السودان وخذلان الصفوة، منصور خالد يحاكم بناة الاستقلال، المحجوب في الميزان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 09:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.منصور خالد
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-06-2003, 08:49 AM

البعيو

تاريخ التسجيل: 12-07-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان وخذلان الصفوة، منصور خالد يحاكم بناة الاستقلال، المحجوب في الميزان


    البيان

    الاربعاء 29 شعبان 1422 هـ الموافق 14 نوفمبر 2001
    ترجمة الكلمة التي القاها باللغة الانجليزية المفكر والسياسي والكاتب د. منصور خالد وزير خارجية السودان الاسبق في افتتاح المؤتمر الذي انعقد في مركز جامعة كمبردج بلندن بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل السياسي والاديب الشاعر محمد احمد محجوب رئيس وزراء السودان الاسبق.
    في مناسبة كهذه لابد من ان نقدم تحية اجلال وتقدير لرئيس الوزراء السابق محمد احمد محجوب فقد كان في نبله كرجل قلباً كبيراً من الرقة والسماحة، اما المحجوب الدبلوماسي، كما جاء في الاعلان عن هذا المؤتمر فهو الذي شيد صرحاً للحكمة في العديد من المؤتمرات، والمحجوب كناقد ادبي حاذق وشاعر بارع وكاتب حصيف قد سما عن العوام وكان الفارس اللامع الدروع في حلبة الثقافة السودانية.
    ونزيد عاش المحجوب كفرد عادي حياة تعد انموذجا للمواطن السوداني في اعلى درجات الصفاء والاحترام، كما كان للمحجوب كمناضل من اجل الحرية مساهماته البارزة في النشاط الوطني منذ الاستعمار وفي خطوات السودان حتى نيل استقلاله وفي ميلاد تقاليد برلمانية نابضة بالحياة، وفي هذا السياق يستحق المحجوب الانحناء تقديرا واحتراماً. اننا ندين للمحجوب ورفاقه بميلاد السودان المستقل وقيام دولة السودان، وكل ما سبق ذكره ما هو إلا نذر يسير عن شخصية المحجوب، وهناك المحجوب السياسي المفكر ومحامي المحامين، لكن بعض هذه الملامح في شخصية المحجوب تستدعي لنقل، فحصاً واعادة نظر ولعل ما يثير الشعور بالحرج ان يكون من يفكك هذه النسيج الانساني الرائع متشابك الخيوط، شخص كان له شرف تعلم الكثير تحت اقدام المحجوب.
    ولكن قبل ان آخذ على عاتقي هذه المهمة الشاقة دعوني في البدء اهنيء منظمي هذا المؤتمر على احتفائهم بذكرى احد رموز الانجاز في السودان، فقد ظللنا لوقت طويل ننظر الى هؤلاء الافذاذ من خلال منظار مشوش بالفوارق والتباين الايديولوجي والتنافر والكراهية السياسية.
    ولعل الواجب هو انه مهما كانت الخلافات بيننا يتعين علينا ان نضع احتمالات الشك التي تحملنا على التردد في قبول التصنيفات الجاهزة للناس. فقد حقق المحجوب ونفر من ابناء جيله نجاحات كثيرة يستحقون عليها التقدير، لكنهم ارتكبوا اخطاء ايضا، ونحن بحاجة الى قدر من المساحة لاطراء ما حققوا من نجاحات والى قدر من تفتح الذهن للتثمين الايجابي لاخطائهم.
    و ان منظمي المؤتمر بدعوتهم لنا الى تفحص دقيق لفترة ما قبل النزاع قد اثبتوا بعداً في النظر الى ما يمكن ان تحمله الايام، والاحزاب السياسية السودانية ابدا والى يومنا هذا تنحصر نظرتها في ما بعد الانتخابات المقبلة. اما الصفوة غير المنشغلة بالحزبية فسوى توزيع اللوم على الاحزاب ليس لها إلا القليل لتقوله عن الهموم التي تقبض بخناق البلاد.
