وداعا جاك دريدا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 06:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الشاعر اسامة الخواض(osama elkhawad)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-09-2004, 03:51 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20139

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا جاك دريدا (Re: osama elkhawad)

    أحادية لغة الآخر
    جاك دريدا
    ترجمة: عثمان المثلوثي

    7
    ربّما نكون قد انـتهينا للتوّ من وصف دائرة أولى من العمومية. بين النموذج المسمّى أكاديمي، نحويّ، أو أدبي، من ناحية، واللغة المنطوقة، من ناحية أخرى، فالبحر هنالك: بشكل رمزيّ فضاء لامتناهيا لكل طلبة المدرسة الفرنسية في الجزائر، يمثّل شقّ، بل هوّة. أنا لم أعبره، جسدا وروحا، أو جسدا بلا روح (ولكن هل أكون قد عبرته، عبرته بشكل مغاير؟)، حتى، أوّل مرّة، لمّا كنت مبحرا على متن سفينة، قاصدا "مدينة الجزائر"، وكان عمري تسعة عشرة سنة. أول رحلة، وأول عبور في حياتي، أربعة وعشرون ساعة من دوار البحر والتقيّؤ –قُبيل أسبوع من الوجع ودموع الأطفال في المبيت المشؤوم بالمعهد الرديء (في إعدادية معهد لويس الأكبر، في منطقة لم أغادرها فعليا منذ ذلك الوقت). وكما كان يفعل بعض الناس هنا وهنالك، كان بإمكاننا أن "نحكي" إلى ما لا نهاية ما كان "يُحكى" لنا عن "تاريخ فرنسا" بشكل خاص؛ ونفهم بذلك ما كان يُدرّس لنا في المدرسة تحت عنوان "تاريخ فرنسا": فرع لا يُصدّق من فروع المعرفة، قصّة رمزية وإنجيل، بل عقيدة للتلقين تعاليم غير قابلة للمحو بالنسبة للأطفال من جيلي. ودون أن نذكر الجغرافيا: ما من كلمة عن الجزائر، ولا كلمة واحدة تتعلّق بتاريخها وجغرافيتها، في حين كنا نستطيع أن نرسم ساحل بريتاني (مقاطعة في شمال غربي فرنسا ) و مصبّ نهر جيروند وأعيننا مغمضة. وعلينا أن نكون على اطلاع عميق بها، بشكل عام ومفصّل؛ وبالفعل، فقد كنّن نحفظ عن ظهر قلب أسماء كبرى المدن في كل مقاطعات فرنسا، أصغر روافد أنهار السين، والرون، واللوار، أو الغارون، ومنابعها ومصبّاتها. فتلك الأنهار الأربعة غير الخفية لها تقريبا القوة الرمزية التي تتمتّع بها التماثيل الباريسية التي تمثّلها، والتي اكتشفتها بعد فترة كبيرة من بعد بمرح كبير: لقد كنت أواجه حقيقة دروسي في الجغرافيا. ولكن دعنا من هذا. سأكتفي بإشارات قليلة للأدب. لقد كان الأدب أولى الأشياء التي تلقيتها من التعليم الفرنسي في الجزائر، الشيء الوحيد، على أية حال، الذي استمتعت بتعلّمه اكتشاف الأدب الفرنسي، الوصول إلى هذه الصيغة الفريدة من الكتابة التي تسمى "الأدب الفرنسي" كانت تجربة عالم دون أية تواصل ملموس مع العالم الذي نعيش فيه، وتقريبا دون أي شيء مشترك مع مشاهدنا (صورنا) الاجتماعية أو الطبيعية.
    كانت هذه الفجوة (الانقطاع) تصنع فجوة أخرى. وأصبحت، بالنتيجة، موحية بشكل مضاعف . ومن دون شكّ أنها كانت تُظهر الغطرسة التي تفصل دوما الثقافة الأدبية –"النمط الأدبي" literariness كمعالجة معيّنة للغة، والمعنى، والإحالة- عن الثقافة غير الأدبية، حتى وإن كانت هذا الفصل غير قابل للاختزال أبدا في "ما هو خالص و بسيط". ولكن خارج هذا الاختلاف في الأصل (انعدام التجانس) الجوهري، وخارج هذه الهرمية الكونية، نجد أن انقطاعا قاسيا، في هذه الحالة بالذات، كان يشكّل تجزئة أكثر خطرا: تلك التي تفصل الأدب الفرنسي –تاريخه، أعماله، نماذجه، عبادته للأموات، أنماط نقله واحتفاليته، و"أحياءه الراقية"، أسماء مؤلفيه وناشريه- عن الثقافة "الخاصة" بـ"الفرنسيين الجزائريين". فلا يدخل المرء الأدب الفرنسي إلا إذا فقد لهجته [لسانه]. أظنّني لم أفقد لهجتي؛ لم أفقد كل شيء من لهجتي "الفرنسية الجزائرية". فنغمة كلامي تبدو أكثر بروزا في بعض الحالات "العملية" (الغضب أو التعجّب في وسط أسري أو مألوف، وفي غالب الأحيان في الجو الخاص أكثر منها في الجو العام، وهذا معيار موثوق لتجربة هذا التمييز الغريب و المحفوف بالمخاطر). لكنني أود أن آمل، أفضّل كثيرا لو أن ما من شيء يُنشر يسمح ببروز "لهجتي الفرنسية الجزائرية". وفي ذات الوقت، وحتى يثبت العكس، لا أعتقد أنه بمقدور أي شخص أن يكتشف من خلال القراءة ، ما لم أعلن عن ذلك بنفسي، أنني "جزائري فرنسي". فأنا احتفظ، من دون شكّ، بنوع من الاستجابة اللاإرادية المكتسبة من ضرورة هذا التحوّل اليقظ. أنا لست فخورا بهذا، ولا أصنع منه عقيدة، ولكنّ الأمر كذلك: لهجة –أي لهجة فرنسية، ولكن، وفوق كل شيء، لهجة جنوبية قويّة- تبدو لا تتلاءم في نظري مع السمو الذهني للكلام (الخطاب) العام. (أمر غير مقبول أليس كذلك؟ حسنا، أنا أقبله.) غير ملائم، بشكل مسبق، مع وظيفة الكلام الشعري: فلمّا استمعت، على سبيل المثال، لروني شار Rene Char يُلقي أمثاله المكثرة من المواعظ المضجرة بلهجة بدت لي فورا هزلية ووقحة، كخيانة لحقيقة ما، دمّر ذلك الحدث، بشكل كبير، إعجابا كنت أكنه له في شبابي.
