في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 04:36 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الشاعر اسامة الخواض(osama elkhawad)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-05-2005, 01:07 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20421

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في صحبة المتنبي ورفاقه (Re: osama elkhawad)

    وحتى نعود لمواصلة مقاربتنا الطويلة عن قراءة يمنى العيد ,
    نترككم مع عرض قام به الشاعر اللبناني المعروف محمد علي شمس ا لدين لاحد كتب الطيب صالح الاخيرة ,
    وقد نشر عرض الكتاب في السفير الثقافي بتاريخ 5\8\2005


    لا حدود للمتعة والأنس والفائدة في صحبة الطيب صالح ورفاقه. فكيف اذا كان هؤلاء هم المتنبي ورفاقه؟ فأنت مع الطيب، من خلال كتابه الصادر له حديثا عن دار <<رياض الريّس للكتب والنشر، بيروت 2005>>، بعنوان <<في صحبة المتنبي ورفاقه>>. كأنك جالس في بستان.. فالكتاب بستان، والطيب بستان كتابه فكأنه <<بستان البستان>>.
    وتنظر الى وجه الطيب صالح (ولكل امرئ من اسمه نصيب كما أُثر عن الرسول الاعظم) الذي رسمه حسن إدلبي على الغلاف، فتجد ان عِمة سودانية بيضاء، تتوّج الوجه السوداني الاسمر الجميل، وان الجمال قائم ما بين العينين السوداوين، وما بين العينين والشفتين الكبيرتين المنفرجتين عن ابتسامة لطيفة، بل عما هو اكثر من ابتسامة وأقل من ضحكة، تضيء أسارير الوجه بكامله، فهنا وجه أليف، ودود، محب، ساخر... وخُيّل إليّ لأول وهلة، أنني أنظر الى وجه ظبي من ظباء السودان (وأنا لم أعرفها عن كثب، بل من خلال الطيب ورفاقه من شعراء السودان بخاصة)، لكنه عاد فنبهني هو، في كتابه، الى جمال السنجاب، فاستعرت منه له هذا الوصف، الذي كتبه واصفا تنقله متكئا على عصاه، طويلا، بين هضاب (البيرنز او برلاند) أعلى (انترلاكن)، بين مسارب اشجار البلوط والصنوبر، فيفاجئه ثمة سنجاب، فيكتب <<أصادف سنجابا غير بعيد مني يتشبث بفرع، يتأملني بلا خوف، يتأملني بدهشة كدهشة الطفل. انظر إليه وينظر إليّ. أكاد أسمع حديثه. مثلي في شرع الحياة، وأسعد حالا لأنه كما قال الحردلّو <<فرحان وعاجبه خلاه>>. والخلاء ليس بالضرورة الارض العراء، ولكنه اتساع فضاء الانطلاق للكائن الحي...>>.
    ومثلما كان الطيب صالح، وهو يتنقل بين الاشجار في انترلاكن، يتبادل نظرات الحب والدهشة مع سنجابه، كنت وأنا أقرأ كتابه، أتبادل بين الفينة والفينة، النظر مع صورته الناطقة تلك... وأحسب انه ينظر إليّ، ويبتسم لي، ويحدثني او يؤانسني بحديثه العذب المستطرد.. عن أبي الطيب ورفاقه الكثر من شعراء وأدباء وأصدقاء ومفكرين، وأبو الطيب المتنبي قائم في وسط المجموعة، وكأنه <<عَلَم في رأسه نار>>، وعلى الرغم من أنه يخص الامكنة والازمنة كافة، وأنه <<مالئ الدنيا وشاغل الناس>> وأنه يملأني شخصيا ويشغلني على تباعد التواريخ ووعورة المسالك والازمنة ورعونة هذا الزمان بالذات، إلا أنني أحسست من خلال صحبتي للطيب في صحبته للمتنبي (دون جميع الرفاق) انه يخصه هو بالذات وأنه <<أبو طيبه>> هو وحده دون سائر الخلق، فهو كما يرى اليه، ويسميه، <<الاستاذ بالمطلق>> على الرغم من وجود أساتذة متباينين في فنون ومطالب متباينة. إلا ان المتنبي هو <<الاستاذ>>، مثلما ان كل كتاب هو كتاب، أما <<الكتاب>> بالمطلق، فمحفوظة تسميته للقرآن الكريم، او لبعض الامهات من الكتب (كتاب سيبويه في النحو سمي الكتاب)، وقد اختار ادونيس ان يسمّي ثلاثيته الضخمة في الشعر والتاريخ، <<الكتاب>>، وجوهرها ان الرجل يقوم بتحقيق مخطوطة منسوبة للمتنبي... فكتاب ادونيس (الكتاب) يدور حول المتنبي الاستاذ .
    وحين يختار الطيب لقب <<الاستاذ>> لأبي الطيب، فلأنه يراه سيد الاقدمين والمحدثين في فن الشعر بالعربية، بزّ من سبقه من الشعراء، ومن عاصره ومن تلاه الى يومنا هذا... فكأنه في ذلك (اي الطيب صالح) هو معرّي جديد، أتى ليثبّت المعري الاول، في حكمه على المتنبي بأنه صاحب إعجاز في الشعر، بجمعه قصائد مختارة له، او أبياتا مختارة، في ما سماه <<معجز أحمد>>، وهو ما سار في الناس واشتهر عن أبي العلاء، على الرغم من تلك المناقشة العلمية الهادئة، التي يخوض فيها الطيب صالح، حول <<معجز أحمد>> بالذات، ما حقيقته؟ أين يوجد؟ من تتبعه وحققه من خلال النسخ المحفوظة والطبعات المستجدة؟ وهل هو <<كتاب آخر>> للمعري، مختلف عن الشرح المعدود له، والمسمى <<اللامع العزيزي>>، ويروى أن أعمى المعرة البصير كتبه بناءً لإيعاز من الأمير عزيز الدولة... ويذكر ابن عساكر ان المعري شرح ديوان المتنبي شرحين: الاول سمّاه <<اللامع العزيزي>> والثاني سمّاه <<معجز أحمد>>، ومثله ذكر البديعي في <<الصبح المنبي>> وغيرهما من المؤرخين للمعري والمتنبي>> (والكلام ينقله الطيب عن مقدمة الطبعة الثانية لشرح ديوان ابي الطيب لأبي العلاء المعري الذي أسماه <<معجز احمد>>، بتحقيق الدكتور عبد المجيد دياب، وشرح محمود سالم اصدرته دار المعارف بمصر العام 1988، ثم اعيد طبعه 1992).
