|
Re: قلب الرواية (Re: جلالدونا)
|
(5) لماذا جاء مصطفى سعيد إلى "ود حامد"؟ سؤال مهم لم تطرحه يمنى العيد،ذلك أن مصطفى سعيد نفسه لم يقل بذلك صراحة،بل ان الطريقة التي اختار به "ود حامد" كما بينا سابقا،تبدو أقرب إلى الطابع العبثي.وحتى زوجته حسنى بنت محمود لم تكن تعرف لماذا جاء الى هذه القرية.وقد سألها الراوي قائلا"ولماذا جاء إلى هنا؟ قالت "الله أعلم"-الطيب صالح،1988،ص 99.و احتار الراوي في مجيئ مصطفى سعيد إلى قريته معللا ذلك بافتراض،حين قال "إن حياة مصطفى سعيد وموته في مكان مثل هذا يبدو شيئا صعبا تصديقه.مصطفى سعيد كان يحضر الصلوات في المسجد بانتظام.لماذا كان يبالغ في تمثيل ذلك الدور المضحك؟هل جاء إلى هذه القرية النائية يطلب الراحة"-الطيب صالح،1988، ص ص 74-75-
وقد انتبه الراوي الى اختلاف مصطفى سعيد عن أهل القرية مرة حينما حضر اجتماعا للجنة المشروع الزراعي وقال بعد ذلك"لم يكن ثمة أدنى شك في ان الرجل من عجينة أخرى،وأنه أحقهم برئاسة اللجنة،لكن ربما لأنه ليس من أهل البلد لم ينتخبوه"وهنا نرى محنة أخرى من محن الغريب الذي هو ليس من القرية وليس من السودان كما أدعت يمنى العيد.و في موقع آخر يشير الراوي إلى اختلاف مصطفى سعيد عن أهل القرية حين قال"لم يغب عني أدبه الجم،فأهل بلدنا لا يبالون بعبارات المجاملة.يدخلون في الموضوع دفعة واحدة،نزورونك ظهرا كان أو عصرا،لا يهمهم أن يقدموا المعاذير"-الطيب صالح،1988،ص 17.و من الواضح ان ذلك عائد إلى دراسته وعيشه في الغرب،ولذلك كان من المنطقي أن يكون له وجود فاعل ومؤثر في الخرطوم مسقط رأسه ومركز صنع القرار. وانطلاقا من ذلك يقول الراوي"كان مفروضا أن يكون له شأن بمقاييس المفتشين والمآمير.ولكنه لم يجد حتى قبرا يريح جسده،في هذا القطر الممتد مليون ميل مربع"-الطيب صالح،1988،ص 64.ويفترض محجوب ضمنا أن "ود حامد" ليس المكان المناسب لمصطفى سعيد حين قال بعد اختفاء مصطفى سعيد"كان عقلية واسعة.ذلك هو الرجل الذي كان يستحق أن يكون وزيرا في الحكومة لو كان يوجد عدل في الدنيا"-الطيب صالح،1988،ص 111.و انطلاقا من الامكانيات الأكاديمية الهائلة التي يمتلكها مصطفى سعيد قال الرجل الانجليزي الذي كان مع الراوي و المأمور المتقاعد في القطار "كان قطعا سيعود وينفع بعلمه هذا البلد الذي تتحكم فيه الخرافات"-الطيب صالح،1988،ص 68.
و اذا ما حاولنا أن نعرف لماذا جاء مصطفى سعيد إلى "ود حامد "،سنجد ذلك في وصيته حين كتب"انني لا أدري أي العملين أكثر أنانية،بقائي أم ذهابي.و مهما يكن من أمر فانه لا حيلة لي.ولعلك تدرك قصدي إذا عدت بذاكرتك إلى ما قلته لك تلك الليلة.لا جدوى من خداع النفس.ذلك النداء البعيد لا يزال يتردد في أذني.وقد ظننت ان حياتي وزواجي هنا سيسكتانه.و لكن لعلي خلقت هكذا،أو ان مصيري هكذا،مهما يكن معنى ذلك،لا أدري.انني أعرف بعقلي ما يجب فعله،الأمر الذي جربته في هذه القرية،مع هؤلاء القوم السعداء،ولكن أشياء مبهمة في روحي وفي دمي تدفعني إلى مناطق بعيدة تتراءى لي ولا يمكن تجاهلها"-الطيب صالح،1988،ص ص 76-77. حسب رواية مصطفى سعيد لأسباب إقامته في "ود حامد" نجدها تتمثل في تعبير مهم أسماه إسكات النداء البعيد.
