هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 11:39 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-12-2011, 12:14 PM

فاروق عثمان
<aفاروق عثمان
تاريخ التسجيل: 10-22-2010
مجموع المشاركات: 2017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! (Re: فاروق عثمان)

    2
    ولكن ماذا عن المواضعة العرقيّة للتّمركز والتّهميش؟
    نعني بالمواضعة هنا عندما يبدو، أو يكون بالفعل في حالات بعينها، خطاب السّودان الجديد الذي يناضل للقضاء على ظاهرة التّمركز والتّهميش، كما لو تحوّل إلى وضعيّة أيديولوجيّة ملتبسة بالعرقيّة والعنصريّة. أي بدلاً من السّعي والعمل بنبل للتّخلّص من ربقة التّسلّط الأيديولوجي الذي يُمارس باسم العروبة والإسلام، فإذا به يسعى للتّخلّص من العروبة والإسلام في منحى عنصري وفاشيستي بغيض. أو في صورة أخرى أن يحصر مفهوم المركز والهامش في أبعاده الجغرافيّة؛ أو جميع ما ذكرناه أعلاه. بهذا الخصوص، أيضاً، نعى فيصل محمّد صالح (جريدة الصّحافة، العدد 5109، 2 سبتمبر 2007) على الحركة الشّعبيّة تنكّبها للأسس والفكريّة والأخلاقيّة لنظريّة المركز والهامش التي لا تحصره في الجغرافيا أو العرق، وهي الأسس التي لا يني قادة الحركة الكبار عن الإعلان بأنّها نفس المبادئ التي ينطلقون منها، هذا بينما ينحون في لحظات التّعبئة الجماهيريّة إلى إزكاء نار الجهويّة والعرقيّة بإحالة المركز والهامش إلى وضعيّات جغرافيّة وعرقيّة. ويخلص إلى أنّ هناك مفارقة كبيرة لا ينبغي السّكوت عليها بين النّظريّة والتّطبيق.
    وفي الحقيقة لا يمكن إنكار أنّ هناك مواضعة من هذا القبيل، ليس على مستوى الممارسة فحسب، بل حتّى على مستوى التّنظير. فالمواضعة العرقيّة والجغرافيّة لازمت مفهوم التّمركز والتّهميش في الكثير من مراحل تطوّره. فحتّى عند جلال هاشم (منهج التّحليل الثّقافي، ط 4، 1999]، يمكن ملاحظة تعلّق مفهوم المركز والهامش بأهداب الجغرافيا والعرق. وربّما مردّ ذلك إلى أنّ مفهوم المركز والهامش ظلّ في حالة تخلّق مستمرّ، ترفد فيه الممارسة العمليّة بأكبر وأسرع ممّا ترفد به النّظريّة؛ ولعلّ هذا هو نفسه العامل الحاسم الذي جعل المشتغلين بأمر هذه النّظريّة أقرب إلى منتجي وممارسي النّضال اليومي لمناهضة التّمركز والتّهميش، ليس على المستوى النّفسي والمزاجي فحسب، بل على مستوى المشاركة في العديد من أوجه الممارسة ذات الطّابع التّنظيمي، أكان ذلك بين صفوف الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان، أم قوّات التّحالف السّودانيّة، أم حركة تحرير السّودان. فالعناصر الشّبابيّة النّشطة في مدرسة المركز والهامش عادةً ما كان ينتهي بها المطاف كعناصر قياديّة في هذه الحركات. والملاحظ أنّ أغلب المكاتب التّنظيميّة التي وقع عليها عبء تجويد الأداء الفكري في هذه الحركات والتّأهيل المعنوي والتّعبئة الجماهيريّة كان عليها شباب نشطاء من مدرسة المركز والهامش. بهذا يمكن أن يُقال بأنّ مفهوم المركز والهامش تطوّر اعتمالاً Praxis أكثر منه تأمّلاً ونظراً. في هذه المسيرة، التبس المفهوم في بداياته بالعرقيّة والجغرافيا في مُواضَعَة لا تخفى، وهي المُواضعة التي يبدو كأنّما قد تحرّر منها الآن تماماً على المستوى النّظري. ولكن، أكثر من ذلك تُشير دالّة التّطوّر إلى أنّ تيّار التّكامل والتّحمّل يتزايد كلّ يوم مقابل انحسار تيّار التّحامل العنصري والثّقافي، ذلك لأنّ المسألة في الواقع عبارة عن عمليّة Process، وليست مجرّد خطوات ميكانيكيّة واجبة الاتّباع.
    ولكن هذا لا يعني بأيّ حال من الأحوال النّظر إلى ردّ الفعل النّاجم عن السّلوك الاستعلائي بوصفه استعلاءً متوازياً. فالمواضعة العرقيّة التي نتكلّم عنها هنا ليست إلاّ مُنتَجاً ضمن منتوجات ظاهرة التّمركز والتّهميش، واستخدامها للعنصريّة والعرقيّة كأسلحة أيديولوجيّة فتّاكة. نعم، لازمت العرقيّة والعنصريّة البشريّة عبر التّاريخ، ولا يصحّ إحالة شرورها وحصرها في التّمركز والتّهميش. فحتّى في قمّة عداء السّاميّة في الغرب، كان اليهود ينظرون إلى الأوربّيّين نظرةً دونيّة وهم يرزحون تحت نير عدائهم لهم بوصفهم ساميّين. ولكن هذا لم يؤخذ، ولا ينبغي أن يؤخذ، كسلوك موازٍ لعداء السّاميّة به يتمّ تبرير الأخير ولو بصورة جزئيّة مواربة. ولعلّ ممّا لا يختلف فيه إثنان من ذوي النّظر السّليم أنّ المركز استخدم التّمييز العرقي كواحد من أنجع الأسلحة التي برّر بها السّلوك الاستعلائي الذي على أساسه جرى تقسيم النّاس في السّودان، وربّما في العديد من الدّول العربيّة، إلى تراتبيّة عرقيّة أدناها معرّة Stigma وأعلاها مغرّة Prestigma (راجع: جلال هاشم، أن يكون أو لا يكون [بالإنكليزيّة]). بهذا أصبحت لدينا شجرةُ مجتمعٍ جذرُها وجذعُها العبيد؛ ومع ذلك، بدلاً من أن يكون لها طلعٌ كطلع الشّياطين، لها على العكس طلعٌ يُقال لهم "الأشراف"، وبينهما مرحلة بين مرحلتين تتجاذب دنوّاً وعلوّاً، فكان أن تقاسمت الأخيرة إرث الحضارة الإسلاميّة أمويّين وعباسيّين، فلا صاروا بذلك أفارقةً سوداً، ولا أصبحوا عرباً عاربة، فكأن خسروا بأكثر ممّا كسبوا، أو كما قال القائل: فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا (لمزيد من التّفصيل، أنظر: الباقر العفيف، 2002). ثمّ بلغت المأساة قمّتها في دارفور عندما شرع الأفارقةُ السّود ممّن تلبّستهم لوثةُ عروبة الجنجويد في قتل الأفارقة السّود وإفراغ المنطقة منهم، بزعم أنّ الأرض التي وسعتهم بمدى التّاريخ لم تعد قادرة على أن تسع السّادة والعبيد معاً، فتصوّروا!
