مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 11:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-26-2015, 11:21 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لا يستغني الناس في هذه الحياة عن بعضهم البعض، فلا يستطيع إنسان أن يعيش وحده. ومعنى ذلك أن هذا الإنسان سيؤدي إلى الآخرين بعض ما يحتاجون إليه، كما إنه سيأخذ منهم بعض ما يحتاج إليه. وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور".

    أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانًا فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها؛ إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل:

    ولقد دعتني للخلاف عشيرتي.. ... ..فعددت قولهم من الإضلال

    إني امرؤٌ فيَّ الوفـــــاء سجيـة.. ... .وفعــال كل مهـذب مفضـال

    أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردًا:

    إذا أنت أكرمت الكريم ملكته.. ... ..وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

    فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة.

    · نكران الجميل سببٌ لدخول النار:

    حين تكون عادة الإنسان نكران الجميل، وكفران الإحسان فإنه يسلك بذلك سبيلاً إلى النار – والعياذ بالله – فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن". قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط".

    · من لم يشكر الناس لم يشكر الله:

    عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب".

    وهكذا يوجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الإقرار بالجميل وشكر من أسداه، بل والدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

    · نكران الجميل سبب العقوبة وزوال النعم:

    قال الأصمعي رحمه الله: سمعت أعرابيًا يقول: أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف.

    وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يشهد لذلك؛ قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم. فبعث إليهم ملكًا. فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ وجلدٌ حسنٌ ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل. قال: فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملاً. قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأبصر به الناس. قال: فمسحه فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدًا فأنتج هذان وولد هذا. قال: فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا واد من الغنم.

    قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك! ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟! فقيرًا فأعطاك الله مالاً؟! فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت.

    قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا. فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك؛ شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردَّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئًا أخذته لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك".

    فإياك إياك ونكران الجميل، واشكر صنائع المعروف، وكن من الأوفياء، فإن الكريم يحفظ ود ساعة.
    ماهر السيد
                  

09-26-2015, 11:22 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة، وعلى الحركات الإصلاحية الخيِّرة خاصة؛ إذ يقوم بعمليات الهدم الشنيع من الداخل، بينما صاحبه آمن لا تراقبه العيون ولا تحسب حسابًا لمكره ومكايده، إذ يتسمى بأسماء المسلمين ويظهر بمظاهرهم ويتكلم بألسنتهم.

    وإذا نظرت إلى النفاق نظرة فاحصة لوجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن شديد، وطمع بالمنافع الدنيوية العاجلة، وجحود للحق، وكذب.. ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا!!.

    وإذا نظرنا إلى النفاق في اللغة لوجدناه من جنس الخداع والمكر، وإظهار الخير وإبطان الشر.

    أقسام النفاق:

    ذكر كثير من أهل العلم أن النفاق قسمان:

    النفاق الاعتقادي: ويسميه بعضهم: النفاق الأكبر، وبينه الحافظ ابن رجب رحمه الله بأن: يُظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كلَّه أو بعضه. قال: وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.

    قال الله تعالى:(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا).(النساء:145).

    الثاني فهو النفاق العملي أو الأصغر، وهو التخلق ببعض أخلاق المنافقين الظاهرة كالكذب،والتكاسل عن الصلاة..مع الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان".

    وقوله صلى الله عليه وسلم: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا".

    من أهم صفات المنافقين:

    إن للمنافقين صفات كثيرة نشير إليها مجرد إشارات مختصرة، وإلا فإن التفصيل يحتاج إلى مؤلفات تفضح ما هم عليه، ومن هذه الصفات:

    1- أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)[البقرة:8].

    2- أنهم يخادعون المؤمنين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:9].

    3- يفسدون في الأرض بالقول والفعل: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)[البقرة:12].

    4- يستهزءون بالمؤمنين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[البقرة:14، 15]

    5- يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[المنافقون:2].

    6- موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)[النساء:138-140].

    ويقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)[الحشر:11، 12].

    7- العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً)[الأحزاب:12-18].

    8- تدبير المؤامرات ضد المسلمين أو المشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما أوقع كثيرًا من المجاهدين في قبضة الكافرين والأعداء إلا تآمر هؤلاء المنافقين في فلسطين، في الشيشان، وغيرهما.

    9- ترك التحاكم إلى الله ورسوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)[النساء:60-63].

    هكذا حال المنافقين، فهم حين لا يقبلون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، ويقولون: إننا لم نرد مخالفة الرسول في أحكامه، وإنما أردنا التوفيق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين. ومن عجيب أمرهم في ذلك أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه، وإن يك عليهم يعرضوا عنه، كما أخبر الله بذلك حيث قال: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[النور:47-50].

    10- ومن صفاتهم الخبيثة طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة:79].

    فهم لا يعرفون الإخلاص، وما تحققت في قلوبهم العبودية لله، فظنوا أن المؤمنين كالمنافقين ، لا يفعلون طاعة إلا لغرض دنيوي، فالفنانة التي تابت قبضت الملايين-بزعمهم-، والمجاهدون قوم فشلوا في الحياة فاختاروا الانتحار... إلخ.

    وفي نهاية حديثنا عن النفاق نود أن نبين أن ما ذكرناه إنما هو قليلٌ من كثير من صفاتهم، وربما كان لنا معهم وقفات أخرى.

    أعاذنا الله وإياكم من النفاق، وكفى الأمة شر المنافقين.
    إسلام ويب
                  

11-15-2015, 08:36 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اللهم صل علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . صلاة تنحل بها العقد وتنفرج بها الكرب وتقضي بها الحوائج .
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
    صلاة تليق بمكانته عندك .
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
    اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل على سيدنا محمد في الآخرين وصل على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بأفضل ما تحب وأكمل ما تريد .
    اللهم لك الحمد كما تحب أن تحمد .
    فصلّ على سيدنا محمد كما تحب أن يصلى عليه.
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يارب العالمين .
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك بعددما ذكره الذاكرون وغفلَ عن ذكره الغافلون .
    اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم.
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاه تصله وتوصلنا به.
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاه تفتح‘ بيننا وبينه فتحاً مبيناً.
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بعدد حسنات سيدنا محمد .
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة تصرف بها عنا السوء وسوء الفحشاء والمنكر .
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة تجمعنا معه في كل وقت وحين.
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة ترزقنا بها شفاعته وزيارته واتباعَ سنته آمين.
    اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تكون لكَ رضاء ولحقه أداء .
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ، من الأزلِ إلى الأبدِ على ما تعلقَ بهِ علم‘ اللهِ عز وجل .
                  

09-26-2015, 11:24 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    عقوق الوالدين
    غَذَوْتُــكَ مَـوْلُـودًا وَعُلْتُـكَ يَافِــعًــا تُعَلُّ بما أجْنَي عَلَيْكَ وَتَنْهَــــلُ

    إذَا لَيْلَةٌ نَــابَتْكَ بِالشَّجْـوِ لَــمْ أَبِتْ لِشَكْوَاكَ إِلاَّ سَـاهِـرًا أَتَمَـلْـمـَلُ

    كَأَنِّي أَنَــا الْـمَطْـرُوقُ دُونَكَ بالَّذِي طُرِقْـتَ به دُوني فَعَيْنِيَ تَهْمُلُ

    تَخَافُ الرَّدى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإنَّني لأَعْلَـمُ أَنَّ الْمَـوتَ حَتْــمٌ مُؤَجَّلُ

    فَلَمَّا بلَغْتَ السِّـنَّ والغَـايَـةَ التِي إِليْها مَـدَى ما كُنتُ فِيـكَ أُؤَمِّلُ

    جَعَلْتَ جَـزَائِي غِلْـظَةً وَفَظَـاظـَةً كَأَنَّك أَنْـتَ الْمُنْعِـمُ الْمُتَفَــضِّـلُ

    فَلـَيْتَكَ إِذْ لَـمْ تَـرْعَ حَــقَّ أُبُـوَّتِي فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَـلُ

    أوصى الإسلام بالآباء خيرًا ونهى عن قطيعتهم وإيذائهم أو إدخال الحزن عليهم، كيف لا، والإسلام دين الوفاء والبرِّ.

    وقد تكلمنا في مقال سابق عن فضل بر الوالدين والإحسان إليهما، وفي هذا المقال نتكلم عن عقوق الوالدين، تلكم الكبيرة العظيمة التي نهى عنها الشرع وحذر منها أشد التحذير.

    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..."الحديث.

    وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأْد البنات..."الحديث.

    فالعقوق محرم قطعًا مذموم شرعًا وعقلاً.. فما معنى العقوق؟

    يقول العلامة ابن حجر رحمه الله: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما أذىً ليس بالهيِّن عُرفًا.اهـ.

    ويكون هذا الإيذاء بفعل أو بقول أو إشارة، ومن مظاهره مخالفة أمر الوالدين أو أحدهما في غير معصية، أو ارتكاب ما نهيا عنه ما لم يكن طاعة، أو سبهما وضربها، ومنعهما ما يحتاجانه مع القدرة ... وغير ذلك.

    وقد اتفق أهل العلم على عدِّ العقوق كبيرة من الكبائر.

    يقول الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)[الإسراء:23].

    فانظر كيف نهى عن الإيذاء بالفعل أو بالقول حتى ولو كان كلمة "أفٍ" التي تدل على الضجر.

    إن عقوق الوالدين الذي ظهر وانتشر وتعددت أشكاله وألوانه ليدل على انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى التي جعلت رضا الله في رضا الوالدين وسخطه سبحانه في سخطهما، كما في الحديث: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد". والتي جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات فلن يدخل الجنة عاقٌ لوالديه،ففي الحديث: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث.وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى".

    كما إن العاق لوالديه يعرض نفسه لدعاء والديه عليه، ودعاؤهما مستجاب فقد ورد في الحديث: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".

    ومن صور العقوق أن يتسبب الولد في سب ولعن أبويه أو أحدهما؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه". قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسُبُّ الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".

    ومن كان هذا حاله فإنه يعرض نفسه للعنة الله تعالى،فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من لعن والده...".الحديث.

    كما إنه متوعد بعقوق أولاده له؛ فكل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات.

    قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال:

    خرجت من الحي أطلب أعقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرِّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء (أي حبل) ملوي يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي. فقلت: فلا جزاك الله خيرًا. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنع.

    فانظر كيف قيض الله لهذا الوالد العاق من أبنائه مَن يعقه! والجزاء من جنس العمل: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت:46].

    ومن صور العقوق منع الأبناء النفقة على الآباء رغم حاجة الآباء وقدرة الأبناء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "أنت ومالك لأبيك"

    نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا وإياكم البر، وأن يجنبنا العقوق والآثام.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    ماهر السيد
                  

09-26-2015, 11:25 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحياء..خلق الإسلام
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد:

    اعلم رحمك الله أنه على حسب حياة القلب يكون خُلُقُ الحياء، فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم..

    حقيقة الحياء:

    إن الحياء خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة.. وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في الحديث: "إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء". فالحياء دليل على الخير، وهو المخُبْر عن السلامة، والمجير من الذم.

    قال وهب بن منبه: الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء.

    وقيل أيضًا: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

    حياؤك فاحفظه عليك فإنما.. ... ..يدلُّ على فضل الكريم حياؤه

    إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيـاؤه.. ... ..ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه

    ونظرًا لما للحياء من مزايا وفضائل؛ فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان، ففي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".

    وفي الحديث أيضًا: "الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".

    والسر في كون الحياء من الإيمان: أن كلاًّ منهما داعٍ إلى الخير مقرب منه، صارف عن الشر مبعدٌ عنه، وصدق القائل:

    وربَّ قبيحةٍ ما حال بيني.. ... ..وبين ركوبها إلا الحياءُ

    وإذا رأيت في الناس جرأةً وبذاءةً وفحشًا، فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".

    وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

    إذا لم تخـش عـاقبة الليـالي.. ... ..ولم تستحِ فاصنع ما تشاءُ

    يعيش المرء ما استحيا بخير.. ... ..ويبقى العود ما بقي اللحاءُ

    ليس من الحياء:

    إن بعض الناس يمتنع عن بعض الخير، وعن قول الحق وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزعم الحياء، وهذا ولا شك فهمٌ مغلوط لمعنى الحياء؛ فخير البشر محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً، بل أشد حياءً من العذراء في خِدرها، ولم يمنعه حياؤه عن قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل والغضب لله إذا انتهكت محارمه.

    كما لم يمنع الحياء من طلب العلم والسؤال عن مسائل الدين، كما رأينا أم سليم الأنصارية رضي الله عنها تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة غسلٌ إذا احتلمت؟

    لم يمنعها الحياء من السؤال، ولم يمنع الحياءُ الرسول صلى الله عليه وسلم من البيان؛ فقال: "نعم، إذا رأت الماء".

    أنواع الحياء:

    قسم بعضهم الحياء إلى أنواع، ومنها:

    1- الحياء من الله.

    2- الحياء من الملائكة.

    3- الحياء من الناس.

    4- الحياء من النفس.

    أولاً: الحياء من الله:

    حين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية.. قال الله عز وجل: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[العلق:14]. وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16].

    إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اطلاعه على أحوال عباده، وأنه رقيب عليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".

    خلا رجل بامرأة فأرادها على الفاحشة، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟(تعني أين خالقها)

    ولله در القائل:

    وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة والنفس داعية إلى الطغيان

    فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يـراني

    ثانيًا: الحياء من الملائكة:

    قال بعض الصحابة: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم.

    وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10- 12].

    قال ابن القيم رحمه الله:[ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟! ]

    وكان أحدهم إذا خلا يقول: أهلاً بملائكة ربي.. لا أعدمكم اليوم خيرًا، خذوا على بركة الله.. ثم يذكر الله.

    ثالثًا: الحياء من الناس:

    عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.

    وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه.

    وقد نصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: "ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت".

    رابعًا: الاستحياء من النفس:

    من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره، فحق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدًا من نفسه كأنه يراه، ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.

    فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.

    قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

    إن الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهِّد الثناء، وموفِّر العقل، ومعظم القدر:

    إني لأستر ما ذو العقــل ساتــــره.. ... ..من حاجةٍ وأُميتُ السر كتمانًا

    وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها.. ... ..جعلتها للتي أخفيتُ عنــــوانًا

    إني كأنــــي أرى مَن لا حيــــاء له.. ... ..ولا أمانة وسط القـــوم عريانًا

    رزقنا الله وإياكم كمال الحياء والخشية وختم لنا ولكم بخير..
    ماهر السيد
                  

09-26-2015, 11:27 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الوسوسة سلاح الشيطان
    مما لاشك فيه أن العداوة بين الإنسان والشيطان عداوة قديمة، فمنذ أن أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لأبينا آدم عليه السلام أبى إبليس واستكبر وأعلن العداوة والحرب على بني آدم،كما أخبر تعالى عن ذلك:(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، وكما قعد لنا بمحاولة الغواية والإضلال في كل طريق ومرصد؛ فإنه حريص على قذف سمومه في قلوب المسلمين كي يزعزع إيمانهم بالله العزيز الحميد, ويلقي بالريب فيما أخبرنا الله به من الغيب في كتابه المجيد، عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه, فقعد بطريق الإسلام , فقال: تُسلمُ وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟ فعصاه وأسلم, ثم قعد له بطريق الهجرة, فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءَك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول, فعصاه فهاجر, ثم قعد له بطريق الجهاد, فقال: تجاهد؟ فهو جَهدُ النفس والمال, فتقاتلُ فَتُقْتَلُ, فتنكح المرأة ويُقسَم المال؟ فعصاه فجاهد،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, ومن قُتل كان حقاً على الله أن يُدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة" [رواه النسائي وقال الحافظ: إسناده حسن..], ومن رحمة الله بعباده أنه لم يجعل للشيطان على المؤمنين من سلطان : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الحجر:42) كما وصف سبحانه كيد الشيطان بأنه ضعيف: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ).فلما لـم يجد الشيطان سبيلا على المؤمنين لجأ إلى الوسوسة.

    معنى الوسوسة:
    الوسوسة والوَسواس: ما يلقيه الشيطان في القلب. وقال الراغب: الوسوسة: الخطرة الرديئة , وقال البغوي: الوسوسة القول الخفي لقصد الإضلال, والوسواسُ: ما يقع في النفس وعمل الشر وما لا خير فيه , وهذا بخلاف الإلهام فهو لما يقع فيها من الخير.
    قال ابن القيم رحمه الله: "الوسوسة: الإلقاء الخفي في النفس إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من أُلقِيَ عليه, وإما بغير صوت كما يوسوس الشيطان للعبد".
    والوسوسة تارة تكون من فعل الشيطان الجني كما قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا )(الأعراف:20), وسمى الله تعالى شيطاني الجن والإنس "وسواساً" فقال تعالى: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ - الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) , وتارة تضاف الوسوسة إلى فعل النفس كما قال تعـالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه).(ق:16)

    أنواع الوسوسة:
    يحضر الشيطان ابن آدم عند كل شأنه, حتى عند طعامه وشرابه فتنة وابتلاءً،ولكن غرضه الأعظم الكبير في إفساد إيمان المؤمن, فهو يسعى بخيله ورجله ليطفىء نور العلم والهداية في قلبه, ويوقعه في ظلمة الشكِّ والحيرة, ومن هنا كانت وساوسه تتجه صوب أمرين دينيين:
    أحدهما: وسوسة الشيطان في العِلْمِيَّات: وهي مسائل الاعتقاد والإيمان, وهو أشدُّ النوعين؛ذلك لأنّ التوحيد: هو أساس الإسلام, وصرحه الشامخ, ورأس مال المؤمن, ومن خلاله يمكن للشيطان أن ينفث سمومه ليفسد على المرء دينه, ولهذا يوجه إبليس جلَّ سهامه وجنوده لإفساد هذه العقيدة, والتشكيك في التوحيد الخالص فتنة للناس عن دين الحق, كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة" (رواه مسلم)
    الثاني: الوسوسة في العمليات: وهي العبادات والمعاملات, فهو يحضر المسلم عند طهارته وصلاته وذكره ودعائه, وحجه وطوافه وصيامه, ليلبّس على الناس عباداتهم ويفسد عليهم طاعاتهم, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ الشيطان إذا سمع النداء أحال(ذهب هاربا) له ضراط, حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب لا يسمع صوته .فإذا سكت رجع فوسوس".(رواه البخاري ومسلم).

    أما النوع الأول:

    وهو وسوسته في العقائد, فمن حيل الشيطان وألاعيبه ببعض الناس أن يزين لهم حبَّ الفضول والسؤال عما لا قِبَلَ لمخلوق أن يدركه عن الخالق عز وجل, فتقع وسوسة السؤال عن ماهية الله تعالى, ووجوده...وقد يقع شيء من هذا لكثير من المؤمنين الصادقين, فيدفعونه بالاستعظام والإجلال كما أتى في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به, قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان" (رواه مسلم). وعن عبد الله رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة, قال: "تلك محضُ الإيمان" (رواه مسلم). قال الخطابي: "معناه: أنّ صريح الإيمان هو الذي منعكم من قول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم والتصديق به, وليس معناه أنّ الوسوسة نفسها صريح الإيمان, وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله, فكيف يكون إيماناً صريحاً, لأنّ الإيمان: التيقن, وأنّ الإشارة إلى أنّ ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبهم على ما وقع في نفوسهم: هو محض الإيمان؛ إذ الخوف من الله تعالى ينافي الشك فيه" .

    وقال ابن تيمية رحمه الله: "أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا أعظم الجهاد و(الصريح) الخالص كاللبن الصريح, وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية, ودفعوها فخَلص الإيمان فصار صريحاً ..." وقال: "فالشيطان لما قذف في قلوبهم وسوسة فدفعوه؛ تحرك الإيمان الذي في قلوبهم بالكراهة لذلك، والاستعظام له؛ فكان ذلك صريح الإيمان, ولا يقتضي ذلك أن يكون السبب الذي هو الوسوسة مأموراً به, والعبد أيضاً قد يدعوه داعٍ إلى الكفر أو المعصية فيعصيه ويمتنع؛ ويورثه ذلك إيماناً وتقوى, وليس السبب مأموراً به, وقد قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ.. ) الآيتان (آل عمران: 173 ،174), فهذا الإيمان الزائد والتوكل كان سبب تخويفهم بالعدو، وليس ذلك مشروعاً بل العبد يفعل ذنباً فيورثه ذلك توبة يحبه الله بها، ولا يكون الذنب مأموراً به وهذا باب واسع جداً..".

    هذا وقد أنبأ نبينا صلى الله عليه وسلم أصحابه أنّ هذه الوساوس سيتكلم بها الناس, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا: هذا الله فمن خلق الله؟" قال: فبينما أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب فقالوا: يا أبا هريرة هذا الله, فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم, ثم قال: قوموا قوموا، صدق خليلي" رواه مسلم.

    طرق علاج الوسوسة في العقائد:
    إنّ السلامة من فتنة الشيطان بالوسوسة في الإيمان والاعتقادات تكون بطريقتين:

    الطريقة الأولى: وقائية:

    وهي الاحتراز من الوسوسة قبل حصولها, وذلك بالتحصن بالعلم والعكوف على مسائل التوحيد والإيمان, دراسة ومذاكرة, لأنّ الشيطان لا يجد السبيل سالكاً لتشكيك أهل العلم بالإيمان, فكلما أراد عدو الله أن يصرعهم صرعوه, وإذا شغب عليهم بوساوسه, ردوها عليه بما عندهم من الهدى والعلم ورجموه، "وَلَعالِـمٌ واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد", ومَن عرف الله تعالى من خلال صفاته ومخلوقاته, عظّم ربه حق التعظيم, وقَدَّره كل التقدير, ولا يزال أبداً يحسن الظن بمولاه حتى يلقاه.

    الطريقة الثانية: إذا وقعت الوسوسة في النفس,دفعها المسلم المدرك, وأبطلها بستة أمور:
    الأمر الأول: الكف عن الاسترسال في الوسوسة, والانتهاء عنها بقطع حبالها ومتعلقاتها, مستعيناً على ذلك بالاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم, وذلك لما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته"(رواه مسلم) ، والمعنى: إذا عرض له هذا الوسواس, فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره, وليعرض عن الفكر في ذلك, وليعلم أنّ هذا الخاطر من وسوسة الشيطان, وهو أن يسعى بالفساد والإغواء, فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها, بالاشتغال عنها. وهذا كما قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ )( سورة الأعراف: الآيتان 201,200(.وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ للشيطان لـمَّة بابن آدم, وللمَلَك لـمَّة, فأما لـمَّة الشيطان, فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق, وأما لـمَّة الملك, فإيعاد بالخير, وتصديق بالحق, فمن وجد ذلك, فليعلم أنه من الله, فليحمد الله, ومن وجد الأخرى, فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم".

    فلا بد إذن من ضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس, لأنّ الأضرار والعواقب المترتبة على التسليم لهذه الوساوس وخيمة.
    الأمر الثاني: لا يسأل أسئلة صريحة عن هذه الوساوس التي تدور بخاطره, أي لا يصرح بشيء من ذلك, فإنه في عافية, مادامت الوساوس محصورة في قلبه لم تنتقل بعد إلى لسانه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تجاوز لأمتي عما وسوست ـ أو حدثت ـ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم"(البخاري ).
    وهذا ما كان يتأدب به الصحابة إذا وقع لهم شيء من ذلك كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء, لأنْ أكون حُمَمَة أحب إليَّ من أن أتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة"( رواه أبو داود.).

    الأمر الثالث: أن يقول إذا وجد الوسوسة بثبات جنان ونطق لسان: "آمنت بالله", وذلك لحديث: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا, خلق الله الخلق. فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله" (رواه مسلم) ، ومن المعلوم أنّ الإيمان به تعالى هو ركن الإيمان الأول بالغيب, ومنه ينطلق الإيمان ببقية الأركان, فالتأكيد عليه بالنطق كذلك تذكير بالله تعالى وطرد للشيطان.
    الأمر الرابع: قال ابن القيم رحمه الله: "وأرشد ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ من بُلي بشيء من وسوسة التسلسل في الفاعلية, إذا قيل له: هذا الله خلق الخلق, فمن خلق الله؟ أن يقرأ: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) سورة الحديد: الآية 3. كذلك قال ابن عباس لأبي زُميل سماك بن الوليد الحنفي وقد سأله: "ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قال: قلت: والله لا أتكلم به, قال: قال لي: أشيءٌ من شك؟ قلت: بلى. فقال لي: ما نجا من ذلك أحد, حتى أنزل الله عز وجل: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) قال: قال لي: فإذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلان التسلسل الباطل ببديهة العقل, وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أول ليس قبله شيء كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء, ... فهو الأول الذي ليس قبله شيء, والآخر الذي ليس بعده شيء, والظاهر الذي ليس فوقه شيء, والباطن الذي ليس دونه شيء" .

    الأمر الخامس: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء, وطلب تثبيت القلب على الإيمان. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو فيقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"وكان يقول أيضاً: "إنّ الإيمان يبلى في جوف أحدكم كما يبلى الثوب؛فاسألوا الله أن يجدد إيمانكم".
    الأمر السادس: إذا استمرت الوساوس, فما عليه إلا أن يردَّ ما يُشكل عليه ويؤرقه, ويكدر صفو اعتقاده بربه ويزعزعه إلى أهل العلم, لقول الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ).

    وأما النوع الثاني وهو وسوسته في العبادات فهو أمر يوقع فيه الشيطان بعض الناس فيأتيهم في الصلاة مثلا فيخيل إليهم أنهم قد أحدثوا أو أن الواحد منهم صلى ثلاثا بدلا من أربع ركعات...وكأن يأتي العبد بعد الفراغ من الوضؤ فيوسوس له أنه لم يمسح رأسه ،أو لم يغسل العضو كما ينبغي...

    وعلاج هذا النوع أساسا بعدم الالتفات له خصوصا إذا صار عادة للشخص،وقد دل على هذا العلاج خير البشر صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث.ولم يحدث،فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه"(رواه الهيثمي في المجمع، وقال:رجاله رجال الصحيح).
    وعلى من ابتلي بهذا الداء أن يستعين بكثرة الذكر؛فإنه لا سلطان للشيطان على الذاكر،وعليه أيضا أن يكثر من الدعاء والتضرع إلى الله ليصرف عنه ما يجد ، وليستعن بأهل الاختصاص من الأطباء.عافانا الله وإياكم والمسلمين من كل داء وبلاء ،ورد كيد الشيطان إلى نحره، والحمد لله رب العالمين.
    ماهر السيد
                  

10-29-2015, 05:09 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    Quote: حين يكون القلب موصولاً بالله، والجوارح عاملة بطاعته كافة عن محارمه، يقذف الله في هذا القلب نورًا يميز به بين الحق والباطل، بين الصادقين والكاذبين.
                  

09-26-2015, 11:29 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الرجاء..أجلَُ منازل السالكين

    تكلمنا في مقال سابق عن الخوف من الله تعالى، وفي هذا المقال نتكلم عن الرجاء؛ حيث إن المؤمن يسير إلى ربه على جناحي الخوف والرجاء. فبالخوف ينزجر العبد عن المعاصي والسيئات، وبالرجاء تتحرك الجوارح بالطاعات.
    يقول ابن القيم رحمه الله:
    "الرجاء من أجل منازل السائرين وأعلاها وأشرفها، ... وقد مدح الله تعالى أهله وأثنى عليهم، فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21].

    وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي" ... وهو عبودية وتعلقٌ بالله من حيث اسمه: "المحسن البرُّ"... فقوة الرجاء على حسب قوة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه. ولولا روح الرجاء لعُطِّلتِ عبودية القلب والجوارح، وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرًا.. بل لولا روح الرجاء لما تحركت الجوارح بالطاعة، ولولا ريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات.ا.هـ.
    قال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن بما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند ا لله من الرحمة ما قنط من جنته أحد".

    وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "إن أكبر آية في القرآن فرجًا آية في سورة الغرف (الزمر): (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
    ولما دخلوا على مالك بن أنس في العشية التي قبض فيها قال بعضهم: يا أبا عبد الله!كيف تجدك؟ قال: ما أدري ما أقول لكم، إلا أنكم ستعاينون غدًا من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب.
    فسبحان الله العظيم، لو يعلم المدبرون عنه كيف انتظاره لهم، ورحمته إياهم لتقطعت أوصالهم شوقًا إليه، هذه إرادته في المدبرين عنه، فكيف بالمقبلين عليه؟!!
    قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فقلت له: مَنْ أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم.
    ونظر الفضيل بن عياض إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال:
    "أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقًا - سدس درهم - أكان يردُّهم؟ قالوا: لا. قال: والله لَلمغفرةُ عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق".
    وإني لأدعو الله أطلب عفـــــوه.. ... ..وأعلم أن اللـــــه يعفـو ويغفــــرُ
    لئن أعظم الناسُ الذنوبَ فإنها.. ... ..وإن عظمت في رحمة الله تصغر

    وحريٌ بالعبد أن يعظم رجاؤه بربه خاصة عند نزول الموت بساحته، فإن الله عز وجل يقول: "أنا عند ظن عبدي بي".
    ولأجل هذا المعنى لما دخل واثلة بن الأسقع رضي الله عنه على يزيد بن الأسود وهو يحتضر، فقال واثلة:
    "ألا تخبرني عن شيء أسألك عنه، كيف ظنك بالله؟ قال: اعترتني ذنوبٌ لي أشفيت على هلكة، ولكن أرجو رحمة الله. فكبر واثلة وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء".
    ولهذا المعنى أيضًا قال سليمان التيمي حين حضرته الوفاة لابنه معتمر: يا معتمر، حدثني بالرخص؛ لعلي ألقى الله وأنا أُحسن الظن به".

    الرجاء يدفع إلى العمل:
    المشاهد في دنيا الناس أن كثيرا من المفرطين في الطاعات المجترئين على فعل المعاصي والسيئات يزعمون ثقتهم برحمة الله وعفوه، وهذا ولا شك فهم قاصر لمعنى الرجاء يصدق على أصحابه ذم الإمام الحسن البصري رحمه الله حين قال:إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله ،وكذبوا فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
    إن الله عز وجل هو الغفور الرحيم، لكن أرجو أن تنتبه معي أيها الحبيب إلى المعنى اللطيف الذي تضمنته هذه الآية التي يقول الله عز وجل فيها: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) (البقرة:218).

    فانظر كيف أنهم يرجون رحمة الله وهم يعملون هذه الأعمال الصالحة العظيمة.فهيا أيها الحبيب لعمل الصالحات والتوبة مما سلف من المعاصي والسيئات ،وقد آن لنا قبل الختام أن نهتف كما هتف محمود الورَّاق رحمه الله:
    حُسْنُ ظني بحسن عفـــوك يـا.. ... ..ربِّ جميـــــلٌ وأنت مالـك أمري
    صُنْتُ سِرِّي عن القـــرابة والــ.. ... ..أهل جميعًا وكنتَ موضع سري
    ثِقـــــةً بالـذي لديـك من الستْــر.. ... ..فـلا تخـــــزني يـــــــوم نشــري
    يومَ هتك الستور عن حجب الــ.. ... ..غــيب فلا تهتكنَّ للنـاس ستـري
    لَقِّنِّي حـجتي وإن لـم تكنْ يـــــا.. ... ..ربِّ لـي حجةٌ ولا وجْـــه عُـــــذْر
    إسلام ويب
                  

09-26-2015, 11:31 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الخوف شعار العارفين
    إن من أعظم المهمات التي بعث لأجلها النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفوس وتطهيرها، كما قال الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2].
    وقد جعل الله تعالى فلاح العبد منوطًا بتزكية نفسه، فقال سبحانه وتعالى بعد أحد عشر قسمًا متواليًا: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:9، 10].
    ومما لا شك فيه أن من أهم الوسائل لتزكية النفوس هو تربيتها على الخوف من الله عز وجل. قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    "ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة الخوف، وهي من أجلِّ منازل الطريق، وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد".
    وقال أيضًا رحمه الله:
    "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر".
    وإذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها؛ إذ الخوف سوط الله الذي يقوِّم به الشاردين عن بابه ويصدهم به عن نار الجحيم والعذاب الأليم.

    قال الفضيل رحمه الله: من خاف الله دله الخوف على كل خير.
    واعلم أن الخوف إذا فارق القلب خَرِب، وتجرأ صاحبه على المعاصي.
    وكيف لا يخاف العبد في هذه الدار وهو يعلم أنه مقبل على أهوال عظام:
    فهو لا يدري بماذا يختم له.. قال سهل: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة، وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ...) [المؤمنون:60].
    ولما احتضر سفيان الثوري - رحمه الله - بكى بكاءً شديدًا. فقيل له: عليك بالرجاء؛ فإن عفو الله أعظم من ذنوبك. فقال: أو على ذنوبي أبكي؟! لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا.
    ثم هو مقبل على القبر وسؤال الملكين، ولا يدري أيثبت أم لا؟.. جلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير قبر فبكى ثم قال: "أي إخواني لمثل هذا فأعدوا".
    ثم إذا أعمل فكرة في أهوال الحشر، والميزان، والصراط، وانصراف الناس إما إلى جنة وإما إلى نار لاستولى الخوف على قلبه فحجزه عن الكثير من المحرمات. فكل من خاف شيئًا فر منه، لكن من خاف الله فر إليه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات:50]

    درجات الخوف:
    ذكر بعضهم أن للخوف درجات:
    الدرجة الأولى: خوف العقوبة:
    وهو الخوف الذي يصح به الإيمان، وهو خوف العامة، وهذا الخوف يتولد من تصديق الوعيد، وذكر الجناية، ومراقبة العاقبة، وترحل هذا الخوف من القلب علامة ترحل الإيمان منه.. قال الله تعالى: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175].
    الدرجة الثانية: خوف المكر:
    فكم من مغبوط بحاله انعكس عليه الحال، ورجع من حسن المعاملة إلى قبيح الأعمال، فأصبح يقلب كفيه ويضرب باليمين على الشمال، فبُدِّل بالأُنس وحشة، وبالحضور غيبة، وبالإقبال إعراضًا، وبالتقريب إبعادًا.

    وأعلى الدرجات: خوف العبد الحجاب عن الرب:وهذا خوف العارفين.
    وكلما كان العبد أعلم بالله وأعرف بصفاته سبحانه كلما كان خوفه أشد.. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28]. ولهذا وجدنا سيد الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم أخوف الناس، فقد قيل له: يا رسول الله شِبْتَ! قال: "شيبتني هود وأخواتها". وهو صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه: "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية".
    وقد ذكر بعض العلماء أن الخوف له قصور، وإفراط، واعتدال، فالمحمود منه هو الاعتدال والوسط، وذلك الذي يحمل صاحبه على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإن زاد بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والكف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات؛ كان أفضل وأحسن.
    وأما القاصر فذلك الذي يجري مجرى رقة النساء، يخطر بالبال عن وجود سبب من الأسباب كسماع آية أو موعظة أو غير ذلك، فتفيض الدموع ويوجل القلب، ثم إذا زال السبب عاد لما كان عليه من الغفلة، فهذا خوف قاصر قليل الجدوى.
    وأما الإفراط في الخوف بحيث يخرج صاحبه إلى اليأس والقنوط أو يورث مرضًا أو همًا بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المحبوبة لله، فإن ذلك مذموم غير محمود.
    رزقنا الله خشيته ومخافته في السر والعلن، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
    إسلام ويب
                  

09-26-2015, 11:33 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اليقين روح أعمال القلوب
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
    فإن حديثنا في هذه المقالة عن مقام من أعلى مقامات الدين، وخلة من أعظم خلال العارفين، إنه اليقين.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُ القوم إنما كان عليه وإشاراتُهم كلُّها إليه، وإذا تزوَّج الصبر باليقين وُلد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
    وخصَّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20].
    وخصَّ أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالَمين، فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:4، 5].
    وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثـية:32].
    فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقية، وهو قُطب هذا الشأن الذي عليه مداره".اهـ.

    التوكل ثمرةُ اليقين:
    و"التوكُّل ثمرتُه ونتيجتُه، ولهذا حسُن اقتران الهدى به؛ قال تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل:79]. فالحقُّ هو اليقين.
    وقالت رسُل الله: (وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) [إبراهيم:12]. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورًا وإشراقًا، وانتفى عنه كلُّ ريب وشكٍّ وسُخْطٍ، وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأ محبَّةً لله وخوفًا منه، ورضًا به وشكرًا له، وتوكُّلاً عليه، وإنابةً إليه؛ فهو مادَّة جميع المقامات والحامل لها.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل".[أخرجه أحمد في الزهد، وحسنه الألباني].
    وقال صلى الله عليه وسلم: "نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلِك آخِرُها بالبخل والأمل". [رواه ابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني].

    الرسول صلى الله عليه ويسلم يسأل ربه اليقين:
    فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدَّعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحولُ بيننا وبين معاصِيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعْنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علِمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". [أخرجه الترمذي وحسنه الألباني].

    رجحان العمل وحصول الرضا باليقين:
    وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "يا حبَّذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامَهم؟! ولَمثقال ذرَّةٍ من برٍّ، من صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم، من أمثال الجبال عبادةً من المغْترين".[أخرجه أحمد].
    وصحَّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الرَّوح والفرج في اليقين والرضا، وإن الغمَّ والحزن من الشَّكِّ والسُّخط".
    وكان عطاء الخراساني لا يقوم من مجلسه حتى يقول: "اللهم هبْ لنا يقينا بك حتى تهون علينا مصيباتُ الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كُتب علينا، ولا يأتينا من هذا الرزق إلا ما قسمتَ لنا به".
    وقال بلال بن سعد: "عباد الرحمن، اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيَّام طِوال، في دار زوال لدار مقام، ودار حزن ونصبٍ لدار نعيم وخُلدٍ، ومَن لم يعمل على اليقين فلا يغْترَّ". أي أن الأفعال تدل على ضعف اليقين.
    وقال رحمه الله: "كأنَّا قومٌ لا يعقلون، وكأنَّا قومٌ لا يُوقنون".
    وقال رحمه الله: "عباد الرحمن، أمَّا ما وكَّلكم الله به فتضيِّعونه، وأمَّا ما تكفَّل لكم به فتطلبونه، ما هكذا بعث الله عباده الموقنين، أذَوُو عقولٍ في طلب الدنيا، وبُلْهٌ عمَّا خلقتم له؟ فكا ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعة الله عز وجل، فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصي الله عز وجل".
    واعلم - رعاك الله - أنه على قدر قربك من التقوى تدرك من اليقين، ولا يسكن اليقين قلبًا فيه سكون إلى غير الله تعالى.

    أمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين:
    إن من يقلب صفحات التاريخ يجده يزخر بأمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين والثقة بالله، ومنها:
    خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام كان خلقه اليقين:
    فكل مواقفه عليه السلام تدل على ذلك، ففي محاجَّته لقومه كان خلقه اليقين: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:80-82].نعم ،كيف يخاف من عنده هذا اليقين؟!!.
    ويتجلى يقينه وتوكله وثقته بربه حينما ألقوه في النار، وجاءه جبريل يقول: ألك حاجة؟ فيجيبه: أما إليك فلا، ثم يردد نشيده العلوي: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
    إن كل موقف من مواقف الخليل ملؤه اليقين.. إلقاء طفله الرضيع وزوجه في البرية، همه بذبح ولده.. فصلوات ربي وسلامه عليه.

    الرسول صلى الله عليه وسلم.. القمة في علو الهمة:
    ومَنْ كرسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما يشتد الكرب يبدو يقينه مثالاً يحتذى، ولا كرب أشد من ساعة الهجرة: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40]. حين يقول له الصديق: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، والرسول صلى الله عليه وسلم يهدئ من روعه: "يا أبا بكرٍ ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟".
    ثم انظر إلى يقينه بربه بعد أن جرى له ما يشيب لذكره الولدان في رحلته إلى الطائف، وهو يقول لملك الجبال الذي عرض عليه الانتقام من المشركين: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا".

    صيحة عمير بن الحمام.. منارة من منارات اليقين:
    فإنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض". قال: بخٍ بخ. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على قولك: بخٍ بخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلاَّ رجاء أن أكون من أهلها. قال صلى الله عليه وسلم: "فإنك من أهلها". فأخرج تمرات كنَّ في قرنه (جيبه) فجعل يأكل منهنَّ ثم قال: لئن حييتُ حتى آكل تمراتي هذه؛ إنها لحياة طويلة. فرمى بما كان معه ثم قاتلهم حتى قتل".
    ولله در القائل:
    يــا أمتي وأقــول اليــوم فـي ثقــة.. ... ..إني اليقـينُ فلا شيءٌ يزعزعـني
    إني العـقـيـدة والإقـــدام فيـصلهـا.. ... ..وليـس غـيرُ نــداء الله يسـحـرني
    أذود عنه وفـيــها عـلَّ خــاتـمـتي.. ... ..تكـون في ظلهــا يــومًا فتقبـــلـني
    فاللـــيل يعــقـبـه فـجـر ومـئـذنــةٌ.. ... ..والله أكـبـر نبــراسٌ علـى الـزمـن
    الهول في خطوي والنورفي دربي.. . وأظل أسمع صوتَ الحق في أذني
    رزقنا الله يقينا لا يتزحزح، وقرة عين لا تنفد... اللهم آمين.
    للاستزادة:
    ( نضرة النعيم / جزء 8 )
    ( صلاح الأمة / جزء 5 )
                  

09-26-2015, 11:35 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    المراقبة شعار المتقين
    إن الله اللطيف الخبير وسع كل شيء علما،لا يخفى عليه شيء في اسماوات ولا في الأرض ‘وإذا علم العبد هذه المعاني وجب عليه ان يراقب ربه في كل حركاته وسكناته.والمراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علم العبد بأن الله رقيب عليه، ناظرٌ إليه، سامع لقوله، وهو سبحانه مطلع على عمله كل وقت وكل طرفة عين.
    قال الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4]، وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235]، وقال: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [الأحزاب:52].
    وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". ولله در الإمام أحمد رحمه الله وهو يقول:
    إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل.. ... ..خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
    ولا تحسبنَّ الله يغفــل ســـاعــةً.. ... ..ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ

    والمراقبة تعبُّدٌ لله بأسمائه الحسنى:
    اعلم أيها القارئ الكريم - وفقنا الله وإياك - أن المراقبة هي التعبد لله بأسمائه: "الرقيب، الحفيظ، السميع، العليم، الخبير، البصير، الشهيد، والمحصي"؛ فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.
    الله هو الرقيب:
    الله سبحانه هو الرقيب، يعلم أحوال عباده، ويعد أنفاسهم، حفيظ لا يغفل، وحاضر لا يغيب، قال تعالى في قول عيسى لربه: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:117].
    وقد سُئل بعضهم: بم يُستعان على غض البصر؟ فقال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور.
    وقال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى. فسأله عن تفسير ذلك؟ فقال: كُن أبدًا كأنك ترى الله.
    فهو سبحانه:
    رقيب على كل الوجــود مهيمنٌ .. ... على الفلك الدوار نجمًا وكوكبًا
    رقيب على كل النفوس وإنْ تَلُذْ.. ... بصمـت ولـم تجهـر بسـرٍ تغيبًا
    رقيب تعالى مـالك الملك مبصرٌ.. ... به كل شيءٌ ظاهرًا أو محجبًا

    والله هو الحفيظ:
    قال تعالى: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سـبأ:21]، فمن علم ذلك حفظ قلبه وجوارحه من معاصيه.
    العليم:
    فمن علم أنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر، ووساوس الخواطر، راقب ربه واستحيا منه، وكف عن معاصيه، قال تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الملك:13].
    الشهيد:
    قال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61].
    وهكذا بقية أسمائه الحسنى التي ذكرناها، فإن التعبد لله بمقتضاها يورث القلب مراقبة الرب عز وجل.
    قال عامر بن قيس: ما نظرتُ إلى شيءٍ إلا رأيتُ الله تعالى أقرب إليه مني.
    وقد مرَّ ابن عمر رضي الله عنهما براعٍ فطلب منه شاةً يشتريها فقال: ليس هاهنا ربها. قال ابن عمر: تقول له: أكلها الذئب. قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: فأين الله؟ فقال ابن عمر: أنا والله أحق أن أقول: أين الله؟ واشترى الراعي والغنم، فأعتقه وأعطاه الغنم.
    فحريٌ بالعبد أن يراقب ربه، فهو لا يغيب عن نظره سبحانه طرفة عين: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [المجادلة:7]؟
    قال حُميد الطويل لسليمان بن عليّ: عظني. فقال: لئن كنت إذا عصيت الله خاليًا ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت.
    وقال ابن الجوزي رحمه الله: الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه. فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفُّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفوا عن الانبساط.
    نسأل الله أن يرزقنا خشيته ومراقبته في السر والعلن إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    إسلام ويب
                  

09-26-2015, 11:36 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الطمع .. فقر دائم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.. وبعد: ما من شيء أفسد لدين المرء من الطمع في شهوات الدنيا من مال أو منصب أو جاه، ذلك أن العبد إذا استرسل مع الأمنيات استعبدته كما قال القائل:
    العبد حرٌ ما قنع .. ... ..والحر عبدٌ ما طمع
    وقال آخر:
    أطعت مطامعي فاستعبدتني.. ... ..ولو أني قنعت لكنت حرًا
    يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
    وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو ثروة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له إذا لم يحصل.
    والعبودية في الحقيقة هي رقُّ القلب وعبوديته"أهـ.
    ولأجل هذا المعنى كان يقال: الطمع فقرٌ، واليأس غنى، وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه.
    وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الطمع أشد التحذير فقال: "وأهل النار خمسة: ... والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه..." الحديث.
    وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله "من نفس لا تشبع".
    الطمع يمحق البركة
    والطمع يمحق البركة ويشعر النفس بحالة الفقر الدائم، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع.." الحديث.
    وكان السلف يرون أن الطمع يُذهب بركة العلم، فقد اجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال كعب: يا بن سلام: مَن أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما أذهب العلمَ عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطمع، وشَرَه النفس، وطلب الحوائج إلى الناس.
    ورحم الله القائل:
    ولم أقض حق العلم إن كان كلما .. ... ..بدا طــمعُ، صيَّرته لي ســـلمًا
    وما كل بــرق لاح لي يسـتفـزني.. ... ..ولا كل من لاقيت أرضاه منعمًا
    إذا قيل هــذا منهـل قلت قد أرى.. ... ..ولكـن نفس الحر تحتمل الظما
    أنهنهها عـن بعض مـا لا يشـينها.. ... ..مخــافة أقوال العــدا فيم أو لـمَ
    ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي .. ... .. لأخْدِمَ مَن لاقيتُ ولكن لأُخَدما
    أأشقى به غــرسًا وأجنيــه ذِلة؟ .. ... ..إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
    ولو أن أهـــل صـانــوه صـــانهـم.. ... .. ولو عظموه في النفوس لعظِّما
    ولكـــن أهانــوه فهــان ودنســوا.. ... .. محيـاه بالأطمــاع حتى تجهما
    ومن كان ذا طمع مسيطر على قلبه فإن الذل قرينه؛ لأنه يبذل عرضه في سبيل تحقيق ما هو ته نفسه وطمع فيه قلبه؛ وفي هذا المعنى يقول أبو العتاهية رحمه الله:
    تعالى الله يا سَلْمُ بنَ عمرو.. ... ..أذلَّ الحرص أعناق الرجال
    وقال بعضهم:
    الحرص يُنقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه.
    وقالوا: العبيد ثلاثةٌ: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع.
    ولو لم يكن في الطمع إلا تضيع العمر الشريف الذي يمكن أن يشتري به صاحبه الدرجات العلى والنعيم المقيم، في طلب رزق قد تكفل الله به لكفى بذلك زجرًا، فكيف وفي الطمع التعب الدائم وتحقير النفس وإذلالها، ونقص الثقة بالله عز وجل مع شعور صاحبه بفقر دائم:
    "وما فتح عبد بابَ مسألةٍ، إلا فتح الله عليه باب فقر".
    نسأل الله أن يقينا شر الطمع، وأن يرزقنا القناعة..
    ماهر السيد
                  

09-26-2015, 11:38 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التفكر والاعتبار.. خلق أهل الفضل والأدكار
    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد
    فما طالت فكرة امرئ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل، ولو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل، والفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك، ولذلك كان التفكر من أفضل العبادات، فهو يورث الحكمة ويحيى القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله عز وجل.
    قال أبو سليمان الداراني: " إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شئ إلا رأيت لله فيه نعمة ولى فيه عبرة".. ولما سئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبى الدرداء؟ قالت التفكر والاعتبار. وعن محمد بن كعب القرظى قال: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ"إذا زلزلت والقارعة" لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلى من أن أهز القرآن ليلتي هزا أو قال أنثره نثرا. وعن طاووس قال: "قال الحواريون لعيسى ابن مريم: يا روح الله هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم من كان منطقه ذكرا ً وصمته فكرا ً ونظره عبرة فإنه مثلي".

    والتفكر يكون في نعم الله وفي كل شئ إلا في ذات الله تعالي: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوالسَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى: 11).. وقد كثر الحديث في كتاب الله تعالى على الاعتبار والتدبر والنظر والتفكر قال تعالي: ( يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَُ) (البقرة: 219) وقال: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ) (الأنعام: 50) وقال: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) (الروم: 8) .

    وعن عطاء قال " دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: "زُر غِبًّا تزدد حبًّا"، قال فقالت: دعونا من رطانتكم هذه، قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شئ رأيته من رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: فسكتت، ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: ياعائشة ذريني أتعبد الليلة لربي قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت ثم بكي فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكي فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا ً شكورا ً، لقد نزلت على الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) ( آل عمران: 190)..
    ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: " رجل ذكر الله خاليا ً ففاضت عيناه " رواه البخاري ومسلم.

    وعن حذيفة - رضى الله عنه - قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلى بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً إذا مر بأية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربى العظيم فكان ركوعه نحواً من قيامه ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربى الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه " رواه مسلم.
    وعن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرأ عليّ القرآن " قال: فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيرى" فقرأت النساء حتى إذا بلغت ) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا( " النساء:41" رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل" رواه البخاري ومسلم.

    والسنن والآثار كثيرة في هذا المعنى وكلها دالة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تفكر وتدبر.. فعن الحسن قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقيل: كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك، فيقول لقمان: إن طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنة. وعن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه بكى يوماً بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تدركها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.

    وأنفع الفكر الفكر في الآخرة وفي آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.
    أما الفكر في الدنيا وفيما لا يعنى فهو باب كل شر، وكذلك الفكر فيما لم يكلف الفكر فيه، كالفكر في كيفية ذات الرب مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئاً خسيساً لم يكن في سائر أمره إلا كذلك. قال مغيث الأسود: زوروا القبور كل يوم تفكركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار، وأشعِروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها وأطباقها".

    والصيام من جملة الأسباب المعينة على التفكر، ومن هنا قال البعض: إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة.

    والإنسان بحاجة لأن يقف مع أول همه، فإن كان لله أمضاه وإن كان لغيره توقف، والروية في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة.. قال الشافعي: فكر قبل أن تعزم، وتدبر قبل أن تقدم. وكان ابن مسعود - رضى الله عنه - يقول لأصحابه: أنتم في زمان خيركم المسارع في الأمر وسيأتي على الناس زمان خيرهم المتوقف المتثبت لكثرة الشبهات.

    وبعد أن علمت قيمة التفكر وما ورد بشان ذلك من آيات وسنن وأثار حري بك أيها الغادي أن تقف ساعة وتتفكر، من أنت، ومن خلقك، وإلى أين المصير، أراحل أنت أم مقيم، وإذا كنت مرتحلاً، فإلى أين أإلى جنة أم إلى نار؟ فالحياة بغير الله سراب، يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.
    تفكر في الموت والقبور والآخرة، كان الإمام أحمد - رحمه الله - يقول: من لم يردعه ذكر الموت والقبور والآخرة، فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع.

    تفكر.. فأنفاسك تعد، ورحالك تشد، وعاريتك ترد، والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد، وعلى أثر من سلف يمشى من خلف، وما عقبى الباقي غير اللحاق بالماضي، وما ثم إلا أمل مكذوب وأجل مكتوب ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) " آل عمران: 185 ".
    جلس عمر بن عبد العزيز يوماً متفكراً متأملاً ثم قال: قبور خرقت الأكفان ومزقت الأبدان، ومصت الدم، وأكلت اللحم.. ترى ما صنعت بهم الديدان؟! محت الوجوه، وكسرت الفقار، وأبانت الأشلاء، ومزقت الأعضاء .. ترى أليس الليل والنهار عليهم سواء، أليس هم في مدلهمة ظلماء، كم من ناعم وناعمة، أصبحت وجوههم بالية وأجسادهم عن أعناقهم نائية قد سالت الحدق على وجوههم دماً صديداً، ثم لم يلبثوا والله إلا يسيراً، حتى عادت العظام رميماً.. ثم قال: ليت شعري كيف ستصبر على خشونة الثرى، وبأي خديك سيبدأ البلى؟!!

    تفكر في أحوال المسلمين، فإن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، واجعل الهموم هماً واحداً، هو هم الآخرة.. وقد يطول بك العجب عندما ترى انشغالك بكرة القدم، أو بالسينما والمسرح، أو بالأغاني العربية والأجنبية، أو بمتابعة الموضات...... في الوقت الذي تجرى فيه المذابح الجماعية للمسلمين هنا وهناك، والكثرة منهم لا تجد رصيفاً آمناً تسكنه، تفكر فربما تشكر النعمة التي تعيشها وتنتهي عن البطر، وربما تستحي عندما ترى تقصيرك وتفريطك، والحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر، وربما تداركت قبل فوات الأوان، فأعداء الأمس هم أعداء اليوم وهم لا يفرقون بين مسلم وآخر ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) "آل عمران: 118"، وما صرنا كالأيتام على موائد اللئام إلا بسبب حب الدنيا وكراهية الموت، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهى راغمة.

    تفكر كيف نحقق معنى الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية، فهذه مهمتك قبل غيرك، وأنت على ثغر من ثغور الإسلام فاحذر أن يؤتى الإسلام من قبلك، لن تعدم دعوات صالحات في جوف الليل، وسهام الليل لا تخطئ، عسى الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين ويوحد كلمتهم ويجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم. لا تتنصل من تحمل المسئولية فأنت مسؤول (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ( "الأعراف:6" )لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) "الأحزاب:8".

    تفكر في نفسك وفي عظيم نعمة الله عليك (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) "الذاريات:21" وكفي بنعمة الإسلام نعمة، فهل أديت شكر هذه النعم؟
    تزود بالعلم النافع وتابعه بعمل صالح، واحرص على تقوية معاني العقيدة في نفسك فالحرب مع أعداء المسلمين حرب عقائدية، واعلم أنه لا سبيل لأن تكون من الطائفة الظاهرة الناجية المنصورة إلا بان تكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فهل تحققت بهذا المنهج الإيماني علماً وعملاً واعتقادا؟!

    لا ريب أنه إذا ذكرت أحوال السلف بيننا افتضحنا كلنا ولكن هذا لا يمنع من أن نبدأ ونجاهد أنفسنا (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) "العنكبوت:69".. وكما قالوا مسيرة آلاف الأميال تبدأ بخطوة واحدة، وربنا يلوم على العجز فاستشعر أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وليكن سبيلك التخلية عن الرذائل قبل التحلية بالفضائل، واحذر أن تحدث أنت الثقب في قعر السفينة فهذا يساوى غرقها بجميع ركابها في قعر المحيط، فالمعاصي هلكة ودمار، ومعصية الجيش أضر عليه من سيوف أعدائه.

    **التأمل في ملكوت الله ***
    إن التفكر في ملكوت السموات والأرض من شانه أن يهدى الحيارى، ففي كل شئ له آية تدل على أنه الواحد .. تأمل كيف رفع السماء فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها.
    تأمل عجيب قدرة الله في خلقه، وكيف يسير الكون بنظام دقيق (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) "يس:40".
    وتأمل وتفكر في دعوة سيد الأولين والآخرين، فمعجزاته كثيرة طبية وفلكية، وحكمية وبلاغية..... وأعظمها معجزة القرآن الكريم.. كل شئ يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم، أخلاقه، أمته، الأخبار الغيبية، الدعاء المستجاب، ما هو موجود بأيدي أهل الكتاب )أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُو إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(. تدبر ذلك تزدد إيماناً ويقيناً بعظمة هذا الدين، ولا تملك معه إلا أن تدعو وتقول: "رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين...... اللهم اجعل صمتنا فكراً ونطقناً ذكراً ونظرنا عبراً.
    وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    د. سعيد عبد العظيم
                  

09-26-2015, 11:40 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أخلاقُ أهل القرآن
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد
    فإن حفظ القرآن من أعظم المنن التي يمن الله على عبده بها، وهذه النعمة تستوجب شكر مسديها سبحانه حتى يبارك فيها وينفع بها صاحبها، ولذا وجب على من حفظ كتاب الله المجيد أن يسترشد بهديه ويتخلق بأخلاقة ويتأدب بآدابه.. تلك الآداب والأخلاق التي تمثلت صورتها العملية في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح حيث سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق (رضي الله عنها وعن أبيها) عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن).

    وقد تكلم السادة العلماء والسلف الأجلاء عن بعض هذه الأخلاق والتي نسوق لأهل القرآن شيئا منها:
    قال بشر بن الحارث : سمعت عيسى بن يونس ( ت 187 هـ ) يقول: إذا ختمَ العبدُ قبّل الملَك بين عينيه، فينبغي له أن يجعلَ القرآن ربيعاً لقلبه، يَعْمُرُ ماخرِبَ من قلبِهِ، يتأدبُ بآدابِ القرآن،ويتخلّقُ بأخلاقٍ شريفةٍ يتميّز بها عن سائرِ النّاس ممن لايقرأ القرآن .

    فأول ماينبغي له أن يستعملَ تقوى الله في السّرّ والعلانية: باستعمال الورع في مطعمه ومشربه ومكسبه، وأن يكونَ بصيراً بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه؛ مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح مافسد من أمره، حافظاً للسانه، مميِّزاً لكلامه؛ إن تكلّم تكلّم بعلم إذا رأى الكلامَ صواباً، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً، قليلَ الخوض فيما لايعنيه.. يخاف من لسانه أشدّ مما يخاف من عدوّه، يحبس لسانه كحبسه لعدوّه، ليأمن شرّه وسوءَ عاقبتِه؛ قليلَ الضّحك فيما يضحك منه النّاس لسوء عاقبة الضّحك، إن سُرَّ بشيءٍ مما يوافقُ الحقَّ تبسَّم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح قال حقاً، باسطَ الوجه، طيّب الكلام، لايمدحُ نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه، يحذر من نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يُسخط مولاه، ولايغتابُ أحداً ولا يحقر أحداً، ولايشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، ولا يسيءُ الظنّ بأحدٍ إلا بمن يستحق؛ وأن يكون حافظاً لجميع جوارحه عمّا نُهي عنه، يجتهد ليسلمَ النّاسُ من لسانه ويده، لا يظلم وإن ظُلم عفا، لا يبغي على أحد، وإن بُغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربّه، ويغيظَ عدوّه. وأن يكون متواضعاً في نفسه، إذا قيل له الحق قَبِله من صغيرٍ أو كبير، يطلب الرفعة من الله تعالى لامن المخلوقين .

    وينبغي أن لا يتأكلَ بالقرآن ولا يحبّ أن تُقضى له به الحوائج، ولا يسعى به إلى أبناء الملوك، ولا يجالس الأغنياء ليكرموه، إن وُسِّع عليه وسَّع، وإن أُمسِك عليه أمسَك. وأن يُلزم نفسه بِرَّ والديه: فيخفضُ لهما جناحه، ويخفصُ لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، ويشكر لهما عند الكبر. وأن يصلَ الرحم ويكره القطيعة، مَن قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، مَن صحِبه نفعه، وأن يكون حسن المجالسة لمن جالس، إن علّم غيره رفق به، لايعنّف من أخطأ ولا يخجله، وهو رفيقٌ في أموره، صبورٌ على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً .

    عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما): "كنّا صدرَ هذه الأمّة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما معه إلا السّورة من القرآن أو شبه ذلك؛ وكان القرآن ثقيلاً عليهم، ورُزقوا العمل به. وإنّ آخر هذه الأمّة يُخفّف عليهم القرآن حتّى يقرأه الصّبيّ والأعجميّ، فلا يعملون به".

    وعن مجاهد (رضي الله عنه) في قوله تعالى: "يتلونه حقّ تلاوته". قال: "يعملون به حقَّ عمله".
    وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناسُ نائمون، وبنهاره إذا الناسُ مُفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناسُ يختالون، وبحزنه إذا الناسُ يفرحون، وببكائه إذا الناسُ يضحكون، وبصمته إذا الناسُ يخوضون".

    وعن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: "حامل القرآن حامل رايةِ الإسلام .. لا يينبغي له أن يلغو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهو مع مَن يلهو".

    جعلنا الله تعالى ممن يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاقه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    إسلام ويب
                  

09-26-2015, 11:42 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    القوة في الدين.. خلق من أخلاق المؤمنين
    القوة في الدين، والقوة في الأخذ به والصبر على البلاء فيه، مظهر من مظاهر الرجولة الحقة، وهى حال الأنبياء والمرسلين ومن تابعهم بإحسان إلى يوم الدين، فالثبات على دين الله والصدع بكلمة الحق في مواجهة الطغاة والطواغيت هو شأنهم.. ووجود واحد من هذه العينة القوية خير من بقاء طوابير طويلة تعطى الكفرة الفجرة ما يطلبونه وما يريدونه ولو بالقول، وهذه القوة تثمر محبة الله ورضاه، وقد أمر بها سبحانه وتعالى في كتابه قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) "مريم:12" أي بجد وحرص واجتهاد، وأمر بها موسى عليه السلام قال تعالى:(ٍفَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا) "الأعراف:145" وأمر بها بنو إسرائيل: (خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) "البقرة:63" قال مجاهد : بقوة أي يعمل بما فيه ، وهى الطاعة والجد أيضا، وهذا للأسف عكس ما هو واقع في حياتنا وحياة الناس وكأننا لم نأخذ درسا، فالأزمات والنكبات وتسلط الأعداء على رقاب البلاد والعباد يتطلب قوة إيمان وعمق يقين، وهذا هو المخرج من الفتنة فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم، ولكننا نأبى إلا أن نكون "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، أو
    @كالعير بالرمضاء يقتله الظما .. ... .. والماء فوق ظهورها محمول@@
    نزداد عصياناً وتفريطاً في دين الله، ونبدل في مفهوم الولاء والبراء، ونغير شرع الله في مناهج التعليم والإعلام وفى حياتنا الخاصة والعامة إرضاءً لأعداء الإسلام والمسلمين؛ فنزداد بذلك ضعفاً على ضعفنا ويزدادون هم طغيانا على طغيانهم.. وكأنه لا سبيل عندنا للخروج من الواقع السيئ والأخذ بأسباب القوة الحقيقية وردع الأعداء عن غيهم وضلالهم.

    لقد كان المشركون إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، يقذفون أصنامهم في البحر ويقولون يا رب، والبعض منا تنزل به الشدة فيتعلق قلبه بالمخلوقين بل بأعدائه وكأن الذئاب يطلب منها رعاية الغنم!!! أيهدونكم وقد أضلهم الله, أيكرمونكم وقد أذلهم الله (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُم) "آل عمران:119".

    إن القوة لا تطلب من الخلق فكلهم ضعيف حتى وإن كان مسلماً فكيف ننشدها من أعدائنا وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر..

    لقد كان بنو إسرائيل مستضعفين في الأرض وكان فرعون يدَّعى الربوبية والألوهية ويذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم ويستخدمهم في أعمال السخرة، فما أمروا بخنوع أو باستمراء المذلة والمهانة أو بتكريس الواقع السيئ المؤلم أو بتغيير المفاهيم الإيمانية أو بتحليل الحرام وتحريم الحلال كما يطالب البعض ويفعل آخرون وإنما قيل لهم:(خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ).

    إن القوة الحقيقية تحدث عندما نصل الأرض بالسماء والدنيا بالآخرة وتتعلق القلوب بالقوى المتين ، فقوة الله فوق كل شئ: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) "هود:66"، وقال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) "الحج:40" وقال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) "المجادلة:21" وقد أمرنا سبحانه بإعداد العدة والأخذ بأسباب القوة كائنة ما كانت معنوية كانت أو مادية ، فقال جل وعلا: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم) "الأنفال:60" وفى الحديث: "ألا إن القوة الرمي" رواه مسلم. وأعظم صور القوة قوة الإيمان واليقين ففي حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوى خير وأحب من المؤمن الضعيف وفى كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز..." الحديث رواه مسلم .

    قد يتسلط الكفار على ديار المسلمين فتجد البعض يرجف ويخذل ويهول من قوة الأعداء ويهون من شأن المسلمين، وهذا من ضعف الإيمان وتلاعب الشيطان بهؤلاء: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) "آل عمران:175"
    وقد تنعكس الموازين ونصبح كالأسد الهصور في التعامل مع الصالحين وكالنعامة في مواجهة الأعداء الكافرين قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) "الفتح:29" قال ابن عباس رضى الله عنهما - كان أهل الحديبية أشداء على الكفار آي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته. وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديداً عنيفاً على الكفار ورحيماً باراً بالأخيار عبوساً غضوباً في وجه الكافر ضحوكاً بشوشاً في وجه أخيه المؤمن كما قال ابن كثير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان..

    **سير الأنبياء عليهم السلام***
    ومن نظر في السنن والسيرة وطالع قصص الأنبياء والمرسلين لوجد أن القوة في الأخذ بدين الله وفى مواجهة الكافرين والدعوة إلى الله رب العالمين سمة واضحة في حياتهم.
    فهذا نبي الله نوح دعا قومه ليلاً ونهاراً و سراً وجهارا، قيل كان يدخل لهم في بيوتهم لدعوتهم، أدماه قومه وكان يغمى عليه فإذا أفاق قال لهم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، واستمر يدعو ألف سنة إلا خمسين عاما وفى النهاية ما آمن معه إلا قليل!! فهل فتر أو ضعف أو ترك الدعوة؟! كلا.. بل أمر بصنع السفينة فصنعها على اليابسة وكان يعلم أن الله مجريها ومرسيها وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال (إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ) " هود : 38 " .

    وهذا نبي الله إبراهيم يكسر الأصنام ويدعو أباه ويواجه قومه ويناظر النمرود الذي امتلك الدنيا - ويسكن هاجر وولده إسماعيل هذا المكان القفر ويهم بذبح ولده نزولا على أمر الله ويرتحل هنا وهناك ويقول إني ذاهب إلى ربى سيهدين مجاهداً في سبيل الله حق جهاده غير هياب ولا وجل من قوة أرضية مادية (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم).

    وهذا نبي الله موسى يواجه فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية مع الله - ويناظر السحرة قيل كانوا سبعون ألف ساحر - واضطر للخروج إلى مدين -وهناك قالت الفتاة لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) "القصص:26" . ثم ظهرت قوته في دعوته لبنى إسرائيل والصبر عليهم ودعوتهم للثبات على دين الله (اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) "الأعراف:128". وتعظيمه لشعائر الله من صور قوته ظهر ذلك في إلقاء الألواح وأخذه برأس أخيه يجره إليه .

    ومن طالع سيرة سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه وجد القوة الإيمانية في تمامها وكمالها، فدعوته لقومه وصبره على أذاهم في شخصه الكريم وفى أصحابه الغر الميامين بلسان حال ينطق: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"، عرضوا عليه العروض السخية لترك دعوته فما لانت قناته، وتآمروا عليه لقتله فأنجاه الله منهم، واضطر للهجرة من أحب بلاد الله إلى الله ومن أحب بلاد الله لنفسه الشريفة وما تخلف عن جهاد في سبيل الله في مكة أو المدينة. وقد جمعت له القوة المادية إلى القوة الإيمانية فكان يثبت إذا اشتد البأس أو حمى الوطيس وكان الشجاع من أصحابه من يحتمي به، ويوم حنين عندما انكشف المسلمون وقف صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب حتى التف أصحابه حوله, وصارع ركانة - وكان من مشاهير العرب في القوة فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، وكان يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد وتزوده أم المؤمنين السيدة خديجة لمثلها. وذلك قبل البعثة فمن منا يطيق مثل ذلك.

