الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين»

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة يوسف ابراهيم عزت الماهري(ابنوس)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-02-2003, 07:29 AM

ابنوس
<aابنوس
تاريخ التسجيل: 04-19-2003
مجموع المشاركات: 1790

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين»

    الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين»
    قلت لنميري بعد إلغائه اتفاقية أديس أبابا.. إن السودان لن يعود كما كان * فوت النميري فرصة دخول التاريخ.. لو لم يلغ من دون أسباب اتفاقية أديس أبابا * الصادق المهدي والترابي حرضا النميري

    لندن: عيدروس عبد العزيز
    اندلعت شرارة الحرب الاهلية في السودان في مطالع الاستقلال عام 1956، وحتى اليوم لم تخب موقدها بعد، بل انها والعالم يدخل قرنا جديدا اشتعلت لتصبح جحيما من المذابح والدمار.
    يقول الدكتور منصور خالد وزير الخارجية السوداني الاسبق المستشار السياسي الحالي لزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق، في كتابه الجديد «السودان اهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين»، الذي يروي قصة الـ50 عاما الاخيرة في السودان، ان الطبقة الحاكمة في الشمال وبعض المعلقين السياسيين فيه، مافتئوا يؤرخون لتلك العهود بأسلوب رومانسي مضلل، مشيرا الى انه ليس هناك ما يحمل اي سوداني على استذكار تلك الفترة بالفخر والمباهاة، خاصة في ما يتعلق بتحقيق السلام. ويضيف ان «الذي يحمل السودانيين على التأسي والتوجع، اكثر بكثير مما يحدو بهم للتهليل والاستطالة والشدو بأهازيج النصر»، وواوضح ان القصور عن تحقيق السلام والاستقرار وقع بالرغم من توفر فرص عديدة في نصف القرن الماضي كان من الممكن ان تقود اليه.
    وموضوع «الحرب والسلام» كان هو مدخل الدكتور منصور خالد في كتابه لتقصي جذور « الازمة السودانية»، فبسبب الحرب كما يقول وليس لاي سبب آخر تفاقمت الامور في السودان واستفحلت شرورها.
    * بداية الحرب في السودان
    * بدأت الحرب في السودان فعليا في الستينات من القرن الماضي، على الرغم من ان جذورها القريبة ترجع الى قبيل استقلال السودان اغسطس (آب) 1955. وكان من الممكن السيطرة على اعمال العنف التي طرأت منذ ذلك التاريخ، لولا قصر نظر الحكومات المتعاقبة في الخرطوم عما يمكن ان تقود اليه الحروب مستقبلا. تلك الحكومات افترضت ـ بحسن او بسوء نية ـ ان الوطنية الشمالية الصغرى، بكل مقوماتها الثقافية والدينية بل والعرقية، يجب ان تصبح المقوم الوحيد للهوية الوطنية لكل السودان، بما في ذلك الجنوب. لم تدرك تلك الحكومات، كما لم تدرك النخب التي كانت تشاركها الرأي، ان الطبيعة غير الشاملة لهذه النظرة للهوية الوطنية قد تؤدي الى ظهور سياسات قائمة على، ومنحازة الى، الاعراق حتى داخل الحدود الجغرافية للشمال نفسه. وعليه، فبدلا من ان تصبح الهوية المفترضة في شكلها الجنيني ذلك عاملا على التوحيد، اصبحت عنصرا آخر من عناصر الصراع في السودان. وهكذا عجز السودان الذي يضم مجموعات تنتمي الى اعراق مختلفة، لكل منها تاريخها ودينها وخصائصها الثقافية، عن التحول الى دولة مدنية شاملة تضم مواطنين مختلفين، ولكنهم متوحدون في تنوعهم، وعمق من مشاعر الفرقة ايضا، رفض الطبقة الحاكمة منح فرص متكافئة للجنوبيين فيما يتعلق بشؤون الحكم، وطال ذلك الرفض حق الجنوبيين في ادارة اقليمهم، مما قاد الى استعار الصراع في الجنوب. واليوم يدخل هذا الصراع عقده الخامس، باستثناء فترة هدنة دامت عشر سنوات هي الفترة ما بين عامي 1973 ـ 1983 التي تلت اتفاق اديس ابابا عام 1972. تلك كانت هي الفترة الوحيدة التي ساد فيها هدوء نسبي في الجنوب على امتداد فترات ما بعد الاستقلال.
