من اقوال الامام الصادق المهدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 06:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة من اقوالهم
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-29-2010, 05:34 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من اقوال الامام الصادق المهدي (Re: معتصم مصطفي الجبلابي)

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الصــادق المهــدي

    يوجــه:
    نداءات العصر

    أبريل 2001م



    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة

    لم يقتصر دور السيد الصادق المهدي بصفته مفكرا وزعيما سودانيا اسلاميا مستنيرا على الدعوة الى أفكاره بين أنصاره، أو الآخرين بهدف الاستقطاب أو الاستمالة، بل تجاوز ذلك بالدعوة الى مبادئ يلتف حولها الجميع كبرامج حد ادنى تضمن سلامة المسيرة الاسلامية المحلية والعالمية "نداء المهتدين"، والمسيرة الانسانية لكل أصحاب الملل المؤمنين بالديانات المختلفة "نداء الإيمانيين"، بل ولجميع عقلاء العالم "حوار الحضارات". هذا الكتاب تجميع لتلك النداءات.
    لقد قام السيد الصادق المهدي بكتابة العشرات من الكتب والكتيبات والمقالات، والقاء المحاضرات مدافعا عن رؤى اسلامية رآها الحل لمشاكل التوفيق بين ثنائيات الأصل والعصر، والمادة والروح، والعقل والغيب، والوطنية والقومية، والديمقراطية والاستقرار، والفردية والجماعية..الخ. وحينما ادعت بعض النظم الاستبدادية في العالم الاسلامي تطبيق التشريعات الاسلامية انبرى لتلك الممارسات انفعالا بما يمكن أن تؤدي اليه مثل تلك التطبيقات الشائهة من تأخير مسيرة الاستنارة الاسلامية وافشال مشاريع التأصيل التقدمية بوضع العقبات وزراعة الألغام والقنابل الموقوتة. فقد ذكر في كتابه عن العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الاسلامي، والذي كتبه ابان فترة اعتقاله لمعارضته لقوانين سبتمبر 1983م المسماة اسلامية – كيف أنه انزعج من اقدام الجنرال ضياء الحق على سن تشريعات "اسلامية" بحثا عن شرعية مفقودة ، لما يمكن أن يؤدي له ذلك من تشويه للاسلام . ثم تفاقم ذلك الانزعاج بعد محاولة نميري في1983 .
    لاحقا، ومع تتابع كتابات الصحويين الاسلاميين المجتهدين لحل معضلات التحديث من داخل الدين، انتقل المهدي الى خانة جديدة ، وهي السعي لأن يتفق جميع أهل القبلة حول مبادئ أساسية تضمن الحد الأدنى من الاتفاق وتجنب التناحر وتشويه الدين.
    الخطوة الأولى: عهد ولاء وبراء
    بعد أن دعا نظام الانقاذ الى تجربته الاسلاموية ومشروعه الحضاري الذي فرض أحادية دينية في بلد متعدد الأديان، واجتهاد إسلامي أحادي عزل الآخرين من المسلمين، وساهم في نشر ثقافة العنف في البلاد، حدثت أحداث الجمعة 4 فبراير 1994 م حيث اعتدى مسلحون اسلامويون على مسجد الحارة الاولى(المهدية) بمدينة أم درمان ، وقتلوا جماعة من انصار السنة المحمدية وغيرهم . رأت هيئة شئون الانصار، أن هذا الحادث اتجاه خطير يتهدد الدين والوطن بمخاطر جمة، فخاطبت أهل القبلة في السودان أن يتخذوا عهد ولاء وبراء ، يلتفون حوله حماية للدين والوطن.
    لقد تشاور السيد الصادق المهدي مع المسئولين في الهيئة وصاغ ذلك العهد، وضمنه خطيب الانصار- الشيخ عبد المحمود أبو الأمين العام للهيئة، في احتفال الهيئة بيوم 17رمضان 1414هـ- خطبته أمام حشد دعيت له جميع الفرق الاسلامية في البلاد فلبت وخاطبت جماهير الأنصار المحتشدة. كان ذلك العهد هو أول المجهودات المحسوسة نحو الاتفاق بين الفرق الاسلامية السودانية المختلفة. قال خطيب الأنصار يومها: " إننا أمام هذه اللطمة المؤلمة نشعر بما يتهدد ديننا ووطننا من مخاطر ونخاطب أهل القبلة في السودان أن يتخذوا عهد ولاء وبراء يلتفون حوله حماية للدين والوطن"..
    نص العهد هو:
    أولاً : الالتزام بالكتاب والسنة أصلاً للحياة الخاصة والعامة .
    ثانياً : الامتثال للقطعي ورودا والقطعي دلالة من النصوص الشرعية ، وأعتبار ما عداها محلاً للإجتهاد والشورى .
    ثالثاً : الإعتراف بأن لمواطنينا من غير المسلمين حقوق مواطنة علينا الألتزام بها.
    رابعاً : رفض الأستبداد فلا تكون شرعية الحكم الا على أساس العدالة والحرية والكرامة ورأي الجماعة .
    خامساً : رفض الارهاب بكل أنواعه ووسائله وتنظيم إختلاف الرأي على أساس مؤسسات مشروعة .
    سادساً : قيام العلاقات مع الآخر الملي والدولي على أساس التسامح والسلام العادل .. هذا مع رفض التدخل الأجنبي العسكري في شئون بلادنا ، والترحيب بدعم الأسرة الدولية لمطالب الشعب السوداني المشروعة .
    سابعاً : الوقوف دائماً مع المظلوم حتى ينصف والسعي لايجاد مخرج سلمي للبلاد يجنبها الاقتتال والتمزق و الفتنة والتدخل الأجنبي .
    لقد سعت هئية شئون الأنصار لجعل ذلك العهد وثيقة ولاء حول النهج المطلوب، وبراء من نهج العنف والتكفير، وذلك بأن توقع جميع الفرق الإسلامية عليه. ومع أن كل الفرق التي وصلتها الهيئة لم تعلن تحفظها على بنود العهد، إلا أن ظروف تلك المرحلة حالت دون إقدام الكثيرين على التوقيع على وثيقة تقودها الهيئة وهي مغضوب عليها من قبل السلطات آنذاك.
    تلى ذلك أحداث عديدة تمثل العنف باسم الدين، منها الاعتداء على جامع أنصار السنة بود مدني، واغتيال الفنان خوجلي عثمان في هجوم على اتحاد الفنانين السودانيين بأم درمان، ثم "حادثة عباس الباقر" في رمضان أواخر عام 2000م والذي كرر الهجوم على المصلين بمسجد أنصار السنة المحمدية بالمهدية، كما أنه لا يزال في الساحة أصداء الاعتداء على المسيحيين إبان احتفالاتهم بعيد القيامة أبريل 2001م.
    نداء المهتدين
    لاحقا تطورت فكرة نداء أهل القبلة التي ارتبطت بالحدث المذكور ، وبلور المهدي رؤية شاملة لخطاب لأهل القبلة في جميع أرجاء العالم، أن يجتمعوا حول كلمة " سواء" تنقذ دينهم من الانكفاء ، ودنياهم من التبعية والارتماء في الأحضان الأجنبية . جاء ذلك التطور في "نداء المهتدين" الذي صدر في مارس 1999م.
    نداء الإيمانيين
    ووعيا بما يجمع بين أهل الأديان المختلفة في السعى نحو الرقي الروحي للبشر، وحفظ الأرض من النزعة المادية البحتة وما تجلبه للبشرية من شقاء ، والسعي لأن تضمن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بعدا روحيا، وغيرها من المفاهيم المشتركة، صاغ المهدي "نداء الايمانيين" في يوليو1999م. وهو موجه لجميع أهل الملل في العالم.
    نداء: حوار الحضارات
    كان المهدي قد اشترك في المؤتمر السنوي الذي تنظمه وزارة الأوقاف الاسلامية في مصر في يونيو 1999م بورقه عنوانها : التعايش والصدام بين الحضارات على مشارف القرن الحادي والعشرون . تم تطوير تلك الورقة لاحقا لتكون في صيغة حوار الحضارات الموجه لكل الانسانية.
    المخاطبة الجماهيرية بالنداءات
    وفي أول عيد بعد عودته للبلاد في نوفمبر 2000م أي في عيد الفطر 1421هـ الموافق 26/12/2000م أم السيد الصادق المهدي الملايين من المصلين في مسجد الهجرة بودنوباوي وقال :"اننا نخاطب الانسانية بثلاث وثائق هي: نداء المهتدين، ونداء الايمانيين وحوار الحضارات".." اننا نخاطب المنظمات والهيئات الاسلامية بنداء المهتدين ، ونخاطبها والمنظمات المسيحية والمنظمات الدينية الاخرى بنداء الايمانيين ونخاطب الكافة بحوار الحضارات ، وهي كلها مواثيق تعمد الاسلام في دوره الأكمل دينا للانسانية . هذه هي ذخيرتنا لطرد الانكفاء ونفي ما علق بالاسلام من تشويهات الارهاب والدكتاتورية".
    صدى النداءات
    لقد صيغت تلك النداءات كمشاريع مقدمة للأطراف المعنية بهدف الوصول لمواثيق تجميعية للمهتدين ، وللايمانيين ، ولسائر أهل الحضارات حول برامج للحد الأدنى من الاتفاق المطلوب . وبالتالي فان تلك النداءات موجهة للجماعات المختلفة لفتح حوار حقيقي يفضي لتلك المواثيق . باعتبار النداء في حد ذاته محاولة أولية قصد منها المهدي رمي حجر في بركة السكون والاهمال ليحرك الاجتهادات والآراء ، ولنصل الى برامج تجمع كل الرؤى وتحيط بكل الثغرات فتسدها . هذه البرامج اذن مشاريع لمواثيق في صياغتها وليست قرآنا منزلا . ولهذا فان تداولها وتناولها بالنقاش والتعليق ضروري للوصول للهدف.
    منذ صدور النداءات في تواريخها المذكورة ، لم يحظ بالتناول سوى نداء "المهتدين" والذي تبنت هيئة شئون الأنصار تنظيم حوارات ومناقشات بشأنه بين القوى الاسلامية السودانية. اذ تمت لقاءات ومناظرات ، على مستوى القيادات الفكرية والطالبية حول ذلك النداء. ولكن تلك المناقشات لم تنتظم جميع الفرق داخل السودان ، ولم تمتد لبقية أهل القبلة ولم تطور بالتالي مشروعا متفقا عليه..
    إن ضرورة الوصول لحد أدنى للتفاهم تبرز بشدة في بلاد كبلادنا متعددة في فرقها الإسلامية، وفي أديانها حيث توجد المسيحية وأديان أخرى محلية، وفي حضاراتها حيث توجد الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الافريقية بتبدياتها النوبية، وغيرها. هذا التنوع إن أحسن التعامل معه كان مصدر قوة وخلق، وإلا فسيفتح كل أبواب التمزق والحروب.
    إن رسالة هذه النداءات تأتي من منطلق اجتهاد إسلامي معين، مخاطبة بقية الاجتهادات داخل الإسلام وخارجه، وداخل الأديان، وخارجها، لنجعل لأنفسنا المخرج المأمول. فإذا استطاع السودان أن يخرج من مأزقه إلى رحابة الخلق والإبداع، لاستطاع –علاوة على تحقيق كينونته المبرأة من الاستقطاب- أن يلعب دورا هاما في استقرار المنطقة، وفي الاستقرار العالمي.
    اننا نقوم في مكتب السيد الصادق المهدي، بالتعاون مع دار الشماشة للنشر والاستثمار بنشر تلك النداءات ، أملا أن يساعد ذلك في توفيرها لكل المهتمين، كخطوة مهمة في سبيل عقد النقاشات المرجوة والوصول للمواثيق الاسلامية، والايمانية، والحضارية التي يلتف حولها جميع المعنيين.
    والله الموفق