    فالنبرة تُشير إلى قتال مباشر مع اللغة عموما؛ وتعني أكثر من مجرّد التنبير accentuation . ويغزو مبحث أغراضها symptomatology الكتابة. وهذا ليس عدلا وإنما الأمر كذلك. ومن خلال الحكاية التي أقوم بسردها على مسامعكم، ورغم كل شيء فإني أبدو وكأني أعلن، أعترف أنني قد تعوّدت على عدم تسامح مُشين ولكنه عنيد: على الأقل بالفرنسية، بقدر ما يتعلّق الأمر باللغة، لا أستطيع تحمّل أو الإعجاب بأي شيء آخر غير الفرنسية الفصيحة (النقيّة). كما أفعل في كل الميادين، لم أتخلّ يوما عن طرح الفكرة الرئيسية "لصفاء اللغة" في كل أشكاله (النبض الأول لما يُسمّى "تفكيكا" يحملها باتجاه "نقد" الصورة الذهنية أو الحقيقة البديهية للصفاء (نقاء اللغة)، أو باتجاه التحلّل التحليلي للتنقية (التطهير) التي ستقود للوراء باتجاه بساطة الأصل غير القابلة للتحلّل)، وما زلت لا أجرؤ على القبول بهذه المطلب المُلزم لنقاوة اللغة ما عدا داخل حدود أكون متأكّدا منها: وهذا المطلب ليس أخلاقيا، ولا هو سياسيا ولا هو اجتماعيا. وهو لا يوحي لي بأي رأي. بل إنه يعرّضني فقط للألم عندما يصادف أن يفشل شخص ما، وقد يكون أنا نفسي، عن بلوغها. وأتألّم أكثر لـمّا أفاجئ نفسي أو أُفاجئ متلبّسا بالجريمة. (ها أننا نتحدّث، من جديد، عن الجرائم رغم ما أنكرته للتوّ). وفوق كل شيء يبقى هذا المطلب عنيدا إلى حدّ يجعله يتخطّى وجهة النظر النحويّة، وتُهمل "الأسلوب" حتى بهدف الانصياع لقاعدة خفيّة أكثر، و"الاستماع" للدمدمة" المستبدّة لأمر يظهر شخص ما بداخلي أنه يفهمه، حتى في الحالات التي أكون فيها الشخص الوحيد الذي يفعل هكذا، وجها لوجه مع اللسان idiom، الغرض النهائي: وصية أخيرة للغة، إجمالا، قاعدة (قانونا) للغة التي ستعهد بنفسها لي أنا فقط. كما لو أنني وريثها الأخير، آخر مدافع ومبرز للغة الفرنسية (من هذه النقطة، أستطيع أن أسمع الاحتجاجات تأتي من جوانب مختلفة: أي نعم، لا تسخر منّا!). وكأنّني أسعى لأن ألعب ذلك الدور، أي أن أعتبر نفسي مطابقا لهذا المشرّع البطل-الشهيد-الرائد-المطارد من العدالة الذي لن يتردّد في أن يبيّن بوضوح أن هذه الوصية الأخيرة في نقاوتها الأساسية والمطلقة، لا تتفق مع أي شيء معطى (متن اللغة، النحو، الأسلوبية، أو الذائقة الشعرية))- والذي لن يتردّد بالتالي في انتهاك كل هذه التعليمات، ليحرق كل شيء بهدف أن يسلّم نفسه للغة، للغته.
    لأنني، اعترفن أنني أسلّم نفسي دائما للغة.
    ولكن للغتي أنا و للغة الآخر كذلك، وأستسلم لها مع النية المسبقة دوما تقريبا بالنظر إليها أنها لا يمكنها العودة: ليس من هنالك، لا من هنا، وليس من هناك، هناك وليس هنا، لا بغرض أن نُضفي تصديق لأي شيء يمنح، بل فقط لما سيأتي، ولهذا السبب فإنني أتحدث عن تراث أو عن وصية أخيرة.
    وبالتالي فإنني أقبل بنقاوة ليست نقية تماما. أي شيء عدا الصفائية purism [الحرص على صفاء اللغة والأسلوب]. فهي، على الأقل، "النقاوة" الوحيدة المهجّنة التي أجرؤ على الاعتراف بميلي لها. إنه ميل صريح لطريقة ما في التلفّظ. لم أتوقف أبدا خاصة عندما كنت أدرّس، عن تعلّم التكلّم بلطف (بأسلوب رقيق)، وهي مهمة شاقة بالنسبة "لأوروبي الجزائر" [ساكن الجزائر من أصل أوروبي] pied-noir ، وخصوصا من داخل أسرتي، ولكن من أجل أن أضمن أن هذا الأسلوب الرقيق في الكلام يكشف عن بديل لما هو محتفظ به هكذا كبديل، بصعوبة، وبمشقة كبيرة، المكبوح عند مجرى الفيضان [بوابة التحكم في التدفق -المترجم]، مجرى فيضان خطير يسمح للمرء أن يخشى الكارثة. فالأسوأ يمكن أن يحدث عند كل منعرج.
    أقول "مجرى الفيضان"، مجرى فيضان الفعل والصوت. لقد تحدّثت كثيرا عن هذا في غير مكان، وكأن مخطط داهية، أو خبيرا في علم ضبط cybernetics النغمة tone ما يزال يحتفظ بوهم آلية تحكّم ويراقب المقياس ليُحدد زمن التشغيل. كان بوسعي أن أتحدّث عن هدير الأمواج التي لا يمكن الإبحار فيها. وهذا الهدير يهدد دوما بالتراجع. لقد كنت أول من يخاف صوته، وكأنه لي صوتي، وأصارعه، بل حتى أمقته.
