رؤى لا تطرف لها عين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 04:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.مصطفى مدثر(mustafa mudathir)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-12-2003, 06:16 AM

mustafa mudathir
<amustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رؤى لا تطرف لها عين


    رؤى لا تطرف لها عين(1)

    --------------

    (I)

    أتاوا 1999

    ()
    عندما عرفت كيف أخطو على الجليد و في جيبي ضمانات ضرورية أوصاني بها رجال
    الهجرة، حجلت مثل غراب أحوّل على طرقات مزججة حتى تعثرت على أعتاب مكتبة المدينة العامة. و بعد أن علمني باب الدخول بشئ من اللف و الدوران كيف أترك الزمهرير ورائي و أنا أشيد برشاقته الكاملة في استخدام تقنية شبية بتقنية
    الساقية، اذا بي في أجواء صمت و بهرة و انكار كامل لما يدور في الخارج من عصف و ضعضعة. سألت نفسي كيف لا يهادن الجليد كل هذا البهاء و دفء المعرفة يوسع
    !لنفسه، هكذا، مكانا ينفي عنه البرودة و البياض
    ()
    قدرت أن أرسل بصري المنخلع في كل أحداب المكان. اأبهية فخيمة و أقبية عليمة
    مصاعد مجبولة على رقة الحلول حتى لا يصح وصف استخدامها بالركوب! فأنت حينا واقف على مستوى الصحائف و حينا آخر عيناك ترفان لعناوين أثيرة في الروايات اللطائف! أمشاج من المسموع و المقروء و ....المحسوس
    ()
    صاعد بين نظم الترقيم وءاحالاتها أومأت بالتحية لمحفوظ و مينا و صالح و للافارقة الافذاذ يا سنغور، ليباغتني محمود محمد مدني و هو يدق بطوربيده (2) أوتاد حكاية سحرية في فضاء أم درمان، يقول ما قاله الخليل
    قبله: أن أم درمان هي جغرافيا الروح! و ليتني ما تمليت عندهما فكرة الروح في الجغرافيا و لا نزلت من علايل أبروف أوذكرت مقرن النيلين فلقد ترنحت و أنا أطوّف بصري على الوجوه التي أكسبتها غربتها عني أمنة من فردية سميكة عصية على من يهتبل المقاربات مثلي فحرت كيف و أنّى لي أن أجلو لنفسي صورة لمدينتي الجديدة و أم درمان قد أخذت مكانها هنا و في متن البهاء؟
    ()
    ترنحت على الممرات الكثيفة و بي شئ من رهب يدق على أبواب قلبي. كان الادعى لترنحي
    دون شك هو أنني وجدت ما هو خاطر على بالي! لم يكن لالتماع الجديد أو نصاعة
    البهاء دخل بما حدث فلقد سقطت !!
    لبرهة خيل لي أنني استمتعت بمرأى جسدي مطروحا على أرض البهو الكبير الذي كنت أتخبط محاولا اجتياز فكرة ما عربدت فوق أديمه. كنت مثلي مثل تلك المراجع الضخمة التي يسقط بها رواد المكتبة أو هم يطرحونهاأرضا على ظن التمكن من محتوياتها.
    كنت مثل نص أرهقه التأويل يحوم حوله صوت صافرة الاسعاف المكتوم، القادم عبر
    الزجاج السميك، المشرئبة خلفه وعود الصقيع.
    ()
    قال الطبيب: يحدث،.يحدث! نرى عشرات القادمين الجدد أمثالك، الجدير أن الاعراض التي يصفونها لا تنطبق على ما هو موثق، في معظم الحالات!سألت نفسي أية حالات؟ ثم ءامتثلت لرصد طبي رائع و بلغة سلسة وفي لحظة،وقعت عينه على عيني فخطر ببالي و لأول مرة منذ نقلي اليه في سيارة الاسعاف أن هذا الحديث، في حياديته المريحة، ليس حديث طبيب الى مريض والطبيب نفسه أحس بنفس الشئ، فيما يبدو، لكنه استطاع أن يزيد من نسبة اللون الرمادي في شواطئ عينيه الدقيقة مما يساعده في التحرك في اطارالاعراض بالصرامة المطلوبة من طبيب فقال ان ما حدث لي سببه اختلال في كيمياء دمي! اندهشت نوعا فكندا، في هذا، لم تخنلف عن مصر لأن الطبيب المصري كان قد قال ان عندي شوية أملاح على سبيل تبسيط الحالة.
    فسألت هذا محاولا تسوية المسألة بين كندا و مصر:
    - يعني عندي أملاح Salts ؟
    لكن سؤالي رغم سلامته لغة، لم يبدو مساهمة مقدرة مني في الارتقاء بلغة التشخيص لأنهم
    هنا، لابد، قد تجاوزوا الاملاح ءالى مفهوم الكيمياء الأضخم!
    فعدت أسأل الطبيب:
    - ما العلاج ءاذن؟
    و يبدو أن ءاذن هذه قد أذنت له بفتح صفحة جديدة في ما كان يدونه فكتب قليلا ثم نظر الي مليا بعينين غاب عنهما ذلك الرمادي ليحل محله أزرق ملغزو قال لي: عليك بالراحة الكاملة ريثما تكتمل فحوص الدم. خذ الآن....هذا! و سحب منضدة متحركة لها صوت الكتروني يحاكي نوح النساء الخافت في عزاء ميت و بها أصناف من الصحف و المجلات. نظرت اليه مستطلعا فانتفضت الممرضة التي انضمت الينا على أثر النوح الالكتروني و جذبت بخفة احدى المجلات مفتوحة على صفحة داخلية و مدتها لي. ثم ءانتبهت لذلك و قبل أن تعدلها بحيث أراها من غلافها لمحت شيئا فصرخت كالملدوغ: انتظري!
    تدخل الطبيب، و هو يقوم من مجلسه، قائلا في صرامة: استرخ! استرخ يا سيد! ثم خرج و
    حفيف حذائه يذكرني بالجليد المتربص خلف الابواب الذكية.
    ()
    و قفت الممرضة وقفة اكلينيكية حائرة تنتظر ما أريد دون أن تغير صفحة المجلة،فقرأت بصوت مسموع و المجلة بين يديها: رؤى لا تطرف لها عين! نعي.
    ابتسمت الممرضة ابتسامة شفاهية محدودة ثم رددت نصيحة الطبيب الذي وصلني هواءبارد سمح به خروجه
    قلت لها: بلى سأسترخي و لكن ليس بقراءة نعي، أليس كذلك؟
    تأسفت برقة فسألتها: من هو على أي حال؟ المتوفى؟ و كان قد أثارني عنوان المقال.
    ردت باهتمام مفاجئ و صوت هامس: ستانلي كوبريك. مخرج سنمائي مات قبل أن يعرض
    فيلمه الاخير "عيون مغلقة لآخرها"(3) صرخت بألم و بالعربية هذه المرة:
    - يا خي! ستانلي كوبريك مات؟ ثم أطرقت حزينا و معتملا بأشياء أخر.
    ذهلت الممرضة، لا تطرف لها عين، بينما سقطت جفوني أنا مغلقة علي آخرها و انحلت أعضائي و أنا لا أصدق سهولة ارتدادي الى تلك الحالة المعرّفة باختلال الكيمياء (أو شوية الاملاح، حاليا!) و تراءى لي شبح الاغماء. انتابتني
    حالة نوح كتلك التي أبدتها تلك المنضدة اللعينة فرحت أردد عبارة حافظ الاثيرة:
    قال ليك..ستانلي كوبريك!!