    قسم المعلومات والنشر مكتب السيد الصادق المهدي

    18 أبريل 2001م


    نداء المهتدين



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال تعالى: (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.)
    منذ أن أشرق نور الرسالة الإسلامية سطرت سيرة الإسلام صلاحا ونجاحا وفلاحا لم يعهد تاريخ البشرية لها مثيلا. لقد أسس الإسلام دينا عالميا ما زال يتمدد في كل أجزاء العالم، وأسس المسلمون حضارة استصحبت عطاء حضارات الإنسان السابقة وأتت بنسيج وسطي فريد. واستطاعوا أن يؤسسوا كيانات سياسية هيمنت على الربع المعمور من العالم لمدة ألف عام.
    ولكن منذ ثلاثة قرون استطاعت الحضارة الغربية أن تستصحب عطاء الحضارات السابقة لا سيما الحضارة الإسلامية، وأن تبدع الحضارة الحديثة التي تفوقت على كافة الحضارات الأخرى وهيمنت عليها. إن الذي أهل الحضارة الغربية الحديثة لذلك التفوق أمران:
    الأول: هو أن الحضارة الحاملة للمشعل قبلها، أي الحضارة الإسلامية، قيدها الجمود الفكري والثقافي، وأضعفها التفرق المذهبي، وأقعدها التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وحبسها الاستبداد السياسي فتآكلت وتراجعت حتى صارت كالمستعدة للغزو الأجنبي والاستسلام له.
    والثاني: القدرات الذاتية للحضارة الغربية بلغت شأوا عظيما نتيجة لثلاثة عوامل:
    أولا: الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والتكنولوجي.
    ثانيا: تأسيس نظام سياسي يقيم الحكم على رضا المحكومين ويعرض الحكام لمحاسبتهم عبر مؤسسات مقننة ويحقق أمرين هامين هما:
    ‌أ- التداول السلمي للسلطة عبر مؤسسات دستورية.
    ‌ب- تقنين الوظيفة العسكرية وإخضاعها للشرعية الدستورية.
    ثالثا: تأسيس نظام اقتصادي حقق جدوى استثمارية وإنتاجية عالية عن طريق الاستغلال الفعال لتطور العلم والتكنولوجيا وآلية السوق الحر.
    هذه العوامل مكنت الحضارة الغربية الحديثة أن تقيم نظما سياسية مستقرة ومتطورة. وأن تقيم نظما اقتصادية منتجة ومحققة لأعلى درجة من التبادل التجاري الداخلي والخارجي. وأن تبني قوات مسلحة محصورة في أداء وظيفتها العسكرية عالية الكفاءة القتالية والتنظيمية. واستطاعت الحضارة الغربية الحديثة أن تكتسب قوة سياسية واقتصادية وعسكرية مكنتها من فرض هيمنتها على سائر أنحاء العالم.