    * انهيار الهدنة
    * فترة الهدنة التي دامت عشر سنوات انهاها حاكم شمالي (نميري) بالتواطؤ مع سياسي جنوبي (جوزيف لاقو). فخلافا لنصوص اتفاقية اديس ابابا قام الرجلان بتقسيم الجنوب الى ثلاث مناطق ذات سلطات دستورية اقل من تلك التي حددتها الاتفاقية للاقليم الجنوبي. وفي وقت لاحق، وفي احدى الحلقات التآمرية ـ هذه المرة مع الاخوان المسلمين ـ قام نميري بفرض قوانين دينية على بلد متعدد الاديان. تلك هي القوانين التي اخذ السودانيون يشيرون اليها تلطفا فيما بعد بقوانين سبتمبر. هذه الزلة من الحاكم الشمالي الوحيد الذي افترض فيه الوعي بالجوانب المتعددة لتركيبة السودان الاجتماعية بسبب نجاح نظامه في الوصول الى حل للمشكل اعيى غيره، كانت بلا مرية هي ادنى مراحل السقوط السياسي. ومنذ وقوع ذلك الهفاء والحمق، لم يعد بحق اي رجل ذي نصفة ان يلوم الجنوبيين على منابذتهم لنميري ومجاهرته بالحرب، بل وعلى فقدانهم الكامل للثقة في السياسيين الشماليين على اختلاف انتماءاتهم. ولعلنا نركز على اتفاق اديس ابابا لاسباب موضوعية وذاتية. اهم الاسباب الموضوعية هو ان اتفاق اديس ابابا يمثل مبادرة السلام الاولى التي تم تنفيذها بواسطة السودانيين انفسهم. على ان نجاح ذلك الاتفاق واجهاضه فيما بعد، يعكسان الخلل الهيكلي في السياسة السودانية. فاتفاق اديس ابابا استهدى بصورة تكاد تكون حرفية بوثيقة اعدت اثناء فترة حكم الاحزاب التي سبقت تولي نميري للسلطة، وما اقعد الاحزاب عن تنفيذها الا الانقسامات الدينية والسياسية والصراعات الشخصية التي وقعت بين الاحزاب آنذاك. العامل الذاتي هو انه اتيح لنا، بجانب آخرين، ان نلعب دورا في انجاز ذلك الاتفاق التاريخي. لذلك لا يقل غضبنا على نميري لالغائه الاتفاق، عن ادانتنا للسياسيين الذين ازاحهم نميري لفشلهم في اقتناص فرصة تاريخية عظيمة لتحقيق تسوية سلمية لازمة السودان عقب انتفاضة اكتوبر (تشرين الاول) 1964، ولكن رغم سخطنا على نميري، لن نبخسه حقه، بل نقول انه كان في مقدوره ان يدخل التاريخ لو لم يلغ بدون مبرر تلك الاتفاقية. وقد اثبتت التجربة ان الرجل لم يكن يدرك مغزى الاتفاقية او دلالاتها.
    تطبيق نميري للقوانين الدينية (الشريعة)، فيما بعد، قاد الى تغيير في الخارطة السياسية السودانية بشكل يفوق التصور. ودون تقليل من مسؤولية نميري عما حدث، الا ان خصميه السياسيين: الصادق المهدي وحسن الترابي، كانا اكبر عنصر تحريض له بشكل مباشر عندما باركا صحوته الاسلامية المزعومة، وشجعاه على المضي فيها بعد المصالحة الوطنية في عام 1977. تلك كانت مغامرة غير مسحوبة عاشا ليندمان عليها، اكثر من ندمنا على التعاون مع نميري. ومن المدهش ان نفور المايويين (انصار نميري) من فكرة تديين السياسة في عام 1968 (مشروع الدستور الاسلامي) لاثرها على الوحدة السياسية للبلاد، كان من اهم الاسباب التي جاءت بنميري الى السلطة في عام 1969.