    مع اخذ كل ما تقدم في الاعتبار وبادراك تام لرغبة منظمي المؤتمر في تقديم الانجازات الماضية وتعريف دور المثقفين السودانيين وتحديد اهمية مساهماتهم مقارنة وتناقضا مع مفاهيم الجيل الجديد، نود ان نقدم نقداً تحليليا لمساهمة المحجوب المفكر، رجل الدولة والسياسي.
    بناء الدولة
    لا جدال في ان المحجوب لعب دوراً في جهود بناء دولة امة، لهذا وفي محاولة لتعريف او ربما وزن اللبنات التي اسهم بها محمد احمد المحجوب في بناء الامة يتعين علينا اجراء مسح للخلفية والبنية السياسية لموقع البناء، ان فهم البيئة شرط اساسي لفهم تناقضات الساحة السودانية، وفي هذا الاطار تقفز الى الذهن امور ثلاثة، للاشارة اليها لا يتخذ المرء من موضوعات هذا المؤتمر وافكاره وحدها دليلاً بل يسترشد كذلك بتأكيدات المحجوب نفسه عليها كمؤرخ سياسي وابرازه لها سواء عبر معالجته لها فكريا كمؤلف او ممارستها عمليا كرجل دولة:
    اولا: هناك موضوع الوحدة الوطنية فقد ظل بناء سودان موحد الهدف المشترك للانتلجنسيا الشمالية منذ فترة ما قبل الاستقلال وايام مؤتمر الخريجين وابعد من ذلك بعد ان ورثوا مقاليد السلطة في عام 1956، ولتلك الغاية اختاروا انشاء نظام ديمقراطي رغم انه كان مسرفاً في مركزيته، واستبعدت فكرة اللامركزية باعتبارها نهجا ينطوي على التقسيم وخطوة مبكرة في اتجاه تفتيت البلاد، كان ذلك موقف المثقفين السودانيين رغم ان تجربة الهند كانت ماثلة امامهم، وهي دولة سعوا لمحاكاتها.
    ثانيا: رغم التزامها المزعوم باحترام التنوع الثقافي في السودان، الا ان تلك الانتلجنسيا رأت في التعدد الديني والثقافي في البلاد خطراً يهدد الوحدة، ولذلك لم تأل جهداً في القضاء عليه، لقد افترضوا ان العروبة الاسلامية هي الشيء الوحيد الذي يتحكم بالوحدة الوطنية، وفي ظل الضغط التاريخي سياسياً واقتصادياً للجماعات المهمشة، خاصة من غير المسلمين وغير العرب، رأت هذه الجماعات في تلك الفرضية ما يرقى الى هيمنة عنصرية ثقافية. وهذا المثال هو الشبح الذي ظل يطارد السودان ومازال. ورغم ان المحجوب على المستوى الثقافي، كان مؤمنا راسخ الايمان، بالديمقراطية وكان مدافعا غيوراً عن المساواة والعدالة، لكنه كان ايضا المدافع الناطق بوضوح عن الاستراتيجية الشمالية الشائعة وهي اسلمة وتعريب الجماعات الافريقية غير المسلمة في السودان كي تتم الوحدة.
    شمالي القواعد والهوى
    ثالثا: اعتبرت الحركة الاستقلالية نفسها طليعة الديمقراطية، وبالفعل اقامت نظاماً ديمقراطيا كان شمالي القواعد والهوى ، وتعمق هذا النظام الاقصائي اكثر بالابتعاد الى اقصى الحدود عن تأمين الحريات السياسية والمدنية، حتى في نطاق الشمال نفسه، ولم تر الطبقة الحاكمة الجديدة وربما ما كانت لتهتم بأن ترى التناقضات في قلب النظام الديمقراطي الذي شيدته:
    1) بين مفهوم الديمقراطية كنقطة التقاء تتسع لكل الثقافات والاديان والمدارس الفكرية وبين النزوع الى طمس الاتجاهات السياسية والميول الثقافية غير المرغوب فيها.
    2) والتناقض بين اقامة البناء الديمقراطي على اساس طائفي وبين الطبقة غير الكهنوتية للديمقراطية الليبرالية.