    أثناء القرون الثلاثة الماضية وضعت الحضارة الغربية الحديثة المهيمنة الحضارات والبلدان الأخرى أمام واحد من ثلاثة خيارات:
    1. رفض الحضارة الغربية ومقاومتها وبناء الحياة على أساس مستقل عنها.
    2. الامتثال للحضارة الغربية باعتبارها تمثل مستقبل الإنسان المحتوم وبناء الحياة على أساس التشبه بها.
    3. اتخاذ موقف وسط يحافظ على الهوية الثقافية والحضارية ويقبل التحديث ويفرق بين المقومات الذاتية للحضارة الغربية وبين الحداثة.
    لقد أخذ بالخيار الأول دعوات وحركات وثورات عديدة في العالم الإسلامي هدفها بناء الحاضر على بعث الماضي واستلهام إنجازاته ومقاومة ورفض الحضارة الغربية بحذافيرها. هذه المواقف حققت في كثير من البلدان بطولات ونجاحا مؤقتا ولكنها في النهاية تهاوت أمام القوة الاقتصادية والآلة العسكرية الغربية.
    كانت الدعوة المهدية في السودان أنجح مواقف التصدي للهيمنة الغربية في القرن التاسع عشر الميلادي، وكان تصديها وبطولاتها مضرب الأمثال في الشجاعة والإقدام، ولكن الكيان السياسي الذي أقامته الدعوة المهدية بعد صموده لأكثر من عقد من الزمان تصدع أمام الآلة العسكرية الحديثة. تصدع الكيان السياسي ولكن الدعوة ظلت حية في نفوس المؤمنين بها فطوروا بناءهم التنظيمي وطرحوا اجتهادا وفكرا ينطلق من الأصل ويلبي متطلبات العصر.
    أما الخيار النقيض، الخيار الثاني، فقد أخذ به آخرون لا سيما في آسيا الوسطى وفي الجزائر "الفرنسية" وفي تركيا الكمالية. هذه المحاولات مع ما توافر لها من أسباب التمكين تراجعت أمام دعوات التأصيل الديني والحضاري والثقافي.
    واقع الحال الآن هو أن البلدان التي تمت فيها محاولات البعث الماضوي المحض تشهد انفتاحا عصريا. والبلدان التي تمت فيها محاولات انخراط في الحضارة الغربية تشهد بعثا تأصيليا. هذا معناه أن النهج الأفضل والأجدى هو التزام التأصيل دون انكفاء والتحديث دون تبعية.
    إن علاقة الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية معقدة لأسباب أهمها:
    1. الحضارة الإسلامية تكمن فيها تيارات مشدودة إلى نجاحها القديم لدرجة تجعلها تظن أن استنساخ ما حدث تاريخيا ممكن. هؤلاء يسقطون نجاح الماضي على الحاضر فيشلون حركته. هؤلاء يعتقدون أن التعامل المشروع مع الأديان الأخرى والحضارات الأخرى هو ذلك التعامل الذي يقاس على سابقه في الماضي ولا مشروعية لأية معاملات تقوم على أنماط مختلفة.
    2. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارة الإسلامية بدرجة عالية من الذعر لأنها الحضارة الوحيدة التي كادت تمتصها بسبب تفوقها الفكري والتكنولوجي والثقافي عليها. كما كانت الحضارة الوحيدة التي هددت الحضارة الغربية في وجودها أكثر من مرة. لذلك صار التخوف من الإسلام والمسلمين شيئا عاديا في كثير من النفوس الغربية.
    3. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارات الأخرى بدرجة كبيرة من التعالي وافتراض الدونية. وكان تعاملها مع المسلمين ظالما مهينا غدارا لم يراعوا فيهم إلاً ولا ذمة. لذلك صار بغض الغرب وأهله قريبا من نفوس كثير من المسلمين.
    4. إن إصرار الغرب على التعامل مع الحضارات الأخرى بالتعالي ومع المسلمين بالظلم يغذي مشاعر الكراهية والتنافر في الطرفين ويرفد تيارات التشدد والمواجهة فيهما مما يسوق العالم إلى فترة صدام ظلامية. فترة ظلامية آتية حتما ما لم تهزم الحضارة الغربية نزعات التعالي والظلم فيها، وتنتهج وهي في موقف القوة والهيمنة الحالية نهجا ذا خمس شعب:
    • الاعتراف بأن الحضارة الغربية الحديثة حضارة مركبة ساهمت كل حضارات الإنسان السابقة لا سيما الحضارة الإسلامية في تكوينها.
    • الاعتراف بأن الحضارات الإنسانية والثقافات الأخرى لها دورها في بناء حاضر ومستقبل الإنسانية، ولا يجوز التعامل معها ككائنات منقرضة أو في طريقها للانقراض الوشيك.
    • التسليم بأن منجزات الحضارة الغربية الحديثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية الصالحة لاستصحاب البشر لها في كافة البلدان، سيتم استصحابها برؤية ذاتية لا بالإكراه، والرؤية الذاتية هذه تشتمل على أقلمة ثقافية واجتماعية تحددها الشعوب المعنية باختيارها.
    • إن الغرب قد كان سببا أساسيا في تكوين عدد من بؤر النزاع الساخنة، ومهما كانت مسئولية الأطراف المحلية عن استمرار تلك البؤر الملتهبة فإن اعتراف الغرب بدوره في تكوينها واستعداده للقيام بدور تكفيري في علاجها أمر هام وعتبة نحو علاقات دولية سليمة وسوية. أهم تلك البؤر هي:
    ‌أ- قضية الحق الفلسطيني المغصوب وقيام دولة إسرائيل على حسابه.
    ‌ب- قضية كشمير وأهلها كشعب متطلع لتقرير مصيره.
    ‌ج- مسألة جنوب السودان وما كان من أمر سياسة الاستعمار لتطوير الجنوب على أساس مناقض لما في الشمال ثم عكس تلك السياسة في فترة زمانية لم تكف لتكريس الاتجاه الجديد.
    • إن للغرب الاستعماري مسئولية في تخلف البلدان التي وقعت تحت نير الاستعمار. صحيح أن للقيادات الوطنية التي حكمت هذه البلدان بعد استقلالها مسئولية في الإبقاء على التخلف. لكن ينبغي أن نعترف أن النظام العالمي السياسي والاستراتيجي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية كان نظاما بالنسبة لدول الجنوب –والعالم الإسلامي جزء منه- غير متكافئ.
    والآن إن تحرير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين عالم الجنوب أي جنوب الكرة الأرضية المتخلف، وعالم الشمال المتقدم، وحصول عالم الشمال على أهم أسباب الرقي والتقدم سوف يؤدي إلى اتساع فجوة التنمية بين نصفي الكرة الأرضية بل إن هذا الوضع غير المتكافئ بالإضافة إلى تقصير كثير من قيادات عالم الجنوب سوف يؤدي إلى تهميش الجزء الأكبر من عالم الجنوب. هذا التهميش سوف يؤدي حتما إلى التظلم، والغبن، والاحتجاج.
    ينبغي أن يهتم عالم الشمال كقيادة فعلية للأسرة الدولية اهتماما خاصا بالتنمية في عالم الجنوب لأسباب كثيرة، فالاحتجاج واتلظلم لا يمكن حصره في عالم الجنوب بل سوف يتعداه إلى الشمال عبر عدد من وسائل الاحتجاج نسميها أسلحة الضرار الشامل، ونذكر أهمها وهي:
    ‌أ- أضرار سياسية. ومنها تكوين مصادر مستمرة لحركات الإرهاب الذي يمكن أن يسمي نفسه أسماء عديدة ولكنه في النهاية احتجاج سياسي يتخذ العنف أسلوبا.
    ‌ب- القنبلة السكانية التي يمكن أن تنفجر في عالم الجنوب وتكون لها آثار سلبية في كافة أنحاء العالم.
    ‌ج- القنبلة الأيكولوجية. إن تصرف أي جماعة أو دولة في العالم بطريقة غير مسئولة نحو البيئة والطبيعة سيكون له آثاره السلبية العامة.
    ‌د- قنبلة المخدرات. ضبط التعامل مع المخدرات إنتاجا وتوزيعا أمر مهم ولا يمكن تحقيقه إلا على أساس دولي حازم.
    ‌ه- القنبلة الصحية. إن العالم يشكل بيئة صحية واحدة، وإن علاج الأوبئة والوقاية من المخاطر الصحية يتطلبان مشروعا صحيا عالميا.
    ‌و- الهجرة غير القانونية. هذه الظاهرة سوف تستمر وتتصاعد ما لم تعالج أسبابها الأساسية. وعالم الشمال لا يستطيع أن يتعامل معها كظاهرة أمنية فحسب وإن حاول ذلك فلا يحقق نجاحا جزئيا إلا على حساب إلغاء الحريات العامة في مجتمعاته!!.
    .. ذلك النهج الغربي المطلوب يشكل لنا بيئة خارجية صالحة. ولكن الأهم منها أن نقف نحن المسلمين وقفة صدق مع الذات نحاسب أنفسنا ونحسب خطانا لأن تجديد دورنا الفاعل في الحياة يبدأ بصحوة ذاتية.
    يجب أن نعترف أننا استقبلنا وحيا هو الأوثق لأن الكتب الأخرى لم تدون على نحو ما حدث للقرآن الكريم. كذلك كان نبينا هو الأكثر تاريخية بالقياس للرسل الآخرين الذين محت أكثر تفاصيل سيرتهم الأيام اللهم إلا ما دون منها في القرآن الكريم.
    هذه الحقائق الناصعة حبسنا بها أنفسنا في الماضي دون مبرر ديني صحيح. الملزم لنا بموجب عقيدتنا هو القطعي ورودا والقطعي دلالة من النصوص الإسلامية. لكننا ألزمنا أنفسنا بتفاسير للقرآن، وبمدونات للسنة، وباستنباطات في الفقه، وبروايات للسيرة، جعلناها ملزمة لحاضرنا ومستقبلنا فألبسنا الفكر والثقافة والحياة قميص حديد ماضويا. إن في شريعة الإسلام ما هو ثابت ومتحرك. وإن من مقاصدها التوفيق بين حقائق الوحي والعقل. ولكن إلزام أنفسنا بتلك التفاسير والاستنباطات والروايات يلحق اجتهادات عقول الأقدمين بحقائق الوحي، ويلحق المتحرك من أحكام الشريعة بالثابت وهذا معناه إلغاء دور العقل وإلغاء هامش حركة الخَلَف.. إن في هذا تضييقا لواسع وتبديدا لمقاصد الشريعة.
    الإسلام رسالة خاتمة خاطبت الإنسانية في مرحلة نضجها، وكلفتها بالاجتهاد في كل ما ليس قطعي الورود وقطعي الدلالة. إن على أمة الرسالة الإسلامية واجبا نجاحها في أدائه يؤهلها لقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ..الآية) . وإخفاقها في أدائه هو السبب المباشر لما تعاني منه اليوم من انحطاط. إنها معاناة سوف تستمر ما بقيت أسبابها، ولا يخرجنا منها إلا جهدنا واجتهادنا: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.. الآية
    إننا ونحن نستقبل القرن الميلادي الجديد نشاهد بوضوح:
    1. الإسلام الديانة، الذي فصلته حقائق الوحي وأحكامه ثابتة لا ينفك يعمق في النفوس وفي التربية. ولا ينفك يتسع انتشارا بصورة جعلته حتى يومنا هذا الدين الأوسع انتشارا في كل قارات العالم.
    2. الإسلام الحضارة –أي ديوان الحوار بين المسلمين والحضارات الأخرى والمجتمع والتاريخ- كون حضارة عالمية متفردة يزيد تقديرها يوما بعد يوم.
    3. لكن مع أن الإسلام كأساس للنظام الاجتماعي مشتمل على أرفع المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأكثرها تفوقا على أفضل ما أفضى إليه التقدم الإنساني في المجال الاجتماعي.. مع ذلك كله، فإن المسلمين اليوم يعيشون واقعا اجتماعيا سيئا. الشعوب الإسلامية هي الضحية الأكبر للجمود الفكري والثقافي في العالم، وبالتالي هي الأكثر تخلفا اقتصاديا وسوء توزيع للثروة والدخل. وهي الأكثر تعرضا للهيمنة الأجنبية. والسبب واضح: دور العقل في التفسير والاستنباط وتحليل الروايات، ودوره في التعامل مع الجوانب المتحركة من الشريعة دور هام في مجال المعاملات. أي في المجال الاجتماعي، إنه دور يقع التكليف به على الأمة وتعطيله يدل على تقصير الأمة في القيام بواجبها ويؤدي إلى ما أدى إليه من واقع اجتماعي كريه.
    يا أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
    أولا: إن كتابنا واحد معلوم ومحفوظ النص، ورسولنا واحد معلوم السيرة والهوية. هذه من نعم الله علينا. كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا. علينا أن نؤمن تماما بأن ما نلتزم به هو القطعي ورودا والقطعي دلالة من الكتاب والسنة. أما الظني ورودا والظني دلالة وما ليس فيه نص أصلا فأمور اجتهادية غير ملزمة لنا.
    ثانيا: التعامل مع الآخر المذهبي الإسلامي يجب أن يقوم على الإيمان المشترك بالقطعيات والاعتراف المتبادل بالاجتهادات على أساس أن التقليد في الاجتهادات غير ملزم وأن القاعدة السنية من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فاخطأ فله أجر واحد.
    ثالثا: هنالك عوامل مستجدة اختلف المسلمون حول كيفية التعامل معها:
    • أهل السنة قالوا بالتعامل مع المستجدات على أساس القياس والإجماع.
    • الشيعة قالوا بمعرفة خاصة للأئمة ولمراجع التقليد في غيابهم. هؤلاء يفتون في أمر المستجدات.
    • الصوفية قالوا بأن الصالحين ملهمون مكشوف لهم الحجاب مما يتيح لهم معرفة خاصة للتعامل مع كل الأمور وعلى الآخرين اتباعهم.
    لقد جادل المسلمون كثيرا حول تلك الأساليب، فمن قائل أن القياس غير صحيح، لأنه لا تكون حالة مثل حالة أبدا، وقائل أن الإجماع في أمر من الأمور غير القطعية لم يقع أبدا، وقائل أن الأئمة المعنيين لم يوجدوا أصلا، وأن القول بالكشف مختلف عليه، وغيرها من مقالات الإسلاميين. إن عصرنا الحالي يمتاز بإلغاء المكان عن طريق المواصلات، وإلغاء الزمان عن طرق الاتصالات مما يتيح لنا وسائل افضل في التعامل مع هذه القضايا. الأسلوب الأمثل هو تحديد هيئة أو هيئات فنية ذات معرفة وتخصص في كل المجالات ذات دور استشاري. واتخاذ هيئة أو هيئات تشريعية ذات تفويض شعبي للتداول بشأن المستجدات واتخاذ قرار بشأنها.
    رابعا: ينبغي أن نحدد أساسا واضحا للتعامل مع الآخر الملي في أوطاننا. إنهم وجدوا معنا في هذه الأوطان واستمروا فيها باختيارهم، وإن هذا الموقف أكسبهم موقف أهل العهد –عهد المواطنة- وإن نحن سحبنا منهم هذا الحق فإنهم في نطاق القانون الدولي المعاصر سوف يسعون إلى حق تقرير المصير. إن عهد المواطنة يقتضي الاتفاق على حد أدنى من الحقوق لكل المجموعات الوطنية، وإلا دفعناهم دفعا نحو العمل لتقرير المصير ومن ثم التمزق الحتمي. علينا إذن أن نقر عهد المواطنة وحق المواطنة كأساس للكيان الوطني، فالوطن لكل سكانه بموجب عهد المواطنة، ولكن هذا لا يتعارض مع الحقوق الدينية والثقافية للمجموعات الوطنية المختلفة ما دامت لا تطالب بوضع ينتقص من حقوق المجموعات الأخرى.
    إن الشريعة الإسلامية واجبة التطبيق للمسلم، وعلينا أن نضع ميثاقا واضحا يوفق بين حق المسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية، وحقوق المواطنة للآخرين. وعلينا أن نعلن بوضوح التزامنا الأساسي بأن 00000000000التعامل بيننا وبين أهل الملل الأخرى يقوم على مبدأين أساسيين هما: ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..الآية) - (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..الآية) .
    خامسا: النظام الدولي الحالي يقوم على أساس العهد الذي يقوم عليه نظام الأمم المتحدة. إنه نظام بالنسبة للمسلمين يعتمد على مرجعية إسلامية أساسية هي: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(34) .و ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ.. الآية) .
    إن النظام الدولي المعاصر لم ينشأ من فراغ. لقد كانت بداياته مستمدة من مفاهيم المعاهدة والائتمان، ومعاملة الأسرى، والعلاقات بين الكيانات السياسية الدولية التي خطها المسلمون استنباطا من مبادئ وأحكام الإسلام، وتسربت إلى أوربا عبر الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا. وقديما قال بلاسكو ايباريز في كتابه "تحت ظلال الكاتدرائية": "إن إحياء أسبانيا لم يأت من الشمال بل من الوسط مع العرب الفاتحين".
    نعم ..إن النظام الدولي الحالي أقيم في غياب كثير من البلدان الإسلامية.
    نعم.. إن فيه نقصا يفتقر إلى تصحيح وتصويب لتكتمل عدالته. وهذا ما ينبغي أن نسعى إليه ونحققه.
    سادسا: هنالك منجزات حققها الغرب لا تتعارض مع أصول مبادئنا الإسلامية، ولكن الفضل في تحقيقها وتكوين مؤسسات لاستدامتها يرجع للحضارة الغربية في المقام الأول. تلك المنجزات ينبغي أن نستصحبها دون أدنى حرج، وأن نحدد مرابطها في مقاصد الشريعة الإسلامية:
    ‌أ- الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والتكنولوجي.
    ‌ب- النظام السياسي الذي يقوم على رضا المحكومين ومساءلة الحكام ويحقق التداول السلمي للسلطة والخضوع العسكري للشرعية الدستورية.
    ‌ج- النظام الاقتصادي الذي يقوم على آلية السوق الحر لا سيما في مجال الاستثمار والإنتاج والتبادل التجاري.
    ‌د- الالتزام بحقوق الإنسان على أساس أن الله كرمه وأوجب له حقوقا مقدسة. إن حقوق الإنسان التي جاء بها الإسلام تتكامل ولا تتناقض مع حقوق الإنسان العالمية على نحو ما أوضحنا بالتفصيل سابقا . وحقوق الإنسان في الإسلام تمتاز على غيرها لأنها تستمد من جذور روحية وخلقية وتستوجب جزاءا أخرويا.
    ‌ه- لقد دار في مسألة المرأة جدل كبير. المرأة هي الوالدة والزوجة والأخت والبنت للرجل، والنساء في مفهوم الإسلام شقائق الرجال. والنصوص الإسلامية واضحة في مساواتها إنسانيا وإيمانيا:
    - يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.. الآية.
    - أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.. الآية .
    4. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ.. الآية .