    ()

    بغتة عادت الحياة الى جسد الممرضة فبدت بتكسرات حركتها داخل ردائها الابيض الضيق كأنها قادرة على أن تهش ذلك الحزن الذي رك عليّ وتدفعه عبر ذلك الباب الذي خرج منه الطبيب قائلة له: أخرج، هكذا يا حزن فنحن في كندا!
    و لكن لا!
    حزني لم يكن عميقا فحسب، بل كان ذا مناخ استدعائي يجعلني أسأل أطياف الذاكرة هل علم حافظ بموت صاحبه هذا؟ أم عليّ أن أتصل به أول ما أغادر وعكة الكيمياء المزعومة هذه؟
    يجعلني أسأل عن مشهد أو آخر، هل هو كما هو أم أنا لست ذلك؟
    تحوّل حزني الى ءاعتمال سيربك مقاصد هذا الفريق الطبي و ربما سيحدث تحوّلا جذريا في
    مسار علاجهم لي.
    ()
    و تماما كما توقعت!
    دخل الطبيب، بعد أن استدعته الممرضة هامسة عبر رقائق شفافة همسا لا علاقة له بفكرة النجدة و النفير. دخل و أرسل لها نظرات ذبذبية قصيرة كدت أسمع لها صليلا، ثم تحدثا برطانة أعجزتني و أوردا اسم المخرج غير مرة لكنه أفصح في قوله باستحالة تفاعلي مع ما قرأت في تلك المجلة والتفت يسألني و قد غيّر لون عينيه مرة أخرى: هل أنت حزين؟
    و لم أشأ أن أنكر لا سيما و جسدي صار مدلوقا على الكرسي الوثير بفعل الحالة التي أحدثها خبر الوفاة و الجهاد الخاسر الذي تكبدته النفس في استدعاء أصداء ذلك الخبر
    على نفوس و مشاهد بعيدة يصعب التأكد من وجودها، هنا و الآن!
    عاد الطبيب يسألني: لماذا أنت حزين؟ هل تعرف هذا الرجل؟ و أشار الى صورة المخرج!