    وإذا ما كنت دوما أرتجف أمام ما قد أقوله، فذلك بالأساس بسبب النغمة tone وليس الجوهر. وما أسعى إلى إفشاءه بشكل مبهم وكأن ذلك عصبا عني، لأمنحه أو أعيره للآخرين ولنفسي أيضا، لنفسي كما للآخرين، ربّما هو نغمة tone . فكل شيء يُستحضر من التنغيم intonation (في الكلام).
    وحتى من قبل أيضا، فيما يمنح جرسه للنغمة، أي الإيقاع rhythm . أعتقد أنني بشكل عام اعتمد على الإيقاع في مراهنتي بكل شيء.
    وهي بالتالي تبدأ قبل البداية. ذلك هو أصل الإيقاع الذي لا يمكن التنبّؤ به. فكل شيء موضع رهان، ولكن ربّما فاز الخاسر.
    لأنه، من الطبيعي، أن هذا الميل المبالغ فيه لنقاوة اللغة هو شيء تعوّدت عليه في المدرسة. أنا مدرك لذلك، وهذا ما يجب توضيحه. والشيء نفسه ينطبق على المبالغة (المغالاة) عموما. مُغال عنيد. مغالاة معممة. وباختصار فإنني أبالغ. ولكن مثلها مثل الأمراض التي نصاب بعدواها في المدرسة، فإن الفطرة السليمة، والأطباء يذكروننا أن الاحتياطات ضرورية لتقليصها. ويجب افتراض وجود أرضية خصبة. فلا ثورة ضدّ أي انضباط، ولا نقد للمؤسسة الأكاديمية يمكن أن تُخمِد ما بداخلي وسيُشبه دوما نوعا من الوصية الأخيرة، اللغة الأخيرة لآخر كلمة من الوصية الأخيرة:

    ولكن كما اقترحت سابقا، فإن هذا الإفراط ربّما كان أكثر قدما في من المدرسة. لا بدّ أن كل شيء قد بدأ قبل المدرسة؛ ويبقى على إذن أن أحلله بشكل أقرب إلى ماضي السحيق، ولكني ما زلت أشعر أنني غير قادر عن هذا. ومع ذلك، فأنا أحتاج إلى العودة بالتفكير إلى ذلك الماضي الذي يسبق المدرسة حتى أفسّر عمومية نزعة "الإغراق" (الغلوّ) hyperbolism التي اجتاحت حياتي وعملي. فكل شيء يمر تحت تسمية "التفكيك" deconstruction ينهض منه، بطبيعة الحال؛ ومجرّد برقية ستفي بالغرض هنا، بادئة بالإغراق (الغلوّ) hyperbole (مصطلح استخدمه أفلاطون) الذي سيكون قد أمر بكل شيء، بما في ذلك إعادة تأويل Khora، وخاصة، العبور إلى ما وراء عبور العنصر الخيّر أو الواحد ما وراء الوجود (hyperbole…epekeima tes ousias)، إفراط وراء إفراط: منيع. خاصة، نفس الغلوّ الذي كان سيدفع بطفل يهودي فرنسي من الجزائر إلى داخل الاعتقاد، وأحيانا ينادي نفسه، إلى أعماق الجذور، إلى ما قبل الجذور (الأصل)، في ما فوق الراديكالية، فرنسيا بدرجة أكثر وأقلّ ولكن أيضا يهوديا بدرجة أكثر و أقل من كل الفرنسيين، كل اليهود ، وكل يهود فرنسا. وهنا أيضا، [مغاربيا فرنكوفونيا بدرجة أكبر] من كل المغاربة الفرنكوفونيين (الناطقين باللهجة الفرنسية).

    صدقوني، بالرغم من أنني أقيس سُخف ووقاحة هذه المزاعم المؤكّدة (مثل "أنا آخر يهودي" في دائرة الاعتراف circonfession)، فإنني أجازف بها حتى أكون أمينا مع المشتركين في محادثتي ومع نفسي، مع الشخص الذي في داخلي والذي يشعر بالأشياء بتلك الطريقة. بتلك الطريقة دون غيرها. لأنني أقول الحقيقة دائما، بمقدوركم تصديقي.

    بطبيعة الحال، أن كل هذا كان حركة في حركة. والعملية لم تتوقف أبدا عن التسارع. فالأشياء باتت تتبدّل بسرعة أكبر من سرعة إيقاع الأجيال. دامت هذه العجلة قرنا كاملا بالنسبة للجزائر، وأقل من قرن بالنسبة ليهود الجزائر. وبالتالي سيكون هذا التغيّر غير المتزامن diachronic الدقيق ضروريا لهذه الحكاية. لأنه في كل الظواهر من هذا النوع، تقوم الحرب بتعجيل الاندفاع العام. كما فعلت في فترات منح حق المواطنة (الجنسية) وسحبها، وفي تقدّم العلوم والتقنية، والجراحة، والطب عموما، فالحرب تبقى عاملا مسرّعا هائلا. في أواسط فترة الحرب، مباشرة على إثر إنزال القوات الحلفاء في شمال أمريكا في شهر نوفمبر 1942، شهدنا تكوين نوع من العاصمة الأدبية لفرنسا في المنفى وذلك بمدينة الجزائر: غليان ثقافي، وحضور "مشاهير" الكتاب، وانتشار الصحف والمجلات ومبادرات النشر. وهذا يُضفي أيضا وضوحا أكثر زيفا على الأدب الجزائري الذي يُطلقون عليه التعبير باللغة الفرنسية، سواء كان المرء يتعامل مع كتاب من أصل أوروبي (مثل كامو Camus وعدد آخر كثير) أو مع كتاب من أصل جزائري، يمثلون تحوّلا مختلفا جدّا. وبعد سنوات عديدة، في خضم يقظة هذه اللحظة العجيبة من المجد والتي ما زالت تتألق، يبدو وكأنني قد علقت في الفلسفة والأدب الفرنسيين، هذه والأخرى، هذه أو الأخرى: سهام خشبية أو معدنية، جسد مخترِق يتكون من مفردات مرغوبة، هائلة ويتعذّر بلوغها حتى عندما كانت تقتحمني، جمل كان من الضروري تملّكها، ترويضها، ملاطفتها، أي أعشق بإضرام النار، احرق ("الصوفان" amadou ليس ببعيد أبدا)، و دمّر حتّى، وفي كل الأحوال ضع وسما، حوّل، هذّب، أِقطع، شكّل، التحم بالنار، أترك الأمور تأتي بشكل آخر، بعبارة أخرى، لنفسها وبنفسها.