    هذه المساواة بين الرجل والمرأة حددها أمران: الأول: فطري وهو أن للرجل والمرأة في أمر التوالد والأسرة وظيفتين مختلفتين متكاملتين. هنالك أحكام تتعلق بهذا الاختلاف لا مفر منها بل هي واجب تقتضيه الفطرة. المهم ألا يكون هذا مدخلا للتفاضل بل للتكامل. الأمر الثاني: أحكام واستنباطات لحقت بالمرأة بسبب ظروف فكرية وثقافية واجتماعية مقدرة في زمانها ولكنها الآن تجاوزتها الظروف.
    إن حقوق المرأة في الإسلام كانت طفرة تحريرية في ظروفها. أما الآن فإن حقوق المرأة العالمية قد بلغت مرحلة متطورة. التحدي الذي يواجهنا هو هل تستطيع المرأة أن تكون مسلمة وحديثة في آن؟ الجواب: نعم .
    سابعا: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام. والجهاد هو رهبانية أمة محمد (ص). والجهاد ماض إلى قيام الساعة. إن مادة جهد هي أساس الصلاح والفلاح والنجاح في كل مجالات الحياة. ولا يفلح الإنسان في أية حالة إذا لم يبذل الجهد: لا بد لنيل الشهد من إبر النحل. الجهاد في هداية الإسلام هو بذل الجهد كله للالتزام بأمر الله. إنه يبدأ دائما بإلزام النفس على الفضيلة, وهذا هو الجهاد الأكبر لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
    ثم يتجاوز الإنسان نفسه إلى أسرته وإلى مجتمعه وعليه بذل الجهد كله وبكل الوسائل للالتزام بهدى الله. هذا الالتزام يصير التزاما قتاليا في حالة فتنة الناس عن دينهم أي إكراههم على الخروج من دينهم. وفي حالة الدفاع عن النفس. أي دفاعا عن العقيدة ودفاعا عن الحياة: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
    إن اتحاد الفهم بين كافة أهل القبلة حول هذه النقاط السبع واجب إسلامي.
    الحقائق الجديدة:
    هنالك سبع حقائق جديدة في عالم اليوم لم يسبق للفكر الإسلامي أن حدد موقفا بشأنها. إنها حقائق ينبغي أن نحدد نحوها مواقف واضحة هي:
    أولا: الوطنية:
    الوطنية والدولة القومية المترتبة عليها شكل سياسي جديد اتخذته الكيانات الأوربية منذ صلح وستيفاليا في 1648م وصار الوحدة المعتمدة في العلاقات الدولية.
    لقد عرف الإسلام رابطة الأسرة. ورابطة القبيلة. ورابطة الإقليم أو الجهة.. لكن الوطنية تقوم على أساس ثقافة معينة، وتاريخ، وتجارب تكون شعبا مرتبطا بأرض معينة. المواطنة هي الرابطة التي تجمع بين شرائح هذا الوطن. إنه تطوير لرابطة الأسرة والعشيرة، يربط بين المجموعات الوطنية والدولة، وله فاعلية في تنظيم مصالح المواطنين من حيث توافر أسباب المعيشة والأمن.
    إن الرابطة الوطنية يمكن أن تكون مفيدة في سبيل تحقيق التنمية وكفالة سبل المعيشة والأمن، ومع أنها تقوم على مفهوم متشدد على السيادة الوطنية، فإن التعامل مع السيادة بصورة مرنة لتقبل الانتماء إلى كيانات أوسع ممكن ما دام ذلك يتم برضا المواطنين. لذلك يجب ألا ننظر إلى الانتماء الوطني بريبة وألا نضعه في مقابل الولاء للأمة الأكبر، بل نعتبر الانتماء الوطني صالحا في حدوده المختارة قابلا للتوسع الاختياري.
    ثانيا: القومية:
    إن في الأمة الإسلامية عدة قوميات. والإسلام لم ينف الانتماء القومي بل استصحبه بصورة جعلت العرب يحققون بالإسلام أمجد أيامهم، كذلك حققت القوميات الأخرى الطورانية، والفارسية، والهندية بالإسلام أمجد أيامها وأفضل عطائها.
    إن علينا أن نعترف بالانتماء القومي لا سيما على أساس ثقافي ولغوي وسلالي لا يتعارض مع الانتماء الأوسع للأمة إلا إذا كانت فيه عصبية. العصبية هي الشعور الذي يمقته الإسلام لا القومية.
    ثالثا: العولمة:
    هنالك عوامل جديدة في عالم اليوم هي:
    • تكنولوجيا المواصلات نسفت المسافات. وتكنولوجيا الاتصالات كمشت الزمان فصارت أطراف العالم متداخلة وصار كوكب الأرض أقرب إلى حاضرة واحدة.
    • المصلحة البيئوية (الأيكولوجية) لكوكب الأرض واحدة مما يوجب التعامل معها كوحدة طبيعية واحدة.
    • هنالك فضاءات تملكها الإنسانية ملكا مشتركا:. الفضاء والبحار والمحيطات والأجزاء غير المأهولة من الكوكب.
    • أثناء التسعينيات انعقدت مؤتمرات قمة قاربت بين وجهات النظر حول كثير من القضايا الهامة: السكان- المرأة- النواحي الاجتماعية.. وهلم جرا.
    • هنالك عدد من الأديان العالمية كالمسيحية والإسلام والبوذية والأديان التي كونت حضارات كالمسيحية والإسلام والهندوسية، والحضارات المتعددة الأديان كالصينية واليابانية والثقافات الإنسانية الكثيرة.لقد انطلقت حوارات جادة بين أطراف هذه الانتماءات وهي حوارات تصب في خانة تبين القيم المشتركة بينها والتنوع والتعدد فيها. إن هذه الحوارات تتجه لتكوين تصور موحد للتعايش والتسامح الديني والحوار بين الحضارات تجنبا للصدام والخصام.
    • التطور الاقتصادي والتجاري وحركة انتقال الأيدي العاملة والاستثمارات والحركة المالية العالمية تتجه لخلق سوق عالمي واحد.
    هذه العوامل الستة هي التي تقف وراء العولمة كظاهرة مرتبطة بتطور الوعي الإنساني والتاريخ الإنساني. لكن العولمة تتم في عالم فيه توزيع غير عادل للسلطة والثروة والقوة العسكرية. لذلك فإن القوى المهيمنة عالميا إنما تلون العولمة بلونها وتحاول إخضاعها لمصالحها الذاتية.
    إن علينا أن نقبل العولمة كتطور حتمي لتاريخ الإنسان، وأن نتخذ ما نستطيع من إجراءات على كافة الأصعدة لكيلا تتحول العولمة إلى امتثال للهيمنة الدولية. هذه معادلة صعبة ولكن الانكفاء دون العولمة تخلف والامتثال للهيمنة تبعية، وعلينا أن نحقق الانفتاح نحو العولمة ونتجنب التبعية.
    رابعا: الوحدة الإسلامية:
    التطورات العالمية نحو العولمة تزيد من الوعي بالذات الحضاري وبالمصالح الوطنية الإقليمية لذلك نشطت مع العولمة تيارات التكوينات القومية والإقليمية لتحقيق أقصى درجات الانتفاع بالواقع العالمي الجديد وحماية المصالح الخاصة والحماية من الهيمنة.
    ماذا عن الوحدة الإسلامية؟.
    الوحدة المتجسدة في دولة واحدة لم تعد ممكنة في المستقبل المنظور، إنها اختفت من الواقع الإسلامي منذ نهاية العهد الأموي في عام 150هـ. إن مفهوم القيادة العليا الواحدة كما كان متاحا للخليفة لم يعد واردا لأن ضوابط العدالة صارت تقتضي أن يكون رئيس الدولة مختصا بالسلطة التنفيذية، ضمن إطار يحدد مؤسسات السلطة التشريعية والقضائية، وآليات تبسط الشورى والمشاركة على نطاق واسع عبر مؤسسات المجتمع المدني والصحافة وآليات البحث العلمي والاجتهاد الفكري والتطور الثقافي، وهي آليات لها دورها ووزنها ووظيفتها القانونية. حتى في إطار دولة قطرية واحدة لم تعد توجد مؤسسة قيادة شاملة مطلقة إلا في الدولة الاستبدادية.
    إن وجود دول مختلفة محكومة بنظم دستورية لا يمنع التعامل مع مفهوم السيادة الوطنية بمرونة وتحقيق وحدة في مجالات عديدة:
    1. في المجال الروحي والعبادي إذ يمكن للمسلمين الاتفاق على ما يجمع بينهم والتعايش فيما يفرق بينهم على أن يقيموا تنظيما موحدا يقرر بشأن المسائل العقدية والعبادية ويتخذ تكوينا جماعيا شوريا.
    2. تكوين محكمة استئناف عليا ذات صلاحيات متفق عليها للحكم في قضايا معينة.
    3. برنامج موحد للتعليم الديني وتعاون في كافة المجالات التعليمية. برنامج يحقق التعاون في مجالات معينة ويفسح مجال التنوع.
    4. تعاون ثقافي وإعلامي.
    5. تنسيق تنموي وتجاري في المجال الاقتصادي والتجاري.
    6. تحديد آليات للحوار الداخلي بين المسلمين وأخرى للحوار مع غيرهم.
    إن الإبقاء على تعدد الدول لا يتنافى مع تحقيق درجة عالية من التنسيق والتوحد في المجالات الدينية، والثقافية، والاقتصادية، والحضارية لبلوغ درجة من الوحدة الإسلامية وترك المجال مفتوحا للتطوير المستقبلي.
    خامسا:التعددية الاجتهادية
    هنالك نظرة سلبية جدا لدينا نحو التعددية في المسائل الاجتهادية. ينبغي أن تكون نظرتنا لكل أنواع التعددية المذهبية والفكرية الإسلامية إيجابية لأنها إحدى نتائج الحرية اللازمة. على أن نلتزم في هذا الصدد بأمرين هما:
    الأول: التسليم بالقطعي ورودا والقطعي دلالة من نصوص الإسلام.
    الثاني: تجنب التعصب لاجتهادنا الخاص.والتعامل معه بقاعدة اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ، واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب. هذه النظرية المرنة للتعامل المذهبي مع التراث المنقول ومع العطاء الإنساني ومع الاجتهاد الآخر هو المطلوب لإخراج أنفسنا من الانكفاء ومن التعصب الذميم.
    التعددية فيما عدا وحدانية الذات الإلهية جزء لا يتجزأ من نظام الكون، وينبغي التخلص من النظر إلى فرقة واحدة ناجية فمن كفر مسلما فقد باء بالكفر أحدهما، ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحق فأخطأه.
    إن الإنسان هو محور رسالة الإسلام لإسعاده في الدنيا والآخرة. وكل هداية للإنسان ينبغي أن تراعي عوامل الزمان والمكان. الشريعة الإسلامية تفوقت على الملل والنحل الأخرى لاعترافها بالإنسان كإنسان وتكريمها للإنسان كإنسان، ومراعاتها لظروف المكان والزمان.. إن إهدار هذه المعاني إهدار لمقاصد الشريعة. وللإنسان عشرة مطالب أساسية تفتقر إلى إشباع متوازن هي: المطالب الروحية- الخلقية- العاطفية- المعرفية- المادية- الاجتماعية- البيئية- الجمالية- الرياضية- والترفيهية.
    إن الإسلام دين الفطرة.. فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا..الآية . مستبين لتلك المطالب ولضرورة إشباعها إشباعا موزونا ينبغي على المسلمين السعي لتحقيقه اجتهاديا في ظروف الزمان والمكان المختلفة.
    سادسا: الحركة في الشريعة
    الإسلام عقيدة وشريعة. الشريعة الإسلامية فيها عبادات ثابتة ومفصلة ومعاملات مرنة. منذ عهد الخوارج هنالك من جعل أمر السلطة السياسية –الإمرة- كالعبادات، وهذا عين الخطأ الذي وقع فيه الخوارج ومن خلفهم بعد ذلك. علينا أن ندرك بوضوح:
    ‌أ- أن العبادات مفصلة وثابتة لكن المعاملات معممة ومتحركة.
    ‌ب- الثابت من أحكام الشريعة لا تؤثر فيه عوامل الزمان والمكان. أما المعاملات –أي المتحرك من مقاصد الشريعة فإن الثبات يفسده ويؤدي إلى عكس مقاصده.
    ‌ج- الأمة باجتهادها المستمر مكلفة بتطوير فقه المعاملات على أساس مقولة الإمام المهدي الشهيرة: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
    في ظروف معينة، وأمام زحف التتار على ديار المسلمين اجتهد بعض الفقهاء ورأوا أن حماية بيضة الإسلام توجب تقديس المسئولية السياسية، وعلى نفس النمط اجتهد الشيخ أبو الأعلى المودودي وصاغ مفهوم الحاكمية لله على نحو مشابه لمقولة الإمرة لله.
    إن الذين رأوا باجتهاد معاصر أن يعطوا الإمرة أو القيادة السياسية قدسية تناهز قدسية العقائد والعبادات مهدوا للتطرف الإسلامي المعاصر الذي جعل اجتهاد أصحابه السياسي هو موقف الأمة كل الأمة ونفى رأي الآخرين باعتباره كفرا وخروجا عن ملة الإسلام. هذا الاعتقاد هو الذي مهد للتيارات الاحتجاجية المتطرفة المعاصرة، عبر تكريسه للاستبداد وفتح باب المظالم السياسية والاجتماعية.
    نعم إن المسلمين في محنة ويواجهون اضطهادا عظيما وإذلالا على يد الهيمنة الدولية وإسرائيل. إن أصحاب هذا الاتجاه اعتبروا أنفسهم مبعوثي العناية الإلهية واستحلوا لأنفسهم العمل لاستلام السلطة بالقوة والانفراد بها واستحلوا لأنفسهم استخدام أساليب العنف العشوائي الذي يزهق الأرواح البريئة ويدمر الأملاك في سبيل تحقيق أهدافهم.
    الإمرة لا تكون في شريعة الإسلام إلا عن طريق: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ.. الآية . والعمل من أجل الأهداف مهما عظمت لا يكون إلا بموجب: ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.. الآية .. والقتال في الإسلام له ضوابطه وهي: الدفاع عن النفس وعن حرية الدعوة. إن ربط الإسلام بالسلطة السياسية المستبدة، وربط العمل الإسلامي بأساليب العنف العشوائي جلب للإسلام ضررا كبيرا وأعطى أعداءه حجة قوية للنيل من ديباجته الوضاءة.
    إن علينا معشر أهل القبلة أن نرفض أية عملية استيلاء على السلطة بالقوة الغاشمة. وأن نرفض أية دولة تقوم على أساس بوليسي يقهر الناس. وأن نرفض أية صلة بين الدعوة للإسلام والعنف العشوائي. وأن نعتبر الاستيلاء على السلطة باسم الإسلام ترهيبا بعيدا عن مقاصد الشريعة، كما نعتبر أية دولة بوليسية قاهرة خارجة على مقاصد الشريعة.
    لقد صار نهج الذين ربطوا الإسلام بالاستبداد الغاشم وهم في السلطة، والذين انتهجوا العنف العشوائي كأسلوب لمعارضة النظم الشرعية، وإن كانت ظنية، سبة على الإسلام، ووسيلة للإساءة إليه، ومخلب قط للتدخل الأجنبي، لذلك وجب علينا أن نتبرأ منهم وندين نهجهم .. هذا طبعا لا ينطبق على الذين يتخذون العنف أسلوبا لمقاومة الاحتلال الأجنبي، فهم إنما يردون على العدوان بمثله: فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ(193) .
    إن أسلوب الدعوة المشروع هو بالتي هي أحسن، والتغيير المشروع هو بالتعبئة الشعبية وبالعمل المدني الخدمي وبالترجيح الديمقراطي لأن أساليب العنف ضد النظم المؤسسة بشرعية ذات قبول واسع يؤدي لنتائج عكسية، لا سيما العنف العشوائي والانقلابات العسكرية التي ما بنت قصرا إلا هدمت مصرا وما ادعت عمل إصلاح إلا أتت أضعاف أضعافه من الإخفاق .
    سابعا : التحول السياسي
    إن الضغط الإصلاحي المنظم على كل الأصعدة من شأنه أن يحقق إصلاحا ديمقراطيا، وان تدرج في النظم القائمة، ودلائل هذا الإصلاح ظاهرة للعيان وكل من سار على الدرب وصل . إن الخريطة الإسلامية على المستوى الشعبي مكونة من : -
    • هيئات ومنظمات وتكوينات تقليدية لها دورها الديني والثقافي والاجتماعي الإسلامي ولها سندها الشعبي العريض وان كانت على درجة عالية من الضمور في حركة تغيير المجتمع.
    • جماعات احتجاجية مندفعة انتهجت العنف العشوائي وصار لها درجة من التأييد في مجتمعاتنا ذات الإحساس القوي بالظلم والاضطهاد والهيمنة الأجنبية والتكوين السكاني الذي يغلب عليه الشباب العاطل من العمل . هذه الجماعات جعلت دورها السياسي مقدسا وأسقطت على نفسها دور الأمة وقدست قيادتها وكفرت المجتمع الواسع .
    • مفكرين إسلاميين على درجة عالية من الوعي والاستنارة والالتزام الإسلامي والإحاطة بالفكر الإنساني والتجارب الإنسانية المعاصرة ومقدرة عالية على استصحاب النافع من فكر وأساليب العصر . لكن هؤلاء مع وضوح رؤيتهم لا يجدون سند الهيئات التقليدية الشعبي العريض ولا تأييد الشرائح المتحمسة الشعبية المندفعة في تأييد حركات الاحتجاج.
    • أنصار الله ينتمون إلى دعوة المهدية في السودان. إن مدارس المهدية في الإسلام عشر مدارس: ثلاث شيعية هي الاثنى عشرية، والسبعية ، والزيدية . وأربع سنية هي: صاحب آخر الزمان ، وإمام القرن ، ومدرسة فخر الدين الرازي القائلة بالشاهد لله بالحق، ومدرسة ابن كثير القائلة باثني عشر مهديين. ومدرستين صوفيتين: مدرسة ابن عربي والمدرسة القائلة بخاتم أقطاب الزمان، ومدرسة فلسفية قائلة برئيس المدينة الفاضلة.
    المهدية في السودان سنية ومقولتها تجعل المهدية وظيفية هي وظيفة إحياء الكتاب والسنة بصورة ذات خصوصية تجيز لها تعليق المذاهب وإبطال التفرق بين المسلمين عودة للكتاب والسنة. هذا موقفها النظري . لكن موقفها من الخريطة الإسلامية الشعبية هو أنها جمعت ما تفرق بين التكوينات الإسلامية فهي ذات موروث شعبي تقليدي عريض ، وهى ذات طلائع فدائية متحمسة ،وهى ذات كوادر فكرية مثقفة لذلك يرجى أن يكون لها عطاء إسلامي في داخل السودان وفيما يتجاوز السودان داعية لنهج إسلامي ملتزم ومستنير بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة .
    إننا في هيئة شئون الأنصار المنبر التنظيمي لهذه الدعوة نخاطب أهل القبلة أن حيَّ على الفلاح تلبية لنداء الإسلام نداء المهتدين راجين أن يتخذ كافة أهل القبلة عهدا على نحو ما اقترحنا . وفقنا الله لمرضاته. آمين.
    {قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بصيرة ٍ أنا ومن اتبعني وسبحانَ الله وما أنا منَ المشركين}
    الصادق المهدي
    صاحب العهد مع أنصار الله