    3) واخيراً التأثير الزائد لمركزية السلطة في اضعاف الحياة الديمقراطية، خاصة عندما ترتبط هذه المركزية بتجاهل هموم الذين يعيشون بعيداً عن المركز.
    تجلت خطة المحجوب كمفكر لبناء الامة السودانية منذ 1940 في محاضرته الشهيرة «حركة المثقفين السودانيين الى اين؟» ففي تلك المحاضرة اكد المحجوب ان الثقافة السودانية «المميزة» يجب ان تقوم على الموروث العربي الاسلامي مدعوما بفكر اوروبي بهدف تطوير ادب وطني حقيقي يستمد شخصيته وحياته من تقاليد شعوب هذا البلد ومن صحرائه وغاباته، وكلمة «مميزة» ربما اراد بها المحجوب تمييز هوية الثقافة السودانية عن المصرية وبقية البلدان العربية الاخرى، ومن هنا يبدو ان المحجوب كان يعي تماما خصوصية الثقافة السودانية، ولكن عندما اراد الاسهاب في هذا الموضوع اشار فقط الى نقطتين تاريخيتين هامتين: الاولى هي الماضي البعيد والذي حسب رأي المحجوب، تأثر «بالوثنية والحضارة الفرعونية والاديان السماوية الاخرى» والثانية هي «العروبة الاسلامية» وصرف نظره على النقطة الاولى فيما يشبه المحو والتجاهل في حين اسهب في مسألة العروبة الاسلامية قبل ان يعرج على مساهمة الفكر الاوروبي المزعومة على الثقافة السودانية. اما التأثير التاريخي والمعاصر للثقافات الافريقية الاخرى على الهوية الثقافية السودانية، فقد كانت طي النسيان في تلك المحاضرة، ولكن اذا تم تجاهل الآثار التاريخية النوبية والمسيحية، لماذا نتوقع من المحجوب ان يلتفت الى الثقافات الافريقية المعاصرة، ولكن مرة اخرى لماذا رسم المحجوب وكل المثقفين الشماليين على ايامه مثل هذه الخارطة الناقصة المعيبة للثقافة السودانية.
    طمس حضارتين
    في اعتقادنا الاول هو ان الحضارتين الشامختين النوبية والمسيحية منسيتان تماماً في حساب ذلك الجيل، بحسبان انهما ميراث وثني جبه الاسلام. لكن طمس قرون من تاريخ اي امة، لا يقيم موازين العدل للتاريخ ولا للتحليل الصارم لتطور الثقافة السودانية.
    لقد شهدت تلك القرون الحضارة النوبية الشامخة التي ازدهرت في وقت كانت فيه اوروبا تسبح في الظلام وشعت بنورها ليعم افريقيا وامتدت خيوط ذلك النور شمالاً حتى بلغت القدس. ان تقليص حضارة بهذه العظمة امتدت من 3000 الى 3500 قبل الميلاد الى مجرد هامش صغير في التاريخ، يقول الكثير بل يمكن ان تكتب فيه مجلدات عن زيغ وفساد في رؤيا وتقدير المثقفين في ذلك الوقت. ترك المثقفون السودانيون ورثة تلك الحضارة بكل اسف الامر للمؤرخين الاوروبيين امثال توينبي وآركيل وديفيد سون وشيني وادام وكذلك المؤرخون الافريقيون والكاربيون وكتاب الرسائل مثل ليوبولد سنجور وشيخ انثا ديوب وبول بريمان ليسعدوا برفع شأن النوبة اطراء وثناء.
    الحقبة المسيحية كذلك تم تقليصها الى هامش صغير في تاريخ السودان، والمسيحية، كما يحدثنا المؤرخون ادخلها الى السودان الاسقف لونجنيوس في عهد الامبراطور جوستنيان، وظلت المسيحية في السودان سبعة قرون.