    كانت المجلة قد أحتلت موقعا مرموقا فوق المنضدة اياها فادركت ءان هذا الاّ تصعيد من الممرضة لن تحس غرابته الاّ اذا قدر لها أن تعرف كيف أنظرأن لمسألة موت المخرج
    أضاف كل هذا غموضا أثيرا للامر و لاول مرة قام السؤال:
    هل كنت أريد لاحتفالية الصدمة الثقافية أن تقطع شوطا كهذا؟ أم أن وفاة المخرج أمر هام فعلا؟ دعني أفحص الوقائع
    ()

    أذهلتني مكتبة المدينة فعلا. و لكن الدوار أتاني من ناحية حضور أم درمان في قلبها بعد أن ظننت أنه خبا، فسقطت مغشيا على أشواقي. ثم مات ذلك المخرج و هذا أمر سأتهكم من أي محاولة سيقوم بها الطبيب لسبر أغواره. لكن الطبيب، كمان، لن يقبل أي حكاية من شأنها أن تقلل من أهمية الصدمة الثقافية التي قرر أن يؤسس عليها علاجه لحالتي منذ عودته الاخيرة، العاصفة، الى الغرفة و كنت قد لاحظت، في ما مضى من حوارنا، أنه يلتف على هذه الفرضية بالحديث عن الخلل الكيميائي و ما ءاليه مما اربك لون عينيه، و لذلك، و ياللدهشة، فلقد توصلت أنا المريض لما سيفعله الطبيب!
    فسألته: لماذا ءاذن تعطيني حقنة مهدئة؟ لماذا التغييب؟
    لاح في تلك الشواطئ الزرقاء المرمدة من عينيه لائح استنكار و خرجت من فيه كلمات
    !كأنها صممت لتدخل أنفه، فقال: هذا ما تحتاجه الآن!
    ثم شرع في اجراءات خبرتها قبل الآن و ما كنت لأقاوم. لا شكة الابرة و لا ذلك الدفق الوريدي الصاعد، فلقد تكورت عندي حاجة مسيسة لاطفاء مماحكات هذا الواقع
    التعيس!
    فكان لابد أن..
    .... أفسح مهابط الذاكرة
    لأزيز
    يقترب...
    و يقترب.....
    و يق ترب!
    فافتح لي يا زمان!

    "السهام الشالت أزيزها معاها
    لحقتها صاقعات من لحون ضاريات
    و شوف كمان القعقعات
    و أسمع ليك صليل
    و أرتال حشرجات مبهمات!"
    مفعول المهدئ يقوى على بردالسراديب
    (II)
    مفعول المهدئ
    يفتح كوة على
    أم درمان
    في ستينيات قرن فات!

    نداءات الضحايا ،
    ارتطام الدفوف ،
    ثم !
    ها هي ذي
    أبواق تعزز خطو المنايا،
    و المنايا قادمات.

