القصة الثانية والأخيرة .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 06:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عثمان تراث(تراث)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-02-2004, 03:26 PM

تراث
<aتراث
تاريخ التسجيل: 11-03-2002
مجموع المشاركات: 1588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
القصة الثانية والأخيرة .

    حاولت في عقد الثمانيات من القرن المنصرم كتابة القصة القصيرة . كتبت قصة أولى نشرها الأستاذ مجذوب العيدروس بعنوان ( غثيان) في ملحق جريدة (الهدف) الذي كان يشرف عليه آنذاك . ثم كتبت الثانية ونشرتها في جريدة التلغراف التي كان يرأس تحريرها الصحفي الراحل صالح عرابي وكنت أشرف على الصفحة الثقافية فيها . اذكر إنني سالت أحد الأصدقاء من الكتاب والنقاد حينها عن مستوى هذه القصة الأخيرة ، فلم يشجعني رأيه على كتابة المزيد من القصص . فكانت تلك القصة هي الثانية والأخيرة التي أتجرأ على كتابتها . ولكني اتجرا الآن على إعادة نشرها هنا .

    نمــــــــــــــــــوذج

    المحطة مكتظة بالوجوه الكالحة كالمعتاد .. الجباه مقطّبة بفعل الشمس الساقطة علي الوجوه منذ آلاف السنين , لمحات الضنى وتعب الحياة اليومية احتلت تفاصيل الأجساد المسلولة كخيوط مهترئة . سكون تحس أن ما بعده حركة يخيم علي الجميع , يكسره صوت ( البص ) القادم , يهرول الجميع تجاهه . صاحب ( البص ) يصر علي تذوق طعم لذة السلطة وإعلاء الذات , يبطئ .. يبطئ الجميع حوله , يسرع ثم يبطئ ثانية لتبدأ معركة من المعارك اليومية في بوابة ( البص ) , تتفرع منها معارك صغرى .. تعلو الأصوات .. أمراه تتوعد وتسب وتتحسر علي زمن المروءة الذي مضى . النازل الأخير كان نصيبه أكبر في المعركة ولم يبلِ بلاءً حسنا إذ فقد خمسة من أزرار قميصه المكوي .

    يمضي ( البص ) ويعود السـكون إلي دورتـه إلي حين وصول ( بص ) أخر . ثلاثة من المكتظين في محطة ( الباصات ) ظلوا مبتعدين قليلا عن ما يدور .. يمارسون هوايتهم اليومية في الفرجة التي تضفي علي ملامحهم سرورا من نوع ما . تحقق معارفهم النظرية علي تفاصيل الواقع كان يطيل وقوفهم اليومي في أماكن الضيق الشعبي بفرح شاذ , فتحتشد جلستهم المسائية بحكايات عن المرأة التي ولجت ( البص ) من خلال النافذة , عن النشال الذي راقبوا أحدي عملياته دون أن ينبهوا المنشول , فهذا سيكون حوارا ثرا عن الفقر والحاجة الملحة , عن الفرق بين المجرم والثائر , عن الفروقات داخل الطبقة الواحدة , وبالطبع سيقترح الثالث منهم ، بعد أن يشــرب خمس (كاسات) أن يُسلم ( كلاشنكوف ) لاقتحام بنك غطى مبناه المباني المجاورة , وسيفجر هذا حوارا أخر , وسيرد أسم عروة بن الورد , وماركس , وطه الضرير , وجيفارا , وأبو ذر الغفاري , وثورة القرامطة , ودانيال أورتيغا .... أما الثاني فلن يفوت الفرصة للحديث عن البنيوية وامتلاكها أكثر من غيرها قدرة تحليل الواقع " السيسيو تاريخي " . ورغم ذلك سيكونون حريصين في تلك الليلة علي عدم ذكر المصطلحات الصعبة , فلقد أحرجهم كادح من اللذين يحسون بالانتماء إليهم عندما قاطعهم فجأة في جلسـة الليلة الماضية : " وحات الحرام ده يا جماعة انتو ناس حلوين وأخوان .. وكلامكم ده كلام سمح جدا .. وأنا بجي هنا يوميا وما بخت قزازتي دي إلا جنبكم , لكن وأنتو أخوان ما تزعلوا , كلامكم ده ما بفيدنا بأي شي , أنا القدامكم ده راجل عامل , وما بعرف سياسة , أنتو ناس فاهمين ومتعلمين , خلو كلامكم الكبار ده وشوفوا لينا مسألة الصلصة واللبن والحاجات الزي دي"

    ازدادت كثافة الواقفين في المحطة , تقطيبات الوجوه ازدادت حدة ووضوحا ورسمت خدودا عميقة في الجباه . جرائد كثيرة ارتفعت فوق عيون كثيرة لتحجب حرارة الشمس . بص ) أخر يأتي , عشرات تدافعوا نحوه . هواة التفرج الثلاث قرروا هذه المرة الركوب وركضوا مع الآخرين .

