سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-17-2024, 00:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة انتهاكات شرطة النظام العام السودانية
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-21-2004, 09:51 PM

tariq
<atariq
تاريخ التسجيل: 05-18-2002
مجموع المشاركات: 1520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم


    نستأذن الدكتور حيدر في نقل كتابه القيم ( سقوط المشروع الحضاري في السودان ) والذي نشر على صفحات جريدة البيان الاماراتية خلال الايام السابقة في اجزاء تجاوزت الثمانية .

    ****** ****** *****


    الحلقة الاولى
    لماذا لم يتكرر النموذج الإيطالي في الخرطوم؟
    كان انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989 اختباراً حقيقياً لصدقية ديمقراطية الحركات (الإسلاموية) ولإيمانها بالتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات والاختيار الحر. كما ان قادتها جعلوا من السودان مختبراً أو معملاً لاجراء تجربة حكم إسلامي أو مشروع حضاري إسلامي من دون ان يملكوا رؤية فكرية واضحة ولا كوادر مؤهلة لتطبيق تغييرات إسلامية معاصرة في بلد شديد التعقيد بسبب تنوعه الثقافي ومساحته وموقعه الاستراتيجي.
    ومن البداية وجد (الإسلامويون) أنفسهم مواجهين بتعليل وتسبيب قيام الانقلاب، وبالذات في الحالة السودانية. كان عليهم تقديم منطق قوي لعقلنة الانقلاب على نظام سياسي كانوا جزءاً أصيلاً منه. فقد حصلوا على اثنين وخمسين نائباً في برلمان (1986ـ 1989) من مجموع 301 نائب. وشاركوا في أكثر من تشكيل حكومي ائتلافي وتقلدوا مناصب وزارية سيادية.
    فالترابي، على الرغم من عدم فوزه بمقعد برلماني، الا انه كان وزيراً للخارجية وللعدل، ثم تولوا رئاسة الجمعية التأسيسية في واحدة من الترضيات الكثيرة، وصاروا حكاماً للأقاليم ومحافظين. وكانت لديهم هيمنة على غالبية الصحف بسبب قدرتهم المالية، اذ كانت هناك أكثر من خمس صحف يومية تعبر عن الجبهة الإسلامية بالاضافة لاختراقات عدد من الصحف الأخرى ومن الصحفيين.

    قصدت القول، ان (الإسلامويين) السودانيين كانوا أكثر نظرائهم استفادة واستمتاعاً بثمار الديمقراطية، مهما كانت سلبيات هذه الديمقراطية في مجتمع نامٍ مثل السودان. فهم لم يتعرضوا للقمع والتهميش كما حدث لنظرائهم في بلاد عربية أخرى، بالذات تلك التي حكمها عسكر.
    ففي السودان، حتى النظم الديكتاتورية لم تخص (الإسلامويين) باجراءات قمعية محددة غير تلك التي تفرضها طبيعة هذه النظم الشمولية للاحتفاظ بالسلطة المطلقة. لذلك كشف انقلابهم عن موقفهم الانتهازي من الديمقراطية باعتبارها مجرد وسيلة تمكنهم من العمل والانتشار وممارسة الضغوط على الآخرين.
    لجأ (الإسلامويون) الى ذكر أسباب ظرفية أي نتيجة أسباب مباشرة استوجبت القيام بالانقلاب بالاضافة للسبب الاستراتيجي وهو تحقيق البرنامج والأيديولوجيا التي تؤمن بها الحركة (الإسلاموية) وتسعى الى تطبيقها عند استلام السلطة. وكان التبرير الأخير يقوم على فرضيتين تحاول الأولى اثبات فشل وعجز النظام الديمقراطي وعدم صلاحيته لظروف السودان. والثانية والتي لم يفصح عنها في البداية: تطبيق الشريعة الإسلامية وقيام نظام إسلامي أو مشروع حضاري إسلامي.