    تطرّقنا من قبل للعديد من مظاهر التّحامل والتّحامل المضاد، من ذلك مثلاً ما يتعلّق منها بالعلاقة بين النّوبيّين بشمال السّودان وبين إخوتهم بجبال النّوبة، أو بالحرازة بشمال كردفان، أو بشمال دارفور مثل الميدوب، أو بوسط دارفور كالبرقد. وناقشنا أشكال البجاح التي تشيع بين نوبيّي الشّمال والنّظرة الدّونيّة التي يوليها الكثيرون منهم لإخوتهم في الثّقافة واللغة والتّاريخ المشترك (راجع: جلال هاشم، 1997). ولم يكن السّؤال الذي شغلنا ما إذا كان أهلنا في جبال النّوبة يكنّون للنّوبيّين في الشّمال الكراهيّة المشحونة بالحقد، بل إذا ما كان النّوبيّون في الشّمال قد وقعوا في حبائل المركز الأيديولوجيّة التي توهم سواد أهل وسط السّودان وشماله بأنّهم ليسوا سوداً بل قوم بيض من أرومةٍ شريفة، مقابل أناس آخرين كغُثاء السّيل لا يعبأ الله بهم لسواد لونهم ورسوخ أعراقهم في شرك العبوديّة لا لشيء إلاّ لسواد سحناتهم؟ وهل، على هذا، شرع نوبيّو الشّمال في إيلاء إخوتهم من أهل الجبال نظرة دونيّة، قافزين فوق حقائق التّاريخ التي تصرخ بالوشائج والصّلات؟ فحقيقة أنّ النّوبيّين بشمال السّودان يقعون داخل دائرة التّهميش لن تعفيهم من دفع فاتورة العنصريّة البغيضة هذي إذا ما رُصدت بينهم. وإذا ما وقف الواحد منّا بين جموع أهلنا بجبال النّوبة، وشرع في تعبئتهم لمواجهة التّمركز والتّهميش، ومن ثمّ طفح إلى السّطح خطاب التّحامل المضادّ إزاء نوبيّي الشّمال، أو أيّ مجموعة أخرى من لفيف المتحاملين، فآخر ما ينبغي المطالبة به أن يشنّ دعاة فكر المركز والهامش حرباً شعواء لكلّ صوت بينهم ملتبس بالعرقيّة أو حتّى بالجغرافيا في فهمه لطبيعة المركز والهامش.
    وعلى أيٍّ، تبقى الحقيقة، وهي طالما كانت هناك مكامن عنصريّة في العديد من الكيانات التي لا تزال واقعة في شراك وحبايل المركز الأيديولوجيّة، يصبح من الصّعب الأقرب إلى المستحيل ألاّ تكون هناك مردودات مضادّة لها في الجانب الآخر. وعلى هذا يجوز النّظر إلى المواضعة العرقيّة بوصفها إحدى آليّات "تبريد" الغبن عن طريق ردّ التّحامل الممنهج (مثلما عليه الحال في الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة) بتحامل آخر مضاد، لكنّه غير ممنهج وذلك لكونه مجرّد ردّ فعل يجيء استناداً على المبدأ العدلي البسيط الذي يقول "العينُ بالعين، والسّنُّ بالسّنّ". وعلى هذا يكون من حقّ حركة التّغيير أن تستفيد في ترفيع فاعليّاتها التّعبويّة من بؤر الاستقطاب ذات المواضعات العرقيّة والجغرافيّة طالما كان ذلك يدفع بها للأمام تخلّصاً من شيطانها الأكبر ألا وهو المركز.
    ولكن البعض يتساءل، مثلما تساءل فيصل محمّد صالح (مصدر سابق)، عمّا إذا كان في هذا أذىً لأولئك الذين انضمّوا إلى ركب المهمّشين، بالرّغم من أنّهم ينتمون إلى مجموعات جرى العرف عنها، وربّما تعريف النّفس للنّفس، على أنّها تنتمي لأرومة المركز المستعلية؟ هذا ما لا ينبغي أن يحدث إلاّ إذا كان انضمام هؤلاء النّاس لا يعدو كونه مجرّد خدعة القصد منها تدجين وتحييد حركات الهامش. فإذا كان الاستعلاء والتّحامل العنصري والعرقي والنّظر إلى باقي النّاس كما لو كانوا عبيداً يُباعون ويُشترَون في الأسواق ـ إذا كان هذا السّلوك يتّصف باللا إنسانيّة، فما هو أكثر لا إنسانيّةً منه مطالبة ضحايا هذا السّلوك بالعمل على ضبط النّفس وذلك حتّى لا تُجرح مشاعر بعض من صدروا في خلفيّاتهم الثّقافيّة والإثنيّة من ثقافة الاستعلاء. فهذا يُذكّرنا بقصّة الوالد الذي تكفّل بإحضار ابنه المضادّ احتماعيّاً Anti-social إلى ساحة العدالة التي هرب منها، وذلك أملاً في أنّ مثل هذا السّلوك من شأن تقدير الضّحايا له أن يُعلنوا عن عفوهم وصفحهم لابنه. ولكن عندما لم يحدث هذا، قفل عائداً لمنزله وصدره يعلو ويهبط من خيبة الأمل والغضب العارم، ليُعلنها عالية، مدويّة لأهله: "الجماعة طلعوا حاقدين". فمثل هذا لا يعدو كونه استهبالاً أيديولوجيّاً، كم خبره النّاس، وبالأخصّ "ناس" جنوب أفريقيا السّود إزاء جموع البيض الذين أعلنوا في لحظة تضعضع نظام الفصل العنصري عن انحيازهم لعامّة السّود ومناهضتهم لنظامهم العنصري، بينما كان ضمن الأهداف وراء ذلك الرّغبة في تجنيب عامة البيض من أن تشملهم معرّة الجناية ـ أي الجناية التي صدقاً، حقّأً قد لحقت بهم، ألا وهي معاملة السّود كما لو كانوا من غير البشر.
    ما يخشاه المرء في هذا الخصوص أنّ برنامج المصالحة الذي انبنى على المصارحة والحقيقة ربّما لم يجئ إلاّ حلاًّ وسطاً نتيجة قوّة البيض المؤسّسيّة إزاء ضعف السّود المؤسّسي. فإذا تدهورت الأوضاع في جنوب أفريقيا في المستقبل القريب أو البعيد باتّجاه الوضع في زيمبابوي، فقد يكون السّبب وراء ذلك أنّ المسألة كلّها كانت عبارة عن حلّ وسط لوضع استثنائي شاذ ومتطرّف لدرجة تجعله لا يقبل بالحلول الوسطى. ولهذا يجوز القول إنّه إذا كانت معاداة السّاميّة في أوربّا الغربيّة جرماً لا يقبل المسامحة، فإنّ العبوديّة والعنصريّة والفصل العنصري هي الجرم الذي لا يقبل المسامحة في أفريقيا، ولا يمكن أن تسعه في دنيانا مواعين الرّحمة الرّحيبة.