    نداء الإيمانيين



    في مطلع الألفية الثالثة بعد ميلاد المسيح، وفي منتصف الألفية الثانية لهجرة النبي محمد عليهما الصلاة والسلام، ينبغي للإنسانية أن تقف مع ذاتها تتأمل نموها الروحي والخلقي وتقدمها العلمي والتقني ومصيرها بين العلم والدين.
    1. الإيمان الديني، والانتماء الثقافي، ظاهرتان صحبتا الإنسانية منذ بداية وجودها، وحيثما ظهرت أيديولوجيات ربطت التقدم الإنساني بالتخلي عن الموروثات الدينية والثقافية، تراجعت تلك الأيديولوجيات. وبقى الإنسان متدينا ومتمسكا بهوية حضارية وثقافية. ولكن إزاء تعدد الأديان واختلافها، وتنوع الحضارات والثقافات وصدامها، وترابط مصالح كوكب الأرض عن طريق تقدم العلم والتكنولوجيا: ماذا يجب عمله للتوفيق بين هذا الترابط الموحد بين أطراف الدنيا وذلك التنوع المفرق للجماعات البشرية؟
    هنالك ثلاثة خيارات:
    الخيار الأول: أن يهيمن على البشرية دين واحد وحضارة واحدة.
    الخيار الثاني: أن يطرد الدين من الحياة ويحكم على الموروث الثقافي بالزوال لتحل محلهما قيم عالمية وثقافة عالمية.
    الخيار الثالث: الاعتراف بالتعددية الدينية والتنوع الثقافي كجزء لا يتجزأ من الحالة الإنسانية، على أن تقبل الأديان التسامح والتعايش فيما بينها، وأن تقبل الحضارات والثقافات الإنسانية التعايش والحوار والإثراء المتبادل.
    الأديان العالمية والحضارات الكبرى تطلعت للخيار الأول، فكانت النتيجة نزاعات دموية وصراعات مستمرة لم تؤد إلى فرض الخيار الأحادي.
    الأيديولوجيات الرأسمالية، والفاشستية، والشيوعية، تنبأت بانقراض الأديان وبتخلي الإنسانية عن تنوعها الحضاري والثقافي ليسير العالم وفق حضارة واحدة تفرضها الأيديولوجية الغالبة. وعبر مراحل تاريخية كانت النتيجة انحسار تلك الأيدلوجيات وبقاء الإنسان متدينا ومنتميا ثقافيا.
    إن التجربة الإنسانية عبر القرون أكدت حقيقتين:
    الأولى: أن محاولة طرد الدين من الحياة، ومحاولة القضاء على الهوية الثقافية لن تنجح بل تؤدي إلى مزيد من التمسك بالقيم المراد إعدامها.
    الثانية: أن محاولات إخضاع الحياة لالتزام ديني معين ولتراث حضاري وثقافي ماضوي معين لم تنجح بل عزلت من بيئتها الاجتماعية ومن وسطها الدولي وتلاشت.
    إن ضمير الإنسان الحالي كونته العقائد الدينية. والعقائد الدينية تفاعلت مع العطاء الإنساني لتتحف الإنسانية بعشرين حضارة كبرى وبعشرة ألف ثقافة إنسانية.
    إن العقائد الدينية قد أعطت الإنسانية الطمأنينة النفسية، والرقابة الذاتية، والتحصين الأخلاقي، والهوية الجماعية.
    إن قيمة الاعتقاد الديني والانتماء الثقافي للإنسانية ينبغي ألا تغفلنا عن الأضرار التي لحقت بالإنسانية نتيجة للتعصب الديني والانكفاء الثقافي. هذان العاملان –التعصب والانكفاء- أوقعا أصحابهما في ثلاثة أخطاء فادحة:
    الخطأ الأول: اعتبارهم أن المعرفة، كل المعرفة الإنسانية غيبية نقلية، ورفضهم المعارف العقلية والتجريبية. هذا الخطأ جعلهم أعداء لتطور العلوم واكتشافاتها والأبحاث العلمية واستنتاجاتها.
    الخطأ الثاني: قاسوا ضرورة الالتزام الديني بالقيم الروحية والخلقية بالتزام مماثل أوجبوه في المعاملات الاجتماعية والسياسية.
    إن الأمور الروحية كالإيمان والعبادات، والأمور الخلقية كالصدق، والأمانة، والحكمة، والعفة.. أمور ثابتة والالتزام بها يحقق الفضيلة. أما المعاملات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية فأمور متحركة مع ظروف الزمان والمكان، وتراعى فيها المنافع والمستجدات، وتستوجب اجتهادات ومدخلات إنسانية واجتماعية.. إن محاولة إخضاع هذه الأمور المتحركة لأحكام ثابتة يحقق المضرة.
    الخطأ الثالث: اعتبروا أن الإخلاص لعقيدتهم يوجب نفي العقائد الأخرى ومواجهتها مواجهة دائمة.