    مبرر فشل الديمقراطية
    اقتبس الباحثون في السياسة جملة الجنرال ابراهيم عبود في بيان الانقلاب السوداني الأول (17 نوفمبر 195 باعتبارها تدل على فلسفة العسكريين في الانقلاب وعلى وجهة نظر واسعة الانتشار. اذ بعد ان قدم صورة قاتمة للأوضاع القائمة آنذاك، يقول: «ونتيجة لذلك ومن المسلك الطبيعي ان ينهض جيش البلاد ورجال الأمن لايقاف هذه الفوضى».
    فقد تحدد الانقلاب وصفه المسار الطبيعي للتطور السياسي. وهذه هي طريقة حل الأزمات أي بالقضاء على الديمقراطية نفسها، مما يعني امكانية التضحية بالديمقراطية عوضاً عن تطويرها والصبر عليها.
    فالديمقراطية عند الانقلابيين جميعاً وعلى رأسهم (الإسلامويون) السودانيون (الجبهة الإسلامية القومية) ليست مبدأ ولا قيمة فكرية وأخلاقية بل هي واحدة من أدوات الوصول الى السلطة السياسية. وهذا الفهم الأداتي للديمقراطية سبب الاستخفاف بالممارسة الديمقراطية، فقد كان الإسلامويون وراء حل الحزب الشيوعي رغم عدم دستوريته، كما ان أهم مكونات الديمقراطية هي قبول الآخر المختلف.
    وحاولت الحركة الإسلاموية افشال التجربة الديمقراطية من خلال مؤسساتها نفسها بالذات البرلمان والصحافة. ففي البرلمان اشتهر عضو الجبهة الإسلامية محمد الحسن الأمين «بنقطة النظام» كطريقة لتعطيل العمل. بالاضافة للغياب عن الجلسات والتهديد بمقاطعة الحضور. وكان الهدف ان يعجز البرلمان عن القيام بمهامه الدستورية. أما الصحافة فقد هبطت الجبهة الإسلامية القومية بأخلاقيات العمل الصحفي وبلغة الحوار والخلاف الى درك سحيق وهنا أيضاً الغاية تبرر الوسيلة. وكانت صحافة الجبهة بعيدة عن قيم وخصال السودانيين.
    ولم تعد الصحافة سلطة رابعة كما هو متوقع. ورغم ذلك جاء البيان الأول، ليقول: «أيها الشعب السوداني الكريم ان قواتكم المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها ظلت تقدم النفس والنفيس حماية للتراب السوداني وصوناً للعرض والكرامة وتترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة وقد كان من أبرز صوره فشل الأحزاب السياسية بقيادة الأمة لتحقيق أدنى تطلعاتها في الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي حيث مرت على البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة .
    وما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها وهكذا تعرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية زلزل الاستقرار وضيع هيبة الحكم والقانون والنظام. أيها المواطنون الكرام، لقد عايشنا في الفترة السابقة ديمقراطية مزيفة ومؤسسات دستورية فاشلة وارادة المواطنين قد تم تزييفها بشعارات براقة مضللة وبشراء الذمم والتهريج السياسي ومؤسسات الحكم الرسمية لم تكن الا مسرحاً لإخراج قرارات السادة.
    ومشهداً للصراعات والفوضى الحزبية وحتى مجلس رأس الدولة لم يكن الا مسخاً مشوهاً، أما رئيس الوزراء فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقاتها في كثرة الكلام والتردد في السياسات والتقلب في المواقف حتى فقد مصداقيته..
    أيها المواطنون الشرفاء: «ان الشعب مسنود بانحياز قواته المسلحة قد أسس ديمقراطية بنضال ثورته في سبيل الوحدة والحرية ولكن العبث السياسي قد أفشل التجربة الديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية باثارة النعرات العنصرية والقبلية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد اخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة وطنية وانسانية».