    ()

    الوغى يعبر بيتنا!
    يعبرنا، عبر ثقوب في الكرتونة المثبتة على النافذة،لم تفلح أعقاب السجائر التي حشرتها أمي أن تمنع عبوره الهادر. كانت تعالج الامر علاجها البائس ذاك ثم تركض للدفء تحت بطانيتها الشائلة من رائحة دخان الطلح القوية. وفي لحظات، و كالقدر الاكيد، كانت الموسيقى تترك موضوعها لتعزف الاجزاء الاكثر زعيقا هنا في وسط
    غرفتنا الكابية ثم تنقشع مثل زخة مطر أهوج فوق اناء صدئ.
    و كانت أمي تبحلق في الظلام كأنها تنتظر- مثلي- مشهدا بعينه سيشرق على عرش حجرتنا ثم لا تلبث أن تدرك سيجارتها قبل أن يسقط رمادها الذي تطاول و انثنى
    عائدا في ناره البرتقالية.
    أمد يدي في الظلام لألمسها بعد طول تردد، فتستجيب! لم يحدث أن اعترضت و لا حتى في اليوم الأول. لكنها قالت لي يوما بالنهار ان لا أفعل ذلك مع غيرها و لذا كنت
    آخذها فيذهب بي دخانها الى مشهد جديد.

    ()

    لم يكن هنالك ما هو أحب الىّ من الهروع الى البيت و استعادة مشاهد الأفلام التي أراها في دار السينما القريبة. كانت الموسيقى من دار السينما تمتطي
    رياح الشتاء بحثا عن نظائرها البصرية في ذاكرتي فأستعيد الفيلم على خيوط بطانيتي النافرة. و كانت متعة هذه الهواية الشتوية تتعاظم باضطراد عدد
    مرات مشاهدتي الحقيقية للفيلم حيث يستدعي الصوت صورته، التي عمل له، من ذاكرتي أنا! لقد شاهدت فيلم العظماء السبعة فعليا أكثر من خمس مرات و في البيت، على طريقتي، أكثر من مرة لم أقبل فيها أي تشويش. فقط كنت ألحق باقي السيجارة قبل أن تشفطه أمي و أهرب من أسئلتها الواهنة. كنت أراه ضربا من المشاهدة المجانية الممتعة بينما رآه صديقي استمناءا بصريا فأفزعني التعبير و ما كنت، بعد، بلغت "ذلك" الحلم!

    ()
    - قال ليك.. استانلي كوبريك!
    قال لي وهو يتطلع في الوجوه باحثا عن أصحابه في الزحام.لم أفهم ما قاله فسألته: تعني كيرك دوجلاس، الممثل؟ أم من هذا الذي ذكرته؟
    قال و نظره لما يزل يتنقل بعيدا عني مما أتاح لي فرصة التأكد من أنه – جادا- يلقي عليّ معلومة جديدة
    - كوبريك المخرج!
    سألته: كيف عرفت؟ فبدا كأنني أتشكك في معرفته و ألقى هو اجابته على عجل
    ملحقا لها بقراره المفاجئ:
    - في آخر الفيلم يكتبون اسماءهم.أسمع، ارجع أنت البيت. سندخل الدور الثاني
    يللا!
    أندهش قليلا لعدم مناكفتي له في هذا القرار لكنني حقيقة فضلت الرجوع الى البيت و سريعا. فأولا هو قد كذب عليّ لانهم لن يدخلوا الدور الثاني بل سيذهبون للسهر في الجنينة حول أحاديث معقدة و كنت أنا حاضرا طرفا من حديثه لصديقه،و لم يكن حديثهما مشفّرا الاّ قليلا بعبارات يأخذونها من الكتب الشائكة. ثانيا حيرني أنه أضاف اسما جديدا مرتبطا بالفيلم الذي يعرض حاليا و باعزاز واضح له و لمن أسماه
    في حديث سابق محرر العبيد، سبارتاكوس.

    ()

    فكرت و أنا أتحاشى الأزقة المظلمة، رغم أنها الأقصر، و فكرت و أنا أغتبط لأنوار السيارات التي تنير طريقي بين حين و آخر من أين عرف اسم المخرج و من قال ءانه مخرج عظيم؟ انه يقول " قال ليك..." عبارة يقصد بهاالتفخيم .
    كانت لهفتي لبلوغ عتبة البيت تقلع بي من خوف غريب و مفاجئ الى فرح، الى وثبة ناقصة، الى احتباس وشيك لانفاسي ثم الى هروب جبان عبر دهليز موحش طويل يقذف بي
    الى حضن البيت و أمانه.
    و الآن و قد ألصقت سريري بسريرها و انسحبت داخل بطانيتي، أستطيع أن أقلب الامر
    على أوجهه, أن أكشف الاسرار.