    **والصالحون أيضا***
    ولو نظرنا في أحوال الصالحين لوجدنا المتابعة الصادقة وأخذ الأمر بكل قوة دون تغيير وتبديل لقد شاهد صاحب يس مصرع المرسلين ورغم ذلك أتى من أقصى المدينة يسعى يجدد الدعوة ) اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ( " يس : 21 " آلم يكن يتخوف على نفسه الهلاك ولماذا لم يحسب حساباً لبيته وأسرته ؟ !!! لقد فوض الأمر لله ، وعلم أن الله لا يضيع أولياءه ، الذين يستقيمون على شريعته في عسرهم ويسرهم ومنشطهم ومكرههم فلما أخذوه وقتلوه نصحهم ميتاً كما نصحهم حياً - وقال ) يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ( "يس:27" وهانوا هم على ربهم (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ( " يس : 28-30 " , إن قوة الإيمان وعمق اليقين كان السبب وراء موقف أصحاب الكهف ومؤمن آل فرعون وعبد الله الغلام وأصحاب الأخدود ..... وبماذا نفسر موقف سمية وزوجها ياسر و ابنها عمار والكل يؤذى في سبيل الله ورغم ذلك ما نرى إلا الثبات على طاعة الله وكان المشركون يضعون بلال في حر الظهيرة وعلى ظهره كتل الصخر وهو يردد أحدٌ أحدٌ وكانت أم تميم تسخن كتل الحديد حتى تحمر ثم تضعها على رأسه حتى يتلوى من الألم ---- إن طابور المعذبين في الأرض طابور طويل منهم من سجن ومنهم من قتل أو طرد ومنهم من كان يؤتى بالمنشار فيوضع فوق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه أبدا ومنهم من كان يمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصرفه ذلك عن دينه أبدا وقد أوذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أوذى أحد فما ضعفوا وما استكانوا بل قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل , فيا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا واحذروا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة تردون إلى أشد العذاب ) وَمَا ربك بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( " النمل : 93 " الحذر كل الحذر من خصال المنافقين الذين يعبدون الله على حرف الرخاء والسعة ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا( " الحج:11" غدا ينكشف الغطاء ويتبين لمن كانت بضاعته النفاق إن ما حصله كان سراباً يحسبه الظمآن ماء (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ) لا براءه لكم ولا عذر في تغيير دين الله وتبديل شرع الله ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى) " يونس : 15" لا تتذرعوا برخصه ولا استكراه في غير موضعه - فالحياة هينة والجنة سلعة غالية تموت الحرة ولا تأكل بثديها إلا أن موته في طاعة الله خير من حياة في معصيته ، واعلموا أن هلكة أعدائكم في افتخارهم بقوتهم ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت (15) .

    قد تضعف أبداننا ولا تضعف معاني الإيمان واليقين في قلوبنا، فاثبتوا يا عباد الله فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)..
    إسلام ويب
                  

09-26-2015, 11:44 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    البغي والمكر .. والعقوبة المعجلة
    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد...
    فالسنن لا تعرف المحاباة ولا المجاملات: (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) "الأحزاب:62"، ( وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا) "فاطر:43". والشرع لا يفرق بين المتساويين ولا يساوى بين المختلفين، وهلكة الماكر والباغي والناكث مسألة وقت، فالزمن جزء من العلاج، ولا يصح أن تهتز الثوابت والمعايير، قال محمد بن كعب القرظي: "ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: المكر (ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) "فاطر:43"، والبغي (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم) "يونس:23".

    من أسباب الدمار

    فهذه الخصال من أسباب دمار أهلها، والعلاقة وثيقة بين الأسباب والمسببات والمقدمات ونتائجها، أعمالكم عمالكم قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) "الجاثية:15"، وقال: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها) "الإسراء:7".. وفي الحديث: "واعمل ما شئت فإنك مجزى به" وصح في الخبر: "ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

    أتى رجل لأحد العلماء يقول له: "إن بنى فلان قد تواطؤوا عليّ وصاروا يداً واحدة، فقال: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)، قال: إن لهم مكراً، قال: (ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهًِ)، قال: هم فئة كثيرة، فقال له العالم: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).

    مكر الكافرين يدمرهم

    وأنت حين تشتهى الخلاص من الكافرين والفاجرين، ثق تماماً أن مكرهم وبغيهم ونكثهم سيدمرهم تدميراً، فهم في واقع الأمر وحقيقته يهلكون أنفسهم بأنفسهم قبل أن يصل إليهم سلاحك وما يعود وبال هذه الخصال السيئة إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم، قال تعالى: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) "آل عمران:54"، وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) "الأنعام:123".

    المكر ينقلب على صاحبه

    وقص علينا القرآن صورة من مكر ثمود بنبيهم صالح، قال تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) "النمل:50- 51".. قيل في تفسيرها: وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه، فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعاً وسلم صالح من مكرهم،.. وقيل: "إنهم مكروا بأن أظهروا سفراً، وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوه، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سده،، وكان هذا مكر الله بهم".

    وقد مكر المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) "الأنفال:30" لقد أنجى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وخرج سالماً من بين ظهرانيهم مهاجراً إلى المدينة، وقتل صناديدهم يوم بدر، كأبي جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة... وأدخل الله عليهم الإسلام يوم فتح مكة، ومات صلى الله عليه وسلم يوم مات وقد نصره الله عليهم وأمكنه منهم، ورفع الله له ذكره وأعلى له أثره.

    وكذلك مكر المنافقون به، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُو يَبُورُ) "فاطر:10"، لقد كان مآل مكرهم الفساد والبطلان، وظهر زيفهم لأولى البصائر والنهى، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر.

    ومكر يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولتهم قتله، وتآمرهم مع المشركين عليه كثير معلوم، فكان أن قتل بعضهم وأجلى آخرين، وظهر أمره صلى الله عليه وسلم، وقرب قيام الساعة يستنطق الحجر والشجر لأمته، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، ويفتح الله لهذه الأمة بيت المقدس.
    فاحذر المكر ولا تنبهر بأهله، فعن قيس بن سعد بن عبادة- رضى الله عنهما قال: لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المكر والخديعة في النار" لكنت من أمكر الناس ". (صححه الألباني).

    معنى مكر الله تعالى

    ولا يخفي عليك أن المكر الذي وصف الله به نفسه على ما يليق بجلاله، ومعناه مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شئ، ومنه أحسن شئ، لأنه عدل ومجازاة، وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله وأوليائه، فلا أحسن من ذلك المكر وتلك المخادعة..

    والبغي أيضا
    وإذا كان المكر السيئ وباله على صاحبه، فكذلك الأمر بالنسبة للبغي، وهو أسرع الجرم عقوبة، قالوا: من سل سيف البغي قتل به، وعلى الباغي تدور الدوائر، والبغي يصرع أهله.
    فالبغي مصرعه وخيم، ومن حفر بئراً لأخيه سقط فيه، فاهجروا البغي فإنه منبوذ. قال ابن عباس- رضى الله عنهما: "لو بغى جبل على جبل لجعل الله- عز وجل- الباغي منهما دكاً".. وقال أيضاً: "تكلم ملك من الملوك كلمة بغي وهو جالس على سريره فمسخه الله- عز وجل- فما يدرى أي شئ مسخ ؟ أذباب أم غيره؟ إلا أنه ذهب فلم ير".

    وقال عبد الله بن معاوية الهاشمى: "إن عبد المطلب جمع بنيه عند وفاته، وهم يومئذ عشرة وأمرهم ونهاهم وقال: "إياكم والبغي، فوالله ما خلق الله عز وجل- شيئاً أعجل عقوبة من البغي، ولا رأيت أحداً بقي على البغي إلا إخوتكم من بنى عبد شمس".
    قال ابن القيم: "سبحان الله، في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقبح هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السبت، وتمرد الوليد، وجهل أبى جهل.. وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع، غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك .
    نصوص تذم البغي
    وقد وردت النصوص تذم البغي بغير الحق قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) "الشورى:42".
    والبغي هو الاستطالة على الناس، وهو الكبر والظلم والفساد والعمل بالمعاصي، وهو من الأمور الخمسة التي وردت الشرائع بالنهى عنها، وهى المذكورة في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) "الأعراف:33".
    ويكفي من بُغي عليه، وعد الله بنصرته، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ) "الحج:60".. وفي الحديث: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم". (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح).
    وورد عنه صلى الله عليه وسلم: "ليس شئ أطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شئ أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلقع" "أي لا شئ فيها". ( رواه البيهقي وصححه الألباني). وفي الحديث: "إن الله أوحى إلي أن توضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد". ( رواه مسلم) .

    في قصص الغابرين عبرة
    وانظروا في قصص البغاة قديماً وحديثاً ستجدون تطابقاً بين صفحات الكون المنظور والكتاب المسطور:
    فهذا فرعون بغى في الأرض بغير الحق وأدعى الربوبية والألوهية، وقال: "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي"، وحاول اللحاق بنبي الله موسى ومن آمن معه من بنى إسرائيل، وأتبعهم بجنوده بغياً وعدواً، فأطبق عليه البحر وأجراه سبحانه من فوق رأسه جزاءً وفاقاً، ورآه المصريون جثة منتنة بعد أن كانوا يعبدونه من دون الله: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).

    وكذلك حكى القرآن قصة بغي قارون، قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) وكان من جملة ما نصحه به الناصحون، أن قالوا له: (وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) "القصص:77"، فلم يرفع قارون بذلك رأساً، فأهلكه سبحانه، وانتقل إليه غير مأسوف عليه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ).

    إن بغي الأمم الهالكة على الأنبياء والمرسلين فيه عظة وعبرة لأولي الألباب، وقد أخذهم سبحانه وتعالى أخذ عزيز مقتدر، وسارت الأيام والليالي بقوم نوح وعاد وثمود وبقرون بين ذلك كثير، فأسلمتهم إلى ربهم وقدمت بهم على أعمالهم: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوتَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا) .
    د. سعيد عبد العظيم
                  

10-14-2015, 10:33 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    نعمة الستر
    في إحدى سفرياتي نفذت كالعادة من ذلك الجهاز الكاشف، الذي يصيح إذا مسح في الجيب شيئًا معدنيًّا، ففزعت إذ أخذ يصرخ بشكل مزعج، فمددت يدي لأجد بجيبي الأيسر نصف ريال (عملة معدنية)، فأخرجته ونحيته عني، وأردت أن أنفذ مرة ثانية فإذا به يصيح، فأحسست بالانزعاج، وتصببت عرقًا من الحياء، ومددت يدي لأجد في الجيب الآخر مفتاحًا، فتوقفت، ودققت في استخراج كل ما في جيوبي، لأنفذ بعد ذلك بسلام، وأنا غير مستريح؛ إذ انتابني إحساس أن الناس كلهم ينظرون إلى، ولأنني مسلم ملتحٍ فربما شكوا أنني أحمل في جيبي طائرة أباتشي، أو راجمة صواريخ، أو أخبئ في حقيبتي مفاعلاً نوويًّا أو نحوه!
    عندها راودتني فكرة جعلتني أرتعب، إذ قال لي خيالي المتمرد: تخيل لو أن الله تعالى وضع في بدنك جهازًا يصرخ هكذا كلما ارتكبت ذنبًا، أو اجترأت على معصية، يا خبر! ستكون مصيبة، سيظل يرن طول النهار، لأنني من بني آدم الخطائين!
    وتماديت في خيالي أكثر، ماذا لو كان هذا الجهاز في أجساد الناس كلهم!؟
    كيف سيكون حال الشارع والبيت، ومكان العمل، والأصوات تخرج في وقت واحد من مائة شخص، من ألف، من مليون، من مليار، من أهل الأرض جميعًا هل ستكون الحياة على ظهر الأرض ممكنة؟! أظن أننا سنهلك من أول نصف ساعة، بل من أول دقيقة، من أصوات المعصية التي تصرخ، وتزعج، وتملأ الأجواء كلها، فالصوت طاقة مدمرة، قادرة على إبادة الكون كله بمجراته!
    ثم تمادى خيالي الحرون، فتخيلت ما تخيله الشاعر أبو العتاهية قبلي، حين حمد الله أنه ليس للذنوب رائحة منتنة تصدر عن فاعليها:
    كيف إصلاح قلوبٍ.... إنما هُـنَّ قروح
    أحسـن الله بـنا.... أن الخطايا لا تفوح
    فإذا المستـور منا.... بين ثوبـيه فَضوح
    وافترضت معه: لو أن أحدنا كلما اقترف ذنبًا خرجت عنه بالذنب رشة رائحة عفنة فكيف سيكون الحال؟ وأمسكت بطني، لأنني وحدي – بالتأكيد - سأملأ الدنيا عفنًا قبل آخر النهار، لكثرة ذنوبي، فكيف لو خرجت ريح الذين أعرفهم، والذين لا أعرفهم: مائة شخص، ألف، مليون، مليار، أهل الأرض جميعًا كيف ستكون الأرض؟ مزبلة مقززة؟ مرحاضًا كبيرًا؟ كوكبًا متعفنًا؟ شيئًا لا يطاق أن يعيش فيه المرء دقيقة واحدة؟
    وسألت نفسي: هل تعرف نعمة ستر الله عليك يأيها المذنب الغارق في خطاياك؟ وهل تقدرها؟ وهل تشكر ربك الحليم الستير عليها؟!
    يااااااااااه ما أحلمك ربي وأكرمك! ما أصبرك وأسترك!
    الحمد لله على الإسلام، وعلى نعمة الستر، وعلى نعمة العافية!
    اللهم أدمها علينا دنيا وأخرى يا كريم.
    أتعرف قارئي الحبيب، أن نعمة الستر هذه ليست مجرد نعمة مفردة؛ بل هي مجموعة نعم متداخلة نترجمها نحن - لقصورنا – في نعمة واحدة!؟
    احسب معي كم في نعمة الستر من نعم باطنة، وتعجب، وسبح بحمد ربك واستغفره:
    إنه يعرف ما أنوي قبل أن أقع في المعصية، ويعرف أنني أخطط لها، وأرتب نفسي لئلا يراني أحد، فيحلم عليّ، ولا يفضحني..
    وهو سبحانه يضع في طريقي مذكرات: كلمة/ آية/ موقفًا/ نصيحة عابرة/ شيئًا يلفت نظري لأتعظ.. ومخي غبي وشيطاني عنيد، فيصبر سبحانه علي..
    ثم في سعيي للمعصية يراني ويطلع علي، ويحلم، فلا يرسل إلى سيارة تدهسني، ولا بلطجيًّا يصفعني، ولا شرطيًّا يوقفني، ويأمر ملك الحسنات الذي على كتفي رفيقه ملك السيئات ألا يكتب المعصية، وأن يمهلني لعلي أفيق وأتوب!
    ثم عند الارتكاس في المعصية هو يراني، ويعلم حالي، ويحلم ويستر!
    ثم إنه سبحانه إذا أفقت من معصيتي، إذا علم مني خيرًا أعانني على الاستغفار والتوبة.. فإذا استغفرت غفر لي وكأني لم أذنب، ولم أتعد حدودي، وأجترئ على حرمات ربي..
    بل ربما مدحني الناس، وظنوا أنني بلا ذنوب، وأنني مثال للعبد التقي النقي الخفي!
    يااااه.. ما أعظم ربي وأحلمه! اقرأ هذه:
    ذكر الإمام ابن قدامة في التوابين أن بني إسرائيل لحقهم قحط على عهد سيدنا موسى عليه السلام، فاجتمع الناس إليه، فقالوا: يا كليم الله: ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث. فقام معهم موسى عليه السلام، وخرجوا إلى الصحراء - وهم سبعون ألفًا أو يزيدون - فقال عليه السلام: إلهي: اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرضع، والبهائم الرتع، والمشايخ الركع؛ فما زادت السماء إلا تقشعًا، والشمس إلا حرارة!
    فقال موسى عليه السلام: إلهي اسقنا!
    فقال الله عز وجل: كيف أسقيكم؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة؟ فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم؛ فبه منعتكم المطر، وابتليتكم بالقحط والجفاف!
    فصاح عليه السلام في قومه: يأيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة: اخرج من بين أظهرنا؛ فبك منعنا المطر..
    فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال، فلم ير أحدًا خرج، فعلم أنه المطلوب، فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتُضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدت معهم مُنعوا لأجلي. فانكسرت نفسه، ودمعت عينه، فأدخل رأسه في ثيابه نادمًا على فعاله، وقال: إلهي وسيدي: عصيتك أربعين سنة، وأمهلتني. وقد أتيتك طائعًا فاقبلني، وأخذ يبتهل إلى الخالق تبارك وتعالى، فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرب - أي انهمر منها الماء مدرارًا - فعجب موسى عليه السلام وقال: إلهي: سقيتنا، وما خرج من بين أظهرنا أحد، فقال الله تبارك وتعالى: يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم!
    فقال موسى عليه السلام: إلهي أرني هذا العبد الطائع!
    فقال تعالى وجل وعز: يا موسى إني لم أفضحه، وهو يعصيني، أفأفضحه وهو يطيعني!؟
    الشيخ عبدالسلام البسيوني
                  

09-26-2015, 11:46 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الصبر عدة المؤمنين
    ما أشد الحاجة إلى الصبر، لاسيما في هذه الأزمان التي اشتدت فيها الغربة، وكثرت فيها الفتن، وصار القابض على دينه كالقابض على الجمر.
    إن هذه الدنيا دار بلاء، والآخرة دار جزاء، فلا يسلم المؤمن في هذه الدار الدنيا من المصائب، فمن فيها لم يصب بمصيبة؟!
    @المرء رهن مصائب لا تنقضي.. ... ..حتى يوسد جسمه في رَمْسِهِ
    فمؤجَّلٌ يلقى الردى في غيره.. ... ..ومعجَّل يلقى الردى في نفسهِ@@
    **تعريف الصبر***
    الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به صاحبه من فعل ما لا يحسن، ولا يجمل.
    وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم، وشق الجيوب، ونحو ذلك.

    **فضيلة الصبر والصابرين:***
    إن الله تعالى قد جعل للصابرين ما ليس لغيرهم؛ قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155- 157].
    والمصيبة كل ما يؤذي الإنسان ويصيبه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: نعم العدلان، ونعمت العلاوة للصابرين. يقصد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الهدى.
    وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
    - كما فاز الصابرون بمعية الرحمن، (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46]، فهو معهم يثبت قلوبهم ويحوطهم بعنايته وتأييده.
    - والصابرون هم أهل الإمامة في الدين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) [السجدة:24].
    - وهم أهل محبة الله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146].
    - ثم هم يفوزون بالجنة و النجاة من النار: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون:111].
    - وما من مصيبة تصيب العبد إلاَّ كفر الله بها عنه.

    وإليك أيها القارئ الكريم هذه الطائفة العطرة من أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضيلة الصبر والصابرين:
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر". [رواه البخاري ومسلم].
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرًا يُصِبْ منه" أي يصيبه ببلاء. [رواه البخاري ومالك]
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مصيبة تصيب المؤمن إلاَّ كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يُشَاكُها". [رواه البخاري ومسلم].
    وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"[رواه البخاري وأبو داود].

    وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: "إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيكِ". فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله لي ألاَّ أتكشف، فدعا لها". [رواه البخاري ومسلم].

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الجنة ثم احتسبه إلاَّ الجنة". [رواه البخاري].
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة". [رواه البخاري والترمذي].

    وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله خيرًا منها". فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    **السلف الصالح والصبر***
    قال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلاَّ كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه.
    وقال يونس بن زيد: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ ما منتهى الصبر؟ قال: أن يكون يوم يصيبه المصيبة مثل قبل أن تصيبه.
    وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:24]. قال: صبروا على ما أمروا به، وصبروا عمَّا نهو عنه.
    وقالوا: الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر.
    وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إنا لله عز وجل إذا قضى قضاءً أحبَّ أن يُرضى به.
    وقالت رابعة: إن الله عز وجل إذا قضى لأوليائه قضاءً لم يتسخَّطُوه.
    وقال الحسن: من رضي بما قسم له وسعه وبارك الله فيه، ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له فيه.
    وقال بعضهم: من لم يرضى بالقضاء فليس لحمقه دواء.
    وأصبح أعرابي وقد مات له أباعر - جمع بعير - كثيرة فقال:
    @لاَ والذي أنا عبدٌ في عبادَته.. ... ..لولا شمَاتَةُ أعداءٍ ذَوي إِحَنِ
    ما سرَّني أنَّ إبليِ في مَبَارِكَها.. ... ..وأنَّ شيئًا قضاه الله لم يكُنِ@@

    **دوافع تعين على الصبر:***
    هناك أمور كثيرة تعين على الصبر، وسنسردها سردًا بغير ذكرٍ لأدلتها خشية الإطالة، ومنها:
    1- تدبر الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة الصبر.
    2- اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله تعالى.
    3- تذكر كثرة نعم الله عليه.
    4- العلم بأن الجزع وقلة الصبر لا ترد المصيبة.
    5- استحضار الأجر والثواب، والتفكر في عاقبة الصبر.
    6- العلم بأن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه.
    7- استحضار أن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون.
    8- أن يعلم أن زمن البلاء ساعة وستنقضي.
    9- مطالعة سير السابقين من الصالحين، ودراسة مواقفهم المباركة في الصبر ليأنس بهم.
    نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين..

    **للاستزادة:***
    · عدة الصابرين؛ للإمام ابن القيم رحمه الله.
    · مواقف إيمانية؛ الشيخ. أحمد فريد.
    · صلاح الأمة؛ الشيخ. سيد حسين عناني.
    · الأخلاق الإسلامية؛ الشيخ. عبد الرحمن حنبكة الميداني.
    ماهر السيد
                  

09-26-2015, 11:48 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    بر الوالدين ..طريق إلى الجنة
    أوصى الله بالإحسان إلى الوالدين جميعًا، وقرن هذا الأمر بعبادته والنهي عن الإشراك به؛ ليدلل على عظمته، ومكانته في الدين، وأمر كذلك بالشكر لهما والبر بهما، وأن ذلك من شكره: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء:36].
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما".
    وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) [الإسراء:23، 24].

    فانظر أيها القارىء الكريم كيف يربط السياق القرآني بر الوالدين بعبادة الله، إعلانا لقيمة هذا البر عند الله، وبهذه العبارات الندية والصور الموحية يستجيش القرآن وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء نحو الآباء، نحو الجيل الذاهب، الذي يمتص الأبناء منه كل رحيق وكل عافية ، وكل اهتمام، فإذا هما شيخوخة فانية إن أمهلهما الأجل وهما مع ذلك سعيدان.
    (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) (الاسراء: من الآية24)
    تعبير شفاف لطيف يبلغ شغاف القلوب وحنايا الوجدان.فهي الرحمة: رقة وتلطف حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عينا، ولا يرفض أمرا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.

    هذان هما والداك..كم آثراك بالشهوات على النفس، ولو غبت عنهما صارا في حبس، حياتهما عندك بقايا شمس،لقد راعياك طويلا فارعهما قصيرا: ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
    كم ليلة سهرا معك إلى الفجرِ، يداريانك مداراة العاشق في الهجرِ، فإن مرضت أجريا دمعا لم يجر، لم يرضيا لك غير الكف والحجر سريرا فـ : (قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
    يعالجان أنجاسك ويحبان بقاءك، ولو لقيت منهما أذى شكوتَ شقاءك ،كم جرعاك حلوا وجرعتهما مريرا ، فهيا برهما ولا تعصهما وقل: (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).

    **لا سواء:***
    قال رجل لعمر بن الخطاب: "إن لي أمًّا بلغ منها الكبر، أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية (أي أنه يحملها إلى مكان قضاء الحاجة) فهل أديت حقها؟ قال عمر: لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تفعله وتتمنى فراقها".

    وشهد عبد الله بن عمر رجلاً يمانيًّا يطوف بالبيت قد حمل أمه على ظهره يقول:
    إني لها بعيرها المذلل.. ... ..إن أذعرت ركابها لم أذعر
    الله ربي ذو الجلال الأكبر
    حملتها أكثر مما حملت .. .. .. فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟
    فقال ابن عمر: لا ، ولا بزفرة واحدة.
    نعم فوالله لو قضى الأبناء ما بقي من العمر في خدمة الأبوين ما أدوا حقهما ،فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه".

    **حق الأم عظيم***

    لأمــك حــق لــو عـلـمـــت كـبـيـر كـثيـرك يا هــذا لديه يســيـر
    فكــم ليـلة بـاتت بـثقلك تشتـكي لهــا مـن جـواهــا أنةٌ وزفيــر
    وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فكـم غصص منها الفؤاد يطير
    وكم غسـلت عنـك الأذى بيمينها وما حجرهــا إلا لـديك سريــر
    وتفديـك مما تشتكيــه بنفســهـا ومـن ثديها شــرب لديك نمير
    وكـم مــرة جـاعت وأعطتك قوتها حنــوًا وإشفــاقًا وأنت صغيـــر
    فــضيـعـتها لمــا أسنــت جـهـالة وطــال عليك الأمـر وهو قصير
    فــآها لــذي عقــل ويتبع الهــوى وآها لأعمى القلب وهو بصير
    فدونك فارغـب في عميم دعائها فأنت لمـا تدعــو إليــه فقـيــر

    فلما كان هذا حالها، حض الشرع على زيادة برها، ورعاية حقها، (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14].
    وجاء رجل إلى سيد الأبرار الأطهار فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:" أمك ". قال: ثم مَن؟ قال:" أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك". [رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة].

    **الجنة تحت أقدام الوالدين***
    من أكرمه الله بحياة والديه أو أحدهما فقد فتح له بابا إلى الجنة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة..".
    وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أردت الغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها".[رواه أحمد وغيره].
    كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما: "دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت : من هذا؟ فقيل:حارثة بن النعمان،فقلت كذلكم البر، كذلكم البر". وكان حارثة أبر الناس بأمه.

    **الجزاء من جنس العمل:***
    إن بعض الآباء يشكون قسوة الأبناء وعقوقهم ، والحق أن الجزاء من جنس العمل فمن بر والديه بره أبناؤه، ومن عق والديه عقه أبناؤه ولابد.فإن أردت أن يبرك أبناؤك فكن بارا بوالديك،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم..".
    وانظر إلى الخليل إبراهيم حين تأدب مع والده وتلطف في دعوته فقابل الأب هذا الأدب بمنتهى القسوة ، ما كان من إبراهيم إلا أن قال: ( سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) (مريم: من الآية47) ،فكان جزاؤه من جنس عمله ،رزقه الله ولدا صالحا ،إسماعيل الذي تأدب معه حين أعلمه أنه أُمر بذبحه فقال: ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) (الصافات: من الآية102)
    ثم لفتة أخرى ينبغي أن ينتبه إليها الأبناء وهي أنهم لن يجدوا من الخلق مَن هو أرحم بهم من الوالدين، لا زوجة ولا أبناء ، ولا أصدقاء ،

    وإليكم هذه القصة الشعرية التي نترخص في إيرادها لما فيها من معاني سامية:
    أغـرى امـرؤٌ يـومـا غلامـا جـاهلا بنــقــوده كيـمــا ينــال بــه الــوطـــر
    قــال ائتني بفــؤاد أمــك يـا فتى ولك الجــواهـــر والــدراهـــم والــدرر
    فمضى وأغرز خنجرا في صدرها والقــلــب أخـرجــه وعــاد على الأثر
    لكنـه مــن فـرط سـرعـتـه هـوى فتــدحــرج القـلـب المـقـطـع إذ عثـر
    نـــاداه قـلـب الأم وهـــو مـعـفـرٌ ولــدي حبيبــي هل أصابك من ضرر؟
    فكـأن هـذا الصـوت رغـم حـنــوه غضب السماء على الغلام قد انهمر
    فـدرى فظيــع جنـايـة لـم يجنها ولــد ســواه مـنــذ تــاريـــخ الـبـشـر
    فارتـد نحـو القـلـب يغسله بـمـا فــاضــت بـه عـيـنـاه مـن سيل العبر
    ويقــول: يا قلب انتقـم مني ولا تــغـفـر فــإن جــريـمـتـي لا تــغـتفــر
    واسـتل خنجـره ليطـعـن قلـبــه طــعــنـا فيبقــى عــبرة لــمـن اعتبر
    نــاداه قـلـب الأم:كُــف يـدا و لا تطـعـن فــؤادي مــرتين عـلى الأثــر

    ** برهمها بعد موتهما***
    ولا يقف البر بهما في حياتهما، ولا ينتهي بموتهما، بل تبقى حقوق البر على الابن بعد موت والديه لمن أراد الخير.. فمن ذلك:
    1- الاستغفار لهما والدعاء:
    كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له". [مسلم].
    وفي الحديث:"ترفع للميت بعد موته درجة. فيقول: أي رب! أي شيء هذه؟ فيقال: ولدك استغفر لك". [أحمد والبخاري في الأدب المفرد. قال البوصيري: إسناده صحيح، و قد حسنه الألباني].

    2- التصدق عنهما:
    وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم:"إن أمي توفيت أينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم. قال: فإن لي مخرفا فإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها".

    ويروى عن أبي أسيد الساعدي قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: نعم؛ الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما". [ضعيف الجامع].
    ولذلك روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا ملَّ ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه، فينما هو يومًا على ذلك الحمار، إذ مر به أعرابي فقال: ألست ابن فلان؟ قال: بلى. فأعطاه الحمار، وقال: اركب هذا، والعمامة وقال: اشدد بها رأسك. فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت تروَّح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك؟! فقال: إني سمعت رسول الله يقول: "إن من أبر البر صلة الرجل أهل وُدَّ أبيه بعد أن يولى، وإن أباه كان ودَّا لعمر".

    وعن أبي بردة قال: قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لِمَ أتيتك؟ قال: قلت: لا. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده، وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاءً وود، فأحببت أن أصل ذلك".[رواه ابن حبان وصححه الألباني].
    رزقنا الله وإياكم بر الوالدين.
    إسلام ويب
                  

09-27-2015, 02:08 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن ذكر الموت واحدٌ من أنفع أدوية القلوب وأسباب حياتها وصلاحها؛ ولهذا المعنى العظيم كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أمته بالإكثار من ذكر الموت: "أكثروا ذكر هاذم اللذات".
    وقد وعى السلف رضي الله عنهم وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم فجعلوا الموت أمام أعينهم، فقصرت آمالهم، وصلحت أعمالهم وقلوبهم.
    انظر إلى الربيع بن خثيم رضي الله عنه وهو من هو صلاحًا وعلمًا وزهدًا يقول:[ لو غفل قلبي عن ذكر الموت ساعة واحدة لفسد قلبي.]
    إن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الموت حتم لازم، لا تمنع منه حصانة القلاع، ولا ارتفاع الأسوار، ولا يحول دونه الحجَّاب، ولا ترده الأبواب. (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء:78].

    الموت لا يستأذن

    ولا يحتاج الموت إلى مقدمات ولا إلى استئذان، فإن الأمر لحظة، فقد يدخل النَّفَسُ ولا يخرج، وقد يخرج ولا يدخل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران:185]. (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34].
    وإن كل يوم يمر من حياتنا فإنه يقربنا من آجالنا ولقاء ربنا، فمن كانت الأيام والليالي مطاياه سارت به، وإن لم يسر!
    نسير إلى الآجال في كل لحظة.. ... ..وأيامنا تطــوى وهـنَّ مـراحــلُ
    ولـــم أرَ مثـــل المـوتِ حقًّا كأنَّه.. ... ..إذا ما تخطتـه الأمــاني باطــلُ
    وما أقبح التفريط في زمن الصبا.. ... ..فكيف و الشَّيْبُ للرأس شاعلُ
    ترحلْ من الدنيا بـزادٍ من التقى.. ... ..فعمــرك أيَّــام وهــنَّ قــلائـــلُ

    لقد دخلت فاطمة رضي الله عنها على أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقالت: واكرْباه.. فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا بنية! إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحدًا...".

    إخوتاه:

    بعد قليل يمسك اللسان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، ويُفارَقُ الإخوان، ونُنقل إلى الأموات، وتصف علينا اللبنات، ألا فلنذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومنغص الشهوات، وقاطع الأمنيات، وميتم البنين والبنات، حريٌ بالعبد أن يكثر من ذكر الموت، فإن ذلك يدفعه إلى الصالحات وترك المنكرات، حذرًا مما هو مقبل عليه من أهوال الموت والسكرات. إن كثرة ذكر الموت ينبه العبد من غفلته، وهذا هو عين المطلوب:
    تنبه قبل المــوت إن كنت تعقـــلُ.. ... ..فعمــا قــليــل للمقــابـــر تُنقــــــلُ
    وتمسي رهينًا في القبورِ وتنثني.. ... ..لــدى جــدث تحت الثــرى تتجندل
    فـــريدًا وحيدًا في التــــرابِ وإنما.. ... ..قرينُ الفتى في القبر ما كان يعملُ
    ومايفعل الجسم الوسيم إذا ثوى.. .... وصــار ضجيـــع القبر يعلــوه جَنْدلُ
    وبطنٍ بــدا فيه الردى ثم لو تــرى.. ... ..دقيــق الثــرى في مقـــلةٍ يتهرولُ
    أعيناي جــودا بالدمــــوع عليكما.. ... .. فحزني على نفسي أحق وأجملُ
    أيــا مــدعي حُبي هلــمَّ بنــا إذا.. ... .. بكى الناس نبكي للفــراق ونَهْمَلُ
    دعي اللهو نفسي واذكري حفرة البلى.. ... ..وكيـــف بنا دود المقــابـــر يفــعــلُ
    إلى الله أشكو لا إلى الناس حالتي.. ...إذا صِرْتُ في قبــري وحيـدًا أُمَلْمَلُ

    ليس يأسا من الحياة

    إننا حين ندعو أنفسنا والناس من حولنا إلى الإكثار من ذكر الموت فليس ذلك بسبب اليأس من الحياة أو التشاؤم، لكنه التذكير بالكأس الذي لابد لكل منَّا أن يشربه وهو عنه غافل لاهٍ.فإن الموت إذا نزل بساحة العبد نسي ما كان فيه من اللذة والنعيم: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) (الشعراء: 205-207) قرأ بعض السلف هذه الآيات فبكى وقال: إذا جاء الموت لم يغن عن العبد ما كان فيه من اللذة والنعيم.

    ولهذا وجدنا السلف يتواصون بالإكثار من ذكر الموت واستحضاره، مع أنهم فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وسادوا الدنيا بطاعة الله، وجاءهم الموت فكانوا أفرح بقدومه من الأم بقدوم ولدها الغائب.

    فوجدنا منهم من يقول وهو على فراش الموت:
    "واطرَبَاه!! غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه".

    وآخر يقول: "مرحبًا بالموت؟ زائر مُغبٍّ (قليل الزيارة) جاء على فاقة".

    وآخر يقول: "اللهم إني إليك لمشتاق".

    ولا عجب فإن العبد إذا كان على فراش الموت بُشر إما بجنة وإما بنار،فإن العبد يموت على ما عاش عليه ، والخواتيم مواريث الأعمال.
    نسأل الله حُسنَ الخاتمة والفوز بالجنة والنجاة من النار.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 00:16 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من أشد الآفات فتكًا بالأفراد والمجتمعات آفة "سوء الظن"؛ ذلك أنها إن تمكنت قضت على روح الألفة، وقطعت أواصر المودة، وولَّدت الشحناء والبغضاء.
    إن بعض مرضى القلوب لا ينظرون إلى الآخرين إلاَّ من خلال منظار أسود، الأصل عندهم في الناس أنهم متهمون، بل مدانون. ومما لا شك فيه أن هذه الظنون السيئة مخالفة لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولهدي السلف رضي الله عنهم.
    أما الكتاب فقد جاء فيه قول ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات: 12].
    وأما السنة فقد ورد فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظنّ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا".الحديث.
    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين حُسن الظن، فقد جاءه رجل يقول: "إن امرأتي ولدت غلامًا أسود. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرُ. قال: هل فيها من أورق؟ [يعني فيه سواد] قال: إن فيها لأورقًا. قال: فأنى أتاها ذلك. قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عِرْق"[رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
    وأما السلف رضي الله عنهم وأرضاهم؛ فقد نأوا بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه. فهلا تأسى الخلف بالسلف، فنأوا بأنفسهم عن سوء الظن؟.
    إن هؤلاء الذين ساءت ظنونهم بالمسلمين أسوتهم في ذلك هو ذاك الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والله إن هذه القسمة ما عُدل فيها وما أريد بها وجه الله".
    وقد قسَّم بعضهم سوء الظن إلى قسمين كلاهما من الكبائر وهما:
    1- سوء الظن بالله: وهو أعظم إثمًا وجرمًا من كثير من الجرائم؛ لتجويزه على الله تعالى أشياء لا تليق بجوده سبحانه وكرمه.
    2- سوء الظن بالمسلمين: وهو أيضًا من الكبائر، فمن حكم على غيره بشر بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه وإطالة اللسان في عرضه والتجسس عليه، وكلها مهلكات منهيٌ عنها.
    وقد قال بعض العلماء: وكل من رأيته سيئ الظن بالناس طالبًا لإظهار معايبهم فاعلم أن ذلك لخبث باطنه، وسوء طويته؛ فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه.
    فإياك أخي والظن، وادع ربك أن يصرف عنك خواطر السوء، وإن لم تستطع أن تدفع عن نفسك فلا أقل من السكوت وعدم الكلام بما ظننت لعلك تسلم.
    فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلاَّ فإني لا إخالك ناجيًا.
    وما أحسن ما قال الشاعر:
    فلا تظنن بربك ظـن سـوء.. ... ..فإن الله أولـى بالجميـل
    ولا تظنن بنفسك قطُّ خيـرًا.. ... ..فكيف بظـالم جانٍ جهولِ
    وظنَّ بنفسك السوءى تجدها.. ... ..كذلك خيرُهـا كالمستحيل
    وما بك من تقىً فيها وخـيرٍ.. ... ..فتلك مواهب الربِّ الجليل
    وليس لها ولا منها ولكـنْ.. ... ..من الرحمن فاشكـر للدليـل
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 00:17 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الوقار سيما الصالحين
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد فحريٌ بالمسلم أن يتحلى بكل ما يزينه ويحمله من مكارم الأخلاق، ويبتعد عن كل ما يشينه ويسيء إليه.
    وإن من مكارم الأخلاق التي يجدر بالمسلم أن يتحلى بها خلق الوقار، ونستطيع القول: إن الوقار صفة تنتج عن التحلي بمجموعة من الأخلاق الكريمة الأخرى كالحلم والسكينة والرزانة والوداعة والثبات. ولهذا عرفه بعضهم بأنه: التأني في التوجه نحو المطالب.
    وعرفه الجاحظ بأنه: الإمساك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة فيما يستغنى عن التحرك فيه، وقلة الغضب والإصغاء عن الاستفهام، والتوقف عن الجواب والتحفظ من التسرع والمباكرة في جميع الأمور.
    وقد حرص الشرع المطهر على تحلية المؤمنين بحلية الوقار وزينته، ففي أمر من أهم أمور المسلمين في دينهم يحثهم نبي الإسلام على الوقار حين يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".
    وإذا كان المسلم مطالبًا بذلك فأجدر بأهل العلم والديانة أن يحرصوا عليه ويتحلوا به. وهكذا كان العلماء من السلف رضي الله عنهم؛ فهذا الإمام مالك رحمه الله كان إذا أراد أن يُحدِّث تنظف وتطيب، وسرح لحيته، ولبس أحسن الثياب، وقد ألقى الله عليه الوقار حتى قيل فيه:
    يَدَعُ الجوابَ ولا يُراجَـع هيبةً والسائـلـون نـواكسُ الأذقــانِ
    نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان
    وهكذا أوصى ابن مسعود رضي الله عنه أهل القرآن فقال: ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًّا محزونًا، حكيمًا حليمًا سكينًا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيًا ولا غافلاً ولا ضحايًا، ولا صياحًا ولا حديدًا".
    وقال الحسن رحمه الله: قد كان الرجل يطلب العلم يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشيه، وهديه ولسانه، وبصره، وبره.
    إن القلب إن كان حيًّا وكان بالوجه حياء حمل صاحبه على الوقار، فيوقر غيره ويتوقر هو في نفسه.
    وعلى قدر توقير العبد وتعظيمه لربه يكون توقير الخلق له. فمن عظم الله ووقره زرع الله له المحبة والتوقير في قلوب الخلق.
    ومن استهان بحق الله تعالى وضعف في قلبه توقير الرب، فتجرأ على معاصيه وحدوده وضيع أوامره وفرائضه، فإن الله لا يلقي له في قلوب الناس وقارًا ولا هيبة، وإن وقَّره بعض الخلق اتقاء شره فذاك وقار بغض لا وقار حبٍّ ولا تعظيم.
    وأخيرًا: ما أحسن ما قال الشاعر:
    انطــق مـصـيبًا لا تكــن هــذرًا عـيابـة ناطـقًا بالفُحـش والرِّيـب
    وكن رزينًا طويل الصمت ذا فِكَرٍ فإن نطقت فلا تُكثر من الخطب
    ولا تجــب سـائلاً من غير تروية وبالذي مثله لم تُسأل فلا تجب
    نسأل الله تعالى أن يزيننا بزينة الإيمان وأن يحلينا بحلية الوقار..
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:19 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التشاؤم عادة من الجاهلية

    **تعريف التشاؤم والتطير:***
    التشاؤم لغة: تفاعلٌ من الشؤم وهو خلاف اليُمن، وأصل هذه الكلمة يدل على الجانب اليسار، ولذا سميت أرض الشام شاما لأنها عن يسار الكعبة.
    والطيرة لغة: فِعَلَة بالكسر ففتحتين وقد تسكن العين من التطيُّر، وأصل الكلمة واحد يدل على خفة الشيء في الهواء ومن ذلك الطير،قال ابن الأثير رحمه الله: "وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما".
    والمراد بهما في لسان الشرع: توهُّم وتوقُّع حصول المكروه بمرئي أو معلوم أو مسموع.
    فمثال المرئي التطير برؤية أصحاب العاهات والبوم وغير ذلك.
    ومثال المعلوم التشاؤم ببعض الأيام، أو بعض الشهور، أو بعض السنوات.
    ومثال المسموع التشاؤم بسماع كلمة نحو: يا خسران، أو يا خائب،أو ما تم ونحو ذلك من الألفاظ.

    **حكم التطير***
    لقد وردت أدلة الشرع الحنيف بالنهي عن التطير فأخبر الله تعالى عن المشركين أنهم كانوا يتطيرون بالمؤمنين ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (لأعراف:131)
    وقوله: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (النمل:47)
    ومما لا شك فيه أن هذا ورد على سبيل الذم لهذه العادة القبيحة.
    وأما السنة فقد ورد فيها النهي أيضا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الطيرة شرك"
    وقال :" لا عدوى ولا طيرة.."الحديث.
    وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "واعلم أن التطير ينافي التوحيد ووجه منافاته له من وجهين، الأول: أن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غيره، الثاني: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له؛ فأي رابطة بين هذا الأمر وبين ما يحصل لك؟! وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد؛ لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، إذن فالطيرة محرمة وهي منافية للتوحيد".

    **أسباب التشاؤم والتطير: ***
    ذكر العلماء أسبابا للتطير منها:
    1- ضعف اليقين والتوكلِ على الله تعالى الذي بيده مقاليد الأمور.
    2- ضعف الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
    3- عدم استحضار نِعم الله الكثيرة عليه ، في نفسه وماله وأهله، قال صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمنا في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
    4- جعل الدنيا أكبر الهم، والغفلة عن الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".
    5- الجهل وضعف العقل وقلة البصيرة.
    6- ضعف الإيمان وقلة ذكر الله عز وجل.
    7- الجبن والضعف والخور، وعدم الشجاعة والحزم والإقدام.

    **آثاره ونتائجه***
    1- أنه يُنقص الإيمان، ويضعف اليقين، ويضادُّ التوكل، ويجعل صاحبه عبداً للخرافات والخزعبلات.
    2- أنه يفتح على العبد باب الوساوس على مصراعيه، فتضطرب نفسه، ويتبلبل فكره، ويصاب بالهوس، فيتمكن الشيطان منه.
    3- أنه سبب لعمَى القلب وطمس البصيرة:
    فلا يزال الشيطان بهذا المسكين يجعله يذوق الحسرات ويشعر بالمرارة في كل أمره، قال الماوردي رحمه الله: "اعلم أنه ليس شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة، ومن ظن أن خُوار بقرة أو نعيب غراب يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل".
    4- أنه يجعل حياة صاحبه نكَدا وكدَرا وهمًّا وغمًّا:
    فالمتطير المتشائم متعَب القلب، منكدِر الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفاً، وأنكدهم عيشاً، وأضيقهم صدراً، وأحزنهم قلباً.
    5- أنه نفق يقود إلى الشرك بالله تعالى وهذه ولا شك أعظم أضرار التشاؤم.
    6- يقضي على معاني المحبة والإخاء بين أبناء المجتمع ويزرع الشك والتنافر.

    **علاج التشاؤم: ***
    من رحمة الله بعباده أنه ما أنزل من داء إلا جعل له دواء، ولا شك أن التشاؤم داء عظيم والواجب على من أصيب به أن يأخذ بأسباب دفعه وعلاجه ونجمل بعضها فيما يلي:

    1- الثقة بالله تعالى وصدق التوكل عليه، واطراح الوساوس والأوهام، وقطع دابرها واجتثاث أصولها، وعدم الالتفاف إليها بالكلية، والمضي في الشأن المقصود بعزم وحزم وقوة، فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: ((فلا تأتهم))، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: ((ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصُدَّنَّهم)).

    قال الماوردي رحمه الله: "ينبغي لمن مُني بالتطير أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشيطان سلطاناً في نقض عزائمه، ومعارضة خالقه، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب، وأن رزقه له طالب، إلا أن الحركة سبب، فلا يثنيه عنها ما لا يضير مخلوقاً ولا يدفع مقدوراً، وليمض في عزائمه واثقاً بالله تعالى إن أعطى، وراضيا به إن منع".

    2- اليقين أنه لا يقع شيىء في هذا الكون إلا بقدر وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله لابن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف"

    3- أن يقول الدعاء المشروع إذا حصل له تشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم:
    فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك))، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة تلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك".

    4- استخارة الخالق، واستشارة المخلوق:
    فمن أكرمه الله تعالى بأن شرع له استخارته سبحانه في الأمور كلها، وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلا فجعل له عقلا يزِن به الأمور، وأرشده إلى أن يستشير غيره ليجمع عقله إلى عقله، كيف يرضى لنفسه بعد ذلك أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فيستقسم بالأزلام، أو يتبرك ويتشاءم بالطيور السوانح والبوارح، أو يستدل بأرقام وأشكال على حوادث ستحصل؟! فهذا غاية القبح ومنتهى السفه.
    عن جابر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلم السورة من القرآن.
    وفي المأثور: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.

    5- احتساب الأجر العظيم الذي يناله المتوكلون، واستحضار الثواب الجزيل المعَدِّ للذين لا يتطيرون،فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولاعذاب وبين لهم صفتهم بأنهم:" لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون".
    فنسأل الله بمنه وكرمه أن يصرف عنا وعن المسلمين كل سوء وأن يرزقنا صدق التوكل عليه.

    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 00:21 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    متى كان الانتحار شرفاً وكرامة ؟!
    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
    أما بعد : فالعبد يؤخذ بما يتكلم به ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (ق : 18 ) وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ومن هنا كان لا بد من مراجعة للكلمات التي يرددها الناس ،وتجري على ألسنتهم ، ومن جملة ذلك قول الناس للمقصرين والمذنبين - في نظرهم - أشرف لك أن تنتحر أو " لو كان عند فلان كرامة لانتحر " فاعتبر هؤلاء أن الانتحار من صور الكرامة والموت بشرف، وكنت قد قرأت مقالة لأحد الكتاب يفرق فيها بين صاحب المشروع وغيره فقال : صاحب المشروع كهتلر إذا فشل مشروعه فإنه ينتحر ، أما العابث فلا ؛ لأنه يتمسك بالحياة حتى آخر نفس - يقصد بذلك صدام حسين أو غيره ـ !! . وهذا وغيره بل الحياة بأسرها لابد من ضبطها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
    وإليك بيان خطأ وتهافت هذه الكلمات .

    أولا : حكم الانتحار والدعوة إليه
    وردت النصوص الشرعية بالنهي عن قتل النفس قال تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: من الآية29). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدَّعي الاسلام :" هذا من أهل النار" فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة فقيل : يا رسول الله الذي قلت :انه من أهل النار فإنه قد قاتل إلىوم قتالاً شديداً ، وقد مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إلى النار" فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت ولكن به جراحاً شديدة ،فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .... " الحديث رواه مسلم.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ ( يطعن ) بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً فيها أبداً ". ( رواه البخاري ومسلم ).

    وفي الحديث :"الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار". ( رواه البخاري) .
    ويقال للمنتحر: " لن نصلح منك ما أفسدت " رواه مسلم ، ولما علم النبي الله صلى الله عليه وسلم برجل مرض ثم نحر نفسه بمشاقص معه قال: " إذا لا أصلي عليه ". ( رواه أبو داود باسناد حسن).

    فالانتحار معصية وكبيرة من الكبائر وفيه معنى القنوط وهو أشد اليأس ، فكيف يتم التحريض عليه والدعوة إليه ، وأشر الناس الذين يقنطون الناس من رحمة الله ، قال علي رضي الله عنه الفقية حق الفقيه: من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها , (رواه الدارمي) .

    وقد ذكر العلماء أنه لا استكراه في القتل، فلو قيل لإنسان: إما أن تقتل أخاك أو نقتلك ، فلا يجوز له أن تمتد يده بقتل أخيه إذ نفسه ليست أفضل من نفس أخيه، وقد أمر سبحانه عباده بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته بل يكون خائفاً راجياً يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته ويرجو رحمته.

    ثانيا : معنى الشرف والكرامة

    الاستقامة هي أعظم كرامة ، قيل لعبد القادر الجيلاني : أرنا من نفسك كرامة ،فصعد على المنبر ، ثم قال : منذ كم وأنا فيكم فقالوا منذ عشرين سنة ، فقال هل رأيتم علي معصية ، هل جربتم علي مخالفة ، فإن الاستقامة هي أعظم كرامة ، وقال البعض : كن طالباً للاستقامة لا للكرامة ، فإن نفسك تدعوك للكرامة والله يطالبك بالاستقامة وقال حاتم الأصم : رأيت الناس يعودون إلى التجارات والصنائع والأنساب ونظرت في قوله تعالى؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ؟ فعملت بالتقوى حتي أكون كريما عنده ، فمن أراد أن يكرم نفسه ، فعليه بطاعة الله وأن يجنب نفسه ما يسخط الله جل وعلا كالانتحار وغيره من الذنوب والمعاصي ، وقد وردت النصوص تبين المعني الحقيقي للشرف ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " جاء جبريل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال :يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب ماشئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس ". (رواه المنذري والطبراني في الأوسط بإسناد حسن) .

    ولما قيل للنبي صلي الله عليه وسلم: أي القتل أشرف؟ قال :" من أهريق دمه وعقر جواده ". (رواه أبو داود وصححه الألباني) وفي الحديث :" تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ". (رواه البخاري ومسلم). وفيه التحريض والحث على الزواج من صاحبة الدين ، والناس عادة يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أنت أيها المسترشد بصاحبة الشرف الحقيقي ، وفي الحديث: " الحسب المال , و الكرم التقوى ". ( رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه). وقال النبي - صلي الله عليه وسلم - : "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ". (رواه مسلم) .

    معنى الشرف والسيادة عند السلف الصالح

    لقد كان للسلف رضي الله عنهم فهمهم لقضية الشرف والسيادة عبروا عنه بأقوالهم وأفعالهم، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: " كرم المؤمن تقواه ، ودينه حسبه , ومروءته خلقه ، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء فالجبان يفر عن أبيه وأمه ، والجرئ يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله ، والقتل حتف من الحتوف والشهيد من احتسب نفسه على الله . وقال أيضا: " تفقهوا قبل أن تسودوا ( أي تصيروا سادة وقادة ) قال البخاري : وبعد أن تسودوا , وكان عمر يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً . وعن عكرمة قال : السيد : الذي لا يغلبه الغضب وقال الضحاك : هو الحليم التقي ، وقال مرة : الحسن الخلق ، وقال ابن القيم - رحمه الله - في وصف إرادة رب العالمين: " يا محمد أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان ، أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال :عبد مناف، وإذا انتسب افتخر بالآباء و إذا ذكرت الأموال عد الإبل ، وسلمان إذا سئل عن اسمه قال : عبد الله ، وعن نسبه قال : ابن الإسلام ، وعن ماله قال : الفقر، وعن حانوته قال : المسجد ، وعن كسبه قال: الصبر ، وعن لباسه قال : التقوي والتواضع ، وعن وساده قال : السهر ، وعن فخره قال : سلمان منا ، وعن قصده قال : يريدون وجهه ، وعن سيره قال : إلى الجنة ، وعن دليله في الطريق قال: إمام الخلق وهادي الأئمة ".

    فالشرف والكرامة الحقة في متابعة منهج الأنبياء والمرسلين والشرف يحجب المرء عن السقوط في قبيح الأفعال ولواتخذ ذريعة لأغراض غير مشروعة أضل صاحبه وأهلكه ، فكيف يقال frown emoticon أشرف له ان ينتحر ) أو ( لو كان عنده كرامة لانتحر ) !!! إن الأمور كل الأمور على ما عند الله جل وعلا ، لا ما اصطلح عليه البعض في عصور الغربة والاغتراب ، فلا يكونن أحدكم إمعة ، ولا يقلدن أحدكم دينه رجلاً ، إن آمن آمن ، و إن كفر كفر ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ومن أراد الشرف وطلب الكرامة فليتأس بسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة وأشرفهم محمد صلي الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
    وقد أمر صلي الله عليه وسلم بحسن الفعال ونهى عن الفخر بالأحساب والأنساب وذم الانتحار . فالواجب على كل شريف وكريم أن ينتهي عن كل ما نهى عنه صلي الله عليه وسلم وزجر .

    ثالثاً: دعوة إلى التوبة لا إلى الانتحار
    دعا سبحانه إلى التوبة الكفار المعاندين والمحاربين الصادين عن سبيله سبحانه فقال: ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) وهل هناك تفريط وتقصير وذنب ومعصية أعظم من الكفر بالله تعالى ؟ !! وقال سبحانه: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم) (الزمر :53 ).

    فعلي العبد أن يتوب إلى ربه وإن عمل من الذنوب ما عمل ، لا أن ينتحر فيضيف بذلك للذنوب ذنبا آخر وللإسراف إسرافا . والتوبة من الكفر أو النفاق لا تكون إلا بالإيمان، والتائب ينال حب الله ومغفرته والفلاح والفوز بالجنة وهي من مظاهر رحمته تعالى بعباده وصفة من صفات الأنبياء وصالح المؤمنين ، وتقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي ما لم تتردد روحه في حلقومه ، وفي الحديث: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها " (رواه مسلم) ، وهذا بالنسبة لعمر الزمن ، فباب التوبة ما يزال مفتوحاً أمام العصاة والمذنبين: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ". والشمس لم تطلع من مغربها بعد والأجل لم يأت ، فالبدار إلى التوبة قبل حلول النقمة ، وتأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه ، والله يفرح بتوبة عبده ويتوب على من تاب ، وفي الحديث: " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ". ( رواه أحمد والترمذي وسنده قوي).

    لا تحجروا واسعا

    لا يصح لأحد أن يحجر واسعاً ، ولا أن يغلق أبواب الرحمة بكلامه ، ففي الحديث: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال " أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ". (رواه مسلم والترمذي وأبو داود) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ( ثلاثاً ) غفر له وإن كان فرَّ من الزحف ". (رواه الترمذي وأبو داود والحاكم وهو حسن) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وقالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : " يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد ". ( رواه مسلم ). وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " سيد الأستغفار أن يقول : اللهم أنت ربي لا إله الأ أنت خلقتني و انا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك على و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " قال ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِ فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ". (رواه البخاري) .

    شروط التوبة

    و الذنب إذا كان بين العبد و بين الرب فهو إلى العفو أقرب , ولا بد من ثلاثة شروط للتوبة منه , الأول : الندم و الثاني : الاقلاع عن المعصية و الثالث : العزم على عدم العودة فيه مرة ثانية , فإذا تضمنت المعصية انتهاك حقوق الأخرين , فلابد في التوبة من شرط رابع , وهو رد الحقوق لأصحابها أو التحلل من حقوق الآدميين , و قالوا في معنى التوبة النصوح التي أمرنا بها أن تندم بالقلب و تستغفر باللسان و تقلع بالجوارح , قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) ( التحريم : 8) . و هذه التوبة مستجمعة الشروط تمحو كل ذنب كفراً كان فما دونه , و العبد متى أطلع الله على قلبه فوجد منه الحرص و العزم على رد الحقوق لأصحابها , فإن لم يستطع ردها و مات , فعسى الله أن يرضيهم عنه , و في حديث الرجل الذي قتل تسعة و تسعين نفسا و كمل المائة بالراهب , شاهد على قبول التوبة , و إن تعاظم الذنب , فإن الله لا يتعاظمه شئ فهل دعونا العصاة و المذنبين . و كلنا ذلك الرجل . إلى ما دعاهم إلىه أرحم الراحمين , بدلا من الدعوة إلى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق , و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة و قدوة طيبة , فقد كان يقول " و الله إني لأستغفر الله و أتوب إلىه في إلىوم أكثر من سبعين مرة " رواه البخاري . فوسعوا فيما وسعت فيه الشريعة ودوروا مع الاسلام حيث دار , يغفر الله لكم , وهو أرحم الراحمين .

    رابعا : شبهة و بيان

    التهكم بالمجرمين و السخرية من العصاة و المذنبيين , و دعوتهم للانتحار و تصويره على أنه شرف و كرامة , شبيهه بدعوة المصلي العاصي إلى ترك الصلاة , يقولون له : طالما أنك ترتكب كذا و كذا , إذاً فاترك صلاتك !! و كان الواجب عليهم أن يأمروه بترك المعاصي و الذنوب مع المحافظة على الصلاة , إذ كيف يؤمر بالكفر , فبين المرء الكفر و الشرك ترك الصلاة ، وكلام من يطالب العصاة بالانتحار وردنا عليه لا يتعلق بالعمليات الفدائية الاستشهادية , و التي يطلق عليها البعض أحيانا وصف الانتحارية . فالمرء إذا حمل بنفسه على صف العدو يطلب الشهادة في سبيل الله , و تقوية قلوب المؤمنين , و إضعاف الكافرين فعمله محمود و سعيه مشكور . وهذا ما قرره العلماء : قال القرطبي : و من هذا ما روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ؟ قال : فلك الجنة فانغمس في العدو حتى قتل ....

    و قال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو , فإن لم يكن كذلك فهو مكروه لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين , فإن كان قصده تجرئة للمسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه , ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه وإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه . وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله و توهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) ( التوبة : 111) إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه . ا.هـ . فليصطلح كل فريق على حقه , وحتى لا نكون أشبه بحاطب ليل , قد يحمل حية تلدغه , ولنحذر دس السم في العسل , و انبهارنا بالشرف و الكرامة لا يجعلنا نروج للانتحار . اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين .
    وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .
    د/سعيد عبد العظيم
                  

09-28-2015, 00:26 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الغفلة .. الداء الفتاك

    إن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، ورغَّبهم في الجنة، ورهَّبهم من النار، وذكرهم بما هم مقبلون عليه بعد الموت من أهوال وكربات عظام، لكن الكثير من الناس ينسى هذه الحقائق ويغفل عنها: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)[الأنبياء:1- 2]، حتى إن المرء لو نظر لأحوال هؤلاء لوجد جرأة عجيبة على الله، وسَيْرًا في طريق المعاصي والشهوات، وتهاونًا بالفرائض والواجبات، فيتساءل: هل يُصدِّق هؤلاء بالجنة والنار؟ أم تراهم وعدوا بالنجاة من النار وكأنها خلقت لغيرهم؟ يقول الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون:115].
    إن حال هؤلاء يصدق فيه قول القائل:
    نهارك يا مغرور سهو وغفـلةٌ.. ... ..وليلك نومٌ والردى لك لازمٌ
    وشغلك فيما سوف تكره غبه ... ..كذلك في الدنيا تعيش البهائم

    إن من أعظم أسباب الغفلة الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته. والحق أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفة ما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلب تعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي العارف أن يراه ربه على معصية، أو أن يراه غافلاً. فأُنس الجاهلين بالمعاصي والشهوات، وأُنس العارفين بالذكر والطاعات.
    ومن أعظم أسباب الغفلة الاغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها. قال الله عز وجل: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[الحجر:3].

    إن حال هؤلاء ليُنبئ عن سُكْر بحب الدنيا وكأنهم مخلدون فيها، وكأنهم لن يخرجوا منها بغير شيء من متاعها مع أن القرآن يهتف بنا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر:5].إن سكران الدنيا لا يفيق منها إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين.

    ومن أسباب الغفلة أيضًا صحبة السوء، فقد قيل: الصاحب ساحب، والطبع يسرق من الطبع، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً)[الفرقان:27-29].
    والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المرء على دين خليله ...." الحديث.
    ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: إن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه وأَولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.

    إن الغفلة حجاب عظيم على القلب يجعل بين الغافل وبين ربه وحشة عظيمة لا تزول إلاَّ بذكر الله تعالى.
    وإذا كان أهل الجنة يتأسفون على كل ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها، فما بالنا بالغافل اللاهي؟!!
    (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون:99، 100].

    إنهم عند نزول الموت بساحتهم يتمنون أن يؤخروا لحظات قلائل، والله ما تمنوا عندها البقاء حبًّا في الدنيا ولا رغبة في التمتع بها، ولكن ليتوبوا ويستدركوا ما فات، لكن هيهات (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)[سـبأ:54].
    فيا أيها القارئ الكريم: لقد خُلقنا في هذه الدار لطاعة الله وليست الدنيا بدار قرار:
    أما والله لو علم الأنام.. ... ..لم خلقوا لما غفلوا وناموا
    لقد خلقوا لما لو أبصرته.. ... ..عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
    مماتٌ ثم قبرٌ ثم حشرٌ.. ... ..وتوبيخ وأهوالٌ عظامُ

    هيا بنا نُقْبِلُ على طاعة الله مكثرين من ذكره، مستفيدين من الأوقات فيما يقربنا من جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر:
    إن لله عبادًا فُطَنًا.. ... ..طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
    نظروا فيها فلما علموا.. ... ..أنها ليست لحيٍّ وطنًا
    جعلوها لُجَّةً واتخذوا.. ... ..صالح الأعمال فيها سُفُنا
    اللهم اجعلنا منهم بمنِّك وكرمك يا رب العالمين.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:28 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الاحتساب تجارة المخلصين

    مما لا شك فيه أن ما عند الله خيرٌ وأبقى: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الشورى:36].
    فما قدمه العبد لنفسه من الصالحات يجده عند الله تعالى كاملاً مضاعفًا: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل:20].
    من هنا تأتي أهمية الاحتساب، فماذا نقصد بالاحتساب؟
    إن للاحتساب أنواعًا أو معاني، منها:
    احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطاعات التي يُبتغى بها وجهه الكريم سبحانه.
    وإذا استحضر العبد هذا المعنى العظيم في نفسه عند قيامه بالطاعات فإنه سيدفع عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلبة المدح والثناء من الناس إلى غير ذلك من الآفات التي تحبط العمل أو تنقص الأجر؛ لأنه حصر همه في رضا الله وطلب الأجر منه. وعندئذ يفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا و**احتسابًا*** غفر له ما تقدم من ذنبه".

    وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اتبع جنازة مسلم إيمانًا و**احتسابًا***، وكان معه حتى يصلَّى عليها، ويُفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد".
    بل إن العبد المسلم يؤجر على نفقته على أهله وهي واجبة عليه كأجر الصدقة إن هو احتسبها كما ورد في الحديث: "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو **يحتسبها*** كانت له صدقة".
    فانظر كيف عظم الأجر بسبب الاحتساب في الطاعات؟!

    ومن معاني الاحتساب: طلب الأجر من الله عند الصبر على البلايا والمكاره:
    وقد مدح الله هذا الصنف من المؤمنين ووعدهم بالرحمة والهداية والأجر الكبير: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:156، 157].

    إن الناس في هذه الحياة يتعرضون لأنواع من البلايا والأمور التي تكرهها نفوسهم لا فرق في ذلك بين مؤمن وكافر، إلا من جهة احتساب الأجر بالنسبة للمؤمنين.
    فالمسلم يمرض وكذا الكافر، ويموت أحباؤه وأقرباؤه، وكذا الكافر؛ لكن ثمة فرقًا مهمًا بينهما؛ ألا وهو ما يرجوه المؤمن من الأجر إن هو صبر واحتسب ورضي، قال الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) [النساء:104].

    وانظر إلى جزاء المحتسبين في المصائب والشدائد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر و**احتسب***، وقال ما أمر به بثواب دون الجنة".

    واستمع إلى أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وهي تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

    "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله له خيرًا منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم..." الحديث.

    وقد كان السلف يراجعون أنفسهم ويستحضرون النوايا الصالحة ويتواصون بالاحتساب طلبًا للأجر والثواب.
    هذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أيها الناس! احتسبوا أعمالكم؛ فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته".
    كما استهان خبيبٌ بن عدي رضي الله عنه بالموت عندما أراد بنو الحارث بن عامر أن يقتلوه، فقال:
    ولستُ أبُالي حين أُقتلُ مسلمًا.. ... ..على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
    وذلك في ذات الإله وإن يشأ.. ... ..يبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع

    فاحتسب أيها الحبيب في طاعاتك وعباداتك، واحتسب في البلايا والشدائد، يثبت الله قلبك ويعلي ذكرك ويضاعف أجرك.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 00:30 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الغلو مطية الشيطان

    إن ظاهرة الغلو من المظاهر التي تصيب بعض الناس فيتجاوزون الحد، وهؤلاء قد يكون منهم من يريد الوصول إلى الأكمل لكنه ضل الطريق. ومن السُّنة المشاهدة في دنيا الناس أن أمثال هؤلاء ينقطعون كما قال الإمام ابن حجر رحمه الله : "لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلاَّ عجز وانقطع فيُغْلَب".وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".
    وقد دفع الشيطان أمثال هؤلاء إلى طريق الغلو والتشدد حين علم منهم قوةَ إقدام وشجاعة فانحرف بهم عن طريق الجادة.
    إن دين الله تعالى واحدٌ، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلو والجفاء، وقد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من الغلو فقال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

    ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بحال النفر الذين قال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. عندئذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا. ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني".
    بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون". قالها ثلاثًا.. أفلا يدل ذلك على خطورة الغلو والتشدد؟.

    الأسلاف يحذرون من الغلو

    ولقد علم السلف والعلماء رضي الله عنهم خطورة الغلو فحذروا منه. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله رجل عن معنى الأبِّ في قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً)[عبس:31] فيقول له: "نُهينا عن التعمق والتكلف".
    وقال عبادة بن نَسِيٍّ - رضي الله عنه - لجماعة: "أدركت أقوامًا ما كانوا يشددون تشدديكم، ولا يسألون مسائلكم".
    وقد كَتَبَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عن الْقَدَرِ، فكَتَبَ:
    أمّا بَعْدُ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى الله، وَالاقْتِصَادِ في أمْرِهِ، وَاتّبَاعِ سُنّةِ نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَرْكِ ما أحْدَثَ المُحْدِثُونَ بَعْدَ ما جَرَتْ بِهِ سُنّتُةُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ. فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السّنّةِ؛ فإنّهَا لَكَ بإذْنِ الله عِصْمَةٌ، ثُمّ اعْلَمْ أنّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النّاسُ بِدْعَةً، إلاّ قَدْ مَضَى قَبْلَهَا ما هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا، أوْ عِبْرَةٌ فيهَا؛ فإنَّ السّنّةَ إنّما سَنّهَا مَنْ قدْ عَلِمَ ما في خِلاَفِهَا من الخطأِ وَالزّلَلِ وَالْحُمقِ وَالتّعَمّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ ما رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لأنْفُسِهِمْ، فإنّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كُفُوا، وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأمُورِ كَانُوا أقْوَى، وَبِفَضْلِ ما كَانُوا فِيهِ أوْلَى، فإنْ كَانَ الْهُدَى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: "إنّما حَدَثَ بَعْدَهُمْ" ما أحْدَثَهُ إلاّ مَنْ اتّبعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ؛ فإنّهُمْ هُمْ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ ما يَشْفِي، فمَا دُونَهُمْ منْ مُقَصّرٍ، وَما فَوْقَهُمْ منْ مَحْسَرٍ، وَقدْ قَصّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ.
    كتَبْتَ تَسْأَلُ عن الإقْرَارِ بالقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ - بإذْنِ الله - وَقَعْتَ، ما أعْلَمُ ما أحْدَثَ النّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ، وَلاَ ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ، هِيَ أبْيَنُ أثَراً، وَلا أثْبَتُ أمْراً مِنَ الإقْرَارِ بالْقَدَرِ، لقَدْ كَانَ ذِكرُهُ في الْجَاهِليّةِ الْجَهَلاَء، يَتَكَلّمُونَ بِهِ في كَلاَمِهمْ، وفي شِعْرِهِمْ، يُعَزّونَ بِهِ أنْفُسَهِمْ عَلَى ما فَاتَهُمْ، ثُمّ لَمْ يَزِدْهُ الإسْلاَمُ بَعْدُ إلاّ شِدّةً، وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ المُسْلِمُونَ، فَتَكلّمُوا بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، يَقِيناً وَتَسْلِيماً لِرَبِّهمْ، وَتَضْعِيفاً لأنْفُسِهِمْ؛ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ ولمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ، ولمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ، وأنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لِفَي مُحْكَمِ كِتابِهِ، مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ، وَمِنْهُ تَعَلّمُوهُ. ولئِنْ قُلْتُمْ: لِمَ أنْزَلَ الله آيَةَ كَذا ؟ ولِمَ قالَ كذَا؟، لقَدْ قَرَأُوا مِنْهُ ما قَرَأْتُمْ، وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ ما جَهِلْتُمْ وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: كُلُّهِ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ، وَكُتِبَتِ الشّقَاوَةُ وَمَا يُقْدَّر يَكُنْ، وَمَا شَاءَ الله كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلاَ نَمْلِكُ لأنْفُسِنَا ضَرًّا وَلاَ نَفْعاً، ثُمّ رَغبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهبُوا".[رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح الإسناد].