    وهذا تاريخ لا يمكن شطبه او اغفاله، وفي «الكتاب المقدس» نجد ان المسيحية انتسبت الى السودان قبل ذلك بكثير وكم من المثقفين في ذلك العهد اهتموا بمعرفة ان اول وثني جرى تعميده على الاطلاق كان سودانيا: لقد كان ذلك السوداني هو رسول الملكة الكنداكة ملكة كوش الذي ارسلته في مهمة الى القدس «الحواريون، النص 8: 26 ـ 34 .
    ان عدم الحساسية هذا تجاه الدين المسيحي والذي ينتظم عدداً لا يستهان به من السودانيين هو في الواقع عدم احساس بمعتنقي هذا الدين وهو موقف ثابت الى اليوم، رغم كل هذا الضجيج عن احترام التعددية الدينية. لقد اتيحت لي الفرصة في منابر اخرى للاشارة الى الرحلة الملحمية التي قامت بها امرأة سودانية جنوبية خاملة الذكر هي جوزيفينا بخيتة. روت بخيتة التي احضرت الى الخرطوم كرقيق في اواخر القرن التاسع عشر حكايات مفزعة عن تجربتها في العبودية جلدت واعيد بيعها ووشمت على ثدييها وبطنها، وكان خلاصها اذا جاز التعبير عندما بيعت للقنصل الايطالي العام في الخرطوم الذي اخذها معه الى بلاده، في ايطاليا، عمدت بخيتة وادخلت الدين المسيحي واعطيت اسم جوزيفينا لكنها اصرت على الاحتفاظ باسمها السوداني. انضمت بخيتة الى «اخوات كانوسيان» واصبحت تعرف بالاخت السوداء وخلال القصف في الحرب العالمية الثانية قامت بدور اثار الاعجاب في حماية سكان بلدة ستيو الايطالية، وجاءت مكافأتها على ذلك العمل الانساني بتطويبها في الكنيسة عام 1992 اي بعد خمسين عاما على وفاتها، وفي اكتوبر من العام الماضي سماها البابا قديسة لتنضم الى قائمة ليست طويلة من القديسيين السود.
    وابتهج الكاثوليك السود في كل انحاء العالم بهذه المناسبة، عدا في السودان لم يكن الحدث جديراً بأن يتناوله الاعلام السوداني الذي تسيطر عليه الحكومة ولا صحافة الخرطوم المولعة بالتحري والتقصي، ولا استحقت تلك السيدة الفريدة التي صعدت من العبودية الى القداسة الذكرى في البلد الذي يفترض انها تنتمي اليه.
    من الواضح ان بخيتة اخطأت الولاء الديني فكان الاحتفاء بها من بلد آخر.
    كذلك اصبحت العروبة الاسلامية الاساس الذي قامت عليه الهوية الثقافية للسودان الشمالي منذ القرن الرابع عشر، بيد ان ذلك ليس سبباً كافياً لعدم دراسة الماضي تاريخيا. كما ان الاسلام في بداية عهده لم يطمس الثقافات السودانية السابقة. بل ان الاسلام عاش متآلفا مع اهل البلاد الاصليين وفي بعض الحالات تأثر بالثقافة النوبية الاثنية. اذن لماذا تسعى الانتلجنسيا الى اقصى درجات المغالاة بشأن عروبتها الاسلامية؟
    ويبدو السؤال اكثر ملاءمة عندما نعرف انه في قلب جزيرة العرب، مهد الاسلام ظلت الكنوز الادبية لما يسمى بالعصر الجاهلي محل احتفاء من ورثتها وينطبق الامر ذاته على موروث الفراعنة عند المصريين والاشوريين والبابليين في العراق والملكة زنوبيا ملكة تدمر والمسيحية عند السوريين، ربما شطح ذلك الجيل الذي عاش على هامش العروبة «زماناً ومكاناً» بفكره وظن انه يستطيع اعادة تصدير الاسلام الى مهد الاسلام، تماما كما سعى لذلك طراز حديث من المثقفين المسلمين السودانيين، ذاك هو «فرعون موسى».