    ()

    - تعشيت؟
    جاءني صوتها واهنا و كنت أظنها نامت، فقررت أن أسمعها تنفسا منتظما كي تعفيني من الحديث، وسؤالها في مثل هذه الحالة، لو تجاهلته لدقائق لأعقبه شخير مكدود يفتح أمامي تلك الخلوة التي أنشدها. الخلوة المحضورة بالرؤى.لكن فيلم هذه الليلة أثار فيّ تساؤلات مربرة و انتقل بي من كونه فيلم الى ذلك الشريط البني اللامع ذي الثقوب في جنبيه الذي كنا نحس بفداحة أن تجرفه الرياح عبر ميدان الخليفة فنركض وراءه متسائلين أي فيلم يكون فيه؟ أي ممثل؟ فينتهرنا مدرس الجمباظ واقفا
    بالشورت و النظارة السوداء: بس خلاص يا شطار!
    أوغلت أمي في نومها و أصوات "اسبارتاكوس" من طعان و صليل و قعقعات تترى دون أن يخرج لملاقاتها معادل بصري من سراديب ذاكرتي وءان خرج، فثمة شخص ليس من الفيلم في شئ ، أقول، شخص في ثياب أفرنجية يتجول تحت السيوف غير آبه لصليلها!
    وجدتني اتقلب هكذا لا أدري أي صفحة يأتيني فيها النوم، تتفلت مني الرؤى نحو
    زوايا غامضة لكنها ناضحة بمعان جديدة مستغلقة.

    ()

    و خفتت الاصوات، بعثرها اشتداد الريح. أدركت من همهمات نائية و نداءات
    غائرة متداخلة أن حشد المشاهدين قد غادر دار العرض. لكنه لن يعود، بل
    هو مع اصدقائه القادمين من دور عرض أخرى، من العرضة، بانت و حي البوستة في برنامج أعرف بعض أسراره من بعيد، مسرحه تلك النجائل المسوّرة بنبات التمر هندي المشذّب بعناية من قبل البلدية و كانت هذه النجائل تفصل شطرى شارع العرضة و تشكّل منتزها غريب الوجه و التكوين. هنالك كانوا يتبادلون الآراء و الكتب أو خلاصتها وأغلبهم اذا عرفوا موضوع الكتاب شفاهةّ تحدثوا عنه حديث العارف المتمحص. هذه الكتب لم تكن في نظري الآ مصدر قلق و توترات فهي ءاما ثمار محرمة أو هي نادرة و متنازع على ملكيتها، يأتي الناس للسؤال عليها كسؤالهم عن طفل تائه ورغم كل هذا، فالواحد من هذه الكتب تراه قابعا على التربيزة فتحس له هيبة، بغض النظر عن حجم الفائدة التي يمكن أن تجنيها اذا أنت تجشمت فك رموزه، والمعرفة بهذه الكتب المتحركة عبر نجائل و حدائق أم درمان و حواريها بعد العاشرة مساء، تضعك في مرتبة متميّزة أو هكذا قالوا ولكن حافظ لم ير أميّز
    من مرتبة سربره فكان يضع الكتب تحتها، كلما سحبتها أمي، ظنا، أن مكانها الأرفف مع كتب والدي الصفراء، أسرع هو يعيدها تحت مرتبته مجنبا لنا كارثة أصطفاف التفاسير و السيّر النبوية مع أعمال ماركس و سارتر! و حالة حشر الكتب هذه كانت عند والدي،أصلا، يجعل بها الأوراد أقرب ماتكون اليه، تحت المرتبة، حتى تداخل لون صفحاتها الصفر مع مكونات نسيج مرتبته المبتلة بفضل هوايته في بخ الماء
    على جسمه!

    ()

