داخلياً ، و يحكم بالقمع و بالقبضة الامنية لا برضى الجماهير ، و ليس أدل على ذلك من كثرة و تناسل المليشيات المسلحة التي تعكس حالة من الهلع و عدم الثقة في الجيش رغم غربلته و أدلجته لثلاثة عقود من الزمان . كما هو محاصر و معزول خارجياً ، حتى من حلفاءه في الخليج و السعودية المنشغلين عنه بما هو أدنى إلى تخومهم في اليمن ، العراق و سورية . إضافة للتدني المريع في أسعار النفط العالمية . .. المعارضة : ليست بأفضل حالاً من النظام . و لا تتوفر على الفعل السياسي التراكمي الذي يفضي إلى ثورة أو إنتفاضة . فالقوى الحزبية ، النقابية ، الشعبية و الديمقراطية ليست على إجماع الحد الوطني الأدنى . و كل منها على حدة منقسم على ذاته ( إتحادي ، امة ) و لنقل تخفيفاً ، في حالة الشيوعي ، أنه ليس على تراص ٍصلب يشد بعضه بعضاً . و كل منها شارك في النظام بدرجة أو بأخرى . و البعض لا يزال . .. الجيش لا يمكن الرهان على تحييده . دعك من إكتسابه ظهيراً لانتفاضة الشعب أو ثورته . هذا عدا عن مليشيات النظام المسلحة. .. الحركات المسلحة : حليفها القوي ، دولة جنوب السودان ، مددها بالتمويل و التسليح المباشر و غير المباشر و اللوجيستي و العمق الاستراتيجي ، قاب قوسين من الانهيار أو أدنى .. و في تولاته . و قد يوضع تحت الوصاية الدولية أو حتى الانتداب . .. أما السيد الصادق المهدي ، فإن دافعه الاقرب للتأويل السياسي ، فهو إنطلاقه من إعتبار دارفور و كردفان ، مركز النفوذ التاريخي والخزان البشري و الثقل السياسي لأنصار حزب الامة . .. و لا أدعي الاحاطة المانعة الجامعة . وفقاً لهذه المعطيات ، و ليس لمدي حب أو كراهية النظام الحاكم ، في تقديري ، فإن التفاوض بهدف إنتزاع الحق الأساس لإنسان دارفور جنوب كردفان و النيل الازرق في الحياة ، مجرد الحياة ، هو أمر أقرب لملامسة الواقع اليومي المعيشي ، الامني ، الانساني و السياسي لجماهير تلك المناطق . .. و يبقى أن الكلمة الحاسمة و الأخيرة ، هي للشعب و الشارع الذي قد يفاجئ الجميع و يسبق قيادات الأحزاب و القوى السياسية ، كما هو حال الثورات و الانتفاضات الشعبية دائماً و أبداً ، و لدى الشارع تجتمع كل الاسباب و الدوافع الماثلة في بؤس و تردي كافة مناحي حياته ، كما لديه وحده إرادة و طاقة التغيير و القدرة الهائلة التي لا تُصد و لا تُرد .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة