الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 07:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبدالله عثمان(عبدالله عثمان)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-10-2008, 03:41 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    فى الرد على أستاذ أمين حسن عمر

    "مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي

    وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان"

    (1 من 5)

    الفاضل الهاشمى/كندا
    [email protected]

    بؤس فكرإنتلجنسيا الحركة الإسلامية الرثّة: عقود انحطاط وإعادة إنتاج الشمولية

    أُمثولة استاذ أمين حسن عمر مثقف الحركة الإسلامية العضوى[1]

    ونخب اُخرى

    محاولة تعريف الخطاب وجدل الخطاب والنيولبرالية:

    استخدامنا للخطاب فى الورقة يتحرك فى المستويات التالية:

    أولا: ماتوصّل اليه المختار الفجارى من أن جوهر مادة خطب هو الكلام الحامل لرسالة ، المعتمد على سلطة ما لتبليغها للناس[2]. ويمكن أن يوازى معنى الأية (وشددنا ملكه واتيناه الحكمة وفصل الخطاب). وفصل الخطاب فُسّر بأنه يفصل بين الحق والباطل [3].

    ثانياً: إن انتاج الخطاب فى كل مجتمع يخضع لرقابه و لاصطفاء و لتنظيم و من ثمّ لاعادة توزيع وفقا لتدابير تهدف الى تحاشى سلطة و اخطار الخطاب واستبعاد اثر الاحداث عليه وتجنب ماديته الثقيلة (ماركس/انجلز الايدولوجيا الالمانيه)

    ثالثاً: عرّف معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة الخطاب أنه "مجموع التعابير الخاصة التي تتحدد بوظائفها الاجتماعية ومشروعها الأيديولوجي [4]"

    رابعاًً: يقول ميشيل فوكو (فى نظام الخطاب) ان الخطاب قد يبدو فى الظاهر "قليل الخطر, و لكن المحظورات التى تحيط به تكشف بسرعة عن علاقات الخطاب نفسه مع الرغبة و السلطة..... انه بحد ذاته موضوع لصراعات الانسان" وقد حاولنا فى هذه الورقة التى هى جزء من كتاب تحليل خطاب حركة الإسلام السياسى السودانية التى سطت على السلطة السياسية وفرضت مشروع هندسة اجتماعية حضارى عبر دراسة ورقة أستاذ أ.ح.عمر [5] ثم راجعنا خطاب نُخب الحركة الإسلامية السودانية منذ 1983.

    جدل الخطاب:

    العلاقة بين الخطاب وعناصر اخرى من الممارسات الإجتماعية علاقة جدلية كون الخطاب يَقبل (يَستدخِل)

    internalize

    العناصر الأخرى ويُقبل (يُستدخَل) من تلك العناصر من دون أن يتم إختزال أحدهما وتذويبه نهائياً فى الآخر.

    بمعنى أنهما ،أى الخطاب والممارسات الإجتماعية، مختلفان وغير منفصلان. فى المنظور التاريخى، أى فى عمليات التغيير الإجتماعى، يهتم جدل الخطاب بالسُبل والظروف التى تمت فيها عمليات الإستِدخال بينهما.

    مثلاً اذا اعتبرنا فكرة "اقتصاد المعلومات (العلم والتقنية) ومجتمع المعلومات" التى تُستخدم فى خطاب الراسمالية الغربية نكون فى الحقيقة نتحدّث عن تغيير نوعى تنساق فيه العمليات الإقتصادية والإجتماعية بالمعلومات وتتبع لها. ذلك لأن التغييرالإجتماعى يتم من خلال تخلّق وتوزيع وتشغيل المعارف فى العمليات الإجتماعية والإقتصادية والمقصود هنا ابراز الدورالمتعاظم للمعلومات. فمن ينساق بالمعلومات هو بمثابة من ينساق بالخطاب: بمعنى أن المعلومات تُخلّق وتُوزّع كخطابات وأن العملية التى من خلالها تشتغل الخطابات فى الإقتصاد والمجتمعات هى جدل الخطاب، حسب نورمان فيركلف[6].

    وفيما يخص استعمالنا للخطاب هنا فهو يشمل تمثلات الكائن وماسوف يكون (الخيالى/الشاطح). وتكون المعلومات فى اقتصاد المعلومات هو المتخيّل الشاطح. وفى مجال الممارسة الإجتماعية يتم تخيّل ممارسة اجتماعية ممكنة وموالفات شبكات ممارسات وأنشطة وعلاقات إجتماعية وقيم وأشكال وعى. هذه التخيّلات يتم تشريعها وفرضها

    Enacted and inculcated

    كمارسات واقعية كما فى المخابز الإسلامية والمطاعم الإسلامية والزى الإسلامى والتخزين والمضاربات الإسلامية والمصارف الإسلامية أوالمشروع الحضارى و"شجراً يسير أو يهلّل للشهداء" أو فلنقل تصبح مرجعية إسلامية تستبطن وتستدخل المخبز والمطعم والزى والمصرف والشارع (الإسلامى) والأشجار فى الخطاب الإسلامى. ألم يتفاخر أستاذ أ.ح.عمر بالمرجعية الإسلامية حين هتف: "فالإسلام قد صار وحده هو المرجعية التي يحيل إليها العلمانيون عند محاكمة كسب الدولة أو الحركة الإسلامية. وهذا هو النجاح الأكبر للحركة الإسلامية. لأن مطلوبها الأعظم كان هو عودة التحاكم للإسلام واعتماده المرجعية الأساس لقياس كسب الفرد أو المجتمع أو الدولة. ولاشك أن كسب الأفراد والجماعات والدول يقصر كثيراً عن المثالات الإسلامية" ؟؟

    رغم ذلك فان الزمكان(المسافة وزيادة!) بين "كسب" الجميع و"المثالات الإسلامية" لا يؤول الى الصفر إمعاناً فى إعلاء شأن المُتخيّل. وهنا يتم تغيير إجتماعى نوعى من خلال تخلّق وتوزيع وإشتغال

    operationalization

    المرجعيات الإسلامية فى حيوات المجتمعات الإسلامية: ملبسها ومتجرها وبنوكها وخبزها وفومها وعدسها المُخزّن تبعاً لصيغ التخزين الإسلامى. وفى جدل الخطاب الإسلامى يصبح بنعمته تعالى:

    “ Islam-driven” amounts to “discourse-driven”

    يتم إسقاط (بل تشريع وغرس) المُتخيّل/الشاطح على واقع الممارسات وشبكاتها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، حينئذٍ تصبح الأنشطه والعلاقات الإجتماعية المتخيّلة أنشطه وعلاقات إجتماعية واقعية/حقيقية.

    والتشريعات فى التحليل النهائى تشمل تجسيد الخطابات ،خطابات إقتصادية ومالية تشمل البنوك ومرابحات الفائدة وقوانينها وبرامج التكيّف الهيكلى وخصخصة التعليم والصحة والبنيات التحتية والنيولبرالية. والخطابات كمتخيّلات،عند نورمان فيركلف، يمكن أن تنغرس/تتمظهر

    inculcated

    كأساليب حياة جديدة، كهويات جديدة. هنا تماهت الفكرة(الخطاب) وعربدت وأصبحت بنعمته أكثر من مستقلة عبر جدل الخطاب مع البنية التحتية واستدخالها واستبطانها وأصبحت شجرة النظرية مخضرّة كشجرة الحياة. هنا الموضوع يعتمد على الذات كما فى نظام الإنتاج والإدارة التيلورى الذى يعتمد على تغيّرات فى أساليب وهويات العمال [7] ؛ وهذا تالله باب تخرج منه الريح وتدخل. تغيير الذات،حسب نورمان فيركلف، يتم إبّان إنغراس خطابات جديدة ؛ مثلاًحينما يموضع الناس أنفسهم داخل الخطاب فيفعلون ويفكرون ويتكلمون ويرون أنفسهم عبر خطابات جديدة. أول مراحل الإنغراس،كعملية معقدة، هو الإنتشار البلاغى الذى يحدث حين يتعلم الشخص خطابات جديدة ويستعملها لأغراض محدّدة ثم فى نفس اللحظة يضع بينه وبينها مسافة بوعى. ومن أحد مفارقات جدل الخطاب هو العملية التى ينتهى فيها تملّك ما بدأ أصلاً كإنتشار بلاغى وبوعى ذاتى: حالة كون الإنسان يتموضع ،دون وعى، داخل الخطاب!. ومن مظاهر انغراس الخطاب مادياً كونه ينغرس فى الأساليب وطرق إستخدام اللغة والأجساد والمواقف والمبادرات وطريقة الحركة الخ [8].

    النيولبرالية:

    مشروع النيولبرالية هو مشروع سوشيو-سياسى اقتصادى "لإعادة هيكلة وإعادة مقايسة العلاقات الإجتماعية حتى يتسنّى لها أن تنسجم مع المتطلبات غير المحدودة للراسمالية المعولمة [9]" ومن صفاتها ومصطلحاتها: هيمنة الشركات متعدّدة الجنسية،وصْفات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية، الخصخصة، نهاية العقد الإجتماعى الذى ميّزدولة الرفاه ،حكومة بدون حكم، اقتصاد المعلومات الخ. ولأن المشروع النيولبرالى قد هيمن تماماً على المشهد السياسى كونه جرّد القوى الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التى تدعوالى بدائل راديكالية وثورية من أسلحتها وعنفوانها وبذات القدر قوّض الديموقراطية لانه أغلق أبواب الحوار والتفاوض. قادت ضغوط المشروع النيولبرالى ضم كل الدول والتكتلات الإقليمية تحت رحمة اعصارها الصاخب بإعادة هيكلة اقتصادياتها على غِرارإملاءات قوى السوق التى تُسوّق وتسوّغ على اساس انها موضوعية ومحايدة [10]. لكننا نود أن ننبه الى حقيقة جوهرية فى تحليلنا هى أنه لا يوجد السوق،كآلية من آليات اعادة انتاج راس المال، خارج العلاقات الإجتماعية بمعنى أنه لايوجد سوق بمعزل واستقلال عن هذه العلاقات يعمل على إملاء قانونه على العمال والمخدِمين. ولذلك لاتوجد راسمالية خارج السياسة والدولة سواء فى المراكز او الأطراف [11] (والأخيرة تصبح أكثر توحّشاً) وهذه ورطة متأصّلة وملازمة لحركة الإسلام السياسى والدولة الدينية والتى لاراد لها حتى يوم الدين. السوق طبيق التراكم الراسمالى البدائى والأخير طبيق العنف الإجتماعى والسياسى وصنوه. فى مرحلة الراسمالية المعاصرة ازدادت تناقضات الراسمالية الثلاثة حسب سمير أمين (الإستلاب السلعى والإستقطاب العالمى وتدمير القاعدة الطبيعية) وساهم خطاب الإستلاب المتجدد فى إعطاء شرعية للامساواة وتطبيع الظلم فى توزيع الإنتاج المادى الإجتماعى وفى تنظيم السلطة والنفوذ فى جميع مراحلها سواء على مستوى المنشأة ام الدولة [12]. وبهذا الفهم فان الراسمالية أكبر من السوق وهى أحوج ماتكون الى تدخّل الدولة المكشوف كما فى ازمة العقارات والأسواق المالية فى النظام الراسمالى فى 2008 حتى تنمسخ الديمقراطية الى رهاب يحسبه ظمآ الضواحى للديموقراطية ماء.

    اذا كانت النيولبرالية تعتمد على الثورة المعلوماتية فانها بنفس القدر تعتمد على الخطاب حيث لم يفت على الباحثين ملاحظة أهمية دور اللغة والخطاب فى تفسير تحولات الراسمالية وبناء حزمة مفردات لغوية جديدة تميّز هذا الوضع منها:المرونة فى التخديم، العولمة، الإقصاء، الحكم

    governance

    الخ. وقد نُفخت فى روح هذا الخطاب طاقة أدائية تحاول إنزال إدّعاءآته وشطحاته الى أرض الواقع المعاش [13].

    وبطريقة تقارب دور الخطاب فى النيولبرالية نجد ان الحركة الإسلامية أسّست لحزمة خطاب من شاكلة التخزين الإسلامى، المخبز الإسلامى،البنك الإسلامى، الزى الإسلامى، الثوابت، التمكين الخ.

    هكذا يلعب خطاب الحركة الإسلامية دور ازالة الألغام من طريق مشروع النيولبرالية السياسى لإخراج وتخريج السياسات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية (والجهادية) ولهذا تحاصره الركاكة من كل صوب. ثم بقدرات اسطورية تحاول تحويل رغباتها وتهويمها وشطحاتها الى حقائق واقعة مثلما يحوّل الملك ميداس فى الأسطورة الإغريقية كل ماتمسّه يداه الى ذهب.

    مدخل نظرى: أزمة الوصْل والفصْل فى الخطاب الإسلامى

    يكتسب تعريف الخطاب مشروعيته هنا من طبيعة المادة التى يتناولها والسياق الزمكانى الذى أخذت ملامحها منه ونزعم أن الخطاب هنا لا يعتمد على مصادر مسبقة وبنيات ايديولوجية مغلقة بل بشواهد وحجج وبراهين نثبتها من خلال معايشات وقعت ومنطق يصدرمن أحكام الواقع وقوانينه المتغيرة وليس من أحكام القيمة.

    نزعم أن خطاب الحركة الإسلامية يندرج فى منظومة معرفية نيولبرالية هابطة ومغلقة بحكم موقعها من منظومة الراسمالية الإمبريالية التى لم تسعفها معطيات تطور العلم والتكنولوجيا من النظر النقدى لحقائق حدة الإستقطاب العالمى بين مراكز الشمال وضواحى الجنوب التابعة وتوحّشها المستدام فى فرض سياسات اقتصادية-اجتماعية جائرة على شعوب الجنوب وحده. وبحكم عدم اصوليته وتبعيته الذليلة يستثمرخطاب الحركة الإسلامية خطاب النيولبرالية حينما يتعلق الأمربأحكام الواقع الإقتصادى والإجتماعى والسياسى ثم يدّعى ثقافياًً (حضاريّاً) نقيضها.هذا مااسميه بأزمة الوَصْل والفَصْل: وَصْل الحركات الإسلامية ، وبشطط لامزيد عليه، مع مبادئ ومناهج وسياسات وتوجيهات اقتصاديات الغرب النيولبرالى ثم إدّعاء الفَصْل معها ثقافياً وحضاريّاً فى آن. ولهذا فان سياق خطاب الحركة الإسلامية لا يؤهله لإنتاج آليات أصولية خاصة به تميّزه عن الخطاب النيولبرالى، وانّ مقولاته ومصطلحاته تولد مُغلقة وميّته ومن ثم لا تتحلى بصفة عبر- التخصصية. بل ان مقولاتها لاتتباين فى الباطن من حيث البنية والوظيفة من منطلقات الراسمالية مثل مصطلحى المضاربة الربحية (الذى هو نفسه معدّل الفائدة الربحية) ومصطلح الزكاة الذى أصبح أداة توزيعية غير فعالة بحساب العدالة الإجتماعية التى كان يجب أن تعالج على مستوى الإنتاج المادى وملحقاته. لقد قصّر مفهوم الزكاة عن إرتياد آفاق مفهوم العدالة الإجتماعية ولم يرق الى سقفها. لذلك نجد منظرى الحركة الإسلامية ،مثلهم مثل منظرى الإقتصاد النيوكلاسيكى، يهتمون بمتغيرات مثل متوسط دخل الفرد أكثر من إهتمامهم/ن بآليات توزيع الموارد. مفهوم الزكاة محاولة غير فعّالة لمعالجة مسألة الفقر فى مستوى أقل من مفهوم المساواة. و مفهوم المساواة أقل طموحاً من مفهوم العدالة الذى يبتغى متطلبات إجتماعية أكثر عُمقاً. يرتبط مفهوم المساواة ب راهنيّة الحاضر (الآن وهنا) أما مفهوم العدالة فيذهب عميقاً وبعيداً فى مساءلة الظاهرة الإجتماعية. يتعقّد الأمر ليس لفصليّة الزكاة (سنويتها) وكونها فُصّلت لظروف القرن السابع الميلادى فحسب وإنما لغياب العقلانية والموضوعية اصلاً فى توزيع فتات ضئيل وموسمى على هذا الجسد الهائل من الشعب السودانى كون 95% منهم يئن تحت ثقل خط الفقر!. يستهدف مفهوم العدالة محصّلات توزيع الموارد والنفوذ والظلم التاريخى الواقع ؛ مثلما حاولت تجربة التمييز الإيجابى فى أمريكا استكناه واستصحاب متغير ظلم الزنوج الأمريكان كمعطى تاريخى.

    أما فيما يتعلّق بمحاولة تجاوز سعر الفائدة وكأنه فائدة ربوية ثم استخدام حيلة الفائدة الربحية (وتسميتها ب المرابحة أو المضاربة) فإنه حرثٌ فى بحرالمنطق. ذلك لأن الأسعار لازمة من لوازم الإنتاج السلعى الراسمالى فى حركته التبادلية فى أسواق البضائع والخدمات والأموال. لذلك ينتمى السعر عموماً الى مصدره وحركته (الأجر فى سوق العمل،وسعرالصرف فى سوق العملة خارجيًاً،وسعرالفائدة فى التسليف من جهة ولعلاقة سعر الفائدة العكسية مع الطلب على الإستثمارمن جهة أخرى وكذلك معدّل الربح). ولذلك فان سعر الفائدة صائر ومُضمّن فى كل عملية تسليفية حتى ولو تحايلنا عليه وسميناه معدل ربح أوفائدة ربحية.

    نظرة الحركة الإسلامية للسوق ،مثلها مثل المنظور الراسمالى للسوق، تأخذ منحىً خارقاً وأُسطورياً فى الخطاب حيث يتم الخضوع لقوانين السوق التى تصبح حقيقة أزلية أكبر من الإقتصادى والإجتماعى؛ انه سوق مستقل عن كل شيئ وغير ملوّث بالساسة [14]. يتطوّر هذا المشهد الواهم للسوق بحيث يصدّق المواطن المؤمن وغيرالمؤمن عدم وجود سياسات خفية وغير معترف بها تعمل باستمرار بجانب السياسات المالية وسياسات الميزانية المعترف بها والتى تناقش فى البرلمان والصحف. يكتمل هذا المشهد ماوراء الفيزيائى باعتقاد ان للسوق يدان خفيّتان ساحرتان تشتغلان بكفاءة اسطورية لتوزيع الخيرات. لذلك لا تسعى الحركة الإسلامية لإستشكال مفهوم السوق مثلما لم يجرؤ بعض التقدميين عندنا من استشكال مفهوم وواقع الديموقراطية البرجوازية.

    على هذه الخلفية النظرية نحاول مقاربة "كتاب" الحركة الإسلامية فى السودان. و[الـ]كتاب هنا صنو الخطاب الذى ورد فى القران كقوله تعالى: "هاؤم إقرأوا كتابيا" بمعنى إقرأوا أنشطتى وأفعالى وسياساتى واستراتيجياتى ومردودها الأرضى على العباد وعلى كل كبدةٍ رطبة. قصدت هنا مقاربة تنظر فى أزمة الوصْل مع النيولبرالية والفصْل عنها فى آن كون فكر الحركة الإسلامية يحتفى بوصله مع الفكر الغربى إقتصاديًاً واجتماعياً وسياسياً ثم يدّعى انفصاله عنه ثقافيا وحضارياً من باب الزيف والبهتان.

    فى محاولته لتطبيق منهج التحليل النفسى على ظاهرة الخطاب الإسلامى والعربى يقول جورج طرابيشى "مددت الخطاب العربى المعاصر على سرير التحليل النفسى واكتشفت ماهى معيناته اللاشعورية لا معيناته المعرفية والايدولوجية فحسب واكتشفت فيه خطاباً عصابياً مريضاً بالغرب، بعقدة الغرب والتفوق الغربى ومريضاً بالجرح النرجسى [15]"

    منطلقات هذا المبحث:

    جوهر مبتغى هذا المبحث يهدف الى إماطة اللثام عن زيف الخطاب الإسلامى السودانى اللجوج وجهازمفاهيمه المراوغ وتهافته وإنتهازيته ثم يوضّح صلته الحميمة بخطاب الراسمالية النيولبرالية. سبيلنا الى ذلك تناول ورقة نشرها أستاذ أمين حسن عمر (أ.ح. عمر) فى صحيفة سودانايل الإلكترونية فى سبتمبر 2008 بعنوان "مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامى وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان" ولكننا لانستهدفه وحده وانما مع لفيف من انتلجنسيا الأخوان المسلمين ونتناول أيضاً انتاج نخب أخرى شاركت فى صناعة خطاب الحركة الإسلامية.

    لاندّعى فى نقدنا للتجربة براءة موضوعية مطلقة كما قال جورج طرابيشى ولانتبرأ من عواطفنا النبيلة ولاينبغى لنا كون بحثنا هو خطاب فى خطاب.

    لقد اجتمع انتلجنسيا الحركة الإسلامية السودانية الرثة على ضلال مبين بدأ بالإحتفاء بالحدود وتخويف الفقراء وأهل الهامش بها والتبشيع بهم/ن واذاعة وتلفزة أسماء الضحايا الضعفاء عبر النشرات الأساسية وبذلك انتقلت الحركة من تعميم الخاص عقابياً الى خصخصة العام وبينهما أثارت النعرات القبلية والأثنية ووظّفتها لكسر شوكة المعارضة المسلحة. إرتكزت الحركة على تراث عربسلامى ماهل من التكفير والإضطهاد والإغتيالات والتحريم والفتاوى والزندقة. وإكتسبت خبرات غنية فى أن تفاوض وترشى وتشترى وتبيع ذمم القريب والبعيد.

    اذا كان منطق أخوان الصفا قبل ابن رشد بقرنين يقوم على "ان الشريعة الإسلامية قد مرضت ولابد للفلسفة اليونانية من أن تطهرها من أمراضها [16]" فان انتلجنسيا الحركة الإسلامية الرثة يجرّون جيفة جثمانها حثيثاً نحو النيولبرالية فتتعطّن عِتّتها.

    حين يقول أستاذ أ.ح. عمر "ولا يزال الغبار يثار حول ما يسمى بالتجارب الإسلامية في السودان وغير السودان أملاً في نقض الإرادة الوطنية هنا وهناك والتي كفرت بجدوى مشروع التبعية الغربي . ولا شك أن إفلاس المشروع الغربي للعالم الإسلامي وإفلاس دعاته من الليبراليين أو الاشتراكيين قد جعل همهم الأول هو محاولة نقض الإسلام"

    فهو يحاول فى غمرة العبث والفصام الفكرى ومن دون الإستناد الى شواهد حقيقية أن يميّز خطاب الحركة الإسلامية عن الخطاب الليبرالى ومشروع التبعية الغربى. ظروف العولمة المعاصرة تفرض تشابك علاقات اعتماد اقتصادية وسوشيوسياسية وثقافية معقدة بين الدول بحيث لاتستطيع دولة إدّعاء الإنفلات من ذلك التشبيك وإزاء هذا الواقع تصبح "الجهود الرامية الى تحقيق الدولة الإسلامية ليس فقط محكوم عليها بالفشل المصحوب بتكاليف انسانية ومادية رهيبة، ولكنها أيضاً تقود الى عكس ماتسعى اليه أوماهومفترض فيها[17]"

    سمات خطاب حركة الإسلام السياسى المعاصر

    يمتاز خطاب حركة الإسلام السياسى السودانى المعاصربأربع سمات:

    السمة الأولى: شمولية إيديولوجيا الحركة الإسلامية وأفقها الفكرى المسدود

    للبحث عن شمولية وعنف الحركة الإسلامية نستقصى ونتحرّى عن مفهومين:

    (1) ان الإسلام هو دين ودولة

    وقد قال كثير من المفكرين المسلمين والعرب بأن لا وجود لكلمة الدولة فى النص القرانى ولافى الأحاديث (منهم عبدالله النعيم وجورج طرابيشى) . رغم ذلك أصبح المفهوم جزء من منتج صناعة الإيدولوجيا الإسلامية منذ أن سكّه حسن البنا وهو جزء من خطاب حركة الأنصار وحزب الأمة كون إمام الأنصار هو "إمام الدين والدولة"

    (2) مفهوم الحاكمية الإلهية وولاية الفقيه

    يهيئ هذا المفهوم لشمولية (توتاليتارية) وأقول إستالينية الحركة الإسلامية حيث أن الشأن الإجتماعى الإقتصادى يكون معقوداً على النص الإلهى المؤنسن وكلمة الفقيه النهائية. يعزى جورج طرابيشى عنف تجارب الحركة الإسلامية الى فكرة الحاكمية الإلهية ، ذلك لأن مأساة الإيديولوجيا الإسلامية ومأساتنا معها تنبع فى أنها "رأت النور فى عصر ومرحلة موت الإيديولوجيات [18]" وبعد فوات عصرها ويقصد بذلك الإيديولوجيات التى استولت على السلطة فى ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وروسيا الستالينية وأضيف حركة البعث العربية. يزيد جورج طرابيشى بأن تلك الإيديولوجيات لم تكن عنيفة الّا حينما استولت على السلطة خلافاً لحركة الأخوان المسلمين التى ولدت عنيفة قبل أن تستلم السلطه ومارست الإغتيالات.

    يفسّر هذان المفهومان عنف الحركة الإسلامية فى السودان ، سيّان فى حالة كونها تتضارى بالحكم العسكرى القائم (نميرى) أو تحت حكمها العسكرى التى نكرته ثم قرّت به لاحقاً أو فى مرحلتها الإنتقالية الحالية حتى 2008. وعنفها ودمويتها وضيق أُفقها وإقصائيتها وإستعلائها البائن يرتبط بما لامزيد عليه بظلمها الطبقى والإجتماعى وخطها الراسمالى النيولبرالى المتوحّش. وهى أكثر شراسة من النازية حالة كونها تقوم على نقاء العرق والدين (العربسلامى) معاً وكونها وهى كما يقول جورج طرابيشى هو "تناضل فى أفق مسدود تاريخياً عليها،هذا اعتقادى العميق، هى فى مأزق، حتى ولو انتصرت، فهى فى مأزق [19]"

    السمة االثانية: نكران التناقضات الإجتماعية والرهان على صراع الحضارات (الثقافات)

    يتطابق خطاب الإسلام السياسى مع خطاب المركزية الاورو-أمريكية بل ويكمّل أحدهما الآخر. ينكر الخطابان تاريخ التحولات والتغيرات المتبادلة للمجتمع وديانته والذى يمتلئ بالتفسيرات المختلفة للعلاقة بين العقل والإيمان[20]. ثم يتقاسمان "الفكرة الثقافية القائلة بأن المسارات المختلفة للشعوب لها خصوصيتها المتميزة غيرالقابلة" للمقايسة والمعايرة والتقييم. جميع تيارات الإسلام السياسى تعلن خصوصية الإسلام دون سائر الديانات ولذلك تختار أن تقود معركتها على أرضية الثقافة.

    وبدلاً من مناقشة الدوغما (العقائدية) التى تؤلف الشريعة (بحسبان الشريعة هى العقائد والعبادات والمبادئ الأخلاقية وأحكام المعاملات) ينصب اهتمام منظرى الإسلام السياسى بالشكل الإجتماعى والتقليدى الشعائرى للدين، وهذا هو جوهر الفراغ الواسع الذى ينطوى عليه هذا الفكر. التأكيد على الشعائر يبرر "استراتيجية الإمبريالية فى إحلال مايسمى بصراع الحضارات بديلاً للصراع بين المراكز الإمبريالية والأطراف المهيمن عليها حسب سمير أمين [21]. إن التشديد على الحضارة(الثقافة) يسمح للإسلام السياسى بأن يحذف من كل مجالات الحياة المواجهات الإجتماعية الواقعية بين الطبقات الشعبية والنظام الراسمالى العالمى الذى يضطهدهم ويستغلهم[22]".