    وجاء رجل إلى ابن عقيل رحمه الله فقال: أنغمس في الماء مرارًا كثيرة وأشك: هل صحَّ لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟
    قال ابن عقيل: يا شيخ! اذهب فقد سقطت عنك الصلاة. قال الرجل: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق..."الحديث. ومن ينغمس في الماء مرارًا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون.

    من أنواع الغلو
    وباستقراء وتأمل الأدلة الواردة في الغلو نجد أنه أنواع منها:
    · الغلو في الدين عن طريق الاعتقادات الباطلة؛ كاعتقاد النصارى ألوهية المسيح، أو أنه ابن الله، وقول اليهود فيه: إنه ليس ابن رِشْدَة. كما نجد هذا النوع في الفرق المنحرفة كالخوارج والرافضة والمرجئة.
    · الغلو في العلم بتحريف الكلم عن مواضعه.
    · الغلو في العبادة؛ بحيث يشدد على نفسه حتى يمل ويبغض العبادة نفسها فينتكس.
    · الغلو في الأشخاص والجماعات برفعهم فوق أقدارهم أو عقد الولاء والبراء على أساس آراء الجماعة ومواقفها.

    كيف نعرف الغلو؟
    إذا كان الغلو بهذه الخطورة فهل لكل أحدٍ أن يحكم على الأفراد والمجتمعات بأنها جاوزت الحد الذي وضعه الشرع؟
    إن الحقيقة التي لا مراء فيها أنه لابد من الرجوع إلى أهل العلم المعتبرين للحكم على المعتقدات والأفعال بأنها من الغلو، وإلاَّ فإن المفرطين والفاسقين والعلمانيين يعتبرون كل مظهر من مظاهر التدين نوعًا من الغلو، فحجاب المرأة المسلمة عندهم نوع من الغلو، وإعفاء اللحية، والمطالبة بتحكيم الشريعة...

    هل الغلو ظاهرة إسلامية؟
    بمعنى: هل الغلو واقع فقط في المجتمعات الإسلامية؟
    الحقيقة التي ينطق بها الواقع والتاريخ أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، فاليهود والنصارى عندهم من مظاهر الغلو الكثير.
    والمجتمعات الحديثة أصيبت في بعض جوانبها بكثير من الغلو. والجماعات المختلفة في العالم - سواءٌ كانت دينية أو قومية - تعاني من هذا الداء؛ فلا يصحُّ أبدًا أن ننساق وراء الآخرين في قصر هذا الاتهام على أبناء الإسلام، وتعظم المصيبة حين ينساق بعضنا وراء ما يردده الآخرون من أن تدريس الشريعة والمقررات الدينية في بلاد المسلمين هي التي أفرزت أنواعًا من الغلو، برغم أن تاريخنا وواقعنا يشهد أن أعظم أسباب الغلو هو الجهل بأحكام الإسلام.. فهل من معتبر؟!!
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:32 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لو قنع الناس بالقليل لما بقي بينهم فقير ولا محروم، ولو رضي العبد بما قُسم له لاستغنى عن الناس وصار عزيزًا وإن كان لا يملك من الدنيا الكثير.
    يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
    رأيت القناعة رأس الغنى.. ... ..فصرتُ بأذيالها مُمتسكْ
    فلا ذا يـراني على بابه.. ... .. ولا ذا يراني به منهمكْ
    فصرتُ غنيًّا بلا درهم.. ... .. أمرٌ على الناس شبه الملكْ

    وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التحلي بصفة القناعة حين قال: "ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".
    وكان يدعو ربه فيقول: "اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير".
    والقانع بما رزقه الله تعالى يكون هادئ النفس، قرير العين، مرتاح البال، فهو لا يتطلع إلى ما عند الآخرين، ولا يشتهي ما ليس تحت يديه، فيكون محبوبًا عند الله وعند الناس، ويصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".

    إن العبد لن يبلغ درجة الشاكرين إلاَّ إذا قنع بما رزق، وقد دل على هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: "يا أبا هريرة! كن ورعًا تكن أعبد الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنًا.."الحديث.
    إن العبد القانع عفيف النفس لا يريق ماء وجهه طلبًا لحطام دنيا عمَّا قليل تفنى، وهؤلاء الذين مدحهم الله بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[البقرة:273].

    وقد وردت لهم البشارة على لسان خير البشر صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما أتاه".
    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الطمع فقر، وإن اليأس غنى، إنه من ييأس عمَّا في أيدي الناس استغنى عنهم".

    ومن عجيب ما يروى في ذلك ما جاء في الإحياء من أن الخليل بن أحمد الفراهيدي رفض أن يكون مؤدبًا لابن والي الأهواز، ثم أخرج لرسوله خبزًا يابسًا وقال: "ما دمتُ أجدُ هذا فلا حاجة إلى سليمان - الوالي -". ثم أنشد:
    أبْلِغْ سليمانَ أني عنه في سَـعَةٍ.. ... ..وفي غنىً غير أني لستُ ذا مالِ
    شُحًّا بنفسيَ أني لا أرى أحــدًا.. ... ..يموتُ هزلاً ولا يبقى على حالِ
    والفقر في النفس لا في المال نعرفه.. ..ومثلُ ذاك الغنى في النفس لا المال

    وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس".
    فاللهم قنعنا بما رزقتنا واجعلنا أرضى خلقك بما لنا قسمت.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:33 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن الغدر صفة تدل على خسة النفس و حقارتها، بل هو خصلة من خصال النفاق التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: "أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا؛ ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". [ البخاري ومسلم].
    فأي شيء أقبح من غدر يسوق إلى النفاق، وأي عار أفضح من نقض العهد إذا عدت مساوئ الأخلاق!!.
    وقد عدَّ بعض العلماء الغدر من الكبائر، كيف لا والغادر خصمه يوم القيامة رب العالمين تبارك وتعالى، ففي الحديث: "قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".[البخاري].
    وقد كان من وصاياه صلى الله عليه وسلم لأمراء جيشه: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا..." الحديث [رواه مسلم].
    إن الغادر مذموم في الدنيا ، وهو كذلك عند الله تعالى، وسيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من إمام عامة". (رواه مسلم) فكم أوقع الغدر في المهالك مِن غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوَّقه غدره طوق خزي، فهو على فكِّه غيرُ قادر.
    ومما هو معلوم ومشاهد في دنيا الناس أن الغادر لا يكاد يتم له أمر ،ولا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا ؛ فعن علي رضي الله عنه قال:"ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم...فمن أخفر مسلما(يعني نقض عهده) فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل...". (البخاري).
    وقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في الوفاء حتى وإن فوت عليهم بعض المصالح ، فعن سليم بن عامر قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى عهدهم غزاهم ، فجاء رجل على فرس وهو يقول: الله أكبر الله أكبر ، وفاء لا غدر ، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة ، فأرسل إليه معاوية فسأله،فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدةً ، ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء" فرجع معاوية.
    هكذا تربوا رضي الله عنهم ، وهكذا تعلموا أن عاقبة الغدر وخيمة فنبذوه وحذروا منه ، فما أحوجنا إلى اقتفاء آثارهم والتحلي بمثل أخلاقهم.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:35 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    كظم الغيظ

    من الملاحظ في المعاملات الاجتماعية بين الناس أن بعضهم قد يسيئون إلى إخوانهم إساءات مختلفة، في ألسنتهم، في أيديهم، في غير ذلك من جوارحهم، في تصرفاتهم المالية أو غير المالية، وقد تمس الإساءة النفس، أو تمس العرض والشرف، أو تمس المال والمتاع، أو تمس الأهل والعشيرة...إلخ.

    ولما كان الأمر بهذه الصورة فإن هذه الإساءة لو تعامل معها المرء للوهلة الأولى مستجيبًا لحظ نفسه وهواه لترتب على ذلك شر عظيم وفساد ذات البين، وانتشار العدوات بين أبناء المجتمع.
    وقد وجه الله تعالى عباده المؤمنين لضرورة التحلي بالصبر وكظم الغيظ، بل والدفع بالتي هي أحسن: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34، 35].
    فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتقوى الروابط وتتآلف القلوب، ويُبنى ما تهدم من الروابط الاجتماعية، ولننال رضى الله وجنته: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133، 134].

    إن الشرع المطهر قد أجاز لنا أن نعاقب بمثل ما عوقبنا به، لكنه مع ذلك بيَّن أن العفو وكظم الغيظ أفضل وأحسن: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)[النحل:126].

    **من فضائل كظم الغيظ:***
    إن لكظم الغيظ فضائل عظيمة؛ فبالإضافة إلى ما سبق من الفضائل هناك جملة من الفضائل الأخرى التي نطقت بها هذه الأدلة،منها:
    1- عن ابن عمر - رَضي الله عنهما -: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كُربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه - ولو شاء أن يمضيه أمضاه - ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيأَ لهُ؛ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".

    2- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من جُرعَةٍ أعظم أجرًا عند الله من جرعةِ غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله".
    3- عن أنس رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقومٍ يصطرعون؛ فقال: "ما هذا؟" قالوا: فلانٌ ما يُصارع أحدًا إلا صرعه، قال: "أفلا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجلٌ كلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلبَ شيطانه وغلب شيطان صاحِبِهِ".
    4- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول بيده هكذا - فأومأ أبو عبد الرحمن بيده إلى الأرض - : "من أنظر معسراً أو وضع عنه؛ وقاه اللّه من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حَزْن بربوة (ثلاثاً)، ألا إن عمل النار سهل بشهوة، والسعيد من وقي الفتن، وما من جرعة أحبُّ إليَّ من جرعة غيظ يكظمها عبدٌ، ما كظمها عبدٌ للّه إلاَّ ملأ اللّه جوفه إيماناً".
    5- عن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى قال: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يُخيِّره من الحور ما شاء".

    **وعلى هذه الأخلاق النبيلة تربى السلف رضي الله عنهم***
    1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من اتقى الله لم يشفِ غيظهُ، ومن خاف الله لم يفعل ما يُريدُ، ولولا يومُ القيامة لكان غير ما ترون".
    2- عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر ابن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً أو شباناً. فقال عيينة لابن أخيه: يا لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل! فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين! إن اللَّه تعالى قال لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف 199]. وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب اللَّه.

    3- جاء غلام لأبي ذر رضي الله عنه وقد كسر رجل شاةٍ له فقال له: من كسر رِجل هذه؟ قال: أنا فعلتُهُ عمدًا لأغيظك فتضربني فتأثم. فقال: لأغيظنَّ من حرَّضك على غيظي، فأعتقه.

    4- شتم رجلٌ عديَّ بن حاتم وهو ساكتٌ، فلما فرغ من مقالته قال: إن كان بقي عندك شيءٌ فقل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا.

    5- قال محمد بن كعب رحمه الله تعالى: ثلاثٌ من كُنَّ فيه استكمل الإيمان بالله: إذا رضي لم يُدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يُخرجه غضبُهُ عن الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.

    6- قال رجلٌ لوهب بن منبه رحمه الله تعالى: إن فلانًا شتمك. فقال: ما وجد الشيطان بريدا غيرك؟!.

    7- قال الغزالي رحمه الله تعالى: إن كظم الغيظ يحتاج إليه الإنسانُ إذا هاج غيظُهُ ويحتاجُ فيه إلى مجاهدةٍ شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وحينئذ يُوصف بالحلم.

    8- وذكر ابن كثير رحمه الله من صفاتِ أصحاب الجنة عند تفسير قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى قوله: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم.

    9- ذكر ابن كثير في سيرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن رجلاً كلمه يومًا حتى أغضبه، فهم به عمر، ثم أمسك نفسه، ثم قال للرجل: أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا؟ قم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك.
    فهيا أحبابنا نعود أنفسنا كظم الغيظ والتحلي بالحلم عسى أن يملأ الله قلوبنا إيمانًا وحكمة، ويزيدنا يوم القيامة رفعة.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:37 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لزوم الاستقامة أعظم الكرامة
    عن سفيان بن عبد الله الثقفي رَضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك. قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
    لقد جمع الله لنبيه صَلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فأرشد أمته في هذه الكلمات القلائل إلى جماع الخير حين دلهم على لزوم الاستقامة.
    والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم من غير انحراف عنه يمنة ولا يسرة؛ ويعني ذلك أن يتمسك العبد بأمر الله عز وجل فعلاً وتركًا ظاهرًا وباطنًا.
    وقد أمر الله نبيه وعباده المؤمنين بلزوم الاستقامة ووعدهم على ذلك خيرًا عظيمًا. قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا) [هود:121]، وقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6]، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30).
    وقد أورد الماوردي في الآية خمسة أوجه:
    أحدها: ثم استقاموا على أن الله ربهم وحده.
    الثاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه.
    الثالث: على إخلاص الدين والعمل إلى الموت.
    الرابع: ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم.
    الخامس: ثم استقاموا سرًّا كما استقاموا جهرًا.
    والحق أن ذلك كله داخل في معنى الاستقامة. وأصل الاستقامة في القلب، فإذا استقام القلب استقامت الجوارح؛ لأن القلب ملك الأعضاء وهي جنوده ورعاياه. كما إن من أعظم الجوارح تأثيرًا في استقامة العبد اللسان؛ وقد دلنا النبي صَلى عليه وسلم على هذه القضية الكبيرة حين قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن أعضاءه تُكفِّرُ اللسان (أي تخضع له) تقول: اتق الله فينا؛ فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".
    **الاستقامة اتباع للكتاب والسنة وترك للأهواء والبدع والمحدثات في الدين.***
    عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
    خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا فقال "هذا سبيل الله"، ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال "هذه سبلٌ، على كل سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه" ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) [الأنعام:153]".
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من هدى في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هدى هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط ... ولينظر العبد الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم؛ فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه؛ فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46]اهـ.
    وبقدر استقامة العبد على مراد الله فعلاً وتركًا يكون أمنه وفرحه يوم لقاء ربه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف: 13، 14].
    فيا أيها الحبيب: إذا أردت الكرامة فعليك بلزوم الاستقامة، جعلنا الله وإياك من أهلها،والحمد لله رب العالمين.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:39 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    حين يكون القلب موصولاً بالله، والجوارح عاملة بطاعته كافة عن محارمه، يقذف الله في هذا القلب نورًا يميز به بين الحق والباطل، بين الصادقين والكاذبين.
    إن صاحب هذا القلب وهذه الجوارح يرى في الحقيقة بنور من الله تعالى. قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: "إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم".[حسنه الألباني].
    هذه البصيرة، وهذه المنة من الله هي ما يسميه العلماء: الفِراسة الإيمانية، واستدلوا لها بآيات من كتاب الله عز وجل، نحو قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)[الحجر:75]، فقد قال بعض أهل العلم: إنها نزلت في أهل الفراسة.

    وقوله تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ)[محمد:30]، وقوله: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ)[البقرة:273].
    إن أصل هذه الفِراسة هو الحياة والنور اللذان يهبهما الله لمن يشاء من عباده فيستنير القلب، وبالتالي لا تكاد تخطئ له فراسة كما قال الله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[الأنعام:122].
    قال بعض الصالحين: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغص بصره عن المحارم، وكفَّ نفسه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة.
    قال ابن القيم رحمه الله: "وسِرُّ هذا أن الجزاء من جنس العمل، فمن غض بصره عما حرم الله عز وجل عليه عوَّضه الله تعالى من جنسه ما هو خيرٌ منه. فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى" اهـ.
    وثمة فرق مهم بين الفراسة والظن، إذ الظن يخطئ ويصيب كما إن الظن يكون مع الطاعة أو المعصية مع حياة القلب ومرضه أو موته، كما إن منه ما هو حرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات:12].

    أهل الفِراسة .. أهل الصلاح والتقى

    كما أسلفنا فإن العبد إذا كان قريبًا من ربه أفاض عليه من نوره. قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ".

    ومما لا شك فيه أن من أعظم الأمة نصيبًا من هذه الصفة أصحاب النبي صَلى الله عليه وسلم، إذ كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علما وأقلَّها تكلفًا.. قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه. وفي مقدمة هؤلاء: الصديق رضيَ الله عنه، والفاروق عمر بن الخطاب.
    قال ابن القيم: "كان الصديق رضيَ الله عنه أعظم الأمة فراسة وبعده عمر بن الخطاب رَضي الله عنه، ووقائع فراسته مشهورة، فإنه ما قال لشيء أظنه كذا إلا كان كما قال، ويكفي في فراسته موافقته ربه في المواضع ا لمشهورة. فمن ذلك أنه قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى). وقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فقَالَ لَهُنَّ عُمر: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ كذلك. وشاوره رسول الله صَلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فأشار بقتلهم، ونزل القرآن بموافقته.

    ودخل رجل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد رأى امرأة في الطريق فتأمل محاسنها، فقال له عثمان: يدخل عليّ أحدكم وأثر الزنى ظاهر على عينيه؟! فقال الرجل: أوحيٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة.
    والشواهد من حياتهم كثيرة رَضي الله عنهم وأرضاهم.

    ومن الفراسة التأمل والنظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه فعلاً أو تركًا، وهو أمر لا بد من الاهتمام به، فلا ينبغي الاقتصار على النظر السطحي للأمور، فكم فات الأمة من مصالح وكم جُرَّت عليها الويلات بسبب هذه النظرة السطحية المتعجلة للأمور.
    وهنا يجب الرجوع إلى العلماء الربانيين فهم أقرب إلى التوفيق والعلم بمآلات الأمور والنظر في العواقب، قال الله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:83].
    فهيا أحبابنا نعمر بواطننا بالإخلاص ودوام المراقبة وظواهرنا باتباع السنة، ولنلزم جوارحنا طاعة الله والكف عن المحارم، حتى يرزقنا الله الفراسة الإيمانية.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:40 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    العفة ركن المروءة وطهارة المجتمع

    قديمًا قال بعض أعداء الأمة: كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع؛ فأغرقوها في حبِّ المادة والشهوات.
    وقد حذر نبي الرحمة صَلى الله عليه وسلم من خطر فتنة النساء: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". وقد كان علاج القرآن لهذه الفتنة أبدع العلاجات؛ إذ سدَّ الإسلام كلا لذرائع وأغلق كل الأبواب التي يمكن أن يصل منها الشر إلى المسلم فيوقعه في الفاحشة، أو يفتنه بالمرأة.

    لقد حرم الشرع الزنا، وسدَّ كل الطرق الموصلة إليه، وكان من الوسائل التي حفظ بها الشرع المسلمين أفرادًا ومجتمعات من خطورة الفواحش، حثهم على العفة وترغيبهم في التحلي بها.
    ونقصد بالعفة هنا: الكفَّ عن الحرام في هذا الجانب جانب النساء. فهي إذن خلق إيماني رفيع يعود على صاحبه بالخير في الدنيا والآخرة.
    قال ابن القيم رحمه الله: "إن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر، لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس، ثم تعقبها اللذة، أما قضاء الوطر فبالضد من ذلك".

    *غض البصر عفة:***
    إن إطلاق البصر إلى ما حرم الله من أعظم أسباب الوقوع في الفواحش، ولهذا أمر الله بغض البصر: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30]، ولما سئل النبي صَلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك". فمن غض بصره عف فرجه.

    **حجاب المسلمة عفة وطهارة ونقاء:***
    إن الآيات التي تدعو إلى الحجاب هي في الحقيقة تدعو إلى الغفاف وتحض عليه ، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]. وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59]، وهكذا نجد أن حجاب المرأة المسلمة بالإضافة إلى كونه صيانة لها فهو وسيلة من وسائل إشاعة العفة والفضيلة في المجتمع.

    **عفة الفرج سبيلك إلى الجنة:***
    قال الله تعالى في وصف المؤمنين المفلحين أهل الجنة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:5- 11].
    وقال النبي صَلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله ...". منهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله". وقال صَلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة".

    **العفة نجاة من المهالك:***
    ففي حديث الثلاثة الذين انسد عليهم باب الغار فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم توسل أحدهم بعفته وتركه الزنا مع قدرته عليه ففرج الله عنهم.

    **المبادرة إلى الزواج:***
    إن من أهم أسباب العفة الزواج، ولهذا حثَّ النبي صَلى الله عليه وسلم شباب أمته على المبادرة إليه وعدم التأخير: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج...". بل إن الله وعد على لسان نبيه صَلى الله عليه وسلم من تزوج يريد العفاف بالمعونة: "ثلاثة حقٌ على الله عونهم: الناكح الذي يريد العفاف".

    **العفة تحفظ المجتمع وتحميه:***
    نعم؛ فإن من عفَّ عن المحارم عفَّ أهله "عفُّوا تعفَّ نساؤكُم..." ولك أن تتخيل حالة مجتمع تشيع فيه روح الفضيلة.. كيف يتآزر أبناؤه ويتحابون وينتشر فيه الأمن، وتحفظ فيه الأنساب.
    ثم انظر إلى الصورة المقابلة إلى المجتمعات التي ضعفت فيها صيانة الأعراض كيف تعيش حالة من الخوف وقلة الأمن واختلاط الأنساب وانتشار الخنا والخيانات، والجزاء من جنس العمل.
    وقد ضرب السلف أروع الأمثلة.. في العفة نذكر منها على سبيل المثال:

    **قصة عبيد بن عمير رحمه الله وامرأة من مكة:***
    ذكر أبو الفرج ابن الجوزي أن امرأة جميلة كانت بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدًا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟ قال: نعم. قالت: مَنْ؟ قال: عبيد بن عمير، قالت: فائذن لي فيه فلأفتننه، قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية في المسجد الحرام، فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر، فقال لها: يا أَمَةَ الله استتري، فقالت: إني قد فتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاكِ ليقبض روحك أكان يسركِ أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أُدخلتِ قبركِ، وأجلستِ للمسألة أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم، ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أردت الممر على الصراط، ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقتِ. قال: فلو جيء بالميزان، وجيء بك، فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقتِ. قال: اتقي الله، فقد أنعم عليك وأحسن إليك. قال: فرجعت إلى زوجها. فقال: ما صنعتِ؟ قالت: أنت بطالٌ ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي، كانت في كل ليلة عروسًا فصيرها راهبة.[روضة المحبين (340)].
    فيا أيها الحبيب إذا أردت أن تذوق حلاوة الإيمان، وأن تعيش حميدا موفور الكرامة مُصان العرض فكن عفيفا.

    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:42 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن العدل هو ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق؛ فهو إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به، ولا صلاح فيها إلا معه.
    والعدل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، به تعمر البلاد وتنمو الأموال، ومعه يكبر النسل، ويأمن السلطان. ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
    قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم تكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدلٍ لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة".
    وقال: " إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال ، والظلم محرم لا يباح بحال."

    ولما كان العدل بهذه المكانة السامية والمنزلة العالية والمكانة الرفيعة، رأينا الشريعة المطهرة تأمر به وتعلي من شأنه وتحث عليه.
    قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)[النساء:135]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
    ونجد هنا أمرًا من الله تعالى للمؤمنين أن يكون العدل خلقًا من أخلاقهم، وسجية من سجاياهم؛ وذلك لأن صيغة (قوَّام) هي صيغة مبالغة، تدل على أن العدل من الأخلاق المتمكنة فيه، وفي نصٍ كُلِّي جامع يقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)

    **بعض المجالات التي يدخل فيها العدل:***
    إننا مطالبون بالعدل في كل شيء، لكننا نشير هنا إلى بعض مجالات العدل، ومنها:

    **( أ ) الولاية على الناس***: فيجب أن نتبع فيها قواعد العدل، ومن العدل فيها: إعطاء المستحقين ومنع غيرهم، وإتاحة الفرص لجميع الأفراد بحسب كفاياتهم.
    ومن العدل فيها: إسناد الأعمال إلى أهلها القادرين على القيام بها.
    ولهذا كان من الذين يظلهم الله في ظله: "إمامٌ عادل".

    (**ب) القضاء***: ويكون بالفصل بين الخصماء على أساس العدل لا على المحاباة، والتسوية بين الخصوم في مجلس القضاء، وإقامة الحدود والجزاءات والقصاص.
    يقول الله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء:58].
    وقال الرسول الله r: "إذا حكمتم فاعدلوا..".
    ويقول صلى الله عليه وسلم: " القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار،فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم ، فهو في النار..."

    **(ج) الشهادة***: ويكون العدل فيها بأن يشهد بما رأى أو سمع فإن شهد بما يخالف ذلك فهو شاهد زور: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا..) [الأنعام:152].
    وقال الله : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان:72)

    **(د) معاملة الزوجات***: بأن يعطي كلاً منهنَّ نصيبها من النفقة والسكن والمبيت، وقد حذر النبي صَلى الله عليه وسلم من ترك العدل بين الزوجات: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهنَّ جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل".
    **(هـ) معاملة الأولاد***: وذلك بأن يسوي بينهم في العطية والتربية، وغير ذلك مما يملكه الإنسان. قال صَلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

    إن هذه المجالات التي سبق الإشارة إليها ليست إلا نماذج وأمثلة لما يكون فيه العدل، وإلا فإن المسلم مطالب بالعدل في أموره كلها، بل إنه مطالب بالعدل حتى مع أعدائه: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى:15].

    وحين أرسل النبي صَلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، أرادوا رشوته، فقال: " والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض".

    إننا كمسلمين حين نلتزم بالعدل خلقًا وسلوكًا ومنهج حياة، فإننا نشيع الأمن والطمأنينة، ونعمل على رفاهية مجتمعاتنا.
    كما إننا بالعدل نبين للآخرين عظمة الإسلام وسموه، فيرغبون في التعرف على هذا الدين والدخول فيه، كما حدث مع السابقين، فاللهم ارزقنا العدل في الرضا والغضب.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:45 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الرحمة خلق النجاة

    إنه خُلق نادر في دنيا الناس، فالأرض تئنُّ من قسوة كثير من ساكنيها، انتشرت الجرائم والرذائل، كثر القتل وعظم الدمار، مئات، بل آلاف الأطنان من القنابل الفتاكة تنزل على رؤوس البشر، فتقتل الشيخ في بيته، والعابد في مسجده ،والفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، وتقتل الرضيع في أحضان أمه..
    ماذا جرى؟ ما السبب؟
    إنه غياب الرحمة.
    مع أن الرحمة في الحقيقة كمالٌ في التكوين الفطري للإنسان، لكنه حين انحرف عن منهج الله أصيب في فطرته، مما جعله محتاجًا لتذكيره بأهمية هذه الصفة وهذا الخلق.

    **أخي: هل تحب أن يرحمك الله؟***
    إذًا ارحم خلقه، فقد قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
    إن أهل الجنة هم من كانوا في الدنيا يرحمون الخلق ويرقون لهم: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيمٌ رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال".
    إن من عظمة الإسلام وكمال الشريعة أن أمر أتباعه بالرحمة، الرحمة بالناس، بالمسلمين، بالكافرين، بل بالحيوانات. قال الله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]. وهذه أمثلة:

    **الرحمة بالأرملة والمسكين والبنات:***
    قال نبي الرحمة صَلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله". رحم الضعفاء من الناس فرحمه الله وأعلى درجته.
    وقالت ؟عائشة - رضي الله عنها - :جَاءتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَىَ فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلُهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّ الله قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَو أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ". أوجب لها الجنة برحمتها بناتها.

    **الرحمة بالصغار: ***
    قَبَّلَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي اللّه عنهما وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي. فقال الأقرعُ: إن لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً، فنظرَ إليه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ".
    وقدم ناس من الأعراب على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: "نعم" قالوا: لكنا والله ما نقبل. فقال: "أو أملك أن كان اللَّه نزع من قلوبكم الرحمة".
    فهل تتعامل مع أولادك هذه المعاملة الراقية؟ هل تلاعبهم؟ هل ترحمهم؟

    **الرحمة بالمسلمين كافة:***
    لقد وصف الله عز وجل مجتمع المسلمين بأنه يتراحم ويواسي بعضهم بعضًا: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح:29].
    "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
    فهل نحن كذلك حقًّا؟ هل نتراحم؟ هل نكظم غيظنا؟ هل نعفو ونصفح؟ وكلها من مظاهر الرحمة.

    **الرحمة بالحيوان:***
    روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
    وعن أبي هريرة رَضي الله عنه أن الرسول صَلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَرِيقِ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرىَ مِنَ الْعَطَشِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفَيْهِ حَتَّىَ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لأَجْراً؟ فَقَالَ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ".
    ما أروع هذا الشمول الذي تتمتع به تعاليم الإسلام!!
    امرأة تعذب بسبب قسوة قلبها تجاه هرة، ورجل يغفر له بسبب رحمته كلبا.
    إن الرحمة الإيمانية لتمد ظلالها وراء حدود الإنسان لتشمل حتى الحيوانات...
    نسأل الله أن يجعلنا من عباده الرحماء .
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:46 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الغضب جمرة من الشيطان

    من الحق الذي لا مراء فيه أن ضبط النفس عند الاندفاع بعوامل الغضب بطولة لا يستطيعها إلا قوي الإيمان، عالي الهمة، قوي الإرادة، إذ ليس من السهل إذا غضب الإنسان أن يضبط نفسه، ويكف غضبه، ويكظم غيظه، ويمتنع عن الانتقام ممن أغضبه.
    ولذلك جعل النبي صَلى الله عليه وسلم البطولة ضبط النفس من الاندفاع بعوامل الغضب: "ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
    لقد كان العرب يطلقون على بطل المصارعة الذي يغلب الناس عند مصارعتهم [صرعة]، وكانوا يعظمون شأنه، فرأينا رسول الله صَلى الله عليه وسلم يحول هذا الإعجاب إلى البطل الحقيقي، أتدرون من هو؟ اقرأوا هذا الحديث بتدبر، فقد قال صَلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الصرعة فيكم؟" قالوا: الذي لا تصرعه الرجال. فقال:" لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب".

    آفات الغضب و أضراره
    إن الغضب هو مفتاح كل شر، فمن ذلك:

    - أنه يورث العبد العدوات والأحقاد التي تنغص عيشه وتكدر صفوه، ثم إنه يفتح الباب لتحكم الشيطان في الغضبان فيجعله يفعل ويتكلم بما يندم عليه إذا انطفأت نيران غضبه.
    قال مجاهد رحمه الله: "قال إبليس لعنه الله: ما أعجزني بنو آدم، فلن يعجزوني في ثلاث: إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فَقُدناه حيث شئنا، وعمل لنا بما أحببنا. وإذا غضب قال بما لا يعلم، وعمل بما يندم...".

    - ومن آفات الغضب أنه يُلجئ صاحبه إلى الاعتذار، قال بعض الحكماء: إياك وعزة الغضب، فإنها تفضي إلى ذل الاعتذار.
    وقال الشاعر:
    وإذا ما اعتراك في الغضب العزَّ ةُ فاذكر تذلُّلَ الاعتذارِ
    ولو نظر الغضبان إلى صورة نفسه حال غضبه لأحس ببشاعة الغضب.

    - ثم إن استحكام الغضب باب من أعظم الأبواب التي يلجُ الناسُ منها النار.
    قال بعض الحكماء: من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار.
    وقال ابن القيم رحمه الله: دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكًّا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه.
    ولقد رأينا كيف دلَّ رسول الله صَلى الله عليه وسلم أمته على كلِّ خير وحذَّرها من كلِّ شرٍّ، ومن أعظم الشرور التي حذَّر منها صَلى الله عليه وسلم: الغضب.

    وهنا يثور سؤال: هل كل الغضب مذموم؟
    والجواب: أن الغضب منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود. فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان لله وفي جانب الدين والحق.
    فالناس يتفاوتون في قوة الغضب على درجات:
    الأولى: درجة التفريط بحيث يكون لا حميَّة له، فهذا مذموم؛ لأنه يثمر ثمرات مُرَّة من الذل وصغر النفس وضعف الغيرة.
    الثانية: الإفراط، ويكون بغلبة الغضب، بحيث يخرج عن سياسة العقل والدين، ولا يبقى مع الشخص بصيرة ولا نظر ولا اختيار، وهي درجة مذمومة بكل حال.
    الثالثة: الاعتدال؛ وهو المحمود فينبعث حيث تجب الحمية والأنفة وينطفئ حيث يحسن الحلم.

    علاج الغضب:
    إذا اشتعلت نيران الغضب، وهاجت رياحه، فإنه يعالج بأمور نجملها في النقاط التالية:
    1- أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد قال النبي صَلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد! لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وذلك لما استبَّ رجلان، فغضب أحدهما حتى احمر وجهه وانتفخت أوداجه.

    2- أن يتحول عن الحال التي كان عليها، فإن كان قائمًا جلس، وإن كان جالسًا اضطجع.

    3- الوضوء، فإن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء.

    4- أن يتذكر قدرة الله عليه، وحاجة العبد إلى عفو ربه، فلا يأمن إن أمضى عقوبته بمن قدر عليه أن يمضي الله غضبه عليه يوم القيامة.

    5- أن يذكر ثواب العفو وكظم الغيظ، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]. (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى: من الآية40].

    6- أن يتفكر في آفات الغضب التي سبق الحديث عنها في بداية المقال.

    7- أن يسأل ربه أن يرزقه الحلم، وكظم الغيظ، وسعة الصدر. وأن يدرب نفسه على تحمل الأذى، والتحلي بمكارم الأخلاق؛ "إنما الحلم بالتحلُّم".

    8- أن يطالع سيرة المصطفى صَلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته الذين تأسوا به، فما كانوا يغضبون إلا لله وهم في غضبهم مأجورون.
    نسأل الله أن يقينا شر الغضب وأن يوسع صدورنا ويحسن أخلاقنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    والحمد لله رب العالمين.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:48 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مجاهدة النفس .. سبيل السعادة

    الإنسان في هذه الحياة الدنيا يعيش حالة من الصراع مع أعداء ظاهرين، وآخرين لا يراهم، وربما كانوا أشد فتكًا به من أعدائه المشاهدين؛ ولذا فإنه لا بد أن يكون دائمًا متيقظًا حذرًا.
    وإن أعدى أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه فإنها تحثه على نيل كل مطلوب والفوز بكل لذة حتى وإن خالفت أمر الله وأمر رسوله، والعبد إذا أطاع نفسه وانقاد لها هلك، أما إن جاهدها وزمها بزمام الإيمان، وألجمها بلجام التقوى، فإنه يحرز بذلك نصرًا في ميدان من أعظم ميادين الجهاد. قال رسول الله r: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب". [الصحيحة: 549].

    فجهاد النفس إذاً من أفضل أنواع الجهاد، قال ابن بطال:
    "جهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكمل، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)[النازعـات:40]. ويقع بمنع النفس عن المعاصي، وبمنعها من الشبهات، وبمنعها من الإكثار من الشهوات المباحة لتتوفر لها في الآخرة".

    مراتب مجاهدة النفس:
    قال بعض الأئمة: وجهاد النفس أربع مراتب: حملها على تعلم أمور الدين، ثم حملها على العمل بذلك، ثم حملها على تعليم من لا يعلم، ثم الدعاء إلى توحيد الله، وقتال من خالف دينه وجحد نعمه.

    عدة المجاهدة
    والمسلم وهو يجاهد نفسه لابد له من عُدَّة يتسلح بها، وأقوى الأسلحة التي يستخدمها المسلم في مجاهدة نفسه، سلاح الصبر؛ فمن صبر على جهاد نفسه وهواه وشيطانه غلبهم وجعل له النصر والغلبة، وملك نفسه فصار ملكًا عزيزاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غُلب وقُهر وأُسر، وصار عبدًا ذليلاً أسيرًا في يد شيطانه وهواه كما قيل:

    إذا المرء لم يَغْلِبْ هواه أقامهُ.. ... ..بمنزلةٍ فيها العزيز ذليلُ

    كان زياد بن أبي زياد - مولى ابن عياش - يخاصم نفسه في المسجد يقول: أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟
    وكان يقول لنفسه: ما لك من الطعام غير هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب غير هذين الثوبين، وما لكِ من النساء غير هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟ قال: فقالت: أنا أصبر على هذا العيش.

    وانظر إلى مالك بن دينار رحمه الله، وهو يطوف في السوق، فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري؛ فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك عليَّ.
    فهذه أمثلة من مجاهدة الصالحين لأنفسهم، يظهر فيها جليًّا استعانتهم بالصبر في هذا الميدان.

    سوء الظن بالنفس

    ومما يعين على تهذيب النفس ومجاهدتها سؤ الظن بها، فإن الإنسان إذا عرف نفسه حقيقة لم يركن إليها، ولم ينقد لها، بل أساء بها الظن، وكيف يحسن الإنسان الظن بعدوٍ لدود يتربص به لينقض عليه: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) [يوسف:53].
    وقد كان من وصايا الصديق رَضي الله عنه للفاروق حين استخلفه: إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك.

    ومن أعظم أسباب الإعانة على المجاهدة: الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، والاستعانة بالصلاة.
    عن ربيعة الأسلمي رضَي الله عنه قال: "كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".

    إن مجاهدة النفس باب عظيم من أبواب الخير، فإن وفق العبد فيه فاز وربح ربحًا لا خسارة بعده أبدًا، وإن عجز وغُلب خسر خسرانًا عظيمًا.
    قال الرسول صَلى الله عليه وسلم: "إنّ الشّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسْلاَمِ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإنّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِر كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطّوَلِ [الحبل]؟ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ: تُجَاهِدُ؟ فَهُوَ جَهْدُ النّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقْتَلُ؛ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ؟ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ".
    قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ، وَإنْ غَرِقَ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابّتُهُ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ".
    فهيا أيها الأحبة نجاهد أنفسنا على تعلُّم دين الله والعمل به والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، لعلنا نكون من الفائزين.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:51 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    المنّ صفة البخيل

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله واصحابة ومن والاه. أما بعد :
    **معنى المن ***
    المن يطلق على القطع والانقطاع ومنه قوله تعالى (فلهم أجر غير ممنون) (التين :6) أي غير مقطوع ، ويطلق أيضا على اصطناع خير ، والمنة هى النعمة الثقيلة ، ومن ذلك قوله تعالى (لقَََد منَّ الله على المؤمنين) (آل عمران 164) وقد تكون المَّنة بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة .

    **بعض الآيات الواردة فى المن ***
    من صور المن التي وردت بذمها الآيات ، ما جاء فى قوله تعالى: (ولا تمنن تستكثر (المدثر (6) وقوله تعالى: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ) (الشعراء:22)
    وقوله تعالى:(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17)
    وقوله تعالى: ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)(البقرة: من الآية264) .
    وقال القرطبي رحمه الله:" المنُّ غالباً يقع من البخيل والمُعجب, فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها, والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه مُنعم بماله على المُعطَى, وإن كان أفضل منه في نفس الأمر, وموجب ذلك كله الجهل, ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه, ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد".

    والمنَّ عموماً يحتمل تفسيرين: أحدهما إحسان المحسن غيرَ معتَدّ بالإحسان, يقال: لحقت فلاناً من فلان منّةٌ, إذا لحقته نعمةٌ باستنقاذٍ من قتل أو ما أشبهه. الثاني منَّ فلانٌ إذا عظَّم الإحسانَ وفخر به وأبدأ فيه وأعاد حتى يفسِده ويُبغّضه, فالأول حسن (ويدخل فيه كل صور المن من الله تعالى) والثاني قبيح وهو الذي يأتي على معنى التقرير للنعمة والتصريح بها أو أن يتحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المُعطي فيؤذيه, والمن حينئذ من الكبائر.

    **بعض الأحاديث الواردة في ذم المنّ.***
    عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة, والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره" رواه مسلم. وعن ابن عمر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله - عز وجل- إليهم يوم القيامة, العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث, وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن على الخمر والمنان بما أعطى" رواه النسائي, وقال الألباني حديث صحيح.
    وعن عبد الله بن أبي أوفي إن أناسا من العرب قالوا: يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان, فأنزل الله : (يمنون عليك إن أسلموا)(الحجرات :17) أخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مرذويه بسند حسن, وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يدخل الجنة , خِبٌّ (الخادع الغاش), ولا منان, ولا بخيل"(رواه الترمذي, وقال حسن غريب).

    **معنى لا يدخل الجنة منان***
    وردت أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة من جهة النقل , و جهل معناها فرقتان: فرقة المعتزلة والخوارج احتجوا بها وادعوا أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها مخلد في النار محرم عليه الجنة, والفرقة الأخرى المرجئة كَفَرَت بهذه الأخبار وأنكرتها ودفعتها جهلاً بمعانيها , كما أوضح ابن خزيمة وذكر أن معني هذه الأخبار إنما هو على أحد معنيين، أحدهما: لا يدخل الجنة أي بعض الجنان, إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أنها جنان من الجنة واسم الجنة واقع على كل جنة منها.. والمعنى الثاني إن كل وعيد في الكتاب والسنة لأهل التوحيد فإنما هو على شريطة : إلا أن يشاء الله تعالى أن يغفر ويصفح ويتكرم ويتفضل فلا يعذب على ارتكاب تلك الخطيئة , قال تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء :11)
    كما قالت طائفة من العلماء إن مثل هذا الوعيد في حق الموحدين ربما قصد به أن أهله لن يدخلوا الجنة مع أول من يدخلها بل يتأخرون وقد يعذبون في النار لكن مصيرهم في النهاية إلى الجنة لتوحيدهم.

    **بعض الآثار وأقوال العلماء في ذم المن***
    أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يدخل الجنة منان, فشق ذلك عليّ حتى وجدت في كتاب الله في المنان: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) (البقرة:264) وفي تفسير قوله تعالى: (إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (المطففين (15). قال أبو مُليكة الزماري: المنان والمختال الذي يقطع بيمينه أموال الناس.وعن الضحاك في قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)(البقرة :264) قال: من أنفق نفقة ثم منّ بها أو آذى الذي أعطاه النفقة حبط عليه أجره فضرب الله مثله صفوان عليه تراب فأصابه وابل فلم يدع من التراب شيئا فكذلك يمحق الله أجر الذي يعطي صدقة ثم يمن بها كما يمحق المطر ذلك التراب.

    **أخي الحبيب***
    إن المن يستجلب غضب الله سبحانه ويستحق المانّ الطرد من رحمته جل وعلا، وهو يوغر الصدور ويحبط الأعمال وينقص الأجر وقد يذهب به بالكلية ويحرم صاحب هذه الآفة من نعمة نظر الله وكلامه معه يوم القيامة .
    فإياك إياك أن تكون منانا فإن المن صفة البخلاء.
    د.سعيد عبد العظيم
                  

09-28-2015, 00:53 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    سلامة الصدر طريقك إلى الجنة
    الحمد لله ب العالمين والصلاة والسلام على والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين..وبعد
    فقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع . ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:103].

    بل امتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63].
    وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد.
    والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88، 89].
    والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة.
    ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" [البخاري].

    فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله تعالى:

    يا صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارة
    فقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

    ثم نقول: إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة

    قال صلى الله عليه وسلم:
    "تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!!

    سلامة الصدر طريق إلى الجنة:
    فأول زمرة تدخل الجنة: "...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد.." [البخاري].
    وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه".
    فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك...
    وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال:
    (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].

    الله يمدحهم:
    ( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:9، 10].
    فهيا إخواني وأخواتي نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. لكنهم تحابوا في الله، وتصافوا..
    فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت؟

    أثرها على الفرد والمجتمع:
    يفوز صاحب الصدر السليم بكل الفضائل التي سبق الحديث عنها والنتيجة المباشرة هي:
    · راحة البال والبعد عن الهموم والغموم.
    · اتقاء العداوات.
    أما بالنسبة للمجتمع فإنه يكون مجتمعًا متماسكًا متراصًا متكاتفًا ترفرف عليه رايات المحبة والإخاء ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى". [صحيح مسلم].
    أنا أريد أن تتأمل معي هاتين الآيتين لتعرف قيمة سلامة الصدر بالنسبة للمجتمع: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120]، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) [الأنفال:46].
    فأعداء الأمة لن ينالوا منها مايريدون طالما ظل أبناؤها متحابين متماسكين سليمي الصدور غير متنازعين.

    أمثلة من حياة الصالحين:
    هذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [جبلا مكة] فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".
    فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.
    ثم تأمل حاله صَلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه (أسالوا دمه) فمسح الدم وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
    واستحضر معي حالة المشركين معه صلى الله عليه وسلم في مكة وقد آذوه وسعوا في قتله حتى خرج من بين أظهرهم وكان الأمر كما أخبر الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)
    فلما مكن الله له ودخل مكة فاتحا ما انتقم ولا آذى بل قال لقومه:
    "لا تثريب عليكم اليوم".
    والأمثلة من حياته صَلى الله عليه وسلم كثيرة، ننصح بقراءة سيرته.

    نبي الله يوسف عليه السلام:
    وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا:
    (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ). فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). ما حمل غلا.
    ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)
    فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).

    ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاضوا فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)
    فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.

    وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم.

    ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول :
    "إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".

    أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".

    أماعُلبة بن زيد
    فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: "اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أين المتصدق بعرضه البارحة؟" فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : "أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة".

    وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويُعذَّب على يد المعتصم، وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحسَّ بألمٍ في جسده قال: "اللهم اغفر للمعتصم".
    سبحان الله!! يستغفر لمن كان سببًا في ألمه. إنه منطق عظيم لا تعرفه إلا الصدور التي حملت قلوبًا كبيرة عنوانها: **سلامة الصدر.***
    وهل أتاك نبأ الشيخ ابن باز - رحمه الله - مع ذلك الرجل من الخرج؟
    فقد تولى الشيخ القضاء في مدينة الخرج وجاءه رجل في قضية فسب الرجل الإمام ابن باز رحمه الله،وشاع الخبر في المدينة وخرج الشيخ إلى الحج ،وبينما كان الشيخ في الحج مرض الرجل ومات، فلما قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه، أبى الإمام الصلاة عليه بسبب سبه للشيخ ابن باز، وصلَّى غيره، فلما رجع الشيخ وأُخبر الخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرض ما صنع، ثم إنه سأل عن قبر الرجل فأتاه وصلَّى عليه ودعا له.
    فأين نحن من هؤلاء؟!!.

    الأسباب المعينة على سلامة الصدر:
    1- الدعاء

    فإنه من أعظم الأساب لتحقيق المقصود ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم :(وأسألك قلبًا سليمًا)، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم:(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).

    2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل:
    قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
    وقال الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.
    ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك ،فقال الشفعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني،قال الزائر :والله ما أردت إلا الخير،فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.

    3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات:
    - التمس لأخيك سبعين عذرًا.
    - يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه.
    - يا أخي من المعصوم من الخطأ والزلات؟ قال بعضهم:الفتوة التجاوز عن زلات الإخوان.
    - تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته.
    - استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.

    4- ادفع بالتي أحسن..
    ليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).

    5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.
    6- معاملة النمام بما يستحقه فهو[فاسق - هماز مشاء بنميم - بريد الشيطان].
    7- الهدية والمواساة بالمال فإنها من دواعي المحبة.
    8- الإيمان بالقدر ، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.
    9- أخيرا تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.
    رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 00:56 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأبرار، الذين إذا غابوا لم يُفتقدوا وإذا حضروا لم يُعرفوا، مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة، فاحرص على طاعة الله، فإن ظهر أمرك واشتهر حالك فعش حياة العبودية لربك، واصرف هذا الظهور فيما يقربك من مولاك، وإلا فكن واحدا من هؤلاء الأفاضل، واعلم أن الله سبحانه مطلع ورقيب، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه...{ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد } المجادلة: 6

    حدير وما أدراكم ما حدير
    أورد ابن الجوزي في صفة الصفوة رواية عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشا فيهم رجل يقال له: حدير وكانت تلك السنة قد أصابتهم سَنَة [ شدة ] من قلة الطعام، فزودهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسي أن يزود حديراً، فخرج حديرٌ صابراً محتسباً وهو في آخر الركب يقول: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: نعم الزاد هو يا رب' فهو يرددها وهو في آخر الركب.
    قال: فجاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إن ربي أرسلني إليك يخبرك أنك زودت أصحابك ونسيت أن تزود حديراً وهو في آخر الركب يقول: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: نعم الزاد هو يا رب. قال: فكلامه ذلك له نور يوم القيامة ما بين السماء والأرض، فابعث إليه بزاد.
    قال: فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا فدفع إليه زاد حدير وأمره إذا انتهى إليه حفظ عليه ما يقول، وإذا دفع إليه الزاد حفظ عليه ما يقول، ويقول له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك السلام ورحمة الله، ويخبرك أنه كان نسي أن يزودك وإن ربي تبارك وتعالى أرسل إليّ جبريل يذكرني بك، فذكره جبريل وأعلمه مكانك.
    قال: فانتهى إليه وهو يقول: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: نعم الزاد هو يا رب.
    قال: فدنا منه ثم قال له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله وقد أرسلني إليك بزاد معي ويقول:إني نسيتك فأرسل إلي جبريل من السماء يذكرني قال: فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: الحمد لله رب العالمين ذكرني ربي من فوق سبع سماوات ومن فوق عرشه ورحم جوعي وضعفي، يا رب كما لم تنس حديراً فاجعل حديراً لا ينساك.
    قال فحفظ ما قال ورجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما سمع منه حين أتاه وبما قال حين أخبره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنك لو رفعت رأسك إلى السماء لرأيت لكلامه ذلك نوراً ساطعا ما بين السماء والأرض".
    نسي التاريخ حديرا ونسي أن يحفظ لنا اسم أبيه وأمه، ومن أي قبيلة هو؟ وفي أي عام ولد؟ وفي أي عام مات؟ وكيف مات؟ لكن ربه لم ينسه، ذلك بأن ربك لا ينسى أولياءه المتقين وإن نساهم الناس، ويعرف أولياءه الصالحين وإن جهلهم الناس:{ عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال } الرعد:9

    عمير بن سعد نسيج وحده
    ابن شهيد بن قيس بن النعمان بن عمرو, الأنصاري الأوسي, العبد الصالح الأمير, صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
    روى ابن إسحاق , عن عاصم بن عمر بن قتادة , عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد , قال لي ابن عمر : ما كان من المسلمين رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من أبيك .
    وروى هشام, عن ابن سيرين: كان عمير بن سعد يعجب عمر ; فكان من عجبه به يسميه: نسيج وحده.
    ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبد الملك بن هارون بن عنترة: حدثنا أبي, عن جدي: أن عمير بن سعد, بعثه عمر على حمص ; فمكث حولا لا يأتيه خبره. فكتب إليه: أقبل بما جبيت من الفيء. فأخذ جرابه وقصعته, وعلق إداوته, وأخذ عنزته, وأقبل راجلا. فدخل المدينة, وقد شحب, واغبر, وطال شعره. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: ما شأنك ؟ قال: ألست صحيح البدن, معي الدنيا ! فظن عمر أنه جاء بمال, فقال: جئت تمشي ؟ قال نعم. قال: أما كان أحد يتبرع لك بدابة ؟ قال: ما فعلوا, ولا سألتهم. قال: بئس المسلمون ! قال: يا عمر, إن الله قد نهاك عن الغيبة. فقال: ما صنعت ؟ قال: الذي جبيته وضعته مواضعه, ولو نالك منه شيء, لأتيتك به. قال: جددوا لعمير عهدا. قال: لا عملت لك ولا لأحد.
    وذهب إلى منزله على أميال من المدينة. فبعث عمر رجلا بمائة دينار, وقال: انزل بعمير كأنك ضيف, فإن رأيت أثر شيء فأقبل ، وإن رأيت حالا شديدة فادفع إليه هذه المائة. فانطلق, فرآه يفلي قميصه. فسلم. فقال له عمير: انزل. فنزل. فساءله, وقال: كيف أمير المؤمنين ؟ قال: ضرب ابنا له على فاحشة, فمات .
    فنزل به ثلاثا, ليس إلا قرص شعير يخصونه به, ويطوون. ثم قال: إنك قد أجعتنا. فأخرج الدنانير, فدفعها إليه. فصاح, وقال: لا حاجة لي بها, ردها عليه. قالت المرأة: إن احتجت إليها, وإلا ضعها مواضعها. فقال: ما لي شيء أجعلها فيه. فشقت المرأة من درعها, فأعطته خرقة, فجعلها فيها ، ثم خرج يقسمها بين أبناء الشهداء.
    وأتى الرجل عمر ; فقال: ما فعل بالذهب ؟ قال: لا أدري. فكتب إليه عمر يطلبه. فجاء, فقال: ما صنعت الدنانير ؟ قال: وما سؤالك ؟ قدمتها لنفسي. فأمر له بطعام وثوبين. فقال: لا حاجة لي في الطعام ; وأما الثوبان, فإن أم فلان عارية. فأخذهما, ورجع.
    فلم يلبث أن مات... وذكر سائر القصة.
    ويقال: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء, وشداد بن أوس, وعمير بن سعد.
    أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا أنقى هذه الأمة قلوبا، وأكثرها علما، وأقلها تكلفا، أولئك هم الأتقياء الأخفياء علت همتهم فلم تتلاعب بهم الدنيا، ولا تطلعوا لمال أو منصب أو جاه، لقد كانت حياتهم ترجمة لمعاني الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً، لسان حالهم ومقالهم { وعجلت إليك رب لترضى } طه: 84 عاشوا بالإسلام وللإسلام، مشوا بأرجلهم على الأرض وقلوبهم معلقة بخالق الأرض والسماوات.

    الأتقياء الأخفياء قوم استقاموا على كتاب الله وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان تعاملهم مع الله في عسرهم ويسرهم ومنشطهم ومكرههم، ولذلك كرهوا الشهرة، فعن حبيب بن أبي ثابت قال: خرج ابن مسعود ذات يوم فاتبعه ناس فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. وقال: لو تعلمون ما أعلم من نفسي حثيتم على رأسي التراب.
    لقد حرص الأتقياء الأخفياء على الإخلاص في العمل والصدق مع الله حتى قال أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين. وكان عمل الربيع كله سرا، وإن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه، وما رئي متطوعا في مسجد قومه إلا مرة واحدة، وكان رحمه الله يقول: كل ما لا يبتغى به وجه الله عز وجل يضمحل.

    وأتقى الخلق لله هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بقية أولي العزم من الرسل [ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ] عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ثم بقية المرسلين، ثم أبو بكر وعمر وعلي وسائر العشرة المبشرين بالجنة ثم أصحاب بيعة الرضوان وبيعة العقبة وأهل بدر وأحد، ثم سائر الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - وكل صحابي أفضل من كل من جاء بعده.
    ثم سرعان ما تغير الحال وتبدل وأطلت الغربة برأسها وظهرت البدع، وتطلع الناس إلى المال والجاه والسلطان، وطلبوا الشهرة، ولو على حساب دينهم، وانبهروا بالمشاهير من الكفرة الفجرة، وعز وجود الأتقياء الأخفياء، فتباعدوا بذلك عن معاني الكرامة الحقيقية { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات: 13 وصاروا راضين بالدنيا مؤثرين للحطام الفاني على ما عند الله تعالى، فما أحرانا اليوم أن نعود إلى سيرة هؤلاء الأتقياء الأخفياء، ونطالع أقوالهم وأفعالهم.
    **فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف***

    فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك". [ رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وصححه الألباني]
    عن سهل بن سعد الساعدي قال :مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"ما تقولون في هذا الرجل؟" قالوا " نقول هذا من أشرف الناس، هذا حري إن خطب أن يخطب، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع لقوله، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ومر رجل آخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ما تقولون في هذا ؟ قالوا نقول والله يا رسول الله :هذا من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب لم ينكح ، وإن شفع لا يشفع ، وإن قال لا يسمع لقوله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لهذا خير من ملء الأرض مثل هذا".[البخاري وغيره].

    **أويس القرني***
    هو القدوة الزاهد, سيد التابعين في زمانه أبو عمرو, أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.
    وقرن بطن من مراد, وفد على عمر وروى قليلا عنه , وعن علي .
    وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين.
    روى مسلم عن أسير بن جابر , قال : كان عمر بن الخطاب , إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص , فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم قال : ألك والدة ؟ قال نعم . قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن , كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم , له والدة , هو بها بَرّ , لو أقسم على الله لأبره , فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" ؛ فاستغفر لي . قال : فاستغفر له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إليّ , قال : فلما كان من العام المقبل , حج رجل من أشرافهم , فوافق عمر , فسأله عن أويس , فقال : تركته رث الهيئة , قليل المتاع . قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن , من مراد ثم من قرن , كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم , له والدة هو بها بر , لو أقسم على الله لأبره , فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسا فقال : استغفر لي , قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح , فاستغفر لي . قال : استغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . قال : فاستغفر له , قال : ففطن له الناس , فانطلق على وجهه , قال أسير : وكسوته بردة . وكان كل من رآه قال : من أين لأويس هذه البردة ؟..

    **علي بن الحسين ***
    ابن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف , السيد الإمام, زين العابدين , الهاشمي العلوي , المدني. وأمه أم ولد , اسمها سلامة (سلافة) بنت ملك الفرس يزدجرد , وقيل : غزالة . ولد في سنة ثمان وثلاثين . ظنا .
    وحدث عن أبيه الحسين الشهيد , وكان معه يوم كائنة كربلاء وله ثلاث وعشرون سنة , وكان يومئذ موعوكا فلم يقاتل , ولا تعرضوا له , بل أحضروه مع آله إلى دمشق , فأكرمه يزيد , ورده مع آله إلى المدينة.
    قال ابن سعد : هو علي الأصغر , وأما أخوه علي الأكبر , فقتل مع أبيه بكربلاء . وكان علي بن الحسين ثقة مأمونا , كثير الحديث ، عاليا ، رفيعا ورعا .
    روى ابن عيينة , عن الزهري , قال : ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين .
    عن هشام بن عروة , قال : كان علي بن الحسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها , وكان يجالس أسلم مولى عمر , فقيل له : تدع قريشا , وتجالس عبد بني عدي ! فقال : إنما يجلس الرجل حيث ينتفع .
    وعن عبد الرحمن بن أردك -يقال هو أخو علي بن الحسين لأمه- قال : كان علي بن الحسين يدخل المسجد , فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم , فقال له نافع بن جبير : غفر الله لك , أنت سيد الناس , تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد , فقال علي بن الحسين : العلم يُبتغَى ويُؤتَى ويطلب من حيث كان .
    عن الزهري : لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين .
    عن مالك , قال : لم يكن في أهل البيت مثله , وهو ابن أمة .
    عن يحيى بن سعيد : سمعت علي بن الحسين -وكان أفضل هاشمي أدركته- يقول : يا أيها الناس , أحبونا حب الإسلام , فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا .

    عن الزهري , قال : حدثت علي بن الحسين بحديث , فلما فرغت قال : أحسنت ! هكذا حدثناه ; قلت : ما أراني إلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني ; قال : لا تقل ذاك , فليس ما لا يعرف من العلم ؛ إنما العلم ما عرف , وتواطأت عليه الألسن .
    وقيل : إن رجلا قال لابن المسيب : ما رأيت أورع من فلان . قال : هل رأيت علي بن الحسين ؟ قال : لا . قال : ما رأيت أورع منه .
    وعن أبي نوح الأنصاري , قال : وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد , فجعلوا يقولون : يا ابن رسول الله النار . فما رفع رأسه حتى طفئت . فقيل له في ذلك فقال : ألهتني عنها النار الأخرى .

    عن عبد الله بن أبي سليمان , قال : كان علي بن الحسين إذا مشى لا تجاوز يده فخذيه ولا يخطر بها , وإذا قام إلى الصلاة , أخذته رعدة , فقيل له , فقال : تدرون بين يدي مَنْ أقوم ومَنْ أناجي ؟ !
    وعنه, أنه كان إذا توضأ اصفرّ.
    عن سفيان : حج علي بن الحسين , فلما أحرم , اصفر وانتفض ولم يستطع أن يلبي , فقيل : ألا تلبي ؟ قال : أخشى أن أقول : لبيك , فيقول لي : لا لبيك . فلما لبى , غشي عليه , وسقط من راحلته .
    فلم يزل بعض ذلك به حتى قضى حجه .

    عن مالك : أحرم علي بن الحسين , فلما أراد أن يلبي , قالها , فأغمي عليه , وسقط من ناقته , فهشم . ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات . وكان يسمى زين العابدين لعبادته .
    وعن حجاح بن أرطاة , عن أبي جعفر , أن أباه قاسم الله تعالى ماله مرتين . وقال : إن الله يحب المذنب التوَّاب .
    عن أبي حمزة الثمالي , أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة , ويقول : إن الصدقة في سواد الليل تُطفِئ غضب الرب .

    عن محمد بن إسحاق : كان ناس من أهل المدينة يعيشون , لا يدرون من أين كان معاشهم , فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل .
    عن عمرو بن ثابت : لما مات علي بن الحسين , وجدوا بظهره أثرا مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل .
    وقال شيبة بن نعامة : لما مات علي وجدوه يعول مائة أهل بيت .
    وقال بعضهم : ما فقدنا صدقة السر , حتى توفي علي .

    عن علي بن موسى الرضا قال: حدثنا أبي عن أبيه , عن جده , قال علي بن الحسين : إني لأستحيي من الله أن أرى الأخ من إخواني , فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا , فإذا كان غدا قيل لي : لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل .
    قال أبو حازم المدني : ما رأيت هاشميا أفقه من علي بن الحسين ; سمعته وقد سئل : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر , ثم قال : بمنزلتهما منه الساعة . رواها ابن أبي حازم عن أبيه .

    عن جعفر بن محمد , عن أبيه , قال : جاء رجل إلى أبي فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال له : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟ ! قال : ثكلتك أمك , قد سماه صديقا من هو خير مني ، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرون , والأنصار , فمن لم يسمه صديقا , فلا صدق الله قوله , اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما , فما كان من أمر ففي عنقي .
    وعنه , أنه أتاه قوم فأثنوا عليه فقال : حسبنا أن نكون من صالحي قومنا .

    عن علي بن الحسين , قال : إن الجسد إذا لم يمرض أشر , ولا خير في جسد يأشر .
    عن علي بن الحسين , قال : فقد الأحبة غربة . وكان يقول : اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائح العيون علانيتي , وتقبح في خفيات العيون سريرتي ; اللهم كما أسأتُ وأحسنتَ إليَّ ; فإذا عدتُ , فعد عليَّ .

    قال زيد بن أسلم ; كان من دعاء علي بن الحسين : اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها , ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني .
    عن أبي يعقوب المدني , قال : كان بين حسن بن حسن وبين ابن عمه علي بن الحسين شيء , فما ترك حسن شيئا إلا قاله , وعلي ساكت , فذهب حسن , فلما كان في الليل أتاه علي , فخرج , فقال علي : يا ابن عمي إن كنت صادقا فغفر الله لي , وإن كنت كاذبا , فغفر الله لك , السلام عليك . قال : فالتزمه حسن , وبكى حتى رثى له .

    وقيل : كان علي بن الحسين إذا سار في المدينة على بغلته , لم يقل لأحد : الطريق .. ويقول : هو مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدا .
    قال الذهبي في سير أعلام النبلاء كان له جلالة عجيبة , وحق له -والله- ذلك ؛ فقد كان أهلا للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله . قد اشتهرت قصيدة الفرزدق وهي سماعنا -أن هشام بن عبد الملك حج قبيل ولايته الخلافة , فكان إذا أراد استلام الحجر زُوحِم عليه , وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرقوا عنه إجلالا له , فوجم لها هشام وقال : من هذا ؟ فما أعرفه(كأنه يتنكر له) . فأنشأ الفرزدق يقول :
    هـذا الذي تعرف البطحاء وطأتـه والبيـت يعرفـه والحـل والحرم
    هـذا ابـن خير عباد الله كلهــم هـذا التقي النقي الطاهر العلــم
    إذا رأتــه قـريش قـال قائلهـا إلـى مكـارم هـذا ينتهي الكـرم
    يكـاد يمســكه عرفـان راحتـه ركـن الحطيم إذا ما جاء يستلــم
    يغضـي حياء ويغضـى من مهابته فمــا يكــلم إلا حـين يبتسـم
    هـذا ابـن فاطمة إن كنت جاهلـه بجــده أنبيـاء اللـه قد ختمـوا
    وهي قصيدة طويلة . قال : فأمر هشام بحبس الفرزدق , فحبس بعسفان , وبعث إليه علي بن الحسين باثني عشر ألف درهم وقال : اعذر أبا فراس . فردها وقال : ما قلت ذلك إلا غضبا لله ولرسوله. فردها إليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها , فقد علم الله نيتك ورأى مكانك . فقبلها.
    جعلنا الله من الأتقياء الأخفياء وحشرنا في زمرتهم.
    اللهم إنا نحبهم فارض عنهم واحشرنا في زمرتهم يوم القيامة.
    د/سعيد عبد العظيم
                  

09-28-2015, 00:58 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    طــول الأمــل

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه ,أما بعد :
    فإن من أعظم أمراض القلوب طول الأمل ،فما معناه؟وماهي أضراره؟ وكيف نتخلص منه؟

    **معني طول الأمل:***
    إن طول الأمل هو الاستمرار في الحرص علي الدنيا ومداومة الانكباب عليها مع كثرة الإعراض عن الآخرة.
    وفي تفسير قوله تعالي : ( ويُلهِهِمُ الأَملُ ) [ الحجر : 3] يقول القرطبي -رحمه الله- : أي يشغلهم عن الطاعة ،و قال ابن حجر : وفي الأمل سر لطيف لأنه لولا الأمل ما تهني أحد بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا ، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه ، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة ، فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته ، وسبب طول الأمل الجهل وحب الدنيا .

    **طول الأمل مذموم في القرآن***

    تعددت في كتاب الله الآيات التي تذم طول الأمل ،وتنوعت الأساليب التي ينفر بها القرآن من ذلك الداء العضال والمرض الفتاك ، و من ذلك قوله تعالي : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) [ الحجر : 2-3 ]وقوله سبحانه عن اليهود : ( ولتجدنهم أحرص الناس علي حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ) سورة البقرة : 96 ، وقوله تعالي frown emoticon قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ) [المؤمنون 112-115] وقال تعالي frown emoticon ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) [الحديد: 16 ]

    **و في سنة رسول الله***

    لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الاسترسال مع الآمال الملهية عن طاعة رب العباد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله علية وسلم يقول : " لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنين : في حب الدنيا ، وطول الأمل " [رواه البخاري] .
    وعن أنس رضي الله عنه قال : خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال: " هذا الأمل وهذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب " رواه البخاري .
    وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط النبي صلي الله علية وسلم خطاً مربعاً ، وخط خطاً في الوسط خارجاً عنه ، وخط خططاً صغاراً إلي هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، وقال : " هذا الإنسان وهذا أجله محيطاً به ، أو قد أحاط به ، وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطوط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا" رواه البخاري . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلي الله علية وسلم بمنكبي فقال : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك " .[رواه البخاري .]

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله علية وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ". [ رواه الحاكم وقال: علي شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غني مطغياً أو مرضا مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتا مجهزاً أو الدجال فشر غائب منتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمرُّ ؟!" رواه الترمذي وقال حديث حسن ولما سئل رسول الله صلي الله علية وسلم عن صحف موسي عليه السلام قال : " كانت عبراً كلها ، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب ، عجبت لمن رأي الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها ، وعجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل " رواه البيهقي والبزار.

    **والسلف يحذرون من طول الأمل***

    علم السلف رضي الله عنهم حقيقة الدنيا وتعلقت قلوبهم بالآخرة ونصحوا لمن جاء بعدهم ، فحذروا من الركون إلى الدنيا والإعراض عن الآخرة.
    قال علي رضي الله عنه : " إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوي وطول الأمل ، فأما اتباع الهوي فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة " وقال ابن مسعود رضي الله عنه : " لا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل ، فإن كل ما هو آت قريب ، ألا وإن البعيد ليس آتيا " ، وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : " ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني ، مؤمل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس يغفل عنه ، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض ؟ ".

