|
Re: أشياء عادية !! (Re: سمرية)
|
______________________ الأخت : سمرية
موضوع جميّل فعلاً .. وموحٍ جداً. الاعتيادية داء برجوازي، والرأسمالية تقوم على أنقاض القيم، لتصبح القيمة الأكبر والكلمة العليا هي للربحية خصماً من حساب القيم والأخلاق بلا شك. اسمحي لي فقط بإضافة بعض الفقرات من رواية (يحدث في الخرطوم) مما رأيته متناسباً مع موضوع بوستك هذا.
مع وافر التحية والاحترام
"في مرحلة متأخرة اكتشف أنه كان شخصاً اعتيادياً أكثر مما يجب. ولم يستطع أن يحدد بشكل قاطع ما إذا كان هذا الشعور سبباً أم نتيجة، ما إذا كان اكتشافه ذلك جاء نتيجة لرغبته في الهجرة، أم أن اعتياديته هي التي أفضت به إلى قرار الهجرة. كانت أوديت هي الشيء الوحيد المستحدث في آلة مسيرته الحياتية. وكانت ما تزال ابتسامتها الملوكية تساوره بين الحين والحين، لتعيده تخاطرياً إلى تلك اللحظة التي وقعت فيها عيناه على عينيها مباشرة، فيشعر بذات الرعشة التي شعر بها آنذاك. وكان قد نسي اسمها تماماً، غير أنه ما يزال يتذكر حروف اسمها دون أن يعرف ترتيبها على النحو الصحيح.
بدأ الريّس يعتاد الجلوس أمام باب بيته بعد عودته من العمل، بينما تذهب أمه لزيارة جارتها حتى ولو من غير حاجة. شعر بازدراء شديد لما تحتويه حياته من تفاصيل لم تكن ذات أهمية يوماً ما، وقرأ تاريخه فلم يجد للآتي منه أية معالم واضحة. تذكر أمنيات أمه له بأن يتزوج وينجب كبقية رفاقه. ورغم أن الذين كانت نفرين تتحدث عنهم لم يكونوا رفاقه فعلياً، إلاّ أنها كانت ترى مشكلة ولدها تكمن في إخفاقه في اختيار رفاقه. وببساطة الأمهات كانت ترى أن كل ما ينقصه هي زوجة تهدأ سرّه، وتنجب له أطفالاً يملئون عليه الدار، وأن يكونوا قرّة عين له، وكانت تشترط أن يحدث كل ذلك قبل موتها، وإلاّ فسوف لن تكون مطمئنة عليه في قبرها. كل الأمهات يحلمن بذات الشيء، بل حتى أنهن يحددن عدد الأبناء وسلوكهم. كلهن يحلمن بأبناء يملئون المنزل، وكلهن يحلمن بأن يكون الأبناء نجباء وقرة أعين لآبائهم؛ هذا الحلم الأمومي الافتراضي كان يزعجه كثيراً، ويكرّس شعوره بالاعتيادية، وفيما بعد عرف أن عشقه لحياة العزوبية لم يكن هو السبب الأصيل وراء رفضه فكرة الزواج، إنما الاعتيادية هي ما كانت تحول دون ذلك. ماذا يعني أن يعيش المرء ليتزوج، ويتزوج لينجب، وينجب ليموت. هل يكون المرء ترساً اعتيادياً في عجلة هذه الحياة، ألا يحق للمرء أن يعيش وحده، وأن يموت وحده؟ إن أخفق فإنما لا يتحمل معه آخرون نتائج إخفاقاته، وإن نجح يُسعد معه من يريد وليس من يكون مجبراً عليهم. ربما كان الروتين أول ما خلق الله من الكائنات. أو ربما كان الخلق عملاً روتينياً أيضاً!!