    ثقافة الاعتذار
    نعم، هو واجب، لكن من يعتذر لمن وكيف؟
    جرى في السّنوات الأخيرة حديث كثير حول مسألة الاعتذار، بين من يدعو له بلا تحفّظ وآخر يدعو له بتحفّظ، ثمّ آخرين منهم من يدعو له بشروط من بينها الاعتذار المتبادل، وآخرين يرفضونه جملةً وتفصيلا، إمّا عن عنجهيّة واستخفاف بالموضوع ككلّ، أو عن سذاجة وطيبة تعكسها مقولة "عفى الله عمّا سلف"، وهي مقولة لا تختلف كثيراً في سوئها عن العنجهيّة. ومع أنّ الملاحظ تقدّم حركة المطالبين بالاعتذار، إلاّ أنّها ربّما التبست بحواشي القضيّة حتّى كادت أن تصرفنا عن لبّ الموضوع. كما كاد الموضوع أن يفقد خصوصيّته السّودانيّة عندما عمد البعض إلى مضاهاته بقضايا الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وبلدان أخرى. ولكن ما أقلقنا وكاد أن يختطف الموضوع من فضائه الثّقافي الرّحيب هو اختزاله في الفضاء السّياسي الضّيّق. من ذلك ما كتبه محمّد علي جادين (جريدة الصّحافة، 11/ أغسطس 2007، العدد 623)، معلّقاً على اعتذار باقان أموم (الأمين العام للحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان) لمجمل المدنيّين الذي تضرّروا من الحرب التي قادتها حركته، ثمّ مطالبته باعتذار مماثل من القوى الأخرى بما من شأنه أن "يُبرّد" الغبن المعتمل في صدور أبناء الجنوب وجبال النّوبة ... إلخ. في مقاله الجيّد يُثني جادين على ما صدر من الحاج ورّاق من اعتذار لأهل الجنوب بالنّيابة عن القوى الدّيموقراطيّة والتّقدّم في شمال السّودان "... عمّا لحق بهم من مآسٍ ومظالم وتهميش باسم الثّقافة العربيّة الإسلاميّة في فترات سابقة". كما أشاد بأنّ "... الصّادق المهدي هو أوّل زعيم سياسي شمالي أكّد ضرورة هذه الاعتذارات في 1999م". ثمّ يختم بقوله: "ولذلك علينا أن نعترف أنّ مشكلة الجنوب هي صناعة سودانيّة، تتحمّل مسئوليّتها النّخبة الشّماليّة المسيطرة بشكل رئيسي، والقيادات السّياسيّة الجنوبيّة بدرجة مقدّرة. ومن هنا تنبع ضرورة الاعتذارات المتبادلة بين الطّرفين، بهدف كشف الأخطاء القاتلة، التي أدّت إلى وضعيّة الأزمة الرّاهنة وفتح الطّريق لإجراء مصالحة وطنيّة تاريخيّة تضع الأساس لبناء سودان ديموقراطي موحّد وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدّولي" (المصدر السّابق).
    بالطّبع ليس أيسر من تدبيج الرّدود على ما قاله جادين أعلاه، كان ذلك بالطّعن والتّشكيك مصداقيّة باقان أموم، أو في أهليّة الحاج ورّاق التّرميزيّة لتقديم اعتذاره أعلاه، أو في صدقيّة تأكيد الصّادق المهدي على ضرورة الاعتذار، وهو الزّعيم الطّائفي الذي لا يجوز نطق اسمه دون أن يكون مسبوقاً بلقب السّيادة والإمامة لا لشيء إلاّ للزّعم بنسبٍ شريف. كما يمكن الرّدّ بأنّ مسألة الاعتذارات المتبادلة تُفضي بنا إلى حالة تحييد Neutralization، من شأنها "تنفيس" الموضوع برمّته. ولكن الدّفع القوي (وليس الأقوى) لما قال به جادين أعلاه بخصوص من هم المسئولون عن مشكلة الجنوب يمكن أن يكون بإحالة مسئوليّة التّهميش إلى الصّفوة فحسب، دون أن نتوه في مشارع صفوة الشّمال وصفوة الجنوب بما من شأنه أن يُحيِّد القضيّة ويُلغي استقطابيّتها. فالصّفوة هي الصّفوة ولا اعتبار للجهة الإثنيّة أو الجغرافيّة التي صدرت من تلقائها، وليس أضلّ في مقاربة موضع الصّفوة والتّهميش من الوقوع في شرك الاستقطاب الخطّي (شمال ضدّ جنوب)، ذلك لأنّه يشوّه الصّورة بدلاً من أن يعكسها بأمانة. ولنا أن نلاحظ كيف اخْتُزل الموضوع في الفضاء السّياسي.
    ولكن أقوى الدّفوعات يكون بردّ الموضوع إلى رحابته الثّقافيّة للانطلاق منها نحو فضاءاته الأخريات. علينا أن نواجه الاستعلاء في أصوله الثّقافيّة، تلك التي تربّينا عليها، مستعليين أو مُستعلى علينا. فباقان أموم آخر من يمكن مطالبتهم بتقديم اعتذار لمن وقع عليهم ضرر بسبب الحرب الأهليّة، وهو الذي يحمل على ظهره تركة ثلاثة ملايين قتيل في تلك الحرب الظّلوم، أللهمّ إلاّ أن يكون ذلك تحايلاً لتوريط القوم المكابرين في اعتذارات مماثلة. فولحاجّ وراق أيضاً غير مطالب بأن يقدّم اعتذاراً سياسيّاً حافياً، إذ تعوزه مقوّمات التّرميز السّياسي، كأن يكون رئيس وزراء أو خلافه. ثمّ لا يمكن للصّادق المهدي أن يتصدّى لمهمّة الاعتذار السّياسي لما حاق بأهلنا في جنوب السّودان وباقي بقاعه جرّاء سياساته الوخيمة عندما كان على سُدّة الرّئاسة، ثمّ الاعتذار بعد ذلك عن الاستعلاء، قبل أن يقدّم اعتذاره لخاصّة أهله وأتباعه ممّن ينظرون إليه كما لو كان كائناً نورانيّاً هبط من السّماء. فالاستعلاء الطّائفي الذي يشكّل لُحمة وسدى حزب الأمّة وطائفة الأنصار يقف حاجزاً دون أن يتأهّل الطّائفيّون وزعماء الطّرق الصّوفيّة ومن لفّ لفّهم، لتقديم اعتذارٍ مقبول بهذا الشّأن. لكنّ الحاج ورّاق وغيره ـ مثلُهُم في ذلك كمثل جميع من صدروا عن ثقافات اجتماعيّة ركبها وهم الاستعلاء عرقاً وعنصريّةً ـ في مقدورهم أن يعتذروا عمّا خالج النّفس الأمّارةَ بالسّوء من وهم الاستعلاء والعنصريّة جرّاء النّشأة والتّثاقف. وعلم الله هناك اعتذارٌ يُوجبُ الاعتذارَ عن نفسه، إذ لا يصدر إلاّ عن نفسٍ مستعلية سرّها في هذا الشّأن كونها التي تعتذر وليس التي يُعتذرُ لها. على جميع هؤلاء أن يعتذروا لا عن كونهم صادرين من مجوعات ثقافيّة مصابة بجرثومة الاستعلاء فحسب، بل لأنّ التّنشئة وفق حرايك الاستعلاء تحتاج إلى درجة عليا من جهاد النّفس (وهو الجهاد الأعظم)، عسى به تُنزّه عمّا أصابها من أوشاب العنصريّة البغيضة ممّا جرى مجرى الدّم والنَّفَس والهواء. فهناك فرق كبير بين أن تكون رافضاً وبين أن تكون مرفوضاً؛ بين أن تتقدّم للزّواج برفيقة درب، ثمّ يُرفض طلبُك (ولو بكلّ أدب ورفق) بسبب لونك أو جنسك الذي يُنظر إليه على أنّه ######## (فيك عرق)، وبين أن تكون من أسرة البنت التي رفضت، حتّى لو كنت من المتحمّسين لهذه الزّيجة الضِّيزى. فالمسافة بين نشوئك الاستعلائي منذ طفولتك وبين لحظة اكتشافك لذاتك السّويّة قد يفصل بينهما جسر صغير، بينما تجري تحته مياهٌ كثيرة. فقدومُك إلى ساحة الاعتذار مستصحباً معك امتيازات الاستعلاء يجرّدك من شرف الاعتذار، دع عنك نبله.