    فالإيديولوجية (الجماعية) على الطريقة الأمريكية،التى يجرى الترويج لها حاليّاً، تعمل على إخفاء الوعى والصراع الإجتماعى لتحل محلها (توافقات) جماعية مزعومة تتجاهل هذا الصراع. واستراتيجية سيطرة راس المال تستخدم هذه الإيدولوجية لأنها تنقل الصراع من مجال التناقضات الإجتماعية الحقيقية الى العالم الخيالى، الذى يوصف بأنه ثقافى مطلق وعابر للتاريخ. والإسلام السياسى ظاهرة (جماعية) كونه يعبر عن جماعة ينتمى اليها الإنسان بالإرث كما لوكانت جماعة عرقية، وليس اعتقاداً شخصياً يختاره المرء أولا يختاره، يؤمن به أولايؤمن. فالأمر لا يتجاوزتأكيد (هوية جماعية) [23].

    الغريب فى الأمر إن " فكرة الدولة الإسلامية والتى جرى التأكيد عليها باسم حق تقرير المصير (الثقافى)....تقوم على النموذج الأوروبى للدولة ورؤية شمولية للقانون والسياسة العامة بوصفهما أداتين تستخدمهما النخب الحاكمة فى إطار عملية الهندسة الإجتماعية[24] " وهى ذات الشينة التى يتبرأ منها أستاذ أ.ح.عمر فى توطئته قائلاً: "فالحركة الإسلامية التي يتهمها خصومها بالأفراط في استخدام وسائل السلطان لم تعول في استراتيجيتها أبداً على هندسة المجتمع وذلك باستخدام وسائل السلطة بل ان شعارها دائماً كان هو أولوية المجتمع على الدولة" وهى ذات التجربة التى أنتجت ذات النموذج الشمولى السودانى باسم الإسلام. وخلافاً لمنطق "من أين جاء هؤلاء" الذى ورد على لسان الطيب صالح والذى يستبطن فرضية أن البنية النفسية للوعى السودانى قد تعاملت مع تجربة الحركة الإسلامية وتسلطها كصدمة فاننا نزعم بأن مشروع الحركة الإسلامية قد إستثمرسيادة العقل الطائفى والصوفى وهيمنة الإبستيمية العربسلامية فى السودان ولم يهبط علينا من السماء كما وضّح د.عبدالله بولا [25]"

    السمة الثالثة: معاداة الحرية والتحرّر والحداثة والإستنارة.

    يرى أحد المنطلقات النظرية للإسلام "أن الشريعة،وبطبيعتها دائماً لا يمكن للمؤمنين بها أن يتبعوا تعاليمها الا من خلال حريتهم الفردية".هذا المنطلق يتماسك منطقياً كونه يستهدف مجتمعات تصبح مسلمة "إنطلاقاً من قناعتها الذاتية وليس انسياقاً وراء إرادة الدولة القهرية [26]". هذا المنطلق العقلانى ينظر الى الفقه على انه محض تفسير انسانى لنصوص القران والسنة ولا يكتسب تفسير مسلم على آخر أية مزية اكثر من إختلافه مع مدارس أخرى.

    خطاب الحركة الإسلامية يدعو الى الخضوع وليس الى التحرر. وحسب سمير أمين فان المحاولة الوحيدة لقراءة الإسلام فى اتجاه التحرر كانت تلك الخاصة بالمفكر الإسلامى السودانى محمود محمد طه. "إن الشريعة وبطبيعتها دائما لا يمكن للمؤمنين بها أن يتبعوا تعاليمها الا من خلال حريتهم الفردية،وأن مبادئ الشريعة تفقد سلطتها الدينية وقيمتها الدينية عندما يجرى فرضها من قبل الدولة[27]". والإسلام يرفض كل ماأنتجه التفاعل بين الإسلام التاريخى وبين الفلسفة الأغريقية فى زمانه. ولذلك ليس للحركة الإسلامية علاقة بالأُصولية التى توصف بها أوالأصالة والتاصيل التى تدعيهما لنفسها.

    الخطاب الذى تزعم الحركة الإسلامية بأنها تقدّمه كبديل للحداثة الراسمالية الغربية ذو طابع سياسى وليس دينى. ومايسمى بالمشروع الحضارى والنهضة والإستراتيجية القومية الشاملة ماهو إلا اهتمام بالشكل التقليدى للدين وممارسة الشعائرمن زكاة وصيغ بنوك إسلامية وتعدد المساجد الخ. "الديموقراطية المسيحية قائمة فى نطاق الحداثة ، وهى تقبل الفكرة الأساسية للديموقراطية الخلاقة، وكذا جوهر فكرة العلمانية. أما الإسلام السياسى فيرفض فكرة الحداثة[28] ".

    يفتقد خطاب الحركة الإسلامية الى الإستنارة التى ينبغى لها أن توجد خارج الإختلاف والتعدد. ذلك لأن خطاب الحركة عربسلامى عنصرى يفتقد الحساسية والإستنارة. فهو لايخاطب اخوانه وأخواته المسلمين والمسلمات فى الهامش غير العربى (جبال النوبة والأنقسنا ودارفور) بإعلاء ثقافاتهم وتبجيلها بل بالحط من شأنها. وتخلو تقريباً كل خطابات صفوة حركة الأخوان المسلمين من هذه الحساسية.

    لقد رسّخ خطاب الحركة الإسلامية خطاً موازياً لخطاب التعدد واحترام الإختلاف الذى إجترحته نخب سودانية مثل (على عبداللطيف وعبيد حاج الأمين وعبدالفضيل الماظ والتجانى يوسف بشيروحسن الطاهر زروق والإستاذ محمود محمد طه وعبدالخالق محجوب ..الخ) .
    تم التعبير عن خطاب الإستنارة لدى تلك النخب فى أكثر من موقف وبرنامج وأشواق ووجدان نتخيّر منها النماذج التالية:

    إستنارة التجانى يوسف بشير وهو ينشد:

    لقد صار قلبى قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلانٍ وديرٍ لرهبان

    وبيتٍ لأوثانٍ وكعبة طائفٍ *** وألواح توراة ومصحف قرآن

    استنارة حسن الطاهر زروق وقوى اليسار:

    وقف القيادى الشيوعى ونائب الجبهة المعادية للاستعمار فى دوائر الخريجين حسن الطاهر زروق (ح.أ. زروق) فى 31ديسمبر1955 امام الجمعية التاسيسة فى مناقشة مشروع الدستور المؤقت مطالباً بأن يضمن الدستور "المشاركة الواسعة فى الحكم، وأن يوفّر الحريات العامة وحرية العقيدة وحرية إعتناق الأراء السياسية والعمل من اجلها". وطالب بتعديل القوانين والسياسات حتى تتسق مع الدستور "وبخاصة ماتعلق منها بالحريات العامة كقضايا الأجر المتساوى فى الشمال والجنوب، والأجر المتساوى للعمل المتساوى للرجل والمرأة، وقانون الصحافة وبعض مواد قانون العقوبات [29]"

    وفى مناقشة ميزانية التعليم أمام البرلمان قال ح.أ. زروق "أما عن الأموال التى ستنفق على التعليم فى الجنوب فأريد أن أقول أنه لو كان الأمر بيدى لضاعفت هذا المبلغ" الى ان يقول "ان الأموال التى صرفت على التعليم فى الجنوب فى الأعوام الماضية لتعد ثروة عظيمة بينما نجد ان العدد الذى حصل على التعليم قليل جدا فالى أين ذهبت كل هذه الأموال؟[30]"

    وجاء ضمن خطاب ح.أ. زروق وهو يناقش خطاب الدورة فى البرلمان "لم يذكر شيئ واضح فى هذه الدورة عن الجنوب فتجاهلت الحكومة أن القومية فى تلك الجهات تختلف عن القومية فى الشمال ولم تضع شيئاً يناسبها أو يحمى الجنوبيين من استغلال الجلابة وغيرهم، نعم قدمت الحكومة بعض ارتفاعات فى الأجور للسلاطين ورجال الجيش والبوليس لأنهم يمثلون الجهاز الحكومى وتجاهلت الموظفين والمزارعين وغيرهم، وماذا يمنع الحكومة من تطبيق الأجر ليتساوى بين الشمال والجنوب طالما انهم يؤدون نفس العمل وبدرجة متساوية وطالما أنه لاتوجد مشاريع انتاجية ترفع مستوى المعيشة [31]" وفى مناقشة سياسة الحكومة الإقتصادية والمالية وقف ح.أ. زروق يقول "أما عن السياسة الإقتصادية بالنسبة للجنوب فتنحصر أهميتها فى رفع مستوى القوة الإنتاجية اذا أردنا الإستقرار السياسى ووحدة البلاد التى نحرص عليها جميعاً. وللأسف فان شيئاً من هذا لم يحدث فى الجنوب [32]" كما يقول أيضاً فى نفس مجلس النواب فى جلسة اخرى "المصير الذى نريده لبلادنا ياسيدى الرئيس يجب أن يضع فى اعتباره وحدة شعبنا وتوحيده فى الكفاح من أجل التحرر ونحن نعلم أن هناك فى المديريات الجنوبية تجمعات قبلية وقومية قهرها الإستعمار وخلفها فى وضع متأخر بدائى ظالم فعلينا أن نخلصهم من هذا التأخر والقهر القومى ونعطيهم حقهم فى وضع نظمهم المحلية وتنظيم وضعهم الخاص فى نطاق وحدة البلاد ومصلحتها العليا [33]"

    تقول مذكرة أرسلتها الجبهة المعادية للإستعمار للسيد اسماعيل الأزهرى رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء "لم تضع الحكومة سياسة صحيحة لتطوير الجماعات القومية فى الجنوب نحو الحكم المحلى أو الذاتى واتخذت إجراءات سطحية كتعيين بعض الوزراء الجنوبيين وتركت الجنوبيين فى نفس الحالة القديمة وبهذا خلقت الحكومة ظروفاً ملائمة لنسف وحدة البلاد وإضعاف الكفاح الوطنى[34] " وفى بيان ورد فى الميدان عن حزب الجبهة المعادية للإستعمار يقول تحت فقرة عن الجنوب "فى الوقت الذى كانت ترتفع فيه الصيحات الهدامة منها مايدعو لفصل الجنوب (بالقوة) وفى الوقت الذى كانت فيه أحزابنا الشمالية تؤجج من روح العداء والكراهية بين الشمال والجنوب كان حزب الجبهة هو أول حزب يتقدم بالحل العلمى السليم لهذه المشكلة: مشكلة العلاقة بين شقى القطر – (حماية التجمعات القومية من القهر القومى وإعطاؤها حق الحكم الذاتى وتنظيم قوانينها المحلية وفق ارادتها فى نطاق وحدة البلاد ومصلحتها ومصلحتها العامة وتصفية الحكم القبلى) " [35]

    المقتطفات أعلاه توضح تناغم وانسجام موقف ح.أ.زروق والجبهة المعادية للاستعمار المستنير فى ذلك الزمن الغابر فى حماية التجمعات القومية من القهر القومى وإعطائها حق الحكم الذاتى وفق ارادتهم ودون ضغط واكراه و تطبيق الأجر ليتساوى بين الشمال والجنوب و"حماية الجنوبيين من استغلال الجلابة" ولعل تلك أول مرة ترد فيها عبارة الجلابة.

    نبرة الدفاع الحمائية العطوفة فى مقتطفات ح.أ.زروق لاتصدر من باب إدعاء أجوف من موقع إمتيازضمن نظام الخطاب المهيمن أوزيف الأنثربولوجيا المَتْحَفيّة للدفاع عن المهمّشين إنما يمهّد الفضاء حتى يتحدّث المهمّش المسحوق . وزروق ،فى نظرى، لا ينطلق من مفهوم الصّدَقة والإحسان، صدَقة "لسانك تتبرّع به لمن لا لسان له" وهو مفهوم أقرب لمفهوم الزكاة الإحسانى. ليت المجال يسمح للحديث عن استنارة من أسميتهم أعلاه فرداً فردا. وليت لى من الزمن براح فى ذكر استنارة الأستاذين النيّرين محمود محمد طه وعبدالخالق محجوب حين قال الأول تعبيراً بليغاً هو"حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال" أو حين قال: "ساووا السودانيين فى الفقر الى أن يتساووا فى الغنى".

    فى مقابل خطاب الحداثة التحررى والمستنير هذا دعنا نتأمل خطاب الحركة الإسلامية عبر استاذ أ.ح.عمر، أحد قادتها، فيما يخص نفى التعدّد الدينى فى السودان. يقول:

    (1)" فالإسلام قد صار وحده هو المرجعية التي يحيل إليها العلمانيون عند محاكمة كسب الدولة أو الحركة الإسلامية. وهذا هو النجاح الأكبر للحركة الإسلامية. لأن مطلوبها الأعظم كان هو عودة التحاكم للإسلام واعتماده المرجعية الأساس لقياس كسب الفرد أو المجتمع أو الدولة. ولاشك أن كسب الأفراد والجماعات والدول يقصر كثيراً عن المثالات الإسلامية"

    (2) ثم يقول على هدى رؤية مشروع ميثاق السودان الذي أصدرته الجبهة الإسلامية القومية إبان الديمقراطية الثالثة: "وإنطلاقاً من هذه الرؤية الكلية ومن هذا التوجه صدرت المراسيم الدستورية والتي نصت على ان الإسلام هو الدين الهادي للسودان وهو الغالب للمجتمع يتجدد تجاوزاً للجمود ، ويتوحد تجاوزاً للطائفية وهو الشريعة الملزمة الموجهة لقوانين الدولة ونظمها وسياساتها لكن الدين الكتابي أو المسيحي أو الدين العرفي اختيار حر للجميع لا إكراه ولا حجر في العبادة تراعيه الدولة وقوانينها [36].

    (3) يقول أ.ح.عمر لتحقيق "التنمية السياسية" والتى هى رديف ذو"أهمية عالية إلى جانب التنمية الإجتماعية والإقتصادية" قررت الإستراتيجية الشاملة أن "يقوم البناء السياسي في السودان على الوفاء بعهد الاستخلاف عن الله . بتأكيد سيادة المجتمع المؤمن, من خلال مؤتمراته التشريعية ونظامه الاتحادي الذي يراعى التنوع , ويتقوى بحصيلته في أرضه"

    (4) كما نصّ المرسوم الدستورى على "أن الحياة العامة ووظائفها مسئولية وأمانة وجهاد تؤديه القوات المسلحة وقوات الشرطة والأمن للدفاع عن الوطن" أى جهاد معلن ضد مواطنيه من ملة "الدين الكتابي أو المسيحي أو الدين العرفي". ويشدد فى ماكن آخر من الورقة على "دعوة شباب الأمة للتدريب العسكري والإعداد الجهادي لتأصيل عملية التدريب فتربطها بالجهاد"

    (5) وحددت الاستراتيجية القومية الشاملة للدولة (1992 - 2002م) للتعليم العالي "تأصيل الثقافة والنأي عن التغريب وجعل اللغة العربية هي الأصل في التدريس والبحث والاهتمام بدراسة اللغات والثقافات الأجنبية."

    ثم الإستعلاء والغطرسة على من سبقهم من المسلمين كونهم سعوا "لإعادة المجتمع إلى المشارب الإسلامية النقية"!! أو كما قال.

    (6) وتأتى قرارات ثورة التعليم العالي التى أصدرها رئيس الجمهورية في الرابع من ديسمبر 1989م ب "الفراغ خلال العام الدراسي 90/1991م من الدراسات التحضيرية الخاصة باعتماد اللغة العربية لغة التدريس في التعليم العالي" إستكمالاً لعدم الحساسية ونفى التعدّد.

    الإسلام السياسى يرفض فكرة الحداثة، ويرفض مبدأ الديموقراطية ذاته لأن مبدأ الشورى مقيّد بتحريم الإبداع،حيث لايقبل الا بتفسير التقاليد (الإجتهاد) ، فالشورى لاتتجاوزأيّاً من أشكال الإستشارة التى وجدت فى مجتمعات ماقبل الحداثة، أى ماقبل الديموقراطية [37]. ينظر الإسلام السياسى "الى الشريعة بوصفها نسقاً معيارياً إلهياً وخالداً يقوم على القرآن والسنة" ولا ينظرالى "الفقه على انه محض تفسير إنسانى لتلك النصوص المقدسة [38]"

    واذا توسلنا بمفهوم "العقل العام والتعليل العقلى وليس الإيمان والدافع الدينى" لايصح لنا توقّع اتفاق المسلمين العام أو الدائم "على السياسة أو التشريع الذى يعبر عن معتقداتهم الدينية [39]" حتى لو كان المسلمون هم الأغلبية المسيطرة والأكثرية.

    يقول أ.ح.عمر "تطور النظام السياسي تدرجاً من العسكرية القابضة إلى نظام المشاركة الشعبية إلى التعددية ثم إلى التعددية التي يعززها الوفاق السياسي الشامل عبر اتفاقية السلام الشامل وكل تلك المراحل والتي تمت عن رؤية مسبقة وعلى بصيرة بالتحولات والتحديات كل ذلك يحسب للحركة الإسلامية وللإنقاذ" وهذا من باب اصدار حكم من دون الإستناد الى شواهد حقيقة اذ نح نكتب هذا الكتاب فى نهاية عام 2008 وأمامنا كامل المشهد السياسى السودانى ومن ضمنه اعلان عبدالله غوش وعلى رؤوس الأشهاد أن مهمة جهاز الأمن لاتقف عند جمع المعلومات. هذا غيض من فيض خروقات عديدة للدستورمنها تماطل فى تطبيق اتفاقية السلام الشاملة. وحق عل الحركة القول ان الحركة الإسلامية أعطت والحركة الإسلامية أخذت من حريات على سبيل كلمة الإنجيل.

    السمة الرابعة: غياب مفهوم جذرى للعدالة الإجتماعية.

    هذا مرتبط بغياب التحرر فى الخطاب كونه يركز على مفهوم أضعف من المساواة وأبعد مايكون عن مفهوم العدالة الإجتماعية. الأولى راهنية والثانية تاريخانية. العدالة الإجتماعية تنظر فى تاريخ علاقة الإنتاج أما مفهوم الزكاة ينطرح على مستوى التوزيع. زوبعة الزكاة ليس لها علاقة أصيلة بحل المشاكل الإجتماعية التى تواجه الطبقات الشعبية (تقرأ المستضعفين). وبهذا فان حركة الإسلام السياسى فوق مأزقى الحداثة والتحرر رزئت بغياب العدالة الإجتماعية. مسألة العدل بالنسبة للحركة لا تتجاوز الفهم القانونى لذلك تهتم بالجزاء والحدود الشرعية اكثر من اهتمامها بتوزيع عادل للموارد والنفوذ.

    الحركة الإسلامية السودانية المعاصرة هى سلطة الطبقة العسكرية الحاكمة، سلطة لا تستطيع ولا ترغب فى إتخاذ موقف معادٍ للإستعمار الحديث والإمبريالية النيولبرالية وانما تقدّم له هديتين ،اذا تجاوزنا منافع تبادل المعلومات المخابراتية، وهما كسر شوكة الحركة المعادية للتبعية والنيولبرالية فى السودان ثم تعبيد الطريق للتدخل الإمبريالى الفظ واهدار السيادة الوطنية بصناعتها لأزمة دارفورثم التقسيم اللاحق للسودان.


    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] أستاذ أمين حسن عمر( أ.ح. عمر) مثقف عضوى. وحسب التعريف القرامشى يتم البحث عن المثقف فى مجمل العلاقات الإجتماعية وعلاقات الإنتاج فالمثقفون "هم منظمو الوظيفة الإقتصادية للطبقة التى يرتبطون بها عضوياً وهم حملة وظيفة الهيمنة التى تمارسها الطبقة السائدة وهم منظمو الإكراه الذى تمارسه الطبقة السائدة على سائر الطبقات والشعوب بواسطة الدولة" غالى شكرى، إشكالية الإطار المرجعى للمثقف والسلطة، المستقبل العربى، العدد 114 دراسات الوحدة العربية ،بيروت، أغسطس 1988 ص26 ضمن خالد كاظم أبودوح فى الحوار المتمدن العدد1847.

    أمين حسن عمر: صحفي وكاتب وشاعر،عمل مديراً لمركز الدراسات والبحوث الإجتماعية88-1991، شغل منصب أمين عام وزارة الصحافة والإعلام 91-1993، عمل مستشاراً صحفياً لرئيس الجمهورية 93-1997، عمل وزير دولة بوزارة الثقافة والإعلام حتى العام 1999 ، عمل رئيساً لتحرير الأنباء اليومية السودانية، عضو الوفد الحكومي المشارك في مفاوضات اقتسام الثروة والسلطة/نيفاشا منذ اوائل2005 ثم وزيردولة بوزارة الثقافة والشباب والرياضة.

    [2] صفاء صنكور جبار، تحليل الخطاب فى الدراسات الإعلامية (دراسة فى الأسس النظرية جامعة بغداد 1996 ص11ضمن حبيب مال الله ابراهيم)

    [3] د.عبدالله ابراهيم "إشكالية المصطلح النقدى (الخطاب والنص)، مجلة آفاق عربية،بغداد، السنة الثامنة عشرة،آذار 1993،ص56.

    [4] د.سعد علوش،معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، الدار البيضاء، سوشير سن 1985، ص83 ضمن حبيب مال الله ابراهيم.

    [5] نشر أستاذ أمين حسن عمر هذه الورقة بعنوان "مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان" فى سودانايل فى سبتمبر 2008.

    [6] نورمان فيركلف "جدل الخطاب" يوليو 2003

    Norman Fairclough, http://www.ling.lancs.ac.uk/profiles/263

    [7] انطونيو قرامشى "مذكرات السجن 1929-1935"1971ضمن نورمان فيركلوف.

    [8] نورمان فيركلوف، السابق

    [9] Bourdieu P. “A reasoned utopia and economic fatalism”, New Left Review 227, 1998, pp.25-30

    [10] نورمان فيركلوف ،السابق

    [11] ٍِSamir Amin “Economic Globalism and Political Universalism: Conflicting Issues” Journal of World-System Research, Vol.1,3,Fall/Winter 2000, pp582-622 Special Issue: Festchrift for Immanuel Wallersein – partII.

    [12]السابق.

    [13] نورمان فيركلوف ،السابق

    [14] سمير أمين، السابق

    [15] مقابلة مع جورج طرابيشى، السفير 17يونيو2005.

    [16] مقابلة مع جورج طرابيشى، السفير 17يونيو2005

    [17] د.عبدالله النعيم "الإسلام والدولة والسياسة جدلية الفصل والوصل" رواق عربى العدد 40/41 ص 34

    [18] مقابلة مع جورج طرابيشى، السابق فى السفير

    [19] مقابلة مع جورج طرابيشى، السابق فى السفير

    [20] تتبع خطى هذه التوطئة حثيثاً أُطروحة المفكر سمير أمين حول الإسلام السياسى والتى لخصها فى ملحق 6 من كتاب "مابعد الراسمالية المتهالكة"،اصدار: دار الفارابى وفى الحوار المتمدن عددى 14فبراير2006عدد1461 و8 فبراير2008عدد 2185

    [21] سمير أمين "الحوار المتمدن" 14فبراير2006عدد1461

    [22] سمير أمين الإسلام السياسى فى خدمة الإمبريالية، الحوار المتمدن 8 فراير2008 عدد2185

    [23] سمير أمين ، السابق

    [24] د.عبدالله النعيم ،السابق ص 34

    [25] د. عبد الله بولا "شجرة نسب الغول في مشكل "الهوية الثقافية" وحقوق الإنسان في السودان" أطروحة في كون الغول الإسلاموي لم يهبط علينا من السماء"

    http://sudaneseonline.com/sections/ihtiram/images/ihtiram-nov05-dr.bola.pdf

    [26] د.عبدالله النعيم ، السابق ص 29-30

    [27]ص30. د.عبدالله النعيم ،السابق

    [28] سمير أمين ، السابق

    [29] محمد سليمان "اليسار السودانى فى عشرة أعوام " 1954-1963، مكتبة الفجر-وادمدنى ص 173-176

    [30] جلسة مجلس النواب ،الجلسة رقم 34 السبت 26يونيو 1954 ضمن محمد سليمان "اليسارالسودانى..."ص25.

    [31] الجلسة الثالثة لمجلس النواب ، الثلاثاء 22 فبراير 1955 ضمن محمد سليمان السابق ص95.

    [32] الجلسة السابعة لمجلس النواب ، الثلاثاء 22اول مارس 1955 ضمن محمد سليمان السابق ص101.

    [33] مجلس النواب الدورة الثالثة الجلسة رقم 32 الثلاثاء 16 اغسطس 1955 ضمن محمد سليمان السابق ص 138

    [34] الميدان العدد 70 الإثنين 4 ابريل 1955 والعدد 71الخميس 7ابريل1955،ضمن محمد سليمان السابق، ص 123.

    [35] الميدان العدد 135 الإثنين 19ديسمبر 1955 ،ضمن محمد سليمان السابق "اليسار ...." ص162

    [36] مشروع ميثاق السودان الذي أصدرته الجبهة الإسلامية القومية إبان الديمقراطية الثالثة

    [37] سمير أمين ، السابق

    [38] د.عبدالله النعيم "الإسلام والدولة .." السابق ص30.

    [39] د.عبدالله النعيم "الإسلام والدولة .." السابق ص36


    من سودانايل الإثنين 10 نوفمبر 2008
                  

11-11-2008, 05:55 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    كتب قبل أكثر من نصف قرن

    أعده للنشر : عيسي ابراهيم
    عناوين الحلقة الأولى
    أسس دستور حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية (1 - 7)
    المشاكل الراهنة لأي بلد من البلاد هي، في حقيقتها، صورة لمشاكل الجنس البشري برمته
    إن اهتمامنا بالفرد يجعلنا نتجه، من الوهلة الأولى، إلى اشراكه في حكم نفسه بكل وسيلة
    "الرأي العام، بهذا الوصف، هو صاحب السيادة وعليه يتوقف نجاح قيام الحكومة، ونجاح تطبيق القانون، ولا يحسبن أحدٌ أن رأيا عاما كهذا، يمكن أن يوجد عفوا بفعل التطور الزمني، ذلك بأنه يشترط لوجوده ايقاظ ضمير كل فرد من أفراد المجموعة. ولذا لا بد من أسلوب تربوي يوجه التطور ويحفزه، بأن يخاطب كل فرد خطاباً فردياً مباشراً يجعل ضميره الرقيب الأول علي حركاته وسكناته، والحسيب الأول علي أخطائه وهفواته، فان اقامة حكومة القانون في حياة الجماعة العامة تتحقق علي خير صورها اذا كان كل فرد من أفراد الجماعة يقيم حكومة القانون في حياته الخاصة"..
    كتب عروة: لعل من أهم المحاور محور خيارات الحلول لأزمة دارفور، فقضية الإقليم الواحد لدارفور أوعكسه كان محور النقاش، يبدو لي أن الأفضل هو أن فكرة الإقليم الواحد ليست لدارفور وحدها بل لكل الاقاليم الأخرى.. لعدة أسباب وهو ضرورة تجميع الولايات الكثيرة الحالية في وحدات إقتصادية كبيرة وبالتالي يمكن تجميع موارد مالية أكثر وعدالة في توزيع الثروة وكفاءة وعدالة التنمية المتوازنة والمستدامة..
    إذن وحدة الأقاليم عموماً وحصرها في ولايات أكبر ذات صفة إقتصادية تكاملية ثم تخفيض النفقات التي تحتاجها الولايات الكثيرة والتضخم الإداري من ولاة ووزراء ورواتبهم وامتيازاتهم يمكن أن تنخفض وتوجه للتسيير والتنمية فيكفي والٍ واحد وبضعة وزراء ومجلس تشريعي واحد لكل الولاية ويستعاض بكثرة الولايات بالضباط الإداريين ذوي الكفاءة العالية مثلما كان في الماضي..
    آن الأوان للنظر في النظام الفدرالي الحقيقي و اعتماد الكفاءة الإدارية وإعطاء السلطات للولايات (ست أو سبع ولايات كافية) دارفور، كردفان، الشمالية، الجنوب، الوسط، الشرق ويمكن للخرطوم أن تصبح ولاية أو عاصمة قومية..
    آن الأوان لتحقيق عدالة ومساواة لكل أقاليم السودان من خلال نظام فدرالي فعال وحكومات مركزية واقليمية رشيقة بدلاً عن هذا الترهل الحكومي الذي يكلف دافع الضرائب الكثير ومن ثم توجه الموارد للصرف على التنمية بالإعتماد على النفس والموارد الذاتية فالعالم الخارجي بعد الأزمة المالية لايوفر الكثير.
    فيما يلي نستعرض كتاب الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري "أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية" الذي كتب في العام 1955 أي قبل ثلاثة وخمسين عاماً وأسس للجمهورية والفدرالية والديمقراطية والاشتراكية وكان سابقاً لزمانه ومازال..



    الأهداء
    إلى الشعب السوداني الكريم
    هذا دستور" الكتاب".. نقدمه اليك، لتقيم عليه حكومة القانون، فتخلق بذلك الأنموذج الذي على هداه تقيم الانسانية، على هذا الكوكب، حكومة القانون.. فانها إلا تقم لا يحل في الأرض السلام، وليس من السلام بد..



    مقدمة الطبعة الثانية
    "أسس دستور السودان" خرجت طبعته الأولي للناس في ديسمبر من عام 1955، وظهرت الحاجة اليوم إلى إعادة طبعه فلم نجد شيئا نحذفه منه، ولم نجد ضرورة لإضافة شيء عليه، فأخرجناه من هذا الاعتبار، علي ما عليه كان أول عهده بالخروج ومع ذلك، فان الكتاب الجديد يختلف عن الكتاب القديم في معني أنه يقع في بابين: الباب الأول، ويحوي"أسس دستور السودان" والباب الثاني، ويحوي نبذة قصيرة عن أهداف الحزب الجمهوري وعن دستور الحزب الجمهوري..
    قلنا في كلمة الغلاف ان " أسس دستور السودان" هي "أسس الدستور الاسلامي" الذي يسعي دعاة الاسلام، عندنا وفي الخارج، الي وضعه من غير أن يبلغوا من ذلك طائلا، ذلك لأنهم لا يعرفون أصول الاسلام، ومن ثم، فهم لا يفرقون بين الشريعة والدين، ويقع عندهم خلط ذريع بأن الشريعة هي الدين، والدين هو الشريعة.. والقول الفيصل في هذا الأمر أن الشريعة هي المدخل علي الدين، وأنها هي الطرف القريب من أرض الناس" وفي بعض صورها من أرض الناس في القرن السابع".. وفي القرن السابع الميلادي لم تكن الشريعة مستعدة للحكم الديمقراطي، بالمعني الذي نعرفه اليوم، ولقد قامت شريعتنا علي حكم الشوري، لقد كان حكم الشوري، في وقته ذاك، أمثل أنواع الحكم، وأقربها الي اشراك المحكومين في حكم أنفسهم، ولكنه، مع ذلك، لم يكن حكما ديمقراطيا. ومن اجل ذلك فلم يكن يعرف فيه الدستور بالمعني الذي نعرفه اليوم، فمن ابتغي الدستور في مستوي الاسلام العقيدي أعياه ابتغاؤه، ولم يأت الا بتخليط لا يستقيم، وتناقض لايطرد. وكذلك فعل دعاة الاسلام، عندنا وفي الخارج. ومن ابتغي الدستور في مستوي الاسلام العلمي ظفر به، واستقام له أمره علي ما يحب. وكذلك فعل الجمهوريون.. ونحن الآن نقدم للناس أسس الدستور، وسنقدم، في مقبل الأيام القريبة، ان شاء الله، دستور السودان) اقرأ الدستور الاسلامي) مقعداً، وممدداً، ومبوباً، وعند الله نلتمس السداد..
    ديباجة
    ((1)) المشاكل الراهنة لأي بلد من البلاد هي، في حقيقتها، صورة لمشاكل الجنس البشري برمته، وهي، في أسها، مشكلة السلام علي هذا الكوكب الذي نعيش فيه، ولذلك فقد وجب ان يتجه كل بلد الي حل مشاكله علي نحو يسير في نفس الاتجاه الذي بمواصلته تحقق الانسانية الحكومة العالمية، التي توحد ادارة كوكبنا هذا وتقيم علائق الأمم فيه علي القانون، بدل الدبلوماسية، والمعاهدات، فتحل فيه بذلك النظام والسلام..
    ((2)) المسألة الاساسية التي يجب أن يعالجها دستور أي أمة من الأمم هي حل التعارض البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، فان حاجة الفرد الحقيقية هي الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة هي العدالة الاجتماعية الشاملة: فالفرد – كل فرد- هو غاية في ذاته ولا يصح أن يتخذ وسيلة لأي غاية سواه، والجماعة هي أبلغ وسيلة الي انجاب الفرد الحر حرية فردية مطلقة، فوجب أذن أن ننظمها علي أسس من الحرية والاسماح تجعل ذلك ممكنا.
    ((3)) اننا نعتبر الدستور في جملته عبارة عن المثل الأعلي للامة، موضوعا في صياغة قانونية، تحاول تلك الامة أن تحققه في واقعها بجهازها الحكومي، بالتطوير الواعي من امكانياتها الراهنة، علي خطوط عملية يقوم برسمها التشريع والتعليم، وبتنفيذها الادارة والقضاء والرأي العام.
    ((4)) ليس هنالك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن علي حريات الآخرين، فثمن الحرية الفردية المطلقة هو دوام سهر كل فرد على حراستها واستعداده لتحمل نتائج تصرفه فيها.
    ((5)) ليحقق دستورنا كل الأغراض آنفة الذكر، فانا نتخذه من "القرآن" وحده: لا سيما وأن" القرآن "لكونه في آن معا، دستورا للفرد ودستورا للجماعة قد تفرد بالمقدرة الفائقة علي تنسيق حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، تنسيقا يطوع الوسيلة لتؤدي الغاية منها أكمل أداء..
    الفصل الأول
    أساس الجمهورية السودانية
    ان اهتمامنا بالفرد يجعلنا نتجه، من الوهلة الأولي، الي اشراكه في حكم نفسه بكل وسيلة، والي تمكينه من أن يخدم نفسه ومجموعته في جميع المرافق، التشريعية والتنفيذية والقضائية وذلك بتشجيع الحكم الذاتي، والنظام التعاوني ولما كان السودان قطرا شاسعا وبدائيا فان ادارته من مركزية واحدة غير ميسورة، هذا بالاضافة الي ما تفوته المركزية علي الأفراد من فرص التحرر والترقي والتقدم، بخدمة أنفسهم ومجموعتهم، ولذلك فانا نقترح أن يقسم السودان الي خمس ولايات:-
    1- الولاية الوسطي
    2- الولاية الشمالية
    3- الولاية الشرقية
    4- الولاية الغربية
    5- الولاية الجنوبية
    ثم تقسم كل ولاية من هذه الولايات الخمس الي مقاطعتين وتمنح كل ولاية حكما ذاتيا يتوقف مقداره علي مستواها ومقدرتها على ممارسته، على أن تعمل الحكومة المركزية، من الوهلة الأولى، علي اعانة كل ولاية لتتأهل لممارسة الحكم الذاتي الكامل، في أقرب فرصة، وأن تمنحها سلطات أكثر نحو كل ما بدا استعدادها، ويقوم الحكم الذاتي في كل ولاية علي قاعدة اساسية من مجالس القري ومجالس المدن ومجالس المقاطعات ومجالس الولايات حتي ينتهي الشكل الهرمي بالحكومة المركزية التي تسيطر علي اتحاد الولايات الخمس، وتقويه، وتنسقه بسيادة القانون لمصلحة الأمن والرخاء في سائر القطر، وفيما عدا حالات الضرورة لا تتدخل حكومة الولاية في شؤون المقاطعة ولا حكومة المقاطعة، في شئوون المدينة ولا المدينة في شئون القرية، كما لا تتدخل الحكومة المركزية في شؤون الولايات التي يجب أن تمارس كل السلطات التي يلقيها عليها ذلك المقدار من الحكم الذاتي الذي تمارسه، الا أن يكون تدخلا لضرورة الارشاد والاعانة، حتي اذا ما نشأت مسائل في نطاق غير حكومة واحدة أمكن وضع نظام مشترك فالتعليم، مثلا، يقع نظامه تحت تشريع كل ولاية علي حده، ولكن الحكومة المركزية تساعد الولايات في التعليم بالتنسيق والارشاد وبالهبات المالية، لأنه يهم الأمة جمعاء، كما يهم كل ولاية علي حدة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالصحة والتنظيم وبترقية حياة الناس من جميع وجوهها. وسيكون نظام كل حكومة ابتداء من حكومة القرية فصاعدا على غرار النظام الديمقراطي، الذي يكون الحكومة المركزية في القمة، من دستور مكتوب، وهيئة تشريعية وهيئة تنفيذية وهيئة قضائية، والغرض من هذا تربية أفراد الشعب تربية ديمقراطية، سليمة وموحدة في جميع مستوياتهم العلمية وبيئاتهم الاجتماعية.
    الفصل الثاني
    السيادة
    السيادة، ونعني بها السلطة الآمرة التي تستطيع أن تفرض ارادتها علي الأفراد، ملك للشعب السوداني المستوطن داخل حدود السودان القائمة إلى عام 1934، وسيكون نظامنا الديمقراطي بجميع دعائمه وسيلة لتحقيق هذه السيادة للشعب، وغني عن القول أن السيادة ليست غاية في ذاتها وانما هي وسيلة لتحقيق الحرية السياسية، والمساواة الاقتصادية، والاجتماعية التي بدونها لا يتهيأ الجو الذي فيه وحده تترعرع الحرية الفردية المطلقة ويجب أن نكون حذرين فان مسألة اعطاء السيادة للشعب مسألة دقيقة وحساسة، وذلك بأن الشعب، عمليا، لا يباشر الحكم بنفسه، وانما يعين بضعة أفراد يقومون بمباشرة السلطة نيابة عنه، وكثيرا ما يحصل أن يستفيد هؤلاء من مبدأ السيادة الشعبية، فيجورون علي الحريات، ويتغولون علي حقوق الأفراد، فاننا لا نزال نعيش علي مخلفات المجموعة البشرية من تراث الماضي، وحتى فكرة السيادة الشعبية ما هي الا تطوير لهذا التراث لم يتخلص بعد من الأوضار، فقد كان الأقوياء يفرضون ارادتهم علي الضعفاء بشتي الوسائل، فمن ذلك وسيلة القوة المادية، أو القوة الأدبية أو الدينية، أو العقلية أو الاقتصادية أو العددية، وهذه الأخيرة، بتقدم المدنية، قد أصبحت قوة الجماعات المنظمة، ومن ثم جاءتنا فكرة السيادة الشعبية فهي فكرة تقوم علي القوة، وهي لذلك خليقة أن تستغل، فيساء باسمها استعمال القوة، بيد أن الأمل معقود باطراد تقوية الفكرة الحديثة، حيث الحق هو القوة لا العكس، وحيث تخضع الدولة للقانون، فان ذلك أدني أن يحد من السير في الاتجاه المؤدي، إما الي جعل السلطة السياسية عبارة عن حكم القوي للضعيف، باعتبار شرعية كل ما يأتيه الحاكم، أو الي منح تصرفات البرلمان شرعية كاملة، بصرف النظر عن محتوياتها، مما يساعد البرلمان علي ادعاء السلطة المطلقة، ويفتح الطريق الي العصمة البرلمانية المرعبة: وليس المخرج من هذا الحرج ألا يعطي الشعب السيادة، بل، علي النقيض، فانه يجب أن يعطاها، وأن يعطاها كاملة حتي يتعلم بممارستها؛ علي أن يوضع القانون أمام ناظريه دائما، وأن يكون موضع التجلة عنده والاحترام، حتي يصبح شعاره" الحق هو القوة" ثم تبذل الحكومة والشعب، كل وقت ومال وجهد، ليربوا الأفراد على فهم القانون، والخضوع لحكم القانون فينشأ رأي عام "أو ارادة عامة ان شئت" مستنير شرعي يستمد شرعيته من انطباعه علي القانون وامتثاله له، وتمثله اياه، واستقامته معه فهذا الرأي العام، بهذا الوصف، هو صاحب السيادة وعليه يتوقف نجاح قيام الحكومة، ونجاح تطبيق القانون، ولا يحسبن أحد أن رأيا عاما كهذا، يمكن أن يوجد عفوا بفعل التطور الزمني، ذلك بأنه يشترط لوجوده ايقاظ ضمير كل فرد من أفراد المجموعة. ولذا لا بد من أسلوب تربوي يوجه التطور ويحفزه، بأن يخاطب كل فرد خطابا فرديا مباشرا يجعل ضميره الرقيب الأول علي حركاته وسكناته، والحسيب الأول علي أخطائه وهفواته، فان اقامة حكومة القانون في حياة الجماعة العامة تتحقق على خير صورها اذا كان كل فرد من أفراد الجماعة يقيم حكومة القانون في حياته الخاصة، ونحن لم نجد هذا الاسلوب التربوي الا في القرآن، لأن القرآن في آن معا، دستور للسلوك الفردي ودستور للسلوك الجماعي، وهو بذلك يكسب الفرد المقدرة علي المواءمة بين حاجته وحاجة الجماعة التي يعيش فيها، فانه يعلمه أن أبعد حاجاته منالا، ليس اليها من سبيل الا حب الجماعة والتفاني في ابغائهم الخير والاخلاص لهم في السر والعلن، ومنهاج محمد النبي في العبادة والسلوك هو الصورة الحية الماثلة من هذا الاسلوب التربوي.
    ان الشعب المربى هذه التربية هو الشعب الذي يستحق السيادة كاملة ونحن انما نعطيها في دستورنا هذا شعبنا منذ الوهلة الأولي لأن ممارستها تجعل تربيته التربية التي أسلفنا ذكرها أمرا ممكنا.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147535912&bk=1
                  

11-11-2008, 11:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    أزيك يا حبيب
    عجبتنى مقالتك عن الشهيد/ محمود محمد طه المنشورة بصحيفة السودانى بتاريخ 11/11/2008م
    أصلاً نحن أمة لا تطرب إلا لجالدها أو متجاهلها أو محتقرها
    لذلك سوف ننتظر كالعادة أن تصبح أقواله نظريات حقيقية مطبقة ثم نأتى لنهلل لذلك
    ثم يأتى فلان ويحكى أنه جاوره، وآخر يقول أنه تتلمذ على يدهـ وآخر ....الخ،وهذا الهراء لن يغيب عن فطنتك إذا أمد الله فى الآجال
    على العموم أكرر الشكر
    وأرجو أن ترسل لى بعض مقالات الأستاذ أو تطلعنى على بعض المنتديات أو المواقع
    محمد السر سليمان
    الخرطوم بحرى
                  

11-12-2008, 01:47 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    الدين في المجتمع المعاصر (4)

    من بين كل أشكال الإجتهاد الإسلامي في تطبيق النصوص يقف إجتهاد عمر بن الخطاب نسيج وحده فهو ليس اجتهادا فيما هو ظني الثبوت او ظني الدلالة او ظني الدلالة والثبوت من النصوص فحسب بل هو ايضا اجتهاد فيما هو قطعي الدلالة والثبوت وهو لا يقف عند حدود الفهم والاستنباط والتفريغ والترجيح والتبرير للاحكام المستنطبة من النصوص قطعية الدلالة والثبوت كما درج على ذلك السلفيون القدماء والجدد من بعده حتى يومنا هذا وانما يتعدي ذلك الى تغيير او تجاوز او استبدال هذه الاحكام .



    الردة لحماية اسرار المسلمين
    وليس ادل على خطأ النظام المعرفي للفكر السلفي الاسلامي والذي ترتب على اغفال منهج الكتاب والحكمة من صياغة جريمة باسم الردة وتعريفها بانها الخروج عن الدين او الترويج لذلك او ما يشابهه برغم وضوح القرآن في هذه المسالة وقوله صراحة (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (29 الكهف) اما الموضوع القانوني الذي استوجب الحماية بالعقوبة في الحديث (ومن بدل دينه فاقتلوه) فهي شئ اخر تماما سيتبين لنا من خلال قصة حاطب بن بلتعة وامثلة اخرى.
    وقد كان حاطب بن بلتعة رجلا من المهاجرين وكان من اهل بدر ايضا وكان له بمكة اولاد ومال ولم يكن قرشيا بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله (ص) على فتح مكة لما نقض اهلها عهد الحديبية ، امر المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال (اللهم عم عليهم خبرنا) واخبر الرسول (ص) جماعة من اصحابه بوجهته كان منهم حاطب فعمد حاطب فكتب كتابا وبعثه مع امرأة مشركة الى اهل مكة يعلمهم بعزم الرسول (ص) على غزوهم .. ليتخذ بذلك عندهم يدا وفي البخاري قال علي بن ابي طالب بعثني رسول الله انا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة (امرأة في هودج) معها كتاب فخذوه منها . فقلنا لتخرجي الكتاب او لنلقين الثياب . فاخرجته من عقيصها (العقيصة: الضفيرة) فآتينا به النبي (ص) فقال : ما هذا يا حاطب ؟ قال لا تعجل علي يا رسول الله اني كنت إمرءا من قريش ولم اكن من انفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها اهليهم واموالهم بمكة . فاحببت اذا فاتني النسب فيه ان اصطنع اليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني . فقال النبي (ص) انه قد صدقكم فقال عمر : دعني يا رسول الله فاضرب عنقه فقال انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفي رواية مسلم لهذا الحديث (فقال عمر : إنه خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني لاضرب عنقه)..
    فها هو رجل من المسلمين قام بافشاء سر حربي من اسرار المسلمين لاعدائهم وهدد بذلك امنهم وسلامتهم . فكاد ذلك ان يؤدي بحياته لانه بكلمات عمر بن الخطاب (قد خان الله ورسوله والمؤمنين) قد ارتكب جريمة الخيانة العظمى وافشى اسرار دولة المدينة لاعدائها في مكة . ولم يشفع له لدى عمر انه قال (وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني) لان الموضوع ليس بقاءه في الدين او خروجه عنه وانما هو افشاء اسرار المسلمين ولم ينقذه من سيف عمر الا تدخل الرسول (ص) لصالحه لانه شهد بدرا . فاذا كان رجل من المسلمين شهد بدرا يمكن ان يرتكب جريمة الخيانة العظمى واستحق بذلك ان يقتل فان ارتكاب الخارج عن الاسلام لهذه الجريمة يكاد يكون مؤكدا في ذلك العصر . خاصة ان الارتداد عن الدين كان يعني الإنتقال الجسدي الى دار المشركين . مع اسرار المسلمين الحربية . وكان ذلك حال (عبد الله) بن سعد اخو بني عامر بن لؤى وكان ذلك ايضا حال عبد الله بن اخطل ارتدا مشركين فرجعا الى مكة .(41).
    ومن ذلك يتضح ان معاقبة الاسلام من ارتد عنه بالقتل انما اقتضته سياسة الدولة اكثر من الحرص على إسلام هؤلاء اذ كان اخوف ما تخافه الدولة الاسلامية من الابقاء على هؤلاء المرتدين ان ينقلبوا عيونا عليها وبذلك يصبحون شرا مستطيرا يهدد كيانها(42).وهذا هو السبب الذي حرم القرآن التزاوج مع مشركي مكة في قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم) (221 البقرة) وفي قصة حاطب بن بلتعة التي سبقت ما يدل على ذلك . فالمرأة التي اخذت الرسالة تريد بها معسكر المشركين كانت امرأة مشركة . وكان الشافعي يقول في جهاد المشركين ان من قرب اولى ان يجاهد لقربه من عورات المسلمين (43) لذلك فان زواج المسلمين من مشركي مكة رجالا او نساءا كان سيشكل خطرا كبيرا على اسرار المسلمين يهدد امنهم وسلامتهم .
    خاتمة :
    وبهذا يتضح ان المنهج التشريعي الاسلامي في اصوله القرآنية هو منهج علمي لا يهدر البعد التاريخي او يتجاهله وان تجاهل هذا البعد التاريخي وهو الامر الذي ظل يسم الفكر السلفي لعدة قرون الآن وقاد الى التخلف الذي تعاني منه المجتمعات الاسلامية اليوم لانه يصادم قانونا اساسيا من قوانين الكون ان هذا التجاهل امر طرأ في وقت لاحق على نزول القرآن وبعد انقضاء جزء من الخلافة الراشدة ، ولقد كان من نتائج لاعلمية هذا التوجه في بعده التطبيقي – والدليل عليه في الوقت ذاته – صعوبة بل واحيانا استحالة تطبيق هذه الاحكام على بني اجتماعية واقتصادية وآليات سياسية مختلفة تماما عن مثيلاتها في جزيرة العرب عند بدء العمل بهذه الاحكام (انظر كمثال الطريقة الانتقائية التي تسم هذا الفكر ايضا والتي اسقط بها الجزية كمكون من مكوناته).
    في المقابل تعامل المنهج التشريعي القرآني ، وهو منهج الكتاب والحكمة مع هذه الاحكام بوصفها وسائل لتحقيق مبادئ او غايات عامة وهي لذلك متاثرة بالتطور الاجتماعي للانسان لذلك حث على تجاوزها الى غاياتها لان كل تجاوز لها الى غاياتها هو اقتراب من غايات الخلق . وبرغم ان الاحكام تتساوى جميعا في انها وسائل لغايات الا ان غاياتها في اهميتها فغايات الاحكام الموجهة نحو النفس البشرية ، وهي قيم الكرامة والقوة والعدل والعلم والسلام ، بوصفها القيم التي تقوم بصياغة الانسان ، واعداده لدوره على الارض. هي قيم وغايات المجتمع الكبرى . وتجئ غايات الاحكام الاخرى داعمة ومساندة وموصلة لهذه الغايات الكبرى .
    والعلم بوصفه اصلا اصيلا من هذه القيم الكبرى هو وسيلة المجتمع لابتداع الوسائل وهو وسيلته للتعرف على غاياته ليس بالاستقراء وحده وانما بكل الطرق المعمول بها علميا في جميع العلوم وبالدراسات العلمية في العلوم الطبيعية والانسانية وبالتجربة والخبرة الانسانية الواعية.
    كذلك فان ثبات الحكمة او الغايات انما هو ثبات نسبي فقيم الكرامة والقوة والعدل والسلام تكتسب على الدوام مضامين جديدة فتنضاف حقوق انسانية جديدة لكي تعزز قيمة الكرامة مثلا وتبتعد القوة باضطراد عن ان تكون ما يسمى سياسياً وعسكرياً هكذا ..الخ.
    ونحن اذا دققنا النظر في مجموعات الاحكام اي احكام المحرمات والفرائض والمعاملات والاحوال الشخصية والعقوبات الفينا غايات وقيم المجتمع الكبرى مرة اخرى فكل مجموعة من هذه الاحكام تركز على واحدة من هذه الغايات اكثر من غيرها . فالمحرمات بحفظها لحقوق الانسان وتكريمها له عن الحيوان تركز على قيمة الكرامة والفرائض بتخليصه للنفس البشرية من نوازع الضعف من ذل ، وجهل ، وشح ، وعدوانية ، تركز على القوة والمعاملات بسعيها لاشاعة المساواة والنظام تركز على العدل . واحكام الاحوال الشخصية بتأكيدها على إنسانية الانسان التي لا تكون الا بالعقل والعلم الذين كرمهما به الله تركز على العلم. والعقوبات التي تهدف لمكافحة الجريمة واشاعة الامن والطمأنينة تركز على السلام . وغاية غاياتها معا هو تعمير الارض بالقسط لقوله تعالى (لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط (25 الحديد) وهو ادق مقاييس العدل فيه تتحقق خلافة الانسان لله الذي شهد انه "لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم (18 آل عمران) وبذلك يتسق المنهج ويكتمل ويتأكد ويؤكد مصدره الإلهي.
    المراجع والهوامش :
    1- محمد حسين هيكل "الفاروق عمر" دار المعارف الطبعة العاشرة الجزء الثاني ص 225-25.
    2- نفس المصدر الجزء الثاني ص 268-269.
    3- محمد عمارة النص الاسلامي بين الاجتهاد والجمود والتاريخية "دار الفكر دمشق 2000 ص 68 .
    4- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 265.
    5- نفس المصدر ص 265.
    6- نفس المصدر ص 255.
    7- نفس المصدر ص 255.
    8- نفس المصدر ص 255.
    9- خالد محمد خالد "خلفاء الرسول" دار ثابت القاهرة 1994 ص 205.
    10- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 255.
    11- انظر : ابو إسحاق ابراهيم (الشاطبي) الموافقات في اصول الاحكام دار الفكر القاهرة .
    12- الراغب الاصفهاني معجم مفردات الفاظ القرآن دار الفكر القاهرة ص 127.
    13- محمد اركون : تاريخية الفكر العربي الاسلامي مركز الانماء القومي الطبعة الثانية بيروت 1996 ص 23.
    14- انظر اعمال محمد اركون : المصدر السابق ومحمد اركون الفكر الاسلامي قراءة علمية مركز الانماء القومي الطبعة الثانية بيروت 1996م واعمال محمد عابد الجابري تكوين العقل العربي مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة السادسة بيروت 1994 ونية العقل العربي مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة السادسة بروت 1994 واعمال نصر حامد ابو زيد خاصة : الامام الشافعي وتأسيس الايدولوجية الوسطية مكتبة مدبولي الطبعة الثانية 1996 ومحمد سعيد العشماوي الخلافة الاسلامية دار سينا للنشر القاهرة 1992.
    15- نصر حامد ابوزيد دار سينا للنشر الطبعة الثانية القاهرة 1994 ص 118.
    16- نفس المصدر ص 118-119.
    17- محمد عابد الجابري التراث وتحديات العصر مركز دراسات الوحدة العربية ص 209.
    18- نفس المصدر ص 209.
    19- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 254.
    20- خالد محمد خالد مصدر سابق ص 145.
    21- نفس المصدر ص 145.
    22- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 216.
    23- الراغب الاصفهاني مصدر سابق ص 126.
    24- لسان العرب مادة ح ك م .
    25- ابن كثير تفسير القرآن العظيم مكتبة الصفا الطبعة الاولى 2002 ج 2 ص 7.
    26- نفس المصدر ج 8 ص 95.
    27- حيدر ابراهيم علي الاسس الاجتماعية للظاهرة الدينية ملاحظات في علم اجتماع الدين في كتابات سودانية العدد الاول ديسمبر 1991 ص 72.
    28- سيرة ابن هشام ج 3 ص 327.
    29- محمد حسين هيكل الحكومة الاسلامية ص 47.
    30- سيد قطب في ظلال القرآن ج 1 ص 509.
    31- نفس المصدر ج 2 ص 767.
    32- راجع أعمال محمود محمد طه خاصة : الرسالة الثانية من الاسلام الطبعة الخامسة بدون تاريخ وتطوير شريعة الاحوال الشخصية الطبعة الاولى 1971 ومعظم الاعمال تدور حول صلاحية الشريعة كما جاءت في القرن السابع لاحوال القرن العشرين . وهو صحيح يتفق تماما مع منهج الكتاب والحكمة ولكنه يعزو عدم الصلاحية الى ان القرآن ينقسم الى مكي ومدني حسب مكان نزوله والى ان اصول الاسلام نزلت بمكة واستمر نزولها ثلاث عشرة سنة فلم يستجب لها الجأهليون فظهر عمليا انها فوق طاقتهم (تطوير شريعة الاحوال الشخصية ص 38). وهو قول فيه نظر لانه يفصل النصوص عن الواقع الاجتماعي والفكري لمن انزلت عليهم ، لكأنما المصدر الذي جاءت منه هذه النصوص لم يكن يدري هذا الواقع فكلف القوم فوق طاقتهم ، وهو الذي لا يكلف نفساً الا وسعها كما ان تقسيم التاريخ الى مرحلتين كل مرحلة تسود فيها شريعة فيه نظر لان التاريخ سلسلة من المراحل المتعاقبة.
    33- عادل ضاهر الاسس الفلسفية للعلمانية دار الساقي بيروت 1993 ص 5.
    34- مجلة الكرمل عدد 35 1995 ص 27.
    35- الصادق المهدي العقوبات الشرعية وموقعها في النظام الاجتماعي الاسلامي منشورات الامة بدون تاريخ مقدمه فتحي عثمان ص 9.
    36- العهد القديم خروج الاصحاح 22.
    37- احمد محمد الحوفي "الحياة العربية من الشعر الجاهلي" دار القلم القاهرة 1963
    38- شوقي ضيف "العصر الجاهلي" دار المعارف القاهرة الطبعة الحادية عشر ص 26.
    39- نفس المصدر ص 70.
    40- يري الصادق المهدي (مصدر سابق) ان تطبيق العقوبات يجب ان يكون مصحوبا بتوفر ظروف اجتماعية واقتصادية معينة تحارب الجريمة في مصادرها وتوظف العقوبات لحماية المتجتمع بعد ذلك فهو يعدل اولويات التطبيق فحسب.
    41- سيرة ابن هشام ج 2 ص 28.
    42- حسن ابراهيم حسن "تاريخ الاسلام" دار الجيل بيروت 1991 ج 1 ص 288.
    43- الشافعي "احكام القرآن" دار الكتب العلمية بيروت 1991 ج 2 ص 30.
    * ملحوظة : قدمت هذه الورقة في ندوة "الدين في المجتمع المعاصر التي نظمها مركز الدراسات السودانية في 25-26 يناير 2004م"..