أفاق من هذيانه الصامت على صوت نباح كلبة فريال الضو تركض خلف دراجة يقودها صبي مراهق، ثم تعود إلى حيث كانت على أرضٍ رطبة تحت مزيرة. فقال في نفسه: "هذا أيضاً عمل روتيني! لن تشعر الكلبة بكلبيتها إن لم تركض خلف الغرباء وتنبح فيهم ثم تعود للنوم مرّة أخرى، ولن تشعر بكلبيتها إن لم يخافوا منها. ترى هل أحسّت الكلبة بأن لوجودها معنىً لمجرد أنها ركضت ونبحت في وجه سائق الدراجة ذلك؟ هل تشعر بأن ما تفعله هو سر احتفاظ فريال بها؟ ما الذي دفعها لترك جلستها المريحة لتفعل ما فعلت، ألم يكن من الأجدى لها – إذا كانت لا بد نابحة - أن تنبح من مكانها؟ وذلك الكمساري المزعج الذي يمضي وقته في المناداة "هَدَل .. هَدَل .. هَدَل " بصوتٍ يوشك أن يهتك حباله الصوتية، بينما يحتسي السائق كأساً من الشاي بطريقة برجوازية مقيتة، منشغلاً بأحاديث بذيئة مع "ست الشاي"، ألم يكن من الأفضل له أن يعلّق ورقة على زجاج حافلته يكتب فيها "هَدَل" ويريح نفسه؟" كان الريّس يراقب المارين في شارع منزله بازدراء شديد، مستشعراً الاعتيادية في وجوههم وضحكاتهم وحركاتهم، ويرى خلف هذه الوجوه وجوهاً أخرى مجروحة ومنهكة بفعل التعب والاعتيادية. لا شيء في نظره يدعو للأمل، فتنهّد بصوتٍ عالٍ وكأنه يتنفس من رئة غيره، وهو يحصي غبار الاعتيادية الذي يخلفه المارون ورائهم.
التأمل لا يشترط المنطقية في تتابع الأحداث والشخوص، ولا ضرورة تذكر لإيجاد روابط تسلسلية لما يدور في أذهاننا، وهذا ما جعله ينتقل في تأمله بطريقة غير منطقية إلى صورة أبيه المعلّقة على جدار غرفته الكلسية، ويتذكر وصاياه التي تأتيه بين الحين والآخر كومضات تذكيرية رغم أنه لم يكن يهتم لها كثيراً، إلاّ أنها كانت تأتيه في أوقات لا يحسب لها حساباً، ثم يتذكر جملته الاعتيادية أيضاً "غداً .. عندما تتزوّج، وتنجب أطفالاً، ستفهم معنى كلامي هذا"، ثم يعرج إلى ذكرياته مع أخيه مكي الذي كان يخيف فتيان الحي ويأسر قلوب فتياتها. شعر للمرة الأولى بالحوجة لأخيه، فما كان ليتركه واقعاً في شباك الحيرة لو أنه كان على قيد الحياة. "الموت والحياة اعتيادية أيضاً !!" تذكّر الريّس ذلك اليوم الذي وقف فيه مكي مبدياً سخطه على حياة الفقر التي كانت تعيشه أسرتهما، عندها فقط عرف سر الجملة المستنسخة التي لا تفتأ نفرين تقولها له "شهاب الدين أسوأ من أخيه" وكأنه بدأ يجيد الربط بين الأشياء للتو فقط، فابتسم ابتسامة يسخر بها من نفسه، ثم أعاد وضعية جلوسه. وفيما راح يدقق النظر في وجوه المارين من حوله، مرّ حافظ بونقز على دراجته التي يبيع عليها الخيزران، فابتسم وهو يرى خيزراناته المنتصبة كشوارب الفقمة، وحاول أن يوجد رابطاً بين بيعه لتلك الخيزرانات وبين كونه بونقزياني محترف، فلم يجد تفسيراً منطقياً غير أنه يخفي بين ثيابه شخصاً ميّالاً للعنف والضرب. وقرّر أنه يحفظ جدول الضرب دون شك! فابتسم مرّة أخرى لأنه عرف كنّه الأشياء، وطريقة كشفها بالربط بين ظواهر الأشياء وبواطنها. عندها خرجت نفرين لترمي بين فخذيه وعاءً بلاستيكياً أزرق اللون "خذ ... أحضر لنا رطل زيت، لأن الزيت الذي بحوزتنا قد انتهى"
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أشياء عادية !! | سمرية | 12-12-07, 09:31 AM |
Re: أشياء عادية !! | د.محمد حسن | 12-12-07, 09:47 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-12-07, 10:07 AM |
Re: أشياء عادية !! | هشام آدم | 12-12-07, 10:45 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-12-07, 11:29 AM |
Re: أشياء عادية !! | Adil Isaac | 12-12-07, 12:20 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-12-07, 01:07 PM |
Re: أشياء عادية !! | sama7 | 12-12-07, 12:09 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-12-07, 12:38 PM |
Re: أشياء عادية !! | DKEEN | 12-12-07, 12:40 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-12-07, 01:41 PM |