    بعد هذا يمكن أن نلج إلى الاعتذار في فضائه السّياسي. وهنا علينا أن نستصحب ذات المحذور أعلاه، وألاّ نأتي إليه مستصحبين امتيازات الاستعلاء. وهذا ما كنّا قد انتقدنا فيه دوافع العديد من المثقّفين السّودانيّين، الذين يبدو كما لو كانوا متّفقين معنا في عدم جدوى استمرار القهر والاستعلاء، لا بوصفه جرماً إنسانيّاً ووطنيّاً ينبغي المعاقبة عليه في أحسن الأحوال والاعتذار عنه في أسوئها، بل بوصف ذلك ممّا لم يعد عرب السّودان يحتاجون إليه الآن لبلوغه غاياته القصوى واستنفاده لطاقته، ثمّ لأنّ الإدانة الشّفاهيّة لن تحول دون الاستفادة من الامتيازات المكتسبة والتي أصبحت شيئاً أقرب إلى الحقّ المكتسب، والتي تقوم في بعض حوانبها النّفسيّة على أفضليّة أن تكون مُعْتَذِراً بدلاً عن أن تكون مُعْتَذَراً لك. وكنّا وفق فهمنا هذا قد وسمنا إدانتنا لحركة الآفروعروبيّة ومن بعدها السّودنوعروبيّة (جلال هاشم، "السّودانوعروبيّة أو تحالف الهاربين:، 1999). إذن فالاعتذار ليس واجباً فحسب، بل هو أضعف الإيمان طالما كان في فضائه السّياسي. لكن نبل الاعتذار يأتي عندما نُقاربُه في فضائه الثّقافي، وعندما تبلغ بنا شجاعة الذّات مستوى اجتراح النّقد الذّاتي الشّجاع بأن نخوض في جوّانيّاتنا فنقتلع جذور الاستعلاء الخفيّة والعميقة، ثمّ بعد ذلك نأتي إلى ما ظهر منها فإذا به ذابل معصوف.

    طبيعة الصّراع والتّراوح الأيديولوجي
    نخلص من كلّ هذا إلى أنّ الهامشيّة أو المركزيّة لا تتحدّدان بالعرق أو الجغرافيا أو الثّقافة ولو التبست في حيلها بكلّ هذا؛ فالهامشيّة أو المركزيّة تتحدّدان بالموقف الأيديولوجي. وفي رأينا، ينبغي لقوى الهامش أن تُدرك مواضع أقدامها الأيديولوجيّة بوضوح وبنضج فكري. وهذا يتأتّى باجتراح برنامج أو منافيستو يُسمّي الأشياء بمسمّيّاتها دون الغمز إليها واللمز. وضرورة اختطاط مثل هذا المنافيستو تتمثّل في ضرورة فرز "الكيمان" بما يجعل الذين يقفون على أرضيّة أيديولوجيّة واحدة ومتّفقة يعرفون أنفسهم، وبالتّالي يقومون بالتّنسيق اللازم فيما بينهم. وفي المقابل يُتيح مثل هذا المنافيستو فرصة إبعاد العناصر والمجموعات ذات التّباين والاختلاف والتّضادّ الأيديولوجي، بما يسمح لنفس هذه الجهات بمعرفة مواقع أقدامها الأيديولوجيّة، وبالتّالي القيام بالتّنسيق اللازم لتوحيد جهودهم. إذن وضع مثل هذا المنافيستو سيكون في خدمة الجميع، وذلك لأنّه سيقوم بفرز "الكيمان"، أي لا ينبغي له أن يكون برنامج حدٍّ أدنى، بل على العكس من ذلك برنامج حدّ أقصى.
    والأمر كهذا، على حركات الهامش ألاّ تنطلق في تقييم وبناء أحلافها من الأبنية الأيديولوجيّة العتيقة التي صدرت منها أغلب التّنظيمات فقط، بل ينبغي أن يستند تقويمها أيضاً على التّوقيع على هذا المنافيستو الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض. فالأيديولوجيا ليست جسماً إستاتيكيّاً جامداً وثابتاً، ولذا يصبح من الممكن والمحتمل أن تتغيّر المواقف الأيديولوجيّة، الأمر الذي يجوّز، وربّما يحتّم، مراجعة تصنيف أيّ حركة أو تنظيم بناءً على ذلك. وفي الحقيقة يمكن للإقصاء عندما يطول به العهد ويستمرّ بوصفه سياسة متّبعة داخل نظام حكم بعينه أن يغيّر من مواقع العديد من القوى التي ربّما كانت تنتمي لأيديولوجيا المركز. ويمكن بكلّ يسر ملاحظة هذا الحراك والتّراوح ما بين مواقع المركز أو مواقع الهامش بين صفوف العديد من الحركات والتّنظيمات ذات الأساس الأيديولوجي الإسلاموعروبي (بعض حركات القوميّة العربيّة، والحركات الإسلاميّة).
    بخصوص هذا المنافيستو لا مشاحة من أن نذكر أنّ الأسس الفكريّة والأيديولوجيّة التي ينبغي أن يقوم عليها تتمحور حول: الدّيموقراطيّة التّعدّديّة؛ العلمانيّة؛ حقوق الإنسان والمجموعات الثّقافيّة؛ الفيدراليّة؛ الشّفافيّة والمحاسبيّة؛ السّلم المحلّي والإقليمي والعالمي؛ كلّ ذلك بما من شأنه أن يُتيح تماسكاً أيديولوجيّاً جيّداً، بغية الوصول إلى أداء تنظيمي أجود، في سبيل تفكيك آليّات التّمركز والتّهميش، وتقليم أظافر الاشتطاط وغلواء الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة المنافية حتّى للعروبة والإسلام ـ أيّ المبادئ التي لخّصتها قيم حركات الهامش: الحرّيّة؛ العدل؛ والسّلام.

    الحرب الأهليّة: النّظريّة والممارسة
    الاستقطاب الأيديولوجي: خطّيّاً ودائريّاً
    في سبيل تأمين تحكّمها على مؤسسة الدولة وعلى رقاب العباد، اتّبعت الصفوة المهيمنة على المركز العديد من الحيل. من ذلك تقسيم السّودانيّين إلى مجموعات خطيّة متقابلة: الأفارقة السّود (العبيد) مقابل العرب البيض (الأشراف)؛ ثم العرب نفسهم يتمّ تقسيمهم إلى عدّة مجموعات متقابلة، مثل الأشراف وأبناء القبائل العاربة مقابل الأعراب البدو. هذه التّقسيمات الخطّيّة القائمة على العرق تقابلها تقسيمات أخرى قائمة على الجغرافيا بتحميلات عرقيّة لا تخفى: الشمال (عربي، مسلم) ضد الجنوب (أفريقي، مسيحي)، أولاد الغرب (الغرّابة) ضد أولاد البحر (أولاد البلد، أي أولاد العرب). روّج المركز الذي سيطر على مؤسّسة الدّولة لهذه التّقسيمات حتى أصبحت بمثابة مفاهيم نمطيّة فشت في ثقافة وسط السّودان النّيلي وشماله. وقد استمرّت هذه العمليّة لزمن طويل حتّى وصلت في النّهاية حدّ التّمييز العنصري والاضطهاد، ولهذا نهضت المناطق التي وصلت حدّاً لم يمكنها معه تحمّل المزيد من هذا الاضطهاد بوجهيه الثقافي والتنموي، فقاومت بضراوة بلغت الآن مستوى الحرب الأهلية. عليه، كان الغرض من هذه التّقسيمات تحييد أكبر قدر من المجموعات المهمّشة، ريثما يتمكّن المركز من احتواء مجموعات بعينها تشكّل تهديداً مباشراً. فالتّقسيم الأيديولوجي الحقيقي الذي يعكس هذا الوضع هو تقسيم دائري: مركز يحيط به هامش، وليس التقسيم الخطي [لمزيد من التفاصيل، يراجع: محمد جلال هاشم، "السّودانوعروبيّة أو تحالف الهاربين"، 1999].