    الحق على الطليان
    يلاحظ أي شخص يقوم بتحليل مضمون هذا البيان المغالطات الكثيرة التي يحتويها، كما ان البيان بتضليله يكشف مبكراً كيف سيكون حكم الانقاذ. هناك خلط متعمد بين فشل بعض الأحزاب وفشل الديمقراطية نفسها، ويحاولون اثبات فشل الأحزاب بتعاقب الحكومات. هذا دليل ضعيف والا كيف نفسر ما يدور في ايطاليا وعدد الحكومات التي تتعاقب خلال عام واحد فقط أو منذ الحرب العالمية الثانية؟
    كل عدم الاستقرار الايطالي لم يبرر الانقلاب وفي الوقت نفسه لم يؤثر على الاقتصاد ليسبب التدهور. يتحدث البيان عن ديمقراطية مزيفة وهذا يعني أنهم يريدون أخرى غير مزيفة ولكن مطلب عدم التزييف لا يأتي بالدبابات وقوانين الطوارئ وأجهزة الأمن. ولا يحترم البيان الشعب السوداني ـ حسب الفقرة الثانية ـ الذي، مسنود بانحياز قواته المسلحة «قد أسس ديمقراطية بنضال ثورته في سبيل الوحدة والحرية» فهل من المنطق القضاء على ديمقراطيته بدعوى العبث السياسي؟
    ويربط البيان بين الديمقراطية والوحدة الوطنية، ويحمل السياسيين اثارة النعرات العنصرية والقبلية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد اخوانهم. ومن يتابع ما حدث الآن في دارفور وجنوب كردفان، يتأكد له ضرورة الديمقراطية. فالانقلابيون رغم العنف الزائد لاخضاع تلك المناطق لم يستطيعوا حل المشكلات بل أوصلوها حد الكارثة.
    يبدو ان كل الأسباب التي حاول (الإسلاميون) ايرادها لاثبات فشل الديمقراطية وتبرير انقلابهم، صارت ضدهم لهم. فكأن البيان الأول يصف مآل الانقاذ الحالي. وفي فقرة أخرى يقول البيان: «أيها المواطنون الشرفاء، قد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي الى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدى الى انهيار الخدمات المدنية وقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقدم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وأفسدوا العمل الاداري وضاعت على أيديهم هيبة الحكم وسلطات الدولة ومصالح القطاع العام».
    يعلم الجميع الآن سجل الانقاذ في التشريد والفصل التعسفي والذي لم يتوقف، فقد جاءت الخصخصة لتكمل الفصل للصالح العام لأسباب سياسية. كما ان الانقاذ تسببت في خروج جماعي من السودان وافراغ البلاد من العناصر الحية سياسياً واقتصادياً. ويقدم السر سيد أحمد صورة قلمية ومعلومات احصائية جيدة، يكتب «يروي سليمان خضر وهو شيوعي اعتقل عدة مرات في بدايات عهد الانقاذ .
    وكسرت يده وهو تحت التعذيب في بيوت الأشباح، انه عندما طلب أذناً بالسفر الى الخارج للعلاج كانت هناك مماطلة في الاستجابة لطلبه. ونتيجة لالحاحه وضغوط بعض المنظمات الدولية بخصوص حالته، استدعاه أحد ضباط الأمن ليعرض عليه ان يتم تسهيل خروجه شريطة عدم عودته الى السودان مرة أخرى وأن له مطلق الحرية في الانضمام الى المعارضة الخارجية ان كان يرغب في ذلك.
    ويعتقد بعض المراقبين ان نسبة لا تقل عن 80 في المئة من الناشطين السياسيين والنقابيين الذين تحفظت عليهم الانقاذ عامي 8919 ـ 1990 هاجروا الى الخارج، مشكلين الجسم الكبير للتجمع الوطني الديمقراطي بسبب المضايقات التي تعرضوا لها وعمليات الاحالة الى الصالح العام، التي جعلت كسب العيش من الصعوبة بمكان في مجتمع تسيطر الدولة على النشاط الاقتصادي فيه.