    http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147502769
                  

11-12-2008, 01:51 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    العقاد في نادي الخريجين بالخرطوم

    قرأنا ونحن في مدني ان نادي الخريجين بالخرطوم سيستضيف العملاق الذي حضر هاربا من بطن النازي والذي دق الابواب بعنف لتفتح له مصر ومن المصريين من كان يرحب بمقدم الالمان (عزيز المصري – انور السادات وغيرهما) عزيزي القارئ من أفضال الرعيل الاول لخريجي كلية غردون تكوينهم للمدارس الفكرية – في ام درمان الابروفيون – وفي حي البوستة حسن عوض الله – يحي الفضلي وجماعة الاشقاء – وفي حي الهاشماب مدرسة الفجر العظيمة – عرفات والمحجوب وابناء الحي محمد عشري الصديق واخوه عبد الله وسيد الفيل وعلي نور المهندس وهو شاعر المؤتمر حين قام واضفى عليه اللقب العظيم .
    واذا ما انتقلنا إلى الخرطوم كانت هنالك (دار الثقافة) ونادي الخريجين – حيدر موسى واخوانه – وفي بحري نصر الدين السيد والدكتور التجاني الماحي والريفي واخوانهم والذين جعلوا من النادي منارة للثقافة جذبت محبي الادب خاصة والعمال على العمل الدؤوب للتحصيل .
    واذا انتقلنا إلى الاقاليم كان لمدني قصب السبق فمن الجمعية الادبية كانت الصيحة لمؤتمر الخريجين .
    وما كانت اتبره – عاصمة الحديد والنار والقطارات – لتتأخر عن الركب فالنادي السوداني وسكرتيره الفذ محمود محمد طه – وتكوينه للجمعية الادبية اذ كان الحدث الذي جمع العمال واخوانهم الخريجين لينضموا لركب الوطنية الظافر فكانوا السند القوي لمؤتمر الخريجين فيما بعد – وبورتسودان والابيض وغيرهما ما تأخرت عن العمل الوطني الجاد !! في هذا الجو وصل العقاد وسوف اركز على الكلمات وعلى تعليق الجبار عليها – الذي لفت الانظار قريحته الوقادة وافكاره النقادة فقد هلهل المتحدثين واحدا اثر واحد – يعيد له كلماته (بالنص) ثم يرد عليه واني اقف عند حديثه عن المرحوم علي نور شاعر المؤتمر اذ حين وقف العملاق تلا أبيات علي نور :
    قالوا جبنت من الجلي وا عرفوا
    مكان من خطبوا فيها ومن مهروا
    اجبن الحق ان الحق منتصر
    ام يجبن العلم ان العلم مزدهر
    اخي القارئ
    اني اكتب من الذاكرة وما بقى فيها الا هذين البيتين والكثير تسلل منها قال وهو يخاطبه (جئت والنيل فيها جد معتكر والجو السياسي ايضا معتكر) ولكن اقدامك لها مما تفخر به ووقف العملاق معلقا على بعض الكلمات قال لاحدهم ان صاحبها لايزال طفلا في السياسة يقيس حبه لي عندما كنت انتمي للحزب الذي يحبه !! (الوفد المصري) وينقلب الحب إلى كراهة لان العقاد انسلخ منه !! السياسة ليس فيها الحب وفيها الكراهة – انما فيها (الحق) يدافع عنه محبوه مهما كانت قوة المعارضين اغلبية ميكانيكية كصاحب الحب والكراهة – ونقطة اخرى للشاعر علي نور ليست الهجرة مما تدخل في بند الخوف والشجاعة – فهجرة اعظم نبي من بلدته التي يحبها ولا يقوى على فراقها لولا ان أهلها ماعادوا ليستمعوا إلى صوت الحق !! الديمقراطية هي التي بقيت النار التي يقود الذين يؤمنون .. ازود عنها فان عزتكم حاربتم من اوغنده – من جنوب افريقيا – من القطب الجنوبي واموت وعلمها في يدي بعد ان يقطعها الفاشست لحظتها – درس عظيم لن ينسى في الدفاع عن الرأى .
    أخي القارئ
    واسمعه الاستاذ الكبير محمود الفضلي قصيدة من قصائده بالانشاد الرائع لمحمود (ابعدا ترجي ام ترجي لقائيا) ان لم تخني الذاكرة واستمع إلى الفنان العظيم المرحوم اسماعيل عبد المعين ( يا نديم الصبوات) كما غنت له في مصر الفنانة نادرة من قصائده ولايملك المتابع للنهضة في مصر انصراف الفنانة الكبيرة ام كلثوم عن اشعار العقائد – فما غنت له ابدا وقد ذكر ذلك الاستاذ انيس منصور في كتابه القيم ( في صالون العقاد).
    اخي القارئ قبل ان استرسل قفزت الى القلم القصيدة وبيت الشاعر :
    ليال وصال ان نفذ عادت المنى
    والا فقد عشنا بها زمنا رغدا
    وكأنما اراد الشاعر لاضع القلم بعد ان اشكر جريدة الايام التي رجعت بنا إلى الذكريات الخوالي ؟


    http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147503713
                  

11-16-2008, 01:10 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    الرد على أستاذ أمين حسن عمر

    (2 من 5)

    بؤس فكرإنتلجنسيا الحركة الإسلامية الرثّ: عقود انحطاط وإعادة إنتاج الشمولية

    أُمثولة استاذ أمين حسن عمر مثقف الحركة الإسلامية العضوى

    ونخب اُخرى

    خطاب الحركة الإسلامية: فراغ واسع ينطوى عليه الفكر

    الفاضل الهاشمى/كندا
    [email protected]

    أشرنا أعلاه الى الفراغ الواسع الذى ينطوى عليه فكر الحركة الإسلامية وليس فقط "طلاق الفكر عن الممارسة " و"الإزراء بالمفكرومصطلحه" داخل الحركة الإسلامية الذى أشار اليه دكتورع.ع. ابراهيم [1].

    تؤكد مسعانا على أرض الواقع السودانى شهادة د. عبدالوهاب الأفندى كإسلامى يتعامل مع مشروع الحداثة الراسمالية بمنطق تفاوضى رغم أنه كان يغازل شمس الحركة الإسلامية السودانية الغاربة حتى صيف 1996. يقول الأفندى أن "الغالب على أفراد الطبقة الحاكمة" فى السودان "كان البعد عن امور الفكر واعتبارها شأناً انصرافياً فى مقابل الإهتمام بمنطق القوة والتغالب [2]" وقد صدق د. التجانى عبدالقادر (الذى لجأ مؤخراً الى استخدام خطاب ماركسى تبسيطى لتحليل مآل الحركة الإسلامية النيولبرالية فى السودان؛ وليتنى أعود الى ذلك فى براح آخر) حين أكّد أن ضآلة "المفكر" فى الحركة الإسلامية قد بلغت "حداً قال فيه أحد الأوفياء الخُلّص للترابى، ان عيب الترابى أنه لا يدع الترابى المفكر يتدخل فى شئون الترابى السياسى" [3]

    ويقع فى دائرة مزاعمنا ماتوصّل اليه الأمريكى الأسود عبدو مالكم سيمنون أن الحركة الإسلامية "تعانى من عشوائية تلبستها ولا برء لها منه. وعرّف هذه العشوائية بأنها تحويل أجندة سياسية لا معنى لها الى نظريات متفائلة لإدارة التطور الإجتماعى" [4]

    يدّعى حسن الترابى رشاد الطريق الدينى (خارج اطار خاصة الفرد المسلم) للعدالة الإجتماعية ويُعلى تفوق الإسلام السياسى على سائر المدارس الفكرية و"يجعل من واجب التفكّر وممارسة الدين مشروعاً شعبياً مفتوحاً بدلا عن قصره على مجرد الخاصة الصفوية"[5]. وعلى هذا النهج سار تلاميذه التجانى عبدالقادر وعبدالوهاب الأفندى والطيب زين العابدين كونهم يدّعون مصداقية وعقلانية ويحاولون عبثاً إعادة الحركة الإسلامية الى جادة الطريق القويم. وفى مشهد مقارب يطرح د. ع.ع. ابراهيم تعميماً مُربكاً ومُبهماً عن أمّة مسلمة مبرأة من الضلال فى قوله: "أمة المسلمين- التى هى فى قوله (صلى الله عليه وسلم) لا تجتمع على ضلال – لها الكلمة الأخيرة فى التشريع عبر هيئاتها الشورية" [6].

    أحد مزاعمى فى هذه الورقة هو أن الحركة الإسلامية لن تستطيع صبراً على دولة المواطنة التى فرضها أمر نيفاشا الواقع ومستحقاتها. وسيظل تطبيق دولة المواطنة (حاكمية الشعب) والديموقراطية(حكم الأغلبية) ودعوة بعض الإسلاميين لقيام "المعرفة على فقه شعبوى تكون فيه أمة المسلمين مصدرا للشريعة" [7] هو حلم الحركة الإسلامية العصى والإشكالى ازاء المشروع الحداثى وعالم التنوّع والذى دونه سطوة مركزية راس المال والنفوذ وإرث ولاية الفقيه(والمشيخة الدينية) وسلطاتها المطلقة على العلماء والجماهير.

    حزمة الخطاب المنفصم: مفهوم نقدى زائف ومكائد ذهنية ولفظية ثم بيع سلع ثقافية بائرة

    تعكس ورقة أستاذ أ.ح.عمر بوضوح المستوى الفكرى والسياسى لأحد قادة ماأطلق عليه إسم "الحركة الإسلامية" امتداداً لأسمائها العديدة السابقة(جبهة الميثاق، الأخوان المسلمين، الجبهة الاسلامية القومية، الإنقاذ، حزب المؤتمرالوطنى). سنتناول أدب مفكرى الحركة السابقين حتى نصور حركة منهجها وخطاباتها. التصدّى لتحليل فكر الأخوان المسلمين مهمة هرقلية مضنية لأن المتابعة تسوق الإنسان عبر مغالطات ومفاهيم غامضة وهلامية ولاعقلانية وترديد تبريرات تعوزها المصداقية والأمانة مع النفس. انه فكر لا يبشّر بالثورة بل يهدّد بها فى عبارة نسبها د. ع.ع. ابراهيم الى مزاج حسن الترابى[8]. عشمى أن يصبح هذا التمرين ذا فائدة لمن يلق السمع وهو شهيد. تغيير إسم التنظيم فى العقود الستة الماضية فى حد ذاته يعكس مستويين من العقل الذى تتناول به الحركة الإسلامية السودانية الإشكالات التى تعترض طريقها: مستوى الإفراط الإيدولوجى فى توظيف فقه الضرورة لإنجاز "مكاسب سياسية وتنظيمية على حساب المبادئ والمواقف"، وأضيف على حساب احترام الذات، كما عبرعنه بوضوح د.عبدالوهاب الأفندى وهو يصف سلوك حسن الترابى[9] ومستوى آخر يتعلق بإفتراض انهم يتعاملون مع شعب فاقد الذاكرة ثم يستثمرون ذلك النسيان. لكن الجديد فى خطاب حركة الأخوان المسلمين الآن، والذى لايخفى على قارئ مقال استاذ أ.ح.عمر، هو إعادة إنتاج الشمولية بأشكال جديدة تناسب مرحلة مابعد نيفاشا.

    إحترتُ مليّاً من أىّ المداخل المنهجية أعالج مقال أستاذ أ.ح.عمر الذى تمّ إخراجه وكأنه يصطحب جميع حقول المعرفة،ثم لا حقل. طرح بلاغى وخطابى أكثر منه تحرّى للصدق والمصداقية. وهويستخدم،بحسب فيليب بروتون، تقنية الاستغلال والهيمنة من خلال القول.إن قوة الكلام ينبغي أن تكون في الصدق وليس في الزخرف البلاغي والتلفيق مما ليس مرعياً على الإطلاق في ديمقراطياتنا الحاضرة [10].

    ورقة أ.ح.عمر بالنسبة لى تجسّيد لكل مشهد إلا الصدق مع النفس وهو يدخل فى باب البداهة التى تقوم على الوهم

    fictional axiomatization

    لأنها تستعرض جميع مكائد الأدلجة الفقهية والإقتصادية والصحافية المبتذلة لغاية مكر الذهن العربسلامىٍ. يسعى أستاذ أ.ح. عمر بعصابية دؤوبة لتحييد السياق التاريخى للواقع السودانى البائس الماثل الذى صنعته أيادى الحركة الإسلامية الأخطبوطية المُذنبة. وفى سعيه هذا يتخلّق واقع زائف يصنعه بذهن ماكر،تعوّد التحليق فى سماوات ايدولوجية اللاعقلانية وسلطتها الباطشة. هدف البداهة الواهمة أن تبدو بمظهر العقلانية والمنطق ومَنْ ثمّ تشويه مفاهيم وأسئلة تقع فى حقول الفلسفة وعلم الإجتماع والإقتصاد السياسى حسب موقع المتلقّى الذى هدّت جسده المُستَضْعف سياسات الإنقاذ وحطّت على روحه الهائمة أشباح السهو والذهول. لعلّه ينفى بذلك،فى سياق البؤس السودانى المعاصر، بداهة الظلم الطويل المركّب الواقع على شعب السودان منذ أن سطت الحركة على السلطة.

    صناعة القبول والتراضى

    Manufacturing of consent

    نُصَنّف الورقة ،فى أحد وجوهها، فى باب صناعة القبول والتراضى، باستلاف عبارة نعوم تشومسكى،كخطاب يردده مثقفوالحركة الإسلامية (الإسلام السياسى) العضويون حمَلَة وظيفة الهيمنة حتى يمشى الركبان بالخطاب خاصة فى زمن ضعف المقاومة وقلّة حيلتها. فقد إختار النظام الديكتاتورى لنفسه اسم "الإنقاذ" أى إنقاذ المجتمع السودانى من البؤس والرشوة والفساد، ثم ردّد قياديوه إسمه الجديد "الإنقاذ" حتى صدّقوه ثم حملته ألسنة الشعب. وللمفارقة تبنته قيادة المعارضة! كما رددت الحركة الإسلامية فيما بعد شعار "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" الذى سرعان ما إنزوى واُستبدل بآخر يحسبه الظمآن ماء.

    كانت المقاومة على أيام نميرى تطلق عليه عبارة الحاكم الفرد والسفاح فإلتصقت به العبارة كإلتصاق الجرَب بالجلد ونعجب كيف نجا عمر حسن البشير من هكذا عبارة. وعلى نفس المنوال تتخلّق الآن على يدىْ أستاذ أ. ح. عمر عبارة "الحركة الإسلامية" بدل "الإنقاذ" لما لها من قوة وبريق آيدولوجى إقصائى محسوب وكأنه يتحدث بإسم مجمل الحركة الإسلامية السودانية من صوفية وأنصار وختمية وأنصار سنة الخ. ولذلك وردت عبارة "الحركة الإسلامية" فى هذه الورقة 39 مرة على سبيل غسيل المخ حتى يترسّخ التعبير ويمشى به الركبان وفق مرحلة إنتقالية يعيدون فيها انتاج الشمولية تماشيا مع فقه ضرورة المراحل. فى تحليلنا للخطاب نستهدف "جمع الأفكار الواردة واحتسابها وتسلسلها حسب أهميتها وتكرارها، على أساس أن التكرار يؤدى اما الى ترسيخ فكرة جديدة أو إحلال فكرة مكان اخرى أو امحاء فكرة محددة [11]" وهذه الخاصية،خاصية التكرار، ميّزت خطابات الحركة منذ نشأتها وهى تتخبط عبر المراحل كون فكرها يفتقد الأصالة والأصولية (عكس الزعم الشائع فى خطاب الإعلام الغربى) ومشبّع بالوصولية.

    يلعب أستاذ أ. ح. عمر دور منظّر يصوغ رؤية ثم هيكل نظرى/فكرى كخارطة طريق للمرحلة الإنتقالية القادمة (التمكين الديمقراطى) وقد وضع له محاور استراتيجية ذات عماد وأوتاد وعلى بقية المثقفين الإسلاميين العضويين والكتبة وضع اللحم على عظام الهيكل النظرى. ولكن يأبى المشروع أن يقف على رجلين لبؤس منهجه وعدم مصداقيتة. ذلك لان المشروع يدّعى شرف المستقبل وينكر تُهمة ماضٍ دموى قريب لم تجف بعد دماء ملايين من ضحاياه الموتى ودموع ضحاياه الأحياء المعوّقين فى اجسادهم وارواحهم. وكشأن ملوك بوربون الفرنسيين،الذين لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً ،إدّعى أستاذ أ. ح. عمر شرف "المرجعية الإسلامية" ورفع عقيرته بتهاليل نصرتها الزاعقة المتشنجة وأنكر تهمة عواقبها القياموية الماثلة على عتبة كل بيت سودانى ببداهة متوهمة لا يحسد عليها. فقد قال أستاذ أ. ح. عمر مهلّلاً:

    "الإسلام قد صار وحده هو المرجعية التي يحيل إليها العلمانيون عند محاكمة كسب الدولة أو الحركة الإسلامية. وهذا هو النجاح الأكبر للحركة الإسلامية. لأن مطلوبها الأعظم كان هو عودة التحاكم للإسلام واعتماده المرجعية الأساس لقياس كسب الفرد أو المجتمع أو الدولة"

    دعنا نفترض جزافا إن هذا الزعم سليم(ولكن العكس هو الحاصل على مستوى الجماهير وحقائق الواقع)؛ أىْ زعم أن التحاكم للإسلام وإعتماده مرجعية هو غاية المراد وهو فعلاً ماحدث. هذا ليس بجديد، فقد تم إعتماد مرجعية الإسلام فى إحد أزهى عصوره مما لم يمنعه من تقديم أبشع نماذجه. لقد تم "التحاكم للإسلام واعتماده المرجعية الأساس لقياس كسب الفرد أو المجتمع أو الدولة" حينما عذّب الخليفة العباسى أبوجعفر المنصور الإمام أبى حنيفة والإمام مالك مقياس لنجاح الدولة الإسلامية؟ فقد أمر أبو جعفربضرب أبى حنيفة (ثمانين سوطاً) لأنه رفض أن يتولّى له القضاء وضرب الإمام مالك بن أنس (ثمانين سوطاً) لأنه أفتى بجواز خروج محمد بن عبدالله العلوى عليه. ألم يكن تعذيبه لهما داخل المرجعيّة الإسلامية؟

    ثم من أوحى لأستاذ أ. ح. عمر بأن مرجعية التقدميين فى تفكيك بؤس الإسلام السياسى هى مرجعية إسلامية بحتة؟ ومابالك بمرجعية خالدة ومقدّسة عندكم تُزلزل منكم الفكر وتطبيقه وليس لكم منها فكاك؟ هى مرجعية تبعية الحركة الإسلامية للراسمالية ونيولبراليتها التى أصبحت مرجعيتكم المقدسة بل وقبلتكم الوحيدة؟ وليتك اخفيت سعادتك العجولة بهذه المرجعية التى كيّكتُم فيها حتى باضت منهج الإقصاء وسياسات الإستبعاد وباقى تفاصيل الجريمة المرعبة. ذلك لأن التاريخ العربى المعاصر أثبت أنه متى تم إستخدام التقدميين للمرجعية الدينية ترغى الأصولية وتزبد وتتحسّس طبنجاتها كما تحكى تراجيديا شهداء المرجعية:حسين مروة ومهدى عامل والأستاذ محمود محمد طه وجورج حاوى.

    ثم أن العودة للمرجعية الإسلامية والأصول نزل على المجتمع بالساحق والماحق والبلاء المتلاحق كما فى العراق وحين "أصبح الدين هو المرجعية انقسم المجتمع الى سنى وشيعى،ثم سنى وهابى ,وآخر غير ذلك، ثم انقسم الى سنى مالكى وآخر شافعى وثالث حنبلى ورابع حنفى، هذا فضلاً عن الإنقسام الشيعى بين العلوى والإسماعيلى والإثنى عشرية وغير ذلك، ومعنى ذلك هوأن تحل صراعات مصطنعة محل الصراع الطبقى المعبر عن مصالح حقيقية وهذا هو بالضبط المشروع الإستعمارى، وهو نفسه مشروع صراع الحضارات[12] "

    وعلى ذكر المرجعية نتساءل إزاء تلك الورطة التى انحشر فيها دعاة الشريعة "كيف يمكن للفقيه ان يستنتج فى نهاية عملية تقييم وبحث تجريبية تماما للوقائع والنصوص (الدينية) التى تحت يديه، أن ماانتهى اليه من نتائج يمثل مرجعية إلهية فوق بشرية[13] "؟ وعلى كل حال فان المرجعية الإسلامية فى نهاية المطاف ليست هى الا الفهم الإنسانى للنصوص الإلهية لفلان أو علان أو المجتمع المحدد وأن حكومة الحركة الإسلامية سعت الى إضفاء الشرعية على سلطتها عبر "توظيف اطارها المرجعى الإسلامى[14]" بقوة السلاح. لو كنت مكان استاذ أ.ح.عمر لما أعلنت فرحى بتلك المرجعية كثيرة الإشكاليات حيث لاجدوى لإطار مرجعى تعادى مضامينه الحداثة.

    خطاب الإقتصاد الإسلامى النيولبرالى

    ينكر الإسلاميون مرجعيتهم الغربية وأحياناً يسبّون ثقافتها النيولبرالية و"ماأضرّ الحركة الإسلامية شيء مثل انكارها ثقافة الغرب ومناهجه التى هى فى صلب مرجعيتها. فقد غلب عليها هذا الإرث مع انها ظلت تتكتمه وتصور الأمر لنفسها وكأنها النقيض له بل ان مشروعيتها نفسها فى أن تكون النقيض لهذا الفكر الوافد المسيحى الإستعمارى. وقد كشف تورط الحركة الإسلامية فى الحكم فى دولة الإنقاذ أنه ليس بوسعها أن تغالب الإعتراف بمرجعيتها الغربية لأطول مما فعلت"[15]

    وقد قال د. ع.ع.ابراهيم أيضا بلسان حسن مكى "أن الحركة الإسلامية لم تستنبط برنامجا حضارياً اسلامياً بديلا لما تواضع عليه الغرب لبؤس عدتها الفكرية[16] "

    أما أستاذ أ.ح.عمر فيغلظ القول والمفهوم كمايلى:

    "وفي هذا النسق (نسق تعديل القوانين والغائها) تم إلغاء القوانين الخاصة بتنظيم التجارة . وأعيدت صياغتها مراعاة لمنهج الدولة في تحرير الإقتصاد من هيمنة الدولة . وبسطاً لحرية التجارة ومنعاً لنوازع الإحتكار الضار" (قانون تشجيع الاستثمار 1990وقانون تنظيم التجارة 1994م)" (التخطيط من عندى)

    من أول مهام وثيقة الإستراتيجية القومية الشاملة هو "الانتقال بالاقتصاد السوداني الي مرحلة التحرير الإقتصادي المتكامل وفك قيود الإدارية والإجرائية في كافة مفاصلة وتحرير قوي السوق وإطلاقها لدفع مسيرة الإقتصاد" ويقول أن النظام المصرفى السودانى "مربوط بمنهجية الفكر الاقتصادي الاسلامي وسياسات التحرير الاقتصادي" الغربى. الى أن يظهر السبب ويبطل العجب ب "دور النجاح الاقتصادي الذي مثلت فيه سياسات التحرير رأس الرمح في تثبيت دعائم النظام السياسي منذ 1989م" . لاريب فقد ارتبطت مسيرة التحرير الاقتصادي عموماً ببرامج الإصلاح والتكيف الهيكلي الغربى.

    اذن تصبح القسمات المميّزة للإقتصاد الإسلامى،حسب غليظ منهجه، هى:

    أولاً: بسط حرية التجارة وإلغاء القوانين الخاصة بتنظيمها.

    ثانياً: تحرير الإقتصاد من هيمنة الدولة وتطبيق برامج الإصلاح والتكيف الهيكلي الفروضة من مؤسسات الغرب.

    هذا هو جوهر منهج وفكر وبرنامج الراسمالية النيولبرالية الإمبريالية فى أبشع مدارسها محافظةً (من الريغانية والتاتشرية الى جورج دبليو بوش وساركوزى الفرنسى وستيف هاربرالكندى). وفى هذا المنعطف ينزوى خطاب العدالة الإجتماعية والتكافل خجولاً دون حِراك.

    تطابق الحركة الإسلامية مع امبريالية النيولبرالية يبدو فى افضح تجلياته فى السوشيو-اقتصادى:

    أولا: فى دفاع الحركة الإسلامية عن الطبيعة المقدسة للملكية.