    الحرب الأهلية: حرب الهامش ضد المركز
    الحرب الأهليّة في السّودان لم تكن أبداً حرب الجنوب ضدّ الشّمال، كما إنّها ليست حرب دارفور ضدّ الشمال، أو حرب الشّرق أو جبال النّوبة أو الإنقسنا ضدّ الشّمال. فغداً إذا حمل المناصير والنّوبيّون أو الرّباطاب أو الشّايقيّة السّلاح (وهذا أمر لا ينبغي استبعاده بالنّظر إلى ما يجري الآن هناك)، فضدّ أيّ شمالٍ يا تُرى سيكون ذلك؟ فمن ينظر لمسألة لحرب الأهليّة بهذا المنظور الخطّي يكون قد فاتت عليه الدّلالات الدّائريّة من حيث كونها حرب قوى الهامش ضدّ المركز. ومن يفوت عليه هذا، يكون قد فاته قطار السّودان الجديد فكراً ونضالاً. فالمناطق التي وصلت حدّاً لم يمكنها معه تحمّل المزيد من هذا الاضطهاد والتّهميش بوجهيه الثّقافي والتّنموي، نهضت مقاوِمةً بضراوة بلغت الآن مستوى الحرب الأهليّة. وتتساوق وتيرة اندلاع الحرب الأهليّة طرديّاً مع درجة التّهميش والاضطهاد، إذ بدأت في الجنوب فجبال النّوبة والإنقسنا، فالشّرق ثم دارفور و عموم الغرب. ولنلاحظ أنّ الحرب في الجنوب بدأت عام 1955م، بينما لحقتها جبال النّوبة والإنقسنا بعد ذلك بأكثر من ثلاثة عقود. هذا لأنّه يمكن القول بأنّ جبال النّوبة والإنقسنا كانتا لا تزالان تحت خطّ التحييد، فالتّقسيم الخطّي (شمال ضدّ جنوب) كان لا يزال تأثيره عليهما سارياً؛ ثمّ بعد ذلك جاء أهلنا في جبهة الشّرق ثمّ في دارفور ... وهكذا إلخ. والآن هاهم أهلنا النّوبيّون، وهاهم أهلنا المناصير قد بدأوا في حراكهم، وحتماً سيلحق بهم آخرون إلى أن يكتمل تفكيك ماكينة التّمركز والتّهميش.

    الحرب الأهليّة: مرحلة الأنانيا
    تبدأ الحرب الأهليّة كردّ فعل تحكمه الضّرورة؛ وهذه هي المرحلة الأوّليّة منها دائماً، وهي المرحلة البسيطة من الحرب الأهليّة. وغاية ما تبلغه الحرب الأهليّة في مرحلتها هذه وقف العدوان بالرّدّ ما أمكن، ثم باستصراخ النّاجدين (المجتمع الدّولي)، وقلّما تنجح حتّى في هذا إلاّ بعد أن تُذهق أرواح الآلاف إن لم يكن الملايين من المدنيّين الأبرياء والذين يُشكّل الأطفال والنساء العدد الأكبر منهم. ثمّ من بين أنين الجرحى ونحيب الثاكلات وصراخ الأطفال ومرارة فقدان الأمّ والأب والزوجة والأخ والأخت ثم الابن والبنت، ثم مضاضة الإحساس بالضعف أمام القوّة الغاشمة، يتولّد الغبن النّبيل، والذي يتفجّر عن قوّة هائلة لكنّها أحاديّة الرّؤية لا ترى إلاّ شيئاً واحداً هو ردّ الأذى، والذي غالبا ما يتداخل مع دائرة الانتقام والتّشفّي. في كل هذا والحرب الأهليّة لا تزال في مرحلتها الأوّليّة، وهيهات لها أن تحقّق وهي في حالتها هذي نجاحاً يُذكر بخلاف الرّدّ بالمثل ردّاً للأذى من جانب، وإلحاقاً له من جانب آخر إشفاءً للغِلّ والغبن. هذه هي حرب الأنانيا، بحكم أن حركة الأنانيا قد خاضت حروبها وهي لا تزال في هذه المرحلة الأوّلية البسيطة.

    الحرب الأهليّة: مرحلة الحركة الشّعبيّة
    تُشرق شمس الخلاص من ظلامات القهر ومرارات الهزيمة وجراحاتها، وذلك عندما تتحوّل الحرب الأهليّة إلى مشروع نهضوي يعمل نظريّاً وعمليّاً على تغيير الواقع الذي أدّى إلى إشعال الحرب بدءاً، وهذه هي المرحلة المركّبة من الحرب، وهو ما دشّنته الحركة الشعبية لتحرير السّودان بحكم أن الحروب التي خاضتها كانت من هذا النوع. وما المشروع النهضوي هنا إلاّ مشروع السّودان الجديد بتحريره من ربقة آليّات التّمركز والتّهميش؛ هذا وإن كانت الحروب التي خاضتها الحركة الشّعبيّة لم تبلغ مرحلة حروب التّحرير واستشراف آفاق السّودان الجديد، وفي هذا نظر، فتأمّل. فهي قد دشّنت المشروع، بيد أنّها ظلّت مشدودة بخيوط الماضي إلى مرحلة بين المرحلتين، هي ما نسمّيها بمرحلة الحركة الشّعبيّة.
    فالحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان صدرت أوّل أمرها من واقع حروب الأنانيا في إطارها الثّقافي والإثني المتعلّق بجنوب السّودان، فكان لزاماً عليها أن تتعامل مع ذلك الواقع باعتباره معطى. ولكن مع ذلك تمكّنت الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان من كسر الطّوق المضروب أيديولوجيّاً حول جنوب السّودان من قبل المركز، وتمكّنت من أن تضمّ إليها حركات جبال النّوبة وجبال الإنقسنا، فضلاً عن النّجوم الزّاهرة الشّفيفة التي كسرت بدورها الطّوق وقَدِمَت من المناطق والثّقافات التي يا طالما ركبها الوهم الأيديولوجي بأنّها متميّزة ثقافيّاً وعرقيّاً. بيد أنّ جميع ذلك كان محكوماً إلى حدٍّ كبير بذات العوامل الجيوبوليتيكيّة الخاصّة بمرحلة بين مرحلة الأنانيا ومرحلة حروب التّحرير التي دشّنتها الحركة.