    وتشير أرقام رسمية الى ان اجمالي عدد الذين أحيلوا الى المعاش منذ عام 1904 وحتى العام 1989 بلغ 32419 موظفاً، بينما شهدت الفترة بين (30 يونيو 1989 و 29 سبتمبر 1999) احالة 73640 موظفاً، أي ان الذين أحيلوا الى المعاش في عهد الانقاذ يتجاوز ضعفي الذين أحيلوا الى التقاعد خلال كل العهود الاستعمارية والوطنية من مدنية حزبية وعسكرية سابقة» (صحيفة الشرق الأوسط 20 مايو 2001).
    حاول البيان تقديم مبررات للانقلاب مركزين على فشل الديمقراطية. ولكن الوجه الآخر للمسألة، هو فكرة التمكين لدى (الإسلامويين) لأن الديمقراطية بسبب الحريات والمعارضة لا تعطيهم السلطة المطلقة اللازمة لتطبيق المشروع الحضاري.
    وهنا يلاحظ ان تفاصيل المشروع الإسلامي على أرض الواقع تصطدم بموضوعات الحريات وحقوق الانسان. لذلك لابد من وجود سلطة سياسية قوية وموحدة ولها الغلبة على الآخرين.
    وقد قالها معاوية بن أبي سفيان وسار عليها الكثيرون من بعده بما في ذلك الجبهة الإسلامية بعد استيلائها على السلطة: «أما بعد فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة». وقد قالها رجال الانقاذ كثيراً بألفاظ مختلفة ومعنى واحد.
    استمر رجال الانقاذ في تبرير وتسبيب قيامهم بالانقلاب. ثم صاروا يذكرون أسباباً مباشرة. وبعد حين أرجع رجال الانقاذ قيامهم بالانقلاب الى ابعادهم عن السلطة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في منتصف مارس 1989 قبل أشهر قليلة من الانقلاب. وكانت القوات المسلحة قد رفعت مذكرة القيادة في العشرين من فبراير 1989 والتي اعتبرها البعض انهياراً دستورياً وبداية نهاية للحكم المدني. ثم شرعت الجبهة الإسلامية القومية في اضعاف النظام المنتخب حتى يصل درجة تجعل أي تحرك عسكري مقبولاً.
    فانطلقت المظاهرات من بداية ابريل تحت دعاوى مختلفة مثل تأييد قوانين سبتمبر 1983م حين بدأت مناقشات تجميد القانون الجنائي، أو استغلال سقوط بعض الحاميات العسكرية في الجنوب مثل اكوبو. واضطر وزير الداخلية مع تصاعد المظاهرات، الى اذاعة بيان في 17 ابريل 1989 يناشد فيه التجمعات السياسية التوقف عن تسيير المواكب والمظاهرات.
    ولكن نائب الأمين العام للجبهة على عثمان محمد طه، صرح في اليوم نفسه لصحيفة حزبه «الراية» قائلاً: «ان المظاهرات سوف لن تتوقف الى ان يتم تطبيق الشريعة الإسلامية (عبد الرحمن الأمين ـ ص 189) ثم سادت الفوضى والضعف وقد ساهمت الجبهة في ذلك واستغلت هذه الأوضاع للقضاء على النظام المنتخب.
    وكانت الجبهة في حل من الالتزام بحماية الديمقراطية. فقد رفضت التوقيع على اعلان الدفاع عن الديمقراطية. ولم يؤد زعيمها قسم الولاء للدستور لأن الترابي لم يكن نائباً في الجمعية التأسيسية. كما أنها لم تشارك في الحكومة الأخيرة التي أطاح بها الانقلاب، لذلك ليس للجبهة وزراء التزموا بحماية حكومتهم. هذه مواقف فقهية وليست سياسية ولكن الجبهة وظفتها حسب فهمها للدين والسياسة.