    لنكن أكثر تحديدا. ما من شك أن الملاطفة (التملّق) amadouer كان في هذه الحالة، حلما. وما يزال كذلك. أي حلما هو؟ ليس حلم إلحاق الأذى باللغة (فلا يوجد شيء أجله وأحبه أكثر من اللغة)، وليس تهديدها وجرحها بسبب إحدى دوافع حب الانتقام الذي أشكل منه هنا موضوعي (دون أن أقدر أبدا على تحديد مكان موضع الرفض؛ من يثأر لنفسه ممّن، و أليست اللغة متأثرة بهذه الغيرة الحقودة؟)، ولا يتعلّق الأمر بسوء معاملة هذه اللغة، في قواعدها النحوية، وتركيبتها، ومعجم مفرداتها، وفي مجمل قواعدها ومعاييرها التي تشكّل قانونها، وليست في الانتصاب الذي يجعل منها قانونا في حدّ ذاتها. ولكن الحلم، الذي لا بد أن يكون قد بدأ الحلم به في ذلك الوقت، ربّما كان أن نجعل أمرا ما يطرأ على هذه اللغة. الرغبة في جعلها تصل إلى هنا، بجعل شيء ما يطرأ عليها، هذه اللغة التي بقيت سليمة (بكرا)، دوما مهيبة وموقّرة، تُعبد في صلاة مفرداتها وفي الالتزامات المتعاقدة فيها، وذلك بجعلها تتعرّض لطارئ ما، إذن، شيئا ما يكون حميم جدّا مما يجعلها ليست في موضع الاحتجاج دون حاجة للاحتجاج، وبشكل مماثل، ضدّ فيضها (انبثاقها) الخاص بها، حميم بشكل لا يمكنها أن تعارضه إلا من خلال وصمات شائنة ومخزية، أمرا جد حميم إلى حد أنه يتمكّن من التمتّع بها وفيها، في الوقت الذي تفقد فيه نفسها من خلال عثورها عليها، وبواسطة تحويل نفسها إلى نفسها، مثل الواحد الذي يدور على نفسه، الذي يعود (من نفسه) إلى نفسه، في ذات الوقت لما يجعل ضيف مبهم، قادم جديد من غير أصل معيّن، اللغة المعنية تأتي إليه، ويُكره اللغة عندئذ أن تعبّر عن نفسها بنفسها، بشكل آخر، بلغته. أن تُعبّر بنفسها. ولكن بالنسبة إليه، وبشروطه، تحتفظ في جسدها بأرشيف هذا الحدث الذي لا يمّحي: ليس بالضرورة طفلا بل وشما، شكلا رائعا، يختفي تحت الملابس حيث يختلط فيه الدم بالحبر ليجلي للنظر كل ألوانه. ( الأرشيف المجسّد لطقس ديني لن يُفشي سرّه أي شخص. واحد لا يمكن لأي شخص آخر أن يتملّكه فعلا. ولا حتى أنا، رغم أنني مطلّع على السرّ.

    ما يزال ينبغي علي أن أحلم بذلك، في "حنيني للوطن".
    كان ينبغي علي أن أسمّي ذلك استقلالي عن الجزائر.
    ولكن كما قلت سابقا، لم يكن ذلك سوى حلقة أولى من العمومية، برنامجا مشتركا لكل التلاميذ منذ الوهلة التي يجدون فيها أنفسهم مُخضعين ومشكّلين من طرف بيداغوجية الفرنسية هذه. بإيجاز، منذ الوهلة التي عثروا فيها على أنفسهم.

    داخل هذه المجموعة، المحرومة هي نفسها من الأنماط السهلة وفي المتناول لتحديد الهوية، من الممكن تمييز إحدى المجموعات الفرعية التي كنت أنتمي إليها إلى حدّ ما. بدرجة ما فقط، لأنه حالما يتناول المرء مسائل الثقافة واللغة أو الكتابة، فإن مفهوم الجماعة أو الطبقة لا يبقى يثير موضوعا بسيطا كالإقصاء أو الاحتواء أو الإنتماء. وشبه المجموعة الفرعية هذه، ستكون إذا مجموعة "اليهود الأهليين"، كما كانوا يطلق عليهم في ذلك الوقت. ولكونهم رعايا فرنسيين من عام 1870 إلى قوانين الإقصاء لعام 1940، لم يكن بوسعهم تحديد هويتهم كما يجب، بالمعنى المزدوج "لتحديد المرء لهويّته" و"تماهي المرء مع" الآخر. فلم يكن بوسعهم تعيين هويتهم في النماذج، والمعايير أو القيم التي كان تطورها غريبا عليهم لأنها فرنسية، أسقفية، مسيحية وكاثوليكية. ففي الوسط الذي كنت أعيش فيه، كنا نقول "الـكاثوليك"؛ كنا نسمي كل الناس الفرنسيين غير اليهود "كاثوليك"، وحتى وإن كانوا أحيانا بروتستانتيين، أو ربما أرثوذكسيين: "فكاثوليك" كانت تعني كل شخص غير يهودي، ولا بربري ولا عربي. في ذلك الوقت، لم يكن بإمكان هؤلاء اليهود الأهليين الشبان أن يتماهوا مع "الكاثوليك" ولا مع العرب ولا مع البربر، حيث لم يكونوا عموما يتكلمون لغتهم في ذلك الجيل. ولكن جيلين قبلهم كان بعض أسلافهم ما يزالون يتكلمون اللغة العربية، لهجة معينة من اللغة العربية على الأقل.