    كلّ هذه العوامل أغرت الدّول الغربيّة التي صاغت إتّفاقيّة نيفاشا بإمكانيّة إعادة حشر الحركة الشّعبيّة داخل أحذية الأنانيا مرّةً أخرى، إذ ضغطت عليها كيما تُقبل على إتّفاقيّة السّلام باعتبارها حركة جنوبيّة لا غير. هذا الأمر ترك الحركة الشعبية (رائدة نضال القوى المهمّشة والأب الرّوحي لمشروع السّودان الجديد) في وضع حرج للغاية، وهو وضع يُفصح عنه واقع الحال دون المقال. ولكن في مقدور الحركة الشّعبيّة أن تحوّل هذا الحرج إلى فتح كبير في مجال الرّيادة والقيادة، إذا ما غيّرت من تكتيكاتها المتّبعة حاليّاً في مرحلة ما بعد نيفاشا، حسبما سيأتي أدناه.

    الحرب الأهليّة: مرحلة التّحرير
    بالنّظر إلى الحروب الأهليّة الدّائرة الآن في دارفور والشّرق (وما سيتلوها) نلاحظ أنّها وإن كانت قد تأثّرت كثيراً بالحركة الشّعبيّة في رؤاها، وحتّى في مسمّياتها، إلاّ أنّها في واقع الأمر قد باشرت النّضال من مرحلة الأنانيا. وذلك لأنّ أيّ حرب أهلية لا بدّ لها أن تبدأ بمرحلة الأنانيا طالما كانت حرباً أهلية. فمرحلة الأنانيا أشبه بمرحلة الصّبا والمراهقة في عمر الإنسان إذ لا يلبث أن يتجاوزها. وهذا بالضبط ما حدث الآن، فحروب دارفور والشّرق والإنقسنا وجبال النّوبة تجاوزت مرحلة الصّبا والشباب، وما ذلك إلاّ بفضل ما رفدت به الحركة الشّعبيّة. بيد أن التحدّي الحقيقي لا ينكفئ على تجاوز مراهقة الأنانيا، واستشراف مرحلة الحركة الشّعبيّة لأن هذا حادثٌ لا محالة. يكمن التحدّي الحقيقي في تجاوز العوامل التي صاحبت قيام الحركة الشعبية لتحرير السّودان وذلك باستصحاب دروسها وعبرها.
    أول هذه الدّروس والعبر الظّروف والعوامل الجيوبوليتيكيّة التي جعلت الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان تطرح نفسها تنظيميّاً كوعاء جامع لقوى السّودان الجديد، بدلاً من أن تسعى سعياً آخر أكرم وأكثر ديموقراطيّة. فمؤشّر النّضال الخاص بالحركة الشّعبيّة، بوصفها تنظيماً متعيّنا في الزّمان والمكان (أي دون اعتبار كونها مشروعاً وطنيّاً مفتوحاً)، قد بدأ من أفقيّة الحياة العاديّة والسّلميّة، ثمّ تدرّج صاعداً في مضمار الحرب رأسيّاً حتّى بلغ أعلى درجة، ومن ثمّ شرع في النّزول مرّة أخرى إلى أفقيّة الحياة العاديّة السّلميّة ببيّنة التّوقيع على اتّفاقيّة نيفاشا. ولكن المؤشّرات النّضاليّة الخاصّة بباقي وأغلب قوى الهامش نراها في حالة الصّعود رأسيّاً. أي أنّ دالّة النّضال لدى الحركة الشّعبيّة بعيد التّوقيع على اتّفاقيّة نيفاشا، لم تعد تسير في ذات الاتّجاه الذي عليه دوالّ أغلب حركات الهامش الأخرى ـ وفي هذا قد تدخل مناطق كجبال النّوبة والإنقسنا، فتصوّر! فإذا كنتَ تتّجه نزولاً، بينما الآخرون يتّجهون صعوداً، لا يبقى أمامك غير التّنسيق مع هذه القوى الصّاعدة، بأن تعمل على جمع قوى الهامش في تحالف كبير اعترافاً منك بخصوصيّة كلّ تجربة نضاليّة. ذلك بدلاً من أن تفترض بأنّ الجميع ينبغي أن يذوب ويندمج في الوعاء التّنظيمي الخاص بالحركة الشّعبيّة، مثلما رأينا في بعض الحركات التي فعلت هذا، ففقدت بوصلتها النّضاليّة.
    ولا يظنّنّ أحد أنّنا ندعو إلى تجاوز الحركة الشّعبيّة، أو إلى إضعاف موقفها؛ لا! بل على العكس من ذلك، ندعوها إلى أن تعي دورها في هذه المرحلة، وهو دور أخطر بكثير ممّا قامت به وهي في حالة الحرب. فالأصل في الأشياء أن تجري الحياةُ على نسق السّلم والطّمأنينة؛ وما الحربُ الأهليّة إلاّ حالة اضطراريّة مصيرها إلى زوال. عليه، النّضال سلميّاً أعمق وأبقى من النّضال عبر الحرب. وما من حركة اضطرّتها ظروفُها إلى حمل السّلاح وإعلان الحرب على الدّولة التي تعيش في كنفها، ثمّ لم تُولِ قطاعاتها المدنيّة السّلميّة ما تستحقّ من تنظيمٍ ورصٍّ للصّفوف، إلاّ وباءت بالفشل والخسران المبين. والآن، وقد ألقت الحركة الشّعبيّة عصا ترحالها نُشداناً للسّلم، هي في أفضل وضع لتعي تماماً أنّ الجيش الشّعبي لتحرير السّودان لم يكن في الواقع أكثر من الجزء البارز لجبلٍ جليدي مدنيّ وسلمي في جزئه الأكبر. ويكمن النّجاح، كلّ النجاح، في تنظيم وتعبئة هذا الجزء الأكبر غير البارز من جبل الجليد. فإذا جاز القول بأنّ ريادة الحركة الشّعبيّة في تدشين حرب الهامش ضدّ المركز قد تأكّدت، لا يجوز القول بأنّ بقاءها على قيادة حركات الهامش أمر مؤكّد أيضاً.
    فكيما تحافظ الحركة الشّعبيّة على قيادتها لقوى الهامش، عليها أن تتخلّى عن طموحها غير الواقعي في أن تكون وعاءً جامعاً لقوى الهامش، وذلك إمّا بالاندماج أو الذّوبان فيها ـ ولا فرق بينهما. فعدم واقعيّة هذا التّوجّه يكمن في تعاكس اتّجاه دوال النّضال في الحركة الشّعبيّة من جانب، وفي باقي حركات الهامش من جانب آخر. إذن ما الذي يمكن أن تفعله الحركة الشّعبيّة إزاء هذا التّضاد في اتّجاه الدّوالّ النّضاليّة؟ عليها أوّلاً أن تسعى إلى إقامة تحالف عريض لجميع قوى الهامش، لا تذوب بموجبه حركة في أخرى، أو العكس. ثمّ عليها بعد ذلك، وهذا هو الأهمّ، أن تعمل على رصّ صفوف قطاعات الهامش المدنيّة، أي الجزء غير البارز من جبل الجليد النّضالي لحركات الهامش. فحركات الهامش ذات الخطّ البياني الصّاعد رأسيّاً، لن يكون في مقدورها أن تقوم بهذا، ذلك لأنّها بحكم الحرب ستكون بعيدة عن مواطن المدنيّين، بينما ستكون الحركة الشّعبيّة قريبة منها. ليس هذا فحسب، بل ستجد الحركة الشّعبيّة القطاعات المدنيّة للحركات الأخرى تتشوّف لليوم الذي تمدّ فيه الحركة يد التّعاون والتّكاتف.