    ثانياً: انه يجيز عدم المساواة وكل متطلبات اعادة الأنتاج الراسمالى. وتشهد على ذلك عشرات القوانين النيولبرالية التى تفتخر بها الحركة الإسلامية السودانية منها قانون بنك السودان وقانون تنظيم التجارة وقانون الزكاة الخ.

    ثالثاً: التخلى عن المنظور المعادى للإمبريالية واستبداله بالموقف المعادى للغرب المسيحى الذى يستثمرالإسلاموفوبيا(كره الإسلام) التى تعطيه مصداقية لخطابه المعادى للغرب.

    ويجدر الحديث هنا عن اسلام يعادى الإمبريالية سياسياً، رغم انه رجعى اجتماعياً (ايران وحماس وحزب الله).

    زبدة القول هنا ان تعلّق الشعوب بالقناعات الدينية لا يقود بالفطرة الى امبريالية وكذلك الإسلام السياسى ،عموماً،ليس بالفطرة ظلامى ولكن مصالح الطبقات المحلية والتحالفات الإمبريالية هى التى أنتجت صيغ الإسلام السياسى المتحالف مع الغرب فى السودان والسعودية (وحماس حين كانت تنعم بشهر عسل مع اسرائيل لضرب التيارات الديمقراطية والعلمانية فى المقاومة الفلسطينية)

    لايغيب على منطقنا العام ان تعاليم الشرع ضد الإستغلال هى حصيلة لصراع الإنسان ضد الظلم وان نفس التعاليم يوظفها طغاة متسلطون لتبريرادارتهم لتراكم راس المال ومستوى تطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج.

    وهنا يبدو فكر الحركة الإسلامية راسمالياً غربياً ونيولبرالياً قُحّاً دون أن يتستّر بنص مقدّس يسترعورته.

    ويصبح خطاب المثقف الاسلامى (وليس المثقف المسلم لأننا جميعاً مسلمين) الأيدولوجى عارٍ من حديث وآية تمنحه القداسة والطمأنينة الّا من "منهج تحرير الإقتصاد من هيمنة الدولة" النيولبرالية وروشتة البنك الدولى والصندوق. وهكذا لم يخرج النظام الإقتصادى الإسلامى من النظام الراسماللا قيد انملة.

    أما ماتحته خط من عبارته " ومنعاً لنوازع الإحتكار الضار وتنظيماً للأسعار السلعية" فهومن شاكلة نشيد "الثورة الحرية الحمراء شمس لا تغيب" والتى انبعثت من مايكرفون جامع البركس وهم من نسيج آيدولوجية تغبيش وتعمية طفولية.

    كان ذلك هو فكر الراسمالية وتطبيقها الذى أفرز أمراضها. حينها لجأ الأنبياء الكذبة الى الزكاة كوصفة اسلامية العنوان والى مشروع تسويقى جديد يلهوننا به هو فكرة منظمات المجتمع المدنى (من شاكلة جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصندوق دعم الطلاب ومؤسسة الشهيد الخ) التى تتنزّل وكأنها ليلة القدْر بكل أمرِ سلامٌ وكأنها ستخفّف أمراض النيولبرالية التى كرّسوها. وتقول البداهة الدرامية: حين يبلغ شهرزاد الصباح يتم رتق قَدْ شملة كنيزة الرباعى وتتولّى الحدود ونيران الجيش والجنجويد فى معسكرات كلمه وزمزم معالجة الشرخ الإجتماعى والنفسى المبين.

    دأبت قيادات تنظيمات الإسلام السياسى منذ نعومة أظفارها على ركوب كل السروج المدبّبة والناعمة لذا لم يشذ أستاذ أ. ح. عمرعن تلك القاعدة حين سبّ (فى ظاهرتوطئته): "هيمنة مناخ تسيطر عليه الثقافة الغربية التي لا ترى في أية محاولة لمفارقة توجهاتها وخياراتها إلا ضلالاً وجهداً مضيعاً" ولكنه سوّد جميع الصفحات الأخرى مسبّحاً بحمد الفكر النيولبرالى وتطبيقات خصخصته كما سنرى (مثلا: قانون تنظيم التجارة1994 وقانون المصارف 1991)!!

    فهو ركّاب ثلاثة سروج: يصلى خلف على ويأكل مع معاوية ويلعنهما مع الخوارج.

    تمثّل "الحركة الإسلامية" سياسياً شريحة عظمى من الراسمالية السودانية المعاصرة وقد ساقتها عنوة فى درب آلامها نحو التبعيّة الإقتصادية النيولبرالية وتحالفت مع راس المال المالى العربى والإسلامى. والأخيرساعد جماعة الإسلام السياسى فى السودان على فرملة قوى النهضة الوطنية السودانية ونصرتها فى هجمتها الهمجية الآن على عموم أهل الضواحى السودانية بدون فرز. ولذلك يصبح حديث أستاذ أ. ح. عمر عن دور"الحركة الإسلامية" فى قيادة نهضة اجتماعية واقتصادية وثقافية وعدالة اجتماعية وتكافل اجتماعى لا محل له من الإعراب ولغو من لايختشى.

    اذا كان ذلك كذلك فان مقاربة أستاذ أ. ح. عمر لاتخرج عن كونها مشهد من مشاهد التجسير الإصلاحى للراسمالية الإسلامية من مرحلة النهب البدائى والصريح للقطاع العام (الرشوة والفساد والقمع والعنف) الى نهب الراسمالية وآيدولوجيتها المعاصرة أو هكذا يحلم المنظرأ.ح.عمر بطريق ملَكَى بعد عبور الجِسر، جسرنيفاشا المؤدى الى انتخابات سرجى مرجى. كلما اتامّل الجسر الرابط بين ضفة (التراكم البدائى الراسمالى فى أمريكا من استرقاق الزنوج وقمعهم وابادة السكان الأصليين) وضفة اللبرالية بذهبها ومعادنها يبدو لى التناقض على أشدّه مع سودان حركة إسلامية طفيلية ضالعة بين بربرية الإسترقاق وإرثها (وبدائية حروب الجنوب وجبال النوبة ودارفور والمذابح الإبادية وتهجيرالشعوب وقمع قوى النهضة فى الوسط) وبين اكتشاف البترول والذهب. ومثلما قال سمير امين فان الإستغلال المطلق يحتاج الى ايدولوجيا مطلقة لتبريره وتمريره فكانت آيدولوجيا وديماجوجيا العربسلامية تحرسها الأنتونوف والملوتوف ودفاع الجنجويد الشعبى.

    عبثاً يحاول أستاذ أ. ح. عمر فى مقالته ،وهو ينعم بدعاش الإستوزار والأكاديميا الآنى، إخفاء عمامة ودالبلد الرابض بين شوفينية المركزية الإثنية وغلواء التطرّف الإسلامى. وبين سطور الخطاب الذى يتجمّل بالفصحى لاتخفى على القارئ مشاهد دراما يحى بولاد وعلى الحاج وخليل ابراهيم (وفى تخوم الجنوب عرضوا ألف دراما ومشهد) على خلفيّة مسرح بِنية نفوذه وموارده وهذا أمر نخشى ألّا يسوق الضحية والجلاد معاً ليوم كريهة وضياع ثغرعزة وهذا متروك للرواة.

    ولأن يدا أستاذ أ. ح. عمر صُفرٌ (حتى لانقول مضرّجتان بالأحمر) من المصداقية والأمانة أتى مفهوم نقده الذاتى للحركة الإسلامية ،أصالة عن نفسه ونيابة عنها، ملتوياً وخادعاً.

    خطاب صناعة الزيف والوهم:

    أولا: النهضة الحضارية الشاملة

    يقول الأستاذ أ. ح. عمر بقوة عين عن نهضة حضارية وعن سماحة و"أُسس دستورية" لا وجود لها وكأنما لم تكتب تلك المراسيم الدستورية تحت زخات الرصاص وبحار الدم أوكأنها كُتبت فى الساحات الشعبية بعيدا عن الغرف المغلقة جيّدة التكييف. أو كأنما كانت حرية اتخاذ القراروبسط المساواة والعدالة عناصرمكونة لتلك الحضارة الشاملة.

    لم يتبرّع أستاذ أ. ح. عمر بتعريف النهضة الحضارية الشاملة التى ينشدها وافترض أن نسلّم جدلاً بعدلها الإجتماعى ومساواتها. ليته أقرّ بأن عمادها هو "الرؤية الوسطية التى اعتمدتها الحركة الإسلامية" كوسط حسابى بين النيولبرالية الغربية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية (وقيل الثقافية) وبين إستبداد الشرق وتفسّخ حضاراته. لعلّ محصّلة هذا الوسط الحسابى هى النيولبرالية والتى تتشبّع بها رؤيته هنا من خصخصة مؤسسات القطاع العام والتعليم والصحة بإستثناء ميزانية السيف (الأمن والدفاع والمخصصات السيادية). تلك هى لحمة وسداة مشروع النهضة الحضارية الذى بشّرنا به أستاذ أ. ح. عمر "دورة جديدة من دورات الحضارة الإسلامية تكون لها الريادة الحضارية بإذن الله في عالم تكاثرت فيه أزمات الحضارة الغالبة حتى تكاد تؤدي بالإنسانية جمعاء إلى هلاك مبين" والمنجّم وحده يدرى كيف تسلس لها "الريادة الحضارية" وهى تابعة ذليلة لا عِلم كسبت ولاتقنية.

    ياترى ماهى فصول دورات الحضارة الإسلامية القديمة ومقوّماتها وماهى عناصر الدورة الإسلامية الجديدة؟ هل سينطلى ذلك على 95% من الشعب السودانى الرازحين تحت خط الفقر أو خارج التاريخ الإنسانى مِن مَن جوّعتموهم/ن وشردتوهم/ن وأغميتم عليهم/ن وأدخلتم فى قلوبهم/ن الرعب وفى أحشائهم/ن المرض والمسغبة من أجل برنامج الحضارة النيولبرالية الغربية العالمية "الغالبة" التى كادت أن "تؤدي بالإنسانية جمعاء إلى هلاك مبين"؟

    الحضارة الشاملة التى يتوعّدنا بها أستاذ أ. ح. عمر هى حضارة غربية وفلسفتها "التى لا جدال حولها هي فلسفة التطور(الراسمالى) التي لا بقاء فيه لضعيف إلا تحت سطوة القوى الغلاب" (الأهلّة من عندى) وتمارس الحركة الإسلامية الآن تلك السطوة غِلاباً وقهراً تماماً مثل سلطة الغرب.

    ثانيا:قدوة التعليم والدعوة والتعبئة والتوعية

    ويمضى الأستاذ أ. ح. عمر داعياً الى ترسيخ قيم "الدعوة من خلال اقامة القدوة والأنموذج".

    ويستمر فى المغالطة: "وليس مثل التعليم والدعوة والتعبئة والتوعية شيء في إحداث هذا الحراك الـمفضى إلى وعي جديد وتطلعات جديدة"

    وبحسب هذا المنطق كان حريّاً بالحركة أن تبدأ بهذه الأبجديات والقيم وأنشطة ال" التعليم والدعوة والتعبئة والتوعية " بصبربدلاً عن فوهات البنادق. هذا كذب ونفاق لا أكل ولا شرب. لقد تستّرالغول الإسلاموى بضباب قباب "القدوة والأنموذج" وأضرحتها - ماأكثرها - فاستفحلت رشوة وفساد واحتكار مال وشركات ونفوذ.

    ثالثاً: منهج الأخلاق فى فلسفة التخطيط الإجتماعي والإستراتيجية القومية الشاملة

    تأمّلوا معى هذا الإقتطاف الطويل:

    "ولا شك ان استخدام وسائل السلطة في انفصال عن وسائل الدعوة والتعليم والاقناع لا يجدي إلا نفعاً قليلاً فإستراتيجية التخطيط الإجتماعي المستند إلى الدولة هي استراتيجية تأثيرية أي أنها تكتفي برسم المقاصد وتشير إلى الوسائل . وتسعى من خلال التشريعات لإزالة المعوقات . ولكن المسعى الرئيس لأحداث تغيير في المجتمع إنما هي المسعى الطوعي الدعوي . ذلك لأن الاعتماد على القوة والتفويض وحدهما لا يأتي بالنتائج المرجوة. لأن القوة قد يساء استخدامها فتصير سبباً للقسر والإكراه . والتفويض مهما كانت صورته يكون نسبياً ، حده الكافي لمنح الشرعية إعتباطي وعرفي ولا يمكن ضبطه على وجه الدقة ، فضلاً عن أن التفويض يمكن ان يستخدم في كثير من الأحيان ضد الأغراض التي من أجلها منح. والمنهج الأمثل الذي تتوخاه استراتيجية الاخلاق والرقي الاجتماعي هو ذلك الذي يقوم على المعايير الاخلاقية الثابتة الشاملة [17]. وهذه المؤشرات التي نشأت بموجبها وزارة التخطيط الإجتماعي"

    أستوقفكم/ن لتأمّل عينة من تلك"المعايير الأخلاقية الثابتة الشاملة" التى يحبّرنا بها الأستاذ كأن تُحمى المؤسسات الإسلامية والعاملين عليها وأعضاء مجالس اداراتها بنص القانون وتعفى أموالها من جميع أنواع الضرائب ثم: "إعفاء مرتبات وأجور ومكافئات ومعاشات العاملين وأعضاء مجالس الإدارات والتمتع بأي إعفاءات أو إمتيازات منصوص عليها في أي قانون آخر. ولا يجوز مصادرة أموالها أو تأميم أو فرض الحراسة أو الاستيلاء عليها؛ ولا تنطبق عليها القوانين التالية:القوانين المنظمة للخدمة و فوائد ما بعد الخدمة،وقانون ديوان المراجع العام لسنة 1970، أوأى قانون آخر يحل محلّه [18]" حتى تخزّن العيوش والغذاء الأساسى عن فقراء المسلمين والمسلمات وتحيل كل أيامهم/ن قمطريرا ، ثم تنشئ لهم/ن وزارات الإحسان ليستجدوا الفتات وهم صاغرون وهن صاغرات. وتأتى الخطاب زلقاً ماكراً من شاكلة: "لأن القوة قد يساء استخدامها فتصير سبباً للقسر والإكراه" !! (كل تخطيط فى هذه الورقة من عندى)

    كنا سنحمدّ للأستاذ أ ح عمر أن يقول: قد أساءت الحركة الأسلامية فى السودان استخدام القوة وصارت سبباً للقسر والإكراه ولذا لزم علىّ الوقفة مع النفس وإنتقادها. وبهذا أقدم استقالتى من وظيفتى الوزارية حتى يعتدل الأمر؛ ولكنه قال "القوة قد يساء استخدامها فتصير سبباً للقسر والإكراه" فجرح مصداقيته باستعمال حرف التخفيف "قد" بمعنى "ربما" ثم بنى فعله للمجهول وهو يعرف تماماً مثل جوع بطنه التى نسيت الجوع ان القوة قد ساء استعمالها فى الماضى (وكذا الحاضر) فصارت سبباً للقسر والإكراه.

    أنظر الى العبارات التى جرى بها قلمه دون أن يرمش له طرف: "الدعوة والتعليم والاقناع" و "المسعى الطوعي الدعوي" وانّ "الاعتماد على القوة والتفويض وحدهما لا يأتي بالنتائج المرجوة" وإن "المنهج الأمثل الذي تتوخاه استراتيجية الاخلاق والرقي الاجتماعي هو ذلك الذي يقوم على المعايير الاخلاقية الثابتة الشاملة"

    وهكذا يدخلنا الكاتب فى "غلّوتية" الخطاب. وهو يعكس مراد آية الخطاب فى القرآن الكريم (وشددنا مُلكه) ولم نؤته الحكمة ولافصل الخطابز ثم يصدق عليه قول ماركس وانجلز فى الآيدولوجيا الألمانية "إن انتاج الخطاب فى كل مجتمع يخضع لرقابه ولاصطفاء ولتنظيم ومن ثم لاعادة توزيع وفقا لتدابيرتهدف الى تحاشى سلطة و أخطار الخطاب واستبعاد اثر الاحداث عليه وتجنب ماديته الثقيلة" (راجع تعريفاتنا للخطاب فى الورقة)

    توصّل منهج أ. ح. عمر الى أن مطلوب الحركة الإسلامية هو ليس هندسة المجتمع او صياغته عبر السلطان والسلطة بل عبر "مجتمع مدنى" ؟؟ هل هذا هو خطاب الحركة التمكينى الجديد ولُب برنامجها الإنتخابى بعد أن إحتكرت أخضرالموارد الدنيوية وأسْودها من فوم وزيت وبترول وذهب؟ ً

    ذهب أ.ح.عمر منهجياً الى سََوْق مجموعة من الإقتطافات الأكاديمية التبريرية المجافية للواقع لتسويق مبتغاه وهو يقتطف من د. الترابي ( الحركة الإسلامية في السودان) وسيد الخطيب(صنع التغيير) و"الإستراتيجية القومية الشاملة" ومراسيمها الشمولية الشاملة.

    وهل سنشترى مثل نفاقه البائن كون "هدف تلك الإستراتيجية هو الرقي الاجتماعي ليكون السودان خير مجتمعات العالم النامي ديناً وخلقاً وثقافة ومعاشاً وبيئة وان يكون المجتمع مستقلاً عن السلطة في معظم حاجاته وسابقاً لها في مبادراته. فالمجتمع عبر الوسائل الطوعية هو الذي تراه الحركة الإسلامية على كرسي القيادة"؟

    لايعترينا مثقال ذرة من شك،بالدليل التفصيلى والظرفى والواقعى،بأن رؤية الحركة الإسلامية واستراتيجيتها "لمسألة التغيير الاجتماعي هي رؤية شمولية سلطوية" على الدوام وبلا استثناء. وأى تبرير بأن "سلوك بعض الأفراد والجماعات الـمنتسبة إليها والمتحدثة باسمها أحياناً والمستندة إلى مرجعية سلطتها كانت أحياناً تعطي أشارات مخالفة لهذا النهج" ليس هو الّا إلتواء وانتهازية وخداع أعضاء الحركة والراى العام مخبوء بعناية تحت سجّادة خطاب فقه الضرورة. لذلك نسمع هذا العتاب الخجول مقابل إنتقاد الذات الصريح من قيادات الحركة داخل السلطة وخارجها رغم ان المسألة تتعلّق بسَحْل واعدام وإبادة وفصل وتشريد ملايين البشر، بل شعوب وقبائل،أعاجم ومسلمين فى وسط السودان النيلى وواق واقه. ونبحث عن الأسباب فى جوهر الإستراتيجية الشمولية الفاشية للحركة وليس فى " تنامي نمط وصائي في أوساط" بعض المتنفّذين أو "بسبب وهن أدوات الفعل المدني" كما يقول. وتلك السلطوية والقهر والتخويف والفساد جزء من حزمة أتت أُكلها ثراء ًحراماً وتطاولاً فى البنيان.

    واذا كان أمر التغيير الإجتماعى الحقيقى "هوالتغيير الذي يبادر به المجتمع ويرعاه ويتطور من خلاله . فهو ليس خطوة واحدة يمكن ان تتحقق بدفعة سلطانية ، وإنما هي سيرورة اجتماعية" واذا كان نهج الحركة "هو منهج حفز المجتمع من خلال تنمية قدراته لتغيير ما بنفسه" ؛ اذا كان ذلك كذلك يااستاذ فيم العجلة والإنقلاب على سلطة ديموقراطية فى رابعة النهار والتمسك بالقهر ونقض الإتفاقيات والعهود حتى لحظتنا هذه؟ لماذا لا تضرب الحركة الإسلامية فى الأرض توجيهاً وتعبئة وتوعية وتربية ولها فى صبر أيوب وكدّ "الأنبياء والصالحين" أُسوة حسنة؟؟؟

    كيف تريدنا أن نقرأ "جهود الانقاذ على سبيل الامتثال للتعاليم الإسلامية والاحتكام للشريعة الإسلامية" والفساد والنصب وقتل المسلمين على قفا من يشيل؟؟

    اذا كنت تعنى ماتقول بأن:

    "التنمية الشاملة هي المنهاج وقاطرة التنمية الشاملة هى التعليم والدعوة والتوعية والتعبئة فالإستراتيجية هي البداية الشاملة للتأصيل وللنهضة الفكرية والتنمية الثقافية وتحريك المجتمع وتعبئة قواه في إطار ثوري حر يفجر الطاقات ويستنهض الهمم وهي خريطة هادية للتحول الحضاري نحو المجتمع الذي نصبو إليه"

    واذا كانت الحركة تضع التعبئة فى أولوياتها لماذا اذن التعجيل واللعب بمقدرات الشعوب السودانية بالعنف والقمع و"الإطار الثورى الحر!!!" وما أدراك ماهو!

    المتأمّل للغة أستاذ أ.ح.عمرعموما ولهذا الإقتطاف الأخيرالمكثّف تخصيصاً، لا يملك الّا أن يردّد مع نورمان فيركلوف بأن اللغة أصبحت تلعب دوراً أكثر أهمية فى التغييرات الإقتصادية-الإجتماعية المعاصرة مما كانت تلعبه فى الماضى. لغة من عيار "التأصيل والنهضة الفكرية والتنمية الثقافية وتحريك المجتمع وتعبئة قواه في إطار ثوري حر" لا نملك معها الّا أن نهنيه على خبرة التحصّن من الخجل واستراتيجية حصان طروادة الخطابية ونقول له بسحروك على هذه الدروشة الأكاديمية الفاردة لجناح البذخ والوفرة المربكة وقوة العين.

    رابعاً: فضول أكاديمى تبريرى

    وعن ثقافة محاكم التفتيش والقطع الناشف من خلاف وكارثة تطبيق الشريعة يقول:

    "كان لإصدار القوانين الجزائية بصورة فجائية درامية ومحاولة تطبيق أحكامها من خلال إعلان حالة الطواريء . ومن خلال المحاكم الخاصة الـمبتسرة الإجراءات وكيفية إعلان الأحكام وتطبيقها ، أثره في إعطاء صورة شائهة تذكر بنمط محاكم التفتيش"

    ولكنه يحيله الى فترة حكم النميرى أوبسبب المتنفذين فى فترة الإنقاذ، لكن الكل يعلم أن التطبيق الحدودى لم ينفك يمارس إنتقائياً الى يومنا هذا وان خفَتَ صوت التشريع الجزائى نوعا ما لأن سيقان الأشباح الجائعة ماعادت تصل مطاميرالخزائن ولأن بطون الجلادين قد أُتخمت وجيوبهم انتفخت وألهاهم التكاثر. وماانفكّت حرية التعبير والتنظيم والصحف غائبة ومازالت الميزانية الحكومية فى 2008 تُقرأ بفط سطر وقراءة آخر وصفرمع الرعية وواحد مع الراعى. الملاحظ أن جميع قيادة التنظيم أصبحت تتبرأ من بعض الجرائم التي أغُترفت وهذا نقد ذاتى ضعيف وتنقصه المصداقية بما فى ذلك الترابى والأفندى لأنهم مازالا يخفيان الكثير وبالأمس قال الأفندى مهدّداً صديقه نافع على نافع أنه سينشر الكثير من أسرار التنظيم وتاريخ النشر ليس محكوماً طبعاً بأجندة الشعب السودانى والا فلماذا الإنتظار؟ وعندنا أن شهاب الدين أظرط من أخيه.

    أمّا بفقر خيال الإسلام السياسى فى القانون والإقتصاد فحدّث حيث تمخّض جبل التشريع الاسلامى فولد ستة حدود ثم التفتوا الى خيبات المحصّلة الراسمالية فوجدوا اكتر من 180 جريمة فى القانون الجنائى ثم تضاءل الخيال الإقتصادى الإسلامى الى نسبة الزكاة المئوية التى تؤول الى الصفر مقارنة بضرائب الدخل التصاعدية وغيرها.

    اذا كانت العبرة بأقتطاف المراسيم الدستورية وقراءتها الأكاديمية فان الخطاب يصبح فضولاً أكاديميا وتبريراً محضاً فى أحسن حالاته. تأمّل معى بؤس هذا الإقتطاف حين يقول أ.ح. عمر:

    "نص المرسوم الدستورى على أن الوطن توحده روح الولاء والسلطة والثروة وقيمه المشتركة وتبسط فيه وتقسم بعدالة السلطات والثروات بالولايات والمحليات والشرائح الوطنية بلا مظالم أو عصبيات !!"

    نفس خطاب المرسوم الدستورى هذا هوعضم "الضهر" والمسوّغ الفكرى والأخلاقى لخطابات المعارضات المسلحة السابقة والحالية واللاحقة لاقدّرالله. ولعلّه كان فى الفقرة الأولى من بيان خليل ابراهيم فى 10 مايو 2008 وفى ديباجة دستورها ومانفستو معارضيها على سبيل منطق الدائرة الشريرة.

    المقتطف أعلاه لاينسجم مع التوجه الأساسى لسياسات الحركة الإسلامية خاصة الدعوة لوحدة السودان والتقسيم العادل للسلطة والثروة والتى فُرضت مؤخرا بقوة السلاح وتوازنات سطوة النيولبرالية وأياديها الإمبريالية الأخطبوطية الباطشة ذلك لأن حكومة البشير الغالب وزنها مازالت تماطل فى وعدها بالإتفاقات المبرمة مع المعارضة والشريك. الغموض الآيدولوجى من شاكلة "الوطن توحده روح الولاء" لايجب أن تكتبه الدساتير الا من باب الفهلوة المقصودة. ماهو الولاء الذى يوحّد السودان المتعدّد المتنوّع؟ هل هو "الولاء العربى الإسلامى" الذى يوحّد السودان؟ اللهم الا أن يكون سودان عبدالرحيم حمدى محور دنقلا+سنار كردفان التى توحده "قيمه المشتركة" و"انسجامه" كما عبر بوضوح عبدالرحيم حمدى حين تسرّب الأجندة من داخل الغرف المغلقة.

    الإستشهاد بنصوص المراسيم الدستورية ضحك على دقن الواقع الصخرى لأن البيان بالعمل. ذر الرماد فى العيون هوأن ينص المرسوم على نظام للحكم :

    "تؤسس سياساته الحرية والشورى دون إباحة للطائفية السياسية أو العصبية الحزبية ودون تركيز لشهوة السلطة أو روح الفساد أو الصراع"

    والمعنى واضح كون "الحرية" هى حرية حزب الحركة الإسلامية و"الشورى" بين فقهائه وأئمته وإقصاء جماهيرالحزبيين الرئيسيين تحت ذريعة "الطائفية السياسية واليسار بحجّة "العصبية الحزبية". أما "روح الفساد" (بل جثمانه أو جِتّته كما يقول كلام السودان النيلى) قد تنتّنت وعمّت جيفتها ولن تطهّرها الا كيماويات "الصراع" الضارى "الثورى الحر". ولم يبق من النص سوى سفسطة وهيام رومانسى يلهينا عن شهوة السلطة والفساد والصراع الذى يستعر بين الذئاب داخل جخانين الحركة الإسلامية وسلطتها الباطشة الظلومة.