ونلاحظ أن مصطفى سعيد ينظر إلى أهل "ود حامد" باعتبارهم أناسا سعداء وليس العكس كما ترى يمنى العيد في حديثها عن اختلاف زمني مصطفى سعيد وأهل القرية. لكن من مقاربتنا لعلاقة مصطفى سعيد بالمكان عموما،نجد أن ما فعله من اختفاء لا يختلف عما نسميه احساسه الجبلي بالمكان.و هذا الإحساس الجبلي نجده مكررا في خطابه عن علاقته بالأمكنة التي نشأ و أقام فيها.و بدأ هذا الإحساس في التكون حين سافر متوجها إلى القاهرة.يقول في ذلك "لم يلوِّح لي أحد بيده ولم تنهمر دموعي لفراق أحد"-الطيب صالح،1988،ص 33.و حين فكّر في بلده التي نشأ فيها وهو قد استقل القطار متوجها إلى القاهرة قال"و ضرب القطار في الصحراء،ففكرت قليلا في البلد الذي خلّفته ورائي،فكان مثل جبل ضربت خيمتي عنده،وفي الصباح قلعت الأوتاد و أسرجت بعيري،وواصلت رحلتي"-الطيب صالح،1988،ص 34.
و حتى إحساسه بالمكان القادم أي القاهرة كان إحساس جبليا،يقول في ذلك"وفكرت في القاهرة ونحن في وادي حلفا،فتخيلها عقلي جبلا آخر،أكبر حجما،سأبيت عنده ليله أو ليلتين،ثم أواصل الرحلة إلى غاية أخرى"-الطيب صالح،1988،ص 34. وفي حديثه عن لقائه بزوجة مستر روبنسون في القاهرة يقول "و فجأة أحسست بذراعي المرأة تطوقانني ،و بشفتيها على خدي.في تلك اللحظة وأنا واقف على رصيف المحطة ،وسط دوامة من الأصوات والأحاسيس ،وزندا المرأة ملتفان حول عنقي ،وفمها على خدي ،ورائحة جسمها ،رائحة أوروبية غريبة ،تدغدغ أنفي ،وصدرها يلامس صدري،شعرت و أنا الصبي ابن الاثنى عشر عاما بشهوة جنسية مبهمة لم أعرفها من قبل في حياتي،و أحسست كأن القاهرة ،ذلك الجبل الكبير الذي حملني إليه بعيري ،امرأة أوروبية ،مثل مسز روبنسون تماما ،تطوقني ذراعاها،يملأ عطرها ورائحة جسدها أنفي –الطيب صالح،1988،ص 35.و حتى في طريقه إلى لندن من القاهرة،تحدث بحس جبلي عن إحساسه تجاه المدينة الجديدة القادمة لندن قائلا"كان كل همِّي أن أصل إلى لندن،جبلا آخر أكبر من القاهرة،ولا أدري كم ليلة أمكث عنده"-الطيب صالح،1988،ص 36.
وينطبق الإحساس الجبلي على الناس الذين ساعدوه يقول عن ذلك "و هذه حقيقة في حياتي،كيف قيضت لي الصدف لي قوما ساعدوني وأخذوا بيدي في كل مرحلة،قوما لم أكن أحس تجاههم بأي إحساس بالجميل.كنت أتقبل مساعداتهم كأنها واجب يقومون به نحوي"-الطيب صالح،1988،ص 33.و حتى وجوده في انجلترا،كان له نفس الإحساس الجبلي بالمكان،أي العلاقة المؤقتة به.يقول مصطفى سعيد عن الفترة التي قضاها في انجلترا"ثلاثون عاما.كان شجر الصفصاف يبيض ويخضر ويصفّر في الحدائق،و طير الوقواق يغني للربيع كل عام.ثلاثون عاما وقاعة ألبرت تغص بعشاق بيتهوفن و باخ،والمطابع تخرج آلاف الكتب في الفن و الفكر.مسرحيات برنارد شو تمثل في الرويال كورت والهيماركت.كانت ايديث ستول تغرد بالشعر،و مسرح البرنس اف ويلز يفيض بالشباب و الألق.البحر في مده وجزره في بورتمث و برايتن،و منطقة البحيرات تزدهي عاما بعد عام.الجزيرة مثل لحن عذب،سعيد حزين،في تحوّل سرابي مع الفصول.ثلاثون عاما و أنا جزء من كل هذا ،أعيش فيه،و لا أحس جماله الحقيقي،ولا يعنيني منه إلا ما يملأ فراشي كل ليلة"-الطيب صالح،1988،ص 45-46.
و حتى الفراش كعلاقة أساسية بالمكان،كان له طعم جبلي بعيري يحكي عنه مصطفى سعيد قائلا"جلبت النساء إلى فراشي من بين فتيات جيش الخلاص،و جمعيات الكويكرز،و مجتمعات الفابيين.حين يجتمع حزب الأحرار أو العمال أو المحافظين أو الشيوعيين،أسرج بعيري و أذهب"-الطيب صالح،1988،ص 40.
