|
Re: بينى... و بين الدكتورة فاطمة بابكر... و "الرأسمالية السودانية" ؟!! (Re: ابراهيم الكرسنى)
|
في مشروعية سؤال الطبقة في مجتمع السودان..
اطروحة دكتورة فاطمة بابكر تذهب الى عدم وجود طبقة بعينها تسمى طبقة البرجوازية الوطنية السودانية..و دكتور ابراهيم الكرسني يذهب الى عكس ذلك..و يقول بأن هناك طبقة برجوازية وطنية سودانية..و لها تحالفاتها مع بعض القوى السياسية في السودان..و بالتالي استمراريتها في الهيمنة على مقدرات المجتمع السوداني..
قبل الوصول الى خلاصة مؤكدة ، مفادها تسمية طبقة بعينها بطبقة البرجوازية الوطنية السودانية ، يقتضي الأمر مراجعات أساسية تدور حول مشروعية اثارة سؤال الطبقة في المجتمع السوداني.. بمعنى اخر .. هل توجد فعلا في مجتمع السودان طبقات اجتماعية و اقتصادية يمكن التمييز بينها؟..و هل التحليل القائم على تشريح علاقات الإنتاج ، كما قال به كارل ماركس ، يمكن الإستفادة منه في فهم الصراع الدائر في السودان ، و الذي انتج ما انتج علاقات هيمنة مستمرة..و عدم مساواة (في كل المناحي) بالتالي حمامات عريضة للدم السوداني المهدر عبطا؟..و ما هو دور المؤثرات الأخرى.. مثل أثر التقسيم السياسي و الإقتصادي على أساس ديني و ثقافي و عرقي و اثني؟..و فوق كل ذلك .. هل هناك محاذير من استخدام مفهوم الطبقة لتحليل ظواهر السودان الإقتصادية و الإجتماعية؟ و ما الذي تقتضيه الضرورة : تعريف و اعادة تعريف مفهوم الطبقة.. أم توطينه بما يتسق مع خصوصية المجتمع السوداني؟ الطبقة ، نتيجة تطور مديني (مرتبط بالمدينة) و صناعي..فكيف يمكن لنا فهم شرائح اجتماعية سودانية ..ليس لها ادنى ارتباط بحياة المدينة..أو حتى الفلاحة (فلاحين) مثل شرائح الرعاة..و هي الشرائح التي لا تنطبق عليها مفاهيم الإنتاج المنضبط (على الأقل كما قال بها كارل ماركس)؟
نقطة المفارقة التي احدثها كارل ماركس في تحليل الظواهر و البنيات الإجتماعية (بما فيه بينة الإقتصاد و بنية السياسة) هي اعتماده طرق الإنتاج المادي Material Production Modes كمدخل للتحليل و بالتالي الفهم. وفقا لذلك ، لفهم نموذج معين للإنتاج ، بالضرورة ، لابد من الإهتمام بتحليل عنصرين أساسيين: اولا: علاقات الإنتاج (نماذج الملكية ، التحكم ،القدرة على استخدام و استغلال مصادر الإنتاج )بوصفها علاقات اجتماعية. ثانيا:قوى الإنتاج (تكنولوجيا ، معرفة و علم ، مهارات.. وسائل مساعدة في الإنتاج –بما فيها العمالة).. اعتمادا على هذه العناصر ، يخلص كارل ماركس الى تحليل و فهم بنيات المجتمع الرأسمالي الغربي و كيفية صيرورة عملياته المستمرة و اختبار عوامل التغيير فيه. منها ، خلص ماركس الى خلاصة مفادها ، أن المجتمع الغربي الرأسمالي ، مجتمع يتميز بوجود الطبقات الواضح..و فوق ذلك تكييف العلاقة بينها على أساس انها علاقة صراع مستمرة بين المهيمن (طبقة البرجوازية) و المهيمن عليه (طبقة البروليتاريا).مثل تلك الطبقات يمكن التعرف عليها .. ببساطة شديدة بالنظر لعلاقات الإنتاج..يعني عن طريق النظر لموقع الفرد كونه مالك لمصادر ووسائل الإنتاج و مشتري لخدمة العمل..أو فرد لا يملك مثل تلك المصادر و الوسائل ..و الذي له القدرة على عرض خدمة العمل كسلعة تبادل.. بالطبع لا يفوت علينا .. تعرف ماركس لطبقة تتميز بالقدرة على امتلاك بعض من مصادر ووسائل الإنتاج..و لكنها تتميز بالجبن تجاه العمل .. يعني لا تبيع ولا تشترى خدمة العمل..و سماها بالبرجوازية المتعفنة.. بالتالي .. انحصر جل اهتمامه بطبقتين ..طبقة الرأسمال..و طبقة العمال.. بالنسبة لكارل ماركس..طبقة البرجوازية الحديثة ، هي نتاج لتطور و ثورات عديدة في طرائق ووسائل الإنتاج و التبادل..
Quote: We see ,therefore, how the modern bourgeoisie is itself the product of a long course of development, of a series of revolutions in modes of productions and exchange” |
Quote: “Each step in development of the bourgeoisie was accompanied by corresponding political advance of the class” |
فالبرجوازية الحديثة ، كطبقة اجتماعية اقتصادية ، تتميز بخصيصة ملكية وسائل الإنتاج و مصادره و المقدرة على شراء العمل.