    وعند اقتباس واجبات وحقوق المواطنة فى مرسوم الدستور يسوّق لنا أ.ح. عمر كلام الطير فى الباقير بنص يقول:

    "قد أوجب على المواطنين المتدينين الصدق والتعبير القويم . وكفل لهم حقهم القانوني العام بلا إكراه في العقيدة ولا حجر في العبارة ولا ظلم ولاتمييز في الحق العام بمجرد اعتبار الملة الشخصية . كما أوجب للمواطن العلم والعمل موالاة ً للآخرين . وكفل له المساواة بلا تفرقة ولا تمييز بمجرد الجنس أو الوضع الإجتماعي أو المالي إلا ما تقتضيه عدالة القانون"

    دستور يكرّس للتفرقة الدينية بخشم الباب فوق أنه مجرد لغو لاعلاقة له بمنطق الفكر الإنسانى القانونى والأخلاقى المعاصر. ثم يكذبه الواقع الدموى وجهاد المواطنين وبعث الإثنية بسياسات تجنيد القبائل ضد بعضها وتمزيق الوطن والتفريط فى سيادته.

    هذا مرسوم تفرقة غريب يقسّم المواطنين، حسب النص، أمام الحقوق والواجبات الى نوعين: "مواطنين متدينين" ونقول مسلمين وعاربة ومواطنين معرفين بالألف واللام هم دون أؤلئك وكفلت لهم حقوق دونها الحقوق الدينية التى لم يذكرها المرسوم لأن الخلفية الفكرية للمشرّع ونهجها قد قسّم العباد الى مسلمين وأهل ذمة لادينيين يدفعون الزكاة عن يدٍ وهم صاغرون. وحتى تلك الحقوق (ناقص حرية العقيدة) جاءت مشروطة ب"ماتقتضيه عدالة القانون" هذا بالطبع وطنٌ لا "توحده روح الولاء" كما كذّب علينا الدستور فى المقتطف الذى سبقه، دستور يكرّس ل"مظالم" و"عصبيات" ودم مهراق يخبئه الأفق التشريعى الطالع من فرضية الذهنية العربسلامية العصبية العصابية المغلقة.

    وهل يتحدّث أ.ح. عمر عن سودان نعرفه حين يقول أن برنامج الحركة "أوجب للمواطن العلم والعمل موالاةًً للآخرين"؟؟ صرف النظرعن الركاكة اللغوية فان العلم(يقصد التعليم؟) قد خصخص وتدهور فأرسل مثقفوالسلطة أبناءهم وبناتهم الى اوروبا وامريكا وماليزيا لطلب العلم؛ أمّا عن العمل فقد تعدّى معدّل العطالة 18%.

    بحرالحركة الإسلامية يغمر تَمَدْ حركة الإسلام السياسى ويجُبّها؟

    استلفت هذا العنوان من استعارة الإمام محمد أحمد المهدى حين قال بأن بحر الأنصارية غطى على تَمَدْ (آبار)الحركات الصوفية التى سبقته ومن أراد أن يستقى من علوم الدين حسب الإمام لا بُدّ أنه يشرب من فيض بحر الأنصارية. وخطاب الإمام هو الجرّة التى خرج منها الجن الكلكى كون صخب "بحر" استعارته البلاغية المهيمنة يُقصى مجاميع "التَمَدْ" التى نسى البحر فى ضجيجه وعجيجه جدل اندغامها فيه. هكذا ينساب خطاب الإستبدال والإحلال ويكثر أ.ح. عمر ترداد عبارة "الحركة الإسلامية" بوعى حتى تجبّ وتلتهم محاسن موتاها. وهى عين إستراتيجية مابعد قرار المحكمة الجنائية الدولية والتى بمقتضى نعمة خطابها السائد أصبحت "سيادة" البشير وحكومته الإنقلابية هى طبق الأصل مع "سيادة" السودان. تلك المكيدة الطروادية التى إنطلت علي قوي المعارضة.

    اسمع أستاذ أ. ح. عمر يقول "ولم يصدر القانون(القانون الجنائي 1991م) في شكل أحكام جزائية وعقوبات بل هو أشبه بمرجع في رؤية الحركة الإسلامية للتعاطي مع مسألة الجنايات" . كم ياترى نسبة عضوية هذه الحركة من مجموع التعداد السكانى السودانى (أقل من 1%؟) وقد علمت مشارق الأرض ومغاربها بأن القطع من خلاف كان طيلة التسعينات من نصيب الفقراء والمهمّشين ولم نسمع به يطبّق على فساد الحكّام جباة الضرائب وكانزى الذهب والبترول.

    التعامل مع القانون فى ذهنية كوادر الحركة الإسلامية هومطلق تطبيق الحدود وترسُّخ فهم عصابى لإنفاذها يتحكّر فى وعى كوادرها ولاوعيهم فى آن معاً ؛ ألم يقل أستاذ أ. ح. عمر: "ليس لأن الحركة الإسلامية أقل حماسة لانفاذ الحدود (التي تنزل بانفاذها البركة) وإنما لحرص الحركة الإسلامية على ان تظل الحدود حدوداً" (الأهلّه ليس من عندى بل من أ.ح.عمر). بأى منهج وفلسفة وفكر تتنزّل بإنفاذ الحدود البركة؟؟ ولماذا لم تتنزّل بتعطيلها البركة؟ أليس من الحكمة القول أن البركة الحقيقية هى فى بسط الخير والرزق والعدالة الإجتماعية حتى لا يضطر المسلمون الى سرقة القوت؟ هذا فكر أقل مايوصف بالشذوذ ولا أرغب فى تسويغه بالأحاديث الضعيفة؟ وسيظل فكرالإسلام السياسى فى محنة أخلاقية وإنسانية اذا لم يتجاوز الحدود كمفهوم اشكالى كونه عقوبة وحشية مذلّة و مفارقة لاى حساسية انسانية كما فى الجلد والقطع والرجم.

    يقول أ.ح عمر "ولا يزال هذا المنهج في مقاربة قضية الحدود يحتاج إلى دراسة بعد مرور أكثر من خمسة عشرعاماً على القانون الجديد وسياسة تطبيقه"

    من الذى أعلاكم فوق رؤوسنا وإصطفاكم دون سائر المسلمين بتجريب سيوف مناهج الحدود وتطبيقها فى رقاب العباد المستضعفين تسع عشرة عاماً حسوماً؟

    ويعتذر أستاذ أ.ح.عمر بحياء:

    "مراجعة القوانين وتعديلها جملة واحدة في وقت وجيز أمر متعذر" ثم "ستظل كثير من القوانين السارية الآن في حاجة إلى الإصلاح إلى أن يحين وقت إصلاحها وتقوم ضرورة تعديلها"

    إذا أقر أمين ضمنياً أن هنالك حوجة للتعديل وأصلاح القوانين فما هو الداعي للماطلة والتسويف؟ هل نحن في حوجة الي 19عام أخرى؟ تلك كانت فترة كافية لنهب نفائس موارد السودان العامة من ذهب وعائدات بترول وجبايات أضافة الي نفوق أرواح الآباء والامهات وفلذات الاكباد.

    ًالنقد بما يفيد المدح

    يقوم النقد الذاتى للفرد والجماعة على الوعى الذاتى بالمسألة ومن ثم نقد الذات بمسئولية وشفافية وأخلاق.

    لايومئ أ.ح عمر الى موقف نقدى محسوب على الحركة بل يتحدّث عن "الموقف النقدي لكسب الحركة الإسلامية في ظل الإنقاذ" وهذا نكران للنقد والشفافية وإلتواء وغِش بيّن إذ كيف يجوز الحديث عن "موقف نقدى للكسب"؟ بينما الأحرى هوالحديث عن موقف نقدي للخسران والخطيئة والتراجع. الورقة تُصرّ على تفادي توضيح القصور والتهرب من المسئولية وبالتالي عدم الاستعداد لنقد التجربة الاسلامية وهذا يعني ضمنياً الرغبة في الاستمرار في فرضها رغم أنف الضحايا. تزول دهشتنا هنا قليلاً حين نعرف ان الرموز فى الخطاب الدعائى تتم صياغتها على شكل صور خطابية ثم نستنير ب ميشيل فوكو حين يحيل الخطاب الى فكرة استنبطت من واقع معرفى بقوله" إن كل خطاب ظاهر ينطلق سرا وخفية من شيء ما تم قوله ، والخطاب ليس مجرد جملة تم التلفظ بها أو مجرد نص سبقت كتابته بل هو شيء لم يقل أبدا (---) وكتابته ليست سوى باطن نفسها [19]" فقد تشير (الكلمة) إلى شيء غير ذاتها عن طريق الإشارة المباشرة إلى الشيء الخارجي عنها . أو عن طريق الفكرة أو الصورة الذهنية للشيء الخارجي أو المشار إليه [20]"

    وهكذا يبدأ النقد خفياً خجولاً كما فى غِش الحشف وسوء الكيل المشهورحين يقول أستاذ أ.ح.عمر:

    "إن مقاربة الحركة الإسلامية للمشروع الإسلامي لا تعدو ان تكون مسعى جماعة مجتهدة تخطىء وتصيب، تخفق وتقصر تتقدم وتتراجع ولكن النجاح الأكبر هو ان تظل المسيرة ماضية تبني على انجازاتها وتصحح أخطاءها وتعظم من كسوبها وترجو ان يتجاوز لها الله ومن بعد ذلك الخلق عن اخطائها وأي الناس يبرأ من الخطأ وأي الناس مطهر عن الخطيئة إلا المخلصين الأخيار من النبيين والصديقين"

    واذا لم تكونوا أنبياء ولا صديقين (عكس أيام انتخابات الجامعات فى الستينات والسبعينات والثمانينات حين كنتم تشترون بآيات الله ثمناً قليلاً : هو أن يصوّت لكم الطلاب والطالبات لأنكم مخلصين اخيار!!) لماذا لاتُحاسبوا على الأخطاء والتقصير والتراجع المادى والرمزى؟ وترجو أن يتجاوز لها الله و"من بعده الخلق" عن هذه الأخطاء؟؟؟ وهل ستنعم بجزيل عطائك لهؤلاء الخلق (تقرأ الجماهير) أن يفتوا فى أخطائك التى من ضمنها سحل وقتل وإبادة جُلّهم؟ وكيف ينظر الخلق فى أخطائكم وأنتم تصادرون حتى القصص والقصائد فى المجلات الثقافية.

    وما طبيعة هذا الرجاء (بما يشبه نقد الذات) الخجول ياترى ؛ رجاء أن يتجاوز الخلق عن أخطائكم وسيئآت أعمالكم؟ وماهى الآلية التى يتم عبرها التفاوض حول غفران أخطائكم وسيئآتكم ؟ مثلاً: عبرلجان الإنصاف والحقيقة والمصالحة والمثول أمام المحاكم (المحلية والدولية) أم عبر خطابة وخطاب هذه الدراما الكلامية؟

    ويستمر النقد المادح:

    "ولا يعيب المرء أن يقر بشرور نفسه وسيئات أعماله ما دام مقراً بالأمتثال للتعاليم والأحكام الإسلامية"

    إلى متى الإنتظارالكاذب وخطابة "اذا رايتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشُبٌ مسنّدة"

    قولوا لنا بالله ماذا جنت أياديكم وماهى شرور أنفسكم وسيئاتها؟ وإلّا سيقول الضحايا وابناؤهم وبناتهم/ن؟ ألا تسمعون صراخهم/ن أم أن بآذانكم وقر؟

    ويمضى بيع النقد المجانى:

    "ولا يعيب الجماعة الإسلامية والدولة الإسلامية إن تقر بسيئات أعمالها أو عجزها وتقصيرها ما دامت لا تتخذ غير الإسلام مرجعاً ومصدرا"ً

    إذن: كيف أصبح أنصاف وأشباه الأنبياء خطّائين ويصدرون من مرجعية الإسلام؟

    هل وصفات البنك الدولى والصندوق ومنظمة التجارة العالمية و"إجماع واشنطون" هى مراجع ومصادر اسلامية؟

    ومادخل مرجعية الإسلام بشئون الدنيا؟ من القائل: أذهبوا أنتم أدرى بشئون دنياكم؟

    من سيحدد "عجزكم وتقصيركم وسيئآت أعمالكم"؟ ماهى الآلية التى سيتم بها تحديد العجز والتقصير والجريمة؟هل هو قضاء مستقل ولجان قصاص وإنصاف وحقيقة وجبر ضرر المستضعفين وهل تتكرمون بوضع كتابكم التفصيلى وكشف حسابكم بأنفسكم؟ وهل "مينيو" السيئات يحتوى على جرائم القتل والسحل والتشريد والإبادة؟

    هل ستكون استراتيجية مداراة المراجعات العامة هى أحد نماذج آليات طرح سيئاتكم؟ومانوع الموبغات التى سترد فى اعترافات العجز والتقصير والسيئات؟

    وهل سيتحوّل عبدالوهاب الأفندى والطيب زين العابدين وحسن الترابى شهود ملك فى سيناريو الإقرار بالسيئآت والخطايا والتقصير توبة من الله نصوحا وتكفيرا وغسلاً للذنوب؟ أم نحن مبشّرون بمنطق دائرى شرير؟

    ماذا أنتم فاعلون بالفساد الظاهر الموثّق؟

    يبشّر أ.ح.عمر فى الورقة ب "الدعوة الوسطية التي تتخذ الإصلاح سبيلاً. وكلمة الإصلاح نفسها تعني اعترافاً بأنه رغم الفساد الظاهر فإن الخير في الناس كامن إلى يوم القيامة"

    ماهو الفساد الظاهروكم حجمه وأين ظهر وماهو مصير المفسدين؟ وهل ظهر بين دوائر ضيقة أم وسط مئات الوزراء المركزيين والولائيين وكبار رؤساء المصالح والمدراء الذين تحوّلوا بنعمته تعالى الى راسماليين وملاك عقارات ومشاريع زراعية؟ وهل ظهر العدل على مدرجات المحاكم أم فى ساحات الفيحاء؟

    هل دعوة الوسطية هى دعوة وسط حسابى بين الراسمالية من جهة والقرآن والسنة؟

    وماذا ترانا فاعلين بعبارة " الخير في الناس كامن إلى يوم القيامة" ياحضرة الدكتور؟

    وتستمر اللولوة الفكرية:

    يزعم أ.ح.عمر بأن أعضاء الحركة الإسلامية قد أدركوا بالتجربة "أهمية العمل العام , في حفز الأفراد ليحاسبوا أنفسهم وليجتهدوا في تنقية نفوسهم بالإيمان والعمل النافع الهادي إلى صراط مستقيم . قد أنبنت استراتيجية الحركة للاصلاح على المنهج المعتمد في علوم الاجتماع جميعاً لتحقيق التحول الاجتماعي"

    بأى آلية ياترى سيتم تحفيز "الأفراد ليحاسبوا أنفسهم وليجتهدوا في تنقية نفوسهم بالإيمان"

    وماهى التمارين الإيمانية السحرية التى تمكّن الحركيين الإسلاميين فى "تنقية نفوسهم" الأمارة بالقتل والفساد والإفساد؟ هل هى تمارين خارج مفهوم (ألم نشرح لك صدرك) والتى تخص الرسول (ص) وطبقاً لها يكون العُسر خليفةً لليُسر الذى لم يراه الشعب السودانى!!؟

    ماهى طبيعة "علوم الإجتماع" البرجوازية فى العمل الأهلى العام الهادية الى "صراط مستقيم" والتى استقت منها الحركة استراتيجياتها لتحقيق مشروع التحول الحضارى الذى فسد؟

    فى المنهج يبيعنا أ.ح.عمر عموميات حول "منهج إعادة التعليم والتوعية" مورست على مدى تسعة عشرعاماً تمّ فيهه غسيل مخ يسميه إعادة التعليم "من خلال نقد القيم السائدة والتذكير بالقيم الإسلامية والدعوة للاستقامة عليها"؟ غسيل مخ موضعوا الشعب عبره داخل خطاب "قيم اسلامية" و"الإستقامة عليها" حتى يفعلون ويفكرون ويتكلمون ويرون أنفسهم عبر هذا الخطاب الذى سمّوه جديداً وكأن مسلمى الوسط النيلى وأهل دارفورلم يكونوا مسلمين من قبل!! وأعنفوا على الشعب المسلم المغلوب على أمره بالأرض والبحر والأنتونوف تحت اسم "القيم والإستقامة عليها" التى عفوا أنفسهم منها فكنزوا الذهب الأصفروالأسود.

    أمّا بقية الرعايا،وليس المواطنين/آت، خارج مثلث حمدى بدرالدين فقد تم إسقاط المُتخيّل على واقع ممارساتهم وشبكاتها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، حتى كانت أوكادت الأنشطة والعلاقات الإجتماعية المتخيّلة أن تكون أنشطة وعلاقات إجتماعية واقعية، حقيقية حيّة تمشى بينهم/ن. لم لا فالتعريب والأسلمة كانت تشتغل فى تلك الشعوب منذ الأستقلال.

    ماهى أصول هذا المنهج ودقائقه؟ وهل تشمل القيم الإسلامية التوعية مع أو ضد الإحتباس الحرارى والإنفجارالعظيم وعلوم الأحياء؟ ماذا نفعل مع السلوك الإسلامى السائد الذى ينتظر الإكتشافات العلمية بنصوص قرآنية جاهزة تؤكد معرفتنا الأزلية بها!!

    ويمضى أمين فى نقد مادح تبريرى:

    "رغم وضوح رؤية الحركة الإسلامية ممثلة في الإنقاذ لقضية التغيير الاجتماعي وأن سلوكها العام قد وسمته هذه الرؤية الواقعية الوسطية إلا أن سلوك بعض الأفراد والجماعات الـمنتسبة إليها والمتحدثة باسمها أحياناً والمستندة إلى مرجعية سلطتها كانت أحياناً تعطي أشارات مخالفة لهذا النهج . وهذه التفلتات عن النهج العام هي التي يستدل بها خصوم الحركة الإسلامية على ادعاءاتهم . إذ يلجأون إلى تجاهل النسق العام مع التركيز على التجاوزات والتناقضات التي لا تخلو منها تجربة أو ممارسة عامة . ومثال ذلك محاولة جهات رسمية وشبه رسمية فرض الحجاب بالقانون . وكذلك تجربة شرطة النظام العام بالخرطوم لفرض ما يسمى بالمظهر العام اللائق"

    يقول أمين ببساطة شديدة أن هنالك "تفلتات" و"تجاوزات وتناقضات" عن "النهج العام" و "النسق العام" مثل "فرض الحجاب بالقانون و المظهر العام اللائق" ؛ وأن مرتكب هذه التفلتات هم "بعض الأفراد والجماعات الـمنتسبة إلى" الإنقاذ و "المتحدثة باسمها أحياناً والمستندة إلى مرجعية سلطتها" وليس عموم الحركة. ثم هذه الجماعات المحسوبة علينا "كانت أحياناً تعطي أشارات مخالفة لهذا النهج" الوسطى القويم. كان حرىّ به أن يحدّد ويسمّى هذه الجماعات ومتى طردت من الإنقاذ وحُوكمت تحت مجتمع القيم والإستقامة والعدالة الإسلامية؟

    رؤية الحركة الإسلامية للتغيير الاجتماعي والسلوك العام رؤية تجاوزت فرض الحجاب بالقانون الى فصل الأبناء عن إخواتهم وبنات أعمامهم وخالاتهم فى الشوارع وإذلالهم/ن حتى يبرزوا بطاقات الهوية. والسلوك العام تضمّن قتل سجناء الحرب وإعدامات جماعية فى شهر رمضان. هذا هو السلوك السائد حتى الآن. لماذا تولون من أفسد ولم يصلح فى "جهات رسمية وشبه رسمية" و"شرطة نظام" حتى تحدث "تفلتات" و"تجاوزات وتناقضات" وتطلبون العفو والتملّص من الجرائم ثم مواصلة الحكم واعادة الشمولية والإستبداد من جديد؟ عجبى منكم وأنتم تحتفظون بالزلابية وتأكلونها أكلاً لمّا فى آن معاً.

    ليت أ.ح.عمر قصد "بالتفلتات عن النهج العام" محصّلات كالفقر وملحقاته وحالة الطوارئ والجبايات والرسوم والدمغات التي أصبحت تُفرض حتي علي النّفَس الداخل ومارق أوالخيبات الإنسانية القياموية فى دارفور والمحاولة التعيسة لمسح جُل قاطنيها عن الخريطة السودانية. لو فعل ذلك سيجبرنا على احترام مسعاه فى النقد.

    كان مشروع الحركة الإسلامية الحاكمة الحضارى وماانفكّ "مشروعاً شمولياً سلطوياً" و"أن رؤية الحركة الإسلامية" لمسألة التغييرالاجتماعي ماانفكّت "رؤية شمولية سلطوية" والآن يسعى منظرو الحركة الى إعادة انتاج الشمولية بأشكال جديدة عبر مراوغة مخاتلة كاذبة تتستّر بثوب النقد الذاتى.

    فى اكتوبر 2008 أدخل فى قلوبنا الرعب خبر تعثّر 237 من كبار المستثمرين ورجال المال والأعمال بالتواطؤ مع مديرى البنوك الإسلامية وقد بدّد هؤلاء مايعادل 15 مليار دولار أمريكى من أموال المودعين والمستثمرين فى عمليات إقراض وتمويلات غير منضبطة بصيغ اسلامية ومن بنوك اسلامية. هذا غيض من فيض فاسد أكّدته منظمة الشفافية الدولية فى تقريرها السنوى لعام 2008 كون "كل من الصومال والعراق وبورما وهايتى وأفغانستان والسودان من أكثر الدول فساداً [21]" هل نحن بين يدىْ نهج النهضة الإسلامية الحضارية الشاملة وفلسفة التخطيط الإجتماعى أم "قوة سيئ استخدامها" فصارت سبباً للفساد والإفساد؟

    ولأن يدا أستاذ أ. ح. عمر صُفرٌ (حتى لانقول مضرّجتان بالأحمر) من المصداقية والأمانة جاء مفهوم نقده الذاتى للحركة الإسلامية،بل وكامل الجهاز المفاهيمى لحركته، ملتوياً وخادعاً.


    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] ع.ع.ابراهيم "الحركة الإسلامية بين الإنفتاح والإنغلاق" ضمن أوراق سمنار "قضايا وإشكالات الدولة الإسلامية المعاصرة" الذى نظمته د.هويدا العتبانى بتكليف من مؤسسة فردريش ايبرت بالخرطوم، أغسطس 2006. أعاد نشرها ع.ع.ابراهيم فى سودانايل.

    [2] عبدالوهاب الأفندى"غازى صلاح الدين وخرافة المؤتمر الوطنى والحركة الإسلامية" القدس العربى 16 سبتمبر2008عن سودانايل.

    [3] مقتطف من موضوع د. ع.ع.ابراهيم أعلاه عن الحركة الإسلامية عن مقال د.التجانى عبدالقادر فى الصحافة 27سبتمبر2006 وبهذه المناسبة فان الباحث فى كتابات د.عبدالله على ابراهيم طالما يضنيه الفرز بين آرائه الشخصية ورأى من يقتطف منه كونه عدوالأقواس ويقتطف مايؤيد منطقه دون وضع مقتطفه بين الأهلة.

    [4] عبدو مالكوم سيمنون "فى أىّ صورة ماشاء ركّب: الإسلام السياسى ومآل البندر فى السودان" جامعة شيكاغو للنشر 1994.ضمن مقال د. د.ع.ع.ابراهيم السابق.

    [5] السابق: ع.ع.ابراهيم "الحركة الإسلامية بين الإنفتاح والإنغلاق"

    [6] بدا لى د.ع.ع.ابراهيم فى هذا المقال كمستشار إدارة أزمة للحركة الإسلامية ألمّ به إحباط كون الحركة لم "تخدم استراتيجيتها (استراتيجية أوبة الدولة الى الدين) هذه بما تستحقه من سهر على التحالفات أوتشييدها على خلق سياسي قويم". ويقدّم ع.ع.ابراهيم نصيحة للحركة الإسلامية لتنصرف عن قيود المشيخة الدينية وسلطة الفقيه وأن تتمسّك بذلك حتى يفتح لها هذا الصلاح "باباً على الآخرتستقوى به فى تحالفات مدروسة ذات نفس طويل لأوبة الدين للدولة" ثم يود فى مجال آخر أن "لو اعترفت الحركة الإسلامية بإرث الغرب فيها لكانت بنت دولتها ومؤسسات البر بالمساكين على غير نموذج الديوان الضرائبى" وفى باب مثيل يسدى نصيحة أخرى:"سيبقى على الحركة متى أرادت أن تكون فينا رحمة وبركة أن تستنقذ نفسها من آثار عشوائيتها المتراكمة وأن تعيد إختراع نفسها من أفضل صلصالها. وهذا من عزم الأمور" وليت شعرى من أىّ منطلق فكرى وانسانى وعقلانى يتبرّع د.ع.ع.ابراهيم بهذه النصائح والإستشارات

    [7] السابق: ع.ع.ابراهيم "الحركة الإسلامية بين الإنفتاح والإنغلاق"

    [8] السابق: ع.ع.ابراهيم "الحركة الإسلامية بين الإنفتاح والإنغلاق"

    [9] د. عبد الوهاب الأفندي ما بعد "الثورة والإصلاح السياسي" :ما خفي كان أعظم ،القدس العربي 9 سبتمبر 2008

    [10] محاضرة فيليب بروتون والتى ترجمها د.عبدالله بولا فى بوست فى الديمقراطية والثقافة فى موقع سودان فوراول

    [11] حبيب مال الله ابراهيم "مفهوم الخطاب وسماته"

    http://www.freemediawatch.org/majalah/document/docmajla...2048%20-53KHITAB.htm

    [12] المفكر سمير أمين للأهالى 9يناير 2008عدد1359.

    [13] Ebrahim Moosa “Allegory of the rule (hukum): Law as simulacrum in Islam? “History of Religion, 1998 pp.1-24 at page 12. ضمن عبدالله النعيم السابق ص 38

    [14] عبدالله النعيم ، السابق ص46

    [15] السابق: ع.ع.ابراهيم "الحركة الإسلامية بين الإنفتاح والإنغلاق"

    [16] السابق: ع.ع.ابراهيم "الحركة الإسلامية بين الإنفتاح والإنغلاق"

    [17] الإستراتيجية القومية الشاملة - المجلد الأول- 1992م - ص 18

    [18]من كتيبات ميزانية الشركة الاسلامية للتأمين ضمن مقال الأستاذ صديق عبدالهادى جريدة "اجراس الحرية " 27 اكتوبر2008

    [19] ميشيل فوكو،حفريات المعرفة،ترجمة:سالم يفوت،الدار البيضاء،المركز الثقافى العربى، 1987، ص25.ضمن حبيب مال الله ابراهيم

    [20] د. محمد عبد الحميد "البحث العلمي في الدراسات الإعلامية" القاهرة ؛ عالم الكتب،2000، ص300.

    [21] http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7631000/7631563.stm

    from sudanile 15 nov 2008
                  

11-16-2008, 02:03 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    )كلام عابر)

    النيّل أبوقرون .. مع التحية

    عبدالله علقم
    [email protected]

    عرفنا في الأخ الأستاذ النيّل عبدالقادر أبوقرون ، أيام الطلب في الجامعة ، دماثة الخلق وحسن التعامل مع الآخرين وسعة الأفق ، وعرفنا فيه أيضا رقة الشاعر الفنان وقد غنى له شقيقه الفنان الكبير صلاح إبن البادية أغنية " الملك" والتي كتبها ولحنها النيّل ، وتبدو بصمات شقيقه عليه أكثر وضوحا من تأثيره على شقيقه. ولكنه بعد أن انخرط في سلك القضاء وارتبط بالأيام الأخيرة من حكم نميري ،أصبح شخصية خلافية مثيرة للجدل لارتباطه بما عرف بقوانين سبتمبر وبقضية الأستاذ محمود محمد طه. وقد استضافته جريدة "أجراس الحرية" على صفحاتها على مدى حلقتين من الحوار الساخن، رغم أن الأستاذ النيّل لا يميل كثيرا لأضواء الإعلام، وتناول هاتين القضيتين وقضايا اخرى .