    ولكن لكونهم غرباء على جذور الثقافة الفرنسية، حتى وإن كانت ثقافتهم الوحيدة المكتسبة، فإن ثقافتهم التعليمية الوحيدة، وخاصة، لغتهم الوحيدة، لكونهم غرباء، وبشكل أكثر راديكالية، في معظم الأحوال، بالنسبة للثقافة العربية والبربرية* [ونحن نعترض عن هذا التمييز بين الثقافتين، ولنا في هذا الشأن رأي مخالف ليس المجال لمناقشته الآن. -المترجم]، إن الأغلبية الساحقة من هؤلاء "اليهود الأهليين" الشبان بقوا، إلى جانب ذلك، غرباء على الثقافة اليهودية: وهو استلاب لا نهاية له للروح: كارثة؛ في حين يعتبره آخرون فرصة متناقضة. وهذا هو، بأية حال، الانعدام الجذري للثقافة [ inculture حالة اللاثقافة] الذي ما من شك أنني لم أبرز منه بشكل كامل. والذي أنبثق منه دون بروز، من خلال انبثاقي منه بشكل كامل دون أن أكون قد برزت منه.

    هنالك، أيضا، نوع من الحِرْم interdict سيفرض قانونه المكتوب. منذ نهاية القرن الماضي، مع منح المواطنة [الجنسية] الفرنسية، كانت حملة الاحتواء assimilation، كما نقول أو المثاقفة -كانت الدعوة المحمومة "للفرنسة" التي كانت أيضا عملية برجزة * bourgeoisification - نزعة مسعورة جدا وطائشة حدّ أن روح الثقافة اليهودية بدا يستسلم إلى حالة اختناق: حالة من الموت الظاهري، توقف عن التنفّس، نوبة من الغيبوبة، توقف النبض. ولكن ذلك لم يكن سوى أحد علامتين لنفس العدوى، وفي اللحظة الموالية بدا وكأن النبض يتسارع، وكأن نفس "الطائفة" قد تخدّرت أو ثملت، وابتهجت بسبب الترف الجديد. ولنفس السبب أفرغت ذاكرتها، نُقلت، أو أُخليت : وهنالك مليون دليل لإثبات ذلك. لقد كانت تقاوم للتخلّص من الشبح، ولكن فقط لتتقمّص شبحا آخر بأسرع ما يكون. ولو لم تبدأ هذه الحركة في وقت مبكّر، لتعرّت الجماعة اليهودية بشكل مسبق إلى المصادرة الاستعمارية. لست في موقع شرعي وعفوي، لكي أطرح هذا الافتراض الأخير للاختبار: لأنني أحمل الإرث السلبي، إذا جاز لي التعبير، هذه الفجوة في الذاكرة، التي لم يكن لي الشجاعة أبدا، ولا القوة ولا الوسيلة لقاومتها، ولأن عمل مؤرّخ أصيل سيكون ضروريا، وهو ما أحسست نفسي غير قادر عليه. ربّما لهذا السبب بالذات.
    *[برجزة: كلمة نحتها المترجم ليقصد بها نزعة البعض لنشر الذوق البرجوازي ومنح البعض امتيازات شبيهة بالتي تتمتع بها الطبقة البرجوازية المتوسطة أو الحاكمة
    هذا العجز، هذه الذاكرة المعاقة، هي موضوع مرثاتي هنا. هي سبب شقائي لأنني حسب ما أعتقد قد أدركتها خلال سنين مراهقتي، لما بدأت أدرك قيلا مما كان يحدث، كان هذا الإرث قد تحجّر، و تنكرز حتّى [أي أصيب بموت موضعي]، ليُصبح سلوكا شعائريا، لم يعُد معناه واضحا حتى للأغلبية الساحقة من يهود الجزائر. وكنت أعتقد في ذلك الوقت أنني كنت أتعامل مع ديانة يهودية "مكونة من إشارات سطحية ". ولكن لم يكن بوسعي أن أتمرّد -صدقوني، لقد كنت أتمرّد ضد ما أعتبره إيماءات، خاصة أيام الأعياد في المعابد اليهودية- لم أستطع أن أفقد صوابي إلا مما كان ق أصبح الآن عدوى مسيحية ماكرة: الاعتقاد الراسخ في الاستبطانية inwardness [التوجه إلى الباطن، واستغراق المرء في حياته العقلية أو الروحية-المترجم]، تفضيل النية، القلب، والعقل وعدم الثقة بالحرفية literalness [الموضوعية والواقعية والتزام الحقائق بأمانة-المترجم] أو بالفعل الموضوعي الناجم عن آلية mechanicity الجسد [بما فيه من طاقة وقوة، وقدرة على الفعل-المترجم]، وبإيجاز، تنديد، تقليدي جدّ لمذهب الفريسيين pharisaism [معتقداتهم وأخلاقهم التي تتصف بالمراء-المترجم].

    لن أركّز كثيرا على هذه المسائل، المعروفة جيدا والتي شُفيت منها كثيرا. ولكن أثيرها مرورا فقط لكي أشير إلى إلى أنن لست الوحيد الذي تأثر بهذه "العدوى "المسيحية. فالسلوك الاجتماعي والديني، وحتى الطقوس اليهودية نفسها مطبوعة بها، في موضوعيتها الملموسة. فالكناس كانت تُحاكى، والحبر (الحاخام) اليهودي يلبس الغفّارة السوداء (رداء يلبسه الكاهن في الكنيسة)، والقندلفت [شماغ) قبعة نابليونية مرتفعة؛ و "bar mitzvah" أصبح يسمّى العشاء الرباني communion، والطهور اصبح يسمّى "المعمودية" baptism. وقد تبدّلت الأشياء قليلا منذ ذلك الوقت، ولكنني أتحدّث عن الثلاثينيات، والأربعينيات والخمسينيات [من القرن العشرين].