    دفاع عن المتنبي
    يدافع الطيب صالح على امتداد صفحات كتابه المتنوع الفصول والابحاث، عن ابي الطيب المتنبي، وكأنه أمه وأبوه، او كأنه أمّ تحس بالخطر على ابنها الجميل المدلل، فتشهر جميع اسلحتها في وجه (الاعداء)، والاعداء قدامى ومحدثون، من الصاحب بن عبّاد، وهو امير طمع في مديح المتنبي له، وبذل من اجل ذلك نصف ما يملك، فتعالى عليه او الطيب بحجة انه لا يمدح سوى الملوك، فجلس الصاحب يتدبر أسبابا لثلب الشاعر، والنيل منه، وأغرى بذلك آخرين اعتصبوا حول المتنبي وألّف وألّفوا في النيل من شعره... الى الوزير المهلبي في بغداد، وحاله كحال الصاحب بن عبّاد، فأغرى الحاتمي بتأليف كتاب يتتبع فيه سرقات المتنبي من حكم أرسطو الفلسفية... ذانِ من الأقدمين، ممن تصدى لهم الطيب صالح، وهفّت ادعاءاتهم وأقوالهم مستعينا عليهم تارة بأعظم شاعر فيلسوف في العربية، هو أبو العلاء المعري، الذي عرف قدر المتنبي وألف له وفيه ما سمّاه <<معجز أحمد>>، وطورا بأبرز لغويي زمانه <<ابن جنّي>>... الذي قيل فيه وفي معرفته لأسرار اللغة عند المتنبي ما نُقل عن المتنبي فيه <<ابن جنّي أعلم بشعري مني>>... لا يترك الطيب صالح أحدا من القدامى ممن عاصروا المتنبي والمعري، وعابوا عليه شعره، أو كرهوه فتحول طعم شعره الحلو مرّاً في أفواههم، والعيب في السقم والمرض لا في الشعر، إلا وتصدى له. نذكر من هؤلاء الشريف الرضي، على جمال شعره ونبل هذا الشعر، إلا ان الغيرة التي كانت تنهشه من المتنبي، جعلته هو وأخاه الشريف المرتضى يقفان من المعري (محب المتنبي) موقفا قاسيا، حين وقع خلاف حول الشاعر. قال المعري مدافعا عنه <<لو لم يكن للمتنبي الا قوله: لكِ يا منازلُ في القلوب منازلُ...>> لكفاه. قال الشريف المرتضي لحاشيته في المجلس: <<اسحبوا هذا الاسطبل من هنا>>، والاسطبل لغة هو الأعمى، فسُحب المعرّي من رجله من المجلس مهاناً.. كرمى لعيني شاعره. وقال الشريف المرتضى بعد ذلك لأصحابه: إن المعرّي بإيراده هذه القصيدة إنما عناني ببيت للمتنبي يقول فيه:
    <<وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ
    فهي الشهادة لي بأني كاملُ>>
    ينقل الطيب صالح في مقالاته المتنوعة، سلاحه للدفاع عن فتاه، من الاقدمين الى المحدثين، فيقف موقفا متهكما وناقدا من طه حسين، أبرز المحدثين ممن تحاملوا على أبي الطيب، من خلال كتابه <<في صحبة المتنبي>>. يتساءل الطيب صالح يقول: ما مشكلة العميد مع المتنبي؟ ويجيب: <<العميد، رحمه الله، شأنه في ذلك شأن الشريف الرضي والصاحب بن عبّاد وكثيرين الى يومنا هذا: حالهم حال المجمعين على الحقد>>. ويضيف ان ذلك لم يكن من طه حسين لا عن قلة فطنة (فالعميد كان آية في الذكاء) ولا عن جهل <<حاشا الله فقد كان العميد بحر علوم>> ولكنها <<البغضاء>> هي التي تعمي الناظر إليها.
    ثم إن العميد اعتمد في رأيه في المتنبي على المستشرق الفرنسي <<بلاشير>> في اطروحته المسماة <<ابو الطيب المتنبي دراسة في التاريخ الأدبي>>، التي نال عليها شهادة الدكتوراه في الادب العربي من جامعة السوربون عام 1935، وهي دراسة مستشرق متحيز، لا يرى في المتنبي اكثر من مدّاح، وفي سيف الدولة اكثر من أمير مهووس <<بالنفج>>... يرى الطيب صالح ان طه حسين، في تحامله على المتنبي، يصدر عن نفسية عقدتها عاهة العمى، والكبرياء معاً... وبالتالي هو شبيه بما يسمونه بالفرنسية تحطيم الايقونات iconoelasme، ويشد على يد محمود محمد شاكر الذي ألف كتابا جيدا في المتنبي، حين يقول في طه حسين: <<زهو بغيض، وخيلاء نابية، وعُجب لا يرحم بائسا رماه حب القراءة في تنور، وقوده من زمهرير ثرثرة>> قاسية... فهو دائما يحب ان يغيظ القراء، وأن يثير سخطهم، وأن يعاند نفسه ويعاند الناس. سلسلة طويلة مكررة من الاستعلاء والاستخفاف>>. يسأل الطيب، ويعيد السؤال: <<لماذا أبغض الدكتور طه حسين أبا الطيب المتنبي؟>>... وهو يعجب (وهو على حق في هذا العجب) من مفارقة الحب الغامر والاكبار والاعجاب اللذين لا حدود لهما، التي يظهرها لطه حسين لأبي العلاء المعري من خلال كتبه فيه، والكراهية التي يظهرها للمتنبي، على الرغم من ان أبا العلاء كان مقلدا لأبي الطيب مفتونا به... ولا يذكره حين يذكره الا بقوله <<الشاعر>>، فكيف يمكن التوفيق بين هذه المفارقات او النقائض؟
    حوار مع أبي الطيب
    وحديث الطيب، مع أبي الطيب، وفي أبي الطيب، حديث طويل ويطول، فهو يحمله معه في حله وترحاله، في كل مكان من الارض، وفي كل بلد يسافر اليه او يحل فيه، في الشرق كان او في الغرب.. فهو معه في لندن وفي باريس في القاهرة وفي قطر وفي بيروت. يسامره ويحاوره ويستمتع به ويعجب ويحب ويغضب له ويحتار... يحادث نفسه فيه، والآخرين ويحدثه كأنه أمامه بلحمه ودمه: كيف قلت، غفر الله لك، <<على قلق كأن الريح تحتي>>؟ تعال معي الى <<سيدني>> حيث الفتى العربي كما وصفت <<غريب الوجه واليد واللسان>> يخاطبه خطابا قريبا <<كثيرا ما جال في خاطري بيتك العجيب>> ولا يني يقرأ له ويعيد ويستعيد، ويحاور الشراح، وبعض من تكالبوا على المتنبي، ويصحح لمن يلزم، ويعجب ما طالب له العجب، ويتبحّر في اللغة على قوارب المتنبي، ويعيد لنا نكهة من اريحية العربية، في هذا الزمان الاعوج، بعد ان أضاعتنا بل أذهلتنا عن انفسنا الرطانات وما أكثرها، وبعد ان تم فعل البذاءة بالعربية، حتى على يد بعض <<الدكاطرة>> بتعبيره الساخر.