    سريعا أنقسم الركاب فريقين : ركاب شارع الأربعين وركاب شارع الموردة . وارتفعت الأصوات كلُ يصر علي طريقه , تعلو الأصوات ، وتعلو هامات الجميع فوق نوافذ ( البص ) والأبواب الضيقة , ويرتفع صوت صرخة امرأة في حدة , تعلو الشتائم والجمل المعهودة , وأعلي منها كان صوت السائق : " ياجماعة البص ده ما ماشي " . الرد جاء سريعا في هرموني متنوع : " ما ماشي كيف .. علي كيفك ؟ " .

    وقبل أن يكمل السائق جملة أخري تؤكد موقفه , صاح صوت آخر : " يازول تمشي وما علي كيفك , ويا شباب زول ينزل من البص ده مافي " . كان الثلاثة حينها قد احتلوا كنبة ثلاثية المقاعد , وأنتقل كيس التمباك بينهم . صاح أحد الركــاب " تمشي في عينك .. وتقول ما ماشي تتدقه هنا " .

    الجملة الأخيرة شدت خيوط تركيز الثلاثة , تبادلوا نظرات سريعة , وبصورة تلقائية عدلوا من جلستهم ، تماما كما يفعل مشاهدو السينما عندما يبدأ عرض الفيلم . بسطوا ذاكرتهم وحشدوا أدوات الرصد , الآذان مستيقظة تماما , العيون متأهبة للحركة السريعة , والأعناق مشرئبة في استعداد لنقل الوجه في جميع الاتجاهات . همس الثاني : " دا خطاب جديد لنج " ، فأكد الأول " ألم اقل لكم أنه السكون الذي يسبق العاصفة ؟ "

    كانت أطروحة ضرب السائق قد انتشرت في ( البص ) بسرعة فائقة . وارتفع صوت شاب كان يقف في المقدمة : " لا ياجماعة .. المسألة مابتصل للحد ده , وما في شي بجي بالقوة " . رد صوت كان أقوى من بقية الأصوات : " تصل لي وين يعني أكتر من كده ؟ نحنا قلنا الزول ده يدقه يعني يدقه , ولا يمسك الدركسون ده ويسوق بحسنته " , أصر الشاب علي عقلنه المسألة : " ياجماعة يدقه كيف .. أنتو قايلين نفسكم وين اصلو ؟ " . همس الثاني لنفسه : " خطاب مسيحي " . رد صوت غاضب مهددا الشاب بضربه أيضا .

    " وين السواق ده ؟ " سؤال ارتفع بقوة وسط الأصوات المتداخلة في ضجة , فجاء الرد قويا : " أنا أهو ده وقلنا البص دا ما ماشي يعني ما ماشي ... " .
    وقبل أن يكمل السائق جملته تماما حدث ما دفع ترمومتر الترقب عند الثلاثة إلي أعلي درجاته وشد الأعصاب وحرك العضلات في انتصاب قامات مفاجئ , فلقد انهالت يد قوية وفجائية علي وجه السائق , قبل أن يكمل دهشته وصدمته منها كانت أخرى تنزل بقوة علي مؤخرة رأسه , وثالثة اتخذت شكل الصفعة ووقعت في منتصف الوجه , أما الرابعة فلقد سال الدم بعدها من أنف السائق .

    المعركة حميت بشكل سريع , وكبرت الدائرة حول السائق وعلت أصوات الضربات وكلمات الوعيد . الركاب الآخرون تحول بعضهم إلي مشجعين , وارتفعت عقيرة أحدهم في هتاف عالٍ : " يحيا ضمير الشعب " , ردد خلفه خمسة أو ستة بصوت متردد .