    من ضمن ما قاله الشيخ النيّل في ذلك الحوار إن "الدين لا علاقة له بالسياسة قط، والذين تنقصهم الأفكار التي يجمعون بها الناس حولهم لإنشاء دولة يلجأون لاتخاذ الدين شعارا ومطية لبلوغ مآربهم السلطوية البعيدة عن حقيقة الدين الذي لا علاقة له بالسلطان" ويستشهد بقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام " إن الكتاب والسلطان سيفترقان" ويقول "ما أنزل الله حقيقة هو التشريعات وليس الحكم السياسي" وأن كثير من الناس قد فهموا :"أن الدين هو إقامة دولة والواضح أن الدين لا يوجد فيه إكراه البتة بينما عنصر الإجبار والإكراه السياسي في قيام الدولة" ويقول إن الفهم الخاطيء للدين وتحجيمه بأنه سلطة أو دولة هو سبب النزاع بين أكبر طائفتين من المسلمين، وما نشأت الخلافات بين المسلمين إلا عند اختزالهم للدين في إطار سياسي".

    ويبدو حديث الشيخ النيّل عن الإسلام السياسي وتسييس الدين منسجما ومتزنا ،بما يحمله من رؤى وطروحات جديدة ، ولكن الشيخ يفقد هذا الإنسجام والإتزان حينما يتناول قوانين سبتمبر وجريمة قتل الأستاذ محمود محمد طه ، ويحاول دفع التهم عن نفسه ،رغم أن الكثيرين يرون أن دوره كان فاعلا ومحوريا، فيقول "أنا لم أكن عضوا في الإتحاد الاشتراكي ودخولي إلى القصر كان من باب القضاء فقد عينت ملحقا قضائيا برئاسة الجمهورية وانحصر دوري في صياغة قوانين الشريعة الإسلامية" ويقول "فكرنا مرارا في ترك العمل (يعني شخصه وعوض الجيد وبدرية) إلا أنه كان يمنعنا ابتغاء مرضاة الله في إكمال التشريعات". ويرى أن القوانين لا مأخذ عليها ولكن حصلت تجاوزات في التطبيق ، والتطبيق بتجاوزاته لم يكن من اختصاصهم بل من اختصاص الجهاز القضائي ، لأنهم لم يكلفوا بمباشرة أو تقييم التطبيق !! ولكن "ابتغاء مرضاة الله" هذه لم يدفعه هذه المرة لمواجهة أو مناصحة نميري في مسألة تجاوزات التطبيق ، أو لربما آثر الشيخ السلامة إن كانت له حقيقة مآخذ على التطبيق. هذه القوانين اتضح فيما بعد أنها لم تكن مبرأة من العيوب حينما أخضعت لتقويم المتخصصين بعد الانتفاضة ، ووجدوا أن المشكلة ليست في التطبيق فحسب ولكن في القوانين نفسها.

    وعن محمود محمد طه قال "حينما أصدر الإخوة الجمهوريون منشورهم الناقد والمعارض للتشريعات الإسلامية(التي صاغها النيّل وزميلاه)كتبت للسيد الرئيس طالبا محاكمة الفكرة المضمنة في المنشور، والمطالبة بمحاكمة لا تعني المطالبة بإصدار حكم معين ، فجرت المحاكمة وتغير مسارها من محاكمة منشور فكري معارض إلى محاكمة ردة" . ولم يشرح الشيخ النيّل لماذا اقترح أصلا محاكمة الفكر المعارض بدلا من مقارعته الحجة بالحجة، وكيف يمكن محاكمة فكر وتجنب محاكمة المفكر وما هي الآلية التي تضمن ذلك خصوصا في جو مشحون بالتهييج والكره مثل الذي صاحب قتل الأستاذ محمود، وهذا يؤكد أن تلك المحاكمة عمل منظم وليس مجرد تغير في المسار لا سيما وأن القاضي الشاب الذي انتقوه للنظر في القضية "حوار" من "حيران" الشيخ النيّل. بعد الانتفاضة ، وبعد عودة سيادة القانون من جديد، قامت المحكمة الدستورية بإبطال الحكم الذي صدر في تلك القضية، ولكن حكم المحكمة الدستورية جاء متأخرا بعد وقوع الجريمة.

    لم يقنعني حديث الأستاذ الشيخ النيّل ابوقرون وما ساقه من مبررات لغسل يده من دم الأستاذ محمود وإخلاء طرفه من تداعيات قوانين صاغها بنفسه،

    from Sudanile 15 nov 2008
                  

11-16-2008, 05:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    [size=150]يالله يالله يالله
    الحسرة تقتلني
    والعبرة تسد حلقي
    عندما تاتي سيرة الشهيد
    ولكنا سنظل نردد القصة
    على مرارتها وصعوبة
    الحروف وهي تخرج دامية من
    جوفنا
    الاوغاد
    لو ادركوا كم يساوي
    ذلك الراس,لما فصلوه عن جسده
    ام انهم ادركوا وادركوا الحب الذي سيحظى به
    فخافوا على انفسهم لعلمهم بتفاهتها امامه
    حاولوا محوه ولم يدركوا انهم بذلك زادوه بريقا وتمعانا
    فانا تعرفت عليه بقراءتي لكتاب اسمه نقض ودحض مفتريات محمود محمد طه
    جزبني العنوان وتصفخته حتة حتة ووجدت المفتريات ماهي الا درر يجب ان
    تنزل في المنهج المدرسي لانها نفائس
    ومنذ تللك اللحظة بدات اجمع عنه معلومات حتى قرأت كثير من كتبه
    انا لست جمهورية ولكني احبهم جدا جدا
    كنت اتساءل كيف لاتباعه ان يتركوا القتلة على قيد الحياة؟ولكني ادركت كم ادبهم
    استاذهم وان المغزى في بقائهم احياء اكبر فالموت مرة واحدة ولكن عذاب الضمير
    اصعب


    http://www.rufaaforall.com/board/showthread.php?t=26632
    [/size]
                  

11-17-2008, 03:41 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    محمد عثمان سليمان

    لقـد أثار الأستاذ محمـود موضـوع إستلاف الأخ الراحل جمعـة حسن ورق الطباعـة من إسكنـدر، صاحب
    ســودان بوكشـوب، ثم الدفع له من عائد بيع الكتب.. أثار هـذا الموضـوع فى جلسـة للأخوان بمنزله،
    وقال الأخ عبد الرحيـم الريـح، وهو أقتصـادى ضليـع، قال أنه فى التجارة شئ عادى أن التاجر يخاطر
    بحوالى 10 الى 20 فى المائة من المبيعات بالدين، ولكن الأستـاذ رد عليه بأن سلعـة مثل ورق
    الطباعـة الأبيض وزن سبعين جرام، الذى كانت تطبـع به الكتب، هو سلعـة حارة، ولا تحتاج لبيعهـا بالدين،
    وطلب معلومات إضافيـة.. فقـد كان حريصـا لأبعـد لحدود أن لا يمول نشـاط الجمهوريين من أى جهـة
    خارجيـة، مهما كانت، حتى بالدين من مؤسسـة ســـودانيـة..

    حادثة أخرى، أكثر وضـوحـا:
    زارت ناشطـة أمريكـة الســـودان، فى السبعينـات.. وقد دلهـا البعض الى الأستـاذ محمود على اساس انه
    من المدافعين عن حقوق المرأة والمطالبين بمسـاواتهـا.. فأتت اليه، وكان حديثـا حول المرأة وحقوقها،
    ومحاربـة عادة الخفاض الفرعونى.. ثم.. عرضت مبلغ عشرين الف جنيه كمساهمة فى نشـاط الجمهوريين،
    وهـذا كان مبلغا كبيرا فى السبعينات.
    فردهـا الأستـاذ بحزم شديـد.. وصدق أو لا تصـدق، قال لها أن بنات جنسهـا فى الغرب، المستغلات فى
    الإعلانات التجاريـة كسلـع، أولى بمجهـودهـا.. فخرجت والحزن العميق كان باديـا على وجههـا، ولم تعـد
    مـرة أخرى..


    لماذا رفض الأستاذ محمـود أى دعم من المنظمات لحم... المرأة وغيــرها؟؟
                  

11-17-2008, 10:58 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    كتب قبل أكثر من نصف قرن

    أعده للنشر عيسي ابراهيم
    أسس دستور حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية (2 - 7)
    مدخل
    كتب عروة: لعل من أهم المحاور محور خيارات الحلول لأزمة دارفور، فقضية الإقليم الواحد لدارفور أوعكسه كان محور النقاش، يبدو لي أن الأفضل هو أن فكرة الإقليم الواحد ليست لدارفور وحدها بل لكل الاقاليم الأخرى.. لا بد من تجميع الولايات الكثيرة الحالية في وحدات إقتصادية كبيرة وبالتالي يمكن تجميع موارد مالية أكثر وعدالة في توزيع الثروة وكفاءة وعدالة التنمية المتوازنة والمستدامة..
    فيما يلي نستعرض كتاب الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري "أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية" الذي كتب في العام 1955 أي قبل ثلاثة وخمسين عاماً وأسس للجمهورية والفدرالية والديمقراطية والاشتراكية وكان سابقاً لزمانه ومازال..
    عناوين الحلقة الثانية
    لتكون للرأي العام الرقابة لا بد من العلانية في جميع أعمال الحكام في أجهزة الحكم
    ليس هناك على الإطلاق سبيل صحيح لترقية أي شعب إلا بوضعه أمام مشاكله واعطائه الفرصة ليتعلم من أخطائه
    كوتيشن
    ونحب أيضا أن نؤكد أنه ليس هناك طريق لتربية أي شعب تربية حرة الا بوضعه أمام مشاكله ، ومحاولة اعانته على تفهمها ، والتفطن الى طرائق حلها بنفسه ، حتي يطرد تقدمه الى تحقيق الديمقراطية المباشرة



    الفصل الثالث
    الشعب السوداني
    الشعب السوداني هو مجموع الرجال والنساء والأطفال الذين يقطنون السودان ، والسيادة ملك لهم ، ولقد قلنا أن نظامنا الديمقراطي سيكون وسيلة لتحقيق هذه السيادة للشعب ، ولذلك فانا ندعو من الوهلة الأولي الى الديمقراطية الشعبية ، ونعرفها انها حكم الشعب بواسطة الشعب ، لمصلحة الشعب ونقدر أن تحقيقها أمر عسير لأنه يقتضي شرطين: الأول أن تصدر القرارات الخاصة بادارة شؤون الدولة باجماع أفرادها والثاني أن يشترك جميع أفراد الشعب في مباشرة السيادة داخل الدولة ، حتي يكون الحكام هم المحكومين. ومع أن هذين الشرطين يستحيل تحقيقهما في الحيز العملي ، الا أننا نستطيع بالديمقراطية النيابية ، فالديمقراطية شبه المباشرة ، فالديمقراطية المباشرة أن نقترب منها دائما ، والحق ، أننا نحن السودانييين سنبدأ من أول السلم وليس بذلك من بأس اذا ما أطردت خطوات تطورنا الى أعلى السلم اطرادا واعيا ومرسوما ، ونعني بأول السلم الديمقراطية النيابية. هذا ، ويحسن بنا أن نعرف ، أن الديمقراطية النيابية ، باعتبارها الحكومة التي فيها أغلبية النواب داخل البرلمان تمثل أغلبية أفراد الشعب ، وأعضاء البرلمان في مجموعتهم يمثلون الشعب في مجموعته ، غير محققة أيضا في الحيز العملي ، وذلك لسببين: أحدهما أن جميع أفراد الشعب لا يشتركون في الانتخاب ، كالاطفال والشبان الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من أعمارهم ، وغيرهم ، وثانيهما أن البرلمان قد يحوي أغلبية برلمانية جاء بها ناخبون هم في الحقيقة أقلية بالنسبة لمجموع الناخبين. يضاف الي هذا أو ذاك ان اجتماعات أعضاء البرلمان تعتبر صحيحة ، في أغلب الأحوال ، اذا حضرت الجلسة الأغلبية المطلقة لمجموع أعضاء المجلس وتعتبر القرارات في أحوال كثيرة صحيحة ، قانونا ، اذا ما أقرها نصف الأعضاء الحاضرين بزيادة عضو واحد ، ولكن عزاءنا أننا حين نبدأ بهذه الديمقراطية النيابية ، حتي في مستواها الأدني حيث تكون انتخابات بعض النواب غير مباشرة ،) اذا كان لا بد من ذلك( هو أن هذه البداية انما هي خطوة أولي في سبيل تحقيق الديمقراطية المباشرة ، التي لن يتعلق همنا في المستوي الجماعي بشيء سواها. ذلك بأن فيها ، وحدها ، الضمان التام لاحترام الحرية الفردية ، وحسبك أن الفرد فيها حين يخضع للحكومة ، انما يخضع ، في الحقيقة ، للقوانين والقرارات التي سبق أن سنها وأقرها هو بنفسه. وسيتحقق الاجماع الذي لا تكون الديمقراطية مباشرة الا به ، كلما نشر التعليم الصحيح والثقافة السياسية الأصيلة ، حتي يقوي تفكير المواطنين ويستقيم ، ويصبح في كبريات القضايا قريبا من قريب. هذا، وأقل ما نبدأ به الآن ، هو الا يكون نظامنا الاجتماعي متعارضا الا مع ارادة الأقلية وستقل هذه الأقلية كلما اطرد تقدمنا حتي نفضي الي الاجماع ، على أن الأقلية حيث وجدت ، وبأي حجم وجدت ، لها كامل الحق والحرية في المعارضة بالاساليب الديمقراطية.
    ويجب أن نعلم أنه مهما كان شعبنا السوداني متأخرا في بعض جهات البلاد ، فانه ليس لدينا سبيل لتربيته الا باعطائه فرصة التجربة كاملة ، حتي يتعلم بالممارسة المباشرة لادارة شؤونه ، فيجب أن نعترف له بكامل حقه في الرقابة علي أعمال الحكام والنواب ، حتي ليحق له أن يستدعي نوابه ليحاسبهم علي نيابتهم عنه ، أو ينهي عضويتهم في المجلس النيابي ، ويرسل غيرهم ليقوموا بشرف النيابة عنه وله أن يحل البرلمان قبل نهاية الفصل التشريعي ، وليس لأي جهة عداه هذا الحق ، وهو يمارس حقه هذا ، في أول الأمر ، بواسطة مجالس الولايات التشريعية ، فاذا ما صوتت ثلاثة مجالس مطالبة بحل البرلمان أصدر الرئيس أمره بحل البرلمان ، على ان ينتخب البرلمان الجديد في ظرف ثلاثة شهور على الأكثر ، وعندما يتقدم الشعب، يمارس حقه في حل البرلمان بالاستفتاء العام ، وينص الدستور على الاجراءات التي تتبع في ذلك.
    ويحق للشعب أن يراقب أعمال الموظفين ، وأن يعدل الدستور ، بالاستفتاء العام او بواسطة نوابه في البرلمان ، ويحق له أن يقترح القوانين ويتضمن الدستور اجراءات ذلك ، كما يحق له أن يناقش القوانين التي يصدرها البرلمان من حيث دستوريتها ، او من حيث تأتيها للحكمة المرجوة وراء التشريع ، وتكون رقابة الشعب: أما علي اعمال الحكام الخاضعة لتقديرهم الخاص ، والتي لاتخضع لقواعد قانون محددة ، لأن الحكام يتمتعون بحرية واسعة في اختيار وسائل تنفيذ أعمالهم ، أو اوقات مباشرة تنفيذها ، أو تكون رقابته على أعمال الحكام التي يخضعون في تنفيذها لقيود قوانين معينة ، وضعت قبل القيام بتلك الأعمال.
    وهناك أمر حساس ودقيق في اعمال الحكام ، وهو القضاء ، ومع أنا نحب أن نعطي الشعب حق مراقبة القضاء غير أنا يجب أن نحتاط في باديء الأمر حتي لا يكون استعمال هذا الحق بطريقة تتدخل مع استقلال هذا الجهاز الهام ، ولذلك فانا نري أن مناقشة الشعب للمسائل المعروضة علي القضاء يجب الا تكون الا بعد أن يقول القضاء كلمته فيها. ثم ان أعتراض الشعب علي كلمة القضاء يجب الا يتعدي رفع وجهة نظر المعترضين لرئيس القضاء ، الذي سيعلن رأيه في اعتراضهم ، ويكون رأيه في ذلك الرأي الفيصل ، ومراقبة الشعب لأعمال القضاء لا تتعدي في البداية بحث ما اذا كان الحكم الصادر موافقا لقواعد قانونية محددة ، وموضوعة ، أم لا وعندما يترقي الشعب ، ويستنير الرأي العام ، يمكنه أن يراقب القضاء من حيث حكمة الاجراء ، وهل يؤدي الي غاية هي في آن معا لمصلحة الفرد ، ومصلحة الجماعة أم لا؟ وليكون للرقابة القضائية ما يرجي منها من تثقيف الرأي العام ، يعهد للقضاء بالبحث في دستورية القوانين ، ويكون هذا مقررا للقاضي العادي ، كما يكون بواسطة محكمة خاصة تسمي محكمة العدل الدستورية ، علي أن هذه الرقابة لها ما يبررها من ناحية أخري هامة ، هي احترام حقوق الأفراد ، وحمايتها من تعسف المشرع ، ثم أن رقابة الرأي العام علي أعمال الحكام لا يكون لها أثرها الفعال في حماية الأفراد وتوفير الحرية الفردية الا اذا ما نظم القضاء الاداري بحيث يمكن أن يختصم الأفراد اليه ، ضد تصرفات الحكام وما يقع من أعمال الادارة الضارة بحقوقهم وحرياتهم ، مما يكون مخالفا للقانون.
    ولتكون للرأي العام الرقابة لا بد من العلانية في جميع اعمال الحكام في أجهزة الحكم ، وبغير هذه العلانية تتعطل الرقابة ، ويبطل القول بقيام النظام الديمقراطي في البلاد ، ذلك بأن العلانية ، فوق أنها ضرورية لتنوير الرأي العام ، هي أيضا ضرورية لمجرد تحقيق الحكم الديمقراطي ، الذي لا يقوم البتة إلا حيث يراقب الرأي العام المستنير الحكام ، ويرغمهم علي أن يسيروا وفقا للقانون ، وفي الحق أن الحكام بهذه العلانية يرغمون الأفراد أيضا علي أن يطلعوا ويهتموا بشؤونهم ، فيتثقفوا ثقافة عامة جيدة هي وحدها التي تعدهم لحسن استعمال ورقة الانتخاب ، التي هي القوة الاساسية في دعائم الحكم الديمقراطي ، ثم أنه لا يكفي تقرير مبدأ العلانية هذا الا اذا نظمت وسائلها ، كالصحافة ، والاجتماعات ، والاندية الثقافية ، والراديو ، والسينما ، والمسرح والتلفزيون الخ الخ حتي يتم علم الأفراد بأعمال الحكام وهي لا تزال في طور التكوين ، فيشتركوا في تحضيرها بما يبدونه من ملاحظات ، وما يعلنونه من تأييد ، أو معارضة قد ترشد الحكام الي ما ينبغي أن يفعلوا ، وتبصرهم فيما اذا كانوا يعملون وفق ارادة الرأي العام أم ضدها.
    ان هذه الحقوق قد تبدو كثيرة علي شعب بدائي كالشعب السوداني ، وخاصة في اقاليمه ، ولكن ليس هناك علي الإطلاق سبيل صحيح لترقية أي شعب الا بوضعه أمام مشاكله واعطائه الفرصة ليتعلم من أخطائه ، علي أن تنظم جميع أجهزة الحكومة بشكل يعينه في هذا الاتجاه ، فالمشرع ، والقاضي ، والاداري والبوليس ، جميعهم يجب أن يعملوا في العلن ، وأن يكونوا واضحين ، وأن يستهدفوا تنوير الشعب وترقيته ، وأن يبتعدوا عن كبته واذلاله. والتشريع ، بشكل خاص ، يجب أن يكون واعيا وحكيما ، وأن يقوم علي التوفيق بين حاجة الفرد الي الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة الي العدالة الاجتماعية الشاملة ، والا يضحى بأيتهما في سبيل الأخري ، هذا ، وهناك حق ، كثيرا ما أريد به باطل ، وهو أن الشعب البدائي يحتاج الي تربية قبل أن يستحق ممارسة السيادة ، وهذا تسويغ للحكم المطلق ، ووجه الحق أن الشعوب تحتاج الي تربية ، بيد أن الحكم المطلق لا يربيها تربية الأحرار ، وانما يربيها تربية العبيد ، وهو بذلك لا يعدها للديمقراطية ، وانما يعدها للاذعان والانقياد ، ونحب أن ننبه الى الخطر الماحق المترتب علي هذا الاتجاه ، ونحب أيضا أن نؤكد أنه ليس هناك طريق لتربية أي شعب تربية حرة الا بوضعه أمام مشاكله ، ومحاولة اعانته على تفهمها ، والتفطن الى طرائق حلها بنفسه ، حتي يطرد تقدمه الى تحقيق الديمقراطية المباشرة.
    الفصل الرابع
    المواطن ومسئولية المواطن
    المواطن هو المولود داخل السودان من أب سوداني ، وفي بعض الاعتبارات ، هو أيضا المولود خارج السودان من أب سوداني بالميلاد ، أو بالتجنس أو هو المتجنس بالجنسية السودانية وسينص الدستور علي شروط واجراءات التجنس وغير المواطن يحرم من تولي مناصب بأعيانها ينص عليها الدستور نصا مفصلا ، كما يحرم من حق التصويت ، ومن مزايا المساواة الاقتصادية ، وسيحدد الدستور ما له وما عليه ، وأول واجبات المواطن استعمال حق الانتخاب بحكمة ، سواء كان ذلك لانتخاب مجلس القرية ، أو المدينة ، أو المقاطعة ، أو الولاية ، أو الحكومة المركزية. زيادة علي المشاركة بكل مواهبه في تحسين حياة المجموعة الصغيرة والكبيرة التي يتواجد فيها ، وفي تنوير المواطنين ، والنصح لهم والاخلاص ، ونشر الثقافة العامة بينهم ، من اجتماعية ، وسياسية ، واقتصادية ، وفنية ، وعلمية ، والاهتمام التام في الحياة اليومية بكل كبيرة أو صغيرة في البلاد ، لأن هذا الاهتمام يبصر المواطنين بالصالحين من الرجال ومن النساء ، ويعرفهم بالمشاكل المحلية والعالمية ، التي تراد معالجتها ، وبدون كل ذلك لا يتيسر استعمال حق الانتخاب بحكمة..نواصل

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147536197&bk=1
                  

11-19-2008, 01:39 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    حكايات ذات عِبر من الدهر الذي غبر
    د. محمد وقيع الله