    كل من يحادثهم او يصاحبهم الطيب صالح، من شعراء ودارسين ورفاق، إنما يتكوكب معهم او يكوكبهم حول شاعره الذي هو قطب الرحى ومدار الصحبة. وللمعري نصيب كبير من رفقة الطيب، لأنه اكبر وأعظم من رافق المتنبي. ويناقش الطيب صالح في المعري جملة ممن كتبوا فيه وفي اصول معتقده الفلسفي، ويشير الى من كتبوا في رهين المحبسين، غلبت على ابحاثهم نزعة البحث عن اصول معتقده، اكثر مما اهتموا بشعره وجمال شعره، وأعماق هذا الشعر. فهو يحاور في ذلك مارون عبود صاحب كتاب <<زوبعة الدهور>>، كما يحاور آخرين من طه حسين الى عباس محمود العقاد الى بنت الشاطئ التي تعتبر المعري <<شاعرها>> كما يعتبر هو المتنبي <<شاعره>>... الا ان الطيب صالح أغفل كتابا هو في اعتقادنا اهم ما كتبه المحدثون في اعمى المعرة وفيلسوفها وشاعرها، وهو كتاب <<المعري ذلك المجهول>> للعالم اللغوي الجليل الشيخ عبد الله العلايلي. ولا أحسب الطيب صالح بغافل عن فضل هذا الكتاب في إماطة اللثام عن الجذور الفلسفية لشعر المعري، هذه الجذور التي استنبطها العلايلي من التركيب اللغوي والحروفي للزوميات المعري وكشف الصلة الرحمية والرمزية بينها وبين اشارات اخوان الصفا ورموزهم ومعتقداتهم... وحين نعلم ان الشيخ العلايلي هو من اجل علماء العربية (اللغة) المحدثين وأن المعري شيخ اللغة وإمام رموزها، نفهم عمق وابتكار كتاب العلايلي في المعري... وآمل ان يكون ذلك من مستدركات الطيب المقبلة.
    هذا، وان في الامكان اضافات على الطيب في أبي الطيب. ونقول: بخٍ. بخٍ... نحن ايضا استمتعنا ونستمتع بما يستمتع به الطيب من أطايب أبي الطيب... وهي مائدة العقول المفتوحة على الأبد. فكأنه شاهد دائم على دواخلنا الخفية، في جلائها وأسرارها، وفي صحتها والمرض. لدى المتنبي جدل عجيب مع الذات البشرية في أدق احوالها.
    وهو قاطف الحكمة المرة من مستنقع الحياة، ومصوّر نوازع الناس بما فيها من جرأة وجفوّ وقسوة وحدة وخوف وإباء واستعلاء. ثم هو الجريء العجيب الغواص في اللغة، جرأته في سبر النفس البشرية. انظر الى <<العبدّى>> في قوله:
    .. تشابهت البهائمُ والعِبدّي
    علينا والموالي والصميم>>
    المتنبي شاعر العنفوان والقوة وفيلسوف الجبروت قبل نيتشه. كان دائما (حتى وهو يصف موصوفيه من ملوك وقوّاد وعظماء دولة) يصف نفسه هو، بملامح سوبرمان، داعية، مهدي،... بين أناس كالسائمة، وملوك يستحقون قطع الرؤوس كالأوثان. وهو بينهم غريب كصالح في ثمود، وهو من طينة لا بشرية ماذا أقول؟ فوق بشرية.. مصطفاة..
    ثم هو يحتقر الناس والملوك معاً احتقار استعلاء، ويعبّر عن ذلك بصيغ التصغير <<أذمّ الى هذا الزمان أهيله>>.. <<كويفير>>، <<شويعر>>... الخ.. في حين ان المعري يحتقر الطينة البشرية نفسها، وشخصيته شخصية افتراسية. صراعية متغلبة.. كأنه هو الذي هدى هوبز الى قوله <<الانسان ذئب الانسان>> وهدى شتاينبيك صاحب <<عناقيد الغضب>> الى مقولة ان الانسان يكون اولا قويا ثم أخلاقيا>>:
    <<من أطاق التماس شيء غلابا
    واغتصاباً لم يلتمسه سؤالا>>.
    يغوص على الحكمة وينتشلها مدماة تنبض بالقوة والجمال من أحشاء الحياة..
    <<ذلّ من يغبط الذليل بعيش
    ربّ عيش أخف منه الحِمامُ
    من يهن يسهل الهوان عليه
    ما لجرح يميّت إيلام...
    ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
    وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم...>>
    وهو صاحب قول شعري ولغوي محكم (على ما يرى المعري).. وقوته في الشعر، في الكلمات... على الدهر... فكأنه الشاعر بالمطلق. وصحيح انه تدرج من طلب النبوة الى طلب الملك فالولاية، لأنه كان يعتبر نفسه أحق بالملك من الملوك، بل كان يرى قلبه ملكا:
    <<وفؤادي من الملوك وإن كان لساني يُرى من الشعراء>>
    إلا ان عظمته كائنة في سلطة الشعر، لا في السلطة السياسية التي كان يطلبها ويظن انه أحق بها من جميع ملوك وسلاطين زمانه... وسلطة الشعر سلطة عجيبة، قوامها الكلمات (كما قال شكسبير في هاملت: كلمات...كلمات... كلمات)، الا انها السحر، الروعة، الابتكار، النزوع على أجنحتها بالصورة والمعنى والمخيلة الى غايات لا يعرفها الآخرون، والوصول الى المعنى المُسكر الخفي الذي يجلوه الشاعر:
    فهذا شعر يفاجئ الظنون. ثم هذا شعر له فتوحات في الكلام.. فيه الحزن والقوة والعنفوان والحكمة والسخرية وكل ما في النفس البشرية من نوازع ودواخل متناقضة، قاطعة صائبة او غامضة ملتبسة.
    <<لا أقمنا على مقام وإن طاب ولا يمكن المكانَ الرحيل>>.
    لذلك لا عجب ان يكون المتنبي يظهر في وسط التاريخ كجوهرة خاصة ونادرة ممثلة لسلطة الشاعر، المكونة من أخلاط التاريخ والعبقرية الذاتية ومن صفو الحكمة وجمال الجنون. ولا عجب ان يستهوينا، نحن ابناء هذا الزمان (الأعوج) الأكثر من رديء ويظهر لنا بصورة فارس قلق هوائي متعال متكبر يحمل بيرقا ومشرد ودام وحكيم ومجنون وجميل... ويتدحرج في الزمان والمكان.. وكما قال فيه ادونيس في (الكتاب): من ياء هذا الزمان الى الزمن الأول
    قلق ذاهب يتأمل في قلق مقبلِ.
    وإذا كان قد خلب الطيب صالح، فقد خلبنا معه ايضا.
    وكما قال الأولون، واستعاده الطيب في كتابه الممتع النبيل الجميل، <<الحديث أودية>>... فقد ساقتنا اودية حديثة الى هذا الوادي الذي استطردنا فيه ما كان بدأه هو...

    لا حدود للمتعة والأنس والفائدة في صحبة الطيب صالح ورفاقه. فكيف اذا كان هؤلاء هم المتنبي ورفاقه؟ فأنت مع الطيب، من خلال كتابه الصادر له حديثا عن دار <<رياض الريّس للكتب والنشر، بيروت 2005>>، بعنوان <<في صحبة المتنبي ورفاقه>>. كأنك جالس في بستان.. فالكتاب بستان، والطيب بستان كتابه فكأنه <<بستان البستان>>.
    وتنظر الى وجه الطيب صالح (ولكل امرئ من اسمه نصيب كما أُثر عن الرسول الاعظم) الذي رسمه حسن إدلبي على الغلاف، فتجد ان عِمة سودانية بيضاء، تتوّج الوجه السوداني الاسمر الجميل، وان الجمال قائم ما بين العينين السوداوين، وما بين العينين والشفتين الكبيرتين المنفرجتين عن ابتسامة لطيفة، بل عما هو اكثر من ابتسامة وأقل من ضحكة، تضيء أسارير الوجه بكامله، فهنا وجه أليف، ودود، محب، ساخر... وخُيّل إليّ لأول وهلة، أنني أنظر الى وجه ظبي من ظباء السودان (وأنا لم أعرفها عن كثب، بل من خلال الطيب ورفاقه من شعراء السودان بخاصة)، لكنه عاد فنبهني هو، في كتابه، الى جمال السنجاب، فاستعرت منه له هذا الوصف، الذي كتبه واصفا تنقله متكئا على عصاه، طويلا، بين هضاب (البيرنز او برلاند) أعلى (انترلاكن)، بين مسارب اشجار البلوط والصنوبر، فيفاجئه ثمة سنجاب، فيكتب <<أصادف سنجابا غير بعيد مني يتشبث بفرع، يتأملني بلا خوف، يتأملني بدهشة كدهشة الطفل. انظر إليه وينظر إليّ. أكاد أسمع حديثه. مثلي في شرع الحياة، وأسعد حالا لأنه كما قال الحردلّو <<فرحان وعاجبه خلاه>>. والخلاء ليس بالضرورة الارض العراء، ولكنه اتساع فضاء الانطلاق للكائن الحي...>>.
    ومثلما كان الطيب صالح، وهو يتنقل بين الاشجار في انترلاكن، يتبادل نظرات الحب والدهشة مع سنجابه، كنت وأنا أقرأ كتابه، أتبادل بين الفينة والفينة، النظر مع صورته الناطقة تلك... وأحسب انه ينظر إليّ، ويبتسم لي، ويحدثني او يؤانسني بحديثه العذب المستطرد.. عن أبي الطيب ورفاقه الكثر من شعراء وأدباء وأصدقاء ومفكرين، وأبو الطيب المتنبي قائم في وسط المجموعة، وكأنه <<عَلَم في رأسه نار>>، وعلى الرغم من أنه يخص الامكنة والازمنة كافة، وأنه <<مالئ الدنيا وشاغل الناس>> وأنه يملأني شخصيا ويشغلني على تباعد التواريخ ووعورة المسالك والازمنة ورعونة هذا الزمان بالذات، إلا أنني أحسست من خلال صحبتي للطيب في صحبته للمتنبي (دون جميع الرفاق) انه يخصه هو بالذات وأنه <<أبو طيبه>> هو وحده دون سائر الخلق، فهو كما يرى اليه، ويسميه، <<الاستاذ بالمطلق>> على الرغم من وجود أساتذة متباينين في فنون ومطالب متباينة. إلا ان المتنبي هو <<الاستاذ>>، مثلما ان كل كتاب هو كتاب، أما <<الكتاب>> بالمطلق، فمحفوظة تسميته للقرآن الكريم، او لبعض الامهات من الكتب (كتاب سيبويه في النحو سمي الكتاب)، وقد اختار ادونيس ان يسمّي ثلاثيته الضخمة في الشعر والتاريخ، <<الكتاب>>، وجوهرها ان الرجل يقوم بتحقيق مخطوطة منسوبة للمتنبي... فكتاب ادونيس (الكتاب) يدور حول المتنبي الاستاذ .