    * لماذا تخلينا عن مايو
    * عند تخلينا عن نظام نميري في صيف عام 1979 عقب اعلانه توجهه لالغاء الاتفاق، وتغاليه في الهوس الديني، ألمحنا الى الجميع ـ بمن فيهم الرئيس ـ ان السودان لن يعود كما كان عليه مرة اخرى. ذلك رأي كان لا بد لنا من الافضاء به اليه، بدلا عن التولي غضبا، او الاكتفاء بالقعود عنه بعيدا، «فتول عنهم يوم يدع الداعي الى شيء نكر»، سخر كثيرون من هذا الرأي، يومذاك وقال واحد منهم باستهزاء: كيف تجرؤ على قول ذلك اذا كان الجنوبيان اللذان وقعا الاتفاقية، جوزيف لاقو نيابة عن حركة تحرير جنوب السودان (SSLM) وابيل الير، رئيس وفد الحكومة في مفاوضات اديس ابابا، لم يبديا انزعاجا من الغاء الاتفاقية؟ في ذلك الوقت كان لاقو يتربع على منصب نائب رئيس البلاد، في حين استمر الير في عمله كوزير بعد الغاء الاتفاقية، بل رضى لنفسه البقاء في منصب متواضع (وزير الاشغال العامة). موقف لاقو لم يكن يدعو للدهشة، فمثل نميري لا نحسب انه كان مدركا كل الادراك للمغزى الكامل للاتفاقية التي وقعها. ألير ينتمي الى قبيل مختلفة، فهو رجل ذو شخصية قوية، وحس سياسي سليم. ولكنه، على خلاف ما فعل الآخرون الذين اختاروا الانسحاب من الحكومة ومغادرة البلاد عقب الغاء نميري للاتفاقية او افصحوا عن آرائهم وانتهى بهم الامر الى الوقوف خلف القضبان، آثر ان يتخذ قراره في الوقت المناسب.
    * ظهور حركة قرنق
    * بعد اربعة اعوام من الغاء اتفاقية اديس ابابا، اندلعت الحرب على نطاق واسع، غير ان المرحلة الجديدة شهدت تحولا كبيرا في نسق الحرب في الجنوب. تلك هي المرحلة التي برزت فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش التابع لها كمنظمة سياسية ـ عسكرية تحت قيادة جون قرنق دي مابيور. جدير بالملاحظة ان الحركة الجديدة اسقطت كلمة جنوب من اسم المنظمة التي اسسها لاقو وكان اسمها حركة تحرير جنوب السودان الحركة الجديدة ـ ذات المنشأ الجنوبي ـ حددت مهمتها في علاج اخطاء الماضي عن طريق خلق سودان جديد تزال عنه كل مظاهر الهيمنة التاريخية: السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية، ولتحقيق هذا، دعت الى العودة لمنصة التأسيس، اي الى مؤتمر قومي دستوري يجمع كل القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقليمية في البلاد من اجل اعادة رسم الخريطة السياسية. الذي يقارب المشكل السوداني من هذا المنظور لا يمكن ان يتهم بالعمل على اعادة تكوين السودان بقوة السلاح. على النقيض، تركت الحركة، بطرحها ذلك، مهمة اعادة التكوين السياسي للسودان للشعب السوداني، فالشعب وحده هو الذي يقرر ان كان ينشد سودانا مستقرا ينعم بالسلام والعدل والوحدة، او يريد بلدا ممزقا. فلا النخبة التي تدعو لهوية عربية للسودان، ولا تلك التي تدعو لهوية افريقية، ولا اولئك الذين ينادون بأن الدين هو القوام الاساسي لشخصية السودان الحضارية، هم الذين يقررون مصير السودان. الشعب وحده عبر ممثليه المعبرين عن ارادته الحرة في المؤتمر الدستوري المقترح، هو الذي ينبغي ان يقرر. وكان في تقدير الحركة انه بوضع تلك الخطوط العريضة في حيز التنفيذ في اطار سياسي متفق عليه، ستحل مشكلة الجنوب وترد اليه حقوقه المشروعة. الحركة ايضا اضافت الى نداءات الجنوب القديمة، والتي كانت مبتسرة احيانا، قضايا اخرى غيبها الطابع النخبوي للخطاب السياسي الجنوبي، والذي كان ينحصر في موضوع من يحكم الجنوب، وليس كيف يحكم الجنوب. من تلك القضايا موضوع التهميش الاقتصادي للجنوب ومناطق الاطراف في السودان. والقضية الاخيرة (قضية مهمشي الاطراف) كانت غائبة تماما عن الخطاب السياسي التقليدي في الشمال.