    أما بالنسبة للغة بالمعنى الحرفيـ فلا يمكننا أن نلجأ إلى بديل مألوف، إلى نوع من اللهجة idiom الداخلية عند الطائفة اليهودية، لأي نوع من لغة اللجوء التي، مثل الييدية Yiddish [وهي لهجة من لهجات اللغة الألمانية تكثر فيها الكلمات العبرية والسلافية وينطق بها اليهود في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الوسطى وتُكتب بالحروف العبرية-المترجم]، تضمن عنصر حميمية، حماية "بيت المرء الخاص به" ضدّ لغة الثقافة الرسمية، مساعد ثاني في أوضاع سوسيو-سيميائية مختلفة. "الأسباعبرية" Ladino [لهجة مزيج من الأسبانية والعبرية -المترجم] لا يتكلّمها الناس في الجزائر، حسب علمي، خاصة ليس في المدن الكبيرة مثل الجزائر العاصمة، حيث حدث أن تركّزت السكان اليهود. (9)
    باختصار، كان هنالك "طائفة" مقطعة ومعزولة. ويمكن للمرء أن يتصوّر الرغبة في محو مثل هذا الحدث، أو، على الأقل، تخفيفه، للتعويض عنه، وأيضا للتنصل منه. ولكن تحقّقت الرغبة أم لم تتحقّق، فإن الصدمة النفسية ستكون قد وقعت، بتداعياتها اللا-محددة، تفكّك وتركّب في آن واحد. هذه "الطائفة" ستكون قد تفكّكت ثلاث مرات بواسطة، ما يمكن أن نسميه، بنوع من العجلة هنا، الموانع interdicts . (1) أولا، فقد انفصلت عن كل من اللغة والثقافة العربية أو البربرية (والأنسب أن نقول هنا اللهجة المغاربية) . (2) فًصلت أيضا عن الفرنسية، وحتى عن اللغة والثقافة الأوروبية، والتي، من وجهة نظرها، لا تُمثل سوى قطبا بعيدا أو وطنا بعيدا، غير متجانس مع تاريخها. (3) وفصلت في الأخير، أو في البدء، من ذاكرتها اليهودية، ومن التاريخ واللغة التي يتعيّن على المرء أن يفترض أنه ملكه، ، ولكن، في لحظة ما، لم تعُد كذلك. على الأقل ليس بطريقة نموذجية بالنسبة للأغلبية الساحقة من أفرادها، وليس بطريقة داخلية "نشطة" بشكل كاف.
    انفصال مضاعف ثلاث مرات لما يتعيّن على المرء، رغم ذلك، أن يستمرّ، من خلال خيال تمثل صورته الزائفة وقسوته موضوعنا هنا، في تسميته نفس "الطائفة"، في نفس "البلد"، ونفس "الجمهورية"، ثلاث مقاطعات من نفس "الدولة-القطرية".
    أين نحن إذا؟ اين نجد أنفسنا؟ مع من يمكننا أن نتماهى لكي نؤكد هويتنا ولنحكي لأنفسنا تاريخنا؟ أولا، لمن نُـعيد سرده؟ على المرء أن يركّب ذاته، عليه أن يكون قادرا على اختلاق نفسه دون نموذج ودون مخاطب مؤكّد. هذا المخاطب يمكن ، طبعا، أن يكون أبدا مفترضا، في كل الحالات في العالم. ولكن صور هذا الافتراض كانت في هذه الحالة جدّ نادرة، مبهمة للغاية، وعشوائية إلى حد أن لفظ "ابتداع" invention يخلو من المبالغة تقريبا.
    إذا ما وصفت هذه المعطيات جيدا، فما هي أحادية اللغة إذا، أحادية لغتي "الخاصة"؟
    إن التصاقي باللغة الفرنسية يتّخذ أشكالا أعتبرها أحيانا "عصبية". فأنا شعر بالضياع خارج اللغة الفرنسية. أما اللغات الأخرى التي أقرأها وأفك شفرتها أو أتكلّمها أحيانا،وبشكل مشوّش، فلن أسكن إليها. حيث أن "السكن" يبدأ في اتخاذ معنى بالنسبة لي. والسكن. لست فقط ضائع، متروك، ودان خارج اللغة الفرنسية، بل لدي شعور بأنني أوفي بتعهداتي وأخدم كل اللهجات، باختصار، بأنني أكتب "الأكثر" و"الأفضل" عندما أشحذ متانة فرنسـتي، "النقاوة" السرية في لهجتي الفرنسية، التي كنت أتحدث عنها سابقا، وبالتالي متانتها، ومقاومتها العنيدة للترجمة؛ الترجمة لكل اللغات، بما في ذلك لهجة فرنسية أخرى كهذه.
    ليس أنني أشجّع ما لا يُترجم. فلا شيء غير قابل للترجمة، بالرغم من الوقت القليل المخصص لإنفاق أو توسيع خطاب كفء يصمد أمام قوّة النص الأصلي. ولكن "غير القابل للترجمة" يبقى -ويجب أن يبقى، كما تمليه علي قواعدي- الإيجاز الشعري في اللهجة (العبارة)، وهي الأهم بالنسبة لي، لأنني سأموت بسرعة أكبر بدونها والتي تعتبر هامة لي، أنا نفسي، حيث يفشل دوما "مقدار" شكلي معين في إعادة الحدث المميز للأصل، أي، أن تتركها تُنسى حالما تُدوَّن، لتحمل بعيدا عددها، الظل العروضي لكمّها [وحدة من الطاقة-المترجم] كلمة بكلمة، إذا أردتم، أو مقطعا. منذ الوهلة التي يتم فيها التخلي عن هذه المعادلة الاقتصادية -وهي مستحيلة تماما على فكرة- كل شيء يمكن ترجمته، ولكن ترجمة غير محكمة، بالمعنى غير الدقيق للفظة "ترجمة". أنا لست بصدد الحديث عن الشعر، فقط عن العروض، عن التفعيلات (النبرة والمقدار في زمن التلفظ). وبمعنى ما، لا شيء غير قابل للترجمة؛ ولكن بمعنى آخر كل شيء غير قابل للترجمة؛ فالترجمة تسمية أخرى للمستحيل. بمعنى آخر لكلمة "ترجمة"، طبعا، ومن معنى لآخر- من السهل لدي دائما أن أظل صامدا بين صيغتي المبالغة هاتين واللتان لا تختلفان أساسا، وتُترجمان إحداهما الأخرى دوما.