    وحين يختار الطيب لقب <<الاستاذ>> لأبي الطيب، فلأنه يراه سيد الاقدمين والمحدثين في فن الشعر بالعربية، بزّ من سبقه من الشعراء، ومن عاصره ومن تلاه الى يومنا هذا... فكأنه في ذلك (اي الطيب صالح) هو معرّي جديد، أتى ليثبّت المعري الاول، في حكمه على المتنبي بأنه صاحب إعجاز في الشعر، بجمعه قصائد مختارة له، او أبياتا مختارة، في ما سماه <<معجز أحمد>>، وهو ما سار في الناس واشتهر عن أبي العلاء، على الرغم من تلك المناقشة العلمية الهادئة، التي يخوض فيها الطيب صالح، حول <<معجز أحمد>> بالذات، ما حقيقته؟ أين يوجد؟ من تتبعه وحققه من خلال النسخ المحفوظة والطبعات المستجدة؟ وهل هو <<كتاب آخر>> للمعري، مختلف عن الشرح المعدود له، والمسمى <<اللامع العزيزي>>، ويروى أن أعمى المعرة البصير كتبه بناءً لإيعاز من الأمير عزيز الدولة... ويذكر ابن عساكر ان المعري شرح ديوان المتنبي شرحين: الاول سمّاه <<اللامع العزيزي>> والثاني سمّاه <<معجز أحمد>>، ومثله ذكر البديعي في <<الصبح المنبي>> وغيرهما من المؤرخين للمعري والمتنبي>> (والكلام ينقله الطيب عن مقدمة الطبعة الثانية لشرح ديوان ابي الطيب لأبي العلاء المعري الذي أسماه <<معجز احمد>>، بتحقيق الدكتور عبد المجيد دياب، وشرح محمود سالم اصدرته دار المعارف بمصر العام 1988، ثم اعيد طبعه 1992).
    دفاع عن المتنبي
    يدافع الطيب صالح على امتداد صفحات كتابه المتنوع الفصول والابحاث، عن ابي الطيب المتنبي، وكأنه أمه وأبوه، او كأنه أمّ تحس بالخطر على ابنها الجميل المدلل، فتشهر جميع اسلحتها في وجه (الاعداء)، والاعداء قدامى ومحدثون، من الصاحب بن عبّاد، وهو امير طمع في مديح المتنبي له، وبذل من اجل ذلك نصف ما يملك، فتعالى عليه او الطيب بحجة انه لا يمدح سوى الملوك، فجلس الصاحب يتدبر أسبابا لثلب الشاعر، والنيل منه، وأغرى بذلك آخرين اعتصبوا حول المتنبي وألّف وألّفوا في النيل من شعره... الى الوزير المهلبي في بغداد، وحاله كحال الصاحب بن عبّاد، فأغرى الحاتمي بتأليف كتاب يتتبع فيه سرقات المتنبي من حكم أرسطو الفلسفية... ذانِ من الأقدمين، ممن تصدى لهم الطيب صالح، وهفّت ادعاءاتهم وأقوالهم مستعينا عليهم تارة بأعظم شاعر فيلسوف في العربية، هو أبو العلاء المعري، الذي عرف قدر المتنبي وألف له وفيه ما سمّاه <<معجز أحمد>>، وطورا بأبرز لغويي زمانه <<ابن جنّي>>... الذي قيل فيه وفي معرفته لأسرار اللغة عند المتنبي ما نُقل عن المتنبي فيه <<ابن جنّي أعلم بشعري مني>>... لا يترك الطيب صالح أحدا من القدامى ممن عاصروا المتنبي والمعري، وعابوا عليه شعره، أو كرهوه فتحول طعم شعره الحلو مرّاً في أفواههم، والعيب في السقم والمرض لا في الشعر، إلا وتصدى له. نذكر من هؤلاء الشريف الرضي، على جمال شعره ونبل هذا الشعر، إلا ان الغيرة التي كانت تنهشه من المتنبي، جعلته هو وأخاه الشريف المرتضى يقفان من المعري (محب المتنبي) موقفا قاسيا، حين وقع خلاف حول الشاعر. قال المعري مدافعا عنه <<لو لم يكن للمتنبي الا قوله: لكِ يا منازلُ في القلوب منازلُ...>> لكفاه. قال الشريف المرتضي لحاشيته في المجلس: <<اسحبوا هذا الاسطبل من هنا>>، والاسطبل لغة هو الأعمى، فسُحب المعرّي من رجله من المجلس مهاناً.. كرمى لعيني شاعره. وقال الشريف المرتضى بعد ذلك لأصحابه: إن المعرّي بإيراده هذه القصيدة إنما عناني ببيت للمتنبي يقول فيه:
    <<وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ
    فهي الشهادة لي بأني كاملُ>>
    ينقل الطيب صالح في مقالاته المتنوعة، سلاحه للدفاع عن فتاه، من الاقدمين الى المحدثين، فيقف موقفا متهكما وناقدا من طه حسين، أبرز المحدثين ممن تحاملوا على أبي الطيب، من خلال كتابه <<في صحبة المتنبي>>. يتساءل الطيب صالح يقول: ما مشكلة العميد مع المتنبي؟ ويجيب: <<العميد، رحمه الله، شأنه في ذلك شأن الشريف الرضي والصاحب بن عبّاد وكثيرين الى يومنا هذا: حالهم حال المجمعين على الحقد>>. ويضيف ان ذلك لم يكن من طه حسين لا عن قلة فطنة (فالعميد كان آية في الذكاء) ولا عن جهل <<حاشا الله فقد كان العميد بحر علوم>> ولكنها <<البغضاء>> هي التي تعمي الناظر إليها.