    * حرب قرنق على اتباعه
    * حرب قرنق الاولى كانت مع اتباعه الذين طالبوا بالانفصال العاجل، ومن حق القارئ ان يتساءل: لماذا رفض قرنق ذلك المطلب الجنوبي المشروع في رأي اهله؟ ظل اقتناعنا يتزايد عبر السنوات الماضية ان ما دفع زعيم الحركة لمحاربة الانفصاليين شيئان: الاول هو ايمانه الراسخ بالوحدة الافريقية، ويمكن القول ايضا حسه التاريخي. في الحالة الاولى ما برح زعيم الحركة يقول ان السودان نتاج لحقائق تاريخية ومعاصرة بينها نسب وثيق، وأي محاولة لفك هذا الترابط ستؤدي حتما الى تفكك نسيج السودان. هو مقتنع ايضا بأن وحدة القارة لا يمكن ان تتحقق بتشجيع النزعات الطاردة التي تمزق اجزاءها. ما لم يضطر المرء الى ذلك، وعليه فان الدعوة لقيام سودان جديد متماسك وقوى لا تعبر فقط عن طموح وانما كانت ايضا مصدر الهام لكل من يريد لبلاده ان تحتل مكانا تحت الشمس تؤهلها له عبقرية الزمان والمكان.
    اما في الحالة الثانية فقد قصد قرنق، منذ البداية، ألا يرى نفسه جنوبيا، بكل التداعيات التي تقود اليها هذه الصفة في عقل الجنوبي، وبكل الافكار المسبقة التي تسود العقل الجماعي الشمالي حول تلك الصفة. الغى قرنق من عقله صورة الآخر عنه، والتي كاد الآخر ان يقنع كل جنوبي بها. لم ير في نفسه الا سودانيا ذا حقوق اصلية في بلاده، لا يحدد دوره ومكانه في الوطن الذي قيض له ان يكون جزءا منه الا فكره واسهامه في الشأن العام وقدراته على العطاء، لا منبته الجغرافي ولا دينه. هذه الفكرة الملهمة كانت هي الدافع الاساسي لاقترابنا من قرنق ومن الحركة. ذلك الاقتراب، من جانب رجل ينتمي الى صومعة النخبة الشمالية، لم يرض عنه بعض الزملاء، بل في الواقع اصدقاء حميمون. موقف هؤلاء، بطبعه، يكشف عن مزاج عنصري دفين يدعو للشفقة. ومن الغريب حقا ان يتملك هذا المزاج رجالا يفترض فيهم ـ بحكم نظرتهم الحداثية للواقع ـ تجاوز ذلك المزاج الفطري. ولعلنا نبلي هؤلاء عذرا، فالناس كثيرا ما يكونون ضحايا لتاريخهم. ثمة اسباب تاريخية عديدة تكمن وراء هذه النزعة الفطرية التي تستعصي على الفهم، بل ربما تكون تلك النزعة خفية حتى على من يعاني منها. هناك، اذن، ضرورة لتحديد هذه الاسباب وتحليل دواعيها.
    بغض النظر عما سبق، برهن قرنق على مر السنين منذ ظهور الحركة الشعبية انه ليس فقط استراتيجيا حاذقا وصاحب تكتيك ماهر في الحرب، وانما ايضا مفكر سياسي جسور، لأن الذي حققه عبر المفاوضات مع الساسة الشماليين، لا يقل اهمية عما حققه بقوة السلاح. بالرغم من ذلك، ما انفك بعض الشماليين ينتقصون من قدره باصرارهم على انه مجرد دمية صنعها آخرون يحيطون به، او هو صنيعة لقوى خارجية توجهه حيث شاءت. النظرة الاولى تعبر عن ايمان عميق من جانب القادحين الشماليين بان الرجل ينتمي الى فئة قدروا لها ان تعيش دوما في الطرف المتلقي، ولذا فهو بتركيبته الجينية غير اهل لتحديد مسار السودان. هذه الرؤية المعتلة تفسر جنوح القادحين دوما الى اساءة فهم كل فعل او تصريح يصدر عن الرجل. كثير من هؤلاء القادحين ليسوا اغبياء، او اعمياء ينظرون للاشياء بعيون مطفأة. ففي قرارة انفسهم، يدرك هؤلاء العواقب المترتبة على خطاب قرنق، لا سيما وفي ذلك الخطاب تحد للاساطير المصونة في العقل الشمالي.
    ثمة جماعات اخرى بين النخبة الشمالية انجذبت لرؤية قرنق، بل تفوقت في اقتباس موضوعاته عن السودان الجديد، الا انها ابت الاعتراف باسهامه الرائد في الفكر السياسي السوادني، او التسليم بدوره الحيوي في تحقيق سودان جديد. ذلك موقف لا يسيء فقط الى المصداقية السياسية لهذه النخبة، وانما يكشف ايضا عن عري فكري معيب. والعيب ليس في اقتباس افكار قرنق، وانما في ارتداء قمصانه الفكرية، في ذات الوقت الذي ينكرون فيه دوره في حياكتها. على الجانب الآخر، يقف قادحو قرنق من الجنوبيين الذين لا ينكرون نجاح قرنق في وضع قضيتهم في دائرة الضوء بصورة لم يحققها قائد جنوبي من قبل، الا انهم لا يرون في خطابه الا بغية عسيرة المنال. هؤلاء بحبذون القوالب القديمة التي تضع السودانيين في صراع دائم بين انفسهم: العرب ضد غير العرب، والمسلمين ضد غير المسلمين.