    كيف يُعبّر المرء وكيف يعرف، بيقين منسجم مع نفسه، أنه لن يسكن أبدا لغة الآخر، اللغة الأخرى، عندما تكون هي اللغة الوحيدة التي يتكلّمها، ويتكلّم بعناد أحادي اللغة، بطريقة اصطلاحية غيورة و صارمة، دون أن يكون،مع ذلك، أبدا يشعر بالارتياح فيها؟ والحارس الغيور الذي ينصبه المرء على مقربة من لغته، حتى وإن كان يندد بالسياسات القومية للغة (فأنا أقوم بهذا وذاك)، يتطلّب مضاعفة shibboleths كتحديات عديدة أمام الترجمة، والعديد من الضرائب تُجمع على حدود اللغات، العديد من التحالفات مخصصة لسفراء اللغة، العديد من الاختراعات مخصصة للمترجمين: وبالتالي ابتكر في لغتـك إذا استطعت أو أردت أن تستمع للغتي؛ ابتكر إذا استطعت أو أردت أن تجعل لغتي مفهومة، مثلما هي لغتك، حيث أن حدث عروضها لا يقع إلا إذا كان في موطنه، في المكان نفسه الذي هو "كونها في موطنها" يزعج المتعايشين معها، المواطنين، وأبناء البلد؟ أبناء بلد كل بلد، الشعراء المترجمين، الثوار ضد الوطنية! هل تسمعونني! في كل مرة أكتب كلمة، كلمة أحبّها وأحب أن أكتبها؛ في زمن هذه الكلمة، في لحظة مقطع وحيد، تستيقظ في داخلي أنشودة الدولية الجديدة. ولا أقدر على مقاومتها، فأخرج للشارع تلبية لندائها، حتى وإن كنت ظاهريا أعمل جالسا إلى طاولتي بصمت منذ الفجر.
    ولكن فوق كل شيء، و هاهو السؤال الأكثر خطرا: كيف يمكن لهذه اللغة، اللغة التي يتكلّما أحادي اللغة هذا، ومقدر عليه أن يتكلّمها، دائما أبدا، أن لا تكون ملكه؟ كيف بإمكان المرء أن يصدّق أنها تظل دائما صامتة بالنسبة لشخص يسكنها، وتسكنه بشكل حميم، وأنها تبقى بعيدة، متنافرة، غير مسكونة، ومقفرة؟ مقفرة كصحراء على المرء أن ينمو فيها ويزرع الأشياء، ويبني ويعكس ويُبرز فكرة الطريق، وأثر العودة، ومع ذلك فهي لغة أخرى.
    أقول طريق وأثر العودة، لأن ما يميّز الطريق route عن المسرب path أو عن "vis rupta” وهو جذر الكلمة، وأيضا كما تختلف الطريقة methodos عن "Odos"، هو التكرار، العود، المقلوبية، القدرة على التكرار، التكرار المحتمل لخط الرحلة. كيف يكون ممكنا أن هذه اللغة أكانت فطرية received أو مكتسبة learned ، فإن هذه اللغة محسوسة، مستكشفة، مطورة، ويجب أن تتم إعادة اختلاقها دون خط رحلة، ودون خريطة، مثل لغة الآخر.
    لا أدرى ما إذا كنت أجانب التكبّر أو التواضع إذا ما ادعيت أن تجربتي كانت، بشكل كبير، هكذا، أو أنها تشبه قدري قليلا، على الأقل من ناحية صعوبتها.
    لكن سيقال إلي، وليس دون دوافع، أن الأمر دوما كذلك بداهة -وبالسبة لكل الآخرين. فاللغة التي نسميها اللغة الأم لم تكن أبدا في صيغة الجمع، ولا خصوصية، ولا غير مأهولة. السكن: هذه قيمة مربكة وملتبسة في ذات الوقت؛ فالشخص لا يسكن ما تعوّد أن يسميه إقامة. فلا يوجد موطن ممكن دون هذا الاختلاف في هذا المنفى وهذا الحنين. ومن المؤكد، أن هذا معروف كثيرا أيضا. ولكن هذا لا يعني أن كل المنافي متساوية. من هذا الشاطئ، نعم، من هذا الشاطئ أو هذا الانجراف المشترك، كل المنافي (الاغترابات) تبقى شخصية.
    لأن هنالك تحريف لهذه الحقيقة. هذه الحقيقة الكونية البديهية لوجود إنسلاب جوهري في اللـغة -التي هي دوما لغة الآخر- و، وبنفس الشكل، في كل الثقافة. هذه الضرورة يُعاد وسـمها re-marked هنا، وتُكشف مرة أخرى، ومرّة أولى أخرى، في إطار لا يضاهى. إطار يسمّى تاريخي أو مفرد، إطار يبدو اصطلاحي، يحدده ويطرحه كظاهرة من خلال إعادته إلى ذاته.