    خاطرآخر، يتعلق بقصة الكتب، أشرق علىّ فأرسل جفنيّ ينفتحان على سعتهما. أزحت عني غطائي محاذرا ألاّ يحيد عنقريبي عن "كوز" وضع تحت رجله لقصر فيها. وتحسست طريقي خارجا من الغرفة.
    كانت ليلة داجية خرجت لها النجمات كلها ودنا بعضها يسمعنني لغطا، لكن انفلات ذلك المذنب من خلفها جعلني أركض فزعا لادخل الغرفة الأخرى محتبس النفاس!
    وكان سريره في تلك الغرفة، التي أغاظني ءاتخاذه لها غرفة له بعد أن كانت مهملة، عنقريبا(3) ذو أرجل سمينة ملفوفة و مطلية بالجملكة عليه مرتبة قديمة، ثقيلة الوزن، عليها خرائط من ماء لكونه يتلكأ في ءادخالها من الحوش في الليالي المطيرة،
    مستمتعا بأحدى هواياته: معاقرة الرذاذ!
    الخاطر الذي هلّ عليّ و أرسلني، كمن يمشي في نومه، كان يقوم على فرضية أن الحل لأي معضلة يكون دائما هناك و ما على المرء الاّ أن يقوم يشوف حكايته! وأسرار هذا التحول الواضح في كلامه و اهتماماته، أسرار هذه المعرفة اليقينية عن ثورية سبارتكوس و ثورية المخرج الذي أختار أن يمجده،لابد أنها ترقد هنا، تحت هذه
    المرتبة، وفي كتاب ما.

    ()

    وقفت فوق المرتبة أستجمع قواي و أصرف عن ذهني المخاوف بأن شيئا آخر ينتظرني تحت المرتبة من قبيل الثعابين و العقارب. أمني نفسي بمرأي كتب في طبعات بيروتيه على ورق حائل اللون، خشن و بأغلفة مصقولة ملوّنه، لها نفس تلك الرائحة الأثيرة
    التي كنت أشمها من كتب والدي الصفراء.
    لدهشتي، لم يكن تحت المرتبة أي كتب! لكأنهاءانقلبت ثعابين وأسرعت تختبئ في أركان الغرفة. كانت هنالك قصاصات بها أسماء وعناوين وهذه الورقة المنزوعة من مجلة وعليها قائمة باسماء ممثلين و مخرجين أمريكيين يقدمهم السطر الأول من الورقة على أنهم يساريين. لم يكن من بينهم، قال ليك، ستانلي كوبريك!! لماذا هو ليس بينهم
    وأين ذهبت الكتب؟
    عدت الى مرقدي أدخرأسئلتي ليوم جديد.


    (III)

    أتاوا 1999

    أيقظتني الممرضة بتحية الصباح وقالت: يمكنك الذهاب ا
    وكانت هي معي معلقة دمعة من جفنها بدت لائقة بأمر خروجي من المستشفى!
    ولم يك هنالك جليد على الطرقات!
    لم أمكث بالمستشفى حتى الربيع، طبعا، كلها ساعات حدث فيها انسحاب الجليد و ما
    أدراني؟ لعلها طبيعة الأشياء هنا!
    وكانت هي واجمة، تسألني وقد بدا لها أني بخير: هل أنت بخير؟ هنالك خبر هام!
    وطبعا كنت بخير. كانت هناك نشوة انقشاع الجليد واندحار ذ لك الطبيب الذي لم ير ما رأيت و لاسمع الاّ ما لم أسمع فأخلى سبيلي تقديرأ منه لبلاء حسن أبليته في موضوعة الصدمة الثقافية وعكسها. أما نتائج فحص كيمياء دمي فقد اتفقنا أنّ له أن يقرأها على ضوء أي علم آخر عدا الطب
    قلت لها معتقدا أنني أنقل لها أهم ما حدث: طبعا بخير. ولكن هل تعرفين؟ لقد مات
    شخص مهم!
    توقفت هي كأنما لتخفي نحيبا أنكرته دواخلي.
    قلت لها: مات شخص مهم جداوالله!
    سألتني وقد طغت الدهشة على ءارتعاشها: من؟
    لوهلة تبينت وهم انقشاع الجليد فأسرعت أستدفئ بالقول: واحد صاحب حافظ أخي،
    مخرج سنمائي! لابد أن أكتب لحافظ!
    قاطعتني:
    - هذا غير ممكن بعد اليوم!
    تجاوزت عبارتها لمدالق دمعها فاذا بها أخاديد تلوى عبرها رجع سؤالي:
    - حافظ؟
    أومأت لدمعها. تصدعت، وءانداح منها سائل الاحزان.
    قلت: يا الهي... متى حدث هذا؟
    قالت: اتصلوا ليلة الامس... .
    حط نظري فوق صندوق بريد منتصب يقاوم هامه الجليد. تذكرت أنني طلبت من الممرضة أن تعطينى نسخة من مقال التأبين ذاك و لكنني نسيت أن آخذها. عدت أسألها والنفس
    تدرأ عن نفسها وطأ الفراق:
    - هل أنت متأكدة؟ حافظ؟ لقد كان معي ليلة الامس؟
    بكيت وأنا أحكي لها ليلة معراجه تلك ويزداد ءاحساسي بما حولي من عصف و ضعضعة.
    و...
    كان الجليد باهرا
    وكنت أنت حاضرا
    وكانت الرؤى كذلك
    وليس بعد الآن ما أبثه اليك،
    ليس بعد الآن،
    سدت المسالك!
    حتى الردى سبقتني اليه، تعرفه
    وءان يقال عنك هالك(5)