وتكشف وصية مصطفى سعيد للراوي عن تغير واضح في علاقته بالمكان،رغم ان ذلك التغير لم يستمر لاستجابته للنداء البعيد و اختفائه.ففي الوصية اكتشف مصطفى سعيد خلل إحساسه الجبلي بالمكان ولذلك قال للراوي جنبهما ما أمكن مشقة الرحيل.و لهذا –كان يرى في وصيته-أن تشبع ولديه بهواء ورائحة المكان سيجعلهما ينشآن نشأة مختلفة عن التي عاشها.فهو قد تربي مع أم وحيدة ولم يكن له أهل وهذا مثبت في الرواية بشكل قاطع.ولذلك فمن الممكن وصف مصطفى سعيد-استنادا على شهادة ذلك المأمور المتقاعد-بأن مصطفى كان منبتّا قبليا.ووصفه لأهل "ود حامد" بأنهم سعداء يكشف عن حبه لهم،وهو ما لم تنتبه إليه يمنى العيد.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-11-15, 08:34 AM |
Re: قلب الرواية | مني عمسيب | 10-11-15, 08:47 AM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 10-11-15, 01:05 PM |
Re: قلب الرواية | درديري كباشي | 10-11-15, 03:38 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-11-15, 04:30 PM |
Re: قلب الرواية | جلالدونا | 10-11-15, 05:53 PM |
Re: قلب الرواية | بله محمد الفاضل | 10-11-15, 06:29 PM |
Re: قلب الرواية | بله محمد الفاضل | 10-11-15, 06:30 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-11-15, 09:11 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-12-15, 00:52 AM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-13-15, 02:06 AM |
Re: قلب الرواية | بله محمد الفاضل | 10-13-15, 09:35 AM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 10-14-15, 02:00 PM |
Re: قلب الرواية | درديري كباشي | 10-15-15, 06:11 AM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-25-15, 02:36 AM |
Re: قلب الرواية | معاوية الزبير | 10-25-15, 03:17 AM |
Re: قلب الرواية | طه جعفر | 10-25-15, 12:53 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-25-15, 07:23 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-26-15, 04:01 PM |
Re: قلب الرواية | أبوبكر عباس | 10-26-15, 05:41 PM |
Re: قلب الرواية | محمد كابيلا | 10-26-15, 06:49 PM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 10-26-15, 10:43 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-27-15, 01:25 AM |
Re: قلب الرواية | أبوبكر عباس | 10-27-15, 06:46 AM |
Re: قلب الرواية | محمد عبد الله حرسم | 10-27-15, 08:51 AM |
Re: قلب الرواية | جورج بنيوتي | 10-27-15, 09:28 AM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 10-27-15, 04:21 PM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 10-27-15, 06:11 PM |
Re: قلب الرواية | أبوبكر عباس | 10-27-15, 06:21 PM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 10-27-15, 07:07 PM |
Re: قلب الرواية | أبوبكر عباس | 10-27-15, 08:29 PM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 10-28-15, 02:51 AM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-28-15, 05:01 AM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 10-28-15, 03:04 PM |
Re: قلب الرواية | سيف اليزل الماحي | 10-28-15, 03:28 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-28-15, 03:51 PM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 10-28-15, 03:56 PM |
Re: قلب الرواية | طه جعفر | 10-30-15, 02:33 AM |
Re: قلب الرواية | آدم صيام | 10-30-15, 03:52 AM |
Re: قلب الرواية | محمد عبد الله الحسين | 10-30-15, 05:03 AM |
Re: قلب الرواية | جلالدونا | 10-30-15, 05:49 AM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 10-30-15, 04:11 PM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 10-30-15, 06:13 PM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 10-30-15, 08:55 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 10-31-15, 01:20 PM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 10-31-15, 04:34 PM |
Re: قلب الرواية | محمد عبد الله الحسين | 10-31-15, 06:52 PM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 10-31-15, 10:35 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 11-01-15, 02:12 AM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 11-01-15, 05:07 AM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 11-01-15, 04:03 PM |
Re: قلب الرواية | محمد عبد الله حرسم | 11-01-15, 05:09 PM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 11-02-15, 07:30 AM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 11-02-15, 10:39 AM |
Re: قلب الرواية | osama elkhawad | 11-07-15, 03:11 PM |
Re: قلب الرواية | mustafa mudathir | 11-08-15, 00:47 AM |
Re: قلب الرواية | معاوية الزبير | 11-08-15, 03:02 AM |
Re: قلب الرواية | محمد على طه الملك | 11-08-15, 04:00 AM |
ضد استعمال الطيب صالح | osama elkhawad | 11-08-15, 07:19 PM |
شهادة زوجة عبدالله الطيب عن "موسم الهجرة إلى الشمال" و"مصطفى سعيد" | osama elkhawad | 11-08-15, 11:23 PM |
Re: شهادة زوجة عبدالله الطيب عن andquot;موسم الهجر | محمد على طه الملك | 11-09-15, 01:58 AM |
Re: شهادة زوجة عبدالله الطيب عن andquot;موسم الهج | osama elkhawad | 11-09-15, 04:39 AM |
الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس "جين مورس" و"أمبارو" | osama elkhawad | 11-10-15, 08:33 PM |
Re: الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس andquot;ج | mustafa mudathir | 11-11-15, 02:55 AM |
Re: الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس andquot; | osama elkhawad | 11-11-15, 07:54 PM |
Re: الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس andquot; | osama elkhawad | 11-11-15, 10:22 PM |
Re: الحياة الشخصية للمؤلفين ونصوصهم :درس andquot; | محمد عبد الله حرسم | 11-12-15, 11:06 AM |
|
|
|