                  

العنوان الكاتب Date
وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 02:45 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:20 PM
    Re: وداعا جاك دريدا سجيمان10-09-04, 03:26 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:23 PM
  Re: وداعا جاك دريدا Nagat Mohamed Ali10-09-04, 03:48 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:49 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:51 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:55 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 04:00 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 04:04 PM
    Re: وداعا جاك دريدا عشة بت فاطنة10-10-04, 06:39 AM
      Re: وداعا جاك دريدا عشة بت فاطنة10-10-04, 06:50 AM
        Re: وداعا جاك دريدا AttaAli10-10-04, 07:14 AM
          Re: وداعا جاك دريدا Sinnary10-10-04, 08:27 AM
        Re: وداعا جاك دريدا عشة بت فاطنة10-10-04, 10:35 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:44 PM
  صبحي حديدي:بين جاك دريدا وتفكيك الزرقاوي osama elkhawad10-11-04, 03:47 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:51 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:53 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:56 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:01 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:03 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:06 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:07 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:10 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:14 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:17 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:19 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:27 PM
    Re: وداعا جاك دريدا Abomihyar10-11-04, 04:33 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:37 PM
  جاك دريدا:الدين في عالمنا osama elkhawad10-11-04, 04:40 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:47 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 05:00 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 05:03 PM
  وداعا جاك دريدا ومفهوم "المغفرة" osama elkhawad10-11-04, 05:08 PM
  نظريات التلقي وتحليل الخطاب ومابعد الحداثة osama elkhawad10-11-04, 05:17 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-12-04, 09:07 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-12-04, 09:09 AM
  محاولة لمقاربة ابن عربي في ضوء ما بعد الحداثة osama elkhawad10-12-04, 09:16 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-12-04, 09:28 AM
    Re: وداعا جاك دريدا malamih10-12-04, 11:18 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-13-04, 08:12 AM
    Re: وداعا جاك دريدا Safa Fagiri10-13-04, 08:53 AM
  وجهة نظر اسلامية حول المعرفة في سياق الحداثة osama elkhawad10-13-04, 10:52 AM
  وجهة نظر اسلامية حول ما بعد الحداثة-نقلا عن "اسلامأونلاين" osama elkhawad10-13-04, 10:58 AM
    Re: وجهة نظر اسلامية حول ما بعد الحداثة-نقلا عن "اسلامأونلاين" تراث10-13-04, 01:29 PM
  عن هابرماس بالعربية osama elkhawad10-13-04, 05:42 PM
  من الحداثة وخطابها السياسي لهابرماس-تحدي الاصولية osama elkhawad10-13-04, 05:55 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 05:58 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:00 AM
  هابرماس ومفهوم التواصل osama elkhawad10-14-04, 06:04 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:17 AM
  هابرماس وبوش osama elkhawad10-14-04, 06:20 AM
  Re: وداعا جاك دريدا Yasir Elsharif10-14-04, 06:29 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:35 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:38 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:43 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:45 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:48 AM
  محاضرة لهايدجر osama elkhawad10-14-04, 07:04 AM
  Re: وداعا جاك دريدا abdalla BABIKER10-14-04, 08:10 AM
  رمضان كريم يا عبدالله osama elkhawad10-14-04, 12:00 PM
  مقالة كانط حول الانوار osama elkhawad10-14-04, 12:04 PM
  فوكو يقارب سؤال "ما هي الأنوار" osama elkhawad10-14-04, 12:08 PM
  هايدجر والاختلاف osama elkhawad10-14-04, 12:21 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 12:26 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 12:38 PM
  هابرماس يجيب عن سؤال "ما هو الارهاب؟" osama elkhawad10-14-04, 12:51 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 12:56 PM
  اكاديمي عربي يحكي عن علاقته بأفكار دريدا osama elkhawad10-14-04, 01:02 PM
  دريدا ونقد الميتافيزيقا الغربية osama elkhawad10-14-04, 01:14 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 03:16 PM
  حقل فوكو "الجزء الاول" osama elkhawad10-14-04, 03:20 PM
  حقل فوكو "الجزء الثاني" osama elkhawad10-14-04, 03:49 PM
  عرض للكتاب الذي سرق منه "الفيا" osama elkhawad10-14-04, 03:58 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 10:55 PM
  المسرح العربي بين الحداثة وما بعدها osama elkhawad10-15-04, 08:36 AM
  الحداثة المنقوصة لهشام جعيط osama elkhawad10-15-04, 08:39 AM
  الحداثة والأزمنة العربية الحديثة osama elkhawad10-15-04, 08:42 AM
  الخلط بين الحداثة و التجدد osama elkhawad10-15-04, 08:46 AM
  رأي اسلامي:الحداثة باعتبارها فتنة وباطلا osama elkhawad10-15-04, 08:53 AM
  حوار مع المغربي بلقريز يتحدث فيه عن الحداثة والتحديث osama elkhawad10-15-04, 08:58 AM
  اعلان موت الحداثة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ osama elkhawad10-15-04, 09:05 AM
  الأسرة" بين الحداثة الغربية.. والرؤية الإسلامية..(1) osama elkhawad10-15-04, 09:10 AM
  الأسرة" بين الحداثة الغربية.. والرؤية الإسلامية...(2 osama elkhawad10-15-04, 09:13 AM
  الحداثة والتباين والغربنة osama elkhawad10-15-04, 02:11 PM
  تناقضات الحداثة العربية و تعريفاتها المختلفة osama elkhawad10-15-04, 02:16 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-15-04, 04:59 PM
  رأي اسلامي:سقوط الحداثة osama elkhawad10-15-04, 05:12 PM
  رأي اسلامي حول الحداثة osama elkhawad10-15-04, 05:31 PM
  في نقد الحداثة الكومبرادورية- محسين الدموس (*) osama elkhawad10-15-04, 05:41 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-الجزء الأول osama elkhawad10-15-04, 05:53 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-الجزء الثاني osama elkhawad10-15-04, 05:59 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-الجزء الثالث osama elkhawad10-15-04, 06:09 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّاالجزء الرابع والأخير osama elkhawad10-15-04, 06:15 PM
  رأي اسلامي يرفض العولمة ويربطها بالحداثة وما بعدها osama elkhawad10-15-04, 06:23 PM
  الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة osama elkhawad10-15-04, 07:57 PM
  صبيانية الحداثة وعبثها وربطها بالفساد والجنس والمخدرات osama elkhawad10-15-04, 08:04 PM
  راي حول وجود نماذج للحداثة غير النموذج الغربي osama elkhawad10-15-04, 08:20 PM
  رؤية توفيقية للعلاقة بين الاسلام والحداثةمن كاتب ايراني osama elkhawad10-15-04, 08:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de