    وجوم وحملقة سادت وجوه الثلاثة , فقطع صوت الثاني صمتهم : " انتو عارفين معني كده المسائل وصلت درجة خطيرة جدا " . " دقيقة , دي ونسه بعدين يا جماعة " قالها الثالث , وعقب بعدها الأول : " ياخ الخطاب الثوري وصل درجة التجسيد العملي " . وسجل الثاني اعتراضه : " لكن ده تخريب وعدوانية غير مبررة .. يعني ما أتصور أنو العدو هو سواق البص " . " لا يا جماعة ما قلنا دي ونسة بعدين " كررها الثالث بحزم " .

    في تلك اللحظة كان السائق قد رضخ للقوة وحمي نفسه بأن تحرك ( البص ) وسط وجوم وحذر انطبع في أوجه الركاب , تحركت العربة ببطء , ثم بدأت سرعتها تشتد . أستمر الصمت يخيم علي الركاب ولذة الانتصار تطفو من وجوههم ممزوجة بملامح للرهبة والزهو والحذر , وكان الثاني أول المتحدثين عندما قال لصديقيه : " لكن تعرفوا الثورة حا تاكل أبناءها .. والركاب المنتصرين ديل حا يختلفوا بعد الكبرى في أنو البص يمشي بـ "الأربعين" ولا "الموردة" ؟ " الفكرة راقت الأخيرين فوافقا عليها بحماس , وبدأت تداعيات الثلاثة في الاندلاق , تصورا معركة كبرى تنشب بين فريقين في ( البص ) , تكثر فيها الضربات وتشتد .. تعلو الصرخات .. تُخلع ثياب النساء , ويداس الأطفال تحت الأرجل , وتُكسر بعض الأسنان .. وتمزق الملابس .. وتكون هناك خدوشاً وجروحاً وكسوراً .. وستسيل الدماء الغزيرة غزيرة . وواصلت تداعيــات الثـلاثة انزياحها وتشـعبها دون أن ينتبهوا إلي أن ( البص ) قد تجاوز المنطقة التي توقعوا أن يحدث فيها الخلاف دون أن ينبس أحد الركاب ببنت شفة .

    نُشرت بجريدة ( التلغراف ) السودانية في 15 اكتوبر 1988م

    (عدل بواسطة تراث on 11-03-2004, 05:15 PM)
    (عدل بواسطة تراث on 11-03-2004, 05:19 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
القصة الثانية والأخيرة . تراث11-02-04, 03:26 PM
  Re: القصة الثانية والأخيرة . أبو ساندرا11-02-04, 11:02 PM
    Re: القصة الثانية والأخيرة . Osman Hamid11-03-04, 03:21 AM
      Re: القصة الثانية والأخيرة . Hussein Mallasi11-03-04, 04:37 AM
        Re: القصة الثانية والأخيرة . عشة بت فاطنة11-03-04, 12:12 PM
          Re: القصة الثانية والأخيرة . تراث11-07-04, 02:15 PM
  Re: القصة الثانية والأخيرة . أبو ساندرا11-07-04, 11:25 PM
    Re: القصة الثانية والأخيرة . Hussein Mallasi11-08-04, 04:57 AM
  Re: القصة الثانية والأخيرة . Nagat Mohamed Ali11-08-04, 12:10 PM
    Re: القصة الثانية والأخيرة . تراث11-08-04, 02:33 PM
      Re: القصة الثانية والأخيرة . حبيب نورة11-08-04, 04:26 PM
  Re: القصة الثانية والأخيرة . Nagat Mohamed Ali11-09-04, 05:11 PM
    Re: القصة الثانية والأخيرة . Hussein Mallasi11-10-04, 05:06 AM
      Re: القصة الثانية والأخيرة . تراث11-27-04, 12:56 PM
        Re: القصة الثانية والأخيرة . Bushra Elfadil11-28-04, 04:11 AM
          Re: القصة الثانية والأخيرة . تراث12-09-04, 02:29 PM
            Re: القصة الثانية والأخيرة . تراث12-12-04, 01:19 PM
              Re: القصة الثانية والأخيرة . إيمان أحمد12-12-04, 02:08 PM
                Re: القصة الثانية والأخيرة . تراث12-19-04, 10:36 AM
                  Re: القصة الثانية والأخيرة . تراث12-19-04, 10:42 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de