    الحرب الأهليّة: بناء السّودان الجديد
    في الجانب الآخر، على الحركات الصاعدة في الغرب والشرق ثم في جبال النّوبة، ثمّ في شمال السّودان، أن تستمدّ من تجربة الحركة الشّعبيّة الدّروس والعبر، أوّلاً بإدراك المقاصد الإنسانيّة السّامية في مشروع تفكيك آليّات التّمركز والتّهميش؛ وثانياً في تجاوز محدوديّات الحركة الشّعبيّة، وذلك تدشيناً لمرحلة التّحرير الحقيقيّة، إن سلماً أو حرباً. والمدخل إلى جميع ذلك أن تتواضع على تأسيس تحالف جبهوي عريض يهدف إلى تحقيق مشروع السّودان الجديد. في هذا التّحالف لا مجال لأن تذوب أيّ مجموعة في مجموعة أخرى، فكلّ واحدة لها جسمها المستقلّ داخل هذا التحالف. هذا الأمر من شأنه أن يتيح للحركة الشعبية المشاركة فيه من على مستوى القيادة والقاعدة، روحيّاً وفكريّاً، سياسيّاً وميدانيّاً. هذه النّقلة ضروريّة للغاية، ذلك لأنّ من ظنّ أنّ الحرب الأهليّة في السّودان قد دخلت في خريف عمرها، ربّما يكون قد ارتكب خطأً كبيراً. فالحرب الأهليّة الحقيقيّة في السّودان، من حيث كونها حرباً تعمل لتحقيق مشروع تحرير السّودان من ربقة آليّات التّمركز والتّهميش وشطط الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة، وهو مشروع واضح في سماته الفكريّة والتّنفيذيّة والتّنظيميّة ـ هذه الحرب ربّما لم تبدأ بعد.
    حتّى في حال انفصال جنوب السّودان في غدٍ أو بعد غدٍ، قد يكون ذلك لخير حروب الهامش ضدّ المركز. فلجوء حركات الهامش والمعارضة عموماً لدول الجوار، مثل مصر، أريتريا وغيرها، جعلها جميعاً تتعرّض لأبشع أنواع المساومة بما لا يخدم مصالح السّودان، كما أوقع بعضها في حبائل هذه المساومة التي سعت لاستغلال مآسينا. في حال انفصال جنوب السّودان، ستجد هذه الحركات الملاذ الآمن والحضن الدّافئ؛ وهذا لا يعني أنّ إخوتنا في جنوب السّودان لن تكون لهم أجندة خاصّة بهم في حال انفصالهم. لكن، اتّباعاً للطّبيعة البنيويّة الفصوصيّة لأغلب مجتمعاتنا، وهي الطّبيعة التي يلخّصها المثل القائل "أنا وأخي على ابن عمّي؛ وأنا وابن عمّي على الغريب" ـ اتّباعاً لهذه الطّبيعة، يجوز لنا أن ننظر إلى المسألة بمنطق "مساومة الأخ الشّريك في الوطن الكبير، ولا مساومة الغريب". هذا إذا كان ما سيقوم به الإخوة الجنّوبيّون ممّا يجوز النّظر إليه على أنّه مساومات. وعلى أيّ حال يمكن لحروب التّحرير وتحقيق السّودان الجديد أن تبدأ من الجنوب، تفكيكاً للمركز وآليّات التّمركز والتّهميش وشطط وغلواء الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة. أي تحريراً للسّودان وتحقيقاً لمشروع السّودان الجديد الذي دعا له الشّهيد جون قرنق.

    تحالف تنظيمات الهامش
    الطّبيعة الأفقيّة والرّأسيّة لتنظيمات الهامش
    بخصوص توحيد قوى الهامش، علينا أن نمايز بين نوعين منها: 1. التّنظيمات الأفقيّة، و 2. التّنظيمات الرّأسيّة. الأفقيّة نعني بها تلك التي تُمثّل قطاعات عريضة من الشّعب حتّى لو كانت محدودة بالحدود الثّقافيّة والإثنيّة، أو الجغرافيّة الإقليميّة. فهذه طالما كانت برامجها وطنيّة وقوميّة، لا سبيل إلى اتّهامها بالجهويّة. وفي الحقيقة تُشاركها في خصيصة الأفقيّة هذه تنظيمات وطنيّة أخرى، لكن قد يصعب إن لم يكن مستحيلاً، تصنيفها في خانة "قوى الهامش"؛ كمثل لهذه التّظيمات يمكن أن نذكر الأمّة والاتّحادي، والجبهة الإسلاميّة (قبل التّشتّت الإنقاذي الذي كما لو ذهب بريحهم). فهذه جميعُها تنظيمات ذات جماهير عريضة، الأمر الذي يجعلها بالفعل أفقيّة، دون أن تنتمي بالضّرورة إلى قوى الهامش، وذلك ببيّنة برامجها ومواقفها الأيديولوجيّة. أمّا تنظيمات الهامش الأفقيّة، فعادةً ما تنشأ كردّ فعل لظرف خاص بمنطقة بعينها أو مجموعة ثقافيّة بعينها (مثل حالة المناصير أو النّوبيّين أو البجا أو الإنقسنا ... إلخ). وأكثر ما يُعهد في مثل هذه الحركات، بالإضافة إلى نبل النّضال الذي تقوده، فقدانُها لأيّ تجويد نظري لمسألة النّضال الذي يخوضون غماره. فهي إذا كانت تملك جماهيريّة جاهزة، إلاّ أنّها ربّما افتقدت النّضج الفكري والنّظري،وليس بالضّرورة العملي منه ـ هذا باستثناء الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان، والتي دفع بها طول العهد بالنّضال إلى مراقي عالية من النّضج الفكري النّظري التي ربّما لم تواتِ الكثير من المثقّفين. وفي الحقيقة يعود نجاح الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان في الصّعود رأسيّاً في الوقت الذي لم تفقد فيه تمدّدها الأفقي، إلى تجويدها لأطروحتها الفكريّة. وهذا هو نفسه السّبب في الجماهيريّة التي داهمتها بعيد التّوقيع على اتّفاقيّة نيفاشا، حتّى أمكن القول بأنّ مواعين الحركة التّنظيميّة قد ضاقت عليها.
    والملاحظ في الأمر أنّ باقي التّنظيمات الأفقيّة غير المنتمية إلى قوى الهامش تُعاني أيضاً من عدم تجويد أدائها الفكري والنّظري. في هذا علينا أن نتأمّل ولوغها في وحل الطّائفيّة واستحالة فكاكها منها، أو أن نتأمّل أطروحاتها التي في أغلبها لا تخرج عن كونها شعارات إسلاميّة بلا رؤية فكريّة واضحة، وليس أدلّ على ذلك من الخواء الفكري والبرامجي الماحق الذي تكشّف عن حركة الإخوان المسلمين المسمّاة بالجبهة الإسلاميّة ممثّلةً في نظام الإنقاذ. من جانب تنظيمات الهامش الأفقيّة، أوضح ما يكون القصور الفكري النّظري في الطّريقة التي يُعبّر بها العديد من قيادات حركات الهامش عن أهدافهم وبرامجهم. إذ قد تبدو الغرارة والبراءة، إن لم تكن السّذاجة، في الكثير من الإفادات المتحصّلة من أغلب قياداتهم. وللتّعويض عن هذا النّقص، قد تلجأ هذه الحركات للاستعانة بعدد من أبنائها الذين ربّما تلقّوا تدريباً وتأهيلاً تنظيميّاً وفكريّاً في تنظيمات سياسيّة أخرى.