    ودخل رجل علي أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته فقال : " يا أبا ذر ، أين متاعكم ؟! قال : إن لنا بيتاً نتوجه إليه ، فقال : " إنه لابد لك من متاع ما دمت ها هنا " ، فقال : إن صاحب المنزل لايدعنا هاهنا ".
    وروي عن المسيح عليه السلام أنه قال : " من ذا الذي يبني علي موج البحر داراً ؟ تلكم الدنيا فلا تتخذونها قراراً " .
    وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته : " لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم وتنقادوا لعدوكم فإنه والله ما بسط أملاً من لا يدري لعله لا يصبح بعد مسائه ولا يمسي بعد صباحه ، وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا " قال أبو محمد بن علي الزاهد : " خرجنا في جنازة بالكوفة وخرج فيها داود الطائي : فانتبذ وقعد ناحية وهي تدفن ، فجئت فقعدت قريباً منه فتكلم فقال : من خاف الوعيد قصر عليه البعيد ، ومن طال أمله ضعف عمله ، وكل ما هو آت قريب واعلم أن أهل الدنيا جميعاً من أهل القبور إنما يندمون علي ما يخلفون ويفرحون بما يقدمون فما ندم عليه أهل القبور, أهل الدنيا عليه يقتتلون ، وفيه يتنافسون وعليه عند القضاء يختصمون " وقال الغزالي : لقد قصم الموت رقاب الجبابرة ، وكسر ظهر الأكاسرة وقصر آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة ، حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة - فانظر هل وجدوا من الموت حصناً وعزاً ، وقال البعض: كم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غداً لا يبلغه لو أدركتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره ،وقالوا : كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره ، وعمره يقوده إلي أجله ، وحياته تقوده إلي موته ".

    وقيل لمحمد بن واسع : كيف تجدك؟ قال قصير الأجل ، طويل الأمل ، مسييء العمل.
    و كتب رجل إلي أخ له : " إن الحزن علي الدنيا طويل ، والموت من الإنسان قريب ، وللنقص في كل يوم منه نصيب ، وللبلاء في جسمه دبيب ، فبادر قبل أن تنادي بالرحيل ، والسلام ".

    **مضار طول الأمل***
    إن طول الأمل يدفع إلي المعاصي ، ويبعد عن الطاعات ، وهو من أسباب انتهاك الحرمات والتعدي علي الآخرين وسلب حقوقهم ، فأثبت أجلك بين عينيك ، واستحي من الله حق الحياء.

    **ما العلاج؟!!***

    إن الجهل وحب الدنيا هما سبب طول الأمل فالعلاج يكمن في العلم بخطورة ومضار طول الأمل ، وقيمة طاعة الوقت وأن التسويف يورد صاحبه موارد الهلكة وأن العبد يجب أن يكون حيث أمره مولاه وأن يحذر أن يراه حيث نهاه. وينبغي أن يكون شعار الواحد منا كما كان شعار حاتم الأصم إذ يقول : "...وعلمت أن عملي لن يعمله غيري فأنا مشغول به , ورأيت الناس ينظرون إلي ظاهري والله ينظر إلي باطني فعلمت أن مراقبته أولي وأحرى , ورأيت الموت يأتي بغتة فقلت أبادره" .

    والفارق كبير بين الرجاء وطول الأمل ، فمن رجا شيئاً طلبه ،ومن خاف شيئاً هرب منه فأين هذا من طول الأمل الذي آل بك لعدم الاستعداد لأمر الآخرة؟. وعلي العبد الذي يطلب العلاج أن يعرف حقيقة هذه الدار وأنها حقيرة وإلي كل نذل أميل، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء, دخل ابن السماك علي هارون الرشيد فقال له الرشيد : عظني- وكان بيده شربة ماء- فقال له: يا أمير المؤمنين لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك ؟ قال : نعم قال : يا أمير المؤمنين لو شربتها وحبست عن الخروج أكنت تفديها بملكك؟ قال : نعم، فقال له الأخير : فملك لا يساوي شربة ولا بولة , قال الفضيل ابن عياض : جعل الخير كله في بيت واحد وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، وجعل الشر كله في بيت واحد وجعل مفتاحه حب الدنيا.

    وقيل :إن الدنيا مثل ظل الإنسان إذا طلبته فرّ وإن تركته تبعك،فقل لنفسك أين الأولون والآخرون؟ أين الذين ملأوا ما بين الخافقين فخراً وعزاً ؟ أين الذين فرشوا القصور حريراً وخزاً ؟ أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وعزا هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً ؟ أفناهم الله مفني الأمم وأبادهم مبيد الرمم وأخرجهم من سعة القصور إلي ضيق القبور تحت الجنادل والصخور فأصبحوا الأسري إلي مساكنهم ،لم ينفعهم ما جمعوا ولا أغني عنهم ما اكتسبوا ،أسلمهم الأحياء والأولياء، وهجرهم الإخوان والأصفياء، ونسيهم الأقرباء والبعداء ،وكأن الموت فيها علي غيرنا كتب وكأن الحق فيها علي غيرنا وجب وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قريب إلينا راجعون ونأكل تراثهم كأنا بعدهم مخلدون.فيا قومنا: عمرٌّوا الدنيا بطاعة ربكم وأقيموا الحياة علي منهاج النبوة ولسان حالكم ينطق: (وعجلت إليك ربِّ لترضي) .
    وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
    د/سعيد عبد العظيم
                  

09-28-2015, 00:59 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الرضا جنة العارفين

    قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة. قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرفت عليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم.. فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك. فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري.
    إنه الرضا الذي وطَّنوا أنفسهم عليه، بحيث صارت أقدار الله عز وجل أحبَّ إليهم من هوى أنفسهم، بل صاروا لا يهوون غيرها، حتى قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما لي هوىً في شيء سوى ما قضى الله عز وجل.
    ومما يدل على علوِّ قدر الرضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله الرضا بالقضاء، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسال ربه إلا أعلى المقامات.
    إن الرضا هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردد في ذلك ولا معارضة، وهذا مطلوب القوم السابقين، يقف العبد حيثما وقفه ربه لا يطلب تقدمًا ولا تأخرًا، وهذا يكون فيما يقفه فيه من مراده سبحانه الكوني الذي لا يتعلق بأمر ولا نهي، وأما إذا وقفه في مراد ديني فكماله بطلب التقدم فيه دائمًا.
    وكان السلف رضي الله عنهم يتواصون بالرضا وتربية النفس عليه، لعلمهم بعلو منزلته، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيقول: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".
    وكان من وصايا لقمان عليه السلام لولده: "أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت".
    إن من وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلاً، كيف وقد رضي الله عنه ورضي هو عن الله؟ إن الله عز وجل يقول : (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة..) وقد فسرها بعض السلف بأنها حياة الرضا والقناعة.
    ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لزوجته عاتكة رضي الله عنهما: "والله لأسوأنك - وكان قد غضب عليها - فقالت: أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذ هداني الله له؟ قال: لا. قالت: فأيُّ شيء تسؤني به إذًا؟" تريد أنها راضية بمواضع القدر لا يسؤها منه شيء إلا صَرْفُها عن الإسلام ولا سبيل له إليه.

    صحة الرضا عن الله بثلاثة شروط:
    الأول: استواء النعمة والبلية عند العبد؛ لأنه يشاهد حُسنَ اختيار الله له. ومن هذا الباب ما حدث مع بعض السلف حين ابتلوا بالشدائد فصبروا لها، وظهر منهم الرضا.
    فهذا عمر بن عبد العزيز يموت ولده عبد الملك فيدخل عليه سليمان بن الغاز معزيًّا، فيقول له عمر: "وأنا أعوذ بالله أن يكون لي محبةٌ في شيء من الأمور يخالف محبة الله، فإن ذلك لا يصلح لي في بلائه عندي وإحسانه إليَّ".
    وعن إبراهيم النخعي: أن أم الأسود قُعدت من رجليها، فجزعت ابنة لها، فقالت: لا تجزعي، اللهم إن كان خيرًا فَزِدْ.
    الثاني: سقوط الخصومة عن الخلق إلا فيما كان حقًّا لله ورسوله، فالمخاصمة لحظ النفس تطفئ نور الرضا وتُذهب بهجته، وتُبدِّل بالمرارة حلاوته، وتُكدِّر صَفْوه.
    الثالث: الخلاص من الإلحاح في مسألة الخلق، قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً) [البقرة:273].
    وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة قال: قلت: أنا قال: لا تسأل الناس شيئاً". فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناولنيه حتى ينزل فيتناوله.[رواه أحمد].

    الرضا ذروة سنام الإيمان:
    قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذروة سنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل.
    وقال ابن القيم رحمه الله: الرضا من أعمال القلوب، نظير الجهاد من أعمال الجوارح، فإن كل واحد منهما ذروة سنام الإيمان.
    منعه عطاء:
    قال سفيان الثوري رحمه الله: مَنْعُه عطاء. وذلك أنه لم يمنع عن بُخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيارًا وحُسْنَ نظر.
    فإن الله عز وجل لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرًا له، ساءه القضاء أو سره. فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء، وإن كان صورة المنع، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية. ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذَّ به في العاجل، ولو رزق من المعرفة حظًا وافرًا لعدَّ جميع ما قضاه الله عز وجل وقدر نعمة وعطاء وعافية، وهذه كانت حال السلف. ولن يجد العبد حلاوة الإيمان إلا بهذا: "ذَاقَ طَعْمَ الإْيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّا وَ باْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ رَسُولاً".
    فاللهم رضِّنا بقضائك وبارك لنا في قدرك، حتى لا نحب تعجيل شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجلته.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 01:01 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الوهن داء الأفراد والأمم

    أخبر الله عز وجل عن الأتباع الحقيقيين للرسل الذين جاهدوا معهم فأصابوا وأصيبوا، فلم يَفُتَّ في عضدهم ما أصابهم في سبيل الله وما لحقهم وَهَنٌ، ولا ضعف ولا استكانة، وهكذا ينبغي أن يكون شأن المؤمنين في كل زمان ومكان: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146)

    وقد نهانا الله عن الوهن في قتال الأعداء مهما كان الألم الذي أصابنا في جهادهم: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104)

    وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا)[آل عمران:139]: أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم.

    أمة وعدها ربها بالنصر

    والعجب العجاب أن يتسلل الضعف والوهن إلى أمة وَعَدَها ربَُها بالنصر على الأعداء والتمكين لها في الأرض إن هي عملت بكتاب ربها وسنة نبيها وجاهدت في سبيل الله، وفوق ذلك جعل كيد أعدائها واهنًا بفضله وكرمه: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) [الأنفال:18].
    إن الوهن داء عضالٌ، إذا تمكن من الأفراد أو الأمم كان الذل والخزي من نصيبهم، وكانوا عرضة لسطوة أعدائهم وتسلطهم عليهم، بحيث يعيشون في هذه الحياة وكأنهم غير موجودين، بل يعيشون مسلوبي الإرادة، مهزومي النفوس، مشلولي الفكر. ولو نظرت في قصص الماضين لوجدت مصداق ذلك، فما استذلت أمة إلا بهذا.

    انظر إلى فرعون الذي تصرف بكبر وتجبر حتى قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعـات:24]. وقال: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)(غافر: من الآية29. إنه ما كان ليفعل ذلك لو لم يستضعف قومه، فقد كانوا يستأهلون ذلك لخفتهم وضعف إرادتهم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف:54].

    إن الإسلام يزرع في قلوب أبنائه الاعتزاز بنعمة الإيمان والاستهانة بالدنيا وحبَّ التضحية في سبيل الله، ولو بالنفس، لكن إذا تبدلت هذه الأخلاق وسيطر الوهن على النفوس زالت الهيبة، وتجرأ على الأمة الأراذل كما هو حاصل الآن: "يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تُدَاعِيَ عَليْكُم كَمَا تُدَاعِيَ الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فقالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنّكُم غُنَاءُ كَغُنَاءِ السّيْلِ، وَلَيَنْزِ عَنّ الله مِنْ صُدُورِ عَدُوكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنّ الله في قُلُوبِكُم الَوَهْنَ، فقالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله وَمَا الْوَهْنُ؟ قالَ: حُبّ الدّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ". [صحيح الجامع برقم:8035].
    ومن مظاهر الوهن أن يلغي المرء عقله وأن يساير الناس وإن أخطأوا، وهذا الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الإمعة: "لا تَكُونُوا إِمّعةً تَقُولُونَ إِن أَحْسَنَ النّاسُ أَحْسَنّا، وإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وإِنْ اسَاءُوا فَلاَ تَظْلمُوا". [الترمذي، وقال: حسن غريب].

    إن الأسلاف رضي الله عنهم ما كانوا يعرفون الهزيمة بالمعنى يعرفه الكثيرون اليوم، فإنها اليوم تعني الانكسار، أما الأسلاف فإنهم وإن أصيبوا في موقعة استرجعوا وأخذوا الأهبة لغيرها: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران:173، 174].
    أما عند تمكن الوهن من النفوس فإنها تستخزي ويستأسد عليها الأعداء؛ فعند هجوم التتار على بلاد المسلمين واستباحة البلاد والأعراض كان الوهن هو المسيطر على النفوس، حتى إن الفقهاء والعلماء لما ساروا في الناس يحثونهم على الجهاد ويرغبونهم في استنقاذ البلاد، ما قدَّم الناس أكثر من العويل والبكاء، حتى قال في ذلك أبو المظفر الأبيوردي:

    مزجنا دمانا بالدموع السَّوَاجِم فلم يبق منا عُـرْضَةٌ للمَـرَاحِم
    وشَرٌ سلاح المرء دمعٌ يُريقُه إذاالحرب شَبَّتْ نارُها بالصَّوارِمِ
    فإيهًا بني الإسلام إنَّ وراءكم وقـائع يُلحقن الذُّرى بالمناسِـم
    وكيف تنام العين مِلءَ جُفُونِها على هَفـَواتٍ أيقظت كُلَّ نَائـِم
    وإخوانكم بالشام يُضْحي مَقيلُهُم ظهور المذاكي أو بطون القَشَاعِم
    تسومهم الروم الهوانَ وأنتُمُ تَجُرُّون ذَيْلَ الخفض فِعْلَ المُسَالِمِ
    وفيها يقول:

    وبين اختلاس الطَّعْنِ والضَّرْبِ وقْفَة تظلُّ لها الولدانُ شِيبَ القوادِمِ

    وتلك حروب من يغب عن غِمارها فيسلم ويقرع بعدها سِنَّ نادِمِ

    سَلَلْنَ بأيدي المشركين قواضبًا ستُغمد منهم في الكُلَى والجماجِمِ

    يكـاد لهـنَّ المستـجير بطيبةٍ ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشِمِ

    أرى أمتي لا يَشْرعون إلى العِدا رمَاحَهُمُ والدِّينُ واهي الدَّعَائِمِ

    ويجتنبون النار خوفًا من الرَّدى ولا يحسبون العار ضربة لازم

    أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى ويُغضي على ذُلٍّ كماةُ الأعاجِمِ

    فليتهموا إذ لم يذودوا حَمِيَةً عن الدِّين ضَنُّوا غَيرةً بالمحارِمِ

    وإن زهدوا في الأجرإن حَمِيَ الوغى فهلاَّ أتوه رغبةً في المغانِمِ

    نسأل الله الكريم بمنه أن يحفظ أمتنا من كل مكروه وسوء وأن يعافيها من الوهن.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 01:03 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الســخـريــة داء من الجاهلية

    نهى المولى عز وجل عن السخرية بأنواعهاالمختلفة فقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ... ) الآية الحجرات 11 قال الضحاك: نزلت فى وفد بنى تميم كانوا يستهزئون بفقراء الصحابة مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبى حذيفة وغيرهم لما رأوا من رثاثة حالهم فنزلت في الذين آمنوا منهم ". وقيل: نزلت في عكرمة بن أبى جهل حين قدم المدينة مسلما،ً وكان المسلمون إذا رأوه قالوا : ابن فرعون هذه الأمة فشكا ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم فنزلت , وقيل نزلت فى ثابت لما عير رجلاً بأم له فى الجاهلية فاستحيا الرجل فنزلت .

    قال القرطبي في تفسيرها: يقول تعالى ذكره :يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين عسى أن يكونوا خيراً منهم أى المهزوء منهم خير من الهازئين ، ولا نساء من نساء أي: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى المهزوء منهن أن يكن خيراً من الهازئات ".

    وقال: إن الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميعَ معاني السخرية فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقر ولا لذنب ركبه ولا لغير ذلك. وقال القرطبي وبالجملة فينبغي ألا يجترىء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينيه إذا رآه رث الحال أو ذا عاهة فى بدنه أو غير لبيق فى محادثته فلعله أخلص ضميراً وأنقى قلباً ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله والاستهزاء بمن عظمه الله . ولقد بلغ بالسلف إفراط تَوَقِّيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل : لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذى صنع , وعن عبد الله بن مسعود البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا . ا هـ

    وفى تفسير قوله تعالى: ( فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري ) [المؤمنون 110 ] قال القرطبي " يستفاد من هذا التحذيرُ من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين ، والاحتقار لهم ، والازدراء عليهم ، والاشتغال بهم فيما لا يعنى ، وأن ذلك مُبعِدٌ من الله عز وجل .
    وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها كذا وكذا ـ تعني قصيرة ـ فقال : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " قالت : وحكيت له إنساناً فقال ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا ".[ رواه أبو داود والترمذى باسناد صحيح] . ولما سب أبو ذر رضي الله عنه رجلا فعيَّره بأمه قال له النبى صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية " [رواه البخاري].

    وعن أم هانىء عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى : " وتأتون فى ناديكم المنكر " [العنكبوت 29] قال: كانوا يخذفون( يحقرونهم وينبذونهم ) أهل الأرض ويسخرون منهم " [رواه أحمد والترمذى] .

    وكان مشركوا مكة: أبو جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهما يضحكون من عمار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين فنزلت الآيات: ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ... ) الاية [المطففين 29 ] وقيل: جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه فى نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه فنزلت هذه الآية قبل أن يصل علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

    التهكم والتعيير نوع من السخرية
    والتهكم نوع من السخرية وكذلك التعيير بالفقر أو الذنب أو العلة وما شابه ذلك ، ويدخل فى السخرية أيضاً التنابز بالألقاب , قال القرطبى رحمه الله تعالى : التنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة ، وعمَّ الله بنهييه ذلك ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، وغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها.

    ولما كانت آية السخرية ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم .. ) [الحجرات 11 ] - فيما يقوله أنس وابن زيد- في بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم عَيَّرن صفية بالقصر، وقيل: نزلت في عائشة رضي الله عنها أشارت بيدها إلى صفية ـ قائلة ـ: يا نبي الله إنها لقصيرة ، وقال عكرمة وابن عباس: إن صفية بنت حيي قالت: " يا رسول الله إن النساء يعيرننى ويقلن لى يا يهودية.." الحديث كل ذلك يدل على أن التنابز بالألقاب إنما هو داخل فى مفهوم السخرية ، ومن ثم يكون ذكر اللمز والتنابز بعد ذكر السخرية من قبيل ذكر الخاص بعد العام اهتماماً به .أ هـ
    والهمزة الذي يهمز بلسانه واللمزة الذى يلمز بعينيه.
    وقال ابن كيسان: الهمزة الذي يؤذى جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه.

    الفرق بين السخرية والاستهزاء:
    إن بين السخرية والاستهزاء فرقا من جهتين :
    الأولى السخرية تكون بالفعل وبالقول، والهزء لا يكون إلا بالقول.
    الثانية أن السخرية يسبقها عمل من أجله يسخر بصاحبه أما الأستهزاء فلا يسبقه ذلك. فالهزء يكون بالقول المصحوب بسوء النية، وهو إظهار الجد وإخفاء الهزل فيه. والسخرية والهزء من المحرمات ، قال السفاريني : وتحرم السخرية والهزء لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ... ) الآية. ولنهييه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فى مواضع عديدة .أ هـ.

    السخرية وجراثيم العجب والكبر

    إن السخرية لا تنبعث إلا من نفس ملوَّثة بجراثيم العُجْبِ والتكبُّر، فهي تعمل على إيذاء من حولها بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقها المريضة. لقد استهان إبليس بآدم وسخر منه قائلاً: أنا خير منه، فباء بالخسارة والخذلان، ولو أنه أمعن النظر في صفات آدم لأدرك أنه يمتاز عليه بصفات كثيرة، إنها داء من أدواء الجاهلية يجب تجنبه والبعد عنه وخصوصا عند المشاحنة والخصومة ، وهى من سمات الكفار والمنافقين ومن شأنها أن تفكك عرى المجتمع ويكفى أنها مخالفة صريحة لأمر الله عز وجل , ومبعدة من رضوانه سبحانه , تنسي الإنسان ذكر ربه ونذير شؤم لصاحبها ومن أسباب حلول العذاب بالساخرين.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 01:05 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الكذب رأس كل خطيئة

    إن الكذب هو رأس الخطايا وبدايتها، وهو من أقصر الطرق إلى النار،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا".[رواه البخاري ومسلم].
    والكذب إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه. وهو مذموم عند كل العقلاء، ولو لم يكن من مضاره إلا أنه يجعل صاحبه في ريبة لا يكاد يصدق شيئًا لكفى، كما قال بعض الفلاسفة: من عرف من نفسه الكذب لم يصدِّق الصادق فيما يقول، ثم إن من عرف بالكذب فإنه لا يكاد يُصَدَّق في شيء أبدًا، وإن صدق، بل إن سمع الناس بكذبةٍ ربما خرجت من غيره فإنهم ينسبونها إليه:
    حسب الكذوب من البلـ ـية بعضُ ما يُحكى عليه
    فمتى سمعت بكـذبة مـ ـن غـيره نـسبت إليـه

    دواعي الكذب وأماراته:
    للكذب دواعٍ تدعو إليه وأمارات تدل عليه، ولا شك أن معرفة هذه الدواعي وتلك الأمارات مما يساعد في محاولة العلاج؛ لأن الخُطوة الأولى في علاج أي مرض تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه، للقضاء عليها والتخلص منه، وقد ذكر الماوردي من هذه الدواعي أو الأسباب:
    1- اجتلاب النفع واستدفاع الضر، فيرى الكذَّابُ أن الكَذِبَ أسلمُ وأغنمُ، فيُرخِّصُ لنفسه فيه اغتراراً بالخُدع واستشفافًا للطمع.

    2- أن يُؤْثِرَ أن يكون حديثُهُ مُستعْذبًا، وكلامُهُ مُستظرفًا، فلا يجد صدقًا يعذُبُ ولا حديثًا يُستظرفُ، فيستحْلِيَ الكذب الذي ليست غرائُزُه مُعْوزَةً ولا طرائِفُهُ مُعجزَةً.

    3- أن يقصد بالكذب التشفي من عدُوِّهِ، فيسمُهُ بقبائح يخترعُها عليه، ويصفُهُ بفضائح يَنْسبُها إليه.

    4- أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادةً ونفسُهُ إليه مُنقادةً.

    5- حُبَّ التَّرَأُسِ، وذلك أنَّ الكاذِبَ يرى له فضلاً على المُخبر بما أعلمَهُ، فهو يتشبَّهُ بالعالِمِ الفاضل في ذلك.
    أما أمارات الكذب فمنها:
    - أنك إذا لقنته الحديث تلقنه ولم يكن بين ما لقَّنُتَهُ (إياه) وبين ما أورده فرقٌ عِندَهُ، أي أنه يَخْلِطُ بين ما سمِعَهُ منك وما اخترَعَهُ من عِنْدِهِ.

    - أنك إذا شكَّكْتَهُ في الحديث تشَكَّكَ حتى يكادُ يرجعُ فيه.

    - أنك إذا رددت عليه قوله حَصِر وارْتَبَكَ، ولم يكن عندهُ نُصْرَةُ المُحتَجّين ولا بُرهان الصادقين.

    - ما يظهر عليه من ريبة الكذَّابين، ولذلك قال بعض الحكماء: "الوجوه مرايا، تُريك أسرارَ البرايا". وإذا اتَّسم بالكذبِ، نُسبتْ إليه شواردُ الكذِبِ المجهولةِ (أي الشائعات وما في حُكمها)، وأضيفت إلى أكاذيبه زياداتٌ مُفْتَعَلَةٌ، حتَّى يصيرَ هذا الكاذبُ مكذُوبًا عليه، فيجمعُ بين معرَّةِ الكذب منه، ومضرَّةِ الكذب عليه.

    أنواع الكذب:
    الكذب أنواع متعددة، فمنه ما يكون في الأقوال، ومنه ما يكون في الأفعال، ومنه ما يكون في النِّيات.
    أولاً: الكذب في الأقوال:
    وهو أن يخبر بخلاف الصدق، وبخلاف الواقع، وهذا أيضًا أشكال متعددة، تتفاوت في الإثم بحسب كل شكل منها، فأعظمها وأكبرها إثما الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) [الأنعام:21].

    ومن ذلك التحليل والتحريم، بحسب الأهواء، لا بحسب الشرع المنزل من عند الله، ولهذا عنَّف الله الكفار حين ادعوا أن ما شرعوه من عند أنفسهم هو الشرع الذي أوحى به الله: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل:116].وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:21)
    والنبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من الكذب عليه، فقال: "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" [صحيح الجامع الصغير:6519].

    ثم يأتي بعد ذلك الكذب على المؤمنين، ومنه شهادة الزور التي عدَّها النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر، وكم وُجد في عصرنا هذا من باع دينه وضميره وشهد شهادة زور، فأضاع حقوق الناس أو رماهم بما ليس فيهم، طمعًا في دنيا أو رغبة في انتقام أو تشفٍّ.
    ومنه الكذب في المزاح ليُضحك الناس، وقد جاء في الحديث: "وَيْلٌ لِلّذِي يُحَدّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ". [رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسَّنه].

    لا يكون المؤمن كذابا

    ولا يُتصور في المؤمن أن يكون كذَّابًا؛ إذ لا يجتمع إيمانٌ وكذب، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أيكون المؤمن كذَّابًا؟ قال: لا". مع أنه صلى الله عليه وسلم قد قرر أنه قد يكون بخيلاً أو جبانًا، لكن لا يكون كذَّابًا.
    فإن الكذب في الحديث من علامات النفاق: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خانَ".
    والكذب ليس من شِيم الأكابر، بل هو من شِيم الأصاغر، الذين هانوا على أنفسهم فهان عليهم الكذب، ولو كانوا كبارًا في أعين أنفسهم لنأوا بها عن الكذب. قال الشاعر:
    لا يكذب المرء إلا من مهانته أو فعله السوء أو من قلة الأدب
    لبعض جيفة كلب خير رائحة من كذبة المرء في جدٍّ وفي لعب
    وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لأن يضعني الصدق -وقَلَّما يضع- أحبَّ إليَّ من أن يرفعني الكذب- وقلَّما يفعل-".

    ثانيًا: الكذب في الأفعال:
    فقد يفعل الإنسان فعلاً يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبر به عن وجود شيء غير موجود، وربما يكون الكذب في الأفعال أشد خطرًا أو أقوى تأثيرًا من الكذب في الأقوال، ومن أمثلة ذلك، ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف عليه السلام، إذ جاءوا أباهم عشاءً يبكون بكاءً كاذبًا.. وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب، فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل.[الأخلاق الإسلامية 1/529].

    ثالثًا: الكذب في النيات:
    وهو أن يقصد بنيته غير وجه الله تعالى، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين تُسعَّر بهم النار: "الشهيد والمُنْفِقْ والعالِم". حين يدَّعِي كل منهم أنه فعل ذلك لوجه الله، فيقال لكل منهم: كذبت ولكن قاتلت ليقال جريء فقد قيل. وللآخر: كذبت ولكن تصدَّقت ليقال جواد. وللثالث: كذبت ولكن تعلمت ليقال عالِم.
    فالكذب هو رأس كل خطيئة، وهو عارٌ على صاحبه.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 01:06 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر . فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق يكون أيضاً في معاملة الخالق ، فموضوع حسن الخلق إذن : معاملة الخالق جل وعلا ، ومعاملة الخلق أيضاً ، وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع.

    **أولاً : حسن الخلق في معاملة الخالق :***
    حسن الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور :
    1. تلقي أخبار الله بالتصديق.
    2. تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
    3. تلقي أقداره بالصبر والرضا.
    وهذه ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق نع الله تعالى :

    **أولاً : تلقي أخباره بالتصديق :***
    بحيث لا يقع عند الإنسان شك أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى لأن خبر الله تعالى صادر عن علم وهو سبحانه أصدق القائلين ، كما قال الله تعالى عن نفسه: ( ومن أصدق من الله حديثاً ) " النساء : 87 " ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان واثقاً بها ، مدافعاً عنها ، مجاهداً بها وفي سبيلها ، بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله علية وسلم .

    وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله علية وسلم ، سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه ، أم كانوا من غير المسلمين ، الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم.

    ولنضرب لذلك مثلاً :** " حديث الذباب "***
    ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله علية وسلم قال : " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء " رواه البخارى وغيره.

    هذا خبر صادر عن رسول الله صلى الله علية وسلم ، وهو صلى الله علية وسلم في أمور الغيب لا ينطق عن الهوى ، لا ينطق إلا بما أوحى الله تعالى إليه ، لأنه بشر والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له: ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحي إلي ) "الأنعام : 50 ".

    هذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق ، وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد ، فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله علية وسلم في هذا الحديث فهو حق وصدق ، وإن اعترض عليه من اعترض ، ونعلم علم اليقين : أن كل ما خالف ما صح عن رسوله الله صلى الله علية وسلم فإنه باطل ؛ لأن الله تعالى يقول : ( فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) " يونس : 32 ".

    ومثال أخر : **" من أخبار يوم القيامة " :***
    أخبر النبي صلى الله علية وسلم : (أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل) أخرجه مسلم ، وسواء كان هذا الميل ميل المكحلة ، أم كان ميل المسافة ، فإن هذه المسافة بين الشمس ورؤوس الخلائق قليلة ، ومع هذا فإن الناس لا يحترقون بحرها ، مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الأرض ومن عليها.

    قد يقول قائل : كيف تدنو الشمس من رؤوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة ، ثم يبقى الناس لحظة واحدة دون أن يحترقوا ؟ !! ، نقول لهذا القائل : عليك أن تكون حسن الخلق نحو هذا الحديث.

    وحسن الخلق نحو هذا الحديث يكون بأن نقبله ونصدق به ، وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد ، وأن تعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله علية وسلم في هذا فهو حق ، ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا وأحوالهم في الآخرة ، بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال الدنيا بأحوال الآخرة ؛ لوجود هذا الفارق العظيم ، فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة !! وعلى مقياس ما في الدنيا ، فهل يمكن أن يقف أحد من الناس خمسين ألف ساعة ؟ ، بل هل يمكن أن يقف أحد من الناس خمسين ألف دقيقة ؟.

    الجواب : لا يمكن ذلك ، إذن فالفارق عظيم ، فإذا كان كذلك ، فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح صدر وطمأنينة ، ويتسع فهمه له ويتفتح قلبه لما دل عليه.

    **ثانياً : ومن حسن الخلق مع الله عز وجل أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق*** فلا يرد شيئاً من أحكام الله ، فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل سواء ردها منكرا حكمها ، أو ردها مستكبراً عن العمل بها ، أو ردها متهاوناً بالعمل بها ، فإن ذلك كله مناف لحسن الخلق مع الله عز وجل.

    مثال على ذلك :** " الصوم "***
    الصوم لا شك أنه شاق على النفوس ؛ لأن الإنسان يترك فيه المألوف ، من طعام وشراب ونكاح ، وهذا أمر شاق على الإنسان ، ولكن المؤمن حَسَنُ الخلق مع الله عز وجل ، يقبل هذا التكليف أو بعبارة أخرى : يقبل هذا التشريف ، فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة ، فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة ، وتتسع لها نفسه ، فتجده يصور الأيام الطويلة في زمن الحر الشديد ، وهو بذلك راض منشرح الصدر ، لأنه يحسن لا خلق مع ربه ، لكن سيئ الخلق مع الله يقابل مثل هذه العبادة بالضجر والكراهية ، ولولا أنه يخشى من أمر لا تحمد عقباه لكان لا يلتزم بالصيام.

    مثال آخر : **" الصلاة "***
    فالصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس وهي ثقيلة على المنافقين كما قال النبي صلي الله علية وسلم : " أثقل الصلاة على المنافقين : صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ".
    لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن ليست ثقيلة ، قال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين , الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) " البقرة : 45 ، 46 " ، فهي على هؤلاء غير كبيرة وإنما سهلة يسيرة ، ولهذا قال النبي صلى الله علية وسلم : "وجعلت قرة عيني في الصلاة ".

    فالصلاة هي قرة عين المؤمن ، وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى ، ولذلك فهو يعظم قدرها ويهتم لها اعظم الاهتمام ، لأنها عماد الدين ، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.

    فحسن الخلق مع الله عز وجل بالنسبة للصلاة أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن ، وعينك قريرة ، تفرح إذا كنت متلبساً بها ، وتنتظرها حتى يحين وقتها ، فإذا صليت الظهر ، كنت في شوق إلى صلاة العصر ، وإذا صليت العصر ، كنت في شوق إلى صلاة المغرب ، وإذا صليت المغرب ، كنت في شوق إلى صلاة العشاء ، وإذا صليت العشاء ، كنت في شوق إلى صلاة الفجر ، ولهذا كان النبي صلى الله علية وسلم يقول لبلال رضي الله عنه : " يا بلال ، أرحنا بالصلاة" ، يقول : أرحنا بها ، فإن فيها الراحة والطمأنينة والسكينة ، لا كما يقول البعض : أرحنا منها ، لأنها ثقيلة عليهم ، وشاقة على نفوسهم.
    وهكذا دائماً تجعل قلبك معلقاً بهذه الصلوات ، فهذه لا شك أنه من حسن الخلق مع الله تعالى.

    مثال ثالث :** تحريم الربا " :***
    وهذا في المعاملات ، فقد حرم الله علينا الربا تحريماً أكيداً ، وأحل لنا البيع ، وقال في ذلك : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) " البقرة : 275".
    فتوعد من عاد إلى الربا بعد أن جاءته الموعظة وعلم الحكم ، توعده بالنار - والعياذ بالله - ، بل إنه توعده في الدنيا أيضاً بالحرب ، فقال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) " البقرة : 278 ، 279 " ، هذا يدل على عظم هذه الجريمة وأنها من كبائر الذنوب والموبقات.

    فالمؤمن يقبل هذا الحكم بانشراح ورضا وتسليم ، وأما غير المؤمن فإنه لا يقبله ، ويضيق صدره به ، وربما يتحيل عليه بأنواع الحيل ، لأننا نعلم أن في الربا كسباً متيقناً وليس فيه أي مخاطرة ، لكنه في الحقيقة كسب لشخص وظلم لآخر ، ولهذا قال الله تعالى : ( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) " البقرة : 279 ".

    **ثالثاً : ومن حسن الخلق مع الله تعالى : تلقى أقدار الله تعالى بالرضا والصبر :***
    وكلنا يعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها متماشية مع رغبات الخلق ، فالمرض مثلاً لا يحبه الإنسان ، فكل إنسان يحب أن يكون صحيحاً معافى.

    فحسن الخلق مع الله نحو أقداره أن ترضى بما قدر الله لك ، وأن تطمئن إليه وأن تعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر.
    وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره هو أن يرضى الإنسان ويستسلم ويطمئن ، ولهذا امتدح الله الصابرين فقال : ( وبشر الصابرين , الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) " البقرة : 155 ، 156 ".
    وفقنا الله للأدب وحسن الخلق معه سبحانه وتعالى.
    د/سعيد عبد العظيم
                  

09-28-2015, 01:09 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    العزة الإيمانية

    وقف هارون الرشيد يومًا ينظر إلى السماء فرأى سحابة تمر، فخاطبها قائلاً: أمطري أنى شئتِ، فسيأتيني خراجك.
    فالسحابة إما أن تفرغ ماءها في أرض إسلامية أو غير ذلك، ففي الأولى سينتفع بها المسلمون في شرابهم وزراعتهم، وفي الثانية سينتفع ببعضها أيضًا المسلمون في صورة جزية يؤديها غير المسلمين إلى دولة الخلافة.
    هذه الصورة تعبر عن حالة العزة التي وصل إليها المسلمون في سالف الزمان حين كانوا عاملين بدينهم ولدينهم، والمسلمون في هذا الزمان مطالبون بالأخذ بأسباب العزة،

    **فما معنى العزة؟ ***
    إن العزة في اللغة تدور حول: القوة والغلبة، والرفعة والامتناع؛ فهي حالة مانعة للإنسان أن يُغلب أو يمتهن. قال ابن الجوزي - رحمه الله -: قال بعض المفسرين: العزة في القرآن على ثلاثة أوجه:
    **أحدها***: العظمة، ومنه قوله تعالى عن سحرة فرعون: (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) [الشعراء:44]، وقوله عن إبليس: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص:82].
    **والثاني:*** المنعة، ومنه قوله تعالى: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء: 139].
    **والثالث:*** الحمية، ومنه قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ)[البقرة:206]، وقوله: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)[ص:2].

    ومن ذلك نلحظ أن هناك عزة ممدوحة، وأخرى مذمومة:
    **فالعزة الممدوحة ***هي التي لله ولرسوله وللمؤمنين، فهي عزة حقيقية دائمة؛ لأنها من الله وبالله الذي لا يُغالَبُ ولا يُقاوَم سبحانه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8].

    أما **عزة الكفار*** فهي في الحقيقة ذل وهوان، قال الله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً) [مريم:81، 82].

    وقد أخطأ كثير من الناس طريق العز والغلبة والتمكين، فطلبها بعضهم بالمال، وما علم أن هذا المال فتنة ووبال إن لم يؤد صاحبه حق الله تعالى، بل قد يكون هذا المال سبيلاً إلى ذله. قال الحسن: والله ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله. وكم رأينا ذلك في دنيا الناس.

    وبعضهم يتعزز بمنصبه وجاهه، وهو ما قد يحقق له عزّا مؤقتًا، لكنه إن لم يكن على أساس من العدل وحُسن السيرة، فإنه حتمًا لن يدوم، فكم رأينا من رئيس أو زعيم كان يملأ الدنيا ضجيجًا إذا به يصبح أسير القضبان في غياهب السجون؛ فتبدل عزه ذلاً.

    وأخطر من ذلك من يطلب العزة عند الكافرين فيواليهم ويميل إليهم، ولو كان على حساب المسلمين!! وهذا وهم، إذ هو في الحقيقة ذُل عاجل، فمن واقع الناس نلحظ أن أول من يتسلط على هؤلاء هم أولياؤهم من الكافرين. قال الله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء:138، 139]؛ فالارتماء في أحضان الكافرين طلبًا للعز هو في الحقيقة أقصر طريق إلى الذل والهوان؛ لأن هؤلاء الكافرين لن يرضوا منَّا بأقل من الكفر: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].

    ومن الناس من يعتز بنسبه وقبيلته، وإن كانوا على غير هدىً، فعن أبي ريحانة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انتسب إلى تسعة آباءٍ كفار، يريد بهم عزًّا وفخرًا فهو عاشرهم في النار".

    والحق الذي لا مراء فيه أن من رام العزة فليطلبها من الله بطاعته، والكف عن معاصيه، وقد لخص عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى العظيم في كلمات قلائل، يقول فيها: "إنا كنَّا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزَّ بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله". وقال إبراهيم بن شيبان: "الشرف في التواضع، والعز في التقوى، والحرية في القناعة".
    إن المسلم حين يعيش حياة الطاعة فإنه يعيش عزيزًا كريمًا. نعم قد يُبتلى لكنه ذو نفس عزيزة، وقد تَجلَّى ذلك واضحًا في حياة السلف رضي الله عنهم، حتى في أحلك اللحظات وأشد المواقف وأقساها.

    **مواقف تشهد بعزتهم***
    وأرجو أن تستحضر معي أيها القارئ الكريم، مشهد العزة الذي يتجلَّى في حالة **بلال*** رضي الله عنه، وهو يُعذَّب بمكة في حرها، وتوضع الصخرة العظيمة على صدره، لا ليرتد عن الإيمان، ولكن ليكف عن سب آلهتهم أو ليسكت، لكنَّ عزةَ الإيمان تنطق على لسانه: "أحدٌ أحد" لتظل أنشودة خالدة تترنم بها الأجيال على مدى الزمان، وليصب اليأس في نفوس من عذبوه.
    فمن العزيز في هذا المشهد؟ أهو ذلك العبد المستضعف المعُذَّب؟ أم ذلك الكافر المتغطرس؟

    ثم انتقل معي إلى مشهد آخر من مشاهد العزِّ واستعلاء الإيمان، متجليًّا في قصة **عبد الله بن حذافة السهمي*** رضي الله عنه، حين وقع أسيرًا في أيدي الروم، وعلم به ملكهم، فأتى به وراوده عن دنيه، فأبى عبد الله، فعرض عليه الملك نصف ماله فأبى، فحبسه، وآذاه، ومنع عنه الطعام والشراب، ووضع بجواره لحم خنزير وخمرًا، فلما انقضت ثلاثة أيام أخرجوه ولم يذق منها شيئًا، ولما سألوه قال: والله لقد كان أحلَّه لي - لأنه مضطر - ولكن ما كنت لأشمتكم بدين الإسلام. فيطلب منه الملك أن يقبِّل رأسه مقابل إطلاق سراحه، فيشترط ابن حذافة إطلاق سلاح جميع أسرى المسلمين، ويوافق الملك، فيقبِّل ابن حذافة رأسه، ويرجع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه أسرى المسلمين، فيقوم عمر ويقبِّل رأس ابن حذافة، وهو يقول: حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة.

    ثم انظر إلى شيخ الإسلام **ابن تيمية ***رحمه الله، حين يُضطهد ويوضع في السجن، فلما أدخلوه جعل يتلو قول الله تعالى: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ * وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) [الحديد:13].
    إنها عزة الإيمان وأنفة الإسلام التي تجعل صاحبها أعز الناس بطاعة الرب جل وعلا، وإن تمالأ عليه أهل الأرض جميعًا لأنه يستمد عزته من الله الذي لا يُغلب: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10].

    إن حالة الذل التي خيَّمت على كثير من نواحي حياتنا إنما سببها البدع والمعاصي والبعد عن شرعة الرحمن، تحقيقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وجعل الذلة والصَّغَار على من خالف أمري".
    كما أن من أهم أسبابها حالة الفرقة والتشرذم التي يحياها المسلمون ، لدرجة أن عدونا صار يستفرد بنا فيضرب هنا اليوم وغدا هناك ولا يتحرك ساكن،وكأن ما يحدث لإخواننا المسلمين لايعنينا ، برغم أن تاريخنا يشهد أننا لم نكن كذلك فيما مضى .فحين استغاثت امرأة مسلمة وقعت في أسر الروم بعمورية بخليفة المسلمين المعتصم،وأطلقت صيحتها المشهورة:واإسلاماه،أجابها المعتصم بملىء فيه لبيك،وجهز جيشا سار به إلى عمورية وأنزل بأهلها شر هزيمة واستنقذ المرأة المسلمة من أيدي المشركين..ولنا هنا ان نتساءل:ما الذي كان يربط بين العتصم وهذه المرأة المسلمة سوى رباط الإيمان؟.
    إعداد/ماهر السيد
                  

09-28-2015, 01:11 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الأخلاق في حياة ودعوة الأنبياء عليهم السلام

    أُُمر النبي صلى الله عليه وسلم بمتابعة منهج الأنبياء والمرسلين , فقال سبحانه frown emoticon أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: من الآية90)) وقد حباهم سبحانه كمال الخَلق والخُلق حتى لا ينصرف الناس عن دعوتهم بزعم دمامة الشكل أو الطبع ،فالأنبياء جميعاً ما يصدرون إلا عن أمر ربهم جل وعلا، وليست الرسالة نابعة من نفوسهم أو نتيجة عوامل اجتماعية تكون في زمانهم بل هي وحي الله إليهم فكل نبي من النبياء يقول ( إن أتبع إلا ما يوحي إليَّ ) ولا يملك النبي أن يغير ولا أن يبدل ولا أن يزيد أو ينقص من وحي الله شيئاً وقد قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وقال سبحانه frown emoticon قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يومٍ عظيم ) ، والأنبياء عليهم السلام في دعوتهم لا يطلبون أجرهم إلا من الله ، فهذا هود عليه السلام يخاطب قومه فيقول:( ويا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجرى إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ) ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم نفس الحقيقة فيقول:( ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ).

    ولم يكن هدفهم عليهم السلام إلا إخلاص الدين لله وأن يصرفوا وجهة البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، قال تعالى:( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وما من نبي إلا وبعث بلسان قومه ليبين لهم , فهم يسيرون مع الفطرة ويخاطبون الناس على قدر عقولهم بلا تكلف ولا تقعر ولا تشدق frown emoticon وما أنا من المتكلفين ) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه frown emoticon ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)

    فطريقة الأنبياء واضحة ودعوتهم ظاهرة ، وأقرب الطرق في دعوة الخلق هي طريقة القرآن لا نحتاج معها لمناهج كلامية فلسفية، والأنبياء جميعاً آثروا الباقية على الفانية، وغلب عليهم الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة لأنهم أيقنوا أن ( ما عند الله خيرُ وأبقى ) وأن ( ما عند الله خيرٌ للأبرار ) وقد خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله frown emoticon ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى ) والأنبياء هم أكمل البشر خلقاً وأشرفهم نسباً وأعظمهم أمانة , اصطفاهم سبحانه على علم على العالمين فهم أسوة وقدوة البشر أجمعين وأصدق الخلق لهجة، قال تعالى : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار . إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار . وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ . وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) (صّ:45-48 )

    وقال جل وعلا عن نبيه موسى عليه السلام:( يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) والأنبياء في دعوتهم وتركيزهم على قضية العبودية وقولهم للناس: ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) كانوا أيضاً يعالجون الآفات والعيوب التي شاعت فى أممهم ويردونهم للأخلاق الفاضلة , فنبي الله شعيب عليه السلام كان يعالج تطفيف المكيال والميزان فى قومه مدين ، ونبي الله لوط عليه السلام قال لقومه:( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) وعاب عليهم قطع السبيل وإتيانهم المنكر في ناديهم ... وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه دالة على ذلك كما سنبين فيما بعد بإذن الله.

    **الحيطة للتوحيد والتشريع سياج أمان للأخلاق***
    **أولاً :الحيطة لجناب التوحيد***
    التوحيد طهارة لأنه اعتراف بالحق , والشرك نجاسة ( إنما المشركون نجس ) لأنه جحد للحق حتى وإن تجمل المشرك واغتسل وتطيب في ظاهره فلا تزول عنه نجاسة الباطن، والمعاصي والذنوب كلها قاذورات وفى الحديث : " من أتى شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه كتاب الله" .

    فإذا أردنا تكميل معاني الأخلاق حتى تؤتي ثمارها فعلينا بالحيطة لجناب التوحيد وجناب التشريع استنانا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد غرس صلوات الله وسلامه عليه في نفوس أصحابه أصلين عظيمين , الأول : أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً .

    الثاني : أن يعبدوه بما شرع وليس بشرع أحدٍ سواه , ولم يسمح صلى الله عليه وسلم لأحدٍ من أصحابه أن يخدش أصلاً من هذين الأصلين , ولذلك لما رأى يوماً بيد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ورقة من التوراة , وكان عمر قد أعجبه ما فيها , فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال لعمر : " أهذا وأنا بين أظهركم؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية , والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني ". [ رواه أحمد وحسنه الألباني] , وفى هذا الحديث بيان عالمية الدعوة , وأنه لا يجوز الاهتداء بغير الكتاب والسنة , فكيف ينصرفون عن هذه الأصول المعصومة والمحفوظة ويهتدون بما شابه التحريف والتغيير والتبديل ؟ ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا يخطب على المنبر ويقول: " من يطع الله ورسوله فقد رشد , ومن يعصهما فقد غوى " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " بئس خطيب القوم أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى " [ رواه أحمد ومسلم] . وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم تسويته بالله جلَّ وعلا , فالضمير في يعصهما يفيد مساواة المشتركين في الحكم , ومقام الخطبة يحتمل التفصيل والتوضيح والبيان , وأيضاً لما مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه وقامت أم العلاء تقول : شهادتى عليك أبا السائب أن الله قد أكرمك اعترضها صلى الله عليه وسلم وقال : " وما يدريك أن الله قد أكرمه ؟" فقالت : سبحان الله , ومن يكرم الله إذ لم يكرمه ؟ فرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أبلغ من ذلك وقال : والله إني لرسول الله ولا أدرى ما يفعل بي غداً " فقالت أم العلاء : والله لا أزكي بعده أحداً " [ رواه أحمد والبخاري].

    فالأعمال بالخواتيم والخواتيم مطوية عن العباد وفى هذا رد على اليهود والنصارى الذين قالوا : "نحن أبناء الله وأحباؤه " وقولهم " لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى " فرد عليهم سبحانه بقوله: ( تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وهو ردٌ أيضا على من زعم ولاية بعض المقبورين , ولم يكتف بذلك بل يذهب يصرف لهم العبادة من دون الله !! ومن صور الحيطة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شاء الله وشئت، فقال له صلى الله عليه وسلم :" أجعلتنى لله نداً ؟ قل ما شاء الله وحده". [ رواه أحمد وحسنه الألباني]

    فالحيطة لاتقتصر على الأفعال بل تتعداها إلى الأقوال , ومن ذلك أن بعض الصحابة لما قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ( أى شجرة يعلقون بها أسلحتهم ويتبركون بها ) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة " [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح] ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن العرافين فقال " ليسوا بشيء " رواه مسلم فالكاهن والعراف إن صدق مرة كذب معها مائة مرة . وقد كثر التحذير منه صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً " فعلى كل الناس أن ينيبوا إلى ربهم وأن يسلموا وجوههم له سبحانه وأن يتركوا الكفريات والشركيات وصرف العبادة لغير الله وأن يوحدوا ربهم ويعلموا أن التوحيد أولاً فإن تقديم الأهم على المهم أمر واجب في العلم والعمل والدعوة إلى الله .

    إنَّ ادعاءات التأصيل للأخلاق عند الكفرة والمشركين والفلاسفة والزعم بصلاح أخلاقهم ما هي إلا دعوى عريضة وإلا فكل إناء ينضح بما فيه , وهؤلاء إن انتفعوا بخير عملوه فإنما يكون ذلك في الدنيا , أما في الآخرة فيصدق عليهم قوله تعالى: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ) وقوله سبحانه: ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ).

    **ثانيا: الحيطة لجناب التشريع***
    كل الطرق مسدودة إلا من طريقه صلوات الله وسلامه عليه ، ولا يجوز التأصيل للأخلاق وغيرها أولا ثم يلوى أعناق النصوص الشرعية لتوافق هذه الأصول frown emoticon لاتقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله ) فالواجب أن نستقي أصولنا ومناهجنا وأخلاقنا من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا نسمح لأنفسنا ولا لغيرنا بخدش النصوص الشرعية، ولنا في نبينا أسوة حسنة وقدوة طيبة , والأدلة على ذلك كثيرة , ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا يمشي في الحج بين رجلين يسندانه قال: " ما هذا؟" فقالوا : يا رسول الله نذر أن يحج ماشياً : فقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، مروه فليركب "[ متفق عليه].

    ولما رأى أبا إسرائيل يقف فى الشمس ولا يتكلم سأل عنه فقالوا: يا رسول الله نذر أن يقوم ولا يتكلم ويجلس فى الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: " ليتم صومه وليتكلم وليجلس فى الظل " [ رواه البخاري] فالجلوس في الشمس تكلف لا يقرب من الله، والصوم عن الكلام شرع من قبلنا وليس من شرعنا , فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. ومن أدلة ذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أن عبد الله بن عمرو يصوم النهار ويقوم الليل- مما جعله يفرط في حق امرأته- قال له :" صم صيام أخي داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى " [رواه مسلم] وفى الحديث: " إن لربك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً فأعط كل ذي حقٍ حقه " [رواه البخاري] , فلابد من عدل واعتدال وحرص على الموازنة بين المصالح بلا إفراط ولا تفريط، ومراعاة لمتطلبات الروح والبدن بلا غلو ولا جفو، وشمولية نظرة في توفية الحقوق لأصحابها .

    ومن ذلك أيضا لما ذهب ثلاثة إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا بها وكأنهم تقالوها , فقال أحدهم : وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , أما أنا فأقوم ولا أنام وقال الآخر : أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الثالث أما أنا فلا أتزوج النساء , فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر خبرهم صعد المنبر وجمع الناس ثم قال :" ما بال أقوام يقولون كذا؟ أما إن أعلمكم بالله وأتقاكم لله أنا، أما إني لأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " [رواه البخاري ومسلم]

    فالطريق الموصل إلى الله وإلى جنات النعيم هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز تخطيه ولا تعديه , بل لا بد من اتباع لا ابتداع فيه ولا اختراع معه , إذ أكمل وأشرف الأحوال هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته صلى الله عليه وسلم هي طريقته المحمودة التي سلكها هو والصحابة من بعده ـ وهى كل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة يقصد بها التشريع للأمة, وكل من أعرض عن طريقته صلى الله عليه وسلم يقال له:" فمن رغب عن سنتي فليس منى " . وكان صلى الله عليه وسلم دائماً يقول " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " [ رواه البخاري ومسلم] وصح عنه أنه قال: " كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة فى النار ".

    والبدعة كما عرفها الشاطبي رحمه الله : طريقة فى الدين مخترعة تضاهى الشرعية يقصد بالسلوك عليها مضاهاة التعبد لله تعالى .ا.ه والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية وصاحبها ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا ً ، وكان عمر رضى الله عنه يقول : كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة. وقال ابن مسعود رضى الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ، عليكم بالأمر العتيق.

    وعلى هذا النهج الواضح سار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسمحوا لأحد بخدش جناب التوحيد أو التشريع، ومن أمثلة ذلك أن عمر رضى الله عنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: والله إني لأعلم أنك حجر ما تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. وأخرج علىٌ رضي الله عنه القُصَّاص من المساجد وهم الذين يروون القصص الخيالية والأكاذيب بزعم تذكير الناس وترقيق قلوبهم. ولما سمع ابن عمر رضى الله عنه رجلا عطس فقال : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قال له ابن عمر : ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال إذا عطس أحدكم فليحمد الله ولم يقل وليصل على رسوله , ولما دخل ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ مسجد الكوفة فرأى حلقاً وفى وسط كل حلقة كوماً من الحصى ورجل قائم على كل حلقة يقول لهم : سبحوا مائة فيسبحون مائة , احمدوا مائة فيحمدون مائة , كبروا مائة فيكبرون مائة فقال لهم ابن مسعود رضى الله عنه : يا قوم والله لأنتم على ملة هي أهدى من ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مقتحموا باب ضلالة فقالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا بهذا إلا الخير فقال وكم من مريد للخير لم يبلغه رواه الدارمي وصححه الألباني فكل زيادة أو نقص في العبادات أو السلوك يراد به التقرب إلى الله تعالى وإصلاح النفس إنما هو بدعة مرفوضة, حتى لو حسنت وصلحت النوايا طالما لم يوافق العمل شرع الله .
    الدكتور سعيد عبدالعظيم
                  

09-28-2015, 01:13 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الكَرَم شيمة الفضلاء

    إِذا جادتِ الدنيا عليكَ فجُدْ بها على النـاسِ طـراً إِنها تَتَقَلَّبُ
    فلا الجود ُيفنيها إِذا هي أقبلت ولا البخلُ يُبْقيها إِذا هي تَذْهَبُ

    بين الكرم والتضحية ارتباط وثيق وصلة قوية؛ فالمجاهد يجود بنفسه - وهذا غاية الجود - والمتحرر من شهوة المال، الباسط يده في أبواب البر والإحسان، قد يكون أقدر على الجهاد؛ لما يؤصله الكرم في النفس من معاني التضحية والإيثار.

    ولأن الكرم له مجالاته المشروعة، فإن بذل المال في غيرها قد لا يكون كرمًا، ولذلك يقول ابن حجر: "والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة". وضده الشح الذي يعني البخل مع مزيد من الحرص.

    وصاحب الكرم لا بد أن يكون شديد التوكل، عظيم الزهد، قوي اليقين. ولذلك فإن الكرم مرتبط بالإيمان ظاهره كرم اليد ودافعه كرم النفس، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بقوله: "المؤمن غرّ كريم، والفاجر خبّ لئيم". [صحيح سنن الترمذي]، وفي حديث آخر: "...ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا" [صحيح سنن النسائي].

    وأعظم صور الكرم ما يكون مع الفقر والحاجة وقلة ذات اليد، وهذه كانت من أخلاق العرب في الجاهلية، فهذا حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الجود والكرم،قالت زوجه:أصابت الناس سنة أذهبت الخف والظلف وقد أخذني وإياه الجوع وأسهرنا،فأخذت سفانة-ابنته-،وأخذ عديا وجعلنا نعللهما حتى ناما فأقبل علي يحدثني ويعللني بالحديث حتى أنام فرفقت به؛لما به من الجوع،فأمسكت عن كلامه لينام فقال لي :أنمت؟فلم أجبه،فسكت ونظر في فناء الخباء،فإذا شيء قد أقبل،فرفع رأسه فإذا هي امرأة فقال: ما هذا؟فقالت:يا أبا عدي أتيتك من عند صبية يتعاوون كالكلاب،أو كالذئاب جوعا،فقال لها أحضري صبيانك فوالله لأشبعنهم،فقامت سريعة لأولادها،فرفعت رأسي وقلت:يا حاتم بماذا تشبع أطفالها فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل؟فقال والله لأشبعنك وأشبعن صبيانك وصبيانها،فلما جاءت المرأة نهض قائما وأخذ المدية بيده وعمد إلى فرسه فذبحه ثم أجج نارا،ودفع إليها شفرة و قال:قطعي واشوي،وكلي،وأطعمي صبيانك،فأكلت المرأة وأشبعت صبيانها،فأيقظت أولادي وأكلت وأطعمتهم.فقال والله إن هذا للؤم؛تأكلون وأهل الحي حالهم مثل حالكم؟ثم أتى الحي بيتا بيتا يقول لهم: انهضوا ،عليكم بالنار،فاجتمعوا حول الفرس وتقنع حاتم بكسائه وجلس ناحية،فوالله ما أصبحوا وعلى وجه الأرض منها قليل ولا كثير إلا العظم والحافر،ولا والله ما ذاقها حاتم وإنه لأشدهم جوعا.فانظر رعاك الله هذه أخلاق العرب في الجاهلية وأهلُ الإيمان بها أولى.

    وقد ورد أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس لي من شيء إلا ما أدخل علي الزبير أفأعطي؟" قال: "نعم، لا توكي فيوكى عليك" [صحيح سنن الترمذي]. وعلى قلة ما يدخل عليها أشار عليها بالعطاء وبعدم الإحصاء ليبارك في الرزق ولمزيد من التوكل.

    وجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم بلحم، أتدرون ممن كان، كان من بريرة الفقيرة ومن صدقة قُدِّمت إليها: "قال: ما هذا؟ قالوا: شيء تُصُدّق به على بريرة. فقال: " هو لها صدقة ولنا هدية" [صحيح سنن أبي داود]. فقد كان الواحد منهم لا يملك إلاَّ قوت يومه ولكنه كريم، وحين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل.." [صحيح سنن أبي داود].

    إن ديننا بماله من أهداف عظيمة ليحتاج إلى النفوس الكريمة التي يفيض خيرها على الأقربين، وينصب في الإعداد والجهاد "أفضل الدينار: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله" [ صحيح سنن الترمذي].

    قد تنطلق نفحات الكرم من فاقد الأمل بالدنيا حين يشرف على الموت. ولكن الكرم الحقيقي لصاحب قوة البدن، وطول الأمل، ودواعي الحرص محيطة به من كل جانب، لذلك حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: أن تَصَّدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى..." [صحيح البخاري]. قال ابن حجر: ولما كانت مجاهدة النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح دالاً على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة كان ذلك أفضل من غيره، وليس المراد أن نفس الشح هو السبب في هذه الأفضلية.[فتح الباري 3/285].

    من الصفات المميزة لمن تأصلت فيه خصلة الكرم أنه لا يرد أحدًا يسأله، وقد كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما سئل عن شيء قط فقال لا". [صحيح البخاري]. حتى حين أهديت إليه بردة وكان محتاجًا إليها رآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها. قال: "نعم". فلام الصحابة ذلك الرجل قائلين له: "..أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه؟ فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفَّنُ فيها" [صحيح البخاري].

    والكرم من صفات الرب سبحانه وتعالى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيي كريم، يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه؛ فيردهما صفرًا". أو قال: "خائبتين" [صحيح ابن ماجه]. وعباد الله الصالحون يمنعهم حياؤهم وكرمهم من رد حاجة العبد من عباد الله.
    ومن أوجب الكرم معاملة الكرام بما يستحقون كما في الحديث: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" [صحيح الجامع]. وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الضيافة - كمظهر من مظاهر الكرم - بتحريك المشاعر الإيمانية: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.." [صحيح سنن الترمذي]. ومن كانت المادة قد التهمته واستولت على قلبه وجعلته يعد ويحصي ويحجم عن المكارم استبقاء لما في الجيب وحذرًا مما يأتي به الغيب فلا خير فيه، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا خير فيمن لا يضيف" [صحيح الجامع].

    وقد كانت السمعة والصيت عند أبناء الجاهلية عرضًا يخشون عليه أن يمسّ، فيتحدث الناس عنهم بما لا يحبون، فكانوا يهينون أموالهم حفاظًا على سمعتهم:
    أصون عرضي بمالي لا أدنسه لابارك الله بعد العرض في المال

    وعزّز الإسلام خيار الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم: "ذُبُّوا عن أعراضكم بأموالكم" [صحيح الجامع].لقد ربى الإسلام أبناءه على الجود والكرم فرأينا منهم عجبا،فهذا قيس بن سعد بن عبادة لما مرض استبطأ إخوانه في العيادة،فسأل عنهم فقيل له:إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين.فقال:أخزى الله مالا يمنع عني الإخوان من الزيارة،ثم أمر مناديا ينادي :من كان لقيس عليه مال فهو منه في حل،فكسرت عتبة بابه من كثرة الزوار.

    وهذا عبدالله بن جعفر رضي الله عنه يخرج هو والحسنان،وأبو دحية الأنصاري رضي الله عنهم من مكة إلى المدينة ،فأصابتهم السماء بمطر ،فلجأوا إلى خيمة أعرابي فأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى سكنت الماء ،فذبح لهم الأعرابي شاة ،فلما ارتحلوا قال عبد الله للأعرابي:إن قدمت المدينة فسل عنا.فاحتاج الأعرابي بعد سنين ،فقالت له امرأته:لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان .قال قد نسيت أسماءهم.قالت فسل عن ابن الطيار .فأتى المدينة فلقي الحسن رضي الله عنه فأمر له بمائة ناقة بفحولها ورعاتها.ثم أتى الحسين فقال قد كفانا أبو محمد مؤونة الإبل
    ،فأمر له بألف شاة ،ثم أتى عبدالله بن جعفر فقال:قد كفاني إخواني الإبل والشياه ،فأمر له بمائة ألف درهم،ثم أتى الرجل أبا دحية رضي الله عنه فقال:والله ما عندي مثل ما أعطوك ولكن ائتني بإبلك فأوقرها لك تمرا فلم يزل اليسار في عقب الأعرابي منذ ذلك اليوم.فأي كرم هذا؟!!!.

    إن الناس بفطرتهم لا يحبون الشحيح البخيل، وإذا لم تتحقق المحبة لم تنفتح القلوب للاستجابة والاستقبال، وقد ورد بهذا المعنى: "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار. والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار. ولَجَاهِلٌ سخي أحب إلى الله تعالى من عابدٍ بخيل" [ضعيف].

    ومما يعين المرء على اكتساب صفة الكرم وتأصيلها في نفسه أن يستحضر صفة ربه عز وجل: "إن الله تعالى جواد يجب الجود، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها"[صحيح الجامع]، "إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجَوَدة..."[صحيح الجامع]، "إن الله كريم يحب الكرم"[صحيح الجامع]. ومن لا يحب أن يكون كما يحب الله؟!

    وإن في تأمل الحياة العملية للرسول القدوة - صلوات الله وسلامه عليه - ما يفجر معاني الجود والكرم في قلب المتبع المحب. جاء في الحديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس..."[صحيح البخاري]. كما ورد بمثل هذا المعنى: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" [صحيح البخاري]. وجوده هذا كان سبب إيمان الكثيرين، ومحبة الكثيرين، واحترام العدو والصديق. وما على حملة الدعوة إلا أن تكون الدنيا أحقر ما يكون في أعينهم لتفيض بها أيديهم، وليعم الخير من حولهم.

    وللشيطان نصيب كبير في قلب البخيل الشحيح. ولذلك شرع لنا الاستعاذة بالله من هذه الصفات الشيطانية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ دبر كل صلاة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن..." [صحيح سنن النسائي]. ولعل السر في تلاحق وصف البخل والجبن أن من عز ماله أن يصرفه في وجوه الخير فبخل، طبيعي من مثله أن تعز عليه روحه أن يزهقها في سبيل الله فيجبن. والجود بالنفس أسمى غاية الجود.

    وإذا افتقدت الأمة الجود بالمال والجود بالنفس فقد سارت في طريق الهلاك لما جاء في الحديث: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا" [صحيح سنن أبي داود].
    وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات شرار الخلق في آخر الزمان، وكان من صفاتهم الشح: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج..." [صحيح البخاري]. ولأن الكرم صفة قلبية تنعكس على السلوك فإن المريض بالشح مريض بالقلب يقعد به بخله عن البناء، ويحجزه الشح عن المبادرة، ويغدو يأخذ ولا يعطي، وماذا بعد ذلك من شر؟ لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شرّ ما في رجل شحّ هالع، وجبن خالع" [صحيح سنن أبي دواد].

    وقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الموبقات فذكر منها: "الشرك بالله، والشح.." [صحيح سنن النسائي]. وعدّ المهلكات فذكر فيها: "هوىً متبع، وشحٌ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه" [صحيح الجامع].

    تميزالجيل الأول بزهده ويقينه فصعد؛ فما هي سنن السقوط والهلاك؟ يقول صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل" [ السلسلة الصحيحة برقم3427]. قبض اليد والإحجام عن المبادرة والامتناع عن تقديم أي جهد، ثم بعد كل ذلك بناء الأحلام الكبيرة والآمال العريضة، ذلكم تشخيص هلاك الدنيا فهل صرنا إليه؟
    أما في الآخرة فإن الكانز لمال دون أن يؤدي حق الله فيه يخيل له المال يوم القيامة بصورة "شجاع أقرع يفر منه صاحبه وهو يتبعه يقول له: هذا كنزك الذي كنت تبخل به..."[صحيح سنن النسائي].

    إذا لم يكن خلق الكرم يميز عامة أبناء الإسلام العاملين لنصرته فلن تجتمع حولهم القلوب ولن يحظوا بالثقة. وحين تكرم النفوس وتتخلص من رق الدنيا. ويصغر في عينها كل متاع تنجذب إليها القلوب، وتعظم في الأنظار، ويتسابق الناس في الجود والكرم لا في الحرص والشح، وعندئذ نكون أهلاً للتمكين بإذن الله تعالى.
    المصادر :
    المستطرف :الأبشيهي
    هذه أخلاقنا:الخازندار
                  

09-28-2015, 01:15 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الغاية من الأخلاق

    هدفنا من وراء الأقوال والأفعال والحركات والسكنات وغايتنا من وراء التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل هو: مرضاة ربنا جل وعلا وأن تزكو نفوسنا وتطهر بحيث تستحق أن ينادى عليها على أبواب الجنة: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73]، وقد أقسم سبحانه أحد عشر قسما متوالياً على أنه لا يستحق الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا من زكت نفسه وصفت, فقال سبحانه:(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:1- 10].

    وهذا الالتزام الخلقي من شأنه أن تتحقق به سعادة الفرد والمجتمع في الدارين في العاجل والآجل، فالإيمان بالله واليوم الآخر ليس معناه هجران الحياة ودخول الخرائب كما هو شأن بعض الصوفية !! والتطور والتحضر والتقدم ليس معناه الكفر بخالق الأرض والسماوات والعبَّ من الشهوات المحرمة كما هو شأن الغرب المادي، والناس في هذه وغيرها طرفا نقيض بين إفراط وتفريط وبين غلو وجفاء، وإسراف وتقصير, والعدل أساس الملك وبه قامت السماوات والأرض، يقول الغزالي : "لا وصول إلى الله تعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها" .وهذا الكلام يصح فيما لو كانت الشهوات واللذات محرمة، وإلا فلا يسعنا تحريم الحلال أو تحجير الواسع أو التضييق على الخلق كما لا يسعنا تحليل الحرام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) [البقرة:168]، وقال تعالى:(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:31-32].