    وقائع لقاء سري
    سعت الجبهة الإسلامية الى الوصول الى السلطة السياسية وهذا وضع عادي لأي حزب ولكن من المهم تحديد وسائل الوصول هل هي صندوق الانتخابات أم على ظهر الدبابات؟
    كان الخيار العسكري مطروحاً منذ استيلاء النميري على السلطة في 25 مايو 1969م وتحالف الأخوان المسلمين والامام الهادي المهدي الذي دخل في مواجهة عسكرية مبكرة في مارس 1970م مع النظام، وفقد الأخوان المسلمون أحد قادتهم د. محمد صالح عمر واعتقل الشيخ محمد الصادق الكاروري وفر مهدي ابراهيم الى اثيوبيا. ثم كانت معسكرات التدريب لاعداد جيش شعبي يهدف الى الاطاحة بنظام النميري عن طريق القوة.
    أوردت صحيفة «الشرق الأوسط» ما أسمته وقائع لقاء سري تم بين الفريق عمر حسن أحمد البشير ومحمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي، في منزل المحامي عبد الباسط سبدرات وزير التربية والتعليم حينذاك وسأل نقد البشير عن بداية التفكير في تكوين تنظيم إسلامي داخل القوات المسلحة فأجابه البشير بأن ذلك كان عام 1971م بعد ان نفذ الشيوعيون انقلابهم بقيادة الرائد هاشم العطا الذي أعدمه النميري. وقال البشير انه شعر بالخطورة على الإسلام من ذلك الانقلاب.
    وعلى المستوى الشخصي أحس بالقلق على أفراد أسرته ممن ينتمون الى الحركة الإسلامية، وأضاف البشير: «كنت حينما حدث انقلاب الشيوعيين في الفاشر ومعي زميلي فيصل علي أبو صالح (وزير الداخلية سابقاً) وكنا إسلاميين ومتدينين. وفكرنا كثيراً وسألنا أنفسنا: هاهم الشيوعيون ينظمون أنفسهم داخل الجيش ويغيرون النظام لمصلحتهم.
    فلماذا لا نعمل نحن من أجل الإسلام؟ ومنذ ذلك التاريخ بدأنا نعمل لتجميع من نثق فيهم من الضباط وكنا نختار المتدينين الذين يؤدون الصلاة ولا يشربون الخمر وهكذا.. وكان لنا صوتنا داخل القوات المسلحة ودورنا في الاطاحة بجعفر نميري حتى كتب الله نجاح الحركة والعمل لانقاذ السودان» (الشرق الأوسط ـ 26 يوليو 1991).
    يحلل الشيخ حسن الترابي العلاقة مع الجيش بطريقة مختلفة، ففي سؤال: الى أي مدى نجحت الحركة الإسلامية في السودان في تجاوز القسمة بين ما هو مدني وعسكري؟ يجيب بأن «من فضل الله وتوفيقه للحركة الإسلامية انه هيأ لها شيئاً من البصيرة حتى تحاول ان تستدرك كثيراً من عيوب الطبقة التي نشأت فيها، وهي الصفوة المتعلمة التي لم يكن أخطر ما فيها هو القطيعة بين ما هو مدني وما هو عسكري، ولكن القطيعة بين الصفوة والجمهرة العامة».
    ويضيف بأن الحركة حاولت ان تعالج بعض أمراض الشرائح الداخلية ومن بينها الغيرة بين ما هو مدني وما هو عسكري. ومن جهة يقول بأنهم قسموا الصفوة عموماً ازاء قضية الإسلام واستنصروا بالجماهير ـ حسب قوله ـ مما سهل هزيمة «الطبقة الليبرالية العلمانية»، ثم أصبحت ان تتجاوز الحركة المكر والاستعمار في الجانب الآخر: العسكري والمدني.