    كيف طاح خصوم الحركة الإسلامية السودانية أجمعون؟!
    هذه ظاهرة من ظواهر تاريخ الحركة الإسلامية السودانية الحديثة جديرة حقاً بالتأمل والتدبر والاعتبار. ذلك أن أكثر من عادوها أشد العداء وناصبوها ألد الخصومة الفاجرة غير الشريفة، كتب لهم البوار وسوء الخاتمة في دنيا السياسة، وربما في هذي الحياة برمتها. ودعنا نستعرض بعض نماذج ساطعات!
    أعداء الستينيات:
    اشتد عود الحركة الإسلامية السودانية في أواسط ستينيات القرن المنصرم، وكانت حينها منهمكة في دورَي التكوين والمقاومة على السواء. وأشد ما لقيته من الكيد جاء حينذاك من التكتل الناصري الشيوعي الطائفي الذي كان مرتبطاً بمصر الناصرية التي كانت تضطهد الحركة الإسلامية في بلادها وتكيد للحركة الإسلامية في السودان، وتسخر هؤلاء ليحاربوا الإسلام وأبنائه في هذه البلاد. ومن يطالع تاريخ الحزب الشيوعي السوداني في تلك الحقبة فسيرى بجلاء كيف كان أقطابه يضعون في طليعة اهتماماتهم ومشاغلهم اليومية محاربة الصحوة الدينية والدعوة إلى الدستور الإسلامي ومن كانوا وراءها من شباب الدعاة.
    هؤلاء جميعاً ومعهم عصبة قليلة ضالة من الناصريين، وشيخ معمم ينتمي لطائفة دينية ارتبط بحكومة مصر الناصرية أشد الارتباط، تورطوا في موقف لا أخلاقي مهين، إذ ظلوا يدافعون أشد الدفاع عن القرار الإجرامي الذي أصدره جمال عبد الناصر بإعدام المفكر الكبير سيد قطب، وما حجزهم حاجز من خلق ولا صدهم طائف من حياء أن يسيّروا موكباً ذليلاً قوامه دهماء السوقة ورجرجة الأمة وجفاتها طاف بشوارع سوق بالخرطوم وردد الهتافات (الداوية!) المؤيدة والمرحبة بإعدام سيد قطب، ذلك مع أن زعيماً سودانياً ليس مسلماً هو فيليب عباس غبوش أعلن اعتراضه على قرار إعدام الشهداء وأبدى احترامه الجم لسيد قطب وناشد من قبة الجمعية التأسيسة زعيم مصر التالف عبد الناصر أن يراجع ذلك القرار!
    في تلك الحقبة تبدل اليساريون والطائفيون الأدوار. فبينما بقي اليساريون يكيدون للحركة الإسلامية من خارج دائرة السلطة، ظل الطائفيون يكيدون لهم من داخلها. وما فتئ عبد الناصر، كما اعترف بذلك رئيس الوزراء الأسبق، الرجل الشريف محمد أحمد محجوب، في مذكراته (الديمقراطية في الميزان)، يحرض الحكومة السودانية في إلحاح متواصل لتبطش بالإسلاميين السودانيين. ولأن محمد أحمد محجوب زعيم ديمقراطي بحق وحقيق فإنه لم يستجب لذلك التحريض المتوالي شديد الإيقاع. أما غيره من أتباع مصر الناصرية في الحكومة السودانية فقد تسارعوا للاستجابة للنداء وخصصوا خلية نشيطة في وزارة الداخلية لتتجسس على الإسلاميين. ومن حصيلة الوثائق والقوائم التي أعدها هؤلاء الاستخباريون استمد ضباط نميري أولى أسانيدهم لمطاردة كوادر الحركة الإسلامية عند انقلابهم على الحكومة الطائفية في 25 مايو 1969م.
    الأخلاء الأعداء:
    وبعد قليل بان أن هؤلاء الأخلاء كان بعضهم لبعض عدواً إذ انقلب اليساريون على الطائفيين، وأبعدوهم عن سُدة السلطة لعقد ونصف ونيف من السنين. وهي حقبة نما فيها عود الحركة الإسلامية واشتد رغم توالي الزلازل والإحن. أما غلاة اليسار من الشيوعيين الذين ابتهجوا بادي الرأي لوقوع المحن على الإسلاميين وإيداعهم السجون، حتى نادى كبير لهم هو المهندس الشيوعي المعروف أخو فاطمة، صاحب بيارتي السوكي الأولى والثانية والحقيقة التي لم يبقوها لشعبنا ولم يفصح عنها منهم أحد، قائلاً إن زعماء الإسلاميين لن يروا الشمس مرة أخرى، فإنهم سرعان ما لقوا مصارعهم على يد الحكومة التي كانوا يؤيدونها وطمعوا أن يرثوها بانقلاب النهار الذي طغى عليه انقلاب نهار آخر أسلم زعماءهم إلى الجلادين وقصم ظهر حزبهم فلا يزال كسير الظهر حتى اليوم!
    أين الرأس من الذنب؟!
    وكان إمام من زعماء الدجل الديني والشطح الباطني يحرض على الحركة الإسلامية متحالفاً مع حكومة مايو ومشيداً بها، لأن فضيلتها الأولى كما قال هي أن حاربت الهوس الديني، ممثلاً بدعاة الدستور الإسلامي، وحلت حزبهم الذي يدعو للإسلام برسالته الأولى، التي لا تناسب إنسانية القرن العشرين!
    وبقي ذلك الزعيم الغنوصي ثلاثة عشر عاماً طوالاً مؤيداً لمايو، ومتماهياً معها، ومتفانياً في حبها، إلى أن اتجهت مايو وجهتها الإسلامية المعروفة، فحاربها وحاربته، وانتهى الأمر بأن زجت به في السجن، وأسلمته إلى أيدي البلى، وانهشم هيكل الحزب فما تدري له اليوم رأساً من ذنب!
    ثم جاء الدور على مايو نفسها عندما أقنعها الغرب بالتخلي عن وجهتها الإسلامية، والتنكر للإسلاميين المتصالحين معها، والغدر بهم، وإلباسهم ثوب التهم الكاذبة، والتهيؤ لمحاكمتهم وإعدامهم، فانهارت بعد أقل من شهر من يوم مكرها وغدرها بدعاة الإسلام الأوفياء الصادقين. (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
    بروز الحركة بكامل حجمها:
    وودَّ قادة ما كان يسمى بالتجمع النقابي والحزبي الذي كان بعض أقطابه على تآمر مفضوح مع استخبارات الغرب، أن لو يرثوا مايو ويعزلوا الحركة الإسلامية عن المشهد السياسي، ويلغوا الشريعة الإسلامية، ولكن هان مسعاهم وخاب، لأن الحركة الإسلامية برزت يومها قوية فتية أبية بكامل حجمها الذي لم يكن منظوراً من قبل، فهابها الجميع، وارتعدت فرائصهم، وتراخت قبضاتهم، وتهاوت دعاويهم، فلم تمتد يد لإلغاء الشريعة، خوفاً من أن يبترها الشعب الذي عبأته الحركة الإسلامية لحماية شرع الله.
    ثم ما مضت إلا بضعة أشهر في العام الانتقالي الذي تبع سقوط مايو، إلا وقد أخذت رموز التجمع في التسابق إلى التخاذل والتهاوى في المعاطب والفضائح والمهاوي. وجاءت الانتخابات البرلمانية بآخر ذلك العام، فهزموا شر هزيمة وفروا الدبر، فمنهم من التحق بحركة التمرد في الجنوب، ومنهم من رجع إلى قواعده الأولى في بقايا فلول الحزب الشيوعي السوداني.
    بدعة لا نظير لها في التجارب البرلمانية:
    وجاءت الانتخابات بحكومة طائفية مشلولة لا تحترم القيم الديمقراطية التي جاءت على أساسها، حيث تعهد أحد زعمائها بإسقاط مقترحات المعارضة البرلمانية (ممثلة في نواب الحركة الإسلامية) بالجملة دون النظر فيها ومعرفة إذا كانت مفيدة أم لا. ثم جاءت تلك الحكومة ببدعة أخرى لا نظير لها في تاريخ النظم الديمقراطية، عندما اجتمع نوابها وقرروا بأغلبيتهم الميكانيكية أن يدينوا المعارضة في البرلمان، وأن يطاردوها في أي مكان.
    ولما أعياهم ذلك المسعى فضلوا أن يستصحبوا المعارضة في حكومة وعدت وعداً جازماً أن تعيد صياغة القوانين الإسلامية خلال شهرين، هي ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية، ولكن قيادة الجيش المتآمرة مع القوى الخارجية أرعبت الطائفية بمذكرتها السياسية، التي طالبت بإبعاد الحركة الإسلامية عن مفاصل الحكم. وكان لها ما أرادت، حيث أخرجت الحركة الإسلامية عن السلطة، وتنكّرت الطائفية لتعهداتها بإمضاء شرع الله، وصوت نواب البرلمان لصالح قرار يقضي بتجميد الحكم بشرع الله!
    الضربة الفنية المزدوجة:
    كان تدخل قيادة الجيش ضد نفوذ الحركة الإسلامية سافراً وغير مبرر بأي معيار مهني أو سياسي. وبدا واضحاً أن قيادة الجيش كانت في سبيلها للتحرك ضد الحكومة الطائفية وضد الحركة الإسلامية. وهاهنا ما كان للحركة الإسلامية أن تنتظر طرفة عين واحدة بعد الذي رأت من تربص العسكريين وتحرشهم بها. فطاحت قيادة الجيش بفعل الضربة الفنية المزدوجة التي طال بها انقلاب الإنقاذ الحكومة الطائفية العاجزة وقيادة الجيش على السواء!
    ليسوا بعد من الأموات:
    وأما فرع حزب البعث العراقي بالسودان فقد كان قادته هم الآخرون يتربصون ويحرضون ويحرشون على الحركة الإسلامية. ولم يستح زعيمهم الحالي أن يذكر في إفادة له جاد بها حديثاً أنه كان يصحب رئيس الحزب السابق في وفد الوشاة الذين يسعون بالكيد للحركة الإسلامية لدى الطائفيين. ومن داخل الجيش ظل البعثيون يتحينون اللحظة السانحة لتنفيذ انقلاب لهم ضد الطائفية وضد الإسلاميين، إذ كانوا يمتلكون ثاني أكبر تنظيم في الجيش بعد الإسلاميين.
    ولما هالهم أن يسبقهم الإسلاميون بانقلاب الإنقاذ، قاموا بانقلاب مضاد في أيام الإنقاذ الأولى جرى إحباطه بسهولة، ثم كرروا فعلتهم بشكل أضخم بعد أشهر فهزموا شر هزيمة، وانهار انقلابهم، وخارَ حزبهم، ولم يعد لهم من قائم يذكر في هذه البلاد، إلا بعض كتاب يسطرون مقالات باهتة في الصحف، وبضع دعاة يقيمون ندوات ومحاضرات يعلنون بها أنهم ليسوا بعد من الأموات!
    بند المؤلفة قلوبهم:
    ولما لم يكن لأحزاب المعارضة الأخرى من طائفية ويسارية وعنصرية من فاعلية ولا قدرة على المعارضة إلا بالاستقواء بالدول الأجنبية، فقد فرت القيادات الحزبية المتطرّفة لتعلن الحرب على الإنقاذ من الخارج مستعينة بالدول المعادية والمنظمات الكنسية والاستخبارية والأبواق الإعلامية المأجورة.
    ولكنهم مع استعانتهم بكل من هب ودب من قوى الشرق والغرب، ومع رهنهم لأنفسهم ومصالح بلادهم ومستقبلها لكل من دفع لهم عربون ثمن، فقد باءوا بأشد خُسران وغُرم، وفقدوا المصداقية والشرف الوطني، وتساقطوا واحداً إثر واحد، وعاد من عاد منهم ليصالح الإنقاذ ويدرج نفسه في بند المؤلفة قلوبهم.
    وإخوانهم يمدونهم في الغي:
    وبعد ثلاثة عشر عاماً في حرب الانقاذ والكيد لها هوى رأس حركة التمرد الذي جندَّ له إخوانه الأفارقة الذين كانوا يمدون له في الغي، وذلك عندما رأوا أنه على وشك أن يخرج عن حدود الإطار والدور الذي رسموه في أخيلتهم لمستقبله الذي لا ينبغي أن يحيد عنه ويتعداه!
    كيد الخلعاء:
    كان هذا كله من ضرب العداء الناصب الذي نصب للحركة الإسلامية السودانية من خارجها. ثم جاء أخيراً من يكيد لها من داخلها. وهؤلاء هم خلعاء الحركة الإسلامية المشتطون، الذين خلعوا عَقد الولاء، وخانوا عهد الدعوة وميثاقها، يقودهم قائد الحركة السابق، الذي هزم في أكثر من مجلىً في الفترة السابقة، وسيهزم بإذن الله كثيراً في معارك الأيام اللاحقة.
    هزم هذا الشخص في محاولته المحمومة للاستيلاء على الحركة الإسلامية بمؤتمر العشرة آلاف مندوب الذي أقامه لمعاقبة عشرة أشخاص تقدموا إليه مذكرة مناصحة ظنها طليعة مؤامرة عليه. وفشل في محاولة ابتزاز الحركة الإسلامية بإذاعة أسرارها على الملأ. وأخفق في محاولة الإنقلاب العسكري العنصري التي دبرها حزبه المارق، وعجز عن تأليب الأحزاب الطائفية والعلمانية اليسارية ضد الحركة الإسلامية، لأن هذه الأحزاب أبت أن تعطيه ثقتها حتى لا تلدغ من جحره مرتين!
    وحبطت آماله في كسر الجيش السوداني بزجه في تمرد دار فور، وخاب في توجيهه لمحاولة الغزو الفاشل لأم درمان. ومن جنس هذا المآل الخاسر ستأتي بإذن الله تعالى عاقبة بقية جهوده ومحاولاته الدائبة التي لن تهدأ ولن يقر لها قرار حتى النفس الأخير.
    وستتوالى بحول الله تعالى وطوله هذه الهزائم المنكرة على خلعاء الحركة الإسلامية جميعاً، وتنهار مؤامراتهم في تدبير الكيد لها وتحريض الغير عليها، وتبصير استخبارات الغرب بأفضل السيناريوهات المتاحة لقتلها، وهذا هو بعض الإثم الذي باء به أحد خلعاء الحركة الإسلامية بلندن، وسنفضح أمره كاملاً ذات يوم للقراء بإذن الله.
    وأخيراً فإنها بلا أدنى شك ظاهرة جديرة بالتأمل والتدبر فيما نرى. وقد آن لأعضاء الحركة الإسلامية السودانية، وآن لخصومها، وآن لخلعائها كذلك، أن يتأملوها، فيأخذوا منها عبرة بالغة من عبر الدهر الذي غبر!


    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=58214
                  

11-19-2008, 02:00 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! الجزء الثانى (Re: عبدالله عثمان)


    الفنون علي مسرح الفكر الجمهوري(4)
    محمد محمد الأمين عبد الرازق
    الموسيقى أقدم ، وأعرق الفنون وأسماها، وهي قديمة قدم الصورة التي قلنا أنها أصل الفنون، إلا أن إدراكها جاء متأخرا.. وهي أثر للحركة، فكل متحرك مصوت، لكن أسماعنا، نحن البشر، مقيدة بنطاق محدد من الأصوات.. فالصوت الناتج من دوران الأرض حول الشمس، مثلا، يقع خارج طاقة آذاننا، كما أن الصوت الذي تحدثه ألأحياء الدقيقة، كالباكتريا إنما يقع تحت نطاق أسماعنا.. فالموسيقى هي الحركة التي بها برز الوجود، ومن هنا جاءت موسيقى الصوت الموقع، ثم موسيقى الآلات الوترية التي تطورت إلى الأجهزة الكهربائية الحديثة.. والوجود دائما في حركة ثنائية، الليل يعقبه النهار، فهما نغمتان، ونحن نسير على رجلين، وكذلك ضربات قلوبنا.. ومع تطور الإنسان وتقدم ادراكاته، فقد اتجه إلى أن يملأ المسافة بين هاتين النغمتين، أو قل حاول بطريقة حسابية، وعلمية أن ينتقل بين النغمتين الأولى والثانية، انتقالا هادئا منسجما، منغما من غير شذوذ ولا نشاز.. وهذا ما سمي بالسلم الموسيقي.. والأصل في صناعة الأوتار الموسيقية، هو أن يشد الوتر بين طرفين، وبالطرق عليه نحصل على نغمة معينة تملأ الفراغ بين الطرفين.. وعندما يقسم الوتر إلى نصفين، ونطرق عليه نحصل على نغمه جديدة، ثم يقسم إلى أثلاث، أرباع، أثمان وهكذا تتكون لدينا نغمات في ذبذبات مختلفة، تعطي إمكانية التنغيم المهذب، الممتع عند العازف الماهر.. وبما أن كل مافي الوجود له ما يقابله في داخل نفس الإنسان، فإن الموسيقى لها نظير كذلك هو أصلها، قال محي الدين ابن عربي في ذلك: (وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر).. فالإنسان خلق في أحسن تقويم، ثم رد إلى أسفل سافلين، ومن هذه النقطة بدأ طريق العودة إلى أحسن تقويم، (وأن إلى ربك الرجعى).. ومن هذا الأصل يبرز تعريف الموسيقى في حقيقتها العليا، فالنستمع إلى الأستاذ محمود يحدثنا في ذلك، من كتابه (الإسلام والفنون): (الموسيقى أسمى الفنون ، وأعلاها ، وأقدمها.. وهي ، في حقيقتها القديمة ، هذا اللحن العلوي ، الذي تحرك في سلمه السباعي ، يحكي منازل الإنسان وهو يسير في طريق الاغتراب ، ثم يحكيها وهو يسير في طريق الرجعى إلى الوطن القديم .. هذه الحركة هي المحكية في قوله ، تبارك وتعالى ، (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير ممنون) في هذه ثلاث الآيات جاءت صورة الاغتراب ، وصورة العودة من الاغتراب .. هذه الحركة في الهبوط وفي الرجعى ، هي حقيقة الموسيقى .. وهي ، في جميع مراحلها في البعد والقرب ، ذات سلم سباعي ، مرحلتها الأولى ، في طريق البعد ، الصفات السبع: الحي ، العالم ، المريد ، القادر ، السميع ، البصير ، المتكلم .. ومرحلتها الثانية الحواس السبع: القلب ، والعقل ، والسمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس .. ومرحلتها الثالثة النفوس السبع: الكاملة ، والمرضية ، والراضية ، والمطمئنة ، والملهمة ، واللوامة ، والأمارة ... ومرحلتها الرابعة الأيام السبعة: الأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، والجمعة ، والسبت .. ومرحلتها الخامسة السموات السبع: السماء السابعة ، والسادسة ، والخامسة ، والرابعة ، والثالثة ، والثانية ، والأولى .. ومرحلتها السادسة ، الأرضين السبع: الأرض الأولى ، والثانية ، والثالثة ، والرابعة ، والخامسة ، والسادسة ، والسابعة ، ومركز هذه هو أسفل سافلين المشار إليه في الآية الكريمة ، حيث قال ، جل من قائل (ثم رددناه أسفل سافلين) وقد نزل الإنسان هذه المنزلة في مرحلة التنزل السابعة .. ثم انه استأنف سيره في طريق الرجعى ، من هذا البعد السحيق .. ولقد جاءه الاذن بأن يأخذ في طريق الرجعى ، وذلك حيث حكى الله تبارك وتعالى عنه (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، أنه هو التواب الرحيم ..) وإنما تاب عليه ليتوب – يعني ليرجع ..
    وفي أسفل سافلين ، وهو مركز الأرض السابعة ، كان آدم في أدنى درجات التجسيد – ذرة غاز الهيدروجين .. ثم أنه أستأنف سيره في طريق الرجعى فنزل المنازل المختلفة ... وحين دخل مرتبة المادة العضوية ، وظهر في حيوان الخلية الواحدة ، بدأت الحواس بحاسة اللمس "الحس" وأطرد ترقيه حتى دخل مرتبة الحيوان السوي ، المكتمل ... وهذا معنى قوله تبارك وتعالى (فإذا سويته) .. ثم أطرد ترقيه ، ودخل مرتبة البشرية ، وصار له عقل .. فذلك معنى قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي) .. ثم أنه نزل منزلة التكليف ، حين صار له عقل ، وحين أصبح له في ملكوت الله ذكر ، بعد أن لم يكن .. فذلك معنى قوله تعالى (هل اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ..) هذه هي الموسيقى في حقيقتها العليا .. هذا اللحن المنسجم ، المنسق ، المهذب الحواشي ، المنطلق في طريقي الصدور والورود – الصدور من موطنه الأول إلى موطن البعد والاغتراب ، والورود من هذا البعد آيباً إلى موطنه الأول من جديد بعد طول هذا الاغتراب ، وطول هذا البعد – هذا اللحن – هذه الحركة المحتشدة – هو الموسيقى في حقيقتها العلية. وطريق الأوبة ، من أسفل سافلين ، إلى الموطن الأول ، في أحسن تقويم ، طريق مرسوم عبر الأرضين السبع ، والسموات السبع ، في تعاقب الأيام السبعة ، في مراقي النفوس السبع ، والحواس السبع ، والصفات السبع ، إلى مرتبة الإنسان الكامل ذات المقامات السبعة.
    وفي أثناء طريق العودة ومن خلال تعاقب الأيام السبعة ، نشأت العناصر المختلفة ، ثم نشأت الحياة ، ونشأت الأديان ، ونشأت العلوم ، ونشأت الفنون ، وذلك في الآماد السحيقة ، من الأزمنة السحيقة ... ونحن ، في هذا المجال الضيق ، لا يسعنا إلا أن نفقز قفزة كبيرة ، نصل بها إلى نهايات البدايات ، حيث الأديان والعلوم التي نألفها اليوم ، وحيث الفنون في المستوى الذي نعرفه عن الكلمة المنظومة ، والكلمة المنثورة ، وحيث النحت ، والرسم ، والتصوير ، والغناء ، والرقص ، والموسيقى ، والتمثيل ، وبقية ضروب الفنون .. وأعرق الفنون وأعظمها ، وأشرفها ، على إطلاقها ، الموسيقى ... وإنما يجئ شرفها من أمرين: أحدهما ارتباطها بالأصوات ، والصوت لازمة لا تنفك عن الحركة ، والحركة أصل الوجود الحادث ، على إطلاقه .. وثانيهما أنها تدرك بحاسة السمع ، وحاسة السمع أشرف الحواس السبع ، (ماعدا القلب والعقل) فهي تلي القلب ، والعقل ، وتجئ بعدها حاسة البصر ، ثم حاسة الشم ، ثم حاسة الذوق ، ثم حاسة اللمس (الحس) ... ويجئ شرف حاسة السمع على حاسة البصر ، وبقية الحواس الأخرى ، من سعة ما تؤدي إلى العقل من معلومات ، وإلى القلب من أحاسيس .. هذا ما من أجله قدم السمع على البصر في سائر آيات القرآن ، وأعطى منزلة الشرف فيها.
    السمع يتأثر بالأصوات ويؤديها إلى العقل ، والقلب ... والأصوات هي الأكوان جميعها .. المرئي منها ، وغير المرئي ، والمسموع منها ، وغير المسموع .. فإنه ما من شئ في الكون الحادث إلا وهو في حركة لا تنقطع ، حتى أكثف المواد التي نراها ، ونعرفها ، فإنها في الحقيقة ، مهلهلة ، مخللة بفجوات ، تتحرك فيها ذرات تكوينها حركة متصلة كما تتحرك ذرات البخار في السحابة (وترى الجبال تحسبها جامدة ، وهي تمر مر السحاب .. صنع الله الذي اتقن كل شئ .. أنه خبير بما تفعلون) وكل متحرك لا بد مصوت ، ولكننا نحن لا نسمع إلا قطاعاً خاصا ، وصغيراً جداً ، من أصوات هذه العناصر المتحركة .. أن ما نسمعه منها بالنسبة إلى ما لا نسمعه كالنقطة من المحيط بل هي أصغر ، ولقد قيدنا بعض الأصوات التي نسمعها فيما سمى بالحروف الرقمية ، وهي عندنا في اللغة العربية ، ثمانية وعشرون حرفاً ، هي الحروف الأبجدية المعروفة ، هذا إذا لم نعد لام الألف والهمزة المقطوعة .. وهناك كثير من الأصوات التي نسمعها لا تخضع في ضبطها للحروف الرقمية ، وجاء تسجيل الموسيقى للأصوات بصورة أوفى من تسجيل الحروف الرقمية ، وهو ذو سلم سباعي هدفه دقة التنغيم في الانتقال بين مستويين من مستويات الصوت ، وكأنه ، في ذلك ، حكاية لأطوار الخلق السبعة ، التي سبقت الإشارة إليها ، في أمر الصفات ، والحواس ، والنفوس ، والسموات ، والأرضين ، والأيام ، وغرض الموسيقى من اللحن المنغم ، المتسق ، المهذب الحواشي ، أن توجد في داخل النفس البشرية ، نوعاً من التنغيم ، والاتساق ، والتهذيب ، يحل محل التشويش ، والنشاز ، الذي يعتمل فيها ، هذا هو السر في الراحة التي تجدها النفس عند الاستماع إلى قطعة من الموسيقى الراقية ، ومع ذلك فإن الموسيقى ، في جميع مستوياتها ، قاصرة عن تأدية هذا الغرض ، إلا لفئة قليلة جداً من الناس ... وهي حين تؤديه إنما تؤديه في حد ضيق جداً ، وذلك يرجع لسببين رئيسيين ، أولهما: ضيق نطاق الأصوات الذي تعمل فيه الموسيقى ، إذا ما قورن بالأصوات من الحركات التي هي موروث النفس البشرية في منازلها المختلفة التي أوردنا إليها الإشارة آنفاً .. وثانيهما هو أن الموسيقى لا تملك منهاجاً يقوم بترويض النفس البشرية ، وتدريجها ، حتى تستطيع أن ترتفق بالموسيقى الراقية فتحقق بسماعها قدراً من التنغيم الداخلي والمواءمة.) انتهى..
    القرآن كتاب تسليك وهداية، في الدنيا والآخرة،في سير سرمدي في طريق الرجعى إلى الله.. والقرآن في موسيقاه مشدود بين طرفين: الذات لدى الصدور (الحقيقة العبدية)، والذات لدى الورود (الحقيقة الإلهية).. وسنركز على طرف العودة من أسفل سافلين، لمكان الإرادة البشرية فيه وانعدامها في طرف الصدور ولضرورة تبيين علاقة المنهاج العلمي بالموسيقى في هذا المستوى.. فحول موسيقى القرآن قال الأستاذ محمود في نفس المصدر: (والموسيقى القرآنية التي تهمنا الآن ، إنما هي معزوفة على الوتر المشدود بين أسفل سافلين ، وبين الحقيقة الآلهية ، في أول نقطة الورود .. في هذا المضمار يرد الترقي بوسائل الشريعة .. ووسائل الطريقة ، ووسائل الحقيقة .. وهذان الطرفان (الحقيقة الآلهية ، وأسفل سافلين) نقيضان ، أو قل ضدان ، أو قل زوجان بين طرفين تريد أن تملأ الفراغ بالنغم المنسجم ، المتسق ، فكذلك العبادة ، هي محاولة لملء الفراغ بين طرفين بتحرك منسق ، ومهذب ، من الطرف الأدنى إلى الطرف الأعلى ، من غير قفزات ، ولا نشوز ، ولا اضطراب ، وهذا وجه من الشبه كبير بين اللحن الموسيقي ، في الموسيقى ، واللحن الموسيقي ، في حياة الحي ، العاقل ، السالك .. وإنما جاء القرآن بموسيقاه التي ذكرناها ليرشد السالكين في طريق عودتهم ، من الاغتراب إلى الوطن – من البعد إلى القرب – أو قل: من الأدنى إلى الأعلى ، أو قل: من الحيوانية إلى الإنسانية .. (الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ..) والضدان ، أو قل الزوجان هما أصل الوجود الحادث (ومن كل شئ خلقنا زوجين ، لعلكم تذكرون * ففروا إلى الله ، أني لكم منه نذير مبين) .. وإنما خلق الله ، في الوجود ، الزوجين .. لنفهم عنه نحن لأن عقولنا لا تميز الأشياء إلا باضدادها .. فنحن لا نعرف الحلو إلا بوجود المر ، ولا نعرف الخير إلا بوجود الشر ، ولا نعرف الحياة إلا بوجود الموت ، ولا نعرف النور إلا بوجود الظلام .. فكل شئ قد خلق زوجين اثنين (سبحان الذي خلق الأزواج كلها: مما تنبت الأرض ، ومن أنفسهم ، ومما لا يعلمون ..) وفي قمة الأزواج الله والإنسان الكامل .. وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى (ومما لا يعلمون ..) .. وفي سيرنا في العوالم إنما نحن سائرون إلى الله – انما نحن مرتفعون من الأدنى إلى الأعلى – نستعين ، في سيرنا ، بالتمييز المستمر الذي تروض عقولنا عليه الأزواج المختلفة ، في الموجودات المختلفة ، إذ نحن مأمورون بالسير من الموجودات إلى الموجد ، ومن الأكوان إلى المكون (ففروا إلى الله ، أني لكم منه نذير مبين) وإنما انزل الله القرآن ليعيننا على تسديد وترشيد ، فرارنا هذا ، من كل ما سوى الله ، إلى الله .. ولقد استعمل القرآن في موسيقاه الحرف ، واستعمل الكلمة ، استعمل الكلمة في دقة من المعاني معجز ، وفي جمال من التركيب معجز ، وفي لحن من النظم الفني يبعث في النفس الطرب ، والنشاط ، والرغبة في التكرار الذي لا يمل ، ولم يستعمل القرآن الحروف إلا بعد ان استنفد وسع الكلمات ، وهو إنما استعمل الحروف ليخبرنا أن معانيه أكبر من أن تؤديها الكلمات ، مهما طوعت .. وتبدأ الحروف ، على ذلك ، بعد أن تعجز الكلمات .. ولقد استعمل القرآن أربعة عشر حرفاً ، من الحروف الأبجدية الثمانية والعشرين ، في افتتاح تسع وعشرين سورة ، على أربع عشرة تشكيلة .. ومعاني الحروف عنده تنزل في ثلاث مراتب: مرتبة الحروف الرقمية ، وهذه هي الثمانية والعشرون حرفاً المعروفة في أبجدية اللغة العربية .. وأعلى منها مرتبة الحروف الصوتية ، وهذه تتعلق بالأصوات .. والأصوات بدورها تتعلق بالحركات .. ولقد قررنا أن جميع ذرات الوجود في حركة لا تنقطع .. فهي أذن مصوتة ، وأصواتها لا تنقطع .. فنسبة الحروف الرقمية إلى الحروف الصوتية كالقطرة من المحيط ، ثم أوسع من هذه ، وتليها في الرفاعة ، مرتبة الحروف الفكرية .. وحركة الفكر أسرع من حركة المادة ، في ألطف صورها – الضوء .. حركة الفكر أسرع من سرعة الضوء .. فالحروف الفكرية تكاد في سعتها تلحق بالإطلاق .. وهي في الحقيقة ، تقف على عتبة الإطلاق .. فعندما يتناهى الفكر في الحركة يعجز عن الحركة ، ويتوقف .. وفي نقطة توقفه يبدأ الإطلاق .. وهذه النقطة هي قمة ما توصل إليه إشارة القرآن .. فالقرآن ، في جملة ما تؤدي كلماته ، وحروفه ، ليس هو عبارة عن الذات ، وإنما هو مجرد إشارة إلى الذات .. فالذات فوق العبارة ، وهي ، في الحقيقة ، فوق الإشارة .. فغاية ما تؤدي إليه موسيقى القرآن هي توصيلنا إلى عتبة الذات ، ثم تخلي بين حياتنا ، وبين الحياة السرمدية ، الخالدة ، التي لا تحيط بها العبارة ، وتقصر عنها حتى الإشارة ..راجع كتابنا (الرسالة الثانية من الإسلام)...
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de