    كان البعض يقول : متاع الغرور ما ألهى صاحبه عن طلب الآخرة، أمَّا ما لم يلهك عن طلب الآخرة فهو متاع بلاغ إلى ما هو أبلغ منه.
    فذم الدنيا لا ينصرف إلى زمانها أو مكانها ولكن ينصب على أفعال العباد المخالفة لشرع الله. فلابد من تعمير الدنيا بطاعة الله، وإقامة حضارة على منهاج النبوة وأن ندور مع إسلامنا حيث دار، فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله والدين ما شرعه الله وليس لنا إلا أن نقول :(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285]

    **علاقة الأخلاق بالعبادة:***
    العبادة مفهوم واسع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فالصلاة عبادة والصوم والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عبادة، وكذلك جهاد الكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والرفق والشفقة والدعاء والذكر وتلاوة القرآن, وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه والشكر لنعمه، والرضا بقضائه والتوكل عليه، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه.. كلها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أن العبادة هي كمال الحب مع تمام الخضوع والذل وهى الغاية التي لأجلها خلق الله الخلق، قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذريات:56 - 58].

    وقد أخطأ من توهم أن العبادة قاصرة على الصلاة والصيام والحج ... فحسب فالدين كله داخل في العبادة وهى شاملة للسياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق وجميع نواحي الحياة قال تعالى :(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162، 163].

    ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركناً أساسياً من أركان العبادة. إنَّ الأوامر التي وردت في الكتاب والسنة وتعلقت بالصلاة والصيام لا تنفصل عن الأوامر التي تعلقت بالصدق والعدل، ولا بد من تعظيم شعائر وشرائع الله وان نقول frown emoticon سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: من الآية285)

    نحن نرفض اعتبار الأخلاق عادات وتقاليد كما نرفض أيضا الانبهار بالفلسفات والذوقيات والعقلانيات المخالفة لدين الله واعتبار الصوفية أو الفلاسفة أصحاب قصب السبق في النواحي الأخلاقية والتأصيل لها لأنه أمر يتجافى مع الحق والحقيقة فالبشرية قد بدأت بنبي مُكَلَّم هو آدم عليه السلام وتتابع بعده الرسل (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر: من الآية24)). والدين واحد (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران:19] وإنما تعددت الشرائع، وشريعة الإسلام حاكمة ومهيمنة على سائر الشرائع. وقد اتفقت الشرائع في هذه الأمور الخمس المذكورة في سورة الأعراف (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33].

    **علاقة الأخلاق بالإيمان:***
    ورد في الحديث: " الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان " متفقٌ عليه، فالإيمان شعب، ويزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأهل الإيمان يتفاضلون ويتفاوتون في درجات الإيمان، وإذا كان الحياء شعبة من الإيمان فعدم الحياء شعبة من شعب الكفر، وقس على ذلك الكذب والغدر.

    وقد وردت روايات تدل على العلاقة الوثيقة بين الأخلاق والإيمان، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في جواب أي المسلمين أفضل ؟ قال :" من سلم المسلمون من لسانه ويده ".( رواه مسلم) وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا, ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض, وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا - وأشار إلى صدره ثلاثاً - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"[رواه مسلم] والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما خلاصته: "إذا كان الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، وأنه لابد فيه من شيئين : الأول تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التوحيد، وآخر عمل القلب وهو التوكل على الله وحده ونحو ذلك من حب الله ورسوله وحب ما يحب الله ورسوله وإخلاص العمل لله وحده كانت أعمال القلب من الحب والإخلاص والخشية والتوكل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى وكانت الأخلاق الكريمة داخلة فيه أيضاً وأما البدن فلا يمكن أن يتخلى عن مراد القلب لأنه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهى القلب " متفق عليه . إن الإيمان بذلك هو مناط تكوين القيم الخلقية والاجتماعية ونحوها، وهو أيضا مصدر الإلزام الخلقي، لأنه هو المسيطر على كل غرائز الإنسان وشهواته، والمتحكم في أحاسيسه ودوافعه . إن الإيمان قول وعمل، والأخلاق الكريمة أقوال وأفعال لا تنفك عن معنى الإيمان، فالإيمان هو البر والهدى والتقى والإسلام والبصيرة وهو أيضاً العلم النافع والعمل الصالح.

    **الأخلاق والنفس البشرية***
    الأخلاق الكريمة تتوافق مع العقول السليمة والفطرة المستقيمة، وبها بعثت الرسل وأُنزلت الكتب قال تعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم:30]، فالله سبحانه خلق قلوب بنى آدم مؤهلة لقبول الحق، وبالفطرة يتدل الإنسان على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به و"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه البخاري .

    فالعبد في سيره إلى الله عليه أن يعلم قِدَم الصراع بين الخير والشر وسننَ التدافع بين الإيمان والكفر وبين أصحاب الصراط المستقيم من جهة والمغضوب عليهم والضالين وأصحاب المناهج الوضعية من جهة أخرى،والإنسان يتنازعه ويتصارع عليه الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء مما له أبلغ الأثر على أخلاق الإنسان وسلوكه وهذا هو موطن الابتلاء، قال تعالى:( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف:7].

    لقد قيل إن للإنسان ثلاثة أنفس: أمارة بالسوء ولوَّامة ومطمئنة، والصحيح أنها نفس واحدة لها ثلاث حالات، فأحيانا تكون أمارة بالسوء تحض على الشر والفجور وهذه قرينها الشيطان، وأحيانا تكون لوامة وهى التي تلوم صاحبها لم قلت كذا ولم فعلت كذا وكان كذا أولى من كذا وقيل هي نفس المؤمن التي أقسم بها سبحانه فقال: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) وأحيانا تكون مطمئنة وهى التي ألهمها الله التقوى، تلوم صاحبها على السيئات وتدفعه إلى التوبة والاستغفار، وهذه النفس قرينها الملك يسددها ويوفقها وهى المذكورة في قوله تعالى frown emoticon يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر:27 - 30]، فعلى العبد أن يضرع إلى ربه في صلاح نفسه وأن يدعو ربه " اللهم أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا تكلني إلى أحد من خلقك ، اللهم أعط نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

    د.سعيدعبدالعظيم
                  

09-28-2015, 01:17 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مقدمة في الأخلاق

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
    فقد أثنى الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه فقال : ( وإنِّكَ لَعلَى خُلُقٍ عظيم ) وأمره سبحانه بمحاسن الأخلاق فقال: ( ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوةٌ كأنَّه ولىٌّ حميم ).
    وجعل جل وعلا الأخلاق الفاضلة سبباً تُنال به الجنة فقال : ( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضُها السموات والأرض أُعدَّت للمتقين الذين ينفقون فى السَّراء والضَّراء والكاظمين الغيظَ والعافينَ عنِ النَّاس واللهُ يُحبُ المحسنين ) وبعث رسوله صلى الله عليه وسلم بإتمامها فقال عليه الصلاة والسلام :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" . رواه البخارى وبين صلى الله عليه وسلم فضل محاسن الأخلاق فقال : "ما من شىءٍ فى الميزان أثقل من حسن الخلق". رواه البخارى وقال:" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقا"ً. رواه احمد وابو داود. وسئل صلى الله عليه وسلم عن أى الأعمال أفضل فقال : "حسن الخلق ولما سُئِل عن أكثر ما يُدخل الجنة قال : تقوى الله وحسن الخلق" . رواه الترمذى وصححه فإذا كان الدين هو حسن الخلق فالواجب على كل من آمن بالله واليوم الآخر وآثرنجاة نفسه أن يتعرف على هذا المعنى الجليل وأن يلتزم به.

    **مفهوم الأخلاق***
    الأخلاق فى اللغة جمع خُلُق والخُلُق اسم لسجية الإنسان وطبيغته التى خُلق عليها قال تعالى : ( وإنَّكَ لعلى خُلقٍ عظيم ) القلم (4) والخلق العظيم كما يقول الطبرى : الأدب العظيم وذلك أدب القرآن الذى أدبه الله به وهو الأسلام وشرائعه وعن ابن عباس رضى الله عنهما : على دين عظيم وهو الإسلام وعن مجاهد فى قوله خلق عظيم قال : الدين . وعن عائشة رضى الله عنها عندما سُئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت " كان خلقه القرآن "قال قتادة : تقول: كما هو فى القرآن.

    وذكر القرطبى أن المراد بالخلق العظيم أدب القرآن وقيل : هو رفقه بأمته وإكرامه إيَّاهم وقيل المراد : إنك على طبعٍ كريم وقال أيضاً : حقيقة الخلق فى اللغة هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب لأنه يصير كالخِلقة فيه وأمَّا ما طبع عليه الإنسان من الأدب فهو الخيم أى السجية والطبع وعلى ذلك يكون الخلق : الطبع المتكلف والخيم الطبع الغريزى وقد رجح القرطبى تفسير عائشة رضى الله عنها للخلق العظيم بأنَّه القرآن وسمى خلقه عظيما لأنه لم تكن له صلى الله عليه وسلم همة سوى الله تعالى وقيل : لإجتماع مكارم الاخلاق فيه وقيل : لأنه امتثل تأديب الله إيِّاه . وقال الماوردى فى الخلق العظيم ثلاثة أوجه :أحدها أدب القرآن ,الثانى : دين الإسلام , الثالث : الطبع الكريم وهو الظاهر . قال وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب , وسمى بذلك لأنه يعتبر كالخلقة فيه.

    والخلاق:ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه , قال تعالى ( ماله فى الآخرة من خلاق ) البقرة 102 وقيل الخلاق هو النصيب والدين , ولا يكاد يستعمل إلا للنصيب من الخير , والخليقة الطبيعة وجمعها خلائق , والخِلقة :الفطرة. فالخٌلق بمقتضى اللغة والإصطلاح هو السجية والطبيعة سواء كانت حسنة أو قبيحة , أو العادة والطبيعة والدين والمروءة أو صفة مستقرة فى النفس ذات آثار فى سلوك الفرد والمجتمع قد تكون محمودة أو مذمومة.

    **بين الأخلاق والآداب والقيم***
    أحيانا يتم التعبير عن الأخلاق بالآداب فيقال فلان مؤدب عنده أخلاق أو فلان عديم الأدب لا أخلاق غنده , وأحياناً يعبر عن الأخلاق بالقيم فيقال فلان عنده قيم , وقد انتشرت فى الآونة الأخيرة كلمة القيم الروحية , فيتطلب الأمر التعريف بكل كلمة على حدة , وقد تكلمنا على معنى الأخلاق وبقى أن نتعرف على معنى الآداب والقيم.

    فالأدب هو استعمال ما يُحمد قولاً وفعلاً أو هو الأخذ بمكارم الأخلاق والوقوف مع المستحسنات. وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : وحقيقة الأدب : استعمال الخلق الجميل , ولهذا كان الأدب استخراجا لما فى الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل , وقال المناوى : الأدب رياضة النفوس ومحاسن الأخلاق ويقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان فى فضيلة من الفضائل , وقيل: هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ . وورد عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته , وتُقرأ مأدُبة بضم الدال وبفتحها , فإذا قُرأت بالفتح قصد بها الأدب فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة أمَّا بالنسبة للقيم فقد قال الزجاج: القيم مصدر بمعنى الإستقامة , ومعنى قوله تعالى ( ديناً قيماً ) الانعام 161 أى ديناً مستقيماً لا عوج فيه , وقال الراغب : أى ثابتاً مقوماً لأمور معاشهم ومعادهم , أمَّا قوله عزَّ وجلَّ frown emoticon وذلك دين القيمة ) البينة5 فقد قال ابن كثير فى تفسيرها : دين الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة , وقيل المراد دين الكتب القيمة .

    والتقارب واضح بين مفهوم الأخلاق والقيم , ولعلنا لانكاد نلمح فارقاً بين الاثنين فالقيم والأخلاق كلاهما يتصل بكافة جوانب الحياة فهى لا تنفصل عن حياة الإنسان فى كافة جنباتها .فالفعل الخلقى هو فى صميمه فعل قيمى.

    **معنى حسن الخلق***
    لما كان البعض يتوهم أنه إذا أصلح فيما بينه وبين ربه فقد كفاه ذلك، بيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أن التقوى لاتتم ولا تكتمل حتى تعطى كل ذى حقٍ حقَّه وتخالق الناس بخلقٍ حسن ، فقال صلى الله عليه وسلم :" اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن" . رواه الترمذىوقال حسنُ صحيح.

    وجماع حسن الخلق أن تعطى من حرمك , وأن تصل من قطعك وأن تعفو عمن ظلمك , وقالو فى معنى البر : البر شيءٌ هين , وجهٌ طليق وكلامٌ لين .
    وقال الحسن فى بيان حسن الخلق: حسن الخلق بسط الوجه , وبذل الندى , وكف الأذى , وقال عبد الله بن المبارك حسن الخلق فى ثلاث :اجتناب المحارم , وطلب الحلال , والتوسعة على العيال. وقال آخر: حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤمن , وقال آخر : حسن الخلق ألاَّ يكون لك همٌ غير الله تعالى، وقالوا فى علامة ذى الخلق الحسن:أن يكون كثير الحياء , قليل الأذى , كثير الصلاح , صدوق اللسان , قليل الكلام, كثير العمل, قليل الزلل, قليل الفضول, براً وصولاً وقوراً صبوراً رضياً حليماً, وفياً عفيفاً, لا لعاناً ولا سباباً ولا نماماً ولا مغتاباً ولا عجولاً ولا حقوداً ولا بخيلاً ولا حسوداً, بشاشاً هشاشاً, يحب فى الله ويبغض فى الله ويرضى فى الله ويسخط لله.

    **أخلاق مذمومة وسلوكيات مرذولة***
    ذكرنا معنى حسن الخلق, ومنه يُفهم معنى سوء الخلق, ومن أمثلة الأخلاق المذمومة: الغدر والغرور والغش والغفلة والغل والغيبة والفجور والفحش واللغو واللؤم والمكر والمن بالعطية والقسوة والقنوط والكذب ...... مما سنتعرض له بالتفصيل بإذن الله حتى نتجنبه ونتخلى عنه - إذ التخلية أهم من التحلية, أى التخلص عن الرذائل أوجب وأهم من التحلى بالفضائل, لقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما صح وثبت عنه : "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ". ولما كان الوقت الذى نعيشه, وقت غربة, وجهالة, وقد تابعت فيه الأمة اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل مصداق ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد رأينا من يتخلق بأخلاق الأوروبيين !! إظهارا للتطور والتحضر بزعمه, فأصبح لا حرج من أن تراقص المرأة رجلاً أجنبياً عنها, وقد يسمح لها زوجها بذلك !! ولا مانع من أن يجد الرجل صديقه مع امرأته فى المنزل وهنا وهناك ولا اعتراض حتى لا يكون رجعياً متزمتاً !! وتسير المرأة أمام الرجال فى المواكب وتتقدم فى النزول من السيارة فهذا هو البروتوكول كما يزعمون !! ومن الإيتيكيت أن يأكل الإنسان بشماله عند هؤلاء !! وما أكثر الذوقيات والإنسانيات عند الماديين ومن تشبه بهم, المنحلة, والمنحرفة, والمخالفة لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز لنا أن نقبل الكلمة المنسوبة للشيخ محمد عبده فى وصفه الأوروبيين " أخلاقهم كديننا وأخلاقنا كدينهم " فلا يجوز التعميم ولا الانبهار بما هم عليه؛إذ لابد من إخضاع ما هم عليه من أخلاق ودين لما ورد فى كتاب الله وفى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) والحق مقبول من كل من جاء به والباطل مردود على صاحبه كائناً من كان .

    **منهج الأخلاق الإسلامية***
    الأخلاق فى الإسلام موصولة بالإيمان وتقوى الله ،قال تعالى: ( فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ) فلا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له, وقال صلى الله عليه وسلم :" والله لا يؤمن, والله لا يؤمن, فقيل له: من هو يا رسول الله ؟ فقال : الذى لا يأمن جاره بوائقه ". متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره " متفق عليه وقال " هى فى النار" للتي قيل له إنها تصوم النهار , وتقوم الليل, وتؤذى جيرانها " رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح , فالارتباط وثيق بين مفهوم الأخلاق ومفهوم الإيمان , وليس ثمة طريق يبلغ بالإنسان إلى كماله المنشود وصلاحه المرجو, وبالتالى سعادته المأمولة غير طريق الإيمان ولذلك نجد شيخ الإسلام ابن تيمية قد بنى مفهوم الأخلاق على الإيمان بالله وحده خالقاً ورازقاً بيده الملك , وعلى معرفة الله سبحانه وأنه المستحق للعبادة وعلى حبه جلَّ وعلا الحب الذي يستولى على مشاعر الإنسان ويدفعه إلى تحقيق رضا الله والالتزام بهذه الغاية فى كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة , وحينئذ يسمو العبد عن الأنانية وعن الأهواء , وعن المآرب الدُّنيا بحيث يصبح السلوك والعمل خلقاً من الدرجة الأولى، وبذلك نكون ماضين حقًا وصدقاً فى طريق تحقيق أو بلوغ الكمال الإنساني الذي ننشده ونتمناه.

    **مناهج أخلاقية قاصرة وخاطئة***
    العلوم الإنسانية فى الغرب , والتربية فى مقدمتها، تقوم على أسسٍ خطيرة , وهذه الأسس هى:
    1- النظريية المادية التى لاتعترف بوجود الخالق جلَّ وعلا , وتضع مكانه الطبيعة
    2- النظرية التى تخضع الإنسان لمفهوم الحيوان سواء من ناحية النفس (فرويد) أو المعدة (ماركس ) أو مسئولية المجتمع ( دور كايم ) .
    3- نسبية الأخلاق بإعتبارها ليست من الدين , ولكنها عادات وتقاليد وقد تطرق هذا الخلل المادي الذى يوصف باسم العلوم الإنسانية والتربية!! إلى بعض أبناء أمتنا وتشربته نفوسهم بعد أن تعلموه ودرسوه فى الجامعات هنا وهناك , فنظريات دارون وفرويد وماركس وسارتر ودور كايم التى زيفها الغرب وفرضها على جامعاتنا على أنها علوم ـ وهى ليست كذلك ـ وجدت نفوساً مهزومة وآذاناً صاغية وقلوبا لاهية عن دينها , فكانت هذه اللوثة الأخلاقية التى تعاني الأمة من مظاهرها .

    إنَّ من الخطأ أن نستبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير , فقد أغنانا سبحانه وكفانا بالإسلام الذى رضيه لنا ديناً شاملاً لكل ناحية من نواحى الحياة ومحققاً لكل خير وكمال ( وما كان ربُكَ نسياً ) ( ألا يعلمُ منْ خلق وَهو الَّلطيفُ الخبير) , فالمناهج الفلسفية والعقلانية فيها من الثغرات وعليها من المآخذ ما يجعلها عاجزة عن تحقيق الكمال الإنساني , ولايصح التعويل فى معرفة الأخلاق على التحسين والتقبيح العقلي , فالعقل متولٍ , ولَّى الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عزل نفسه , وهو دابة توصلك لقصر السلطان ولاتدخل بها عليه ولا يتصور وجود تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح ,فإذا حدث قدمنا النقل على العقل ( فلا وربِك لايُؤمِنون حتى يُحكِمُوكَ فيما شجر بينهمْ ثم لا يَجِدُوا فى أنفُسِهم حرجاً مما قضيتَ ويُسلِموُا تسليماً ). ومن القصور أيضا أن ننظر إلى الفكر الصوفي على أنه الفكر الأخلاقى المعتمد للمسلمين ففى الأخلاق وغيرها لابد وأن نكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام , وأن ننهج منهج السلف الصالح فيما كانوا عليه من علمٍ نافع وعملٍ صالح.

    **علماء سلكوا المنهج الصحيح فى الكلام على الأخلاق***
    بإزاء الفلاسفة والمتكلمين برز علماء أجلاء فقهاء ومحدثون وزهاد تكلموا فى الأخلاق والتربية والسلوك وكان منهجهم الكتاب والسنة وغيرهما من المصادر الإسلامية الخالصة مثل الإجماع والقياس ونحن لا نقول بعصمة هؤلاء فكل إنسان يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما قال الأمام مالك رحمه الله ـ ما منِّا إلأ ورد و رُدَّ عليه ولكن يبقى الفارق الكبير بين صحة المنهج حتى وإن أخطأ صاحبه , وبين فساد المنهج حتى وإن أصاب صاحبه , فالأول مأجور والثانى مأزور كما بين الأمام أحمد وعلى بن المديني , ونحن نذكر باختصار أسماء بعض علماء الأمة ومؤلفاتهم فى الأخلاق:

    ـ ابن المبارك "كتاب الزهد " ـ وكيع بن الجراح "كتاب الزهد " ـ أحمد بن حنبل "كتاب الزهد" ـ عناد بن السرى "كتاب الزهد" أبو عبد الله المحاسبي "الوصايا" و"آداب النفس" و "الرعاية لحقوق الله" و"التوبة" ـ البخاري "صحيح البخارى" و "كتاب الأدب المفرد" ـ ابن ابى الدنيا "الإخلاص" و "الأمر بالمعروف" و" الحذر والشفقة "و "ذكر الموت"و"ذم الغضب" و "الرضا عن الله والصبر على قضائه" و"الغيبة والنميمة" و "القناعة " و" الصمت وآداب اللسان" ـ النسائي " عمل اليوم والليلة ـ ابوبكر الخرائطى " مكارم الأخلاق ومعاليها" و"مساوىء الأخلاق ومذمومها وطرائق مكروهها" ـ ابوبكر الآجري "أخلاق حملة القرآن"و "اخلاق العلماء " و" أدب النفس " و "كتاب أهل البر والتقوى " و "كتاب التوبة" و " كتاب التهجد" ـ ابن السني "عمل اليوم والليلة " ـ البيهقي "شعب الإيمان " ـ ابن الجوزى "صفة الصفوة" ـ الحافظ المنذرى " الترغيب والترهيب" ـ العز بن عبد السلام "شجرة المعارف والأصول " ـ النووي "رياض الصالحين" ـ ابن تيمية"الفتاوى" ـ الذهبي "الكبائر " ـ ابن قيم الجوزية "الفوائد " و"مدارج السالكين" و " عدة الصابرين"و "أعلام الموقعين" و " الداء والدواء" و "إغاثة اللهفان" ـ ابن مفلح " الآداب الشرعية" ـ السفاريني " غذاء الألباب".

    **أخيرا***..لابد وأن نعرف :
    ماذا نقرأ ولمن نقرأ ؛ حتى لايكون الإنسان حاطب ليل، فقد يحمل حية تلدغه , ولذا فنحن نقبل ابن سينا الطبيب أمَّا فلسفته فمردودة عليه لمخالفتها للوحى المنزل ,وقد امتدح شيخ الإسلام ابن تيمية كتاب المهلكات والمنجيات من إحياء علوم الدين للغزالي ـ رحمه الله ـ ، ولما سُئِل أحد العلماء هل قرأت أدب النفس لأرسطو ؟ قال : بل قرأت أدب النفس لمحمدٍ بن عبد الله ( لقدْ كانَ لكُمْ فى رسوُلِ اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ لمِنْ كانَ يَرجُو اللهَ واليومَ الآخِر وذكرَ الله كثيراً ) .
    د. سعيد عبد العظيم
                  

09-28-2015, 01:19 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الشكر..قيد النعم

    أوليتـني نعماً أبـوح بشكرها.. .. .وكفيتني كُلَّ الأمـور بأسرها
    فلأشكرنك ما حييتُ وإن أمُتْ.. .. ..فلتشكرنك أعظُمي في قبرها

    يا مَن عزم على السفر إلى الله والدار الآخرة، وقد رُفع لك علم فشمّرْ إليه فقد أمكن التشمير، واجعل سيْرَك بين مطالعة منَّته ومشاهدة عيْب النفس والعمل والتقصير، فما أبقى مشهد النعمة والذنب للعارف من حسنة، يقول: هذه منُجيتي من عذاب السعير. ما المعوَّل إلاَّ على عفوه ومغفرته؛ فكلُّ أحدٍ إليها فقير. أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي.
    ما تساوي أعمالك - لو سَلِمَتْ ممَّا يُبطلها - أدنى نعمة عليك، وأنت مُرتَهن بشكرها من حين أرسل بها إليك، فهل رعيتها بالله حقَّ رعايتها وهي في تصريفك وطوْع يديك؟! فتعلَّق بحبل الرجاء، وادخل من باب العمل الصالح؛ إنه غفور شكور.
    نهج للعبد طريق النجاة وفتح له أبوابها، وعرَّفه طُرُق تحصيل السعادة وأعطاه أسبابها، وحذَّره من وبال معصيته وأشهده على نفسه وعلى غيره شؤمها وعقابها، وقال: إن أطعت فبفضلي وأنا أشكر، وإن عصيت فبقضائي وأنا أغفر؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34].
    أزاح عن العبد العلل، وأمره أن يستعيذ من العجز والكسل، ووعده أن يشكر له القليل من العمل، ويغفر له الكثير من الزلل؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

    أعطاه ما يُشكر عليه، ثم يشكُرُه على إحسانه إلى نفسه لا على إحسانه إليه، ووعده على إحسانه لنفسه أن يُحسن جزاءَه ويقرِّبه لديه، وأن يغفر له خطاياه إذا تاب منها ولا يفضحَه بين يديه؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
    وثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعتها، وعكفت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، وخرقت السَّبْعَ الطِّباق دعواتُ التائبين والسائلين فسمعها، ووسع الخلائق عفوُه ومغفرتُه ورزقُه؛ فما من دابة في الأرض إلاَّ على الله رزقها ويعلم مستقرّهَا ومستودعها؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

    يجودُ على عبيده بالنوافل قبل السؤال، ويُعطي سائله ومؤمِّله فوق ما تعلَّقت به منهم الآمال، ويغفر لمن تاب إليه ولو بلغت ذنوبُه عدد الأموال والحصى والتراب والرمال؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
    أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأفرحُ بتوبة التائب من الفاقد لرالحته - التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة - إذا وجدها، وأشكرُ للقيل من جميع خلقه؛ فمن تقرَّب إليه بمثقال ذرَّة من الخير شكرها وحمدها؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
    أفاض على خلقه النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه: أنَّ رحمته تغلب غضبه؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
    يُطاع فيشكر، وطاعته من توفيقه وفضله، ويُعصى فيحلُم ، ومعصية العبد من ظلمه وجهله، ويتوب إليه فاعل القبيح فيغفر له، حتى كأنه لم يكن قطُّ من أهله؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

    الحسنة عنده بعشر أمثالها أو يضاعفها بلا عددٍ ولا حسبان، والسيئة عنده بواحدة ومصيرها-إن شاء ربنا- إلى العفو والغفران، وباب التوبة مفتوح لديه منذ خلق السموات والأرض إلى آخر الزمان؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
    بابه الكريم مناخ الآمال ومحطُّ الأوزار، وسماء عطاه لا تقلع عن الغيث، بل هي مدرار، ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).[عن:صلاح الأمة للعفاني]

    الله عز وجل هو الشكور على الحقيقة:
    "والله عز وجل أولى بصفة الشكر من كلَِّ شكور، بل هو الشكور على الحقيقة؛ فإنه يعطي العبد ويوفِّقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا ييستقلّه أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعافٍ مضاعفة، ويشكر عبده بقوله بأن يُثني عليه بين ملائكته وفي مَلَئه، ويُلقي له الشكر بين عباده ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئًا ردَّه عليه أضعافًا مضاعفة، وهو الذي وفَّقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك.

    ولمَّا عقر نبيُّه سليمان الخيل غضبًا له إذ شغلتْه عن ذكره، فأراد أن لا تشغله مرة أخرى، أعاضه عنها متْن الريح. ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته؛ أعاضهم عنها أن ملّكهم الدنيا وفتحها عليهم.
    ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكَّن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.
    ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزَّقها أعداؤه؛ شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقرَّ أرواحهم فيها، تَرِدُ أنهارَ الجنة، وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فيردُّها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه.
    ولما بذل رُسُلُه أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبُّوهم؛ أعاضهم من ذلك بأن صلَّى عليهم هو وملائكته، وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار.

    ومن شكره سبحانه: أنه يجازي عدوَّه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا، ويخفِّف به عنه يوم القيامة؛ فلا يُضيِّع عليه ما يعمله من الإحسان، وهو من أبغض خلقه إليه!!

    ومن شكره: أنه غفر للمرأة البغي بسقْيها كلبًا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى، وغفر لآخر بتنحيته غصْن شوكٍ عن طريق المسلمين.
    فهو سبحانه يشكر العبد على إحسانه لنفسه، والمخلوق إنما يشكرُ من أحسن إليه. وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذي أعطى العبد ما يُحسن به إلى نفسه، وشكره على قليله بالأضعاف المضاعفة التي لا نسبة لإحسان العبد إليها. فهو المحسن بإعطاء الإحسان وإعطاء الشكر. فمن أحقُّ باسم الشكور منه سبحانه؟!

    ومن شكره سبحانه: أنه يُخرج العبد(المؤمن) من النار بأدنى ذرَّة من خير، ولا يُضيِّع عليه هذا القدْر.
    ومن شكره سبحانه: أن العبد من عباده يقوم له مقامًا يُرضيه بين الناس؛ فيشكر له، ويُنَوِّه بذكره، ويُخبر به ملائكته وعباده المؤمنين. كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام، وأثنى عليه، ونوَّه بذكره بين عباده. وكذلك شكره لصاحب يس مقامه ودعوته إليه، فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته إلا هالك".[عُدَّة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم، ص279 - 280].

    معنى الشكر وأركانه:
    الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف.
    وشكر العبد يدور على ثلاثة أركان لا يكون شكرًا على الحقيقة إلا بمجموعها وهي:
    - الاعتراف بالنعمة باطنًا.
    - والتحدث بها ظاهرًا.
    - والاستعانة بها على طاعة الله.
    فالشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، فالقلب للمعرفة والمحبة، واللسان للثناء والحمد، والجوارح لاستعمالها في طاعة المشكور وكفها عن معاصيه.

    من فضائل الشكر:
    لقد قرن الله عز وجل الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا، فقال: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [النساء:147]، أي إن وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟.
    وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده، فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام:53]. وقسم الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله، فقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان:3]، وقال تعالى على لسان نبيه سليمان عليه السلام: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40]، وقال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]. فعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره.
    وقد وقف سبحانه كثيرًا من الجزاء على المشيئة كقوله تعالى: (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) [التوبة:28].
    وقال في الإجابة: (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) [الأنعام:41].
    وقال في الرزق: (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:212، وغيرها].
    وقال في التوبة: (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) [التوبة:15].
    وأطلق جزاء الشكر إطلاقًا حيث ذكر كقوله: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)[آل عمران:145]، وقال: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144].

    ولما عرف عدو الله إبليس قدر مقام الشكر، وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:17].
    ووصف سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سـبأ: 13].
    وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى الأرض بالشكر فقال: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء:3].وفي تخصيص نوح هاهنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته إشارة إلى الاقتداء به، فإنه أبوهم الثاني، فإن الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلاً إلا من ذريته كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [الصافات:77]، فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر، فإنه كان عبدًا شكورًا.
    وقد أخبر سبحانه أنما يعبده من شكره، فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172].
    وأخبر أن رضاه في شكره، فقال تعالى: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7].

    وأثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكر نعمه فقال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل:120، 121]. فأخبر عنه سبحانه بأنه أمة، أي قدوة يؤتم به في الخير، وأنه كان قانتًا لله، والقانت هو المطيع المقيم على طاعته، والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه، ثم ختم له هذه الصفات بأنه شاكر لأنعمه، فجعل الشكر غاية خليله.
    وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه، بل هو الغاية التي خلق عبيده لأجلها: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].
    وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا". [رواه البخاري ومسلم].
    وثبت عنه أنه قال لمعاذ: "والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". [رواه أبو داود].
    وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها". فكان هذا الجزاء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)[التوبة:72] في مقابلة شكره بالحمد.
    والشكر قيد النعم وسبب المزيد، كما قال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله". وذكر ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد".

    العلاقة بين الشكر والصبر:
    قال ابن حجر رحمه الله:" الشكر يتضمن الصبر على الطاعة،والصبر عن المعصية،وقال بعض الأئمة: الصبر يستلزم الشكر ولا يتم إلا به،وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر.فمن كان في نعمة ففرضه الشكر والصبر .أما الشكر فواضح وأما الصبر فعن المعصية، ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر ، أما الصبر فواضح وأما الشكر فالقيام بحق الله في تلك البلية ،فإن لله على العبد عبودية في البلاء كما له عليه عبودية في النعماء".

    شكر الجوارح:
    قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ فقال: "إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًّا سترته". قال: فما شكر الأذنين؟ قال: "إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًّا دفعته". قال: فما شكر اليدين؟ قال: "لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًّا لله هو فيهما". قال: ما شكر البطن؟ قال: "أن يكون أسفله طعامًا وأعلاه علمًا". قال: فما شكر الفرج؟ قال: "(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[المعارج:29 - 31]". قال: فما شكر الرِّجلين؟ قال: "إن علمتَ مَيْتًا تغبطه استعملتَ بهما عمله، وإن مَقَتَّهُ رغبتَ عن عمله وأنت شاكر لله، وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فما نفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر".

    من آثار السلف وأقوالهم في الشكر:
    قال الحسن: "أكثروا من ذكر هذه النعم، فإن ذكرها شكر، وقد أمر الله نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:11]، والله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده فإن ذلك شكرها بلسان الحال.
    وكان أبو المغيرة إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: "أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو غني عنَّا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون".
    وقال شريح: "ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم: ألا تكون كانت في دينه، وألا تكون أعظم مما كانت، وأنها لابد كائنة فقد كانت".
    وعن سفيان في قوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)[القلم:44] قال: "يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر". وقال غيره: "كلما أحدثوا ذنبًا أحدث لهم نعمة".

    وكتب بعض العلماء إلى أخٍ له: "أما بعد فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري أيهما نَشكر أجميل ما يَسَّرَ أم قبيح ما سَتَرَ".
    وقال يونس بن عبيد: "قال لرجل لأبي تميمة: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله علي فلا تستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي".
    وقال الحسن: ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان ما أعطي أكثر مما أخذ".
    قال ابن القيم رحمه الله: "قوله: (الْحَمْدُ للهِ) نعمة من نعم الله، والنعمة التي حمد الله عليها أيضًا من نعم الله، وبعض النعم أجل من بعض، فنعمة الشكر أجلّ من نعمة المال والجاه والولد والزوجة ونحوها والله أعلم".
    قال محمود الوراق رحمه الله:
    إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً .. .. ..علي له في مثلها يجب الشكـرُ
    فكيف وقوع الشكر إلا بفضله .. .. ..وإنْ طالت الأيام واتَّصل العمرُ
    إذا مسَّ بالسراء عمَّ سرورُها .. .. ..وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ
    وما منهما إلا له فيـه مـنة .. .. ..تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ
    نسأل الله الكريم بمنه أن يجعلنا من عباده الشاكرين.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 01:21 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ميزان الأخلاق
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد

    قال أحد الحكماء: «ثلاثة لا يُعرَفــون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعـــرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة»(1).

    وهذا صحيح؛ فالشدائد تكشف كوامن الأخلاق، وتسفر عن حقائق النفوس، ولهذا كانت العرب تقول: «السفر ميزان القوم»(2)، لأنَّه يُسفر عن كثير من أخلاقهم وطبائعهم.

    وهكذا فإن الإنسان لا يُعرف عند الاتفاق بل عند الاختلاف، حيث يُسفر الاختلاف عن مدى ورع الإنسان وحلمه، وتحريه والتزامه العدل والانصاف، ونحوها من الآداب التي يجتمع عليها الناس عند الاتفاق، ويتمايزون فيها عند الاختلاف والعمل؛ ولهذا قال الله ـ تعالى ـ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب»(3).

    كما أنَّ الاختلاف يسفر أيضاً عن عقل الإنسان، وسعة أفقه، وعمق بصيرته، ورؤيته الشمولية للمسائل.

    وبيان الحق ـ المختلف فيه ـ وتصحيح المنهج مطلبان يجب التزامهما؛ لكن الرحمة والإحسان خلقان لا ينبغي إغفالهما، وحسن الظن والتماس العذر والاستغفار للمخطئ طرق لا غنى عنها لمريد الحق والعدل والنصيحة والإصلاح.

    وإنَّ من الأدواء الخفية أن الطبائع الجبليَّة كسرعة الغضب وحدَّة المزاج وصلابة الرأي تطغى عند الاختلاف، وتسيطر على مواقف الإنسان، وتريه الأمور بمنظار يختلف عن حجمها الصحيح، ثم يفسرها ـ من حيث يشعر أحياناً، أو من حيث لا يشعر أحياناً أخرى ـ بأنها من الغيرة على الحق والغضب لله تعالى؛ وحقيقة الحال أنه يسير وفق أخلاقه وطبائعه الكامنة المستترة، وينسى أنَّ الغيرة على الحق لا تتنافى مع الحلم والأناة التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الغضب لله لا يعني الجور وتجاوز الحدّ الشرعي في إنكار المنكر. ولهذا كان من الورع والتقى ترويض الطبائع الشخصية بطول المجاهدة لتستقيم مع النصوص الشرعية، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرَعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»(4).

    إنَّ مشروعية الرد على المجتهد المخطئ من أهل العلم والفضل لا تؤسس على الإطلاق لمشروعية الجور عليه وإيذائه وازدرائه، كما إن مشروعية الرد على المجتهد المخطئ لا تؤسس على الإطلاق لمشروعية تفريق الأمة وشرخ وحدتها. وتصحيح خطأ المخطئ لا يعني فضحه وإسقاطه، خاصة إذا تواترت أمانته، وعرفت عدالته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أهل السنة والعلم والإيمان يعرفون الحق، ويتبعون سنة الرسول، ويرحمون الخلق، ويعدلون فيهم، ويعذرون من اجتهد في معرفة الحق فعجز عن معرفته، وإنما يذمون من ذمه الله ورسوله، وهو المفرِّط في طلب الحق لتركه الواجب، والمعتدي المتبع لهواه بلا علم لفعله المحرم، فيذمون من ترك الواجب أو فعل المحرم، ولا يعاقبونه إلا بعد إقامة الحجة عليه، كما قال ـ تعالى ـ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] ، لا سيما في مسائل تنازع فيها العلماء، وخفي العلم فيها على أكثر الناس»(5).

    كثيرون أولئك القادرون على ردِّ خطأ المخطئ، ولكن القادرين على بيان الحق برحمة وإشفاق، القادرين على إعانة المخطئ في العودة عن خطئه قلة قليلة. وروَّاد الأمَّة وأولو النهى فيها هم وحدهم القادرون على إيجاد البيئة العلمية المتزنة، والمناخ الفكري الجاد، الذي يقدر الحوار العلمي، ويحيي أدب الاختلاف، وهم القادرون على إعادة التوازن في الأمَّة بأناتهم وحلمهم، وخاصة عند ظهور فتنة الاختلاف وكثرة الرويبضات؛ فهم ملتزمون ببيان الحق بدليله، وتصحيح الخطأ، ولكنهم في الوقت نفسه حريصون على تماسك الصف وثبات أركانه، يعلمون أنَّ غفلتهم عن أحد هذين الركنين ستكون سبباً للتصدع وفساد ذات البين وذهاب الريح.

    إنَّ فتنة الاختلاف والتدابر من أشد الفتن فتكاً في صفوف الصالحين، وبظهور الفتنة يكثر الجدل، والقيل والقال، ويصبح مطية كثير من الناس: زعموا. وعند بداية الفتنة يكون الشيطان عشيراً لبعض ذوي العجلة يؤزهم إلى تأجيجها، وإشعال لهيبها، وإنَّ من السوقة وذوي النفوس الضعيفة من إذا سمع هَيْعَةً إلى نزاع طار بها فرحاً، وراح يتتبع مظان الخلاف والتهارش، ولا تسمع منه إلا هدير المشاكسة والمجادلة، يدافع الناس بكتفيه ويباريهم بصوته وصخبه، وربما تدثر بدثار الغيرة والدفاع عن الحق كما تقدم..!!

    وباشتداد فتنة الاختلاف يكثر التنازع، ويظهر التفرق، وتفتح أوراق الماضي، وتستدعى كوامن النفس وحظوظها، وتفسر الاجتهادات بمنظار التهمة والريبة، حتى ترتفع راية الفشل التي سمى الله في كتابه(6)، نسأل الله السلامة! وقد يصل بعضهم عند اختلافهم مع إخوانهم إلى ما وصل إليه ذلك الرجل الأزدي الذي رمى بنفسه في الماء يريد إنقاذ غريق استنجد به، فما زال يسبح حتى أصبح قريباً منه، ثم قال له: ممَّن الرجل؟ فقال له: من بني تميم! فقال الأزدي: امض راشداً.. فو الله ما تأخرت عنه ذراعاً حتى غرق! ووالله لو كانت معي لبنة لضربت بها رأسه!!(7).

    إنَّ روَّاد الأمة يقفون على أرض راسخة من البصيرة والورع لا يستفزهم الجدل، ولا تثيرهم أهواء الناس، بل تراهم يأخذون بحظ وافر من النصيحة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وليس كل أحد يستطيع أن يبصر مآلات الأمور، وليس كل مبصر لها قادر على درئها. وإنَّ الرجل المبارك ليرى المرجل يغلي بين الصفوف، فيعينه ربه ـ عز وجل ـ على امتصاص الفتنة وإطفاء لهيبها، بما آتاه الله من الهدى والحكمة والأفق الواسع؛ فهو يتجاوز ظواهر الأعراض وينفذ إلى بواطنها، وينطلق من سطحية الأسباب إلى جوهرها، وصدق الإمام ابن القيم: «نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب، فيتلمح البصير في ذلك عواقب الأمور»(8)، ولئن كان بيان الحق واجباً والسكوت عن الخطأ منكراً، فإن الناصح المشفق من أهل العلم والتقى يستصحب بقية المصالح، ويدرأ ما أمكن من المفاسد، وينظر بعين المصلح الذي يرعى المقاصد الشرعية المأمور بها جميعها، فيقدم أولاها وأقربها لمراد الله ـ عزَّ وجل ـ ومرضاته.

    ولهذا كان الأئمة يتركون بعض الرأي والعمل الاجتهادي رغبة في اجتماع الكلمة ودرءاً للفتنة(9)، اهتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال في تفسير ذلك لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: «لولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجَدْرَ في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض»(10).

    إن أبناء الصحوة الإسلامية بحاجة ماسة إلى التربية الإيمانية التي تهذب النفوس وتقودها إلى الاتزان البصير في اجتهاداتها، والاعتدال الراشد في مواقفها وردود أفعالها، وغياب هذه التربية سيجعلنا عرضة لمزيد من التمزق والتشتت، أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن...!!

    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) عيون الأخبار، (3/95).

    (2) المرجع السابق، (1/218).

    (3) أخرجه: أحمد (30/265)، والنسائي في كتاب السهو (3/54، 55)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/411)، والأرناؤوط في تحقيق المسند.

    (4) أخرجه: البخاري في كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب (10/518)، ومسلم في كتاب البر، باب فضل من يملك نفسه (4/2014).

    (5) مجموع الفتاوى، (27/238).

    (6) قال الله ـ تعالى ـ: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] .

    (7) عيون الأخبار.

    (8) الفوائد، (ص 49).

    (9) انظر: خلاف الأمة في العبادات ومذهب أهل السنة والجماعة، لابن تيمية، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (3/115 ـ 117)، وقاعدة في توحد الملة وتعدد الشرائع لابن تيمية، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، (3/140 ـ 142).

    (10) أخرجه: البخاري في كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، (1586)، ومسلم في كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، (1333).
    البيان 177
                  

09-28-2015, 01:23 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الورع
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ، له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد:
    فالورع مصطلح من منا لم يسمع عنه؟ ومن منا لم يطرق سمعه؟ إن من يقرأ في سير السلف أو يستمع إلى وصاياهم أو يدرس سيرهم لا بد أن تتكرر هذه الكلمة على سمعه كثيراً، ويرى وهو يقرأ أنه يتحدث عن قضية تاريخية أصبح بيننا وبينها حجراً محجوراً، وحين نقرأ سير السلف وأخبارهم في الورع والزهد والرقائق فإننا قد نحكم على تلك الروايات بالضعف والبطلان، وتارة نتهم من روي عنهم بالمبالغة والتشدد، وأخرى نتهم الراوي بالغلط والخطأ، وقد يكون شيء من ذلك صحيحاً، لكننا نادراً ما نتهم أنفسنا وأنها لم تَرْقُ إلى إدراك هذه المعاني، وأن قلوبنا لم تَصْفُ لترى أن ما عليه أولئك هو الخوف من الله سبحانه وتعالى، وأن ما عليه أولئك هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف السابقين.

    ولقد قدمت رِجْلاً وأخرت أخرى وأنا أريد الحديث حول هذا الموضوع، حتى إني وأنا أعد له وأقرأ عزمت ألا أتحدث عن هذا الموضوع، ليس تقليلاً من شأنه وأهميته، لكن شعورا بأنه ينبغي ألاَّ يتحدث عن الورع إلاَّ أهل الورع، وينبغي ألاَّ يتحدث عن الصدق إلا الصادقون الخائفون المخبتون، والمتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، لكن عزائي أن أقول لكم اسمعوا مقالي وإياكم وحالي، فالقضية أقوال وشذرات من سير سلف الأمة نسعى إلى ربطها بواقعنا، ونقولها لإخواننا ونحن جميعاً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الورعين المتقين الصالحين، وإن لم ترق أنفسنا إلى منازلهم فلنتشبه بهم؛ فإن من تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه بالكرام فلاح.
    الورع معشر الإخوة الكرام مصطلح نبوي شرعي؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه البيهقي - في وصيته لأبي هريرة رضي الله عنه:"كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً، وأَقِلّ الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب".
    وروى البزار والحاكم والطبراني في الأوسط من حديث حذيفة رضي الله عنه، ورواه الحاكم أيضاً من حديث سعد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة وخير دينكم الورع".
    ففي هذه النصوص الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أطلق صلى الله عليه وسلم فيها هذا اللفظ وهذا المصطلح، فهو إذن مصطلح شرعي نبوي، وإن كان ليس من شروط هذه المصطلحات أن ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما دام المصطلح لا يعارض النصوص الشرعية فلا مشاحة في الاصطلاح.

    أما الأدلة له على معنى الورع دون لفظه فهي أدلة كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث العظيم الجامع الذي جعله جمعٌ من أهل العلم أحد الدعائم التي يقوم عليها الإسلام، وهو حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"إن الحلال بيّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه" والحديث مشهور في كتب السنة بروايات عدة، ويحفظه الصغير والكبير، وهو قاعدة في التورع مما يشتبه منه، مع أن معنى الورع -كما سيأتي- يأخذ مدى أكبر من هذا المدى ودائرة أوسع من هذه الدائرة، والتورع عن المشتبهات والبعد عنها ليس إلا باباً من أبواب الورع.

    ومن الأدلة في هذا المعنى حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البر حسن الخلق، والإثم ما حاك صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه.
    وحين جاء وابصة بن معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم : "جئت تسأل عن البر" ، فقال: نعم ، قال له صلى الله عليه وسلم:"استفت قلبك؛ البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك" رواه أحمد والدارمي، وله شاهد عند الإمام أحمد من حديث ثعلبة، وهذا الحديث فيه إيماء وإشارة إلى تلك الحساسية المرهفة التي يملكها عباد الله الصالحون؛ فصارت نفوسهم تطمئن إلى البر وترتاح إليه، وصارت نفوسهم تأنف من المعصية وإن أفتاها الناس وأفتوها، ولا شك أن هذا الحديث مع ما فيه من الدلالة على الأمر بالتورع مما حاك في الصدر وإتيان ما اطمأنت إليه النفس، فهو إشارة إلى حال الصالحين وحال قلوبهم التي ترى بنور الله سبحانه وتعالى؛ فتطمئن هذه القلوب للبر والهدى والتقى والصلاح، وتشعر باشمئزاز ونفور وتردد من الإثم وأسبابه، ولو أفتاها الناس، وهذا المقياس في مسألة البر والإثم ليس إلا لعباد الله الصادقين، بل لعله أن يكون أمارة نختبر بها قلوبنا؛ فإن كانت تطمئن للبر والصلاح والتقوى وتشمئز من المعصية والسيئة وتنفر منها فهي قلوب صالحة بإذن الله، وإن كانت دون ذلك فهي بحاجة إلى تزكية وإصلاح.
    وهو ليس خطاباً للمعرضين الذين علا الران على قلوبهم، فأصبحت نفوسهم مأسورة بهواها وشهواتها، فقلبه ونفسه إنما تطمئن لمعصية الله سبحانه وتعالى وإيذاء عباده المؤمنين المتقنين، بل كم من الناس انقلبت الموازين لديه فأصبحت السيئة حسنة والحسنة سيئة.
    إذن فهذا المقياس إنما هو لأولئك الصالحين الذين توجهت قلوبهم لله سبحانه وتعالى فأصبح القلب لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله سبحانه وتعالى، ولا يتوجه إلا لله، وقبلته إلى الله عز وجل لا يفارقها؛ فكما أنه يستقبل القبلة في صلاته ويقف بين يدي الله عز وجل كل يوم خمس مرات فقلبه إنما قبلته لله لا يمكن أبداً أن يستقر في قلبه محبة غير الله أو التوجه له، أو أن يكون فيه إرادة تخالف أمر الله سبحانه وتعالى وشرعه، لهذا ارتقت هذه النفوس إلى هذا القدر ؟فصارت تطمئن للبر وتشمئز من الإثم؛ فمنحها الله عز وجل هذا النور وهذا الفرقان وفي آية أخرى( يا أيها الذين آمنوا إن تتقو الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويجعل لكم نورا تمشون به...)
    قواعد في الورع
    القاعدة الأولى: الورع منه واجب ومنه مستحب:

    كثير من الناس حينما يطلق مصطلح الورع ينصرف ذهنه إلى دقائق الورع، والبعد عن المشتبهات؛ فيرى أن الورع ليس ضمن دائرة الواجبات إنما هو مقام للخاصة والصالحين، وليس واجباً على أحاد الناس.
    قال شيخ الإسلام:" فأما الورع المشروع المستحب الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فهو اتقاء ما يخاف أن يكون سبباً للذم والعذاب عند عدم المعارض الراجح، ويدخل في ذلك أداء الواجبات والمشتبهات التي تشبه الواجب، وترك المحرمات والمشتبهات التي تشبه الحرام، وإن أدخلت فيه المكروهات قلت: يخاف أن تكون سبباً للنقص والعذاب، وأما الورع الواجب فهو اتقاء ما يكون سبباً للذم والعذاب، وهو فعل الواجب وترك المحرم، والفرق بينهما (أي بين الورع الواجب والمستحب) فيما اشتبه أمِن الواجب أم ليس منه؟ وما اشتبه تحريمه أمن المحرم أم ليس منه" ؟

    القاعدة الثانية: أن ما لا ريب في حله ليس فيه ورع بل الورع فيه من التنطع:
    قال رحمه الله:"وأمَّا ما لاريب في حله فليس تركه من الورع، وما لا ريب في سقوطه فليس فعله من الورع".

    القاعدةالثالثة- الورع يكون في الفعل كما هو في الترك:
    وذلك أن البعض من الناس يعتقد أن الورع يكون في الترك فقط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"لكن يقع الغلط في الورع من ثلاث جهات: أحدها اعتقاد كثير من الناس أنه من باب الترك فلا يرون الورع إلا في ترك الحرام لا في أداء الواجب، وهذا يُبتلى به كثيرٌ من المتدنيين المتورعة ، ترى أحدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة وعن الدرهم فيه شبهة لكونه من مال ظالم أو معاملة فاسدة، ويتورع عن الركون إلى الظلمة من أجل البدع في الدين وذوي الفجور في الدنيا، ومع هذا يترك أموراً واجبة عليه إما عيناً وإما كفاية وقد تعيَّنت عليه من صلة رحم وحق جار ومسكين وصاحب ويتيم وابن سبيل وحق مسلم وذي سلطان وذي علم، وعن أمر بمعروف ونهي عن منكر وعن الجهاد في سبيل الله إلى غير ذلك مما فيه نفع للخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه، أو يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى بل من جهة التكليف ونحو ذلك".
    القاعدة الرابعة: أن الورع إنما هو بأدلة الكتاب والسنة:
    قال رحمه الله:"الجهة الثانية من الاعتقاد الفاسد: أنه إذا فعل الواجب والمشتبه وترك المحرم والمشتبه، فينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب والسنة وبالعلم لا بالهوى، وإلا فكثير من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادة ونحوها، فيكون ذلك مما يقوي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس …) ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لما ترخص في أشياء فبلغه أن أقواما يتنزهون عنها. فقال: ما بال أقوام يتنزهون عن أشياء أترخص فيها؟ والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله وأخشاهم، وفي رواية أخشاهم وأعلمهم بحدودهم له وكذلك حديث صاحب القُبلة، ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلاَّ فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم".

    القاعدةالخامسة: الورع لا يكون إلا بالإخلاص:
    قد تأتي الإنسان اعتبارات تدفع إلى الورع، فقد يكون له مقام واعتبار ويرى أنه مما ينبغي أن لا يليق بأمثاله أمام الناس، فيكون دافعه إلى ذلك مُراءاة الناس، وقد يكون دافعه حظ النفس أو هوى النفس، أو غيرها من الأمور؛ فالورع مثل سائر الأعمال الصالحة التي يتقرب فيها الإنسان إلى الله عز وجل لابد فيها من الإخلاص، قال شيخ الإسلام:"واعلم أن الورع لا ينفع صاحبه ويكون ثواب إلا بفعل المأمور به من الإخلاص".

    القاعدة السادسة: التدقيق في مسائل الورع للخاصة وليس لآحاد الناس:
    قال الحافظ ابن رجب: "وههنا أمرٌ ينبغي التفطن له وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه فإنه لا يحتمل له ذلك، بل ينكر عليه وهذا حال بعض المتكلفين المرائين يسلك هذا المسلك كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق : يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"هما ريحانتاي في الدنيا"…. ونقل بعض النقول عن بعض السلف هي أمثلة عن هذا النوع من ذلك ،ثم قال :وسأل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها، فقال: إن كان بر أمه في كل شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فيفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها فلا يفعل، وسُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري بقلاً ويشترط الخوصة -يعني التي يربط بها جزرة النقل- فقال أحمد :إيش هذه المسائل، قيل له إنه: إبراهيم بن أبي نعيم، قال: إن كان إبراهيم بن أبي نعيم فنعم، هذا يشبه ذلك، وإنما أنكر أحمد هذه المسائل ممن لا يشبه حاله وأما أهل التدقيق في الورع فيشبه حالهم هذا، وقد كان الإمام أحمد نفسه يستعمل في نفسه هذا الورع فإنه أمر من يشتري له سمنا فجاء به على ورقة فأمر برد الورقة إلى البائع، وكان أحمد لا يستمد من محابر أصحابه وإنما يخرج منه محبرة يستمد منها، واستأذنه رجل أن يكتب من محبرته فقال:اكتب فهذا ورع مظلم، واستأذنه آخر في ذلك فتبسم وقال: لم يبلغ ورعي ولا ورعك هذا، وهذا قاله على وجه التواضع، وإلاَّ فهو كان في نفسه يستعمل هذا الورع، وكان ينكره على من لم يصل إلى هذا المقام بل يتسامح في المكروهات الظاهرة ويقدم على الشبهات من غير توقف".

    وهذا الأمر مهم أن نعيه ونحن نقرأ ، ووردت بعض الروايات عن السلف في ورعهم حتى لا نقع في هذا الغلط الذي له آثار سلبية على نفوسنا؛ فنحن أحوج ما نكون إلى الورع الواجب، وأحوج ما نكون إلى اجتناب المحرمات الظاهرة الواضحة، وأحوج ما نكون إلى إصلاح قلوبنا، فإذا انشغلنا بهذه الدقائق تركت آثاراً على أنفسنا، منها أن تشعر أنفسنا بالزهو واحتقار الآخرين وأن الناس لا يتورعون، ومنها أن تنشغل النفس عما هي أولى به من إصلاح القلب والورع الواجب.
    الشيخ محمد الدويش
                  

09-28-2015, 01:24 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من وسائل اكتساب الأخلاق: الأسوة الحسنة
    الإنسان بطبعه يميل إلى التقليد، وهذا أمر واقعٌ مشاهد في دنيا الناس، فإذا نظرت إلى كثير من الكافرين وجدت أن كفرهم كان تقليداً لآبائهم وكبرائهم: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) [البقرة:170] وقالوا: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون). [الزخرف:22].

    وليس المقصود الحديث عن الكافرين، إنما المقصود أن نبرهن على أن الإنسان بطبعه يميل إلى التقليد.
    وعلى هذا فإن المسلم إذا أُبرزت أمامه القدوات الطيبة والنماذج الراقية فإنه يسارع إلى تقليدها والتأسي بها.
    إن المسلم مطالب بالتأسي بالنماذج الطيبة المرضية عند الله تعالى، وقد وجدنا القرآن يقول للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تحدث عن بعض الأنبياء والمرسلين:(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ...) الآية.

    وهذه القدوة الصالحة لها تأثير عجيب في اكتساب الفضائل لأسباب متعددة.. منها:

    1) كون هذه القدوة محل تقدير وإعجاب كبير من الناس، مما يولد في الفرد المحروم من أسباب هذا المجد حوافز قوية تدفعه إلى تقليد هذه القدوة الصالحة ومحاكاتها في أخلاقها وسلوكها، مما يحولها مع الوقت إلى خلق مكتسب.

    2) وجود القدوات الصالحة والنماذج الحسنة يعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل أمر ممكن فيدفع إلى محاولة التخلق بمثل أخلاقه.

    3) أن النفس البشرية تتأثر بالأمور العملية أكثر بكثير من تأثرها بالأمور النظرية ؛ولهذا وجدنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها تشير على النبي أن يبدأ بحلق رأسه بعد صلح الحديبية في وقت امتنع فيه كثير من المسلمين عن الحلق فلما رأوا رسول الله حلق تسابقوا إلى الحلق تأسيا به صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أيضا أثر عن بعض السلف قوله:إن فعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل.
    ولأن للقدوة الصالحة تأثيراً عجيباً في اكتساب الفضائل وجدنا القرآن الكريم يوجه إلى التأسي بخير الخلق وأحسنهم خلقاً: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب:21].
    فهو خير قدوة يقتدي بها الأفراد العاديون، والأفراد الطامحون لبلوغ الكمال الإنساني في السلوك.

    ولئن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه فإن الله قد حفظ لنا سنته، وبقيت سيرته خالدة شاهدة على سمو روحه وكمال نفسه ورفعة أخلاقه ، فما على من أراد التأسي به إلا مطالعتها والعمل بما كان عليه صلى الله عليه وسلم.
    وإذا نظرنا إلى ذلك الجيل الفريد الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم لوجدناه أفضل قدوة للمجتمع المسلم على مر العصور. بل لا يكاد يخلو عصرٌ من العصور من فئة مؤمنة صالحة تمثل القدوة الحسنة لمن أراد التأسي بها.
    قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" [البخاري ومسلم].

    ومما ينبغي على المصلحين والدعاة المربين : أن يبرزوا هذه النماذج الصالحة ليتأسى بها الشباب والناس كافة في وقت يراد لنا أن يكون الأسوة فينا هو اللاعب والفنان والراقصة.
    فقد أجرت إحدى الجامعات في بعض الدول الإسلامية استبيانا بين مجموعة من الشباب والفتيات وكان السؤال :ماذا تريد أن تكون؟
    والمذهل أن نسبة كبيرة أجابوا بأنهم يريدون أن يكونوا ممثلين أو لاعبي كرة، مما دفع الباحثين إلى التساؤل: فمن يكون الطبيب والمهندس والمحامي...إلخ ؟!!.

    ومرد ذلك _من وجهة نظرنا _ إلى تعمد إبراز هذه النماذج على أنها نجوم المجتمع إضافة إلى الحياة المادية الطاغية التي تصطبغ بها كثير من المجتمعات ، كما إن من أهم أسباب هذه الظاهرة الجهل ، الجهل بتعاليم الدين والجهل بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ،وسيرة الصحابة والعلماء والمصلحين.

    ولذلك فإننا حين ننادي بالعودة إلى مثل ما كان عليه السلف الصالح فإننا لا ندعو إلى العودة إلى حياة الناقة والجمل كما يظن بعض الجهال والمغرضين ، إننا إنما ندعو للعودة إلى مثل ما كانوا عليه في المعتقد والعمل والأخلاق والقيم حتى تسود الفضيلة وتتلاشى الرذيلة ويسعد الناس بمجتمعات فاضلة.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 10:55 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله.. ..إلا جهولٌ ملـيءُ النفس بالعلل
    مالي وللحقد يُشقيني وأحمله.. ..إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟!
    سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي.. ..ومركب المجد أحلى لي من الزلل
    إن نمتُ نمتُ قرير العين ناعمـها.. .. وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
    وأمتطي لمراقي المجد مركبــتي.. ..لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
    مُبرَّأ القلب من حقد يبطئـــني.. .. .أما الحقود ففي بؤس وفي خطــل

    إن الحقد حمل ثقيل يُتعب حامله؛ إذ تشقى به نفسه، ويفسد به فكره، وينشغل به باله، ويكثر به همه وغمه. ومن عجبٍ أن الجاهل الأحمق يظل يحمل هذا الحمل الخبيث حتى يشفي حقده بالانتقام ممن حقد عليه.
    إن الحقد في نفوس الحاقدين يأكل كثيراً من فضائل هذه النفوس فيربو على حسابها.

    معنى الحقد:
    إذا نظرنا إلى الحقد وجدناه يتألف من: بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه.فالحقد إذاً هو إضمار العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتفام ممن حقد عليه.
    لقد امتدح الله المؤمنين الذين صفت نفوسهم وطهرت قلوبهم فلم تحمل حقدًا على أحد من المؤمنين: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:8- 11].
    وقد تضعف النفس أحيانًا فتبغض أو تكره لكن لا تستقر هذه البغضاء في نفوس المؤمنين حتى تصير حقداً، بل إنها تكون عابرة سبيل سرعان ما تزول؛ إذ إن المؤمن يرتبط مع المؤمنين برباط الأخوة الإيمانية الوثيق ؛فتتدفق عاطفته نحو إخوانه المؤمنين بالمحبة والرحمة، فهل يتصور بعد هذا أن يجد الغل والحقد إلى قلبه سبيلاً؟

    حكم الحقد:
    لقد عد بعض العلماء الحقد من كبائر الباطن التي ينبغي على المؤمن أن يتنزه عنها، وأن يتوب إلى الله منها.

    علاج الحقد:
    أما علاج الحقد فيكمُنُ أولاً في القضاء على سببه الأصلي وهو الغضب، فإذا حدث ذلك الغضب ولم تتمكن من قمعه بالحلم وتذكُّر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما، فإن الشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا، وعليه أن يحذِّر نفسه عاقبة الانتقام، وأن يعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته، وأنه سبحانه بيده الأمر والنهي لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، هذا من ناحية العلم، أما من حيث العمل فإن من أصابه داء الحقد فإن عليه أن يكلف نفسه أن يصنع بالمحقود عليه ضد ما اقتضاه حقدُهُ فيبدل الذمَّ مدحاً، والتكبُّر تواضعاً، وعليه أن يضع نفسه في مكانه ويتذكر أنه يحب أن يُعامل بالرفق والوُدِّ فيعامله كذلك.
    إن العلاج الأنجع لهذا الداء يستلزمُ أيضًا من المحقود عليه إن كان عادياً على غيره أن يُقلع عن غيِّه ويصلح سيرته، وأن يعلم أنه لن يستلَّ الحقد من قلب خصمه إلا إذا عاد عليه بما يُطمئنه ويرضيه، وعليه أن يُصلح من شأنه ويطيب خاطرَهُ، وعلى الطَّرف الآخر أن يلين ويسمح ويتقبل العُذر، وبهذا تموتُ الأحقادُ وتحلُّ المحبةُ والأُلفة.

    من مضارِّ الحقد:
    قال بعض العلماء:[.. إن فساد القلب بالضغائن داءٌ عُضالٌ، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائلُ من الإناء المثلوم.
    إن الشيطان ربما عجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنمٍ، ولكنه -وهو الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك- لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه، حتى يجهل حقوقه أشد مما يجهلها الوثني المخرّف، وهو يحتال لذلك بإيقاد نار العداوة في القلوب، فإذا اشتعلت استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضرَ الناس ومستقبلهم، وتلتهم علائقهم وفضائلهم، ذلك أن الشر إذا تمكن من الأفئدة (الحاقدة) تنافر ودها وارتد الناس إلى حالٍ من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.

    إن الحقد المصدرُ الدفين لكثير من الرذائل التي رهَّب منها الإسلام، فالافتراء على الأبرياء جريمة يدفع إليها الكره الشديد (الحقد) وقد عدها الإسلام من أقبح الزور، أما الغيبة فهي متنفَّسُ حقدٍ مكظوم، وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظن وتتبع العوارت، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم، أو خصائصهم البدنية أو النفسية، وقد كره الإسلام ذلك كله كراهيةً شديدةً.

    إن جمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما تمنوه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكفٌّ أخرى، وهذه هي الطامة التي لا تدع لهم قرارًا، وهم بذلك يكونون خلفاء إبليس - الذي رأى أن الحظوة التي كان يتشهَّاها قد ذهبت إلى آدم - فآلى ألا يترك أحداً يستمتع بها بعدما حُرمها، وهذا الغليان الشيطاني هو الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم، كليلي اليد، وكان الأجدر بهم أن يتحولوا إلى ربهم يسألونه من فضله، وأن يجتهدوا حتى ينالوا ما ناله غيرهم، إذ خزائنه سبحانه ليست حِكراً على أحد، والتطلع إلى فضل الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب هي العمل الوحيد المشروع عندما يرى أحدٌ فضل الله ينزلُ بشخصٍ معين، وشتان ما بين الحسد والغبطة أو بين الطموح والحقد.

    سلامة الصدر..طريق إلى الجنة:
    لقد وصف الله أهل الجنة وأصحاب النعيم المقيم في الآخرة بأنهم مبرئون من كل حقد وغل، وإذا حدث وأصابهم شيءٌ منها في الدنيا فإنهم يُطهرون منها عند دخولهم الجنة: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) [الأعراف:43]. ولهذا رأينا مَن يُبَشَّرُ بالجنة من بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لسلامة صدره، ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علَّق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمتُ أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعارَّ تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل، وكبر حتى لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر علمه قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجرةٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجدُ في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا ولا أحسدُ أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك".

    فيا أخي الحبيب طالع هذه الكلمات المباركات التي سطرها بعض العلماء:
    ليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب، مُبرَّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمةً تنساق لأحدٍ رضيَ بها، وأحسَّ فضل الله فيها، وفقرَ عبادهِ إليها، وإذا رأى أذى يلحق أحداً من خلق الله رَثَى له، ورجا الله أن يفرج ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضياً عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 10:57 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من وسائل اكتساب الأخلاق:الصحبة الصالحة
    الطبع يسرق من الطبع، والإنسان ابن بيئته، حقائق لا مراء فيها؛ إذ من طبيعة الإنسان أن يتأثر بالوسط المحيط به والجماعة التي يتعايش معها.
    إن الفرد حين ينخرط في سلك مجموعة من مجموعات البشر يجد نفسه مدفوعاً لالتزام طريقتها، واستحسان ما تستحسنه الجماعة، واستقباح ما تستقبحه، وبذلك يكتسب الفرد - ولو لم يشعر - أخلاق الجماعة التي ينتسب إليها وينخرط فيها.
    إن البيئة التي يعيش الإنسان فيها تؤثر فيه ولا شك، فإذا وُضع بخيل بين كرماء مدة طويلة من الزمن خف عنده البخل وتعود على بعض مظاهر الكرم، وإذا وُضع جبان بين شجعان اكتسب منهم قسطاً من الشجاعة، وبذلك تخف عنده نسبة الجبن.
    وكذلك البيئات المنحرفة تؤدي دوراً عظيماً وكبيرًا في اكتساب أفرادها الرذائل ومساوئ الأخلاق، ومما يؤسف له أن تُستغل هذه الوسيلة من قبل المغرضين والمفسدين لإضلال الشباب والفتيات وغوايتهم وتنشئتهم على مفاهيم وقيم مخالفة لتعاليم وقيم الإسلام.
    ومن أجل التأثير العظيم للبيئة في نفوس أبنائها وجدنا الإسلام يحث المسلمين على اختيار الصحبة الصالحة، ويحذرهم من صحبة السوء.
    قال صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" [رواه البخاري].
    وقال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف:28].
    وقال صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" [حسن، صحيح أبي داود].
    فيا ابن الإسلام، ويا مريد الخير، ويا سلالة الصالحين:
    أنت في الناس تقـاس بالذي اختـرت خليـلاً
    فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكــراً جميــلا
    ولا تصاحب الفساق والفاسدين فتكون مثلهم:
    ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي
    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:لاتصاحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله.
    وأختم هذه المقالة بكلام الغزالي رحمه الله إذ يقول: (أما الفاسق المصر على فسقه فلا فائدة في صحبته، بل مشاهدته تهون أمر المعصية على النفس، وتبطل نفرة القلب عنها، ولأن من لا يخاف الله لا تؤمن غوائله، ولا يوثق بصداقته، بل يتغير بتغير الأغراض).
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 10:59 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من وسائل اكتساب الأخلاق : التدريب العملي
    مما لا شك فيه أن الأخلاق منها ما هو فطري، ومنها ما هو مكتسب،فما من إنسان عاقل إلا لديه قدرة على اكتساب مقدار ما من الفضائل،وفي حدود هذا المقدار الذي يستطيعه يكون تكليفه، وتكون مسؤوليته، ثم في حدود هذا المقدار تكون محاسبته ومجازاته.
    وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر.
    والجواب: أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، وكيف ينكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأكل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد، إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستصعبة.

    وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، وأما قمعها بالكلية فلا، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة، ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه، وقد قال الله تعالى : {أشداء على الكفار} [الفتح: 29] ولا تصدر الشدة إلا عن الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقال تعالى :{والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] ولم يقل : الفاقدين الغيظ. وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والتقلل: قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [ الأعراف: 31].

    وإذا تقرر أن بعض الأخلاق تكتسب فإننا نستعرض هنا بعض الوسائل المفيدة لاكتساب الأخلاق الفاضلة، والمعاني السامية، ومن هذه الوسائل:

    الوسيلة الأولى: التدريب العملي:
    إن مثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية والغذاء، كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.وكما أن البدن إذا كان صحيحاً، فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة، وإن كان مريضاً، فشأنه جلب الصحة إليه، كذلك النفس إذا كانت زكية طاهرة مهذبة الخلاق، فينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيد القوة إليها، وإن كانت عديمة الكمال، فينبغي أن يسعى بجلب ذلك إليها.وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة وإن كانت من البرودة فبالحرارة، فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب، علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى.وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لابد من احتمال المجاهدة،والصبر على رياضة النفس حتى يحصل لها الكمال المنشود.
    فإذا أراد الإنسان أن يكتسب خلقًا ما فإن بإمكانه أن يدرب نفسه عليه، ولو اقتضى الأمر التكلف في البداية ثم بمرور الوقت يصبح هذا الخلق عادة للشخص.

    إن لدى النفس البشرية استعدادًا لاكتساب الخلق عن طريق التعود والتدريب: "إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم".
    وقد روى البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيءٍ بيده: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر".
    واعتماداً على هذا الاستعداد الفطري في النفوس لاكتساب الفضائل وردت الأوامر الشرعية بالتحلي بفضائل الأخلاق ومحاسنها، وورد النهي عن مساوئ الأخلاق ورذائلها.

    ولنضرب مثالاً لاكتساب خلق عن طريق الرياضة والتدريب:
    إذا رأى الإنسان من نفسه أنه كثير الكلام وأراد أن يكتسب فضيلة الصمت فليتعمد ألا يتكلم، إلا إذا طُلب منه الكلام، فإذا لم يُطلب منه سكت، وإذا طُلب منه تكلم بكلام قليل، قد يكون الأمر شاقًا في البدايات لكنه بمرور الوقت يصبح شيئاً هيناً ويصير عادة لصاحبه.
    وهكذا جميع الأخلاق التي يمكن اكتسابها بالتدريب العملي يضع الواحد لنفسه منهجاً يعتمد على الوقت بحيث يبدأ في وقت معين بالتدريب على اكتساب فضيلة معينة، فإن رأى أنه قد تعود عليها واكتسبها انتقل إلى غيرها.
    إننا نرى الرياضيين - مثلاً - يبدأون تدريباتهم بجرعات قليلة تتصاعد مع الوقت، وفي نهاية مدة معينة يكون قد وصل الواحد منهم إلى المستوى المطلوب من اللياقة البدنية، وهكذا الجنود وغيرهم.

    والأخلاق كذلك تكتسب وتنمو بالتدريب العملي، وبمرور الوقت، فأسرع الناس استجابة لانفعالات الغضب يستطيع عن طريق التدريب أن يكتسب مقدارا ما من خلق الحلم. والمفطور على نسبة كبيرة من الجبن يستطيع عن طريق التدريب والتمرين والإرادة والتصميم أن يكتسب مقدارا ما من الشجاعة ..وهكذا.
    وإذا كان واقع الأمر كما أسلفنا فليضع كلٌّ منا لنفسه هدفاً وبرنامجاً أخلاقيًّا يصبو إلى تحقيقه والوصول إليه، وليستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".وقوله:
    "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا".
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:00 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن من مبادىْ الإسلام الاجتماعية الأولى تشبيك جماعات المسلمين في وحدة جسدية جماعية عامة. وأولى الناس بذلك الأقربون رحما ، فلهم حق أخوة الإسلام ، ولهم حق قرابة الرحم.
    وإن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ، حتى أصبح من الأمور المعتادة قي بعض المجتمعات أن نسمع أن أحد الوالدين اضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ، هذا الذي كان سبب وجوده .
    ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية .

    معنى قطيعة الرحم:
    إن قطيعة الأرحام تكون بهجرهم ، والإعراض عن الزيارة المستطاعة ، وعدم مشاركتهم في مسراتهم، وعدم مواساتهم في أحزانهم، كما تكون بنفضيل غيرهم عليهم في الصلات والعطاءات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم.
    عقوبة قاطع الرحم:
    قاطع الرحم ملعون في كتاب الله :
    قال الله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . سورة محمد:32-33 .
    قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن .
    واثنتان من هذه المواطن الثلاث هي قوله تعالى:
    (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23,22)

    (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25)
    أما الموطن الثالث فلم نقف عليه صريحا ولعله يقصد قوله تعالى:
    (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27) .والله أعلم.
    قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين :
    قال الله تعالى: ( وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) البقرة:26-27.
    فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
    قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ، ولعذاب الأخرة أشد وأبقى :
    فعن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ] . رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه .
    وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك ] . رواه البخاري.
    وما أسوأ حال من يقطعه الله .. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله ؟

    الحرمان من الجنة:
    ومن أعظم العقوبات التي يعاقب بها قاطع الرحم أن يحرم من دخول الجنة ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة قاطع". رواه البخاري ومسلم.
    فنعوذ بالله من سيىء العمل ، ومزالق الزلل ، وكبائر الإثم ، وسوء المصير.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:02 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مما لاشك فيه أن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان هي زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما إن الكذب أساس النفاق ،فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر.

    الصدق في الظاهر والباطن :
    الصدق بمعناه الضيق مطابقة منطوق اللسان للحقيقة ، وبمعناه الأعم مطابقة الظاهر للباطن ، فالصادق مع الله ومع الناس ظاهره كباطنه ، ولذلك ذُكر المنافق في الصورة المقابلة للصادق ، قال تعالى : (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ)الآية (الأحزاب/24) .

    لا صدق إلا بإخلاص :
    والصدق التزام بالعهد ، كقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)(الأحزاب/23) ، والصدق نفسه بجميع معانيه يحتاج إلى إخلاص لله عز وجل ، وعمل بميثاق الله في عنق كل مسلم ، قال تعالى : (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ )(الأحزاب/7 ، 8) ، فإذا كان أهل الصدق سيُسألون ، فيكف يكون السؤال والحساب لأهل الكذب والنفاق ؟
    والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها ، يقول الحارث المحاسبي : " واعلم - رحمك الله - أن الصدق والإخلاص : أصل كل حال ، فمن الصدق يتشعب الصبر ، والقناعة ، والزهد ، والرضا ، والأنس ، وعن الإخلاص يتشعب اليقين ، والخوف ، والمحبة ، والإجلال والحياء ، والتعظيم ، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به : صدق القلب بالإيمان تحقيقـًا ، وصدق النية في الأعمال ، وصدق اللفظ في الكلام " .

    الصدق مرتبط بالإيمان :
    ولما للصدق من رابطة قوية بالإيمان ، فقد جوّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقع من المؤمن ما لا يُحمد من الصفات ، غير أنه نفى أن يكون المؤمن مظنه الوقوع في الكذب ؛ لاستبعاد ذلك منه ، وقد سأل الصحابة فقالوا: (يا رسول الله أيكون المؤمن جبانـًا ؟ قال : " نعم " ، فقيل له : أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم ، قيل له : أيكون المؤمن كذَّابـًا ؟ قال : " لا " ))(رواه الإمام مالك) .

    قد يجانب الصدق من يحدث بكل ما سمع :
    والأصل في اللسان الحفظ والصون ؛ لأن زلاته كثيرة ، وشرّه وبيل ، فالحذر منه والاحتياط في استعماله أتقى وأورع ، فإذا وجدت الرجل لا يبالي ، ويكثر الكلام ، فاعلم أنه على خطر عظيم ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((كفى بالمرء كذبـًا أن يحدث بكل ما سمع))(رواه مسلم) ؛ لأن كثرة الكلام مظنة الوقوع في الكذب ، باختراع ما لم يحدث ، حين لا يجد كلامـًا ، أو ينقل خبر كاذب - وهو يعلم - فيكون أحد الكذَّابين .

    يُنال الصدق بالتحري :
    وكل خلق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه ، والحرص على التزامه ، وتحري العمل به ، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية ، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه ، ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - : ((عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق ، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا)) ، وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب : ((وإياكم والكذب ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب ، حتى يُكتب عند الله كذَّابا))(رواه البخاري ومسلم) .

    الصدق = الطمأنينة والثبات :
    ومن آثار الصدق ثبات القدم ، وقوة القلب ، ووضوح البيان ، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان ، ومن علامات الكذب الذبذبة ، واللجلجة ، والارتباك ، والتناقض ، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح ، ولذلك : ((… فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة))(رواه الترمذي) كما جاء في الحديث .

    الصدق نجاة وخير:
    وعاقبة الصدق خير - وإن توقع المتكلم شرًا - قال تعالى : (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)(محمد/21) ، وفي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا : " يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقـًا ما بقيت " ، ويقول كذلك : " فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط ، بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا … "(رواه البخاري) .
    وروى ابن الجوزي في مناقب أحمد أنه قيل له : " كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال : لو وُضِع الصدق على جرح لبرأ " .
    ويوم القيامة يقال للناس : ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم)(المائدة/119) .

    الصادق جريء :
    والصدق يدعو صاحبه للجرأة والشجاعة ؛ لأنه ثابت لا يتلون ، ولأنه واثق لا يتردد ، ولذلك جاء في أحد تعريفات الصدق : القول بالحق في مواطن الهلكة ، وعبر عن ذلك الجنيد بقوله : حقيقة الصدق : أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب .

    لا تكثر من المعاريض :
    ولكي تكون حياتك كلها صدقـًا ، ولتحشر مع الصديقين فاجعل مدخلك صدقـًا ، ومخرجك صدقـًا ، وليكن لسانك لسان صدق ، لعل الله يرزقك قدم صدق ، ومقعد صدق ، ولا تترك فرصة للشيطان ليستدرجك بالاستكثار من المعاريض ، فالصدق صراحة ووضوح ، والميل عنه التواء وزيغ ، وحال المؤمن الصدق ، و(إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون)(النحل/105) .

    درر من أقوال الصالحين والعلماء في الصدق:
    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
    من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث ، من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم ، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم ".
    أنشد محمود الوراق:
    اصدق حديثك إن في الصـ ـق الخلاص من الدنس
    ودع الكــذوب لشــأنه خير مـن الكـذب الخرس
    وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله عز وجل ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك مالا يعنيني.
    وقال بعضهم :من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت.قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق.
    فنسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.

    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:04 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إذا نظرنا إلى الشجاعة في اللغة فسنجد أنها مصدر شَجُعَ فلان، أي صار شجاعًا، ومادتها (ش ج ع) تدل على الجرأة والإقدام.
    وأما في الاصطلاح فقد عرفها بعضهم بأنها: الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف مع الاستهانة بالموت .
    وقال ابن حزم رحمه الله: " هي بذل النفس للذَّود عن الدين أو الحريم أو عن الجار المضطهد أو عن المستجير المظلوم، وعمن هُضم ظلمًا في المال والعرض، وسائر سبل الحق سواءٌ قلَّ من يعارض أو كثر " .
    من هنا نجد أن الشجاعة المحمودة ما كانت من باب الإقدام على مخاطرة يرجى منها خير أو دفع شر.
    وبناءً على ما تقدم فإن الإقدام بغير عقل جنون، والإقدام في غير مخاطرة ليس شجاعة، بل هو نشاطٌ وهمة،والإقدام لا لتحصيل خير أو دفع شر ليس من الشجاعة المحمودة، بل هو تهور مذموم.

    وسائل تقوية الشجاعة:
    إن الأخلاق بصفة عامة منها ما هو فطري ومنها ما هو مكتسب، وقد ذكر العلماء العديد من الوسائل النافعة لاكتساب الشجاعة وتقويتها في نفوس أهلها ومن هذه الوسائل:
    1-التمرين العملي، وذلك بالتعرض للمواقف الصعبة التي لا يُتخلص منها إلا بالشجاعة.
    2-الإخلاص لله تعالى والإيمان بالقضاء والقدر، فإن المخلص الذي لا يريد إلا وجه الله تعالى وثوابه لا يبالي بلوم اللائمين، إذا كان في ذلك رضا رب العالمين.
    ومتى قوي إيمان العبد بقضاء الله وقدره علم أن الخلق لا يضرون ولا ينفعون، وأن نواصيهم بيد الله تعالى، عندئذٍ يطمئن الفؤاد ويقوى القلب على كل قول وفعل ينفع الإقدام عليه.
    3-الاطلاع على سير وقصص الشجعان للاقتداء ومحاولة التشبه بهم.
    4-مكافأة الشجعان عن طريق العطاءات المادية والثناء والتمجيد وهي من أعظم الوسائل في التربية بشكل عام ولاسيما اكتساب الفضائل الخلقية.

    التربية الإسلامية تُكسب الشجاعة وتقويها:
    إذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم وأساليب المصطفى صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنها تخرج - عند الالتزام بها - أبطالاً شجعانًا يُقدمون ولا يحجمون، يقتحمون الأهوال برباطة جأش وثبات قلب. فهاهو القرآن يخاطب الأمة:
    (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيم فئة فاثبتوا)[الأنفال:45].
    (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتالٍ أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)[الأنفال:15].
    (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا)[النساء:104].
    وغيرها الكثير من الآيات التي إن عاش المسلم في ظلها تشجع وقوي قلبه.
    أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي خير شاهد على المعنى الذي أردناه، ويكفي أن هذا الجيل الذي تربى على عينه صلى الله عليه وسلم قد اكتسب من خلق الشجاعة ما فاق به كل الشجعان.

    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتهم في هذا الخلق العظيم، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع ا لناس وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس .. " الحديث.
    وقد تعرض للمواقف الجسام والخطوب العظام فما لان ولا أصابه ضعف أو خور.
    نراه في غزوة أحد وقد انفض أكثر الناس من حوله وكان هدفًا لسهام المشركين وسيوفهم ، ومع ذلك يبرز وينادي على المسلمين بنفسه رغم ما يحمله هذا الموقف من تعريضه للخطر لكنه شجاع يقدم ولا يبالي ومثل هذا ما كان منه في غزوة حنين حين انهزم المسلمون في بداية المعركة فنادى عليهم فاجتمعوا إليه ثم كان النصر .ويكفي في الدلالة على شجاعته قول البراء رضي الله عنه: " كنا والله إذا احمر البأس نتقي به . وإن الشجاع منا للذي يُحاذي به - يعني النبي صلى الله عليه وسلم -" .

    ولقد تأسى به أصحابه ، فهذا أبو بكر أشجع الأمة بعد نبيها يقول فيه عليٌّ رضي الله عنه حين سأل الناس: من أشجع الناس ؟ فقالوا: أنت، فقال: أما إنه ما صرعني أحد إلا غلبته، لكنه أبو بكر.. " .
    إنها شهادة من أحد أشجع فوارس الأمة عليٌّ بن أبي طالب لصدِّيق الأمة بأنه أشجع الناس، كما يدل على شجاعة الصديق ثباته ورباطة جأشه عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تصميمه على محاربة المرتدين ومانعي الزكاة، وغيرها من المواقف العظيمة الدالة على شجاعته .

    وكذلك كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قيل لعي بن أبي طالب: إذا جالت الخيل، فأين نطلبك ؟ قال: حيث تركتموني.
    فمن فرط شجاعته لا يتزحزح عن مكانه ولا يتراجع .
    وكان يقول: والذي نفس أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من موتة على فراش .
    وقال بعض العرب: ما لقينا كتيبة فيها علي إلا أوصى بعضنا على بعض.
    وهذا البراء بن مالك رضي الله عنه بلغ من شجاعته أنه قتل من الشجعان مائة رجل مبارزة ، ومن أعظم مظاهر شجاعته ما كان منه في اليمامة حين زحف المسلمون إليها لقتال المشركين، فألجأوهم إلى حديقة فيها مسيلمة الكذاب فتحصن فيها الأعداء، فقال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فحملوه حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم حتى فتح الله على المسلمين ووقع به يومها بضع وثمانون جراحة، فرضي الله عنه من شجاع.

    وهذا سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، رجل من أشجع الشجعان بلغ من شجاعته أن يهجم على قائد جيش العدو ويختطفه من بين جنوده وذلك في معركة عين التمر حيث كان على قوات نصارى العرب عقة بن أبي عقة، وكَّل خالد بنفسه حوامي من جانبيه وقال لهم: اكفوني ما عنده فإني حاملٌ عليه، وبينما عقَّة مشغول بتسوية صفوفه إذ بخالد رضي الله عنه يتقدم وحوله عشرة من جنده نحو عقَّة يحتضنه ثم يحمله كالبرق ويعود به أسيرًا إلى صفوف المسلمين وقد تجمدت الدماء في عروق المتنصرة حين رأوا هذا ا لمشهد الرهيب فلم يتحملوا الصدمة ولاذوا بالفرار، وركب المسلمون أكتافهم يقتلون ويأسرون.
    أرأيت شجاعة كهذه؟!!.

    وما لهم لا يكونون كذلك وقد أيقنوا بقول الله تعالى:
    (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111)

    أشجع العرب في شعره
    قيل لعبدالملك : من أشجع العرب في شعره ؟ فقال : عباس بن مرداس حين يقول :
    أشد على الكتيبة لا أبالي ----- أحتفي كان فيها أم سواها

    الفرق بين الشجاعة و الجرأة
    إن الفرق بين الشجاعة و الجرأة أن الشجاعة من القلب و هي ثبات القلب و استقراره عند المخاوف و هو خلق يتولد من الصبر و حسن الظن ، أما الجرأة فهي إقدام سببه قلة المبالاة و عدم النظر في العاقبة و الاندفاع بدون تفكير و لا حكمة .

    من أقوالهم في الشجاعة:
    قال الذهبي رحمه الله :لا ينبغي أن يقدم الجيش إلا الرجل ذو البسالة والنجدة والشجاعة والجرأة ، ثابت الجأش، صارم القلب صادق البأس ، ممن قد توسط الحروب ومارس الرجال ومارسوه، ونازل الأقران وقارع الأبطال،عارفا بمواضع الفرص، خبيرا بمواقع القلب والميمنة والميسرة .فإنه إن كان كذلك وصدر الكل عن رأيه كانوا جميعا كأنهم مثله .
    وقيل:الشجاع محبب حتى إلى عدوه ، والجبان مبغض حتى إلى أمه.

    وقالت الحكماء :
    أصل الخيرات كلها في ثبات القلب، ومنه تستمد جميع الفضائل وهو الثبوت والقوة على ما يوجبه العدل والعلم ،...و الشجاعة غريزة يجمعها حسن الظن بالله تعالى.
    وقال بعضهم:
    ليس الشجاع الذي يحمي فريسته ----- عند القتال و نار الحرب تشتعل
    لكن من رد طرفاً أو ثنى وطراً ----- عن الحرام فذالك الفارس البطل
    وقالوا
    و لـو أن الحياة تبقى لحيّ -----لعددنا أضـلنـا الشـجعـانـا
    و إذا لم يكن من الموت بدّ -----فمن العجزأن تموت جبانا.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:05 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    قال الله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(المزمل:8) .
    والتبتل : الانقطاع .
    والتبتل الذي يقصدونه في هذا المقام هو الانقطاع إلى الله بالكلية، بحيث يكون العبد متجردًا لسيده ومولاه .
    وإذا كان غاية شرف النفس دخولها تحت رق العبودية طوعًا واختيارًا ومحبة، لا كرهًا وقهرًا . كما قيل :
    شرفُ النفوس دخولها في رقهم .. .. والعبد يحوي الفخر بالتمليكِ
    فإن المتبتل يخدم بمقتضى عبوديته لا للأجرة.
    والتبتل يجمع أمرين لا يصح إلا بهما: الاتصال ، والانفصال.
    أما الانفصال فيُقصد به: انقطاع قلب المتبتل عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله تعالى .
    وأما الاتصال: فهو اتصال القلب بالله تعالى، وإقباله عليه، وإقامة وجهه له، حبًا وخوفًا، ورجاءً وإنابةً وتوكلاً .
    ومما يعين على ذلك :
    - أن يحسم مادة رجاء المخلوقين من القلب، وذلك بالرضا بحكم الله وقسمه، فمن رضي بحكم الله وقسمه؛ لم يبق لرجاء الخلق في قلبه موضع .
    - أن يحسم مادة الخوف، وذلك بالتسليم لله تعالى؛ فإن من علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، لم يبق لخوف المخلوقين في قلبه موضع.
    - أن يحسم مادة المبالاة بالناس، وذلك برؤية الأشياء كلها من الله وبالله، وفي قبضته وتحت قهره وسلطانه . لا يتحرك منها شيء إلا بحوله وقوته، ولا ينفع ولا يضر إلا بإذنه ومشيئته .
    إن من صح فراره إلى الله، صح قراره مع الله، ومن انقطع إلى الله أغناه عمَّن سواه.
    هذه مريم البتول انقطعت إلى الله؛ فأثرها على نساء العالمين، وأجرى لها من الكرامة ما أجرى؛ (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً)(آل عمران: 37) .
    وهذه آسية انقطعت إلى الله وآثرته على الملك والجاه، فآثرها الله بالقرب منه في جنته ودار علاه .نسأل الله من فضله.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:07 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    دعت آيات القرآن الكريم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلة الرحم ، ورغبت فيها أعظم الترغيب ، وكان الترغيب دينياً ودنيوياً ، ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً ، وقلعـة صامدة ، وينشأ عن ذلك أسر متماسكة ، وبناء اجتماعي متين يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعـاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيـح النور إلى أبناء أمتهم ، وإلى الناس أجمعين ؛ ولأن صلة الرحم من مكارم الأخلاق فإننا سنتناولها بالحديث في هذا المقال.

    معنى الرحم وصلة الرحم :
    قال الراغب الأصفهاني : ( الرحم : رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ) .
    والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم . ومعنى صلة الرحم : الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل ، ويدخل في ذلك زيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، والسعي في مصالحهم .

    فضل صلة الأرحام :
    1- صلة الرحم من الإيمان :
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " رواه البخاري.
    أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .

    2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر :
    كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
    عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " . رواه البخاري.
    وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه " . رواه البزار والحاكم.

    3- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
    عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله " . رواه مسلم.
    وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .

    - صلة الرحم من أسباب دخول الجنة :
    فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

    الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك :
    المرء إذا زاره قريبه فرد له زيارته ليس بالواصل ، لأنه يـكافئ الزيارة بمثـلها ، وكذلك إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن ، أو قضى له حاجه فردّ له ذلك بمثله لم يكن واصلاً بل هو مكافئ ، فالواصل حقاً هو الذي يصل من يقطعه ، ويزور من يجفوه ويحسن إلى من أساء إليه من هؤلاء الأقارب .
    عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ". رواه البخاري .
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم : "إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك " . رواه مسلم .
    والمَلّ: الرماد الحار ، قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .
    ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون .
    ربيع محمود-إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:10 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مداخل الشيطان إلى القلب

    اعلم أن مثال القلب مثال الحصن ، والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه ، و لا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله، ومواضع ثلمه ، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه ، فحماية القلب من وساوس الشيطان واجبة ، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله ، فصارت معرفة مداخله واجبة ، ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة ، ولكننا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان .

    فمن أبوابه العظيمة : الغضب والشهوة : فإن الغضب هو غول العقل ، وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان ، ومهما غضب الإنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة .

    ومن أبوابه العظيمة الحسد والحرص : فمهما كان العبد حريصـًا أعماه حرصه وأصمَّهُ ، ونور البصيرة هو الذي يعرف مداخل الشيطان ، فإذا غطاه الحسد والحرص لم يبصر ، فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته ، وإن كان منكرًا فاحشـًا ، وأما الحرص فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).(رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، ورواه أحمد ، والنسائي وصححه الألباني) .

    ومن أبوابه العظيمة الشبع من الطعام : وإن كان حلالاً صافيـًا فإن الشبع يقوي الشهوات ، والشهوات أسلحة الشيطان .
    ومن أبوابه العظيمة العجلة : وترك التثبت في الأمور ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى)).(رواه الترمذي بلفظ الأناة وقال حسن وحسنه الزرقاني والألباني).

    ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر : فإن ذلك هو الذي يمنع من الإنفاق والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم .
    ومن أبوابه العظيمة التعصب للمذاهب : والأهواء والحقد على الخصوم والنظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار ، وذلك مما يهلك العباد والفساق جميعـًا ، فإن الطعن في الناس والاشتغال بذكر نقصهم صفة مجبولة في الطبع من الصفات السبعية .

    ومن أبوابه : سوء الظن بالمسلمين : قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(الحجرات/12) والمؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب .

    فإن قلت : فما العلاج في دفع الشيطان ؟ وهل يكفي في ذلك ذكر الله تعالى ، وقول الإنسان لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ فاعلم أن علاج القلب في ذلك سد هذه المداخل بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة ، وذلك مما يطول ذكره ، فإذا قطعت من القلب أصول هذه الصفات المذمومة ، كان للشيطان بالقلب اجتيازات وخطرات ولم يكن له استقرار ويمنعه من الاجتياز ذكر الله تعالى ؛ لأن حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارة القلب بالتقوى وتطهيره من الصفات المذمومة ، وإلا فيكون الذكر حديثـًا للنفس لا سلطان له على القلب فلا يدفع سلطان الشيطان ، ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(الأعراف/201) ، خصص بذلك المتقي .

    فمثل الشيطان كمثل كلب جائع يقترب منك فإن لم يكن بين يديك خبز ولحم ، فإنه ينزجر بأن تقول له : اخسأ ، فمجرد الصوت يدفعه ، فإن كان بين يديك لحم وهو جائع فإنه يهجم على اللحم ولا ينزجر بمجرد الكلام ، فالقلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد الذكر .
    فأما الشهوة فإذا غلبت على القلب دفعت حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ، فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب .
    قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((في القلب لمتان لمة من الملك ، إيعاذ بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله سبحانه وليحمد الله ، ولمة من العدو إيعاذ بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير ، فمن وجد ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم)) .(رواه الترمذي وحسنه ورواه النسائي) ، ثم تلا قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء)(البقرة/268) الآية وقال الحسن : إنما هما همان يجولان في القلب : هم من الله تعالى ، وهم من العدو ، فرحم الله عبدًا وقف عند همه فما كان من الله تعالى أمضاه ، وما كان من عدوه جاهده .

    والقلب بأصل فطرته صالح لقبول آثار الملك ولقبول آثار الشيطان صلاحـًا متساويـًا ليس يترجح أحدهما على الآخر ، وإنما يترجح أحد الجانبيين باتباع الهوى والإكباب على الشهوات أو الإعراض عنها ومخالفتها ، فإن اتبع الإنسان مقتضى الغضب والشهوة ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى وصار القلب عش الشيطان ومرتعه ؛ لأن الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه ، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه وتشبه بأخلاق الملائكة عليهم السلام صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم .

    والتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن يفتح القلب لأحدهما فيستوطن ويستمكن ، ويكون اجتياز الثاني اختلاسـًا ، وأكثر القلوب قد فتحتها جنود الشياطين وتملكتها فامتلأت بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة وإطراح الآخرة ، ومبدأ استيلائها اتباع الشهوات والهوى ، ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات ، وعمارته بذكر الله تعالى الذي هو مطرح أثر الملائكة .

    عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تعود القلوب على قلبين : قلب أسود مربادًا كالكوز مُجَخيا لا يعرف معروفـًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه ، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض)).(رواه مسلم) . فالقلب عندما يتعرض للفتن من الشهوات والشبهات ينقسم إلى قسمين :
    قلب إذا عرضت عليه الفتنة أشربها كما يشرب الإسفنج الماء فتنكت فيه نكتة سوداء ، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس ، فإذا اسود وانتكس تعرض لآفتين خطيرتين : إحداهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر ، فلا يعرف معروفـًا ولا ينكر منكرًا ، وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرًا والمنكر معروفـًا، والسنة بدعة والبدعة سنة ، والحق باطلاً والباطل حقـًا .

    والثانية : تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانقياده للهوى واتباعه له .
    وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان وأزهر فيه مصباحه ، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه .
    والفتن التي تعرض على القلب فتن الشهوات وفتن الشبهات ، فالأولى توجب فساد القصد والإرادة ، والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد .
    وتنقسم أمراض القلوب بحسب ذلك إلى أمراض الشهوات وأمراض الشبهات ، كما فسر مرض الشهوات بقوله تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)(الأحزاب/32) ، فإن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح من يسير الحر والبرد والحركة ، فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء من الشهوة أو الشبهة ؛ حيث لا يقوى على دفعهما إذا وردا عليه ، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته .

    أما أمراض الشبهات فكما قال الله عز وجل : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً)(البقرة/10) . قال قتادة ومجاهد : أي شك .
    فأمراض القلوب تجمعها أمراض الشهوات وأمراض الشبهات ، والقرآن الكريم شفاء للنوعين ، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل ، فتزول أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه ، فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك ، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه، فمن رزقه الله تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عيانـًا بقلبه كما يرى الليل والنهار .

    وأما شفاؤه لأمراض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ، والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة ، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار ، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك بما ينفعه في معاشه ومعاده ، ويرغب عما يضره ، فيصير القلب محبـًا للرشد مبغضـًا للغي ، فالقرآن الكريم مزيلٌ للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة فيصلح القلب فتصلح إرادته ، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها .

    قال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء/82) ، وقال تعالى أيضًا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(يونس/57) فيتعذى القلب من الإيمان والقرآن الكريم بما يزكيه ويقويه ، وكل من القلب والبدن محتاج إلى أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح ، فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكو بالأغذية المصلحة له والحمية عما يضره ، فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنعه ما يضره ، فكذلك القلب لا ينمو ولا يتم صلاحه إلا بذلك ، ولا سبيل له إلى الوصول إلى ذلك إلا من خلال القرآن الكريم ، وإذا وصل إلى شيء من غيره فهو نزر لا يحصل به تمام المقصود، وكذلك الزرع لا يتم إلا بهذين الأمرين ، فحينئذ يقال: زكا الزرع وكمل.

    فينبغي إذن للعبد أن يدرس علامات مرض القلب وعلامات صحة القلب حتى يتأكد من حالة قلبه ، فإن كان قلبه مريضـًا سعى في علاجه قبل أن يلقى الله تعالى بقلبٍ مريض فلا يؤذن له في دخول الجنة ، وإن كان سليمـًا حافظ على سلامته حتى يموت على ذلك ، وإن كان ميتـًا والعياذ بالله تعالى علم أن الله عز وجل يحيي الموتى ، يقول سبحانه : (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الحديد/17) .
    البحر الرائق-الشيخ أحمد فريد
                  

09-28-2015, 11:12 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لما كان القلب للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود التي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما يحب ، فكلها تحت عبوديته وقهره ، وتكتسب منه الاستقامة والزيغ ، وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))(رواه البخاري ومسلم) .

    فهو ملكها وهي المنفذة لما يأمرها به القابلة لما يأتيها من هديه ، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده ونيته ، وهو المسؤول عنها كلها ، فكل راعٍ مسؤول عن رعيته ، لذا كان الاهتمام بتصحيح القلب وتسديده أول ما اعتمد عليه السالكون والنظر في أمراض القلب وعلاجها أهم ما تنسك به الناسكون .

    ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه ؛ أجلب عليه بالوساوس ، وأقبل بوجوه الشهوات إليه ، وزين له من الأحوال والأعمال ما يصده عن الطريق ، وأمده من أسباب الغي ما يقطعه به عن أسباب التوفيق ، ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق ، فلا نجاة من مصايده ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى والتعرض لأسباب مرضاته والتجاء القلب إليه وإقباله عليه في حركاته وسكناته ، والتحقيق بذل العبودية الذي هو أول ما تلبس به الإنسان ليحصل له الدخول في ضمان : (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)(الحجر/42).
    أقسام القلوب :
    لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها انقسم بحسب ذلك إلى أقسام ثلاثة : قلب سليم ـ وقلب ميت ـ قلب مريض .
    القلب السليم :
    وهو القلب الذي لا ينجو يوم القامة إلا من أتى الله به كما قال تعالى : (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم)(الشعراء/88) .
    والسليم هو السالم الذي صارت السلامة صفةً ثابتةً له كالعليم والقدير ، وأيضـًا فإنه ضد المريض والسقيم والعليل ، فهو الذي قد سَلِمَ مَن كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ، فسلم من عبودية ما سواه ، وسلم من تحكيم غير رسوله ، فخلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبةً وتوكلاً ، وإنابة وإخباتـًا وخشية ورجاء ، وخلص عمله لله ، فإن أحبَّ أحب في الله ، وإن أبغض أبغض في الله ، وإن أعطى أعطى لله ، وإن منع منع لله ، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيعقد قلبه معه عقدًا محكمـًا على الائتمام والاقتداء به وحده دون كل أحد في الأقوال والأفعال .
    القلب الميت :
    هو القلب الذي لا حياة فيه ، فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه ، بل هو واقفٌ مع شهواته ولذاته ، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته رضى ربه أم سخط ، فهو متعبد لغير الله حبـًا وخوفـًا ورجاءً ورضـًا وسخطـًا وتعظيمـًا وذلاً ، إن أحب أحب لهواه ، وإن أبغض أبغض لهواه ، وإن منع منع لهواه ، وإن أعطى أعطى لهواه ، فهواه آثر عنده من رضا مولاه ، فالهوى إمامه ، والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه ، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور ، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور ، ينادى إلى الله والدار الآخرة من مكان بعيد فلا يستجيب للناصح ويتبع كل شيطان مريد ، الدنيا تسخطه وترضيه ، والهوى يصمُّه عما سوى الباطل ويعميه ، فمخالطة صاحب هذا القلب سقم ، ومعاشرته سم ، ومجالسته هلاك .
    القلب المريض :
    قلب له حياة وبه علة ، فله مادتان تمده هذه مرة وهذه أخرى ، وهو لما غلب عليه منهما ، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة حياته ، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والعجب والكبر وحب العلو والفساد في الأرض والرياسة ما هو مادة هلاكِهِ وعطبه ، وهو ممتحن بين داعيين : داعٍ يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة ، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة ، وهو إنما يجيب أقربهما منه وأدناهما إليه جوارًا .
    فالقلب الأول حي‌ٌ مخبتٌ ، والثاني يابسٌ ميتٌ ، والثالث مريض فإما إلى السلامة أدنى ، وإما إلى العطب أدنى .
    البحر الرائق-الشيخ/أحمد فريد
                  

09-28-2015, 11:13 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن علاج استيلاء النفس الأمارة على قلب المؤمن محاسبتها ومخالفتها ، أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية "(رواه الترمذي) .
    وقال الحسن : " المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ، إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه فيقول والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله ما من حيلة إليك ، هيهات حيل بيني وبينك ، ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول : ما أردت إلى هذا ، مالي ولهذا ، والله لا أعود إلى هذا أبدًا .

    إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن ، وحال بين هلكتهم ، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته ، لا يأمن شيئـًا حتى يلقى الله ، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره وفي لسانه وفي جوارحه ، مأخوذ عليه في ذلك كله " .
    قال مالك بن دينار : " رحم الله عبدًا قال لنفسه : ألست صاحبة كذا ؟! ، ألست صاحبة كذا ؟! ثم زمها ، ثم خطمها ، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل ، فكان لها قائدًا " .

    فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها ، قال الله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً )(آل عمران/30) .
    ومحاسبة النفس نوعان :

    نوع قبل العمل ، ونوع بعده :
    أما النوع الأول : فهو أن يقف عند أول همه وإرادته ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه .
    قال الحسن - رحمه الله - : " رحم الله عبدًا وقف عند همه ، فإن كان لله أمضاه ، وإن كان لغيره تأخر " .
    وشرح بعضهم هذا فقال : إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهمَّ به العبد وقف أولاً ونظر هل ذلك العمل مقدور عليه أو غير مقدور عليه ، ولا مستطاع ، فإن لم يكن مقدورًا عليه لم يقدم عليه وإن كان مقدورًا عليه وقف وقفةً أخرى ونظر ، هل فعله خير من تركه ؟ أو تركه خير له من فعله ؟ فإن كان الثاني تركه ولم يقدم عليه ، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة : هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق ؟

    فإن كان الثاني لم يقدم ، وإن افضى به إلى مطلوبه ، لئلا تعتاد النفس الشرك ويخف عليها العمل لغير الله ، فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى حتى يصير أثقل شيء عليها ، وإن كان الأول وقف وقفة أخرى ونظر هل هو معان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجـًا إلى ذلك أم لا ؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه ، كما أمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار ، وإن وجده معانـًا عليه فليقدم عليه فإنه منصور بإذن الله ،ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال ، وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح ، فهذه أربعة مقامات يحتاج العبد إلى محاسبة نفسه عليها قبل العمل .

    وأما النوع الثاني : فمحاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع :
    أحدها : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي ، وحق الله في الطاعة ستة أمور :
    - الإخلاص في العمل .
    - ا لنصيحة لله فيه .
    - متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
    - شهود مشهد الإحسان .
    - شهود منة الله .
    - شهود تقصيره فيه بعد ذلك كله .
    فيحاسب نفسه هل وَفَّى هذه المقامات حقها ؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟
    الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا له من فعله .
    الثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباحٍ لِمَ فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحـًا ، أو أراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به .

    وإذا أهمل العبد نفسه وترك محاسبتها واسترسل مع رغباته فإن هذا يؤول به إلى الهلاك ، وهذه حال أهل الغرور يغمض عينيه عن العواقب ويتكل على العفو ، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة ، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنسَ بها وعسر عليه فطامها ، ولو حضره رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام وترك المألوف والمعتاد .

    وجماع ذلك : أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض ، فإن تذكر نقصـًا تداركه إما بقضاء أو إصلاح ، ثم يحاسبها على المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئـًا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية ، ثم يحاسب نفسه على الغفلة ، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى ، ثم يحاسبها بما تكلم به أو مشته رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه ماذا أرادت بهذا؟ وَلِمَ فَعلته وعلى أي وجه فعلته .. قال الله تعالى : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر/92 ، 93) .
    وقال تعالى : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)(الأعراف/6 ، 7) .
    وقال تعالى : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ )(الأحزاب/8) .
    فإذا سئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين .
    وقال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(التكاثر/8) .
    قال محمد بن جرير - رحمه الله - : يقول الله تعالى ثم ليسألنكم الله عز وجل عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا : ماذا عملتم فيه ؟ ومن أين وصلتم إليه ؟ وفيم أصبتموه ؟ وماذا عملتم به ؟
    وقال قتادة : إن الله سائل كل عبد عمَّا استودعه من نعمه وحقه .
    والنعيم المسؤول عنه نوعان : نوع أخذ من حِله وصرف في حقه ، فيُسأل عن شكره .
    ونوع : أخذ بغير حِله وصرف في غير حقه فيُسأل عن مستخرجه ومصرفه .

    فإذا كان العبد مسؤولاً ومحاسبـًا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(الإسراء/36) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب .
    وقد دل على وجوب محاسبة النفس قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)(الحشر/18) .
    يقول الله تعالى : لينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال ، أمِنَ الصالحات التي تنجيه ، أم من السيئات التي توبقه ؟
    قال قتادة : مازال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغدٍ .
    والمقصود : إن صلاح القلب بمحاسبة النفس وفساده بإهمالها والاسترسال معها .
    المصدر: البحر الرائق للشيخ أحمد فريد
                  

09-28-2015, 11:14 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    تلعب الأمراض الاجتماعية والآفات الأخلاقية دوراً بارزاً في تقويض عرى الحضارات الإنسانية المختلفة؛ فقد أقامت العديد من الأمم السابقة آيات من البناء المادي، وشيدت منجزات حضارية هائلة سرعان ما بادت وانحسرت بتمحورها حول القطب المادي وإغفالها للقيم الروحية والمثل الأخلاقية ودورهما الهام في عملية البناء الحضاري.

    فلم يشهد التاريخ مصرع حضارة فتية المثل والقيم، سليمة من الآفات والعلل الاجتماعية والأخلاقية، ولكنه شهد عدداً من مصارع حضارات وأقوام أفلست أخلاقياً واجتماعياً ودينياً، فحق عليها قول التدمير وكلمة الفناء الأزلي، ولم تغن عنها محصلاتها المادية.
    فالقوى المادية ـ وإن كانت تعد من أسباب التحضر والتقدم ـ إلا أنها قد تكون كذلك من عوامل التخلف والشقاء إذا ما قامت الأمم والشعوب بتحويلها إلى أسباب غرور وتفاخر وتسلط وظلم لمن حولها، وتهميش كل ما وراء ذلك.

    فالفساد والانحراف لا بد أن تجنيه الأمم تردياً وأفولاً وانحساراً في حضارتها، وتلك سنة الله في الأمم؛ ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
    والانحراف الأخلاقي من أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم الله وتحول عافيته وفجاءة نقمته؛ فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. قال ـ تعالى ـ: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.[الشورى: 30].

    المعاصي والانحراف سبب الهبوط

    فتغير أحوال الأمم والحضارات من الصعود والرقي إلى التدهور والانحسار لا يكون إلا بتغيرهم وتوجههم نحو المعاصي وارتكاسهم في الانحراف والابتعاد عن منهج الله وفطرته. قال ـ تعالى ـ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: 53]. فقد أخبر الله ـ تعالى ـ أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فإذا غير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، كان الهبوط والتردي جزاءً وفاقاً. قال ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } [الرعد: 11].

    الانحراف سبب عدم النهوض

    بل إن الانحراف الأخلاقي ليقطع على الأمم طريق النهوض والإقالة من العثرات كذلك؛ فإن نعم الله لا تستجلب إلا بطاعته، كما أن النقم تستجلب بمعصيته والانتكاس عن طريقه؛ فالخالق ـ سبحانه ـ اختط للأمم سنناً في النهوض والبقاء كما وضع لها سنناً وقوانين أخرى في الهبوط والزوال؛ فإذا وظفت الأمم نعم الله عليها من تقدم وتطور في ميادين الحياة المختلفة في معصيته والانحراف عن هديه انقلبت تلك النعم إلى آفات تبطل أعمالها، وتحطم منجزاتها، بل وتكون سائقها إلى سبيل الأفول والانحسار.
    فاستعمال النعم في معصية الخالق ـ جل وعلا ـ من أهم أسباب زوالها وتحـولهـا. يقـول ابن القيـم ـ رحمه الله ـ: "إذا أراد الله حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها. ومن العجب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره، وسماعاً لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه وهو مقيم على معصية الله كأنه مستثنى من هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم"ا.ه.

    غياب الوعي

    إن غياب الوعي بسنن الله في الأنفس والحضارات وأثر الانحراف الأخلاقي في أفولها وانهيارها لا يمكن أن يسوق إلا إلى مزيد من العثرات والانحدارات التي تمهد بدورها السبيل أمام الانحسار التام والسقوط المطبق؛ فالصعود الحضاري في حياة الأمم والشعوب لا يطرأ عليه تغير أو هبوط إلا في حالة سعي تلك الأمم ذاتها في استجلاب ذلك التغيير من خلال انحرافها وحيدتها عن طريق الفطرة الإنسانية وانتكاسها في طريق الضلال.
    ولله در القائل:
    إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
    هل تعي البشرية اليوم تلك السنة الإلهية الثابتة؟!! (أرجو ذلك).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    عن مجلة البيان عدد182
                  

09-28-2015, 11:15 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الجبن خلق ذميم يشين صاحبه ويجلب عليه الذل في الدنيا والخزي والهوان في الآخرة.
    وصاحبه يموت في اليوم الواحد مرات ومرات:
    إذا صوَّت العصفور طار فؤاده....... وليث حديدُ النَّاب عند الثرائد.

    والجبن يكون نتيجة تخوف و تغلب المخاوف المرتقبة أو الحاصلة أمام الناظرين فيحجم و لا يعود شجاعاً . و يكبر مرض الجبن عند الجبناء بالوهم ، و أكثر مرض الناس وهم من أحاديثهم و ما تفتعله خواطرهم وما يتلقفونه من الحوادث و ما يشعرون به من نقص إيمان، يقول الله تعالى عن ذلك الصنف من المنافقين : ( يحسبون كل صيحة عليهم ) . فالجبناء يخافون من البشر أكثر من خوفهم من الله ، يقول الله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (الأحزاب:19) ولهذا فإن الجبان لا يسود أبداً.

    وإننا نرى الناس جميعاً يتمادحون بالشجاعة والكرم حتى إن ذلك عامة ما يمدح به الشعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامون بالبخل والجبن.
    ولأن هذا الخلق من أسوأ الأخلاق التي يتصف بها إنسان فقد وجدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من الجبن، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يأمر بهذه الكلمات ويحدث بهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أعوذ بك من البخل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر" .

    الجبان لا يدفع عن أهله

    فالجبان لا يكاد يدفع حتى عن نفسه ولا عن حرماته وحاله كحال القائل:
    أضحت تشجعني هند فقلت لها: إن الشجاعـة مقــرونُ بها العَـطــَبُ
    لا والذي حجت الأنصـار كعبته ما يطلب الموت عندي مَنْ له إربُ
    للحرب قوم أضل الله سعيهـــمُ إذا دعتـهم إلى حــوماتها وثــبــــوا

    الجبن لا يؤخر الأجل

    وليعلم الجبان أنه بجبنه لن يؤخر أجله: (فإذا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُون) [الأعراف: من الآية34].
    وليتعلم درساً في الشجاعة من سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه إذ قال عندما حضرته الوفاة: "لقد حضرت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربةُ بسيف أو طعنةُ برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء".

    الجبن شر الصفات

    إن الجبن من شر الصفات التي يتصف بها الرجال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "شر ما في رجل شُحُّ هالع وجُبْنُ خالع". رواه أحمد وقال الشيخ شاكر إسناده صحيح.
    إن الجبن إذا تمكن من صاحبه وغلب على أخلاقه أدى إلى هتك الأعراض وانتهاك المحارم بل واحتلال الأوطان، لأن الجبان يؤثر العيش أي عيش على بذل نفسه أو تعريضها للخطر وإن كان في سبيل حماية نفسه وأهله وماله.

    من حكايات الجبناء

    من طريف ما يروى من حكايات الجبناء ما حكي عن أبي حية النميري -وكان جباناً- أنه كان له سيف ليس بينه وبين الخشب فرق وكان يسميه: "لعاب المنية" وقد سمع صوتاً في بيته فوقف قائلاً: أيها المغتر بنا المجترئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة صولته ولا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك لا أدخل بالعقوبة عليك ، إني والله إن أدع قيساً تملأ الفضاء عليك خيلاً ورجلاً، سبحان الله ما أكثرها وأطيبها، والله ما أنت ببعيد من تابعها والرسوب في تيار لجتها.
    فهبت ريح ففتحت الباب فخرج كلب يشتد فاضطرب الرجل اضطراباً شديداً وتبادرت إليه نساء الحي يهدئن روعته ويقلن له: إنما هو كلب، فجلس وهو يقول: الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفاني حرباً.

    وهكذا الجبان يقاتل في غير ميدان، ويصول ويجول إذا شعر بالأمان، أما عند المخاوف فإن قلبه يطير وعقله يطيش:
    وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا.
    فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدَّيْن وقهر الرجال.
    ماهر السيد
                  

09-28-2015, 11:17 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ينبغي على العاقل اللبيب ألاَّ يقنع بما عليه حاله، بل ينزع إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أرقى وأسمى وأنفع، فكلما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها في غير ركون إلى الدنيا أو مخالفة لشرع ربه .
    وإذا كان الأمر كذلك فإنه لن تكون له غاية دون الجنة، فقد قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - عن نفسه : " إن لي نفسًا تواقة (تشتاق إلى الشيء) لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نالتها تاقت إلى الخلافة، فلما نالتها تاقت إلى الجنة".
    وهذا هو الطموح: أن تتطلع النفس إلى ما هو أكمل وأحسن وأسمى.
    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل الأمة دائمًا على تطلب المعالي والتنزه عن الدنايا، فها هو يقول: " إن الله -تعالى - يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها ".

    الفرق بين الطموح وعلو الهمة
    مما لا شك فيه أن الطموح وعلو الهمة يشتركان في الهدف وهو تطلب معالي الأمور، غير أنهما يختلفان في الباعث والوسيلة، فإن الباعث في علو الهمة قد يكون الأنفة من خمول الضعة، أو دفع مهانة النقص، أما الباعث على الطموح فهو نزوع النفس دائمًا نحو الأعلى، وأما من حيث الوسيلة فإن علو الهمة لا يسلك بصاحبه إلا الدروب الشريفة الموافقة لشرع رب العالمين، بينما نجد أن الطموح قد يجنح بصاحبه إلى الغلو والإسراف.

    والذي لا شك فيه أيضًا أن صاحب الطموح إن لم يبذل جهذه للوصول إلى غايته، فهي مجرد أماني، لكن الطَّمُوح حقًا هو الذي يسعى لنيل ما يريد، بل ويُتعب نفسه في هذا:
    وإذا كانت النفوس كبارًا.. .. ..تعبت في مرادها الأجسامُ
    وما أحسن ما قال بعضهم:
    لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا.. .. ولا يـنال العـُلاَ مــن قـدَّم الحـذرا
    ومـن أراد العــُلا صـفـوًا بـلا كَــدَرٍ.. .. قَضَى ولم يقضِ من إدراكه وَطَرا
    إن معالي الأمور وعرة المسالك محفوفة بالمكاره؛ ولهذا قال معاوية -رضي الله عنه- لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: " من طلب عظيمًا خاطر بعظيمته ".
    وكان عمرو بن العاص يقول: " عليكم بكل أمرٍ مَزْلَقَةٍ مَهْلَكَةٍ " . يعني عليكم بجسام الأمور وعظيمها.

    طموح الشرفاء والأكابر
    إن الكبار دائمًا يتطلعون إلى المعالي ويتنزهون عن السفاسف والدنايا؛ لذا تجدهم طامحين إلى:
    1-الاستزادة من العلم:
    لما علموا أن العلم أرفع المقامات التي تتطلع إليها الهمم، وأشرف الغايات التي تتسابق إليها الأمم بذلوا فيه أوقاتهم وأموالهم، ولم يضيعوا بما وصلوا إليه، وقد تحملوا في سبيل ذلك الشدائد والصعاب من شظف العيش وخشونته، والغربة عن الأوطان والأهل ومجافاة النوم واللهو، حتى كان الواحد منهم يرحل من بلده إلى بلدٍ آخر طلبًا لحديث واحدٍ، بعزم لا يبلى، وحرصٍ على الاستفادة من كل لحظة.

    2- الشهادة:
    لما علم أصحاب الهمم العالية بما أعده الله تعالى لمن يموت في سبيله شهيدا تسابقوا إليها، ولم يؤثروا غيرهم بها، فقد أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال يوم أحدٍ لأخيه: " خُذ درعي يا أخي، فقال: أريد من الشهادة مثل الذي تريد فتركاها جميعًا " .
    وهذا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعقر فرسه ويقاتل القوم وهو يقول:
    يا حـبذا الجـنةُ واقترابـُها.. .. ..طـيبة وباردٌ شـرابُها
    والروم رومٌ قد دنا عذابها.. .. ..كـافـرٌ بعـيدةٌ أنسابُها
    عليَّ إذ لاقيتها ضرابُها
    حتى قتل في سبيل الله رضي الله عنه.

    3-الطموح إلى الجنة:
    فقد قيل للعَتَّابي: فلانٌ بعيد الهمة، قال: إذن لا يكون له غايةٌ دون الجنة " .
    فكل غاية دون الجنة فهي بالنسبة إليها حقيرة.
    ولا يمنع ذلك من طموح إلى الترقي في أمور الدنيا مع الالتزام بشرع الله والوقوف عند حدوده واستصحاب النية الصالحة في ذلك كله.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:18 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إذا كنت ممن يسهل عليهم العطاء ولا يؤلمهم البذل فأنت سَخِي، وإن كنتَ ممن يعطون الأكثر ويُبقون لأنفسهم فأنت جواد.
    أما إن كنت ممن يعطون الآخرين مع حاجتك إلى ما أعطيت لكنك قدمت غيرك على نفسك فقد وصلت إلى مرتبة الإيثار.
    ورتبة الإيثار من أعلى المراتب، وإنما ينشأ الإيثار عن قوة اليقين وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، مع الرغبة في الأجر والثواب.
    ومن أهم الأسباب التي تعين على الإيثار:
    1-الرغبة في مكارم الأخلاق، والتنزه عن سيئها، إذ بحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره؛ لأن الإيثار أفضل مكارم الأخلاق.
    2-بُغض الشُّحِّ، فمن أبغض الشُّحَّ علم ألا خلاص له منه إلا بالجود والإيثار.
    3-تعظيم الحقوق، فمتى عظمت الحقوق عند امرئٍ قام بحقها ورعاها حق رعايتها، وأيقن أنه إن لم يبلغ رتبة الإيثار لم يؤد الحقوق كما ينبغي فيحتاط لذلك بالإيثار.
    4-الاستخفاف بالدنيا، والرغبة في الآخرة، فمن عظمت في عينه الآخرة هان عليه أمر الدنيا، وعلم أن ما يعطيه في الدنيا يُعطاه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
    5-توطين النفس على تحمل الشدائد والصعاب، فإن ذلك مما يعين على الإيثار، إذ قد يترتب على الإيثار قلة ذات اليد وضيق الحال أحيانًا، فما لم يكن العبد موطنًا نفسه على التحمل لم يطق أن يعطي مع حاجته.
    درجات الإيثار:
    لقد قسم بعض العلماء الإيثار إلى مراتب ودرجات، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
    الأولى: أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما لا يخْرُمُ عليك دِينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يُفسد عليك وقتًا، يعني أن تُقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعِمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرَى، وتسقيهم وتظمأ، بحيثُ لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلافٍ لا يجوز في الدين، وكلُّ سببٍ يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثِر به أحدًا، فإن آثرت به فإنما تُؤْثِر الشيطان على الله وأنت لا تعلم.

    الثانية: إيثارُ رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطول والبدن ، وإيثار رضا الله عز وجل على غيره، هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلْق، وهي درجة الأنبياء، وأعلاها لِلرسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم، وعليهم، فإنه قاومَ العالم كُله وتجرد للدعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضا الله على رضا الخلق من كل وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومةُ لائم، بل كان همُّه وعزْمُه وسعيه كله مقصورًا على إيثار مرضاة الله وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه؛ حتى ظهر دين الله على كل دين، وقامت حجته على العالمين، وتمت نعمتُهُ على المؤمنين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاد، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فلم ينل أحدٌ من درجةِ هذا الإيثار ما نالَ، صلوات الله وسلامه عليه.

    هذا وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يُسخط عليه من آثر رضاه، ويخذُله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامدُهُ ذامًّا، ومن آثر مرضاته ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، وهذا أعجز الخلقِ وأحمقهم.

    قال الشافعي رحمه الله: " رضا الناس غايةٌ لا تدرك فعليك بما فيه صلاحُ نفسك فالزمهُ"، ومعلومٌ أن لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال:
    فليتك تحلُو والحياةُ مريرَةٌ.. .. .. وليتك ترضى والأنامُ غِضَابُ
    وليت الذي بيني وبينك عامرٌ.. .. .. وبيني وبين العالمين خرابُ
    إذا صحَّ منك الودُّ فالكّلُّ هينٌ.. .. .. وكل الذي فوق التراب تراب
    الثالثة: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت، فكأنك سلمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإن الذي آثره هو الحق لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المُعطي حقيقةً.

    مواقف خالدة في الإيثار
    ولقد سجل التاريخ بأحرف من نور مواقف خالدة للمسلمين بلغوا فيها المرتبة العالية والغاية القصوى من الإيثار:
    فهذا سيد الخلق وخاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم تأتيه امرأة بُبردة فتقول: " يا رسول الله أكسوك هذه ؟ " فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: " يا رسول الله ما أحسن هذه ؟ فاكسنيها " فقال: " نعم " ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: " ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه، فقال: " رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لَعلِّي أُكَفَّن فيها " .

    وأما أصحابه رضي الله عنهم والتابعون فحدث ولا حرج، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: " ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يُضيف هذا ؟ " فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك (أوقديه) ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها، فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ضحك الله الليلة - أو عجب - من فعالكما، فأنزل الله: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)[الحشر:].

    وهؤلاء هم الأنصار يعرض أحدهم على أخيه من المهاجرين أن يناصفه أهله وماله فيأبى المهاجر ويقول: " بارك الله لك في أهلك ومالك ".
    وهذا أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً وأحب ماله إليه حديقة تسمى بيرحاء يسمع قول الله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)[آل عمران:] فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنًا أنه يتصدق بها لوجه الله تعالى.
    وذاك قيس بن سعد بن عبادة يمرض ويتأخر إخوانه عن زيارته فيسأل عنهم، فيقال له: "إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدَّين، فيقول: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة " .
    ثم أمر مناديًا ينادي: " من كان لقيس عليه مالٌ فهو في حلٍّ " .
    فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة الزوار.

    وإن تعجب فعجبٌ أمر هؤلاء الثلاثة الذين آثر كل منهم أخاه بالحياة، فقد قال حذيفة العَدَوي: " انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي، ومعي شيءٌ من ماء، وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحتُ به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك ؟ فأشار إليَّ أن نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي إليَّ أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك ؟ فأشار إليَّ أن نعم، فسمع به آخر فقال: آهٍ، فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته، فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين " .

    من فوائد الإيثار:
    لو لم يكن من فوائده إلا أنه دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام ورفعة الأخلاق لكفى، فكيف وهو طريق إلى محبة الرب سبحانه، وحصول الألفة بين الناس وطريق لجلب البركة ووقاية من الشُّحِّ ؟.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:20 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    فمن علامات مرض القلب أن يتعذر على العبد ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة ، فيقدم العبد حظه وشهوته على طاعة الله ومحبته ، كما قال الله عز وجل : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان:43) . قال بعض السلف: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه . فيحيا في هذه الحياة الدنيا حياة البهائم لا يعرف ربه عز وجل ولا يعبده بأمره ونهيه كما قال تعالى : ( يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)(محمد: من الآية12) .

    والجزاء من جنس العمل فكما لا يحيا الحياة التي يحبها الله عز وجل ويرضاها وهو كذلك ليس جمادا لا يحس ، بل يحيا من أجل أن يعصى الله عز وجل بنعمه ، فهو كذلك في الآخرة لا يحيا حياة يجد فيها راحته ، ولا يموت فيفقد الإحساس بالألم، فلا يموت ولا يحيا (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (إبراهيم:17) .

    ومن علامات مرضه أن صاحبه لا تؤلمه جراحات المعاصي كما قيل :
    " وما لجرح بميت إيلام " ، فالقلب الصحيح يتوجع بالمعصية ويتألم لها فيحدث له ذلك توبة ، وإنابة إلى ربه عز وجل ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (لأعراف:201) .
    وقال تعالى في وصف المتقين : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)(آل عمران: من الآية135) . الآية أي ذكروا عظمة الله عز وجل وتوعده وعقابه فأحدث لهم ذلك استغفارا : فمريض القلب يتبع السيئة السيئة كما قال الحسن في قوله عز و جل : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب أما سليم القلب فيتبع السيئة الحسنة والذنب التوبة .
    ومن علامات مرضه أن صاحبه لا يوجعه جهله بالحق ، فإن القلب السليم يتألم بورود الشبهات عليه ، ويتألم بجهله بالحق وبعقائده الباطلة ، فالجهل مصيبة من أكبر المصائب يتألم بها من كان في قلبه حياة، قال بعض العلماء : " ما عصى الله بذنب أقبح من الجهل ؟ ، " وقيل للإمام سهل : يا أبا محمد أي شيء أقبح من الجهل؟ قال " الجهل بالجهل " ،قيل : صدق لأنه يسد باب العلم بالكلية .
    ويقول القائل :
    وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
    وأرواحهم في وحشةٍ من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور

    ومن علامات مرضه عدول صاحبه عن الأغذية النافعة إلى السموم الضارة ، كما يعرض أكثر الناس عن سماع القرآن الذي أخبر الله عز وجل عنه فقال :
    ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) (الإسراء : 82). ويستمعون إلى الغناء الذي ينبت النفاق في القلب ويحرك الشهوات وفيه من الكفر بالله عز وجل ما فيه ، فالعبد يقدم على المعصية لمحبته لما يبغضه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فالإقدام على المعصية نتيجة لمرض القلب ويزيد في مرض القلب ، وكلما سلم القلب أحب ما يحبه الله عز وجل وما يحبه رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات:7)
    وقال صلى الله عليه وسلم : ( ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا " .(رواه مسلم وغيره )
    وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين " . ( البخاري ومسلم )

    ومن علامات مرضه أن يستوطن صاحبه الدنيا ويرضى بها ويطمئن فيها ولا يحس فيها بغربة ولا يرجو الآخرة ولا يسعى لها سعيها، وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة ، فيعطي الناس ظاهره ويخالفهم بباطنه ، يرى ما هم فيه ولا يرون ما هو فيه ، ويكون حاله في الدنيا كما وصى الرسول الله عليه وسلم :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " . ( البخاري وغيره )
    البحر الرائق للشيخ أحمد فريد
                  

09-28-2015, 11:22 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الذكر هو المنزلة الكبرى التي منها يتزود العارفون ، وفيها يتجرون وإليها دائمـًا يترددون ، وهو منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن منعه عزل ، وهو قوت قلوب العارفين التي متى فارقتها صارت الأجساد لها قبورًا ، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا ، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب ، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب .

    به يستدفعون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم به المصيبات ، إذا أظلَّهم البلاء فإليه ملجؤهم ، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم ، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون ، يدع القلب الحزين ضاحكـًا مسرورًا ، ويوصل الذاكر إلى المذكور ، بل يدع الذاكر مذكورًا ، وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة (والذكر) عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة ، بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال ، قيامـًا وقعودًا وعلى جنوبهم ، فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها ، فكذلك القلوب بور خراب وهو عمارتها وأساسها .

    وهو جلاء القلوب وصقالتها ودواؤها إذا غشيها اعتلالها ، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقـًا ازداد محبة إلى لقائه للمذكور واشتياقـًا ، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه نسى في جنب ذكره كل شيء ، وحفظ الله عليه كل شيء ، وكان له عوضـًا من كل شيء ، به يزول الوقر عن الأسماع والبكم عن الألسنة ، وتتقشع الظلمة عن الأبصار.
    زين الله به ألسنة الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين ، فاللسان الغافل كالعين العمياء ، والأذن الصماء واليد الشلاء .
    وهو باب الله الأعظم بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته ، قال الحسن البصري : " تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن ، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق .

    فوائد الذكر :
    قد ذكر الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه القيم (الوابل الصيب) للذكر أكثر من سبعين فائدة .
    · منها أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ، ويرضى الرحمن عز وجل ، ويزيل الهم والغم والحزن ، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط .
    · ومنها : أنه يقوي القلب والبدن ، وينور الوجه والقلب ويجلب الرزق .
    · ومنها : أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة ، ويورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة .
    · ومنها : أنه يورث المراقبة حتى يدخل العبد في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ، ويورثه الإنابة والقرب ، فعلى قدر ذكر العبد لربه يكون قربه منه ، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه .
    · ومنها : أنه يورث ذكر الله عز وجل ، قال تعالى : ( فاذكروني أذكركم)(البقرة/152) ، وفي الحديث القدسي : " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " .
    · ومنها : أنه يورث حياة القلب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الذكر للقلب كالماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء .
    · ومنها : أنه يورث جلاء القلب من صداه ، وكل شيء له صدأ ، وصدأ القلب الغفلة والهوى ، وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار .
    · ومنها : أنه يحط الخطايا ويذهبها ، فإنه من أعظم الحسنات والحسنات يذهبن السيئات.
    قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من قال في يوم وليلة سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ، وإن كانت مثل زبد البحر))(رواه البخاري ومسلم) .

    ومنها أنه سبب لنزول الرحمة والسكينة كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده))(رواه مسلم والترمذي) .
    · ومنها : أنه سبب لانشغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل ، فمن عَوَّد لسانه ذكر الله صانه عن الباطل واللغو ، ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش ولا حول ولا قوة إلا بالله .
    · ومنها : أنه غراس الجنة كما في حديث جابر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة)) .
    ·

    ومنها : أن العطاء والفضل الذي ترتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ((من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه))(رواه البخاري ومسلم) .

    ومنها : أن دوام ذكر الرب تعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده ، فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى : (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)(الحشر/19) .
    وإذا نسى العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ، كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك مما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره فإنه يفسد ولابد .
    · ومنها : أن الذكر شفاء لقسوة القلوب ، قال رجل للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ، قال : أذِبْهُ بالذكر ، وقال مكحول : ذكر الله شفاء ، وذكر الناس داء .
    ·

    ومنها : أن الذكر يوجب صلاة الله تعالى وملائكته على الذاكر ، ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح ، وفاز كل الفوز ، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا * وسبحوه بكرةً وأصيلاً * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمـًا)(الأحزاب/41 ـ 43) .
    · ومنها : أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته كما في حديث أبي سعيد الخدري قال : خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : أما إني لم استحلفكم تهمة لكم ، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقل عنه حديثـًا مني ، وإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج على حلقة من أصحابه فقال : ((ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ علينا بك ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة))(رواه مسلم) .

    ومنها : أن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله عز وجل قال تعالى : (وأقم الصلاة لذكري)(طه/14) ، أي لإقامة ذكري ، وقال شيخ الإسلام في قوله تعالى : (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر)(العنكبوت/45) الصحيح أن معنى الآية أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان وأحدهما أعظم من الآخر ، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولما فيها من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر .
    · ومنها : أن إدامته تنوب عن الطاعات وتقوم مقامها حيث لا تنوب جميع التطوعات عن ذكر الله عز وجل ، وقد جاء ذلك صريحـًا في حديث أبي هريرة : ((أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلي والنعيم المقيم ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضل أموالهم يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ، فقال ألا أعلمكم شيئـًا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا أحد يكون أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ))(رواه البخاري) .
    وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : " لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله عز وجل " .

    · ومنها : أن الذكر يعطي الذاكرة قوة في قلبه وفي بدنه حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه ، وقد علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابنته فاطمة وعليـًا ـ رضي الله عنهما ـ أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثـًا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثـًا وثلاثين ، ويكبرا ثلاثـًا وثلاثين لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة فعلمها ذلك ، وقال : ((إنه خير لكما من خادم))(رواه البخاري ومسلم) ، فقيل إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه تغنيه عن خادم .
    · ومنها : أن كثرة الذكر أمان من النفاق ، فإن المنافقين قليلوا الذكر لله عز وجل ، قال الله تعالى في المنافقين : (ولا يذكرون الله إلا قليلاً)(النساء/142) .

    قال كعب : من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق ، ولهذا والله أعلم ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)(المنافقون/9) .
    · ومنها : أن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة .
    قال مالك بن دينار : ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل .
    · ومنها : أن دوام الذكر تكثير لشهود العبد يوم القيامة .
    · ومنها : أن الذكر أفضل من الدعاء : الذكر ثناء على الله عز وجل ، والدعاء سؤال العبد حاجته ، فأين هذا من هذا ، والذكر كذلك يجعل الدعاء مستجابـًا ، فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد .

    أنواع الذكر :
    الأول : ذكر أسماء الله عز وجل وصفاته ومدحه والثناء عليه بها نحو : (سبحان الله) و (الحمد لله) و (لا إله إلا الله) .
    الثاني : الخبر عن الله عز وجل بأحكام أسمائه وصفاته ، نحو : الله عز وجل يسمع أصوات عباده ويرى حركاتهم .
    الثالث : ذكر الأمر والنهي كأن يقول : إن الله عز وجل أمر بكذا ونهى عن كذا .
    الرابع : ذكر آلائه وإحسانه .
    والذكر يكون بالقلب أو باللسان ، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وذكر القلب أفضل من ذكر اللسان .
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:23 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اعلم أن المعاصي كلها سموم للقلب وأسباب لمرضه وهلاكه ، وهي منتجة لمرض القلب وإرادته غير إرادة الله عز وجل ، وضررها للقلب كضرر السموم للأبدان .
    قال الإمام ابن المبارك :
    رأيتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ وقد يورثُ الذّل إدمانُهَــا
    وتركُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ وخَيْرٌ لِنَفْسِـكِ عِصْيَانُهَـا

    وللمعاصي من الآثار المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وليس في الدنيا والآخرة شرٌ وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي .
    قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ ما ملخصه : " فما الذي أخرج الوالدين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب ؟ .

    وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه؛ فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع ، وبدل بالقرب بعدًا وبالرحمة لعنة ، وبالجمال قبحـًا ، وبالجنة نارًا تلظى ، فهان على الله غاية الهوان وسقط من رحمته غاية السقوط ، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه ومقته أكبر المقت فأرداه ، فصار قوادًا لكل فاسق ومجرم ، رضى لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة ، فعياذًا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك .
    وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال ؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية ؟

    وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعـًا ، ثم أتبعهم حجارة من سجيل فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ، ولإخوانهم أمثالها ، وما هي من الظالمين ببعيد؟

    وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تلظى ؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم ، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق ؟
    وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوحٍ بأنواع العقوبات ودمرها تدميرًا ؟
    وما الذي بعث على بني إسرائيل قومـًا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء ، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا ، وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ، ومرة بجور الملوك ، ومرة بمسخهم قردة وخنازير ، وآخر ذلك الرب تبارك وتعالى : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)(الأعراف/167) .

    فمن آثار الذنوب والمعاصي :
    -أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه ، وجيش يقويه به على حربه .
    - ومنها : أنها تجرئ على العبد من لم يكن يجترئ عليه .
    -ومنها : الطبع على القلب إذا تكاثرت ، حتى يصير صاحب الذنب من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى : (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(المطففين/14) هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب ، وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية ، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانـًا ، ثم يغلب حتى يصير طبعـًا وقفـلاً فيصير القلب في غشاوة وغلاف .
    - ومنها : أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة .
    - ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضـًا .
    - ومنها : ظلمة يجدها في قلبه يحس بها كما يحس بظلمة الليل ، كما روى عن ابن عباس أنه قال : " إن للحسنة نورًا في الوجه ، وضياءً في القلب ، وسعة في الرزق ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للمعصية سوادًا في الوجه وظلامـًا في القلب ، وضيقـًا في الرزق ، وبُغْضَةً في قلوب الخلق " .
    - ومنها : أن المعاصي توهن القلب والبدن ، أما وهنها للقلب فأمر ظاهر ، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية ، وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه .
    - ومنها : تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقـًا دونه أو متعسرًا عليه كما قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأجد ذلك في خُلق دابتي وامرأتي .
    - ومنها : الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير ، قال أبو الدرداء : ليتق أحدكم أن تعلنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ، يخلو بمعاصي الله فيلقى الله له البغض في قلوب المؤمنين .
    - ومنها سقوط الجاه والكرامة عند الله وعند خلقه : (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم)(الحج/18) .
    - ومنها : أنها تطفئ في القلب نار الغيرة .
    - ومنها : ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب .
    - ومنها : أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة .
    - ومنها : أن العبد لا يزال يرتكب المعاصي حتى تهون عليه وتصغر في قلبه ، قال ابن مسعود : " إن المؤمن يرى ذنبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا "(رواه الترمذي) .
    وقال أنس ـ رضي الله عنه ـ : " إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا لنعدها على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الموبقات "(رواه البخاري) .
    وقال بلال بن سعد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن إلى عظمة من عصيت.
    ونخص بالذكر هنا إن شاء الله تعالى خمسة سموم للقلب ، وهي من أكثر السموم انتشارًا ، وأشدها تأثيرًا في حياة القلب : وهي فضول الكلام ، وفضول النظر ، وفضول المخالطة ، وفضول الطعام ، وفضول النوم.
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:25 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدله ،وألهمه نور الإيمان فزينه به وجمله، وعلمه البيان فقدمه به وفضله ، وأمده بلسان يترجم به عما حواه القلب وعقله ، فاللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة ، فإنه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه ، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان ، ومن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان ، وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار ، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله ، ففي حديث معاذ رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم :
    " وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو قال على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم " والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته ، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع ، فمن زرع خيراً من قول أو عمل حصد الكرامة ، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة .

    وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل الناس به النار النطق بألسنتهم ، فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب
    عند الله عز وجل ، ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك ، ويدخل فيها شهادة الزور والسحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر كالكذب والغيبة والنميمة ، وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها .
    وقد ورد في فضل الصمت أحاديث كثيرة، منها حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال : " قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على ؟ قال : هذا وأخذ بلسانه " .

    وفي كتاب الإيمان في صحيح البخاري قوله : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال : أمسك عليك لسانك " .

    وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ففيه أمر بقول الخير وبالصمت عما عداه ، فالكلام إما أن يكون خيرا فيكون مأمورا بقوله ، وإما أن يكون غير ذلك فيكون مأموراً بالصمت عنه ، وقد قال الله تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18).

    وعن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة " أي من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه والصمت عما لا يعنيه ، وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام ، أضمن له الجنة ، قال ابن بطال : دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وقى شرهما وقى أعظم الشر ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن العبد ليتكم بالكلمة ما يتبين فيها يزل في النار أبعد ما بين المشرق" وأخرجه مسلم بلفظ " أبعد ما بين المشرق والمغرب " قال ابن عبد البر : الكلمة التي يهوى بها صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند السلطان الجائر . قوله
    " ما يتبين فيها " قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها ، قال : فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه . قال النووي : في هذا الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم وإلا أمسك .


    ومن الآثار الواردة في ذلك :
    عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : والله الذي لا إله إلا هو ليس شيء أحوج إلى طول سجن من لساني . وكان يقول : يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم .
    وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أنصف أذنيك من فيك ، وإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم .
    وعن الحسن البصري قال : كانوا يقولون : " إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه ، وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بشي أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه " .
    ـ وعن الحسن قال : ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه .

    ـ فإن قلت : فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه ؟
    فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضل والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات ، فهذه آفات كثيرة ، وهي سباقه إلى اللسان لا تثقل عليه ، ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان ، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب ، فإن ذلك من غوامض العلم ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة ، فلذلك عظمت فضيلته مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر العبادة، والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة فقد قال تعالى : (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( ق : 18).

    ويدل على فضل لزوم الصمت أمر ، وهو أن الكلام أربعة أقسام : قسم هو ضرر محض ، وقسم هو نفع محض ، وقسم فيه ضرر ومنفعة ، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة .

    أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه ، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة فإن درأ المفاسد أولى من جلب المنافع ، أما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول ، والاشتغال به تضييع زمان وهو عين الخسران ، فلا يبقي إلا القسم الرابع ، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع ، وهذا الربع فيه خطر إذ قد يمتزج بما فيه إثم دقائق الرياء والتصنع وتزكية النفس امتزاجا يخفي دركه فيكون الإنسان به مخاطراً .
    ونخص بتفصيل الذكرفيما يلي من مقالات بعض آفات اللسان التي عمت بها البلوى . والله المتسعان.

    البحر الرائق الشيخ أحمد فريد

    جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي
                  

09-28-2015, 11:27 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الاستغفار هو طلب المغفرة ، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها ، أي أن الله عز وجل يستر على العبد فلا يفضحه في الدنيا ويستر عليه في الآخرة فلا يفضحه في عرصاتها ويمحو عنه عقوبة ذنوبه بفضله ورحمته .
    وقد كثر ذكر الاستغفار في القرآن ، فتارة يؤمر به كقوله تعالى (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المزمل/20) وتارة يمدح أهله كقوله تعالى : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران/17) ، وتارة يذكر الله عز وجل أنه يغفر لمن استغفره كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء/110) .

    وكثيرًا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان ، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلب والجوارح ، وحكم الاستغفار كحكم الدعاء ، إن شاء الله أجابه وغفر لصاحبه لاسيما إذا خرج من قلب منكسر بالذنوب ، أو صادف ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات ، وأفضل الاستغفار أن يبدأ بالثناء على ربه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل ربه بعد ذلك المغفرة ، كما في حديث شداد بن أوس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ، ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ ، وأبوء بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "(رواه البخاري) .
    وقوله : " أبوء لك بنعمتك علي " أي أعترف لك ، و " أبوء بذنبي " أي أعترف وأقر بذنبي .
    وفي حديث عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال : يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : " اللهم إني ظلمت نفسي ظلمـًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم "(رواه مسلم) .

    ومن أفضل الاستغفار أن يقول العبد : " أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " .
    وقد ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن من قاله : " غفر له وإن كان فر من الزحف " .
    وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : إن كنا لنعد لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المجلس الواحد مائة مرة يقول : " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور "(رواه الترمذي وأبو داود والحاكم) .
    وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "(رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة) .

    وعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إنه لَيُغَانُ على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة "(رواه البخاري ومسلم) .
    وقد ورد في حديث أنس أهم الأسباب التي يغفر الله عز وجل بها الذنوب ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تعالى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة "(رواه الترمذي) .

    وقد تضمن هذا الحديث ثلاثة أسباب من أعظم أسباب المغفرة :
    أحدها : الدعاء مع الرجاء : فإن الدعاء مأمور به موعود عليه بالإجابة ، كما قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(غافر/60) ، فالدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه ، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو وجود بعض موانعه ، ومن أعظم شرائطه حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى ، فمن أعظم أسباب المغفرة أن العبد إذا أذنب ذنبـًا لم يرج مغفرة من غير ربه ، ويعلم أنه لا يغفر الذنوب ويأخذ بها غيره فقوله : " إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي " يعني على كثرة ذنوبك وخطاياك ، ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره .

    وفي الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء "(رواه مسلم) .
    فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها ، كما قال الإمام الشافعي عند موته :
    وَلمّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَت مَذَاهِبِي جَعَلْتُ الرَّجَـا مِنِّي لِعَفْوكَ سُلَّمـًا
    تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمـَّـا قَرَنْتُهُ بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَـفْوُكَ أَعـظَمَ
    الثاني : الاستغفار : فلو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء ـ وهو السحاب ، وقيل : ما انتهى إليه البصر منها ـ ثم استغفر العبد ربه عز وجل ، فإن الله يغفرها له .
    روي عن لقمان أنه قال لابنه : يا بني عود لسانك اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً .
    وقال الحسن : أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم ، فإنكم ما تدرون متي تنزل المغفرة .

    الثالث : التوحيد : وهو السبب الأعظم ومن فقده حُرِمَ المغفرة ، ومن أتى به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة .
    قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء/166) ، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في معنى قوله : " يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة" يُعْفَى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك ، فلو لقى الموحد الذي لم يشرك بالله ألبتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة ، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده ، فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب ؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ، ولو كانت قراب الأرض ، فالنجاسة عارضةٌ ، والدافع لها قوي ، ومعنى " قُراب الأرض " ملؤها أو ما يقارب ذلك ، ولكن هذا مع مشيئة الله عز وجل ، فإن شاء غفر بفضله ورحمته ، وإن شاء عذب بعدله وحكمته ، وهو المحمود على كل حال .

    قال بعضهم : الموحد لا يلقى في النار كما يلقى الكفار ، ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار ، فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه والسانه وجوارحه أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية ، فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيمـًا وإجلالاً ومهابة وخشية ورجاء وتوكلاً ، وحينئذٍ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر ، وربما قلبتها حسنات ، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم ، فلو وضعت ذرة منه على جبال الذنوب والخطايا لقلبتها حسنات ، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : كما أن الله عز وجل لا يقبل طاعات المشركين فنرجو أن يغفر الله عز وجل ذنوب الموحدين أو معناه .
    الآثار في فضل الاستغفار :
    قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا .
    وقال علي ـ رضي الله عنه ـ : ما ألهم الله سبحانه عبدًا الاستغفار وهو يريد أن يعذبه .
    وقال قتادة ـ رحمه الله ـ : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنوب ، وأما دواؤكم فالاستغفار .
    وسمعوا أعرابيـًا وهو متعلق بأستار الكعبة يقول : اللهم إن استغفاري مع إصراري لَلَؤمٌ ، وإن تركي استغفارَكَ مع علمي بسعة عفوك لعجزٌ ، فكم تتجبب إليَّ بالنعم مع غناك عني ، وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك ، يا من إذا وعد وَفّى ، وإذا أوعد عفا ، أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين .
    لكن قوله : " إذا أوعد عفا " مخالفٌ لعقيدة السلف ـ رضي الله عنهم ـ فوعد الله عز وجل ووعيده حق ، كما قال تعالى : (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيّ)(ق/29) .
    فهو سبحانه إن شاء عفا وإن شاء عاقب ، نسأل الله المغفرة والعفو والعافية.
    البحر الرائق-الشيخ أحمد فريد
                  

09-28-2015, 11:29 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة (وكان الإنسان عجولاً ) { الإسراء :11}.
    ولما كانت هذه العجلة تجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات؛ ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا ، ونقصد بالتأني هنا : عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها .
    وإذا كان الله - تعالى - قد قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم : -
    (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (طـه:114) . وهذا في تلقي القرآن فإن التأني يكون مطلوباً من الإنسان في أمور حياته كلها .
    التأني من الله والعجلة من الشيطان :
    فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال
    " التأني من الله ، والعجلة من الشيطان .... " والحديث
    و إذا كان التأني من الله ، فإن الله يحبه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس " إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة " .(البخاري ومسلم).
    التأني في الدعاء :
    ونقصد به أن يقدم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله والصلاة على نبيه فإن ذلك أرجى لقبول دعائه ؟ أما أن يدخل في الدعاء مباشرة فإنه من العجلة ، فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال له: " عجلت أيها المصلي " ، وسمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ادع تُجب وسل تعط " .
    ومن العجلة في الدعاء أن يستبطأ الإجابة ، فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له .
    التأني المذموم :
    على الرغم من فضائل التأني وامتداحه عقلاً وشرعاً ، فإن هناك نوعاً منه ليس من التأني الممدوح ،إنه التأني في أمر الآخرة ،وإنه في الحقيقة تثاقل ونوع غفلة ينبغي أن يجاهد المسلم نفسه للتنزه عنه . ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
    " التؤدة ( أي التأني والتمهل ) في كل شيء إلا في عمل الآخرة " . (رواه أبو داود وصححه الألباني) ومن التأني المحمود التأني في القضاء بأن يسمع القاضي طرفي النزاع فيسمع من الثاني كما سمع من الأول فإنه أحرى أن تبين له القضاء .
    من أقوال الشعراء في التأني :
    انطق مصيباً لا تكـن هـذراًَ عيابة ناطقـاً بالفحش والريب
    وكن رزينا طويل الصمت ذا فكر فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
    ولا تجب سائلاً من غير تروية وبالـذي مثـله تسال فلا تجب
    وقال آخر :
    لا تعجـلن فربمـا عجل الفتى فيما يضره
    ولربما كره الفتى أمــراً عـواقـبـه تسـره
    فكن أخي متأنيا في أمور دنياك كلها تسعد وتفرح ولا تندم إن شاء الله.
    للاستزادة : نضرة النعيم بإشراف الشيخ صالح بن حميد
    إسلام ويب
                  

09-28-2015, 11:32 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(الأحزاب/56) .
    قال ابن كثير رحمه الله : المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه في الملأ الأعلى عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر تعالى العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعـًا .

    وقال ابن القيم - رحمه الله - في " جلاء الأفهام " : والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسول الله فصلوا أنتم أيضـًا عليه ، فأنتم أحق بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليمـًا ؛ لما نالكم ببركة رسالته ويُمْنِ سفارته ، من خير شرف الدنيا والآخرة .
    معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
    قال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء .
    وقال ابن عباس : يصلون يباركون .

    قال ابن القيم - رحمه الله - : الصلاة المأمور بها فيها أي في الآية المتقدمة هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته ، وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه .

    فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
    عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال : أتيت النبي وهو ساجد فأطال السجود قال :" أتاني جبريل قال : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرًا "(رواه أحمد) .
    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا "(رواه الحاكم وأحمد) .
    وعن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتاني آتٍ من ربي فقال : ما من عبدٍ يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرًا " .
    فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك ؟ قال : إن شئت ، قال : ألا أجعل ثلثي دعائي ؟ قال : إن شئت ، قال : ألا أجعل دعائي كله قال : " إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة "(رواه مسلم) .

    وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رغم أنف رجل ذُكرتُ عنده فلم يصل عَليَّ ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه عنده الكبر فلم يدخلاه الجنة ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له"(رواه الترمذي) .
    عن علي بن الحسين قال : أخبرني أبي عن جدي أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تجعلوا قبري عيدًا وصلوا عليَّ وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم "(رواه أبو داود وأحمد وحسنه الحافظ ، وقال الألباني: صحيح بطرقه وشواهده) .
    وعن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام "(رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الألباني : إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح) .

    وعن الحسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بحسب امرئ من البخل أن أُذكر عنده فلا يصلي عليَّ "(رواه الترمذي وقال : حسن غريب صحيح ، والحاكم ، وقال الألباني : مرسل صحيح يشهد له ما قبله) .
    وعن محمد بن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من ذُكرت عنده فلم يصل عليَّ خطئ طريق الجنة "(رواه الجهضمي وقال الألباني : إسناده مرسل جيد) .
    وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليَّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة "(رواه مسلم) .
    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما جلس قوم مجلسـًا لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة ، إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم "(رواه الترمذي وصححه الألباني) .

    كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
    عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال : " أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، والسلام كما علمتم "(رواه مسلم) .

    الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - :
    1- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى وموافقته سبحانه في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وموافقة ملائكته فيها .
    2- حصول عشر صلوات من الله عز وجل على المصلي بالصلاة مرة واحدة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
    3- أنها سبب لشفاعته - صلى الله عليه وسلم - إذا قرنها بسؤال الوسيلة أو أفردها كما تقدم .
    4- أنها سبب لكفاية العبد ما أهمه كما في حديث زيد بن طلحة المتقدم .
    5- أنها ترمي بصاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها .
    6- أنها سبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن والبركة للمصلي ؛ لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه ويبارك عليه وعلى آله ، وهذا الدعاء مستجاب فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك والجزاء من جنس العمل .
    7- أنها سبب لدوام محبة العبد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيادتها وتضاعفها ، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به ، وهي سبب أيضـًا لزيادة محبته - صلى الله عليه وسلم - للمسلم وعرض اسم المصلي عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

    مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
    الموطن الأول : وهو أهمها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد ، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته واختلفوا في وجوبه فيها .

    الموطن الثاني : صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ، عن الزهري قال : سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب قال : " إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه "(رواه النسائي والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي والألباني) .

    الموطن الثالث : عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف في وجوبها كلما ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم - فقال الطحاوي والحليمي : تجب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - كلما ذكر اسمه ، وقال غيرهما : ذلك مستحب وليس بفرض يأثم تاركه .

    الموطن الرابع : عند دخول المسجد وعند الخروج منه ، عن فاطمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا دخلت المسجد فقولي بسم الله والسلام على رسول الله ، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا وسهل لنا أبواب رحمتك ، فإذا فرغتِ فقولي مثل ذلك غير أن قولي : وسهل لنا أبواب فضلك "(رواه ابن ماجة والترمذي وصححه الألباني بشواهده) .

    الموطن الخامس : عقب سماع الأذان لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليَّ ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة "(رواه ) .

    الموطن السادس : عند الدعاء لحديث فضالة بن عبيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم : " عجل هذا " ثم دعاه فقال له ولغيره : " إذ صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو بعد بما شاء "(رواه).
    الموطن السابع : الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة : لحديث أوس بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا : يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أَرِمْتَ ؟ يقولون : قد بليتَ ـ قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " .
    الموطن الثامن : الخطب كخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها .
    الموطن التاسع : عند القيام من المجلس .
    الموطن العاشر : عند خطبة الرجل المرأة في النكاح .

    البحر الرائق / الشيخ : أحمد فريد .
                  

09-28-2015, 11:37 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    فضول النظر هو إطلاقه بالنظر إلى الشيء بملء العين ، والنظر إلى ما لا يحل له ، وهو على العكس من غض البصر، والغض هو النقص ، وقد أمر الله عز جل به فقال . (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(النور: 30، 31).
    والله عز وجل لا يأمر بصرف كل النظر وإنما يأمر بصرف بعضه، قال تعالى :
    ( من أبصارهم ) ولما كان تحريم فضول النظر من تحريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة، ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم تعارضه مصلحة أرجح من تلك المفسدة، ولم يأمر الله سبحانه بغضه مطلقا بل أمر بالغض منه ، وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه فلذلك أمر بحفظه .

    وقد أمر الله عز وجل بغض البصر وصيانة لفرج وقرن بينهما في معرض الأمر ، وبدأ بالأمر بالغض لأنه رائد للقلب كما قيل :
    ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف
    ولأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج وصيانته ، وهو الباب الأكبر إلى القلب ، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه .

    وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن البني صلى الله عليه وسلم قال : " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة ، العينان زناها النظر ، والأذنان زناها الاستماع ، اللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، الرجل زناها الخطى ، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " ( البخاري ومسلم ).
    وعن جرير رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال : " اصرف بصرك " (رواه مسلم ).

    آفات فضول النظر :
    الآفة الأولى : فضول النظر معصية ومخالفة لأمر الله عز وجل وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد إلا بامتثال أوامره ، وما شقى من شقى إلا بتضييع أوامره .

    الآفة الثانية : أنه يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر منه فإنه يوقع الوحشة بين العبد وربه ، وغض البصر يورث القلب أنسا بالله عز وجل وجمعيه عليه .

    الآفة الثالثة : أنه يضعف القلب ويحزنه وغض البصر يقوي القلب ويفرحه .

    الآفة الرابعة : أنه يكسب القلب ظلمة وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب البلاء والشر من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه النور الذي في القلب فإذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام ، وغض البصر لله عز وجل يكسب القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، ولهذا ذكر الله عز وجل آية النور عقب الأمر بغض البصر فقال تعالى : (قلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور:30). ثم قال إثر ذلك : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ )(النور: من الآية35). أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب .

    الآفة الخامسة : فضول النظر يقسي القلب ويسد على العبد باب العلم ، وغض البصر يفتح للعبد باب العلم ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق الأشياء .

    الآفة السادسة : أنه يسمح بدخول الشيطان إلى القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يمنيه ويوفد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب قد أحاطت به النيران من كل جانب ، فهو وسطها كالشاة وسط التنور ، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أنه جعل لهم في البرزخ تنورا من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ، وغض البصر يسد على الشيطان مدخله إلى القلب .

    الآفة السابعة : إن إطلاق البصر يوقع العبد في الغفلة اتباع الهوى ، قال الله تعالى : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)(الكهف: من الآية28). وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه، وغضه لله عز وجل يفرغ القلب للتفكير في مصالحه والاشتغال بها .

    الآفة الثامنة : إن النظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته ، وهي الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل :

    كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
    كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر
    والمرء مـا دام ذا عين يقلبها في أعين الناس موقوف على خطر
    يـسر مقلته ماضر مهجته لا مرحبا بسرور عادب الضرر

    الآفة التاسعة : فضول النظر وإطلاق البصر يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه كما يقول القائل :

    وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
    رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

    الآفة العاشرة : أن النظرة تجرح القلب جرحا فيتبعها جرح على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها ، كما يقول القائل :

    ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليح
    وتظن ذاك دواء جرحك وهو في التحقيق تجريح على تجريح
    فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا فالقلب منك ذبيح أي ذبيح

    الآفة الحادية عشرة : إطلاق البصر يذهب نور البصيرة والجزاء من جنس العمل ، وغض البصر يسبب إطلاق نور البصيرة ويورث العبد الفراسة كما قال شاه بن شجاع الكرماني : (( من عمر ظاهره باتباع السنة ، وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد الحلال لم تخطئ فراسته )) . وكان شاه هذا لا تخطئ له فراسة .

    الآفة الثانية عشرة : فضول النظر يوقع القلب في ذل اتباع وضعف القلب، ومهانة النفس وحقارتها ، وما جعله الله لمن آثر هواه على رضاه ، وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )(فاطر: من الآية10). أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح ، فمن أطاع الله فقد والاه، وله من العزة بحسب طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته .

    الآفة الثالثة عشرة : فضول النظر يوقع القلب في أسر الشهوة ، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه فهو كما قيل : ( طليق برأي العين وهو أسير ) .
    ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه وسامه سوء العذاب وصار :
    كعصفورة في كف طفل يسومها حِيا ضَ الردى والطفل يلهو ويلعب
    الآفة الرابعة عشرة : فضول النظر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور
    (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72). فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد نور البصير، فالنظرة كأس من خمر والعشق هو سكر ذلك الخمر ، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات نادما مع الخاسرين .
    المصدر : الجواب الكافي ـ لابن القيم
    البحر الرائق ـ أحمد فريد
                  

09-30-2015, 00:12 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحذر من الفتور
    الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومن بهديه اهتدى ، وبعد:
    فإن الفلاح مطلب العاملين ، وقد رتبه الله (تعالى) على تزكية النفس وتربيتها وتطهيرها ، فـقــال (عز وجل): ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] ، وقال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) [الشمس: 9 ، 10].

    وقد بـعــث الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- معلماً ومربياً ، فقال: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَـــلالٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة: 2] ، فكان -صلى الله عليه وسلم- يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية والتزكية.

    وإن إصــلاح النفوس وتزكيتها دأبُ السائرين إلى الله (تعالى): الأنبياء وأتباعهم ، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكابد من دعوة قومه الشدائد ، فإذا أظلم الليل انتصب لربه راكعاً وساجداً ، يسأله ويرجوه ، ويخضع بين يديه ويتذلل له ، وقد كان قيام الليل واجباً على المسلمين عاماً كاملاً ، وذلك لما له من أثر في إصلاح القلب ، وانطلاقة المسلم وثباته ـ في آنٍ معاً ـ ، مما يجعله ضرورة ملحة لا غنى عنها.
    ومن ثَم: كــان واجب كل مسلم ، ـ وخاصة المشتغلين بالعلم والدعوة ـ أن يجعل من أكبر همه إصلاح نـفـسه وتهذيبها ، وتعاهدها في صلته مع الله ، وأخلاقه وسلوكه مع الخلق ، ويجعل من ذلك منطلقاً لدعوة الناس وإصلاحهم.

    التخلية والتحلية والمجاهدة:
    من أعظم قواعد تربية النفس: تخليتها من اتباع الهوى؛ فإن اتباع الهوى موجب لأمراض لا حصر لها ، وعلـّـة المرض لا تعالج إلا بضدها ، فالطريق لمعالجة القلوب: سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كلمة واحدة ، فقال (عز وجل):((وَأَمَّا منْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) [النازعات:40،41]، وقال:((وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...)) [العنكبوت: 69].

    والأصل المهم في المجاهدة: الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة،وابتلاه الله وامتحنه بتيسير أسبابها ، فالواجب الصبر والاستمرار ، فإن النفس إذا عُوِّدت تــرك العزم ألفت ذلك ، فَفَسَدَت.
    ثم يتعين بعد ذلك: تحلية النفس وتعويدها على الخير ، حتى تألفه ويكون سجية لها ، قال: "إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحرّ الخير يُعطَه ، ومن يتق الشر يوقه"." صحيح الجامع ، فإن الأعمال لها أثر يمتد حتى يصل إلى القلب ، فكما أن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح: فإن كل فعل يجري على الجوارح قد يرتفع منه أثر إلى القلب ، والأمر فيه دَوْر ، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح.

    الحذر من الفتور :
    فإذا ما تمت تخلية النفس من اتباع الهوى وتحليتها بفعل الخيرات والفضائل: وجب بعد ذلــك أن يَنْصبّ الاهـتـمــــام على مـتــابعة النفس في فعل الواجبات والمستحبات،وتــرك المحرمات والمكروهات والنية في المباحات، فإن النفس من طبعها الكسل والتراخي والفتور.
    قال: "لكل عمل شَرّة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك"" المسند: 2/21 ، وصحح أحمد شاكر إسناده ، وانظر: صحيح الجامع ، ح/ 2152 .
    قال ابن القيم (رحمه الله): "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرم ، رُجي له أن يعود خيراً مما كان" (انظر أيضاً بمعنى هذا الكلام: مدارج السالكين ، جـ3 ، ص (5).

    درجات الفتور:
    إذن: فالفتور أمر لا بد منه ، ولكن الفتور درجات وأقسام:
    1- أخطرها كسل وفتور عام في جميع الطاعات ، مع كره لها ، وهذه حال المنافقين.
    2- ثم كسل وفتور في بعض الطاعات ، مع عدم رغبة ، دون كره لها ، وهذه حال كثير من فساق المسلمين.
    3- كسل وفتور سببه بدني، فهناك الرغبة في العبادة، ولكن الكسل والفتور مستمر، وهذه حال كثير من المسلمين.
    والخطير في هذه الحالة أن العمر يمضي، والأيام تنصرم دون إنتاج ولا عمل يذكر،والأخطر من ذلك: الانتقال إلى حالة أشد منها، فتعظم المصيبة، أو يقع الشبه بالمنافقين في التكاسل عن الطاعات، والتثاقل عن الخيرات؛ لذا: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من العجز ، ومن الكسل في الصباح والمساء ، ويعلم أصحابه أن يستعيذوا منه.
    وقد عاتب الله المؤمنين في تثاقلهم عن الجهاد،ودعاهم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات، ورغبهم في جزاء السابقين المسارعين إلى الخيرات ، وبيّنه لهم.

    الداعية والفتور:
    والفتور والكسل داء يدب في الناس على مختلف درجاتهم ، وأخطر ما يكون على الدعاة وطلبة العلم ، مما يجعل تفاديه قبل حلوله ، أو تلافيه بعد نزوله أمراً ضروريّاً ، والدفع أسهل من الرفع.
    ومن هنا: وجب تعاهد النفس؛ لئلا تقع في فتور ينقلها من مرحلة إلى مرحلة، فـيـتـعــسر الداء، وتصعب المعالجة؛ لأن أمراض النفس كالنبتة ، أسهل ما يكون قلعها وإزالتها أول نباتها ، فإذا ما تركت أخذت في النمو والكبر والثبات في الأرض ، حتى يحتاج قلعها إلى الرجال والفؤوس، وكذلك أمراض القلوب: تبدأ في ظواهر يسيرة، فــــإذا أهمل صاحبها علاجها تمكنت منه حتى تكون هيئات راسخة ، وطباع ثابتة.
    لذلك: كان الواجب علينا ـ معشر الدعاة ـ أن نتفحص أنفسنا ، ونتأمل أحوالنا: هل نجد شيئاً من مظاهر الفتور؟ ، فنبادر إلى معرفة الأسباب والسعي في العلاج.

    مظاهر الفتور:
    مظاهر الفتور كثيرة ، منها:
    ـ التكاسل عن الطاعات ، والشعور بالضعف والثقل أثناء أدائها ، والغفلة عن الذكر ، وقراءة القرآن.
    ـ الشعور بقسوة القلب ، وضعف تأثره بالقرآن والمواعظ .
    ـ التساهل في ارتكاب المعاصي وإلفها.
    ـ عدم استشعار المسؤولية والأمانة ، وضعف هم الدعوة في القلب.
    ـ انفصام عرى الأُخُوّة بين المتحابين.
    ـ الاهتمام بالدنيا ، والانشغال بها عن فعل الخير.
    ـ كثرة الكلام الذي لا طائل تحته ، وكثرة الجدال والمراء ، والحديث عن الأمجاد ، والمشكلات ، والانشغال بذلك عن العمل الجاد والمثمر المفيد للأمة.
    ـ ضعف جذوة الإيمان ، وانطفاء الغيرة على محارم الله.
    ـ ضياع الوقت ، وعدم الإفادة منه.
    ـ عدم الاستعداد للالتزام بشيء ، والتهرب من كل عمل جدي.
    ـ الفوضوية في العمل.
    ـ خداع النفس؛ بأن يتوهّم بأنه يعمل ، لكنه في الحقيقة فارغ ، أو عمله بلا هدف.
    ـ النقد لكل عمل إيجابي.
    ـ التسويف ، والتأجيل ، وكثرة الأماني.

    أسباب الفتور:
    وإذا تساءلنا: ما أسباب هذا الفتور الذي نعاني منه ، وما دواعيه؟ ، فالجواب: إنها كثيرة ، متفاوتة في الأهمية ، ومنها:
    ـ عدم الإخلاص في الأعمال ، أو عدم مصاحبته؛ بأن يطرأ الرياء على الأعمال.
    ـ ضعف العلم الشرعي؛ فيضعف علم فضائل الأعمال وثوابها ، وفضل الصبر وأثره ، ونحو ذلك.
    ـ تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة.
    ـ فتنة الزوجة والأولاد ، فإنها ملهاة عن كثير من الطاعات ، إذا لم ينتبه لها.
    ـ عدم فهم الدين نفسه ، وهذا غريب! ، والأغرب: أن يفهم طبيعة الدين ، ويتذوق حلاوة الإيمان ، ثم ينصرف عن العمل في ميدانه.
    ـ الوقوع في شيء من المعاصي والمنكرات ، وأكل الحرام أو المشتبه بالحرام.
    ـ عدم وضوح الهدف الذي يدعو من أجله ، وهو: طلب مرضاة الله ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وإقامة دين الله في الأرض.
    ـ ضعف الإيمان بالهدف ، أو الوسيلة الدعوية التي يسلكها.
    ـ الغلو والتشدد ، بحيث ينقلب ذلك سبباً للملل وترك العمل.
    ـ العقبات والمعوقات الكثيرة في طريق الدعوة والداعية ، وتلك سنة الله في الدعاة والدعوات.
    ـ الفردية وإيثار العزلة ، فيدركه الملل والسأم.
    ـ الجمود في أساليب الدعوة وعدم التفكير في وسائل وأساليب توصل المقصود إلى المدعوين ، وتحافظ على أصول الدعوة وروحها ، ومن ذلك مثلاً: التنويع في أساليب مخاطبة الناس ، كلٍّ حسب مستواه: بالكلمة المسموعة ، والمقروءة ، بشتى صورها وأشكالها ، ومنه: التنويع في كيفية إلقاء دروس العلم والقرآن ، من حيث المكان والوسائل.
    ـ عدم استحضار عداوة الشيطان المستمرة ، وأيضاً: عدم استشعار تحدي الكفار للمسلمين ، وأنهم يبذلون كل وسيلة لصد المسلمين عن دينهم والكيد لهم.
    ـ الأوهام ووساوس الشيطان التي تزرع الخوف في القلوب ، وتشكك الداعية في سلامة الطريق.
    ـ أمراض القلوب: كالحسد ، وسوء الظن ، والغل ، وحب الصدارة ، والكبر...
    ـ التقصير في العبادة وعمل اليوم والليلة من الرواتب والسنن والأذكار والورد اليومي...
    ـ استبطاء النصر ، واستعجال النتائج.
    ـ عدم الاستقرار على برنامج أو عمل معين ، وترك العمل قبل إتمامه ، ثم الانتقال إلى غيره.. وهكذا.
    ـ النظر إلى مَنْ دونه في العلم والعبادة ، وذلك مثبط للهمم .
    ـ الدخول على أهل الدنيا ومخالطتهم ، وفيه مفاسد عظيمة ، لا ينجو منها إلا من سلّمه الله.
    ـ الفتور في معالجة الفتور .

    علاج الفتور:
    ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والفتور من أشد الأمراض المعنوية، وتتأكد خطورته حينما لا يحس به الإنسان حتى ينـقـلــه إلى الانحراف ، فيقضي عليه ـ والعياذ بالله ـ ، ومن هنا تتأكد أهمية العلاج باتخاذ سـبـل الـوقـايــة منه ابتداء ، أو عمل الأسباب التي تذهب به بعد وقوعه ، وأهم سبل العلاج: تلافي أسبابه ، وذلك أعظم وسيلة للنجاة ، وإن القناعة بخطورة هذا المرض ووجوب التخلص منه ـ وقاية وعلاجاً ـ أمر ضروري للإفادة من سبل العلاج ، ومنها:
    ـ الدعاء والاستعانة؛ فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه ، والمصاب بدينه الذي يخاف على نفسه: أعظم المضطرين ، والله هو المستعان على كل خير ، ولذا: أوصى النبي -صلى الله عـلـيـه وسلم- معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: "اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك".
    ـ تعاهد الإيمان وتجديده ، والحرص على زيادته بكثرة العبادة؛ مما يكون زاداً للمؤمن ، ومخففاً عنه عناء الطريق.
    ـ مراقبة الله، والإكثار من ذكره ، ومراقبته تستلزم خوفه وخشيته ، وتعظيمه ، ومحبته، ورجــاءه ، والإيمان بعلمه وإحاطته وقدرته ، أما الذكر: فهو قوت القلوب ، وبه تطمئن، وأعـظــــم ذلك: الصلة بكتاب الله (تعالى): تلاوة ، وفهماً ، وتدبراً ، وعملاً ، وحكماً ، وتحاكماً ، فإن من لم ينضبط بالقرآن أضله الهوى.
    ـ الإخلاص والتقوى؛ ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)) [الأنفال:29].
    ـ تصفية القلوب من الأحقاد ، والغل ، والحسد ، وسوء الظن؛ مما يشرح الصدر ، ويسلم القلب.
    ـ طلب العلم ، والمواظبة على الدروس وحلق الذكر والمحاضرات؛ فإن العلم طريق الخشية ، وهو قوت القلوب.
    ـ الوسطية والاعتدال في العبادة ، وفي عمل الخير.
    ـ تنظيم الوقت ، ومحاسبة النفس.
    ـ لزوم الجماعة ، وتقوية روابط الأخوة.
    ـ تعاهد الفاترين ومتابعتهم؛ لئلا يؤدي بهم الفتور إلى الانحراف.
    ـ التربية الشاملة المتكاملة على منهاج النبوة التي تقي من الفتور ـ بإذن الله (تعالى) ـ.
    ـ تنويع العبادة والعمل ، من: الذكر ، وقراءة القرآن ، والصلاة ، وقراءة الكتب المفيـدة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقضاء حوائج الناس ، وإغاثة الملهوفين...
    ـ الاقتداء بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ، والدعاة المخلصين.. في نشاطهم ، وحرصهم على أوقاتهم وأعمالهم.
    ـ علو الهمة ونبل المقصــد والأخذ بالعزيمة ، بأن يكون الهمّ: الجنة ، والمقصود: مرضاة الله ؛ بالسعي في العبادة حتى الموت.
    ـ الإكثار من ذكر الموت،وخوف سوء الخاتمة، بزيارة المقابر، ورؤية المحتضرين، فإن ذلك يورث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.. ونسيان الموت: يورث أضداها.
    ـ جعل ذكر الجـنـــــة والنار من الإنسان على بال ، وقراءة صفة كلٍّ منهما في كتاب الله (تعالى) وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فإن ذلك يشحذ الهمم ويذكي العزائم.
    ـ الحرص علـى زيادة العمل ، والاستمرار فيه ، والحذر من التكاسل ، خاصة فيما حافظ عليه من عمل ، فإن من ترك سنة يوشك أن يترك واجباً.. وهكذا.
    ـ الـصـبـر والمصابرة؛ فإن طريق العلم والعبادة والدعوة إلى الله طريق شاق وطويل ، وكثير المتاعب والمصاعب.
    نسأل الله (عز وجل) أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخاتمة الخير..
    مراجع أخرى مهمة:
    1 - روحانية الداعية ، عبد الله ناصح علوان. 2 - الفتور ، جاسم الياسين
    عبد الحكيم بن محمد بلال - البيان
                  

09-30-2015, 00:14 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    فضول الطعام
    اعلم أن من أعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن، فبها أخرج آدم عليه السلام وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار ؛ إذ نهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما ، والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات ، إذ يتبعها شهوة الفرج ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذان هما وسيلة إلى التوسع في المطعومات ، ثم يتبع استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء، ولو ذلل العبد نفسه بالجوع وضيق مجارى الشيطان لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيل البطر والطغيان ، عن المقدام بن معد يكرب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"( الترمذي وقال : حسن صحيح).

    وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روى أن ابن أبي ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال : لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارشايات ودكاكين الصيادلة، وإنما قال هذا لأن أصل كل داء التخم ، فهذا من منافع قلة الغذاء وترك التملوء من الطعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته.

    وأما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب ، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك ، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقلل من الأكل في الحديث المتقدم وقال : " حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه " وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
    " المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " والمراد أن المؤمن يأكل بآداب الشرع فيأكل في معي واحد والكافر بمقتضى الشهوة والشره ، والنهم فيأكل في سبعة أمعاء، وندب صلى الله عليه وسلم مع التقلل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه فقال : " طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة " فأحسن ما أكل المؤمن في ثلث بطنه وشرب في ثلث وترك للنفس ثلثا كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم : قال بعض السلف : كان شباب يتعبدون في بني إسرائيل فإذا كان فطرهم قام عليهم قائم فقال : لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فتخسروا كثيرا . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجوعون كثيرا ، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها ؛ ولهذا كان ابن عمر يتشبه به في ذلك مع قدرته على الطعام وكذلك أبوه قبله .

    وعن عائشة قالت : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبز بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض " .
    قال إبراهيم بن أدهم : من ضبط بطنه ضبط دينه ، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة ، وإن معصية الله بعيده من الجائع قريبة من الشبعان ، ومن أكبر فوائد الجوع كسر شهوات المعاصي كلها ، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء ، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى ، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة ، وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه ، وكما أنك لا تملك الدابة الجموع إلا بضعف الجوع ، فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت فكذلك النفس.
    ويروى عن لقمان أنه قال لابنه : إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة .


    ومن فوائد الجوع كذلك أنه يورث الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى ، فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع ، فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها ، وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء وتأخرت عنها .

    وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره ، وإنما سعادته في أن يكون دائما مشاهدا نفسه بعين الذل والعجز ، ومولاه بعين العز والقدرة القهر ، فليكن دائما جائعا مضطرا إلى مولاه .

    وعلى الجملة لا سبيل إلى إهمال النفس في الشهوات المباحة واتباعها بكل حال ، فبقدر ما يستوفى العبد من شهوته يخشى أن يقال له يوم : ( القيامة أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها )، وبقدر ما يجاهد نفسه ويترك شهوته يتمتع في الدار الآخرة .

    البحرالرائق : الشيخ أحمد فريد
                  

09-30-2015, 00:15 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن التربية بالحدث تفعل فعلها أكثر مما لو كانت كـلامــــاً منمقاً مرصوصاً بأسلوب بديع، والمتأمل لسير الأوائل من هذه الأمة يتعجب من هذه النفـسـيــة العجيبة المعطاءة لأبناء هذا الدين التي لا تكل ولا تمل ـ مهما كانت الظروف والأحوال، سواء أكانت أيام مكة أو بعد الهجرة ـ تقدم وتبذل، وقد تكون محاولات ينجح بعضها ولا يحـالـف الـتـوفـيــق البعض الآخـــــر، ولكنها عطاء لله: ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))، ((ومــا أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه)).

    الفاروق والهجرة

    من أولئك الـنـفــر الذيـن بـذلـــــوا أنفسهـم: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، فهو عمر الحريص على دخول الناس في الإســلام والتمسك به، وتثبيت المؤمنين المستضعفين حدثاء العهد بالإسلام، وهو عمر لا ينتظر الأوامـــــر ولا يقف عند مرحلة التفكير، بل يسارع إلى التنفيذ مباشرة، فما كان يعرف التردد في مثل هذه الأمور،... لننظر ماذا فعل أثناء هجرته وبعدها داعياً إلى الله (سبحانه وتعالى)، متبعاً عـدة طرق ووسائل، كان همّه فيها هو هداية الناس إلى الإسلام وثباتهم عليه.
    تذكـر كتب السير ـ بإسناد حسن(1) ـ قصة هجرة عمر بن الخطـاب (رضي الله عنه)، أنه قال: اتـعــدت ـ لما أردنا الهجرة إلى المدينة ـ أنا وعياش ابن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السـهـمي التَنَاضُبَ(2) من أضَاةِ بني غفار فوق سَرِف، وقلنا: أينا لا يصبح عندها فقد حُبس، فليمض صاحباه.
    قال:فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنها هشام، وفتن فافتتن.
    فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هـشـــام إلى عياش بن أبي ربيعة ـ وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما ـ حتى قدما علينا المدينة ـ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة ـ فكلماه، وقالا: إن أمك قد نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراك، فرقّ لها.
    فقلت له: يا عياش إنه ـ والله ـ إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم..
    فقال: أبر قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه.
    فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما.
    فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما.
    فلما أبى إلا ذلك قـلـت: أمــــا إذا قد فعلت ما فعلت؛ فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما.
    حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟
    قال: بلى.
    قال: فأناخ وأناخ ليتحول عـلـيـهــا، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة وفَتنَاه فافتتن.
    قال: فكنا نقول: ما الله بقابل مـمــن افـتـتـن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم.
    قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رســـــول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أنزل الله (تعالى) فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: ((قـل يـا عـبــــادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هـو الغـفـــــور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون)) [الزمر:53-54].
    قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص.
    قال: فـقـــال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه وأصـــــوب ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم فهمنيها.
    قال: فألقى الله (تعالى) في قلبي أنها إنما أنزلت فيما كنا نقول لأنفسنا ويقال فينا.
    قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.أ.هـ.

    جلد الكافر

    هذه هي القصة، وهذه هي جهود الفاروق (رضي الله عنه) في ذلك الوقت، وإن المرء ـ وهو يمر عليها ـ ليتـعـجـــب أشد العجب من أمرين: أحدهما: حرص أبي جهل، ذلك الذي يسافر، ويقدم ويؤخر، ويـبـــذل، ويستخدم الأساليب الملتوية باسم البر بالوالدين وباسم الرحم ـ كونه قريباً لعياش بن أبي ربـيـعــة ـ، بل ويصطحب الحارث بن هشام إمعاناً في القربى، غير مكترث بنجاح النتائج من عدمها، كل ذلك في سبيل الشيطان والصد عن دين الله، ثم لا يقتصر على ذلك، وبدلاً من دخول عياش إلى مكة على ناقته مكرماً معززاً نظراً لبره بأمه، فإنهما استخدما خدعة ماكرة؛ حـيــث أوثـقـاه وقيداه حتى يدخل مكة ذليلاً حقيراً كناية عن ذلة من اتبع محمداً، وإنذاراً لمن سولت لـه نفسه من قريش سلوك طريق عياش، تماماً كما تُستخدم بعض الأساليب الشبيهة بذلك ضد الدعاة إلى الله اليوم.
    وسائل مختلفة

    وننتقل إلى الجانب الآخر لننظر إلى ذلك المؤمن الذي يأبى أن يـهـاجــر كما يهاجر غيره، فنراه يختار صحبة رجلين، قد يكون اختارهما على غيرهما لأمر أراده من تقوية عزيمتهما وإنقاذهما مما هما فيه من الفتنة، وحيث قد وفق عياش نجد أن هشاماً لم يستطع اللحاق بهما، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل نجد فصلاً آخر يقدمه عمر؛ ألا وهو محاولته إقناع عياش بن أبي ربيعة بعدم الذهاب مع أبي جهل وكأنه عرف نية أبي جهل المبيتة، فهو هنا يعرض عليه نصف ماله، لا سلفة وإنما عطاء، كل ذلك ليثبته على الإســلام، وعندما لم تنجح هذه المحاولات عرض عليه ناقته ـ وهي ذلول نجيبة من أطايب النــوق آنذاك ـ حتى ينجو لو رابه أمر، ولكن ابن أبي ربيعة لم يعِ هذه المحاولات.

    الدعوة بالمراسلة

    وهل توقف الأمر عند هذا الحد؟، لا؛ بل تعدى إلى الدعوة بالمراسلة، فهو لم ينس صاحبه الذي حبس ليفتن في دينه، فنجد أن عمراً يسلك طريقة قد غفل عنها الكثير من الدعاة في هـــذا الزمن ـ زمن التقدم المادي والاتصال السريع ـ ألا وهي المراسلة، فأخذ صحيفة كتب فيها هذه الآيات.. ولعل السؤال يبرز هنا: لماذا يرسل عمر هذه الصحيفة لشخص ربما فتن في ديـنـــه؟ وهل سـيفهم هشام بن العاص الصحيفة؟ وعلى فرض فهمها، هل سيرجع إلى الإسلام كـمــا كـــــان؟ وعلى فرض ذلك، هل سيهاجر إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحبه؟ هذه اسـتـفهامات العاجزين القاعدين، الذين يديرون أمورهم بالنيات فقط.. وبالقول لا بالعمل، ولكن عمر يلقن هؤلاء هذا الدرس العظيم و((ما على الرسول إلا البلاغ)) وقد نجح البلاغ هـنـــا ـ بإذن الله ـ وتحقـقــت جميع هذه الاستفهامات، ونفع الله بهذه الصحيفة، وهاجر هشام بن العاصي إلى المدينة على يدي عمر (رضي الله عنه).

    إن جيلاً فيه أناس بنفسية عمر لهو جيل عامل نشيط، وهكذا فلنكن مثل عمر وبمثل عزمه وحرصه على هذا الدين، إننا إذا كنا كذلك فسنفلح بإذن الله، وسيفتح الله على أيدينا ما هو مغلق، وينفع الله بنا البلاد والعباد، وقبل ذلك أنفسنا قبل غيرنا.

    الهوامش :
    1- سند القصة حسن، وقد أخرجها الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وفي السند ابن إسحاق، وقد صرح هنا بالتحديث.
    2- التناضب وأضاة بني غفار: موضع واحـد ، الأضاة: أرض تمسك الماء فـيـتـكـون فيها الـطـيــن، والتناضـب: شجرات في هذه الأضاة، وهي لا زالت مشاهدة على جانب وادي سرف الشمالي.
    عبد العزيز الحويطان
                  

09-30-2015, 00:17 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيرًا بصره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخفَ عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:
    الطريق الأول : أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطلع على خفايا الآفات، ويتبع إشارته في مجاهدته - وهذا شأن التلميذ مع أستاذه، فيعرِّفه أستاذه عيوب نفسه، ويعرِّفه طريق علاجه.

    الطريق الثاني: أن يطلب صديقًا بصيرًا متدينًا، يلاحظ أحواله وأفعاله، فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه ينبهه عليه، فهكذا يفعل الأكابر من أئمة الدين . كان عمر رضي الله عنه يقول : رحم الله امرءًا أهدى إليَّ عيوبي . وكان يسأل حذيفة ويقول له : أنت صاحب سِرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، فهل ترى عليَّ شيئًا من آثار النفاق .
    فهو على جلالة قدره وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه رضي الله عنه ، فكل من كان أوفر عقلاً وأعلى منصبًا كان أقل إعجابًا وأعظم اتهامًا وفرحًا بتنبيه غيره على عيوبه، وقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا، ويكاد هذا أن يكون مفصحًا عن ضعف الإيمان؛ فإن الأخلاق السيئة حيات وعقارب لداغة، فلو نبهنا منبه على أن تحت ثوبنا عقربًا لتقلدنا منه منّةً وفرحنا به، واشتغلنا بإزالة العقرب وقتلها، وإنما نكايتها على البدن ولا يدوم ألمها يومًا فما دونه، ونكاية الأخلاق الرديئة على صميم القلب أخشى أن تدوم بعد الموت أبد الآباد، ثم إنا لا نفرح بمن ينبهنا عليها بإزالتها، بل نشتغل بمقابلة الناصح بمثل مقالته، فنقول له: وأنت أيضًا تصنع كيت وكيت، وتشغلنا العداوة معه عن الانتفاع بنصحه، ويشبه أن يكون ذلك من قساوة القلب التي أثمرتها كثرة الذنوب، وأصل كل ذلك ضعف الإيمان، فنسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا، ويشغلنا بمداواتها، ويوفقنا للقيام بشكر من يطلعنا على مساوينا، بمنِّه وفضله.

    الطريق الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدى المساويا . و لعل انتفاع الإنسان بعدوٍ مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه، إلا أن الطبع مجبول على تكذيب العدو وحمل ما يقول على الحسد، ولكن البصير لا يخلو عن الانتفاع بقول أعدائه، فإن مساويه لابد وأن تنتشر على ألسنتهم.

    الطريق الرابع: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذمومًا فيما بين الخلق فليطالب نفسه به وينسبها إليه، فإن المؤمن مرآة المؤمن فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه، ويعلم أن الطابع متقاربة في اتباع الهوى، فما يتصف به غيره فلا ينفك هو عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شيء منه، فليتفقد نفسه ويطهرها عن كل ما يذمه من غيره، وناهيك بهذا تأديبًا، فلو ترك الناس كل ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب.

    وهذا كله من حيل من فقد شيخًا مربيًا ناصحًا في الدين، وإلا فمن وجده فقد وجد الطبيب فليلازمه، فإنه يخلصه من مرضه.
    ......................
    كتاب موعظة المؤمنين
                  

09-30-2015, 00:19 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الأخلاق في الإسلام عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني ، والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم ، ويتميز هذا النظام الإسلامي في الأخلاق بطابعين :
    الأول : أنه ذو طابع إلهي، بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى .
    الثاني : أنه ذو طابع إنساني، أي للإنسان مجهود ودخل في تحديد هذا النظام من الناحية العملية .

    وهذا النظام هو نظام العمل من أجل الحياة الخيرية ، وهو طراز السلوك وطريقة التعامل مع النفس والله والمجتمع .
    وهو نظام يتكامل فيه الجانب النظري مع الجانب العملي منه، وهو ليس جزءًا من النظام الإسلامي العام فقط ، بل هو جوهر الإسلام ولبه وروحه السارية في جميع نواحيه : إذ النظام الإسلامي - على وجه العموم -مبني على مبادئه الخلقية في الأساس ، بل إن الأخلاق هي جوهر الرسالات السماوية على الإطلاق. فالرسول صلى الله وسلم يقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " [ رواه أحمد في مسنده ] .
    فالغرض من بعثته -صلى الله عليه وسلم - هو إتمام الأخلاق ، والعمل على تقويمها ، وإشاعة مكارمها ، بل الهدف من كل الرسالات هدف أخلاقي ، والدين نفسه هو حسن الخلق .

    ولما للأخلاق من أهمية نجدها في جانب العقيدة حيث يربط الله سبحانه وتعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم - بين الإيمان وحسن الخلق ، ففي الحديث لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أي المؤمنين أفضل إيمانا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : "أحسنهم أخلاقاً " [رواه الطبراني في الأوسط ] .

    ثم إن الإسلام عدّ الإيمان برًّا، فقال تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)(البقرة: 177)
    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " البر حسن الخلق " [ رواه مسلم ]. والبر صفة للعمل الأخلاقي أو هو اسم جامع لأنواع الخير.

    وكما نجد الصلة بين الأخلاق والإيمان ، نجدها كذلك بين الأخلاق والعبادة إذ إن العبادة روح أخلاقية في جوهرها؛ لأنها أداء للواجبات الإلهية. ونجدها في المعاملات - وهي الشق الثاني من الشريعة الإسلامية بصورة أكثر وضوحاً .
    وهكذا نرى أن الإسلام قد ارتبطت جوانبه برباط أخلاقي ، لتحقيق غاية أخلاقية، الأمر الذي يؤكد أن الأخلاق هي روح الإسلام ، وأن النظام التشريعي الإسلامي هو كيان مجسد لهذه الروح الأخلاقية .

    الخلق نوعان
    1- خلق حسن : وهو الأدب والفضيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال جميلة عقلا وشرعاً .
    2- خلق سيئ : وهو سوء الأدب والرذيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال قبيحة عقلا وشرعاً.
    وحسن الخلق من أكثر الوسائل وأفضلها إيصالاً للمرء للفوز بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والظفر بقربه يوم القيامة حيث يقول : " إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً" [ رواه الترمذي ] .

    الأخلاق والممارسة الإيمانية
    إن الأخلاق في الإسلام لا تقوم على نظريات مذهبية ، ولا مصالح فردية ، ولا عوامل بيئية تتبدل وتتلون تبعا لها ، وإنما هي فيض من ينبوع الإيمان يشع نورها داخل النفس وخارجها ، فليست الأخلاق فضائل منفصلة ، وإنما هي حلقات متصلة في سلسلة واحدة ، عقيدته أخلاق ، وشريعته أخلاق ، لا يخرق المسلم إحداها إلا أحدث خرقا في إيمانه .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن " [ رواه البخاري].
    وسئل صلى الله عليه وسلم : أيكذب المؤمن ؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105) .
    فالأخلاق دليل الإسلام وترجمته العملية ، وكلما كان الإيمان قوياً أثمر خلقا قوياً.

    دوام الأخلاق وثباتها
    كما أن الأخلاق في الإسلام ليست لونا من الترف يمكن الاستغناء عنه عند اختلاف البيئة ، وليست ثوبًا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء ، بل إنها ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان لأنها الفطرة (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)(الروم:30)
    إسلام ويب
                  

09-30-2015, 00:25 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    حاجتنا إلى مكارم الأخلاق

    خلق الله الإنسان وجعل له صورتين: صورة ظاهرة وهي الخَلق ، وصورة باطنة وهي الخُلُق ، وكما تفاوت الناس في صورة خَلقهم ما بين حسن وقبيح ، وجميل ودميم ، كذلك تفاوتت صورهم الباطنة المتمثلة في أخلاقهم تمام التفاوت أو أوسع .

    الخلق وحسن الخلق
    يعرف فلاسفة الأخلاق الخلق بأنه " الطبع والسجية" ، ولكن ليس كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال يدخل تحت مسمى الخُلق ، وإنما يعتبر خُلقا منها ما كان صادرًا عن قصد وإرادة ، وقابلاً للوصف بخير أو شر . وعليه فخلاصة تعريف الخلق هو أنه: هيئة راسخة في النفس ، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر ، من غير حاجة إلى فكر وروية . فإذا كانت هذه الأفعال محمودة شرعًا وعقلا سُميت خُلقا حسنا، وإن كانت قبيحة مذمومة سميت خلقًا سيئًا.

    وقال القرطبي في المفهم: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعمل بها غيره ، وهي محمودة ومذمومة ، فالمحمودة على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك ، فتنصف منها ولا تنصف لها، وعلى التفصيل العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب ، ونحو ذلك والمذموم منها ضد ذلك.
    وقال بعضهم : حسن الخلق هو: حالة نفسية تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، و طيب القول، ولطف المداراة.
    وقيل: هو أن تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك بوجه طليق.

    وعلى العموم فإن حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، وأكثرها إعدادًا وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة بين الناس والاعتداد. ومهما حصَّل الإنسان من الفضائل والخصائص التي تؤهله كفاءته لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة. بيد أن جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضاء الباهر، فإذا ما تجردت عنه فقدت قيمتها الأصيلة، وغدت صورًا شوهاء تثير السأم والتذمر.

    ولحسن الخلق في الإسلام مكانة خاصة ، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخص رسالة الإسلام بأنها تتميم مكارم الأخلاق كما في الحديث : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" (رواه أحمد وصححه ابن عبد البر) . وآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم تنضح بالأمر بحسن الخلق وتعظيم شأن أهله، وأنهم أكمل الناس إيمانا ، وأقربهم وأحبهم إلى الله ورسوله ، وأن ثوابهم في الدنيا عظيم وفي الآخرة أعظم وأكبر وأكرم.
    قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهمخلقا" رواه الترمذي وحسنه.
    وقال عليه الصلاة والسلام : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون"
    وكفى بحسن الخلق شرفا وفضلا، أن الله عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه للناس إلا بعد أن حلاهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.

    ولقد كان سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم ) المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخلال. فقد كان أجود الناس كفّا، وأجرأ الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابة، ومن خالطه فعرفه أحبه ، وكما وصفته الصادقة البرَّة أمُ المؤمنين خديجة رضي الله عنها قالت : "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق " ، وحسبك أن تذكر ما أصابه من قريش، فبعد أن تألبت عليه، وجرعته ألوان الغصص، حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلده، فلما نصره الله عليهم، وأظفره بهم، لم يشكـّوا أنه سيثأر منهم، وينكـّل بهم، فما زاد أن قال: ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
    وبمثل هذه الأخلاق استطاع أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله عز من قائل: ((وإنك لعلى خلق عظيم)).

    لقد تمثل الأخلاق فزانها حتى أصبح خلقه القرآن وصار قرآنا يمشي بين الناس ، ثم أمر أصحابه أن يتزينوا بصالحها ويتمسكوا بأحسنها : فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من شيء يوضع في الميزان أثقلُ من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة "
    وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال معاذ : " يا رسول الله أوصني ، فقال صلى الله عليه وسلم : " استقم وليحسنُنْ خُلقك للناس ".
    وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن .
    وكان حسن الخلق مطلبا نبويا يدعو ربه أن يجمله به ويديمه عليه فكان من دعائه عليه الصلاة والسلام : " اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي " (أحمد وصححه ابن حبان) ، وكان يقول: " واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت" (رواه مسلم).

    لقد صار حسن الخلق مطلبا ملحا للأمة تعود به إلى محاسن الإسلام ، وتظهر به مكارم أخلاقه ، وتسترجع به سالف عزها وسابق مجدها، فقد ملك المسلمون في قرونهم الأولى ـ قرون الخير أعلى مستوى من التربية الأخلاقية ، وكان الناس يدخلون في دين الله أفواجا لما يرون من حسن المعاملة ، وجميل الأخلاق ، و حين بدأ الانحراف عن هذا المنهج القويم وساءت أخلاق الناس ؛ فُقدت القدوة وضاعت القيم ، وتبدلت المفاهيم ، ولقد صدق الإمام مالك ـ رحمه الله ـ حين قال : ( ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
    إسلام ويب
                  

09-30-2015, 00:27 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مكارم الأخلاق في الشعر العربي
    يقال إن لكل شيء نصيبا من اسمه ، وهذا دافع لمعرفة العلاقة بين الآداب والأدب كقيمة خلقية ، ولقد ورد أن الآداب هي: ثروة الأمم الفكرية والحضارية التي تصنع مجتمعًا بشريّا تسوده قيم الخلق والأدب والخير والحق ؛ لذا يحسن سرد أهم ما سطره الشعراء في تناولهم للقيمة الحقيقية للأخلاق في حياتنا . وما من شك أن هزيمتنا السياسية الفاجعة اليوم ، بالإضافة لتدهور مستوانا العلمي والفكري والحضاري .. هي في حقيقتها أزمة خلق وأدب ، أزمة القيم التي بات مجتمعنا الإسلامي يفتقدها بشده في الوقت الراهن ، ربما لأننا أقمنا هذا الحاجز الضخم بين الدين والدنيا . ويمكن أن نفهم هذا المعنى الحقيقي من خلال قول شوقي رحمه الله :
    فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

    حقاً ، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وذبحوا وهزموا شر هزيمة . ولنتأمل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "، وثناء الله تبارك وتعالى على نبيه أعظم الثناء بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم".

    فأما عن أهم ما أنتجته قرائح الشعراء ، فسنتخير منها بعض الأبيات التي تدل على مدى أهمية الأخلاق عند القوم وفي حياة الأمم .
    فهذا صردر يؤكد على أن الحُسن يقاس بالخلق أولاً فيقول :
    شمائل وبهجة موموقة ... والحسن بالأخلاق ثم الخِلَق
    كما لا ننسى قول الشاعر :
    فأدب النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

    أما صفي الدين الحلي فيزيد على ما تقدم : أن المرء إذا لم يقم منزلته الأدبية في المجتمع على الأخلاق ، كان بناؤه واهي الأساس ، فقال :
    إذا عدم الفتى خلقا جميلا ... يسود به ، فلا خُـلق الجمال

    ويلمح أبو العتاهية إلى أهمية مكانة الأخلاق في صون الشرف فينشدنا :
    هي الأعراق بالأخلاق تنمو ... بقدر أصولها تزكو الفروع

    ثم ياتي المعري ليعلن تفضيله للأخلاق على تيجان الملوك فجدير بنا أن نقول معه :
    أُسَرٌ إن كنت محموداً على خلقٍ ... ولا أسر بأني الملك محمود
    ما يصنع الرأس بالتيجان يعقدها ... وإنما هو بعد الموت جلمود

    و بالرغم مما هو معروف عن تفاخر العرب بأنسابهم ، إلا أن بعضا من شعرائهم رأوا أن للأخلاق رابطة اجتماعية قد تفوق رابطة النسب ، فهذا البحتري يقول :
    كم سري تقبل السرو منهم ... واشتباه الأخلاق عدوى وإلف
    و ربما ذهب أبعد من هذا بقوله :
    إذا تشاكلت الأخلاق و اقتربت ... دنت المسافة بين العجم و العرب
    وهو تأكيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".

    أما أبو تمام فتفوق صلة الأخلاق عنده صلة النسب في متانتها ؛ لذا فقد رثى غالبا الصفدي بأشد ما يرثي الأخ أخاه فقال :
    قلت أخي، قالوا أخ من قرابة؟ ... فقلت نعـم .. إن الشكول أقارب
    نسيبي في عزم ورأي ومذهب ... إذا باعدتنا في الأصول المناسب

    والعجيب أن غالبية الشعراء ذهبوا ( وإن كان في هذا نظر ) على القول بغلبة الطبع على التطبع ، ومن ثم استحالة تغيير الخلق واكتساب أخلاق جديدة حميدة. و نورد في هذا الصدد قول ابي العتاهية الشهير:
    كل امرئ متفرد بطباعه ... ليس امرؤ إلا على ما يطبع

    كما أن العرب اعتبروا عامل الوراثة هو الأهم في تكوين الأخلاق ، واستدل أصحاب هذا القول بقول زهير بن أبي سلمى:
    فما يك من خـير أتوه فإنما ... توارثه أباء أبائهم قبـل
    وهل ينبت الخطي إلا وشيجة ... وتغرس إلا في منابتها النخل؟1
    و قول التميمي :
    أرى كل عـود نابتـا في ارومة ... أبى نسب العيدان أن يتغيرا
    بنوا الصالحينَ الصالحونَ ومن يكن ... لآباء سوء يلقهم حيث ســيٌرا
    و قول النجاشي :
    خلائق فينا من أبينا وجدنا ... كذلك طيب الفرع ينمي على الأصل

    أما النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى ، فيقول بإمكانية تغير الطباع واكتساب الأخلاق الفاضلة ، فيقول صلى الله عليه وسلم: " إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم" . مما يعني إمكانية تغيير الطبع و السلوك .
    و قد ورد على ألسنة الشعراء إمكانية اكتساب الخلق الحميد ؛ شريطة وجود القدوة الحسنة ، وأشاروا إلى أهمية عامل التربية والتأديب ، وأكدوا على ان الوازع الديني هو الوحيد القادرعلى إحداث تغير تام وتأثير ملموس في خلق الإنسان ، كما يدل على ذلك قول الحكم بن عبدل :
    لم أجد عروة الخلائق إلا الـ ... دين ، لما اعتبرت ، و الحسبا
    ولا ننسى قول الطائي :
    فجاور كريما واقتدح من زناده ... وأسند إليه أن تطاول سلما

    وورد للبحتري قول يؤكد فيه بأن الأخلاق تتأثر بالعشرة ، ففى مزاحه لأحد أقرانه يقول :
    أنت أعديته بحب سعاد ... وكريم الأهواء يعدي الكريما

    أما ابن التعاويذى ، فقد حذر من سوء القدوة الذى يؤدي إلى التطبع بأخلاق المقتدي به فأنشد بيته الشهير :
    إذا كان رب البيت بالدف مولعا ... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

    واختلف الشعراء في وسائل التأديب ، و لكنهم اتفقوا على أن الحر يكفي لتأديبه الترغيب والعتاب ، أما العبد فلا ينجع فيه إلا الترهيب ، فقد جاء في قول ابن دريد :
    واللوم للحر مقيم ورادع ... والعبد لا يردعه إلا العصا
    وقال بعضهم :
    العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الإشارة

    كما أجمع شعراء العرب على ضرورة التهذيب منذ الصغر و منه قول ابن قريع :
    إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها - كهلا - عليه شديد
    كما ورد فى الشعر العربى أنه يصعب على المرء إخفاء عيوبه ، ولزهير بن أبي سلمي بيت شهير يقول فيه :
    ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم

    كثيرة هي القصائد التي تشيد بالقيم الخلقية ، وليس يتسع المجال هنا لحصرها ، ولكن إن فاتك فلا يفوتنك قول الإمام الشافعي في جهاده لنفسه من أجل أن تحظى بالخلق الطيب:
    إذا سبني نذل تزايدت رفعـة ... وما العيب إلا أن أكون مساببه
    ولو لم تكن نفسي علي عزيزة ... لمكنتها من كل نذل تحاربه
    وقوله :
    يخاطبني السفيه بكل قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا
    يزيد سفاهة فأزيد حلمـا ... كعود زاده الإحراق طيبا

    ونختم بأحسن الكلام ، كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم أو كما قال: " أكثر ما يثقل ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق" .و قوله: " أفضل الناس إيمانا، أحاسنهم أخلاقا ".
    داليا الحديدي
                  

09-30-2015, 00:29 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الأخلاق بين الفطرة والاكتساب
    إن الأخلاق ليست مكتسبة على إطلاقها ، كما أنها ليست موهوبة على إطلاقها ، وإنما تتضافر الفطرة السليمة مع دلالة العقل التام السوي في إدراك وتقرير جانب من الأخلاق ثم يأتي دور الشرع ليكمل الفطرة ، ويحمي العقل ، ويضع الضوابط العامة ، التي ترقى بالفرد والمجتمع من الوجهة الخلقية .