    يضيف الترابي: «.. فالحركة الإسلامية لم تقصر علاقتها على عناصر محددة تجند سرياً وتنظم ولا يمكن ان تفلت أبداً من المراقبة الوثيقة ولكنها آثرت ان تخاطب القوات المسلحة خطاباً عاماً مفتاحاً، وبهذا الانفتاح دخلت قطاعات كبيرة من القوات المسلحة في الجامعات وتأهلت للدراسات الإسلامية الشرعية. وبعد انتفاضة الحركة الإسلامية (هكذا!!) أصبحت الحركة تدافع عن القوات المسلحة وعن تعزيزها وعدم تخذيلها بتمجيد المتمردين وانحازت الحركة الإسلامية انحيازاً واضحاً للقوات المسلحة».
    ويورد الترابي سبباً آخر لوجودهم داخل الجيش «.. ان القوات المسلحة كلها تستمد من المدارس، والمدارس غلبت عليها الوطنية في الخمسينيات، ولذلك كان الضباط الذين تولوا السلطة في آخر الخمسينيات من هذا القرن وطنيين، وغلبت عليها اليسارية في الستينيات وغلب الإسلام في السبعينيات من هذا القرن. ولذلك كان الضباط الذين تولوا السلطة إسلاميين بالضرورة، لأن المناخ العام كله كان إسلاميا». (مجلة قراءات سياسية، السنة الثانية، العدد الثالث، صيف 1412هـ ـ 1992م ص 17ـ 1.
    تاريخ من خيال
    يقدم حسن مكي، مؤرخ ومنظر الحركة، على الرغم من الصفات التي تضفي عليه، تاريخاً خيالياً لدور الجبهة الإسلامية في السودان وبعد شطحات بعيدة عن الأكاديمية والموضوعية، يصل مكي الى مسببات اللجوء الى العمل الانقلابي ابتداء من انتفاضة ابريل 1985م، يقول: «في هذا السياق، عقدت الحركة الإسلامية اجتماعاً وقررت بنتيجته تحريك الجيش ضد النميري، معتبرة ان الظروف مؤاتية للاجهاز على السلطة» ويضيف: «والحركة الإسلامية التي كانت جاهزة عام 1985م للانقضاض على النميري كانت أكثر جمهورية عام 1989.
    لكنها كانت لديها مشكلة تتمثل في طريقة اخراج مشروع السلطة طرحت الحركة استلام السلطة على ان يكون الإخراج اخراجاً وطنياً، ويتماشى مع طبيعة القوى الاقليمية الموجودة. ورأت انه لابد ان يكون في الحرب خدعة، بحيث يقوم الانقلاب على الطرح القومي والاعلان انه يأتي للقضاء على الحركة الإسلامية .
    ولعقد مصالحة مع جون قرنق وتم اشراك عناصر الاستخبارات المعروفة باتصالاتها بالأميركيين والمصريين في الانقلاب». (مجلة شئون الأوسط، العدد 38، فبراير 1995، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، ص 15ـ 16).
    يمارس (الإسلامويون) «خدعتهم» باستمرار حتى ان اتضحت بنية وسياسات السلطة، وعند كل أزمة أو محاولة للانفتاح يعود الانقاذيون الإسلامويون الى نفي الأيام الأولى. وبعد سبع سنوات سئل البشير عن أسباب نفي الانقلابيين لأي علاقة مع الجبهة الإسلامية في بداية الأمر، وأجاب عكس المعلومات التي سبق ذكرها: «أؤكد لك انه لم تكن هناك في بداية الأمر أي علاقة لثورتنا الانقاذية بالجبهة القومية الإسلامية أو قادتها أو عناصرها. ويعلم الجميع اننا قمنا آنذاك باعتقال كل القيادات السياسية بما فيها الدكتور حسن الترابي.
    ولكن التنظيم الذي كان يجمع بيننا كضباط عسكريين داخل الجيش السوداني كان إسلامياً، يهدف الى تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، ومن هنا كان التقاؤنا بالجبهة الإسلامية، وهو التقاء في المبادئ والبرامج وليس التقاء تنظيمياً» (مجلة الوسط العدد 224 بتاريخ 13 مايو 1996).