    الثقافات الافريقية
    يصبح الامر اكثر تعقيدا عندما يتعلق بالثقافات الافريقية الاخرى، يلخص المحجوب بل يقلص هذه الثقافات الى حقيقة بيئية، تتمثل في الدغل، وقد انعكس هذا الاتجاه مستقبلا على الحركات الادبية السودانية الشمالية التي عرفت فيما بعد بمدرسة الغابة والصحراء، والصحراء بداهة، هي اشارة الى حركة الثقافة الشمالية العربية الاسلامية التي انعكست في التقاليد المكتوبة والشفاهية والعادات والفلكلور، لكنها لم تضع في حسبانها ان ازدواجية الجانب للثقافة «المميزة» «اذا استعرنا مصطلح المحجوب» كانت نتاج قرون تهجين المجموعات العرقية والتقاء الثقافات وتشابك انماط الحياة، ان نموذج المحجوب لم يعكس للاسف مثل هذا الفهم، فعلى سبيل المثال، اشار الى الدغل او الغابة على النحو التالي: «كان السودان نقطة جذب لموجات من المهاجرين من اليمن والحجاز والحبشة، استوطنوا في البلاد وتزوجوا من النساء المحليات وبالتالي طردوا السكان الاصليين جنوبا حيث حافظوا على ثقافاتهم» ان هذا الكلام تغلفه نظرة للسكان المحليين كأناس تنقصهم ثقافات ذات قيمة وربما يسمهم بشيء من التخلف.
    ما كان المحجوب والمثقفون من جيله بصورة عامة مدفوعين في هذا الامر بشعور التعالي ولا بازدراء للجنوبيين، لكن الارجح انهم تأثروا بعزلتهم الثقافية الكبيرة والرؤية المنغلقة التي شكلت حياتهم وتفكيرهم، الى حد كبير. هناك عاملان شكلا تلك النظرة لافريقيا والافريقيين، الاول هو الصورة التي رسمها الكتاب الكلاسيكيون العرب للسودان على اساس انه بلاد «السود». وهنا اشير الى اعمال المسعودي وابن بطوطة وابن خلدون. والعامل الثاني، اقل تأثيرا، وهو النظرة الاوروبية للافريقيين كأطفال العالم المتخلفين، هذه الصور الذهنية الساذجة، دون اسهاب هي التبرير الاخلاقي لسيطرة البيض على السود، ولعل ما يثير الدهشة ان يرى المرء السودانيين الشماليين المشبعين بهذا اللون الاسود متأثرين خيرا او شرا بالاوروبيين او العرب الكلاسيكيين في نظرتهم للسود.
    و سنسترشد مرة اخرى في تحليلنا بموضوع هذا المؤتمر. حيث طرحت المذكرة التحضيرية للمؤتمر السؤال: لماذا فشلت النخبة السودانية في مواجهة المشاكل التي ارهقت البلاد مثل فشل الديمقراطية البرلمانية، وتدخل العسكر في السياسة وانهيار حكم القانون وتضيف المذكرة «كانت للمحجوب رؤية واضحة واجابات جاهزة على هذه القضايا». والاسئلة التي تقفز الى الذهن هي: لماذا سعى المحجوب وجيله من المثقفين الى بناء هياكل ديمقراطية على اسس طائفية؟ وكيف اخفقوا، حقا، في تثبيت دعائم الديمقراطية التي اشتاقوا اليها وقاتلوا من اجلها بضراوة؟ ولماذا يستمر اوار الحرب مستعراً في الجنوب، في الوقت الذي ظن السياسيون الشماليون ان البلاد في ظل الديمقراطية تنعم بدفء الشمس؟ واخيرا كيف وجد العسكر زعزعة الحكومات الديمقراطية في الخرطوم امراً سهلاً في وقت بدا ان الطبقة الحاكمة كانت ترى طريقها مفروشا بالورود طوال الوقت؟ لدى المحجوب بكل تأكيد، اجابات جاهزة على كل هذه الاسئلة.