    ثم إن العميد اعتمد في رأيه في المتنبي على المستشرق الفرنسي <<بلاشير>> في اطروحته المسماة <<ابو الطيب المتنبي دراسة في التاريخ الأدبي>>، التي نال عليها شهادة الدكتوراه في الادب العربي من جامعة السوربون عام 1935، وهي دراسة مستشرق متحيز، لا يرى في المتنبي اكثر من مدّاح، وفي سيف الدولة اكثر من أمير مهووس <<بالنفج>>... يرى الطيب صالح ان طه حسين، في تحامله على المتنبي، يصدر عن نفسية عقدتها عاهة العمى، والكبرياء معاً... وبالتالي هو شبيه بما يسمونه بالفرنسية تحطيم الايقونات iconoelasme، ويشد على يد محمود محمد شاكر الذي ألف كتابا جيدا في المتنبي، حين يقول في طه حسين: <<زهو بغيض، وخيلاء نابية، وعُجب لا يرحم بائسا رماه حب القراءة في تنور، وقوده من زمهرير ثرثرة>> قاسية... فهو دائما يحب ان يغيظ القراء، وأن يثير سخطهم، وأن يعاند نفسه ويعاند الناس. سلسلة طويلة مكررة من الاستعلاء والاستخفاف>>. يسأل الطيب، ويعيد السؤال: <<لماذا أبغض الدكتور طه حسين أبا الطيب المتنبي؟>>... وهو يعجب (وهو على حق في هذا العجب) من مفارقة الحب الغامر والاكبار والاعجاب اللذين لا حدود لهما، التي يظهرها لطه حسين لأبي العلاء المعري من خلال كتبه فيه، والكراهية التي يظهرها للمتنبي، على الرغم من ان أبا العلاء كان مقلدا لأبي الطيب مفتونا به... ولا يذكره حين يذكره الا بقوله <<الشاعر>>، فكيف يمكن التوفيق بين هذه المفارقات او النقائض؟
    حوار مع أبي الطيب
    وحديث الطيب، مع أبي الطيب، وفي أبي الطيب، حديث طويل ويطول، فهو يحمله معه في حله وترحاله، في كل مكان من الارض، وفي كل بلد يسافر اليه او يحل فيه، في الشرق كان او في الغرب.. فهو معه في لندن وفي باريس في القاهرة وفي قطر وفي بيروت. يسامره ويحاوره ويستمتع به ويعجب ويحب ويغضب له ويحتار... يحادث نفسه فيه، والآخرين ويحدثه كأنه أمامه بلحمه ودمه: كيف قلت، غفر الله لك، <<على قلق كأن الريح تحتي>>؟ تعال معي الى <<سيدني>> حيث الفتى العربي كما وصفت <<غريب الوجه واليد واللسان>> يخاطبه خطابا قريبا <<كثيرا ما جال في خاطري بيتك العجيب>> ولا يني يقرأ له ويعيد ويستعيد، ويحاور الشراح، وبعض من تكالبوا على المتنبي، ويصحح لمن يلزم، ويعجب ما طالب له العجب، ويتبحّر في اللغة على قوارب المتنبي، ويعيد لنا نكهة من اريحية العربية، في هذا الزمان الاعوج، بعد ان أضاعتنا بل أذهلتنا عن انفسنا الرطانات وما أكثرها، وبعد ان تم فعل البذاءة بالعربية، حتى على يد بعض <<الدكاطرة>> بتعبيره الساخر.
    كل من يحادثهم او يصاحبهم الطيب صالح، من شعراء ودارسين ورفاق، إنما يتكوكب معهم او يكوكبهم حول شاعره الذي هو قطب الرحى ومدار الصحبة. وللمعري نصيب كبير من رفقة الطيب، لأنه اكبر وأعظم من رافق المتنبي. ويناقش الطيب صالح في المعري جملة ممن كتبوا فيه وفي اصول معتقده الفلسفي، ويشير الى من كتبوا في رهين المحبسين، غلبت على ابحاثهم نزعة البحث عن اصول معتقده، اكثر مما اهتموا بشعره وجمال شعره، وأعماق هذا الشعر. فهو يحاور في ذلك مارون عبود صاحب كتاب <<زوبعة الدهور>>، كما يحاور آخرين من طه حسين الى عباس محمود العقاد الى بنت الشاطئ التي تعتبر المعري <<شاعرها>> كما يعتبر هو المتنبي <<شاعره>>... الا ان الطيب صالح أغفل كتابا هو في اعتقادنا اهم ما كتبه المحدثون في اعمى المعرة وفيلسوفها وشاعرها، وهو كتاب <<المعري ذلك المجهول>> للعالم اللغوي الجليل الشيخ عبد الله العلايلي. ولا أحسب الطيب صالح بغافل عن فضل هذا الكتاب في إماطة اللثام عن الجذور الفلسفية لشعر المعري، هذه الجذور التي استنبطها العلايلي من التركيب اللغوي والحروفي للزوميات المعري وكشف الصلة الرحمية والرمزية بينها وبين اشارات اخوان الصفا ورموزهم ومعتقداتهم... وحين نعلم ان الشيخ العلايلي هو من اجل علماء العربية (اللغة) المحدثين وأن المعري شيخ اللغة وإمام رموزها، نفهم عمق وابتكار كتاب العلايلي في المعري... وآمل ان يكون ذلك من مستدركات الطيب المقبلة.
    هذا، وان في الامكان اضافات على الطيب في أبي الطيب. ونقول: بخٍ. بخٍ... نحن ايضا استمتعنا ونستمتع بما يستمتع به الطيب من أطايب أبي الطيب... وهي مائدة العقول المفتوحة على الأبد. فكأنه شاهد دائم على دواخلنا الخفية، في جلائها وأسرارها، وفي صحتها والمرض. لدى المتنبي جدل عجيب مع الذات البشرية في أدق احوالها.
    وهو قاطف الحكمة المرة من مستنقع الحياة، ومصوّر نوازع الناس بما فيها من جرأة وجفوّ وقسوة وحدة وخوف وإباء واستعلاء. ثم هو الجريء العجيب الغواص في اللغة، جرأته في سبر النفس البشرية. انظر الى <<العبدّى>> في قوله:
    .. تشابهت البهائمُ والعِبدّي
    علينا والموالي والصميم>>
    المتنبي شاعر العنفوان والقوة وفيلسوف الجبروت قبل نيتشه. كان دائما (حتى وهو يصف موصوفيه من ملوك وقوّاد وعظماء دولة) يصف نفسه هو، بملامح سوبرمان، داعية، مهدي،... بين أناس كالسائمة، وملوك يستحقون قطع الرؤوس كالأوثان. وهو بينهم غريب كصالح في ثمود، وهو من طينة لا بشرية ماذا أقول؟ فوق بشرية.. مصطفاة..