    2. منذ ثلاثة قرون اهتز العالم القديم بأديانه، وحضاراته وثقافاته المعروفة اهتزازا عنيفا نتيجة لثلاث ثورات تفجرت في الغرب:
    أ‌- الثورة الصناعية. قادتها الرأسمالية الحديثة وانطلقت في بريطانيا منذ القرن الثامن عشر.
    ب‌- الثورة اللبرالية التي قادتها الثورة الفرنسية وحركة استقلال الولايات المتحدة وأسست النظام الديمقراطي.
    ت‌- الثورة المعرفية التي طورت موروثات الإنسان المعرفية وحققت حرية البحث العلمي والتكنولوجي.
    تلك الثورات صنعت الحداثة. إن عالم الحداثة اعتبر نفسه حاضر ومستقبل الإنسانية، وكتب نعي الولاءات الدينية والهويات الثقافية.
    انقسم عالم الحداثة بين أيديولوجية رأسمالية وأيدلوجية شيوعية جاءت لترث إنجازات الرأسمالية وتقود الإنسان لمصيره الشيوعي الحتمي. ومنذ منتصف القرن العشرين تقاسم النفوذ العالمي معسكران، كل يحاول إخضاع العالم لصورته في نزاع ثنائي استغرق جل النصف الثاني من القرن العشرين.
    خطت الإنسانية خطاها من الثورة الصناعية، إلى القطبية الثنائية التي امتد عمرها حتى نهاية الثمانينات من القرن العشرين. ولكن منذ بداية التسعينيات حتى الآن تشهد الإنسانية ثورة جديدة: ثورة العولمة.
    3. ما هي العولمة؟ وما هو أثرها على عقائد الناس وعلى هوياتهم الثقافية؟:
    ‌أ. هنالك عولمة فرضها إدراك البشر لمصلحة مشتركة في كوكب الأرض ، المقام المشترك للإنسان: الأرض الكوكب الواحد ميراث الإنسانية، والأصول المملوكة للبشرية كأعماق البحار والفضاء، والغلاف الجوي، والقطبان- مملوكات للبشرية كلها توجب نظرة مشتركة في التعامل معها.
    ‌ب. هنالك عولمة فرضها الوعي الإنساني بالمصير المشترك للإنسانية وتوالت المؤتمرات العالمية لتدرس موضوعاتها المختلفة، ولتضع استراتيجية موحدة للتعامل مع مشكلاتها مثل: مؤتمر البيئة 1992، ومؤتمر السكان 1995م، والمؤتمر الاجتماعي 1996م، وهكذا.
    ‌ج. هنالك العولمة التي ارتبطت بها العبارة أكثر من غيرها .. إنها العولمة التي صنعتها ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات والتي حولت المعاملات التجارية والمالية والاستثمارية، إلى سوق عالمي واحد.. هذه العولمة التي مكنت أصحاب السندات والأسهم وطلاب الصفقات التجارية من الانتقال عبر الآليات الإلكترونية بسرعة مذهلة وعلى نطاق عالمي، كما مكنت الشركات المتعددة الجنسية من توزيع عملياتها على نطاق عالمي، ومن نقل خياراتها الاستثمارية حيث التكلفة الأقل والربح الأكبر.
    هذه الوجوه الثلاثة للعولمة: الاستعداد لإدارة الملكية الكوكبية المشتركة، وبرنامج المصير الإنساني المشترك، والسوق العالمي الذي فتحته ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات تمثل عولمة حميدة.
    4. هنالك عولمة خبيثة هي:
    ‌أ. صحبت العولمة ظاهرة "الرأسمالية النفاثة". وهي حماسة للتنافس والربحية تندفع غير مبالية بآثار سلبية إنسانية و اجتماعية لا سيما في مجالين :-
    المجال الأول:- يتوقع أن تؤدي العولمة المرتبطة بالرأسمالية النفاثة إلى تراجع عن دولة الرعاية الاجتماعية في الرأسمالية المتقدمة- كذلك عدم الاهتمام بالآثار السلبية التي تحدثها وسائل الإنتاج الحديثة على توظيف الأيدي العاملة. لقد كانت الإصلاحات التي لجأ إليها النظام الرأسمالي فاهتم بمصالح القوة العاملة، واتبع برامج رعاية اجتماعية، من أهم أسباب صنع السلام الاجتماعي في البلدان الرأسمالية مما أبطل نبوءات كارل ماركس الصدامية.إن تيارات العولمة توشك أن تقوض البرامج الواعية التي أدت للسلام الاجتماعي والاستقرار السياسي. المقولة الصحيحة في هذا الصدد: المجتمع الحر الذي يعجز عن مساعدة الأكثرية الفقيرة من مواطنيه سوف يعجز عن حماية الأقلية الغنية.
    المجال الثاني: تراجع الشمال المتقدم من كل المفاهيم والسياسات التي اقترنت بحوار الشمال والجنوب التي أوجبت اهتمام الشمال بالتنمية في الجنوب كوسيلة من وسائل بناء الاستقرار العالمي. مثلما حققت الرأسمالية سلاما اجتماعيا في أوطانها بسياسات نقابية مستنيرة وببرامج رعاية اجتماعية متقدمة فإن الدول الغنية مطالبة بالاهتمام بتنمية الجنوب الفقير لبناء السلام والاستقرار في العالم. ولكن التيار الراجح في ظل تيارات العولمة هو ترك هذه الأمور كلها لعوامل السوق الحر.. السوق الحر في البلدان الفقيرة لا يمكن افتراض وجوده بل المطلوب القيام بأعمال كثيرة لتكوينه.
    ‌ب. توزيع الثروة والقوة الاقتصادية، والقوة الاستراتيجية في العالم توزيع غير متوازن. لقد أتاحت العولمة بإمكانات الاتصال والمعلومات والمواصلات للقوة الأعظم في العالم فرصة هيمنة إعلامية بحيث تستطيع غسل أدمغة الآخرين، وأتاحت لها فرصة هيمنة اقتصادية واستراتيجية لم يعهد التاريخ مثلها من قبل. إن العولمة في هذه المجالات صارت هيمنة القطبية الأحادية على السياسة الدولية.
    ‌ج. كذلك أتاحت العولمة بالسوق العالمي الواحد، ووسائل الاتصالات والمواصلات والمعلومات فرصة لقوى الجريمة المنظمة لتصبح الجريمة معولمة من حيث التخطيط، والتنفيذ، والتدريب، وحماية عملياتها، وغسيل أموالها، واقتحام السوق التجاري والمالي الاستثماري.
    ‌د. ثورة المعلومات، وطفرة وسائل الإعلام، والاتصالات والمواصلات، أتاحت فرصة هائلة لعولمة ثقافة التسلية الأمريكية، وهي ثقافة رائجة بالغناء الصاخب، والرقص الماجن، والمشروبات الفوارة، والمأكولات المحمولة، والملابس العارية. ومقترنة بسلوك الاستلاب واللامبالاة. إن انتشار ثقافة التسلية يعبر عن وجود فراغ روحي وعاطفي، ويغذيه، ويدفع ضحاياه في كل اتجاه، يحاولون ملء الفراغ الروحي والعاطفي بتكوينات رافضة غريبة، وبالانغماس في الكحوليات والمخدرات. إن المجتمعات الرأسمالية المتقدمة تعاني من أبشع صور المجاعة الروحية والعاطفية.

    .. هذه الوجوه الأربعة من العولمة- الرأسمالية النفاثة، واختلال ميزان الثروة والقوة العالمي، والجريمة الدولية المنظمة، وثقافة التسلية الأمريكية- تمثل عولمة خبيثة.
    5. الجوانب الخبيثة من العولمة استفزت كثيرا من المجتمعات لانفعال مضاد يعادي العولمة، ويلتمس الحماية لاستقراره الاجتماعي في حصون التأصيل الديني والانتماء الثقافي. هذه الانفعالات المضادة للعولمة اتخذت في كثير من الأحيان طابعا متعصبا منكفئا يرفض العولمة جملة وتفصيلا حميدها وخبيثها. بل يعادي الحداثة كلها ويحاول بعث ماض ذهبي معالمه مستقرة في ذاكرة المجتمعات الجمعية تتطلع إليه كلما أحاطت بها التحديات.
    هنالك أسباب مختلفة لانبعاث نداءات التأصيل الديني والثقافي في العالم في الخمس الأخير من القرن العشرين. إن التماس الحماية من استلابات العولمة من أسباب انبعاث تلك النداءات. لقد شهد العالم في الخمس الأخير من القرن العشرين مظاهر تعصب ديني منكفئ هندوسي، ويهودي، ومسيحي، وإسلامي.. إن كثيرا من الإيمانيين ودعاة التأصيل الثقافي التفوا حول هذه المظاهر المتعصبة، وتطاولوا بقهر الرأي الآخر، واستخدموا الإرهاب وسيلة للاحتجاج والتعبير الصارخ عن مواقفهم.
    إن التمادي في العولمة حميدها وخبيثها، دون الاستهداء بايكولوجية إنسانية سوف يزيد من حدة نداءات الاحتجاج الديني والثقافي فتتخذ أشكالا مهووسة عمياء تتيح الفرصة لقوى سياسية - بعضها مخلص لأهدافه المنكفئة، وبعضها انتهازي – لتزعزع السلام الاجتماعي والأمن الوطني والاستقرار العالمي باسم الدين وباسم التأصيل الثقافي.
    إن المفكرين والساسة الذين أسقطوا الدين من معادلة الحياة، واعتبروا الهوية الحضارية والثقافية نفايات سوف تزيل العولمة آثارها، يستشهدون بهوس دعاة التأصيل الديني والثقافي على صحة مواقفهم.
    إن النظرة الاستئصالية التي يقول بها هؤلاء لاستئصال الدين والانتماء الثقافي من الحياة. والنظرة الاستئصالية المضادة التي يقول بها أصحاب التعصب الديني والانكفاء الثقافي رفضا للعولمة، نظرتان صداميتان يمكن لهما أن تقوضا السلام الاجتماعي داخل البلدان، وأن تقوضا الأمن والتعاون الدوليين.
    إننا في هذا المنحنى التاريخي من تطور الإنسانية جدير بنا أن نؤكد مرة أخرى أن الدين هام للحياة البشرية، وأن الهوية الثقافية جزء من تركيب المجتمعات الإنسانية. كذلك جدير بنا أن ندرك أن الإنسانية تخطت الحداثة في حركة تطور لا رجعة منها إلى الوراء، بل تقفز عبر العولمة إلى عالم جديد لا يسعد إنسانه ولا يستقر حاله إذا لم يوازن بين مطالب الأصل ومطالب العصر
    6. إن التمسك بالتأصيل وحده معناه التمسك بوفاء لا مستقبل له، كما أن التطلع للحداثة والعولمة وحدهما معناه التطلع لمستقبل لا وفاء له.
    إننا من منطلق الحرص على وفاء له مستقبل، ومستقبل له وفاء، نؤكد تمسكنا بالميثاق الآتي نداء إنسانيا، وإقليميا، ووطنيا يهدي الإنسانية ويجنبها التدين المتعصب، والانتماء الثقافي المنكفئ، والاندفاع في حداثة مستلبة وعولمة عمياء.