    في الاجابة عن السؤال الاول، اتى المحجوب النخبوي العلماني متأملا بملاحظة تحمل ادانة بل لعنة للطائفية والسياسة الحزبية حيث قال: لقد وجدت الاحزاب نفسها بلا هدف محدد، واحبطت كل المساعي لاقامة سياسة متماسكة، اصبحت العداوات الشخصية والطائفية سائدة.
    لقد تأسست الاحزاب السياسية على تحالفات قبلية وطائفية بدلاً من برامج راسخة.. ان التحالف بين المهدي والميرغني كان الكارثة الاكبر في تاريخ السياسة السودانية. لقد سعى الخصمان اللدودان، بدافع من شهوة السلطة والمصالح الشخصية الى السيطرة على الساحة السياسية، هذا هو المحجوب الذي عرف عنه انه رقيق الحديث لا يظهر مجاملة ولا يلتمس عذرا لاحد. ومن نافلة القول ان نؤكد اعجابنا بشجاعته في طرح هذا الامر البديهي علاوة على ذلك ان حديث المحجوب عن عدم كفاية الاحزاب لخص الاسباب وراء فراغ وتفاهة السياسة الحزبية فقد كانت الاحزاب تنقسم دائما تبعاً للاشخاص وقليلاً ما تختلف بسبب الايديولوجيات او السياسات.
    ولايزال العديد من القادة السياسيين يتبجحون بانجازات السياسة الحزبية لكن وبشهادة المحجوب هذه امامنا، يبدو هذا التبجح ضربا غامضا من الاحتفاء بالعودة بخفي حنين، ان السياسة الحزبية التي وصفها المحجوب اشبه بتراجيديا اغريقية بلا ابطال.
    ملاحظات ساخرة
    اما عن ملاحظات المحجوب الساخرة حول الطائفية، فقد استجدت السؤال حقا، السؤال الذي لا يطرح كثيرا هو لماذا اختار مثقفو ما قبل الاستقلال منذ ايام مؤتمر الخريجين، ان يكونوا دمى في ايدي الزعماء الطائفيين؟ اهي الانتهازية المحضة ام انهم في استسلامهم للطائفية كانوا يسترشدون بالفطنة السياسية والحكمة الدنيوية؟ لاشك ان الطوائف الدينية كانت والى حد لاتزال مؤسسات صلبة لا يمكن محوها، ورغم ما تتسم به هذه الطوائف من المحافظة ـ إلا انها تمثل مصدرا لحراك اجتماعي في شمال السودان بقدر ما هي سبب للتشرذم والتشظي سياسيا، واصبحت الطائفية اداة لنوع من الوحدة الوطنية في الشمال بتوفيرها مساحة للولاء تتجاوز التقسيمات القبلية والعرقية، الى نقطة اصبح معها الشمال كله تقريبا قد تخلى عن القبلية عبر الولاء الطائفي، لهذا لم يستطع السياسيون تجاهل الطوائف وكان ذلك هو الخيار المناسب لهم، علاوة على ذلك، في السياسة يبدأ المرء دائما من الاجواء الاجتماعية المتاحة، ولكن في ظل خصوماتهما القذرة حرمت الطائفتان الرئيسيتان الحركة السياسية السودانية الوطنية من فرصة التطور والتلاحم حول اهداف وشعارات وطنية مشتركة، كما تطورت حركات التحرر الوطني الاخرى، وكما كان المحجوب يأمل فإن تجفيف الخلاف في السياسة الطائفية وتخفيف قبضة الطائفية على السياسية، كان يجب ان يكونا عاملين في التغيير الاجتماعي وتطور الاحزاب السياسية للتحول والتقدم.
                  

العنوان الكاتب Date
السودان وخذلان الصفوة، منصور خالد يحاكم بناة الاستقلال، المحجوب في الميزان البعيو09-06-03, 08:49 AM
  Re: السودان وخذلان الصفوة، منصور خالد يحاكم بناة الاستقلال، المحجوب في المي البعيو09-06-03, 08:52 AM
    Re: السودان وخذلان الصفوة، منصور خالد يحاكم بناة الاستقلال، المحجوب في المي hamid hajer09-06-03, 02:46 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de