    ثم هو يحتقر الناس والملوك معاً احتقار استعلاء، ويعبّر عن ذلك بصيغ التصغير <<أذمّ الى هذا الزمان أهيله>>.. <<كويفير>>، <<شويعر>>... الخ.. في حين ان المعري يحتقر الطينة البشرية نفسها، وشخصيته شخصية افتراسية. صراعية متغلبة.. كأنه هو الذي هدى هوبز الى قوله <<الانسان ذئب الانسان>> وهدى شتاينبيك صاحب <<عناقيد الغضب>> الى مقولة ان الانسان يكون اولا قويا ثم أخلاقيا>>:
    <<من أطاق التماس شيء غلابا
    واغتصاباً لم يلتمسه سؤالا>>.
    يغوص على الحكمة وينتشلها مدماة تنبض بالقوة والجمال من أحشاء الحياة..
    <<ذلّ من يغبط الذليل بعيش
    ربّ عيش أخف منه الحِمامُ
    من يهن يسهل الهوان عليه
    ما لجرح يميّت إيلام...
    ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
    وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم...>>
    وهو صاحب قول شعري ولغوي محكم (على ما يرى المعري).. وقوته في الشعر، في الكلمات... على الدهر... فكأنه الشاعر بالمطلق. وصحيح انه تدرج من طلب النبوة الى طلب الملك فالولاية، لأنه كان يعتبر نفسه أحق بالملك من الملوك، بل كان يرى قلبه ملكا:
    <<وفؤادي من الملوك وإن كان لساني يُرى من الشعراء>>
    إلا ان عظمته كائنة في سلطة الشعر، لا في السلطة السياسية التي كان يطلبها ويظن انه أحق بها من جميع ملوك وسلاطين زمانه... وسلطة الشعر سلطة عجيبة، قوامها الكلمات (كما قال شكسبير في هاملت: كلمات...كلمات... كلمات)، الا انها السحر، الروعة، الابتكار، النزوع على أجنحتها بالصورة والمعنى والمخيلة الى غايات لا يعرفها الآخرون، والوصول الى المعنى المُسكر الخفي الذي يجلوه الشاعر:
    فهذا شعر يفاجئ الظنون. ثم هذا شعر له فتوحات في الكلام.. فيه الحزن والقوة والعنفوان والحكمة والسخرية وكل ما في النفس البشرية من نوازع ودواخل متناقضة، قاطعة صائبة او غامضة ملتبسة.
    <<لا أقمنا على مقام وإن طاب ولا يمكن المكانَ الرحيل>>.
    لذلك لا عجب ان يكون المتنبي يظهر في وسط التاريخ كجوهرة خاصة ونادرة ممثلة لسلطة الشاعر، المكونة من أخلاط التاريخ والعبقرية الذاتية ومن صفو الحكمة وجمال الجنون. ولا عجب ان يستهوينا، نحن ابناء هذا الزمان (الأعوج) الأكثر من رديء ويظهر لنا بصورة فارس قلق هوائي متعال متكبر يحمل بيرقا ومشرد ودام وحكيم ومجنون وجميل... ويتدحرج في الزمان والمكان.. وكما قال فيه ادونيس في (الكتاب): من ياء هذا الزمان الى الزمن الأول
    قلق ذاهب يتأمل في قلق مقبلِ.
    وإذا كان قد خلب الطيب صالح، فقد خلبنا معه ايضا.
    وكما قال الأولون، واستعاده الطيب في كتابه الممتع النبيل الجميل، <<الحديث أودية>>... فقد ساقتنا اودية حديثة الى هذا الوادي الذي استطردنا فيه ما كان بدأه هو...
                  

العنوان الكاتب Date
في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad12-21-04, 12:37 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Hussein Mallasi12-21-04, 03:25 PM
  جاييك يا ملاسي اصبر علي شوية osama elkhawad12-21-04, 04:26 PM
    Re: جاييك يا ملاسي اصبر علي شوية Hussein Mallasi12-21-04, 04:41 PM
  حواري مع "يمنى العيد" في بيروت osama elkhawad12-21-04, 06:27 PM
  في القراءة الخاطئة osama elkhawad12-21-04, 07:00 PM
  تنبيه مهم osama elkhawad12-21-04, 09:25 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya12-22-04, 08:26 PM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا حاتم الياس12-23-04, 02:02 AM
      Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya12-23-04, 08:43 AM
  أحاول التطوير النظري والتطبيقي او الممارسي كما تقول يمنى العيد لمفهوم القراءة الخاطئة osama elkhawad12-23-04, 12:02 PM
  قراءة يمنى العيد الخاطئة osama elkhawad12-23-04, 08:13 PM
    Re: قراءة يمنى العيد الخاطئة bayan12-24-04, 01:27 AM
  Re: منهج القراءة الخاطئة لا ينتج الا قراءات خاطئة Agab Alfaya12-24-04, 03:11 AM
  ملاحظتك بخصوص مسألة القراءة osama elkhawad12-24-04, 06:19 AM
  ولك ما قررت osama elkhawad12-24-04, 08:59 AM
  مصطفى سعيد كنقابي وحزبي (أو) يسارية مصطفى سعيد في السودان osama elkhawad12-24-04, 10:46 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Bashasha12-24-04, 10:56 AM
  صديقنا بشاشة osama elkhawad12-24-04, 06:27 PM
    Re: صديقنا بشاشة bayan12-24-04, 07:17 PM
  شكرا بيان على ملاحظتك الدقيقة osama elkhawad12-24-04, 08:26 PM
  Re: يسارية مصطفي سعيد ونقابيته لا تخفي علي كل ذو بصيرة ناقدة Agab Alfaya12-26-04, 04:41 AM
  Re: لم تخطيء يمني العيد ، مدلول كلمة : البلد Agab Alfaya12-27-04, 12:34 PM
    Re: لم تخطيء يمني العيد ، مدلول كلمة : البلد خالد عويس12-27-04, 01:00 PM
  سأعلق على بعض النقاط المهمة osama elkhawad12-27-04, 02:09 PM
  Re: هل السؤال عن النطق الصحيح لاسم مدينة الابيض قراءة خاطئة؟! Agab Alfaya12-27-04, 08:27 PM
  هذه ]ليست لغة مناسبة للحوار بين ناقدين osama elkhawad12-27-04, 10:08 PM
    Re: هذه ]ليست لغة مناسبة للحوار بين ناقدين الجندرية12-27-04, 11:58 PM
  شديد اسفي للمتابعين osama elkhawad12-28-04, 00:15 AM
  دريدا وأميركا osama elkhawad12-28-04, 00:35 AM
  Re: هذه الورطة ليس لك منها مخرج سوي الاعتذار Agab Alfaya12-28-04, 08:32 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya12-28-04, 08:52 PM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا الجندرية12-29-04, 01:39 AM
  ان مشكلة الحوار معك لا تتمثل فقط في عدم فهم ما يقوله لك محاورك osama elkhawad12-28-04, 10:33 PM
    Re: ان مشكلة الحوار معك لا تتمثل فقط في عدم فهم ما يقوله لك محاورك عشة بت فاطنة12-29-04, 04:30 PM