    ------------------
    كتبت في أتاوا 2003-1999

    حاشية أولى:
    (1) العنوان ءاقتباس و ترجمة لعنوان مقال بالانجليزية
    (Unblinking Visions) في تأبين المخرج السينمائي ستانلي كوبريك.
    (2)ءاشارة ءالى رواية "جابر الطوربيد" لمحمود محمد مدني.
    (3) Eyes Wide Shut آخر أفلام المخرج المشار ءاليه أعلاه.
    (4)سرير.
    (5)أبيات كتبتها في نعي شقيقي حافظ مدثر.

    حاشية ثانية بقلم السفير جمال محمد ابراهيم ـ لندن:

    أخي مصطفى مدثر . .
    كلا ، لا تقل لي إنها قصة قصيرة ! بل هي قطعة من قلبك العامر بالإلفة والتوادد ، المسكون بالفجيعة بين سطر وآخر ، المزهو بالحزن زهو الطواويس بتيجانها... كلا . . لا تقل لي إنها قصة قصيرة فحسب..! إنها بكائية طويلة تتمطى على بساط سنوات الستينات من قرن مضى ، بأيامه الزاهيات المؤتلقات في أمدرماننا تلك التي تعرف... لا . لا تقل لي قصة قصيرة و أنا أرى في مراياها بهاء أيامنا تلك ، وتقافزنا بين الأزقة الضيقة في مدينتنا الحبيبة ، عند مدرسة النهضة الوسطى ، قبالة قصر سلاطين باشا ، أو رواحنا إلى حصة الجمباز في ميدان الخليفة فجر شتاء بارد...ثم حافظ...هذا الذي أحببته كأخ كبير ..في تلكم الأيام التي ما كان ظننا أنها آفلة ذائبة.. بقراءاتنا المتطفلة لمتون كتب ، نفقه أو نستوعب أقل من ربع محتواها .. يحدثنا أستاذ عمر علي أحمد في حصة اللغة العربية عن تيمور و نجيب محفوظ .. وقصائد للعقاد في سبعينه ، أتذكر ذلك ..؟ و كنا وقتها دون بلوغ سن الحلم فتأمل ، وبيننا صديقنا في الصف يحي ، متزوج وله ذرية..!..
    ثم حافظ ، بيننا وبين اللحاق به عامان ، يحبنا و نحبه بحميمية جاذبة ، أنت و هاشم الخير وعبد المجيد و خالد ساتي و صلاح وأنا . نلمح بعينيه بعض عالم يحيط بنا ، نتسقط منه الأخبار و النوادر ، الكتب و أفلام السينما ، العرضة و بانت و سينما الوطنية .. ولم تكن سينما أمدرمان بعد قد شيدت ، بعد أن صارت برمبل أثرا بعد عين ..
    كلا .. لا تقل لي هي قصة قصيرة و حافظ فيها .! كان يتقدمنا في الصف ، و لكنه كان الأقرب في نظرنا إلى أستاذ السر –أصغر الأساتذة سنا في مدرسة النهضة – أو الأستاذ حمدي بولاد..! كان حافظ يكبرنا بسنين قليلة ، لكن ذلك الزمان ، يكاد الواحد فينا أن يسجد احتراما لمن رأى الشمس قبله ، لا مثل فعل بعض صبية اليوم في الخرطوم ، رشاشاتهم على أكتافهم يذلونك –رغم شيبك –إن لم تكن بطاقتك الشخصية في جيبك..!
    و لكن ، قل لي متى ودع حافظ الفانية.. و كيف ؟
    نعم ، أخي مصطفى ، توزعتنا الرقع الجغرافية أيدي سبأ ، و تداعت ذكريات الذكريات هباءا منبثا ، ولكن حين يكون الود جوهرة ثمينة ، لامعة و براقة ، لا أحسب أن الأيام الحالكة ستقبرها ، لكنها ، إن نفض الريح غبارها ، يتجلى بهاؤها . تلكم هي ذكرى حافظ عندي .
    سعدت سعادة كبرى بعد الذي قرأت لك في سودانايل ، فهذا عمل إبداعي يتجاوز حدود الروعة و الجمال .. الجليد و كوبريك و الليالي الباردة في مستشفيات أوتاوا ، ثم تداعي ستينات قرن مضى ، لكن شظاياه باقية في دواخلنا ، ثم حزنت حزنا كبيرا أن حافظ .. ليس هناك . يأبى قلمي أن يخط الكلمة الناقصة القاسية ، فلنقل : ليس هناك .. هذه هي دنيانا: كل جميل فيها إلى ذهاب .. وتبقى القصص القصيرة الحزينة..
    لك ودي ، أخي مصطفى....