لم تكن الدول النامية (منها السودان) ،محل اهتمام ماركس الشخصي..و لكن تطبيقات النظرية الماركسية في تحليل مجتمعات الدول النامية ، هي المهمة التي قام بها بعض اتباعه و فيما بعد.. و يرجع ذلك لعدة أسباب ، منها.. أن طرائق الإنتاج في مجتمعات تلك الدول لا تعدو احتمالين: اما قبل رأسمالية .. أو متأثرة بالإمبيرياليه الرأسماليه.. و لكن ماهي عوامل تحديد الطبقة؟..ما هي الشروط الواجب توفرها للفرز بين الطبقات..؟ بالنسبة لكارل ماركس .. أي مجموعة تشترك في وحدة المصلحة ، و الوعي بتلك الوضعية ، بالضروة تكون طبقة.
اخذ ماكس فيبر منحى اخر ..و اقترح محددات معينة ، على الأقل من منظور اقتصادي ،تساعد على التعرف على الطبقة و هي: الثروة- الوضعية الإجتماعية – السلطة..
منهج دراسة و تحليل الطبقات (كبنيات اجتماعية و اقتصادية و ذات تأثير على العملية السياسية) هو منهج راسخ و اثبت جدواه في تفسير واقع حال المجتمعات الغربية ، بحسبها مجتمعات صناعية متقدمة ، و من اليسر بمكان التعرف على طرائق الإنتاج فيها ، و بالتالي تحديد عناصر علاقات الإنتاج و قواه المحركة..
و لكن السؤال المحك..و محل التحدي . هو هل يمكن تطبيق مثل ذلك المنهج (بحذافيره و مفاهيمه المضبوطة) لدراسة و تحليل مجتمعات الدول النامية ، مثل مجتمع السودان؟ نقول بذلك ، لأن في مجتمع مثل مجتمع السودان .. تقل حالات الملكية الفردية لوسائل الإنتاج (بمعناها المتعارف عليه)و مصادره..و بالتالي فتح سوق العمل على مصراعيه و شرائه..و منها القدرة على توصيف طبقة العمال..هذه حقيقة اولي.. و الثانية.. و لمدة طويلة (خصوصا الفترة التي غطتها مسوحات الحوار اعلاه- حوار فاطمة/كرسني)لم يكن مجتمع السودان مجتمعا رأسماليا بالفهم المتعارف عليه في دوائر البحث و التحليل..فهو مجتمع تغلب على طرائق انتاجه نماذج النمط الزراعي..و حتى هذا تدخل الدولة فيه كشريك (خصوصا المشاريع الزراعية الكبرى)..اضافة لذلك.. غياب التطور الطبيعي الذي يمكن له افراز طبقة برجوازية..و طبقة عمال..و بالتالي وجود الصراع فيما بينهما لإزالة علاقات الهيمنة .. أو قلبها رأسا على عقب.. و الثالثة .. معظم الصناعات الناشئة في السودان.. تسيطر عليها الدولة(و التي غالبا ما تكون عسكرية في نظام حكمها-لاحظ أن كرسني قال بضرورة تحالف شريحة العسكر مع الأخرين لإحداث التحول الديموقراطي في السودان)..ما يجعلنا أن نخلص أن الدولة هي اكبر طبقة برجوازية في السودان ،اذا جاز لنا تسمية طبقات في السودان ،باعتبارها اكبر المالكين لوسائل الإنتاج و مصادره و القدرة على تخديم الأفراد..
تطور المجتمع السوداني لم تحكمه في يوم من الأيام وجود طبقات يسهل التمييز بينها ، و تحديد طبقة بعينها باعتبارها طبقة برجوازية وطنية.. و هذا بالطبع لا يمنع من وجود و تكون تراتبيه اجتماعية أفرزت ادوات صراعها الخاصة..و حال من انعدام المساواة..و التوزيع العادل للسلطة و الثورة..اضافة لذلك.. بنية النظام السياسي في السودان (و اسها الأحزاب السياسية و العسكر)..لم يكن اس الصراع بينها قائما على التميز الطبقي..و حتى حالة الفقر المدقع (كظاهرة اجتماعية بينة) لم تكن هي حالة بينة لعوامل الصراع في علاقات الإنتاج كما قال بها كارل ماركس..
واقع الحال في تجربة التنظيمات السياسية في السودان (على الأقل من منظور تأريخ تكونها)..لا يدعم خط منهج تحليل الطبقات بوصفها بنيات اجتماعية.. لأن هناك عوامل اخرى ..و اكثر اثرا ..و لم تكن في حساب منهج تحليل الطبقات (على الأقل بمفهومه الأكاديمي الجامد)..من مثل تلك العوامل.. أثر الدين كعامل في انشاء كثير من الأحزاب في السودان (حتى شريحة العسكر لها تجربتها في اعتماد المرجعية الدينية)..و عامل ايدولوجيا الإسلامو عروبية..و التي بموجبها تم السماح لسيطرة ثقافة بعينها على ثقافات اخرى..و عوامل الإثنية و العرق كمداميك لتأسيس التصنيفات الإجتماعية و التنميط..و تحديد الهويات.. اضافة لذلك.. واقع الحال يشهد بأن مجتمع السودان يعوزه التطور الحقيقي لمفهوم المدينة (باعتباره الحقل الخصب لتفريخ طبقة البرجوازية)..و أن معظم افراده يحيون حياة ريفية بسيطة..لا تحكمها علاقات الإنتاج الشائكة..
الصراع الدائر في مجتمع السودان (و الذي افرز حمامات الدم اياها)..صراع يتسم بعلاقات هيمنة بطريقة او بأخرى..ولكن يصعب تطبيق مفهوم الطبقات في تحليله و فهمه.. لسبب بسيط أن تطور السودان الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي.. لم يفرز طبقات واضحة..
كبر
هامش:
Karl Marx,A Contribution to the Critique Economy,as quoted in Reading in Introductory Sociology,Dennis H. Wrong & Harry L. Gracey,1967
|
|
|
|
|
|
|
|
|