Re: أشياء عادية !! | الطاهر عثمان | 12-12-07, 12:46 PM |
Re: أشياء عادية !! | ابو جهينة | 12-12-07, 01:04 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-13-07, 10:22 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-13-07, 08:40 AM |
Re: أشياء عادية !! | sama7 | 12-12-07, 01:07 PM |
Re: أشياء عادية !! | نادية عثمان | 12-12-07, 04:00 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-13-07, 12:52 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-13-07, 11:14 AM |
Re: أشياء عادية !! | حسين محي الدين | 12-12-07, 05:45 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-15-07, 08:19 AM |
Re: أشياء عادية !! | اسعد الريفى | 12-12-07, 06:55 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-15-07, 08:55 AM |
Re: أشياء عادية !! | Sahar Yousif | 12-13-07, 10:33 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-15-07, 11:58 AM |
Re: أشياء عادية !! | ناهد علي | 12-13-07, 10:52 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-15-07, 12:11 PM |
Re: أشياء عادية !! | sama7 | 12-13-07, 11:53 AM |
Re: أشياء عادية !! | مدثر محمد ادم | 12-13-07, 12:50 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-15-07, 12:35 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-15-07, 12:25 PM |
Re: أشياء عادية !! | DKEEN | 12-13-07, 03:23 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-15-07, 01:25 PM |
Re: أشياء عادية !! | معتصم دفع الله | 12-13-07, 03:25 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-16-07, 07:35 AM |
Re: أشياء عادية !! | abubakr | 12-13-07, 05:31 PM |
Re: أشياء عادية !! | فيصل محمد خليل | 12-15-07, 09:37 AM |
Re: أشياء عادية !! | badr alkalika | 12-15-07, 01:29 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-16-07, 09:41 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-16-07, 09:15 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-16-07, 08:17 AM |
Re: أشياء عادية !! | محمد أبوالعزائم أبوالريش | 12-16-07, 09:39 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-16-07, 10:17 AM |
Re: أشياء عادية !! | مدثر محمد ادم | 12-17-07, 07:54 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-17-07, 09:36 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-17-07, 08:44 AM |
Re: أشياء عادية !! | Ishraga Mustafa | 12-17-07, 08:54 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-17-07, 10:05 AM |
Re: أشياء عادية !! | Ishraga Mustafa | 12-17-07, 10:24 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-17-07, 11:08 AM |
Re: أشياء عادية !! | DKEEN | 12-17-07, 09:04 AM |
Re: أشياء عادية !! | Ishraga Mustafa | 12-17-07, 09:15 AM |
Re: أشياء عادية !! | DKEEN | 12-17-07, 09:23 AM |
Re: أشياء عادية !! | Ishraga Mustafa | 12-17-07, 10:45 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-23-07, 08:03 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 12-17-07, 10:29 AM |
Re: أشياء عادية !! | مدثر محمد ادم | 12-19-07, 05:34 PM |
Re: أشياء عادية !! | احمد العربي | 01-15-08, 04:10 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 02-05-08, 08:51 AM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 01-29-08, 01:32 PM |
Re: أشياء عادية !! | zuhair zenaty | 01-24-08, 07:32 PM |
Re: أشياء عادية !! | Shihab Karrar | 01-29-08, 04:40 PM |
Re: أشياء عادية !! | مدثر محمد ادم | 02-06-08, 06:57 PM |
Re: أشياء عادية !! | سمرية | 02-07-08, 10:00 AM |
Re: أشياء عادية !! | Ishraga Mustafa | 02-07-08, 12:14 PM |
|
|
|