    كشف الشيخ حسن الترابي في مؤتمر صحفي عقده يوم 18 ديسمبر 1999 مع تفاقم الخلاف مع الرئيس السوداني، انه رأى البشير لأول مرة في حياته في الليلة التي سبقت انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 وأضاف: «ليلتها اتفقنا على ان يذهب هو الى قصر الرئاسة وأنا الى السجن العمومي». (الحياة ـ 19 ديسمبر 1999).
    وبرر الظروف التي أدت بهم كحركة إسلامية الى تنظيم انقلاب عسكري: «أغلقت في وجوهنا جميع الأبواب لممارسة العمل السياسي اذ تعرضنا للاعتقال في عهد الرئيس السابق جعفر النميري كما تعرضنا للابعاد عن الحكومة الموسعة التي كان يرأسها الصادق المهدي الذي اعترف فيما بعد بالضغوط التي مارسها عليه القادة العسكريون لابعادنا. كذلك اعترف لنا نميري بالضغوط الدولية عليه لاعتقالنا» (الحياة ـ 19 ديسمبر 1999).
    كشف الصراع بين الترابي والبشير حقيقة التآمر العسكري على الديمقراطية. وفي تصريح للبشير عقب خلافه مع الترابي، قال: بأنه ملتزم بعضوية الحركة الإسلامية منذ ان كان طالباً في المرحلة الثانوية. وأضاف: «اننا نفذنا قرار الحركة الإسلامية باستلام السلطة ولا نزال على العهد». وأعلن انه لن يسمح بحل المؤتمر الوطني مثلما حلت الحركة الإسلامية «اننا لا نخجل من الزي العسكري».
    وأكد ان الجيش السوداني سيظل حامياً للشريعة الإسلامية (الراية القطرية 15 ديسمبر 1999) وبعد أيام قليلة كان الترابي يقود حملة دعائية ضد البشير في الصحف، ومن بين ما قاله ان البشير اضطلع بدور ثانوي في تنفيذ الانقلاب واتهم جناح البشير «بسرقة الثورة من صانعيها ومنفذيها». وكشف عن أسماء أفراد الميليشيات التابعة له والتي نفذت عمليات الاعتقال لكبار السياسيين ورجال الدولة آنذاك واعتقاله هو شخصياً ومساعده ابراهيم السنوسي ( «البيان» يوليو 2000).
    في حوار مع د. علي الحاج أجراه الأستاذ عبد الوهاب همت ومتداول في الصحيفة الالكترونية في الانترنت نجد هذه المعلومات الخطيرة، رغم ان الحاج قال بأن الوقت لم يحن بعد لكشف الكثير حول ما يتردد أخيراً عن المحاولة الانقلابية المنسوبة الى حزبكم المؤتمر الشعبي والخلافات بينكم والمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) هل نحن أمام مسرحية جديدة من الإسلاميين كما حدث في انقلاب 30 يونيو 1989 حينما ذهب البشير الى القصر وذهب د. الترابي الى السجن حبيساً وما هي أسباب هذه الخلافات؟
    الخلافات الداخلية أمر عادي ولكن نهجنا ان أي خلافات تحسم داخلياً بالشورى والتشاور وفي الأخير نصل لرأي جماعي وهذا هو ما يخرج للاعلام.. أما عن انقلاب 30 يونيو 89 فقد كان قراراً اتخذته هيئة الشورى في الجبهة الإسلامية القومية ولم يكن قراراً فردياً وهيئة الشورى تتكون من 60 عضواً وأن النصاب كان مكتملاً عندما تم اقرار الانقلاب وكان هناك حوالي 3 أو 4 أشخاص غير موافقين على القرار.