  Re: شهادة عثمان تراث Agab Alfaya12-29-04, 08:31 PM
  Re: النقد عن طريق الاستطلاع Agab Alfaya12-29-04, 09:01 PM
    Re: النقد عن طريق الاستطلاع Abdel Aati12-29-04, 09:44 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad12-29-04, 10:44 PM
  Re: الطيب صالح : مصطفي سعيد كان اشتراكيا ! Agab Alfaya12-30-04, 08:01 AM
    Re: الطيب صالح : مصطفي سعيد كان اشتراكيا ! Omayma Alfargony12-30-04, 01:02 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا WadalBalad12-30-04, 08:32 AM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا bayan12-30-04, 08:46 AM
  Re: مصطفي سعيد شخصية روائية حية وليس اكذوبة ! Agab Alfaya12-30-04, 08:53 AM
  Re: بشري لود البلد Agab Alfaya12-30-04, 11:47 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya12-30-04, 12:22 PM
  كل عام والمشاركين والبورداب بخير osama elkhawad12-30-04, 03:38 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا WadalBalad12-31-04, 08:24 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya12-31-04, 08:33 AM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا عشة بت فاطنة12-31-04, 12:57 PM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Omayma Alfargony01-05-05, 08:53 AM
  أشرت يا عشة الى نقطة مهمة تجاهلتها يمنى العيد osama elkhawad12-31-04, 03:12 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-05-05, 00:38 AM
  greetings Maysoon Nigoumi01-05-05, 01:15 AM
  مرحب بالمبدعة ميسون osama elkhawad01-05-05, 02:57 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Hafiz Bashir01-05-05, 03:35 AM
  Re:الفن لا يحاكم بمنطق الواقع Agab Alfaya01-05-05, 10:09 AM
    Re: Re:الطيب صالح الاشتراكي ! Agab Alfaya01-05-05, 12:31 PM
      Re: Re:الطيب صالح الاشتراكي ! Marouf Sanad01-05-05, 01:35 PM
        Re: Re:الطيب صالح الاشتراكي ! Agab Alfaya01-05-05, 07:18 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya01-05-05, 06:54 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا عبدالماجد فرح يوسف01-05-05, 08:03 PM
  hi Maysoon Nigoumi01-07-05, 03:08 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-07-05, 03:37 AM
  خفة القراءة-عن الدرجة الأولى من "القراءة الخاطئة" osama elkhawad01-07-05, 04:00 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا WadalBalad01-07-05, 07:47 AM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Adrob wad Elkhatib01-07-05, 08:19 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-07-05, 07:04 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya01-07-05, 07:38 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya01-07-05, 07:40 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا WadalBalad01-08-05, 08:48 AM
  Re: تضليل القراء ومحاولة ايقاع الفريسة في الشرك باي ثمن ! Agab Alfaya01-08-05, 09:24 AM
  عزيزي الفيا انت تقوم بدور معرفي تخريبي من خلال اصرارك على اخطائك المتكررة osama elkhawad01-08-05, 09:48 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-08-05, 04:41 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya01-08-05, 09:14 PM
  ارجو ان تحترم اراء معارضيك osama elkhawad01-09-05, 00:27 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-09-05, 00:58 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Hani Abuelgasim01-09-05, 11:22 AM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا عشة بت فاطنة01-09-05, 05:26 PM
      Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا Agab Alfaya01-10-05, 11:45 AM
        فضلا ياخواض .. ماهكذا .. ودرملية01-10-05, 02:22 PM
  Re: بيع الضمير من اجل كسب رخيص Agab Alfaya01-10-05, 09:26 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-10-05, 11:25 PM
  Re: بيع الضمير من اجل كسب رخيص - 2 Agab Alfaya01-11-05, 04:16 AM
    Re: بيع الضمير من اجل كسب رخيص - 2 ودرملية01-11-05, 03:38 PM
  Re: السطحية والضآلة والتهافت للنيل من قمة نقدية Agab Alfaya01-11-05, 06:28 PM
  عزيزي ود رملية osama elkhawad01-11-05, 08:54 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-13-05, 05:30 AM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا عشة بت فاطنة01-13-05, 05:08 PM
  نواصل الحديث عن خفة قراءة يمنى العيد ل"موسم الهجرة الى الشمال". osama elkhawad01-14-05, 02:18 AM
    Re: نواصل الحديث عن خفة قراءة يمنى العيد ل"موسم الهجرة الى الشمال". Tumadir01-14-05, 04:19 AM
      Re: نواصل الحديث عن خفة قراءة يمنى العيد ل"موسم الهجرة الى الشمال". عشة بت فاطنة01-14-05, 02:07 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-14-05, 11:10 PM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا عشة بت فاطنة01-15-05, 12:50 PM
  نواصل بعد توقف osama elkhawad01-21-05, 09:57 PM
    Re: نواصل بعد توقف Marouf Sanad01-21-05, 11:45 PM
  التخفي osama elkhawad01-22-05, 05:44 AM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا محمد الامين احمد01-22-05, 12:28 PM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا munswor almophtah01-22-05, 12:50 PM
  Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا osama elkhawad01-22-05, 06:41 PM
    Re: في القراءة الخاطئة ل"موسم الهجرة الى الشمال"-"يمنى العيد" مثالا بكرى ابوبكر12-26-05, 03:43 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de