    * انقلاب البشير
    * حدثان هامان وقعا بعد انتهاء حقبة نميري واشتعال الحرب من جديد في عام 1983; الاول هو بزوغ الجبهة الوطنية الاسلامية عقب سقوط نميري، واستيلاؤها على السلطة عبر انقلاب عسكري بقيادة عمر حسن احمد البشير في يونيو (حزيران) عام 1989.
    ذلك الانقلاب اتشح عند بدايته برداء وطني حينما زعم قائده انه جاء لينقذ الامة من الفوضى التي اشاعتها الاحزاب. وبعد مضي عشر سنوات على الانقلاب اعترف البشير علانية وبلا استحياء بما كان يعرفه الجميع طوال الوقت: انه كان مجرد واجهة للجبهة القومية الاسلامية. الحدث الثاني: والذي ربما كان نتاجا مباشرا للحدث الاول ـ هو شيوع فكرة السودان الجديد وبلوغها الذروة في قرارات اسمرة في يونيو 1995. ولا ريب في ان المعاناة التي عاشها السياسيون والنخب الشمالية تحت حكم الجبهة القومية الاسلامية رققت احساسهم تجاه المعاناة التاريخية للآخرين. ذلك الاحساس المتأخر عبرت عنه قرارات اسمرة التي تواضعت عليها جميع القوى السياسية والاجتماعية السودانية تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي. وكانت الجبهة القومية الاسلامية هي الجماعة السياسية الوحيدة التي لفتت الانظار بغيابها عن ذلك التجمع. ومن الواضح ان الاحزاب الشمالية التي اجتمعت في اسمرة ارادت ان تصلح معا، ما افسده كل منها على حدة. لهذا تمثل قرارات اسمرة نقطة تحول كيفي في التاريخ السياسي للسودان. الا ان القرارات في حد ذاتها، لن تفضي الى سلام قابل للتحقيق.
    على المستوى الشخصي، شاركنا في جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان في المفاوضات الاولى مع نظام البشير، وفي المحادثات التمهيدية مع التجمع الوطني الديمقراطي، كما تشرفنا فيما بعد بتمثيلها في هيئته العليا. بمقتضى هذه الصلاحيات كنا على علم بجذور خلاف الحركة مع الجبهة، وبما دار في محادثاتها الاولية مع التجمع، خاصة الحوار الفكري الصريح (والملتهب في بعض الحيان) بهدف الوصول الى اتفاق اسمرة. في ذلك الحوار احتلت قضيتان موقع الصدارة: السلام والديمقراطية، والقضيتان مرتبطتان ببعضهما خلافا لما يعتقد البعض. ولربما اراد الذين ما فتئوا ينكرون هذا الترابط تبرئة الحكومات المدنية السابقة من اللوم على فشلها في ترسيخ الديمقراطية. فالعامل الاول في اجهاض الديمقراطية هو تصعيد الحرب، او الاخفاق ـ بسبب الاهمال او التواطؤ ـ في وضع نهاية لها. كما ان الديمقراطية التعددية لا يعبر عنها فقط تعدد الاحزاب وتنوعها، بل تستمد شرعيتها من قدرتها على ادراك قضايا المجتمع الكلية وتصديها لعلاجها. فان كان قوام الاستقرار هو انهاء الحرب، وكان انهاء الحرب رهينا بالقدرة على ايجاد حلول للاسباب التي قادت لها، يصبح الحديث عن الديمقراطية بمعزل عن ازالة دواعي الحرب، تنطعا لا معنى له. لهذا نقول ان اعظم انجازات اسمرة هو النتائج الختامية المتعلقة بقضية الحرب والسلام، والصيغ المرتضاة لنظام الحكم والادارة، وكفالة حقوق كل الجماعات بما فيها الجنوب في ممارسة حقه في تقرير المصير. حتى الجبهة القومية الاسلامية لم تشأ التخلف عن ذلك القطار، فتظاهرت، بعد قرارات اسمرة، بانها توصلت لنفس النتيجة مع وجود اكثر من دليل على مخاتلتها بشأن هذه القضية.