    والناس بفطرتهم –مع توفير الظروف الملائمة– يميلون إلى النماذج والصفات الخلقية الخيرة، ويشعرون بالراحة التامة عند ممارسة مثل هذه الأدوار التي توصف بالعدل والحق والجمال، كما ينفرون بفطرتهم، من الاتجاهات الخلقية الشاذة، ويتذمرون من النماذج الخلقية المنحرفة،إذ يشعرون بغرابتها على فطرتهم،ومناقضة تلك النماذج لها .

    وكذلك فإنه إذا ما التقت طبيعة القوى الفطرية هنا مع وظيفة العقل ، فإنه يكون ماضيا في تحقيق كماله الوظيفي في الجانب العملي .
    ومع هذا فإن أثر هذين الجانبين الفطري والعقلي في مجال الأخلاق يظل ناقصا تماما ، وغير قادر على تحقيق الكمال الإنساني المنشود ، ومن ثم يأتي دور الشرع ليكمل الفطرة ويقوم العقل ، ويرشد أحكامه ، وبذلك تصبح معالم الشرع وتوجيهاته ، مع سلامة الفطرة وصحة النظر العقلي ركائز تتضافر في بناء الكمال الخلقي للإنسان .
    من خلال العرض السابق يتبين لنا أن الأخلاق تنقسم إلى قسمين :

    الأول : الأخلاق الفطرية :
    وقد دلت أحاديث كثيرة على أن من الأخلاق ما هو فطري ، يتفاضل به الناس في أصل تكوينهم الفطري ، ومن ذلك :
    ما روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ، والأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ) وهذا الحديث دليل على فروق الهبات الفطرية الخلقية ، وفيه يثبت الرسول –صلى الله عليه وسلم – أن خيار الناس في التكوين الفطري هم أكرمهم خلقا ، وهذا التكوين الخلقي يرافق الإنسان ويصاحبه على جميع أحواله .

    وروي عن حذيفة بن اليمان قال : حدثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حديثين ، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا : (إن الأمانة نزلت في جدر قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ) في هذا الحديث بيان عن الأمانة في الناس وعما تصير إليه فيهم ، فقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة من حقائق التكوين الخلقي الفطري في الناس ، وهذه الحقيقة تثبت أن الأصل في الناس أن يكونوا أمناء .
    وقوله صلى الله عليه وسلم للمنذر بن عازر : (إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة ، فقال يا رسول الله كان بي أم حدثا ؟ قال : (بل قديم ) فقال الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما .

    مواقف عملية شاهدة على الأخلاق الفطرية :
    أ- هذا أبو بكر رضي الله عنه لم يشرب الخمر قط ، ولما سئل : بم كان يتجنبها في الجاهلية فقال : [كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي ، فإن من شرب الخمر كان مضيعا في عقله ومروءته ]
    ب‌- وهذه خديجة رضي الله عنها – حين جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم أول نبوءته وهو يقول [زملوني ، زملوني ] قالت : والله لا يخزيك الله أبداً : إنك لتصل الرحم ، وتكسب المعدوم ، وتعيين على نوائب الدهر .
    ت- ومن خلال المثالين السابقين نلاحظ إن ذلك كان قبل البعثة ومع ذلك كانت هناك آداب وأخلاق متأصلة فيهم وقد أقرها الشرع فيما بعد ، مثل الكرم ، وإكرام الضيف وغيره مما اتصف به العرب قبل البعثة .
    ث‌- وحين بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم – النساء قال : {بايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا إلى أن قال : (ولا تزنين ) قالت هند بنت عتبة : هل تزني الحرة ؟ فسؤالها يدل على أنفة وعفة وطهارة ، وتلك هي الفطرة السوية التي فطرهن الله عليها تعرف الحق ، وتتجه للخير . والفطرة حين تسلم من العوارض المشوشة عليها ، والتأثيرات المخدرة لها وتسقط عنها الحوائل ، فإنها عندئذ تستقيم لربها وتعرف الحق ، وتدعو إلى كل خلق جميل .

    الأخلاق المكتسـبة :
    فكما أن هناك أخلاق فطرية ، كذلك بإمكان أي إنسان أن يكتسب بعض الفضائل والأخلاق ، وذلك بالتربية المقترنة بالإرادة والقيم ، والناس في ذلك متفاوتون بمدى سبقهم وارتقائهم في سلم الفضائل كما أن كل إنسان عاقل يستطيع بما وهبه الله من استعداد عام أن يتعلم نسبة من العلوم ، والفنون وأن يكتسب مقداراً ما من أي مهارة عملية من المهارات .
    وتفاوت الاستعداد والطبائع لا ينافى وجود استعداد عام صالح لاكتساب مقدار من الصفات الخلقية ، وفي حدود هذا الاستعداد العام ، وردت التكاليف الشرعية الربانية العامة ، ثم ترتقي من بعده مسؤوليات الأفراد بحسب ما وهب الله كللا منهم من فطر ، وبحسب ما وهب كلا منهم من استعدادات خاصة . ووفق هذا الأساس ، وضع الإسلام قواعد التربية على الأخلاق الفاضلة .
    .................................
    الندوة العالمية لللشباب الإسلامي
                  

09-30-2015, 00:30 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    دلت أدلة الكتاب والسنة من الآيات والأخبار على تحريم الرياء وذم فاعله قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الذين هم يراءون )
    [ الماعون : 4-6] ويقول الله عز وجل : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110] .
    وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " وقال صلى الله عليه وسلم :
    " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : وما الشر الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم : ( اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء ) .
    رأى أبو أمامه الباهلى رجلا في المسجد يبكى في سجوده فقال : أنت أنت لو كان هذا في بيتك .

    بيان حقيقة الرياء وجوامع ما يراءى له :
    الرياء مشتق من الرؤية ، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم خصال الخير ، والمراد به كثير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس وهي : للبدن والزي والقول والعمل ولاتباع والأشياء الخارجة .
    فأما الرياء في الدين بالبدن فبإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة .
    وأما الرياء بالهيئة والزي فمثل تشعيث الشعر ، وإطراق الرأس في المشي ، والهدوء في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه ، كل ذلك يراءى به .
    وأما الرياء بالقول فرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والآثار لإظهار شدة العناية بأحوال الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس .
    وأما الرياء في العمل فكمراءاة المصلى بطول القيام وطول السجود والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات .
    وأما المراءاة بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما لمن العلماء ليقال : إن فلانا قد زار فلانا .

    بيان المراءى لأجله :
    اعلم أن للمرائي مقصودا لا محالة وإنما يرائي لإدراك حال أو جاه أو غرض من الأعراض ، وله درجات أحدها أن يكون مقصوده التمكن من معصيته كالذي يرائي بعبادته ويظهر التقوى والورع وغرضه أن يعرف بالأمانة فيولى منصبا أو يسلم إليه تفرقة مال ليستأثر بما قدر عليه منه ، وهؤلاء أبغض المرائين إلى الله تعالى ، لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلما إلى معصيته ثانيها أن يكون غرضه نيل حظ
    من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح كالذي يظهر العلم والعبادة ليرغب في تزويجه أو إعطائه ؛ فهذا رياء محظور لأنه طلب بطاعة الله متاع الحياة الدنيا ولكنه دون الأول .
    الثالث : أن لا يقصد نيل حظ وإدراك مال أو نكاح ، ولكنه يظهر عبادته خوفا من أن ينظر إليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد ويعتقد أنه من جملة العامة .

    بيان الرياء الخفي :
    الرياء جلى وخفي : فالجلي هو الذي يبعث على العمل يحمل عليه ولو قصد الثواب وهو أجلاه ، وأخفى منه قليلا الذي لا يحمل على العمل بمجردة إلا أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه ، ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاععاته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يقابلوه بالبشاشة والتوفير ، وأن يثنوا عليه ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يثنوا عليه ، ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء ، وأن يوسعوا له المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ، ولم يزل المخلصون خائفين من الرياء الخفي يجتهدون في إخفاء طاعاتهم أعظم مما يحرص الناس عل إخفاء فواحشهم ، كل ذلك رجاء أن يخلص أعمالهم الصالحة فيجازيهم الله يوم القيامة بإخلاصهم إذ علموا أنه لا يقبل يوم القيامة إلا الخالص ، وعلموا شدة حاجتهم وفاقتهم في القيامة .

    دواء الرياء وطريق معالجة القلب منه:
    عرفت أن الرياء محبط للأعمال ، وسبب للمقت عند الكبير المتعال ، وأنه من كبائر المهلكات ، وما هذا وصفه فجدير التشمير عن ساق الجد في إزالته و علاجه ، وها هنا مقامان:.
    أحدهما: قطع عروقه وأصوله وهي حب لذة المحمدة والفرار من ألم الذم والطمع فيما أيدي الناس ، فهذه الثلاثة هي التي تحرك المرائى إلى الرياء وعلاجه أن يعلم مضرة الرياء وما يفوته صلاح قلبه وما يحرك عليه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله تعالى ، وما يتعرض له من العقاب والمقت الشديد والخزي الظاهر ، كما فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين الهم ف الدنيا بما يفوته في الآخر وبما يحبط عليه من ثواب الأعمال فإنه يسهل عليه قطع الرغبة عنه كمن يعلم أن العسل لذيد ولكنه إذا بان له أن فيه سما أعرض عنه .
    المقام الثاني : دفع العارض منه أثناء العبادة وذلك لابد أيضا من تعلمه فإنه من جاهد نفسه بقطع مغارس الرياء وقطع واستحقار مدح المخلوقين وذمهم فقد لا يتركه الشيطان في أثناء العبادة بل يعارضه بخطرات الرياء فإذا خطر له معرفة إطلاع الخلق دفع ذلك بأن قال لنفسه مالك وللخلق علموا أو لم يعلموا والله عالم بحالك فأى فائدة في علم غيره ، فإذا هاجت الرغبة إلى لذة الحمد ذكر ما رسخ في قلبه آفة الرياء وتعرضه للمقت الإلهي والخسران الأخرى .

    بيان الخطأ في ترك الطاعات خوفا من الرياء :
    من الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به ، وذلك غلط ومواقفه للشيطان وجر إلى البطالة وترك للخير ، فما دام الباعث على العمل صحيحا وهو في ذاته موافق للشرع الحنيف فلا يترك العمل لوجود خاطر الرياء ، بل على العبد أن يجاهد خاطر الرياء ويلزم قلبه الحياء من الله وأن يستبدل بحمده حمد المخلوقين .
    قال الفضل بن عياض : العمل من أجل الناس شرك ، وترك العمل من أجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
    وقال غيره : من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الإخلاص والعمل .
    إسلام ويب
                  

09-30-2015, 00:32 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اعلم رعاك الله أن العجب مذموم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً)[التوبة:25] وقال عز وجل : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا )[الحشر: 2]فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم . و قال تعالى : ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) [ الكهف : 104]. وهذا يرجع أيضا إلى العجب بالعمل وقال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث منجيات وثلاث مهلكات ، فأما المنجيات فتقوى الله في السر والعلانية ، والقول بالحق في الرضا والسخط ، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات فهوى متبع ، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن " .

    وقال صلى الله عليه وسلم : " بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه، خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . " قوله : يتجلجل في الأرض أي ساخ فيها .
    وقال ابن مسعود : الهلاك في اثنتين : القنوط والعجب .
    وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمير ، و الإنسان القنوط لا يسعى ولا يطلب ، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وظفر بمراده فلا يسعى ، وقال الله تعالى : ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) [البقرة:264] . والمن نتيجة استعظام العمل وهو العجب .

    بيان خطر داء العجب
    إن خطر داء العجب عظيم فإنه يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر آفات كثيرة لا تخفى، هذا مع العباد، وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى إهمال الذنوب ونسيانها ، فلا يحدث لها توبة ويستعظم أعماله وطاعاته ويمن على الله بفعلها ، والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه ويظن أنه عند الله بمكان ولا يسمع نصح ناصح ولا وعظ واعظ ، ويمنعه عجبه عن سؤال أهل العلم فهذا وأمثاله من آفات العجب ، فلذلك كان من المهلكات .ومن أعظم الآفات التي تدخل على المعجب أن يفتر في العمل الصالح الذي هو سب النجاة لظن المعجب أنه قد فاز ، وأنه قد استغنى وهو الهلاك الصريح، نسأل الله العظيم حسن التوفيق لطاعته .

    وبسبب هذه الآفات المهلكة التي تنتج عن العجب كان السلف رضي الله عنهم يحذرون منه أشد التحذير، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:لو كان العجب رجلا لكان رجل سوء.وكان يحيى بن معاذ يقول :إياكم والعجب فإن العجب مهلكة لأهله،وإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. ورأى محمد بن واسعولده يختال فدعاه وقال:أتدري مَن أنت؟ أما أمك فاشتريتها بماتي درهم،وأما أبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثلَه.

    وقال ابن عوف رحمه الله:

    عجبت من مُعجبٍ بصورته وكان بالأمس نطفةً مَذِرة

    وفي غدٍ بعد حُسْنِ صورته يصير في اللحد جيفة قذرة

    وهـو على تِيهه و نَخْوَته ما بين ثوبيه يحمل العذرة

    بيان علاج العجب على الجملة :
    اعلم أن علاج كل علة هو مقابلة سببها بضده وعلة العجب الجهل المحض ، أي جهل العبد بنفسه وبربه عز وجل فعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل ، فالعجب إما بالعلم أو المال أو النسب وكل ذلك بفضل الله عز وجل ومنه ، قال تعالى :
    ( وما بكم من نعمة فمن الله ) [ النحل : 53)]وقال تعالى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) [ النساء : 79] والحسنة في الآية هي النعمة، والسيئة هي المصيبة ، وأعظم النعم هي نعمة الهداية والتوفيق للعلم والعمل فمنشأ العجب هو الجهل وكفران نعمة الله عز وجل على العبد قال تعالى : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدا)
    [النور: 21).

    و العبد مهما بلغ في العلم والعمل فإنه لا يدخل به الجنة حتى يتغمده الله عز وجل برحمته كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وأفضلهم لأصحابه وهم خير الناس : " ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " .
    قال بعضهم : لا تغتر بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا ، ولا تأمن من الذنوب فإنك لا تدري كفرت عنك أم لا ، إن عملك كله مغيب عنك . أما المال فليس للعبد فضل فيه بل هو محض فضل من الله عز وجل وقد أخبر الله عز وجل عن الكافر الذي أعجب بماله فقال : ( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً ).
    [الكهف : 34] .

    وقال عن قارون : ( إنما أوتيته على علم عندي ) [ القصص : 78]وأخبر الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13]. وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية ـ أي كبرها ـ كلكم بنو آدم وآدم من تراب ".

    فحري بالعبد أن يتذكر دائما نعم الله تعالى عليه وأن هدايته وتوفيقه للعمل إنما هو محض فضل وإنعام من الله تعالى وليس للعبد في ذلك نصيب،وأن يخاف من سيئاته أن توبقه وتهلكه ،نسأل الله الكريم أن يطهر قلوبنا من كل ما لا يرضيه.
    إسلام ويب
                  

09-30-2015, 00:34 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    تتفاوت درجات الناس في الثبات أمام المثيرات فمنهم من تستخفه التوافه فيستحمق على عجل ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقى على وقعها الأليم محتفظاً برجاحة فكره وسجاحة خلقه.
    ومع أن للطباع الأصيلة في النفس دخلاً كبيراً في أنصبة الناس من الحدة والهدوء والعجلة والأناة والكدر والنقاء ، إلا أن هناك ارتباطاً مؤكداً بين ثقة المرء بنفسه وبين أناته مع الآخرين وتجاوزه عن خطئهم ، فالرجل العظيم حقاً كلما حلق في آفاق الكمال اتسع صدره وامتد حلمه وعذر الناس من أنفسهم والتمس المبررات لأغلاطهم، فإذا عدا عليه غِرٌّ يريد تجريحه نظر إليه من قمته فسبق حلمُه غضبَه ، وغلب صفحه وعفوه انتقامَه لنفسه ، وكظم غيظه ممتثلاً أمر ربه في قوله : {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}
    معنى الحلم
    الحلم : هو الأناة والتثبت في الأمر، وضبط النفس وكظم الغيظ .
    فالحليم هو الذي لا يستفزه الغضب ، ولا يتسرع بالعقوبة، بل يتريث، ويتصرف على وفق مقتضيات الحكمة .
    والحلم صفة من صفات ربنا فهو الحليم بعباده، (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) (الأحزاب:5) ، ومعناه : الصبور الذي لا يستخفه عصيان العصاة ، ولا يستفزه الغضب عليهم فيعجل بالانتقام منهم، ولكن يفسح لهم باب التوبة والندم، أو يمهلهم ليقيم عليهم الحجة، فإذا أخذهم أخذهم، بحق وحكمة، أخذ عزيز مقتدر : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " .
    وليس معنى الحلم التباطؤ والكسل، وإنما هو وسط بين طرفين ، وفضيلة بين رذيلتين ، فإذا زاد عن حدُّه كان توانيًا وإهمالاً أو تبلُّدَ طبع، وانعدامه أو ضعفه عجلة وطيش وسرعة غضب، والأصل هو القصد والاعتدال .
    الحلم محمود شرعا وعقلا
    والحلم خلق محمود شرعًا وعقلاً، فالعقل السليم يدرك خطر الاندفاع وراء العواطف والغرائز ، أو وراء الانفعالات والشهوات، أو وراء كل ما يميل بصاحبه نحو الجنوح والانحراف. كما أنه يعلم فضيلة التأني والتريث، وضبط النفس وعدم العجلة، وما وراء ذلك من منافع جمة، ومقاصد مهمة.
    وأما في الشرع ، فيكفي الحلم فضيلة أن يتصف الله تعالى به ويتسمى به ، فالحلم اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته العلا .

    وقد امتدح الله رسوله عليه الصلاة والسلام على كل أخلاقه، ومنها الحلم الذي كان شامة في أخلاقه صلى الله عليه وسلم .
    روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : بينا نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه ، مه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تزرموه ( أي لا تقطعوا عليه بوله)، دعوه " قال أنس : فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن " . أو كما قال صلى الله عليه وسلم . قال أنس : وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فسنَّه ( أي فصبه ) عليه .

    وروى الشيخان أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيًا من الأنبياء صلوات الله عليهم ، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .
    فأي شفقة وأي عفو وصفح وحلم يضاهي هذا الحلم إلا حلمه هو نفسه عمن آذوه في ثقيف ، فعرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين فقال :" بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا " . متفق عليه .
    أو حلمه العظيم حين مكنه الله من قريش فعفا وصفح ولم يثرِّب ، بل قال قولته المشهورة : "اذهبوا فأنتم الطلقاء" .

    واستقصاء مواقف حلمه تستعصي على المستقصى، وفي مواقف أصحابه وأتباعه بعض إشارة لهذا الجانب من جوانب أخلاقه عليه الصلاة والسلام، إذ منه تعلَّموا وعلى يديه تربوا.

    قال معاوية يومًا لابنه : يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظُم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب .
    وقد كان معاوية يعرف بالحلم، وله فيه أخبار مشهورة، وآثار مذكورة ، وكان يقول : إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي .. وهذا مروءة عالية المرتبة .

    وتغيظ عبد الملك بن مروان على رجل فقال : والله لئن أمكنني الله منه لأفعلن به كذا وكذا ، فلما صار بين يديه قال له : رجاء بن حيوة : يا أمير المؤمنين قد صنع الله ما أحببت فاصنع ما أحب الله . فعفا عنه وأمر له بصلة .

    قال الحسن البصري : إن أفضل رداءٍ تردى به الإنسان الحلم، وهو والله عليك أحسن من برد الحبر .
    عن معاذ بن جبل عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من أي الحور شاء " .
    ...............................إسلام ويب
                  

09-30-2015, 00:35 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    قد يعجب المرء من صورة المؤمنين الذين قال عنهم رب العالمين في سورة المؤمنون:(الذين هم من خشية ربهم مشفقون.والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) فيقول علام خوفهم وحزنهم وهم يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون؟

    وتزداد دهشته إذا تفكّر في حال النبيين عليهم الصلاة والسلام، كما جاء في حديث الشفاعة عند الشيخين أن الناس يوم القيامة (يأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلاّ خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذاك) وفي رواية (لست هُناكُم. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذاك إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلّمه الله تكليماً. فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقول: لست بصاحب ذاك، اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلى الله عليه وسلم: لست بصاحب ذاك. فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيقوم فيُؤذن له).

    فهذا الموقف الجليل منهم عليهم السلام في ذلك الموقف العظيم إنما هو شوقٌ دائم إلى مزيد الطاعات، وتوْقٌ دائب إلى الانخلاع من صغائر السيئات، وذلك شأن الولعين بإدراك كمال العبودية، وما أحسنها سجيةً، أن تتوجه النفس دائماً إلى مراقي السعود، فلا ترضى بطاعة ولا تقنع بمرتبة وفيها طاقة للمزيد، ولهذا كان صدّيق هذه الأمة رضي الله عنه يسأل عن الدخول من جميع أبواب الجنة.
    ولم أر في عيوب الناس شيئاً .... كنقص القادرين على التمام

    فالتواضع ملاحظة للذنب، وندم على التقصير (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله) وهذا يزداد على حسب علم المرء (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

    فالتواضع اتهام للنفس واجتهاد في علاج عيوبها وكشف كروبها (قد أفلح من زكاها)، إذ إن قبول الأعمال معلق بالتقوى (إنما يتقبل الله من المتقين) ومعلق بالإخلاص (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وفي غيابهما لا يكون لصدقة الكريم ولا لعلم القارئ ولا لقتل الشهيد اعتبار، بل يكون هؤلاء الثلاثة أول من تُسعّر بهم النار، ولهذا كان أيوب السختياني يقول: "والله ما أزعم أن لي عملاً أنا على يقين من أنني قد أخلصت فيه"، قال الذهبي: "والله ولا أنا". ولعل من هذا الباب مقالة سليمان بن مهران الأعمش: "والله ما أرى أن عيني عمشت إلا من فرط ما يبول الشيطان في أذني"، مع أنه كان حريصاً على قيام الليل!

    والتواضع مداومة على استحضار الآخرة وميل إلى احتقار متاع الدنيا، وحرص على الفوز بالنجاة كما كان عمر رضي الله عنه يقول: أين تذهب عنكم (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)؟ وقد تعلم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال له: (أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟)

    وهو غلبة الخوف في قلب المؤمن على الرجاء، واليقين بما سيكون يوم (يسأل الصادقين عن صدقهم) و (تبلى السرائر) و (يرفع للغادر لواء) فحينئذٍ (لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) و (قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) فهذا عين الفقه في الدين (إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).
    وقد ترجم البخاري في كتاب الإيمان ترجمة طويلة ما أحسنها وأكملها، قال: "باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لايشعر. وقال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذَّباً. وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل. ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن ما أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون".

    والتواضع ولاء للمسلمين ووفاء بحقوقهم كما قال الله تعالى: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)، (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا)، وخاطب نوح عليه السلام قومه ردّاً على سفاهتهم (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) بقوله: (وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون)، حتى قال عليه السلام: (ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) وقال: (كفى بالمرء إثماً أن يحتقر أخاه المسلم)، ومن هنا جاءت الآداب متشبعة بهذا المعنى، متتبعة أنماط السلوك المختلفة، لا تُغفل ردّ السلام ولا إعانة الرجل على دابته ولا بسمتك في وجه أخيك. وقد كان السلف الصالح أكثر هذه الأمة تواضعاً لأنهم أشد تعاهداً لهذه الأخلاق؛ حتى وصفهم ربهم بأنهم (أذلة على المؤمنين ) و (رحماء بينهم).

    والتواضع معرفة الإنسان قدره بين أهل العلم ووزنه إذا قُورن بهم:
    لا تعرضنّ بذكرنا مع ذكرهم .... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
    وما أحسن موقف سفيان بن عيينة لما قارنوه بمالك فقد قال:
    وابن اللبون إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ .... لم يستطع صولة البُزْل القناعيسِ

    والمتأمل في تاريخ الاستكبار يعلم أن التواضع فنّ فاز به السحرة ولم يستطعه الكفرة والفجرة ولله در ابن مالك حين قال في ألفيته:
    وقد تزاد (كان) في حشو كـ(ما .... كان أصحّ علم من تقدما)
    وقال الشيخ علي القاري: (إنما حصل ترقي علماء زماننا بسبب تدني العلم في أواننا)، وانظر إلى الصديق رضي الله عنه كيف يتأخر عن الإمامة ويقول: "ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال علي رضي الله عنه لولده محمد بن الحنفية: "إنما أبوك رجل من المسلمين"، ومن هذا الباب قال الحافظ أبو الحجاج المزي لابن عبد الهادي حين امتحنه بقلب الأسانيد: "لست أنا، ذاك البخاري"، قال ابن كثير: "فكان قوله هذا أحب إلينا من أن لو ردّ كل سندٍ إلى متنه"، وقال الخطيب البغدادي للذي سأله: "أنت الحافظ الخطيب؟" قال: "أنا أحمد بن علي بن ثابت، انتهى الحفظ إلى الدارقطني"، وذكر التاج السبكي أن والده "التقي السبكي" كان يتهجد في الموضع الذي كان يُلقي فيه الإمام النووي دروسه، والتقي السبكي حينئذٍ شيخ الدار الأشرفية فكان يمرغ خديه على المكان الذي كان يضع النووي عليه قدميه ويقول:
    وفي دار الحديث لطيف معنى .... على بسط لها أصبو وآوي
    عسى أني أمس بحر وجهي .... مكاناً مسّه قدم النواوي

    والتواضع حياء العبد من مولاه وشكره على ما آتاه، وقد أثنى الله على خليله عليه الصلاة والسلام بأنه (أوّاه)، والمؤمن كيّس فطِن يدرك أنه عبد الله، أعماله من خلق الله، ونجاحه بتسديد الله، ولا يتقدم إلا بتوفيق الله
    إذا لم يكن عوْن من الله للفتى .... فأول ما يجني عليه اجتهاده
    ولهذا كان شعار الصحابة رضي الله عنهم :
    والله لولا الله ما اهتدينا .... ولا تصدقنا ولا صلينا
    وقد تعلموا ذلك من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها لمّا تورمت قدماه من كثرة القيام (أفلا أكون عبداً شكوراً)، ورحم الله الجنيد؛ فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء قوله: (والشكر أن لا تستعين بنعمة الله على معصيته).
    .....................................
    الشيخ: محمد عمر دولة 1
                  

09-30-2015, 00:36 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    حين يعهد إنسان إلى آخر بسرٍ ويأتمنه عليه ، ثم يقوم الأخير بإفشائه فقد خان الأمانة .
    وإذا أودع إنسانٌ آخر وديعة على سبيل الأمانة فأهلمها ، أو لم يحفظها فقد خان الأمانة .
    وإذا عاهد إنسان آخر عهدًا فنقضه فقد خان الأمانة ، وإذا عصى الإنسانُ ربه فقد خان الأمانة .
    هذه كلها صور من صور الخيانة ، وذلك الخلق الرذيل ، الذي يدل على ضعف الإيمان ، ووضاعة النفس .

    والخيانة من كبائر الذنوب ، بل هي من النفاق العملي : ((آية المنافق ثلاث ، إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان)) .
    والخائن بغيض إلى الله بغيض إلى الناس ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) ( الحج: 38 ) .
    الخائن يعرض نفسه لهتك ستره وافتضاح أمره ، فهو لا يستحق أن يدافع عنه أحد أو يجادل عنه ، قال تعالى : ( وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً ) ( النساء: 105 ) .

    ما موقف الخائن في الآخرة؟

    وإذا أخفى الخائن عن الناس خيانته وغدره ، ووجد في الدنيا من يجادل عنه ، فكيف يكون حاله وموقفه يوم تبلى السرائر ، قال تعالى : ( هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) ( النساء:109 ) .
    ولو علم الخائن أن سعيه وكيده إلى بوار لارتدع ، قال تعالى : ( وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) ( يوسف: 52 ) .
    وحين يؤتمن الخائن ، ويخوَّن الأمين ، فقد أتى على الناس السنون الخداعة التي حذر منها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ((سيأتي على الناس سنون يُصدق فيها الكاذب ، ويُكذَّب فيها الصادق ، ويخوَّن الأمين ، ويؤتمن الخائن ، وينطق فيها الرويبضة )) قيل : يا رسول الله ، وما الرويبضة ؟ قال : ((السفيه يتكلم في أمر العامة)) .

    ولأن الخيانة داء عضال ، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله منه : ((... وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة)) .
    وما من عبد يخون إلا أوقف يوم القيامة ورفعت راية على إسته فيقال : هذه غدرة فلان ، فأي فضيحة أعظم من هذه ؟‍

    ومن صور الخيانة

    من أعظم صور الخيانة أن تنشغل الأمة بجهاد أعدائها ، ويخرج المجاهدون لإعلاء كلمة الله في أرضه ، تاركين أهليهم وأولادهم ، ثم يأتي خائن حقير فيخون المجاهد في أهله ؛ إذ لو كان رجلاً لاستشعر مسؤوليته تجاه أبناء المجاهدين ونسائهم ، وأنه بالنسبة لهم الأخ المواسي ، خاصة حال غياب المجاهد الذي يدفع الله به الشر عن البلاد والعباد ، ومنهم ذلك الذي انتهز فرصة الغياب ليخون ، فكيف به إذا أوقفه الله يوم القيامة فجاء المجاهد فأخذ من عمله حتى لا يُبقي له شيئـًا .

    ومن صور الخيانة أن يستشير الرجل أخاه فيشير عليه بغير الصواب ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((... ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشدٍ فقد خانه)) ، فالمستشار مؤتمن ، فإن أشار بخلاف ما يرى أنه الأصلح فقد خان .

    ومن صور الخيانة أن يوسَّد الأمر إلى غير أهله ، فلا يكون المعيار كفاءة الرجال ، وإنما القرابة أو المحبة أو غيرها .
    وإذا سادت المجتمعات الإسلامية هذه الآفة فقد ضُيعت الأمانة ، وعندها تقترب الساعة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( فإذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة)) قيل : كيف إضاعتها ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) (رواه البخاري) .

    ومن صور الخيانة أن يسير الوالي في رعيته بغير هديً من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وألا يحرص على مصالحهم في دينهم ودنياهم ، ومثل هذا يحرم الله عليه الجنة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((ما من عبد يستر عليه الله رعيته ، يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) .

    ولو نظرنا إلى الشرع المطهر لوجدنا أنه زجر عن هذا الخلق ، ولو من باب رد الفعل : ((أدِ الأمانة لمن ائتمنك ، ولا تخن من خانك )). (رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني) .
    ماهر محمود
                  

09-30-2015, 00:38 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الرشوة هي ما يُعطى لإبطال حق أو إحقاق باطل ، وهي محرمة ، بل هي من الكبائر ، فقد قال الله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/188) .
    قال الذهبي - رحمه الله تعالى - : " لا تُدلوا بأموالكم إلى الحكام : أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقـًا لغيركم وأنتم تعلمون أن ذلك لا يحل لكم " .اهـ .
    ولا شك أن الذي يأخذ الرشوة إنما يأكل سُحتـًا ، وقد ذم الله تعالى هذا الصنف من الناس ، وشنَّع عليهم أشد التشنيع ، فقال تعالى : (وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (المائدة/62) .
    الرشوة سبب اللعنة
    ولأن الرشوة إذا شاعت في المجتمعات فإنها تؤدي إلى ضياع الحقوق وشيوع الظلم وانتشار الفساد ، فقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تعامل بها ، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي)) (رواه الترمذي وأبو داود ، وقال الألباني : صحيح) .
    كما بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سيلقاه المرتشي من العقوبة ، وما يلحقه من الإثم حين استعمل رجلاً ، فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أُهدي لي ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وقال : ((ما بال عاملٍ أبعثه فيقول : هذا لكم وهذا أُهدي لي ! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا ينال أحد منكم منها شيئـًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، بعير له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر)) .
    فالذي يأكل الرشوة إنما يحملها على عاتقه إثمـًا عظيمـًا ، يُسأل عنه يوم القيامة .
    ومما ينبغي أن يُعلم أن الرشوة حرام على الآخذ مطلقـًا ، أما بالنسبة للدافع ففيها تفصيل ؛ فتكون حرامـًا في حقه إن كان دفعها لاقتطاع حق غيره أو لظلمه ، إما إن كان مضطرًا لدفعها للحصول على حقٍ هو له ، أو لدفع ظلم ، أو ما شابه ذلك فهي في حقه ليست حرامـًا .. والله تعالى أعلم .
    الفرق بين الرشوة والهدية
    إن هناك فرقـًا مهمـًا بين الرشوة والهدية - وإن اشتبها في الصورة - والفرق راجعٌ أساسـًا إلى القصد ، إذ أن القصد في الرشوة هو التوصل إلى إبطال حق ، أو تحقيق باطل ، أما المُهدي فقصده استجلاب المودة والمعرفة والإحسان .
    ومن أهم المضار والمفاسد المترتبة على الرشوة أنها :
    1) تُغضب الله جل وعلا وتجلب على صاحبها العذاب واللعنة .
    2) تُفسد المجتمع حكامـًا ومحكومين .
    3) تُبطل حقوق الضعفاء والمظلومين .
    4) المرتشي تُشد يساره إلى يمينه ثم يُرمى به في جهنم .
    ماهر محمود
                  

09-30-2015, 00:39 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    العجلة خلاف البطء ، وهي مأخوذة من مادة ( ع ج ل ) التي تدل على الإسراع .
    والعجلة طلب الشيء أو فعله قبل أوانه ووقته اللائق به ، وهي من مقتضيات الشهوة ، بل هي من طبع الإنسان : ( وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً ) (الإسراء:11) ، أي طبعه العجلة ، فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير .
    وقد قيل : العجلة من الشيطان ؛ لأن عندها يروج شرَّه على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهل وتروى عند الإقدام على عمل يريده .

    ذم العجلة

    ولأن العجلة من مقتضيات الشهوة فقد ذُمت في القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) ( يونس: 11 ) ، وقوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ( يونس:50 ، 51 ) ، وغيرهما من الآيات التي تبين قبح العجلة ، بل إن الله تعالى نهى نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن العجلة بالقرآن : ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) ( طـه:114 )، وقوله تعالى أيضـًا : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) ( القيامة:16 ) .

    والمرء إذا كان مستجيبـًا لطبعه منساقـًا وراء شهوات نفسه فكان عجولاً ، فإنه لا يكاد يعذر بخير ، بل ربما أدت عجلته إلى هلكته وسوء خاتمته كحالة هذا الرجل الذي قال عنه سهل بن سعد - رضي الله عنه - : إن رجلاً من أعظم المسلمين غناءً عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ((من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا )) ، فاتبعه رجلٌ من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جُرح فاستعجل الموت فجعل ذُبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ، فأقبل الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مُسرعـًا فقال : أشهد أنك رسول الله ، فقال : وما ذاك ؟ قال : قلتَ لفلانٍ من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه ، وكان من أعظمِنَا غنَاءً عن المسلمين ، فعرفتُ أنه لا يموت على ذلك ، فلما جُرح استعجل الموت فقتل نفسه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : (( إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار ، وإنما الأعمال بالخواتيم)). (رواه البخاري ومسلم) .

    من صورالعجلة في الدعاء

    وعن أنس - رضي الله عنه - أنه قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ فَصَارَ مِثل الفرخِ ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((هل كنتَ تدعوه بشيءٍ أو تسألُهُ إيَّاه ؟ )) قال : نعم ، كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّلُه لي في الدنيا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( سبحان الله لا تُطيقُهُ أو لا تستطيعه ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) ، وقال : فدعَا الله له فشفاه ". (رواه مسلم) .

    وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أنه قال : سَمِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته لَمْ يُمجِّدِ الله ولم يُصَلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((عَجِلْتَ أيُّها المُصلي )) ثم علَّمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يُصلي مجَّد الله وحمده وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ادعُ تُجَبْ ، وسَلْ تُعْطَ)). (رواه النسائي واللفظ له ، وقال الألباني في صحيح النسائي : حسن ، ورواه أبو داود ورواه الترمذي وقال : صحيح ) .

    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل . يقول : دعوتُ فلم يُستجب لي)). (رواه البخاري واللفظ له ، ورواه مسلم) .

    من الخير العجلة في أمر الآخرة

    وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((التُّؤَدةُ في كل شيء إلا في عمل الآخرة )). (رواه أبو داود وقال الألباني في صحيح أبي داود صحيح) .

    وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : جلسَ إحدى عشرةَ امرأة ، فتعاهدْن وتعاقدْن أن لا يكتُمنَ مِن أخبار أزواجهِنَّ شيئـًا . قالت الأولى : زوجي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، على رأسِ جَبَلٍ وَعْرٍ ، لا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى ، ولا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ . قالت الثانية : زوجي لا أَبُثُّ خَبَرَهُ ، إنِّي أَخَافُ أن لا أذَرَهُ ، إن أذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَه وبُجَرَهُ. قالت الثالثة : زوجي الْعَشَنَّقُ ، إن أنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وإن أسْكُتْ أُعَلَّقْ ..".(رواه البخاري ومسلم) .
    إسلام ويب
                  

09-30-2015, 00:43 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحسد خُلُق ذميم مع إضراره للبدن وإفساده للدِّين ، حتى لقد أمر الله تعالى بالاستعاذة من شره : (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)(الفلق/5) .
    وناهيك بحال ذلك شرًا ، ولو لم يكن من ذم الحسد إلا أنه خلق دنيء ، يتوجه نحو الأقارب والأكفاء ، ويختص بالمخالط والصاحب ، لكانت النزاهة عنه كرمـًا ، والسلامة منه مغنمـًا ، فكيف وهو بالنفس مُضر ، وعلى الهم مُصِرٌّ ، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف من غير نكاية في عدوٍ ، ولا إضرار بمحسود .
    إن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على الآخرين ؛ ولهذا يتمنى الحاسد زوال النعمة عن المُنْعَم عليه .

    دواعي الحسد
    ذكر العلماء دواعي الحسد ، فأورد الماوردي أنها ثلاثة :
    1) بُغض المحسود ، فإذا كانت له فضيلة تُذكر أو منقبة تُشكر ثارت نفس من أبغضه حسدًا .
    2) أن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه فيه ، فيثير ذلك حسدًا ، فالحسد هنا يختص بمن علا مع عجز الحاسد عن إدراكه .
    3) السخط على قضاء الله تعالى ، فيحسد الآخرين على ما منحهم الله تعالى إياه ، وإن كانت نعم الله عنده أكثر ، ومِنَحه عليه أظهر .
    وهذا النوع من الحسد أعمها وأخبثها ؛ إذ ليس لصاحبه راحة ، ولا لرضاه غاية .

    دفع شر الحاسد
    قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : ويندفِعُ شرُّ الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب :
    السبب الأول : التعوذ بالله من شره ، والتحصن به واللجوء إليه .
    السبب الثاني : تقوى الله تعالى ، وحفظه عند أمره ونهيه .
    فمن أتقى الله تعالى تولَّى الله عز وجل حفظه ، ولم يكِلْه إلى غيره .
    السبب الثالث : الصبر على عدوه ، وألا يقاتله ولا يشكوه ، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلاً فما نُصِرَ على حاسده وعدُوِّه بمثل الصبر عليه .
    السبب الرابع : التوكل على الله .

    فمن توكل على الله فهو حسبُه ، والتوكُّل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يُطيق من أذى الخلق وظلمهم وعُدوانهم .
    وهو من أقوى الأسباب في ذلك ، فإن الله تعالى حسبُهُ ، أي كافيه ، ومن كان الله عز وجل كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه .
    السبب الخامس : فراغُ القلب من الاشتغال به والفكر فيه ، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له .
    فلا يلتفت إليه ، ولا يخافه ، ولا يملأُ قلبهُ بالفكر فيه .
    وهذا من أنفع الأدوية ، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره .

    السبب السادسُ : الإقبالُ على الله تعالى والإخلاص له ، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محلِّ خواطرِ نفسه وأمانِيِّها تدِبُّ فيها دبيب تلك الخواطرِ شيئـًا ، حتى يقهرها ويغمرها ويذيبها بالكلية ، فتبقى خواطره وهواجسُهُ وأمانيُّه كُلُّها في محابِّ الرَّبِّ ، والتقرُّب إليه .
    السبب السابع : تجريد التوبة إلى الله تعالى من الذنوب التي سَلَّطَتْ عليه أعداءه .
    فإن الله تعالى يقول : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(الشورى/30) .
    السبب الثامن : الصدقة والإحسانُ ما أمكنه ، فإن لذلك تأثيرًا عجيبـًا في دفع البلاء ، ودفع العين ، وشر الحاسد ، ولو لم يكن في هذا إلا بتجارب الأمم قديمـًا وحديثـًا لكُفي به .
    فما حَرَسَ العبدُ نعمة الله عليه بمثل شُكرها ، ولا عرَّضها للزَّوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله تعالى ، وهو كُفرانُ النعمة ، وهو بابٌ إلى كفران المُنْعِمِ .

    السبب التاسع : وهو من أصعب الأسباب على النفس ، وأشقها عليها ، ولا يُوفَّق له إلا من عظُم حظُّهُ من الله تعالى ، وهو إطفاءُ نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ، فكلما ازداد أذى وشرًا وبغيـًا وحسدًا ازددْت إليه إحسانـًا ، وله نصيحة ، وعليه شفقةً .
    وما أظُنُّك تُصدِّقُ بأن هذا يكون فضلاً عن أن تتعاطاه ، فاستمع الآن إلى قوله عز وجل : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(فصلت/34 - 36) .
    السبب العاشر : وهو الجامع لذلك كله ، وعليه مدارُ هذه الأسباب ، وهو تجريدُ التوحيد ، والتَّرَحُّلُ بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم ، والعلمُ بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح ، وهي بيد مُحركها ، وفاطرها وبارئها ، ولا تضرُّ ولا تنفعُ إلا بإذنه ، فهو الذي يُحسنُ عبدُهُ بها ، وهو الذي يصرفها عنه وحدهُ لا أحد سواه ، قال تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)(يونس/107).
    والحاسد صاحب معصية عظيمة ، فقد قال بعض السلف : " الحسد أول ذنب عُصي الله به في السماء ، يعني حسد إبليس لآدم - عليه السلام - ، وأول ذنب عصي الله به في الأرض ، يعني حسد ابن آدم لأخيه حتى قتله " .
    كما أن الحاسد لا ينقطع همه .
    قال بعض الأدباء : " ما رأيت ظالمـًا أشبه بمظلوم من الحسود ، نَفَسٌ دائم ، وهَمٌّ لازم ، وقلبٌ هائم " .

    والحاسد مسيء للأدب مع الله سبحانه وتعالى .
    قال الشاعر :
    يا حاسـدًا لـي على نعمـتي أتدري على مَنْ أسأت الأدبْ ؟
    أسـأت علـى الله في حُكمـه لأنك لم تـرضَ لي ما وهبْ
    فأخـزاك ربـي بأن زادنـي وسَـدَّ عليك وجـوه الطلبْ
    ماهر محمود
                  

09-30-2015, 00:46 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لقد حرص الإسلام على تربية أبنائه على معاني الأخوة والوحدة ، وحذرهم من كل ما يتنافى مع هذه الرابطة أو ينتقص منها .
    ومن أهم الأخلاق السيئة التي تضر بهذه الرابطة ما يكون من سرور الأخ بما يصيب أخاه من المصائب في الدنيا أو الدين ، وهذه هي الشماتة .
    إن الشماتة إذن لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبدًا ، بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم بقوله : ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ٌ)( آل عمران:120 ) ، وقوله تعالى : ( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ )( التوبة:50 ) .
    ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من شماتة الأعداء ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من جَهْد البلاء ، ودَرَك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء ))(رواه البخاري) .
    إن من الأمور المهمة بالنسبة للمجتمع المسلم أن يوطن أبناؤه أنفسهم على الفرح بفرح بعضهم ، والتألم والحزن لما يصيبهم ، وقد جعل الله تعالى من العقوبات القدرية لمن كان شامتـًا بأخيه المسلم أن يُبتلى بمثل ما كان سببـًا لشماتته .
    قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك)).(رواه الترمذي وقال : حسن غريب) .
    ومن الشماتة المذمومة شرعـًا أن يتوب الله على عبدٍ من ذنبٍ ما فيأتي أخوه فيعيره به ، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أيضـًا بقوله : (( من عيَّر أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يعمله )).(رواه الترمذي وقال : حسن غريب) .
    ولو لم يكن من مضار الشماتة إلا أنها تسخط الربَّ تبارك وتعالى ، وتدل على انتزاع الرحمة من قلوب الشامتين لكفى بذلك زجرًا عنها ، فكيف وهي تورث العداوات ، وتؤدي إلى تفكك أوصال المجتمعات ، ثم هي تعرض أصحابها للبلاء :
    إذا ما الدهر جَرَّ على أناسٍ كَلاَكِلَه أَنَاخَ بآخــرينا
    فقل للشامتين بِنَا أَفيقــوا سَيَلْقَى الشامتون كما لقينا
    ماهر محمود
                  

09-30-2015, 00:48 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    معنى السفاهة
    السفه نقيض الحلم ، وهو سرعة الغضب ، والطيش من الأمور اليسيرة ، والمسارعة للبطش ، في العقوبة ، والسب الفاحش .
    ومما لا شك والإسراع فيه أن أساس هذا كله هو خفة العقل ونقصانه .
    والسفه يكون في الأمور الدينية ، والدنيوية .
    أما كونه في الأمور الدينية والأخروية فدل عليه قول الله تعالى : (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً) (الجـن:4) .
    وقوله عز وجل : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:142) .
    والمراد بالسفهاء هنا - كما أفاده السُّدِّيُّ - رحمه الله تعالى - : الكفار ، والمنافقون ، واليهود .
    أما الكفار ، فقالوا لما حُولت القبلة : رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا ، فإنه علم أنا على الحق .
    وأما أهل النفاق فقالوا : إن كان أولاً على الحق فالذي انتقل إليه باطل ، وكذلك العكس .
    وأما اليهود فقالوا : خالف قبلة الأنبياء ، ولو كان نبيـًا لما خالف .
    ولا شك أن هذه المقولات دالة على سفاهة أصحابها ، وقلة عقولهم ؛ إذ غفلوا عن تصريف الله لأمور عباده كيف يشاء ، وأن له سبحانه المشرق والمغرب ، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

    فالسفيه في هذا الجانب هو إنسانٌ رديء الفهم ، سريع الذنب ، خدعه شيطانه فجعله أسير الطغيان ، دائم العصيان ، أعاذنا الله من حاله .
    ولهذا بيَّن الله تعالى سفاهة هؤلاء حين دعوا إلى الإيمان فقالوا : (أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ) ، فقال الله عز وجل : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة: 13) .
    إذ لو كانوا أصحاب عقل راجح ، ورأي سديد لعلموا أن ما دُعوا إليه هو الحق .

    وأما السفاهة في الأمور الدنيوية فهي قلة التدبير وفساد الرأي والعمل نجلاف مقتضى العقل ، ومن ذلك إنفاق السفيه ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير ، وعجزه عن إصلاحه والتصرف فيه بالتدبير .
    ولهذا نهى الله تعالى عن إعطاء هذا الصنف الأموال يعبث بها كيف شاء ، ويبددها على غير الوجه المقبول شرعـًا وعقلاً .. قال تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: 5) .

    الأزمنة الخداعة

    ويوم يتصدر السفهاء ويتكلمون باسم الأمة فقد أتت على الناس الأزمنة التي حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها : "إنها ستأتي على الناس سنون خدَّاعة ، يُصَدَّق فيها الكاذب ، ويكذَّب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل : وما الرُّوبيضة ؟ قال : السفيه يتكلم في أمر العامة" (رواه ابن ماجة ، وأحمد واللفظ له ، وقال الشيخ شاكر - رحمه الله - : إسناده صحيح) .

    كما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من إمرة السفهاء ، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عُجْرَة : ((أعاذك الله من إمارة السفهاء)) . قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : ((أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهدي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدَّقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ، ولستُ منهم ، ولا يَرِدُون عليَّ حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، فأولئك مني ، وأنا منهم ، وسيردون عليَّ حوضي)) (رواه النسائي ، والترمذي وقال : حسن غريب).

    اجتناب السفيه

    إن أفضل السُّبل مع السفيه هو اجتنابه وعدم مخالطته أصلاً ، ومن ابتلي بأحدهم فليحلم عليه ، قال عمير بن خماشة يوصي بنيه : " بَنِيَّ إياكم ومجالسة السفهاء ؛ فإن مجالستهم داء ، من يحلم عن السفيه يُسَر ، ومن يُجبْه يندمْ ، ومن لا يرضى بالقليل مما يأتي به السفيه يرضى بالكثير " .
    وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - :
    يخاطبني السفيه بكل قُبْحٍ فأكره أن أكون له مجيبـًا
    يَزيد سفاهة فأزيد حِلْمـًا كَعُودٍ زاده الإحراقُ طِيبـًا
    وقانا الله تعالى شر السفاهة وأهلها .
    ماهر محمود
                  

09-30-2015, 00:50 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    قال الله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم/11) قال أهل التفسير نزلت في الوليد بن المغيرة ، وقال تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (المسد:4)
    قيل إنها نمامة حمالة للحديث .
    وعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا يدخل الجنة نمام " .
    وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر بقبرين فقال : "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير : أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " (رواه البخاري ومسلم) ، قال بعض العلماء : " وما يعذبان في كبير " أي كبير في زعمهما وقيل كبير تركه عليهما .
    وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ألا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى ، قال : المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبراء العنت " (رواه أحمد) .
    وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال : " ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس "(رواه مسلم) .

    معنى النميمة والباعث عليها

    ومعنى النميمة : نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء ، فالنم خلق ذميم ؛ لأنه باعث للفتن وقاطع للصلات ، وزارع للحقد ومفرق للجماعات ، يجعل الصديقين عدوين والأخوين أجنبيين ، فالنمام يصير كالذباب ينقل الجراثيم ، والنميمة اسم يطلق على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به ، بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتاب أو بالرمز أو بالإيماء ، فكل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية .

    أما الباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه ، أو إظهار الحب للمحكي له ، أو التفرج بالحديث والخوض في النقول والباطل .
    الواجب على من نقلت إليه النميمة

    ومن نقلت إليه النميمة عليه ستة أمور :
    1- أن لا يصدق النمام ؛ لأن النمام فاسق ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) (الحجرات/6) .
    2- ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله .
    3- يبغضه في الله فإنه بغيض عند الله .
    4- لا تظن بأخيك الغائب سوءًا لقوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (الحجرات/12) .
    5- لا يحملك ما حكى على التجسس والبحث للتحقق منه لقوله عز وجل : (وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات/12) .
    6- لا ترض لنفسك ما نهيت النمام عنه ، ولا تحكِ نميمته فتكون نمامـًا ومغتابـًا ، فليتق الله ذوو الألسنة الحداد ، ولا ينطقوا إلا بما فيه الخير لخلق الله ، ويكفيهم في هذا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت " (رواه البخاري ومسلم) .

    الآثار في ذم الغيبة :
    قال الحسن : من نم إليك نم عليك .
    قال رجل لعمرو بن عبيد : إن الأسوارى ما يزال يذكرك في قصصه بشر ، فقال عمرو : يا هذا ما راعيت حق مجالسة الرجل ؛ حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقِّي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه : أن الموتَ يَعُمُّنا ، والقبر يَضُمُّنَا ، والقيامة تجمعنا ، والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين .
    وروى أن سليمان بن عبد الملك كان جالسـًا وعنده الزهري فجاءه رجل فقال له سليمان : بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا وكذا ، فقال الرجل : ما فعلت ولا قلت ، فقال سليمان : إن الذي أخبرني صادق ، فقال له الزهري : لا يكون النمام صادقـًا ، فقال سليمان : صدقت ، ثم قال للرجل : اذهب بسلام .
    وقال بعضهم : لو صح ما نقله النمام إليك ، لكان هو المجترئ بالشتم عليك ، والمنقول عنه أولى بحلمك ؛ لأنه لم يقابلك بشتمك .
    ويروى أن عمر بن عبد العزيز دخل عليه رجل فذكر عنده وشاية في رجل آخر فقال عمر : إن شئت حققنا هذا الأمر الذي تقول فيه وننظر فيما نسبته إليه ، فإن كنت كاذبـًا فأنت من أهل هذه الآية : (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات/6) ، وإن كنت صادقـًا فأنت من أهل هذه الآية : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم/11) ، وإن شئت عفونا عنك ، فقال : العَفْوَ يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدًا .
    إسلام ويب
                  

09-30-2015, 00:52 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ) (الأعراف/146) ، وقال تعالى : (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر/35) وقال تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل/23) ، وقال عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/60) .
    وقال - صلى الله عليه وسلم - ": يقول الله تعالى : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي " (رواه مسلم) .
    وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينظر الله إلى رجل يجر إزاره بطرًا" (رواه البخاري) .
    وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنـًا ونعله حسنـًا ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بَطَرُ الحقِّ وغمط الناس" (رواه مسلم) .
    ومعنى بطر الحق : الاستنكاف عن قبوله ورده والنظر إليه بعين الاستصغار ، وذلك للترفع والتعاظم ، ومعنى غمط الناس : إزدراؤهم واحتقارهم.

    بيان ما يتكبر به :
    أولاً : العلم :
    وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم ، فيستعظم نفسه ويحتقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم .
    الثاني : الكبر بالحسب والنسب :
    فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب ، وإن كان أرفع منه علمـًا وعملاً ، وهذا من فعل الجاهلية كما جاء أن أبا ذرٍ - رضي الله عنه - قال : قاولت رجلاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فعيرته بأمه فغضب - صلى الله عليه وسلم - وقال : " يا أبا ذر إنك امروء فيك جاهلية : هم إخوانكم "(رواه مسلم) .
    الثالث : الكبر بالمال :
    وذلك يجري بين الأغنياء في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيحتقر الغني الفقير ويتكبر عليه ، وكل ذلك جهل منهم بفضيلة الفقر وآفة الغنى .
    الرابع : التكبر الأتباع والأنصار والعشيرة :
    فهذه الأمور السابقة هي بعض ما يتكبر به الناس بعضهم على بعض ، نسأله تعالى العون بلطفه ورحمته .
    واعلم أن التكبر في شمائل الرجل كصعر في وجهه ، ونظره شزرًا ، وفي أقواله حتى في صوته ونغمته ، ويظهر في مشيته وتبختره ، وقيامه وجلوسه وحركاته وسكناته ، فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ، ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض ، فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أوبين يديه ، ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره خلفه ، ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته ، والتواضع خلافه : جاء أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيوف ، وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى السراج فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه ، قال : أفأنبه الغلام ؟ فقال : هي أول نومة نامها ، فقام وملأ المصباح زيتـًا فقال الضيف : قمت أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعـًا .
    وبالجملة فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فينبغي أن يقتدى به .

    قال ابن أبي سلمة : قلت لأبي سعيد الخدري : ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم ؟ فقال : يا ابن أخي ، كل لله واشرب لله والبس لله ، وكل شيء من ذلك دخله زهو أو مباهات أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف ، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ، كان يحلب الشاة ، ويخصف النعل، ويرقع الثوب ، ويأكل مع خادمه ، ويشتري الشيء من السوق لا يمنعه الحياء أن يعلق الإناء بيده ، ويصافح الغني والفقير ، ويسلم مبتدئـًا على كل من استقبله من صغير أو كبير ، ويجيب إذا دُعيَ ولا يحقر ما دُعيَ إليه ، لين الخلق ، جميل المعاشرة ، طليق الوجه ، شديدًا في غير عنف ، متواضعـًا في غير مذلة ، جوادًا من غير سرف ، رقيق القلب ، زادت عائشة - رضي الله عنها - وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمتلئ قط شبعـًا ، ولم يبث إلى أحد شكوى ، وكان يقول : " البذاذة من الإيمان "(رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم ، وصححه الألباني) .
    فقال هارون : سألت عن معنى البذاذة فقال : هو الدون من اللباس ، فمن طلب التواضع فليقتد به - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يرض لنفسه بذلك فما أشد جهله ، فلقد كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم خلق الله في الدنيا والدين ، فلا عز ولا رفعة إلا في الاقتداء به .
    قال كعب : ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع بها درجته في الآخرة .

    الطريق في معالجة الكبر واكتساب التواضع :
    اعلم أن الكبر من المهلكات ، وإزالته فرض عين ، ولا يزول بمجرد التمني، بل بالمعالجة ، وفي معالجته مقامان :

    أحدهما : قطع شجرته من مغرسها في القلب .
    الثاني : دفع العرض منه بالأسباب التي قد يتكبر بها .

    المقام الأول : في استئصال أصله ، وعلاجه علمي وعملي ولا يتم الشفاء إلا بمجموعهما إن شاء الله تعالى .
    أما العلمي : فهو أن يعرف نفسه ويعرف صفات ربه تبارك وتعالى ، ويكفيه ذلك في إزالة الكبر ، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه لا يليق به إلا التواضع ، وإذا علم صفات ربه عز وجل علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا لله عز وجل .

    المقام الثاني : يدفع العارض منه بالأسباب التي ذكرناها ، فمن تكبر بنسبه فليداو قلبه بمعرفة أن هذا جهل من حيث أنه تعزز بكمال غيره ، ولذلك قال الشاعر :
    لَئِنْ فَخَرْتَ بَآبَاءٍ ذَوي نَسَبٍ لَقَدْ صَدَقْتَ وَلَكَنِ بِئْسَ مَا وَلَدُوا
    ومن كان خسيسـًا فمن أين يجبر خسته ؟ بكمال غيره ، وبمعرفة نسبه الحقيقي - أعني أباه وجده - فإن أباه القريب وجده البعيد تراب ، ولقد عرَّف الله تعالى نسبه فقال : (وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) (السجدة/7 ، 8).

    أما التكبر بالغنى وكثرة المال وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار والتكبر بالمناصب والولايات فكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان ، وهذا أقبح أنواع الكبر ، فلو ذهب ماله أو احترقت داره لعاد ذليلاً ، وكم من اليهود من يزيد عليه في الغنى والثروة والتجمل فأفٍ لشرف يسبقه به يهودي أو يأخذه سارق في لحظة فيعود ذليلاً مفلسـًا .

    أما التكبر بالعلم والعبادة وهو أعظم الآفات فعلاجه بأمرين :
    أحدهما : أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عُشْرُهُ من العالم ، فإن عصى الله تعالى عن معرفة وعلم فجنايته أفحش وخطره أعظم .
    ثانيهمـا : أن يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده ، وأنه إذا تكبر صار عند الله ممقوتـًا بغيضـًا ، فهذا مما يزيل التكبر ويبعث على التواضع .
    البحر الرائق-الشيخ أحمد فريد
                  

09-30-2015, 00:54 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    تعريف الغيبة :
    عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : ((ذكرك أخاك بما يكره)) ، قيل إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته))(رواه أبو داود) .. أي : قال عليه ما لم يفعل .
    قال الله تعالى : (ولا يغتب بعضكم بعضـًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا فكرهتموه ، واتقوا الله إن الله توابٌ رحيم)(الحجرات/12) .
    أي لا يتناول بعضكم بعضـًا بظهر الغيب بما يسوؤه ثم ضرب الله تعالى للغيبة مثلاً : ( أيُحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا) وبيانه أن ذكرك أخاك الغائب بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك ، (فكرهتموه) أي فكما كرهتم هذا الأمر فاجتنبوا ذكر إخوانكم بالسوء ، وفي ذلك إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه وهي من الكبائر .

    وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " قلت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسبك من صفية كذا وكذا " قال بعض الرواة تعني قصيرة ـ ((فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) ، قالت : وحكيت له إنسانـًا فقال : ((ما أحب أني حكيت إنسانـًا وإن لي كذا وكذا))(رواه الترمذي) ، والحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة .
    وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله))(رواه البخاري ومسلم) .

    وعن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع : ((إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هلا بلغت))(رواه البخاري ومسلم) .
    قال علي بن الحسين : إياكم والغيبة فإنها إدام كلاب الناس .
    فمعنى الغيبة أن تذكر أخاك الغائب بما يكرهه إذا بلغه ، سواء كان ناقصـًا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو ثوبه .

    وأقبح أنواع الغيبة : غيبة المتزهدين المرائين مثل أن يذكر عندهم إنسان فيقولون : الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام ، أو يقولون : نعوذ بالله من قلة الحياء أو نسأل الله العافية ، فإنهم يجمعون بين ذم المذكور ومدح أنفسهم ، وربما قال بعضهم عند ذكر إنسان : ذلك المسكين قد بلى بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه ، فهو يظهر الدعاء ويخفي قصده .
    واعلم أن المستمع للغيبة شريك فيها ، ولا يتخلص من إثم سماعها إلا أن ينكر بلسانه ، فإن خاف فبقلبه ، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك .

    الأسباب الباعثة على الغيبة :
    1- تشفي الغيظ بأن يجري من إنسان في حق إنسان آخر سبب يوجب غيظه فكلما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه .
    2- من البواعث على الغيبة موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم ، فإنهم إذا كانوا يتفكهون في الأعراض رأى هذا أنه إذا أنكر عليهم أو قطع كلامهم استثقلوه ونفروا منه ، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن الصحبة.
    3- إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره ، فيقول : فلان جاهل وفهمه ركيك ، ونحو ذلك ، وغرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ويريهم أنه أعلم منه ، وكذلك الحسد في ثناء الناس على شخص وحبهم له وإكرامهم فيقدح فيه ليقصد زوال ذلك .
    4- اللعب والهزل فيذكر غيره بما يضحك الناس على سبيل الحاكاة حتى إن بعض الناس يكون كسبه من هذا .

    علاج الغيبة :
    فليعلم المغتاب أنه بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى ومقته ، وأن حسناته تنتقل إلى من اغتابه ، وإن لم يكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه ،فمن استحضر ذلك لم يطلق لسانه بالغيبة .
    وينبغي إذا عرضت له الغيبة أن يتفكر في عيوب نفسه ويشتغل بإصلاحها ويستحي أن يعيب وهو معيب كما قال بعضهم :
    فإن عبتَ قومـًا بالذي فيكَ مثلُهُ فكيفَ يعيبُ الناسَ مَنْ هوَ أعْوَرُ
    وَإنْ عِبْتَ قَوْمـًا بالذي ليس فيهم فذلك عند الله والناس أكبــرُ
    فلينظر في السبب الباعث على الغيبة فيجتهد في قطعه فإن علاج العلة يكون بقطع سببها .

    كفارة الغيبة :
    اعلم أن المغتاب قد جنى جنايتين :
    أحدهما حق الله تعالى إذ فعل ما نهاه عنه فكفارة ذلك التوبة والندم .
    والجناية الثانية : على عرض المخلوق ، فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه فاستحله وأظهر له الندم على فعله .
    وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له والثناء عليه بما فيه من خير أمام من اغتابه أمامهم لإصلاح قلوبهم .
    كتاب البحر الرائق-أحمد فريد
                  

09-30-2015, 00:56 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    معنى الشُّح :
    الشح مأخوذ من مادة (ش ح ح) التي تدل على المنع ، والشُّح بُخْلٌ مع حرص ، وقد فسره ابن رجب - رحمه الله - بأنه : تشوق النفس إلى ما حرم الله ومَنَعَ مِنْه ، وعدم قناعة الإنسان بما أحله الله له من مالٍ أو مزج أو غيرهما .

    الفرق بين البخل والشُّح :
    قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : " الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة حرص على الشيء ، والإحفاء في طلبه ، والاستقصاء في تحصيله ، وجَشَع النفس عليه .
    والبخل : مَنْع إنفاقه بعد حصوله .. فهو شحيح قبل حصوله ، بخيل بعد حصوله ، فالبخل ثمرة الشح ، والشح يدعو إلى البخل ، والشح كامن في النفس ، فمن بخل فقد أطاع شحه ، ومَنْ لم يبخل فقد عصى شحه ووُقِيَ شرَّه ، وذلك هو المفلح ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9) .

    ومما لا شك فيه أن الشُّح من أقبح الصفات ، فهو مُنافٍ للإيمان ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا))(رواه النسائي وصححه الألباني ، وأحمد ، وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح) .
    والشُّح يُهلك صاحبه ، وإذا شاع في المجتمعات مزقها وأهلكها ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((... وأما الملهكات : فشحٌ مطاع ، وهوىً متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ))(ذكره الألباني في صحيح الجامع ، وقال : حسن من حديث ابن عمر).
    ولهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الخُلق الذميم ؛ لأنه يؤدي إلى شيوع الظلم ، وقطيعة الرحم ، وسفك الدماء ، وأكل الأموال ، فعن عبد اله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ..))(رواه أبو داود وأحمد وللفظ وصححه الشيخ أحمد شاكر) .

    والأمر الذي يثير العجب أن الشحيح يعيش الفقر وإن كان من أغنى الناس ، إذ يبخل حتى على نفسه ، وهو يجمع لغيره ، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس ، مما يروى في هذا (أن الحسن البصري - رحمه الله - دخل على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه ، فرآه ينظر إلى صندوق في بيته ، ثم قال : يا أبا سعيد ، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاةً ، ولم أصِلْ منها رحمـًا ؟ قال الحسن : ثكلتك أمك ، ولم كَنْتَ تجمعها ؟ قال : لروعة الزمان ، وجَفوة السلطان ، ومكاثرة العشيرة . ثم مات ، فلما فرغوا من دفنه قال الحسن - رحمه الله - : انظروا إلى هذا المسكين ، أتاه شيطانه فخدره روعة زمانه ، وجفوة سلطانه ، ومكاثرة عشيرته ، عما رزقه الله إياه وغمره فيه .
    انظروا كيف خرج منها مسلوبـًا محرومـًا ، ثم التفت إلى الوارث فقال : أيها الوارث ، لا تُحذ عن كما خُدع صويحبك بالأمس ، أتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالاً ،أتاك عفوًا صفوًا ممن كان له جموعـًا منوعـًا ، من باطل جمعه ، ومن حق منعه .

    إن يوم القيامة يوم ذو حسرات ، وإن من أعظم الحسرات غدًا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيا لها عثرة ، لا تُقال ، وتوبة لا تُنال .

    وقال محمود الورَّاق - رحمه الله تعالى - :
    تمتع بمالك قبل الممـاتِ وإلا فلا مـال إن أنت مُتَّا
    شَقِيتَ به ثـم خَلَّفْتَـهُ لِغيرك بُعدًا وسُحـقًا ومقْتا
    فجاد عليك بِزُورِ البُـكَا وَجُدْتَ له بالذي قـد جمعتا
    وأعطيتَه كُلَّ ما في يديك فخلاّك رهنـًا بما قد كسبتا
    وقد عدَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات .

    أما من طهَّر نفسه من الشح فقد وعده ربه بالفلاح ، قال تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9) .
    المصادر :
    - موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم .(مجموعة من العلماء).
    - الترغيب والترهيب .(المنذري) .
    - منهاج المسلم . (أبو بكر الجزائري) .
    إعداد ماهر محمود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 11 „‰ 12:   <<  1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de