    نداء الإيمانيين



    أولا: الاعتقاد الديني ضرورة للإنسان. ضرورة للطمأنينة النفسية، وللرقابة الذاتية، ولتحصين الأخلاق، وللتماسك الاجتماعي، وللهوية الجماعية. الإيمان حق إنساني اختياري لا يجوز إكراه الإنسان عليه ولا حرمانه منه. إن للحياة معنى روحي، وكذلك لها معنى خلقي، وهي معان نزلت بها رسالات الوحي أو تفتقت عنها الفطرة الإنسانية المتطلعة دائما لاكتشاف معاني الحياة الروحية والخلقية.
    إن الأديان المختلفة هي المسئولة عن تعريف عقائدها. وإن عقائدها كما تعرفها ينبغي أن تجد الاعتراف والاحترام. إن على المجتمع كفالة حرية العقيدة لأصحابها على أن يلتزموا بالامتناع عن فرضها بالإكراه أو نشرها بالقوة بل أن يلتزموا بالتعايش مع العقائد الأخرى ونشر العقيدة بالتي هي أحسن.
    ثانيا: إن الهوية الحضارية والثقافية حق للإنسانية يجب احترامه وكفالته على أن تعترف الحضارات والثقافات ببعضها بعضا، وتسعى للقاح اختياري للإثراء المتبادل، والتواصل النافع لأطرافه.
    ثالثا: حرية الفكر والبحث العلمي أساس لتقدم الإنسانية. إن على الإيمانيين احترام العقل الإنساني والحقائق التجريبية.
    رابعا:إن للإنسان ضرورات ينبغي إشباعها بمعادلة متوازنة، وإلا اختل مزاج الإنسان وقل عطاؤه.. تلك الضرورات هي: روحية- خلقية- مادية- عقلية- عاطفية- بيئية اجتماعية- جمالية- رياضية- ترفيهية.. إن الالتزام الديني السوي يتخذ موقفا محيطا مدركا أن هذه الضرورات مرتبطة بفطرة الإنسان وينبغي توافرها في تربية الإنسان وفي حياته.
    خامسا: إن النظام السياسي الذي يليق بكرامة الإنسان هو النظام الذي يكفل حقوق الإنسان كما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد أن تتم تكملته بإضافة الحقوق الدينية والثقافية، ويكفل حريات الإنسان الأساسية. ويقيم السلطة السياسية على أساس انتخابي حر ومساءلة الحكام بواسطة المواطنين.
    سادسا: إن اقتصاد السوق الحر هو الذي يحقق أعلى درجات التنمية الاقتصادية. على أن يراعي اقتصاد السوق الحر الرعاية الاجتماعية المطلوبة للسلام الاجتماعي والرعاية البيئوية المطلوبة للايكولوجية المستدامة.
    سابعا: لقد صيغت وثائق حقوق الإنسان العالمية في وقت لم تبرز فيه أهمية حقوق الإنسان الروحية والخلقية والثقافية مما يوجب أن تراجع لتكملة ذلك النقص.
    ثامنا: مسيرة الإنسانية أوقعت ظلما على بعض الشرائح الإنسانية: اضطهادا لونيا، ونوعيا.. وشرائح إنسانية مستضعفة لصغر سنها، أو لكبر سنها، أو لأنها معاقة. إن الضمير الديني والخلقي يتبنى إنصاف هذه الشرائح الإنسانية دعما للإخاء الإنساني. كذلك يتعرض العالم لكوارث طبيعية أو من صنع الإنسان.. إن على المنظمات الدينية أن تستعد دائما لاحتواء الكوارث والنكبات.
    تاسعا: الأديان العالمية تدرك أهمية البيئة الطبيعية وضرورة رعايتها. والأديان الأفريقية تركز على التواصل بين أجيال الإنسان حاضرها، وماضيها، ومستقبلها.. كما تركز على التواصل الوثيق بين الإنسان والبيئة الطبيعية.
    ينبغي إعطاء الاهتمام بالبيئة الطبيعية بعدا روحيا وخلقيا لتقديس المحافظة على كوكب الأرض وإعطاء البيئة الطبيعية عافية مستدامة.
    عاشرا: لقد تعولمت أنشطة الإنسان المختلفة مواكبة لمقتضيات العولمة الحميدة. إن الحاجة ملحة لمؤسسة عالمية تكون منبرا للدراسات المشتركة والأبحاث في الأديان المقارنة، والإحصاء، والتوثيق، مما يثري أدب الأديان المقارنة لا من زاوية أكاديمية ولكن من زاوية إيمانية مشغولة ببناء البعد الروحي والخلقي للعولمة وساعية لعمارة الكون بصورة موزونة.



    نداء: حوار الحضارات



    إن ثقافات سكان العالم كثيرة جدا ولكن الحضارات الحية اليوم ثمانية هي :-
    * الحضارة الإسلامية.
    * الحضارة الغربية.
    * الحضارة الصينية.
    * الحضارة اليابانية.
    * الحضارة السلافية الأرثوذكسية.
    * الحضارة الأمريكية الجنوبية.
    * الحضارة الهندية.
    * الحضارة الأفريقية.
    هنالك تشكك لدى بعض الناس حول حقيقة الحضارة الأفريقية.إن في أفريقيا جنوب الصحراء ثقافات عديدة وقد تناول الأستاذ على مزروعي تراث أفريقيا فسماه تراثا ثلاثيا مكونا من : الإسلام - الغرب - الموروث الأفريقي.
    هذا الموروث الأفريقي فيه مؤثرات مشتركة كونت الذهنية الأفريقية ولونت تأثر أفريقيا بالمؤثرات الوافدة. هذه الذهنية الأفريقية انفردت بالتركيز على العلاقة بين البشر والطبيعة وبين المادي وغير المادي، وبين العقلاني والفطري، وبين الأجيال الحاضرة والماضية.. هذه الذهنية يمكن أن تساعد في حل مشاكل معاصرة كإنقاذ البيئة وتحقيق توزيع عادل للحقوق والواجبات بين الأجيال.
    محاذير الصدام بين الحضارات
    الحضارة الغربية بالحداثة أبطلت مفاهيم ونظم العالم القديم في الغرب نفسه. العالم الشرقي والجنوبي ظلا يراوحان مكانهما في ظل الحال الحضاري والاجتماعي الذي كان سائدا في العالم قبل الطفرة النوعية التي أحدثتها ثورات الغرب الثلاثة. واجهت الحضارة الغربية الأجزاء الأخرى من المعمورة بقدرات لا قبل لها بها فأخضعتها إخضاعا تاما واستعمرتها وأقامت في أقاليمها إمبراطورياتها : البريطانية، والفرنسية والألمانية والهولندية والأسبانية والبرتغالية.
    هذه الطفرة مكنت الحضارة الغربية من تحقيق أمرين هامين:
    الأول: تجاوز المفاهيم والنظم الدينية، والسياسية، والاقتصادية الموروثة وإقامة المجتمع الحديث الذي تطور فيه الخطاب الديني، ونظمت أحكامه الدولة الوطنية، وتجاوز المفاهيم القديمة للقوات المسلحة لتكوين جيوش عالية الكفاءة والتسلح والتنظيم والانضباط. وتكوين آلية اقتصادية، وتجارية، ومالية بلغت بالإنتاج والإنتاجية شأوا عظيما.
    الثاني: محاصرة وغزو الثقافات والحضارات الأخرى وإخضاعها جميعا للحضارة الجديدة "الحداثة". هكذا صارت لكل حضارة أخرى مشكلة التعامل مع الحضارة الغربية.
    تطابق موقف كافة الحضارات والثقافات والشعوب المغلوبة على ضرورة التحرر من الاستعمار والتخلص من السلطان الغربي، وبعد تحقيق ذلك التحرر من الاستعمار فإن الموقف من الحضارة الغربية انقسم في كافة الحضارات الأخرى إلى ثلاثة آراء: الرفض التام للحضارة الغربية جملة وتفصيلا- الاستسلام التام للحضارة الغربية- التوسط ما بين المحافظة على الأصالة الحضارية واستصحاب الحداثة.
    لقد ظهر تماما أثناء التسعينيات دور الثقافات التراثية والحضارات العالمية. وظهر أن المجتمعات الأكثر تعرضا لثقافة الحداثة هي الأكثر حماسة للتأصيل الثقافي والحضاري. لقد جاءت حركات التأصيل الثقافي والحضاري بنظم ووسائل عمل مستحدثة وإن كانت ماضوية الفكر والبرامج.

    الغبن التنموي يهدد السلام العالمي
    إن للغرب الاستعماري مسئولية في تخلف البلدان التي وقعت تحت نير الاستعمار. صحيح أن للقيادات الوطنية التي حكمت هذه البلدان بعد استقلالها مسئولية في الإبقاء على التخلف. لكن ينبغي أن نعترف أن النظام العالمي السياسي والاقتصادي والاستراتيجي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية كان نظاما بالنسبة لدول الجنوب –والعالم الإسلامي جزء منه- غير متكافئ.
    والآن إن تحرير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين عالم الجنوب أي جنوب الكرة الأرضية المتخلف، وعالم الشمال المتقدم، وحصول عالم الشمال على أهم أسباب الرقي والتقدم سوف يؤدي إلى اتساع فجوة التنمية بين نصفي الكرة الأرضية بل إن هذا الوضع غير المتكافئ بالإضافة إلى تقصير كثير من قيادات عالم الجنوب سوف يؤدي إلى تهميش الجزء الأكبر من عالم الجنوب. هذا التهميش سوف يؤدي حتما إلى التظلم، والغبن، والاحتجاج.
    ينبغي أن يهتم عالم الشمال كقيادة فعلية للأسرة الدولية اهتماما خاصا بالتنمية في عالم الجنوب لأسباب كثيرة فالاحتجاج والتظلم لا يمكن حصره في عالم الجنوب بل سوف يتعداه إلى الشمال عبر عدد من الوسائل نسميها أسلحة الضرار الشامل، ونذكر منها:

    o الضرر السياسي: من ذلك تكوين مصادر مستمرة لحركات الإرهاب الذي يمكن أن يسمي نفسه أسماء عديدة ولكنه في النهاية احتجاج سياسي يتخذ العنف أسلوبا.
    o القنبلة السكانية التي يمكن أن تنفجر في عالم الجنوب وتكون لها آثار سلبية في كافة أنحاء العالم.
    o القنبلة الأيكولوجية. إن تصرف أي جماعة أو دولة في العالم بطريقة غير مسئولة نحو البيئة والطبيعة سيكون له آثاره السلبية العامة.
    o قنبلة المخدرات. ضبط التعامل مع المخدرات إنتاجا وتوزيعا أمر مهم ولا يمكن تحقيقه إلا على أساس دولي حازم.
    o القنبلة الصحية. إن العالم يشكل بيئة صحية واحدة، وإن علاج الأوبئة والوقاية من المخاطر الصحية يتطلبان مشروعا صحيا عالميا.
    o الهجرة غير القانونية. هذه الظاهرة سوف تستمر وتتصاعد ما لم تعالج أسبابها الأساسية. وعالم الشمال لا يستطيع أن يتعامل معها كظاهرة أمنية فحسب وإن حاول ذلك فلا يحقق إلا نجاحا جزئيا وعلى حساب إلغاء الحريات العامة في مجتمعاته!!..