    لقد تغير المناخ السياسي في السودان تغيرا جذريا نتيجة لقرارات اسمرة خاصة فيما يتعلق بمفاهيم الوحدة، وحقوق المواطن. انعكس هذا في عدد من المبادئ من بينها فصل الدين عن السياسة، واللامركزية الادارية، والوحدة الطوعية من خلال ممارسة حق تقرير المصير، والالتزام الكامل بكل العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، واعادة بناء الدولة والاقتصاد. هذه المبادئ ليست قائمة طعام يختار منها كل حزب الطبق الذي يشتهيه، وانما هي وفاق تاريخي ملزم لجميع الاحزاب بما فيها الحركة الشعبية. مع ذلك، فالافتراض بأن الامور لا يمكن ان تعود الى السوء الذي كانت عليه قبل 30 يونيو 1989 لان ثمة اتفاقا تم التوصل اليه في اسمرة، افتراض عقيم. الاسوأ قد يقع ان توهم البعض ان اتفاق اسمرة قابل للاجتهاد في تفسير محتواه بصورة تلغي جوهره، روح اسمرة وجوهر قراراتها يجب ان لا يخضعها لاجتهادات سياسيين دربوا على التمحك عند الالفاظ، وامتهنوا نحت العبارات، وتشتد شهوتهم لتفسير كل شيء للناس بما في ذلك ما توافق الكافة على معناه. حري بالناحتين، والمتمحكين عند الالفاظ، وذوي الشهوات المستعمرة للتفسير وتفسير التفسير، ان يدركوا ان سودان اليوم يعدو في سباق مصيري بين الوعي بالذات والتفكك، والخيار في يد قادته. ولا شك في ان مضي ستة واربعين عاما من الاستقلال يكفي لكيما يدرك القادة، وتدرك النخبة السودانية الشمالية، انهم كانوا يراهنون على الاوهام. الخطأ الثاني هو التخيل بأن النظام سينهار من تلقاء نفسه، او ان النضال المسلح فرض كفاية، او ان الجماهير تنتفض دون حفز وتمكين من قياداتها. ولعل بروتوكول ماشاكوس الذي وقعته الحركة مع نظام الجبهة في 20 يوليو (تموز) 2002، والذي غابت عنه قوى التجمع الاخرى (الشمالية والجنوبية) يؤكد هذا. ولكن، مثله مثل قرارات اسمرة لن يحقق هذا الاتفاق وحدة او سلاما ان وهم الطرف الشمالي الذي وسمه بتوقيعه بأن ليس للسلام ثمن. فالاتفاق لن يحقق شيئا، دون التزام كامل بآليات تنفيذه، ووعي بأن المشكل اعمق من ان تحله النصوص الدستورية، وادراك لان شيطان التفاصيل في السياسات ومقاصدها. فالذي يلزم تغييره ليس هو المواقع الوزارية وانما ثقافة سياسية شوهاء مترسبة. والى ان ننزع عن هذه الاوهام، ونميز بين الواقع والخيال، ويستقيل بعضنا عن عالم الفانتازيا الذي لازموا العيش فيه منذ اكتوبر (تشرين الاول) 1964، ونبارح الخمول الفكري الذي ظلت تعيش فيه الطبقة الحاكمة منذ الاستقلال، فلن نعرف على وجه الدقة ان كان مشروع قرنق: السودان الجديد هو مشروع قابل للتحقيق، ام انه ضرب من ضروب الخيال، وغاية عصية المنال كغاية الملك الاغريقي تانتالوس.
    * يتبع


    عـــودة إلى عنــاوين الأخبـــار




    All Rights Reserved © كل الحقوق محفوظة / alshaq al-awsat

    (عدل بواسطة ابنوس on 08-02-2003, 07:36 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين» ابنوس08-02-03, 07:29 AM
  Re: الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين Tanash08-03-03, 11:15 AM
    Re: الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين ابنوس08-03-03, 06:35 PM
      Re: الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين ابنوس08-04-03, 10:25 AM
        Re: الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين ابنوس08-04-03, 10:17 PM
          Re: الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين Elnadeef08-04-03, 11:06 PM
  Re: الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين elsharief08-06-03, 09:11 AM
    Re: الدكتور منصور خالد (1) ـ «السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين ابنوس08-07-03, 05:53 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de