    لندن - سبتمبر 2003ّ *




    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 09-14-2003, 02:57 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 09-14-2003, 04:17 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 09-14-2003, 04:22 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 09-14-2003, 04:44 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 09-15-2003, 05:00 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 09-18-2003, 09:39 PM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 10-08-2003, 08:18 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 11-21-2003, 04:19 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 11-21-2003, 04:41 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 11-24-2003, 01:17 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 11-24-2003, 01:17 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 12-26-2003, 00:26 AM)
    (عدل بواسطة mustafa mudathir on 12-26-2003, 00:32 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-12-03, 06:16 AM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله09-12-03, 08:03 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله09-13-03, 07:04 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله09-13-03, 07:04 AM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-15-03, 05:05 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين elsharief09-13-03, 03:03 PM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين 7aganya09-14-03, 01:08 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-14-03, 03:37 PM
  رؤى لا تطرف لها عين ودالسافل09-14-03, 02:06 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله09-15-03, 07:22 AM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-18-03, 06:46 PM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين الجندرية09-15-03, 12:06 PM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله09-17-03, 07:21 AM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله09-17-03, 04:20 PM
        Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-18-03, 06:52 PM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين ahmad almalik09-19-03, 08:02 PM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-20-03, 04:48 AM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين ahmad almalik09-20-03, 10:13 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-22-03, 05:32 PM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين Agab Alfaya09-23-03, 05:47 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-23-03, 07:22 PM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين Yahya Fadlalla09-23-03, 08:36 PM
        Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-23-03, 09:05 PM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين Agab Alfaya09-23-03, 08:57 PM
        Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله09-23-03, 09:20 PM
          Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-24-03, 07:30 PM
            Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-25-03, 08:28 PM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين حسن الجزولي09-26-03, 02:35 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir09-27-03, 04:06 AM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين tmbis10-01-03, 09:13 AM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين hala guta10-02-03, 02:15 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir10-02-03, 07:58 PM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين Rawia10-02-03, 09:47 PM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir10-03-03, 06:06 AM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين hala guta10-03-03, 02:46 PM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين abuguta10-03-03, 03:27 PM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir10-05-03, 04:15 AM
        Re: رؤى لا تطرف لها عين abuguta10-07-03, 10:08 AM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir10-03-03, 06:57 PM
      Re: رؤى لا تطرف لها عين منذر نقدالله10-04-03, 02:25 PM
        Re: رؤى لا تطرف لها عين Walid Safwat10-05-03, 04:22 AM
          Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir10-05-03, 04:44 AM
            Re: رؤى لا تطرف لها عين Walid Safwat10-05-03, 04:55 AM
              Re: رؤى لا تطرف لها عين tmbis10-05-03, 05:48 PM
                Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir10-07-03, 04:08 AM
                  Re: رؤى لا تطرف لها عين aba10-07-03, 10:09 AM
                    Re: رؤى لا تطرف لها عين mustafa mudathir10-08-03, 07:32 AM
                      Re: رؤى لا تطرف لها عين tmbis10-08-03, 07:56 AM
                        Re: رؤى لا تطرف لها عين aba10-08-03, 05:22 PM
  Re: رؤى لا تطرف لها عين Abdalla Gaafar10-12-03, 04:05 PM
    Re: رؤى لا تطرف لها عين عاطف عبدالله12-16-03, 09:51 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de