    العولمة وحوار الحضارات
    ومنذ التسعينيات حتى اليوم استبدت بالعالم ظاهرة العولمة، في العولمة جوانب حميدة وأخرى خبيثة .. الجوانب الخبيثة من العولمة تفرض على المجتمعات الرأسمالية النفاثة، وثقافة التسلية الأمريكية، وتستفزها وتغذي تيارات الأصولية الحضارية والثقافية والدينية المتشددة. كل ذلك ينذر بأطروحة صدام الحضارات.
    إن مناخ العولمة الذي يهيمن على البشرية اليوم يجعل للحضارة الغربية اليد العليا على بقية حضارات العالم، مما يحول دون علاقات صحية بين الحضارات تحقق التعايش والتعاون.إن في الحضارة الغربية تيارات مستنيرة مستعدة للاعتراف بالآخر الحضاري والحوار البناء معه. وفي الحضارة الغربية كذلك نزعات هيمنة تتطلع لإخضاع الحضارات الأخرى لها.
    لقد كانت العلاقات بين الحضارات عبر التاريخ غالبا تنافسية وأحيانا كثيرة عدائية. لكننا اليوم على مشارف القرن الحادي والعشرون ينبغي أن نتناول بحث العلاقات بين الحضارات على ضوء حقيقتين جديدتين هما:
    الحقيقة الأولى: وجود عوامل كثيرة توجب الوفاق العالمي. هي: تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات كفكفت أطراف العالم وجعلته متداخلا. المصلحة الايكولوجية لكوكب الأرض توجب إيجاد خطة مشتركة لبيئة صالحة. تقريب وجهات النظر عالميا وإصدار مواثيق عالمية حول القضايا البيئية- النسوية- السكانية- والاجتماعية. علاوة على إجراء حوارات كثيرة ثنائية وجماعية عبر مؤتمر جميع الأديان وهي كلها تسعى للتسامح والتعايش .
    إن في الإسلام، ولدى كثير من المسلمين، بل غالبية المسلمين، توجها تسامحيا يحترم كرامة وحقوق الإنسان ويسعى للتعامل مع الآخر الملي والدولي بالحسنى. كما أن في الحضارة الغربية كثيرون يدركون مخاطر الهيمنة ويدركون أن مصلحتهم ومصلحة الإنسانية توجب التعايش من اجل مصير إنساني مشترك.
    الحقيقة الثانية: لأول مرة في التاريخ صار الإنسان يمتلك أسلحة دمار شامل قادر على تحطيم العالم بحيث لن يكون في نهاية النزاع غالب ومغلوب كالمعهود في الحروب الماضية. لذلك صار التعايش والتوافق والحوار بين الحضارات اليوم واجبا حياتيا. لم تكن العلاقات بين الحضارات في ماضي الإنسانية متكافئة فبعضها كان معزولا نسبياً كالحضارة اليابانية، ولكن بقية الحضارات تداخلت وتلاقحت وتنافست واحتربت.
    علاقة الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية:
    إن علاقة الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية معقدة لأسباب أهمها:
    1. الحضارة الإسلامية تكمن فيها تيارات مشدودة إلى نجاحها القديم لدرجة تجعلها تظن أن استنساخ ما حدث تاريخيا ممكن. هؤلاء يسقطون نجاح الماضي على الحاضر فيشلون حركته. هؤلاء يعتقدون أن التعامل المشروع مع الأديان الأخرى والحضارات الأخرى هو ذلك التعامل الذي يقاس على سابقه في الماضي ولا مشروعية لأية معاملات تقوم على أنماط مختلفة.
    2. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارة الإسلامية بدرجة عالية من الذعر لأنها الحضارة الوحيدة التي كادت تمتصها بسبب تفوقها الفكري والتكنولوجي والثقافي عليها في الماضي. كما كانت الحضارة الوحيدة التي هددت الحضارة الغربية في وجودها أكثر من مرة. لذلك صار التخوف من الإسلام والمسلمين شيئا عاديا في كثير من النفوس الغربية.
    3. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارات الأخرى بدرجة كبيرة من التعالي وافتراض الدونية. وكان تعاملها مع المسلمين ظالما مهينا غدارا لم يراعوا فيهم إلا ولا ذمة. لذلك صار بغض الغرب وأهله قريبا من نفوس كثير من المسلمين.
    إن إصرار الغرب على التعامل مع الحضارات الأخرى بالتعالي ومع المسلمين بالظلم يغذي مشاعر الكراهية والتنافر في الطرفين ويرفد تيارات التشدد والمواجهة فيهما مما يسوق العالم إلى فترة صدام ظلامية. فترة ظلامية آتية حتما ما لم تهزم الحضارة الغربية نزعات التعالي والظلم فيها، وتنتهج وهي في موقف القوة والهيمنة الحالية نهج الاستنارة الذي يغذي الاستنارة الإسلامية ويسهم في إحلال التواصل بدل الصدام.
    شروط التواصل بين الحضارات
    ذاتية وأنانية الحضارة الغربية تحول دون علاقات صحية بين الحضارات تحقق التعايش والتعاون. إن في الغرب عقول نيرة تدرك ذلك وتتطلع لاستنارة غربية تجعل ذلك ممكنا.
    ظاهرة التشدد الإسلامي في مجتمعاتنا، والتشدد الأصولي في غيرها من المجتمعات، وظاهرة الهيمنة الحضارية في الغرب تياران يبرران ويغذيان بعضهما بعضا ويدفعان بالإنسانية نحو الخصام والصدام. وظاهرة الاستنارة الإسلامية -والاستنارة عند أهل الحضارات المختلفة- وظاهرة الاعتدال الغربي تشكلان تيارين يغذيان بعضهما بعضا ويبرران بعضهما بعضا. فإن تغلبا فإنهما يفتحان أبواب التواصل والحوار البناء ويمهدان لتنوير عالمي يبشر بمستقبل إنساني أفضل. شروط ذلك التواصل هو:
    أولا:-أن يدرك الغرب ويعترف بأن الحضارة الغربية الحديثة حضارة مركبة ساهمت كل حضارات الإنسان السابقة لا سيما الحضارة الإسلامية في تكوينها.
    ثانيا: الاعتراف بأن الحضارات الإنسانية والثقافات الأخرى لها دورها في بناء حاضر ومستقبل الإنسانية، ولا يجوز التعامل معها ككائنات منقرضة أو في طريقها للانقراض الوشيك.
    ثالثا: التسليم بأن منجزات الحضارة الغربية الحديثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية التي نضج عودها في الغرب والصالحة لاستصحاب البشر لها في كافة البلدان، سيتم استصحابها برؤية ذاتية لا بالإكراه، والرؤية الذاتية هذه تشتمل على أقلمة ثقافية واجتماعية تحددها الشعوب المعنية باختيارها.
    رابعا: إدراك أن الظلم الاجتماعي على صعيد الدولة الواحدة مثل الظلم الاجتماعي على الصعيد العالمي.كلاهما يقوض الاستقرار والسلام. إن إزالة الغبن التنموي عن عالم الجنوب والسعي الحثيث لدعم التنمية في عالم الجنوب المتخلف ضرورات لحفظ السلام العالمي.
    خامساً:- إقامة علاقات حوار إيجابية بالحضارات الأخرى على أساس التعلم المتبادل.
    سادساً:- التوصل عن طريق حوار متكافئ قدر المستطاع للاتفاق على غايات إنسانية وأيكولوجية مشتركة.
    سابعا ً:- إدراك أن إن الغرب قد كان سببا أساسيا في تكوين عدد من بؤر النزاع الساخنة، ومهما كانت مسئولية الأطراف المحلية عن استمرار تلك البؤر الملتهبة فإن اعتراف الغرب بدوره في تكوينها واستعداده للقيام بدور تكفيري في علاجها أمر هام وعتبة نحو علاقات دولية سليمة وسوية. أهم تلك البؤر هي:
    o قضية الحق الفلسطيني المغصوب وقيام دولة إسرائيل على حسابه.
    o قضية كشمير وأهلها كشعب متطلع لتقرير مصيره.
    o مسألة جنوب السودان وما كان من أمر سياسة الاستعمار لتطوير الجنوب على أساس مناقض لما في الشمال ثم عكس تلك السياسة في فترة زمانية لم تكف لتكريس الاتجاه الجديد.
    .. ذلك النهج الغربي المطلوب يشكل لنا بيئة خارجية صالحة. ولكن الأهم منها أن نقف نحن المسلمين - ويقف جميع أهل الحضارات- وقفة صدق مع الذات نحاسب أنفسنا ونحسب خطانا لأن تجديد دورنا الفاعل في الحياة يبدأ بصحوة ذاتية.



    خاتمة



    هذه النداءات متداخلة ببعضها البعض، وتتفق في السعي لإيجاد أخوة عامة- إسلامية، دينية، أو إنسانية- للالتقاء على قيم الوئام والتعايش المتبادل وتقبل الآخر. ولا يخفى أنها تستبطن الإيمان العميق بالتعددية الفكرية والسياسية والدينية والحضارية والثقافية، وبالحقوق والحريات الإنسانية سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم دينية، وتسعى لدعمها بصورة موزونة بحيث تنتهي حقوق وحرية أي من الناس حينما تبدأ حقوق وحرية الاخرين.
    لقد وصل الفكر الإنساني الوضعي لكثير من المسلمات وبرامج الإخاء الإنساني التي صاغتها المواثيق الدولية المختلفة. ولكن المأخذ الرئيسي لتلك المواثيق أنها صيغت متأثرة بالتجربة الغربية المادية في طبيعتها، والمواجهة للكنيسة في تجربتها التحديثية، مما سبب غيابا للحقوق الروحية والثقافية في تلك المواثيق، وجعل الانطباع أن الوئام العالمي لن يتحقق إلا بانتفاء التطلعات الدينية والثقافية عند حملتها، وهو ما لم يحدث تاريخيا، بل ان مثل هذه الأفكار تغذي أصوليات دينية وثقافية متزمتة ترمي في سبيل التمسك بجذورها كل أحاديث الحداثة في المرحاض، وتدمر كل أحلام العالم في السلام والاستقرار بما تفجره من حركات متطرفة متعطشة لإرواء حلمها التأصيلي بدماء كل المخالفين.
    إن على الجماعات الإسلامية واجبا أن تفك هذه المعضلة التاريخية وتتواطأ على ميثاق يهدي خطاها فيجعلها رافدأ أصيلا للقيم الإنسانية السامية التي حملها دينها الإسلامي قبل أن يلتفت إليها الفكر الوضعي، ويبعد عنها أشباح الصدام والتردي في دوامة القهر والعنف الماثلة في أغلب أرجاء العالم الإسلامي اليوم، ويعيد للإسلام مركز الصدارة الروحي كدين يحمل في طياته بذرة التطور ويستجيب لتطلعات البشر في جميع الأزمان.. عليها أن تبحث "نداء المهتدين" بكل الجدية والهمة المطلوبة لنصل لميثاق يكفل كل ما ذكرنا.
    وعلى كل حملة الأديان واجب الالتفاف حول ميثاق يعيد الاعتبار للاعتقاد الديني في منظومة العالم الذي يضمن التعايش للجميع ويكفل حقوق البشر الإنسانية على قدم سواء. فهل يكون ذلك الميثاق "نداء الإيمانيين"؟
    كما على كل عقلاء العالم بمختلف توجهاتهم الدينية والفلسفية والحضارية أن يسعوا للالتفاف حول برنامج الحد الأدنى الإنساني الذي يسعى بين البشر لأن لا يكون ضرر ولا ضرار. هذه دعوة لبحث "حوار الحضارات" كأطروحة تسعى لصياغة ذلك البرنامج.
    وعلى الله قصد السبيل.
                  

العنوان الكاتب Date
من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:21 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:23 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:25 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:28 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:30 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:31 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي خضر عطا المنان10-28-10, 07:41 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:20 AM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:32 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:31 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:43 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 06:22 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:00 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:23 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:37 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:40 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:32 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:33 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:34 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-27-10, 08:31 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:39 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:34 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:36 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:44 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:46 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:48 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:59 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي خضر عطا المنان10-28-10, 08:03 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:02 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:06 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:06 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:07 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:22 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:08 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:09 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:10 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:12 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:13 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:17 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:19 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:20 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:21 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:21 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:23 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 10:24 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Amani Al Ajab10-28-10, 10:39 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Amani Al Ajab10-28-10, 10:48 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي معتصم مصطفي الجبلابي10-28-10, 10:42 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:15 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محسن عبدالقادر10-29-10, 04:55 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:20 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:21 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:26 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:46 PM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محسن عبدالقادر10-30-10, 11:20 AM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Basheer abusalif10-31-10, 08:38 AM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:34 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:35 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:39 PM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:41 PM
                Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:42 PM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:43 PM
                    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:46 PM
                      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:50 PM
                        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:55 PM
                          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:59 PM
                            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-29-10, 06:48 PM
                              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 07:17 PM
                                Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محمد صلاح الدين عنقرا10-29-10, 10:50 PM
                                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 07:15 AM
                                    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:04 AM
                                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محمد صلاح الدين عنقرا11-05-10, 11:54 PM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 03:05 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:13 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Amani Al Ajab10-31-10, 01:35 AM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بدر الدين اسحاق احمد10-31-10, 06:13 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 07:14 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 07:35 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 09:21 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 09:33 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي الصادق ضرار10-31-10, 09:53 AM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي اكرام الصادق الحسن10-31-10, 01:58 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 02:24 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-31-10, 09:51 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-31-10, 10:25 PM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-31-10, 10:40 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 07:17 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 08:01 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 04:11 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 08:20 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محمد المختار الزيادى11-02-10, 12:34 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي أسامة البيتى11-02-10, 05:06 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 02:41 AM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 02:44 AM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 02:47 AM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 03:19 AM
                Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:36 AM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:38 AM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:38 AM
                    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:40 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:40 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de