    ولكن ما حدث أو ما يتعلق بذهاب الترابي للسجن أسيراً والبشير للقصر رئيساً فقد كانت هناك مجموعة ثالثة عليها ان تسافر خارج السودان وأنا كنت على رأس وفد من الأحزاب الأخرى ذهبنا الى أميركا وبريطانيا وكل ذلك كان جزءاً من التكتيك (وهذا الكلام أصرح به للمرة الأولى) أما تخطيط الانقلاب فقد أوكل أمره للأمين العام .
    وقد طلب منه مجلس الشورى ان يختار الأشخاص المناسبين لأن الأمر يحتاج لدرجة عالية من السرية وقد اختار الأمين العام الدكتور حسن الترابي 6 أشخاص وقد كنت أنا ضمن هؤلاء السبعة أشخاص وقد خططنا للانقاذ قبل فترة وكل ذلك مدون وموجود.. أما عمر البشير فلم يكن عضواً في هيئة الشورى لذلك فهو لم يكن يعلم بأي شيء عن أمر الانقلاب لأن العسكريين الإسلاميين غير موجودين كفصيل ممثل داخل هيئة الشورى ونحن لا نعرفهم الا بالأسماء الحركية وقد كان الأمين العام يقوم بالتنوير كل ثلاثة أشهر على مسار الأمر.
    طريقة تفكير
    الرئيس عمر البشير ذكر في لقاء تلفزيوني أجراه معه أحمد البلال الطيب عن الكيفية التي قام بها في تمويه الضباط وتحركه من ميوم الى الأبيض ومن الأبيض الى الخرطوم وذكر مجموعة من الوقائع كيف تقول ان دوره كان ثانوياً؟
    كما ذكرت لك نحن لا نعرف عمر البشير بالاسم لأننا نستخدم أسماء حركية وسط الجيش وعندما تم احضار عمر البشير من ميوم لم يقم عمر البشير بذكر أسماء الأشخاص الذين أحضروه وهم الأخوة عمر سليمان من أبناء كردفان الذي لا يزال يتعرض للاعتقال لأنه من المؤتمر الشعبي..
    كما لم يذكر اسم النحيلة الذي كان يقيم معه عمر البشير في الأبيض ومن ثم تحرك للخرطوم وقد كان حضوره للخرطوم للتنفيذ فقط لا غير.. البيان الأول كان جاهزاً قبل حوالي 3 أو 4 أسابيع من الانقلاب وقد تم تسجيله في شريط فيديو بمباني منظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم وكل الذين ساهموا في هذا الموضوع ما زالوا أحياء.. الحركة الإسلامية مسئولة عن كل ما يتعلق بأمر الانقاذ وهدفنا لم يكن اقامة ديكتاتورية مدى الحياة فقد كانت لدينا خطط مرحلية تنفذ على فترات..
    أما في ما يتعلق بأن السلطات قد وضعت يدها على المحاولة الانقلابية الأخيرة واعتقلت مجموعة من الضباط بدعوى أنهم كانوا يجتمعون في القيادة العامة فلماذا لم يتم تسجيل لمحاضر اجتماعاتهم أو تصويرها ونشرها لوسائل الاعلام اذا كان الأمر صحيحاً. هذه مجرد كذبة وفبركة من قبل أشخاص جهلاء لا يجيدون صنعة الأمر.. في موضوع الانقاذ فقد أدينا بيعة وقسماً مغلظاً لم يكن هدفنا ان نستعلي على الناس ونكون.... نحن فقط.. لأن الحركة الإسلامية لا تفكر بهذه الطريقة
                  

العنوان الكاتب Date
سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 09:51 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 10:55 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 11:30 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-22-04, 01:20 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-23-04, 02:56 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Hani Abuelgasim10-20-04, 05:10 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing10-21-04, 12:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:43 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:45 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:46 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:47 PM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم بكرى ابوبكر08-04-10, 06:29 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Agab Alfaya10-22-04, 05:27 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Khatim10-24-04, 00:06 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Elbagir Osman10-24-04, 11:21 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing08-07-10, 00:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de