    أمّا التّنظيمات الرّأسيّة فنعني بها تلك التي لا يمكن أن تُحال إلى وضعيّة إثنيّة بعينها، وذلك انطلاقاً من برامجها وأفكارها النّظريّة (دون الغوص في الماورائيّات الأيديولوجيّة). ومثل هذه التّنظيمات عادةً ما تنشأ وتزدهر بين الطّبقة المتعلّمة والمثقّفين، ولهذا كان من الطّبيعي والمتوقّع أن يتّسم أداؤها الفكري بدرجة عالية من التّنظير. ووصفناها بأنّها رأسيّة، لأنّها قد تصعد في مراقي الفكر النّظري باضطراد يتساوق عكسيّاً مع أشراط الجماهيريّة الأفقيّة؛ ولهذا عادةً ما تنكفئ هذه التّنظيمات على الطّبقة المثقّفة والمتعلّمة ـ هذا باستثناء تجربة الحزب الشّيوعي السّوداني في فترة الخمسينات والسّتّينات من القرن العشرين، وذلك عندما نجح في اختراق العديد من القطاعات الطّبقيّة العمّاليّة والزّراعيّة والحرفيّة، فكوّن له فيها جماهيريّة ربّما لم تتأتَّ لغيره، ولا له هو نفسه بعد ذلك. ثمّ وصفناها بأنّها رأسيّة لأنّها تنمو رأسيّاً من ناحية بناء العضويّة، وذلك بتحرّي الاستقطاب، ثمّ التّأهيل الفكري والتّنظيمي، دون أن تُصيب قدراً كبيراً في التّمدّد والانتشار الأفقي الجماهيري.
    في هذا ربّما تُمثّل حركة الإخوان المسلمين استثناءً أيضاً، باعتبار أنّها من التّنظيمات الرّأسيّة (المنكفئة على الطّبقة المثقّفة والمتعلّمة ببيّنة نشأتها الأولى) التي نجحت في أن تتحوّل إلى تنظيم أفقي، أي إلى تنظيم جماهيري (ببيّنة جماهيريّة الجبهة القوميّة الإسلاميّة). ولكن، يمكن الدّفع بأنّ هذه الحركة، بالرّغم من صدورها أوّل أمرها من تلقاء الطّبقة المثقّفة والمتعلّمة، لا يمكن تصنيفها كتنظيم رأسي، وذلك ببيّنة غياب التّأسيس الفكري النّظري في جميع مراحلها، بدءاً بحسن البنّا انتهاءً بحسن التّرابي. فهي لم تنشأ فقط على الشّعارات الجماهيريّة الفضفاضة، بل انكفأت عليها ولا تزال حتّى الآن. وهذا ربّما كان مردّ تحوّلها السّريع، نسبيّاً، إلى الأفقيّة والجماهيريّة، ثمّ تحوّلها مؤخّراً إلى مجرّد حركة طائفيّة، حتّى كادت أن ترث طائفتي الختميّة والأنصار في العديد من بيوتاتها المتّشحة بثوب الدّين و/أو الصّوفيّة، فضلاً عن تميّز أرستقراطي زائف يعتمد على تقسيم النّاس إلى أشراف وسادة وأتباع وعبيد ... إلخ.
    وبالنّظر إلى واقع اليوم، يستطيع المرء أن يقول باطمئنان كبير إلى أنّه من غير المنظور في المستقبل القريب أن تتطوّر هذه التّنظيمات الرّأسيّة لتصبح ذات ثقل جماهيري أفقي ـ هذا إن كان مقدّراً لها أن تتحوّل أصلاً إلى تنظيمات أفقيّة. في نفس الوقت لا يمكن أن نطلب من تنظيمات الهامش الأفقيّة أن توقف عجلة النّضال قليلاً ريثما تقوم بتجويد أدائها الفكري النّظري. لهذا نرى ضرورة أن تتّحد قوى الهامش بشقّيها، الرّأسي والأفقي، حيث تقوم التّنظيمات الأفقيّة بحشد الجماهير، وتقوم التّنظيمات الرّأسيّة بتجويد الأداء الفكري النّظري، كلّ ذلك وفق المنافيستو الذي أشرنا إلى ضرورة اختطاطه أعلاه. وبهذا تكون قوى الهامش قد سلكت طريقاً مختصرة، به احتفظت على تمدّدها الأفقي الجماهيري، كما تكون قد حقّقت لنفسها مراقي سامقة في الصّعود الرّأسي فكراً ونظراً.
    ولإعطاء صورة مقرّبة عمّا نتصوّره بخصوص تحالف قوى الهامش، دعونا نتأمّل الصّورة التّحالفيّة التّالية والتي تجري افتراضاً في مسرح سلمي. فلنتصوّر دائرة انتخابيّة مثل الكلاكلات بجنوب الخرطوم، من المشكوك فيها أن تخلو من أيّ واحدة من المجموعات الثّقافيّة السّودانيّة. دعونا نتصوّر تحالفاً عريضاً للمجوعات التّالية التي تخوض الحملة الانتخابيّة بموجبه، واسمحوا لنا بالتّركيز على المجموعات الكبيرة كمثال فقط:
    شمال السّودان: النّوبيّون؛ المناصير، الشّايقيّة، الرّباطاب، وجميع المتأثّرين ببناء الخزّانات والسّدود بشمال السّودان؛
    شرق السّودان: هنا يمكن أن نذكر: البجا بمختلف بطونهم وقبائلهم؛ الرّشايدة؛ الفولاني؛ الهوسا؛ البرقو؛ لكنّنا دعونا نكتفي بذكر المجموعات المنتسبة لمؤتمر البجا.
    غرب السّودان: بالطّبع يمكن أن نذكر، على سبيل المثال: الفور؛ الميما؛ الزّغاوة؛ الميدوب؛ البرقد؛ الدّاجو؛ المساليت؛ وأيّ مجموعات أخرى؛ لكنّنا هنا سنكتفي بذكر المجموعات المنتسبة إلى حركة تحرير السّودان بجميع فصائلها، وذلك ببيّنة برنامجها الذي يتّفق والمؤشّرات التي ذكرناها أعلاه بخصوص المنافيستو الجامع لحركات الهامش.
    جبال النّوبة: ولا نحتاج إلى أن نضرب أمثة بهذا الخصوص، إذ يكفي أن نذكر منسوبي الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان؛
    جبال الإنقسنا وأعالي النّيل الأزرق: يمكن أن نذكر في هذا المقام العديد من المجموعات الثّقافيّة، ولكنّنا سنكتفي بمنسوبي الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان.
    جنوب السّودان: سنكتفي هنا أيضاً بمنسوبي الحركة الشّعبيّة لتحرير السّودان، وذلك تجنّباً لذكر عدد لا متناهي من المجموعات الثّقافيّة.
    وسط السّودان: وهنا لا نُريد أن نتورّط بذكر مجموعات بعينها، بالرّغم من قناعتنا بأنّ التّهميش يشمل المجموعات الثّقافيّة التي تعيش بوسط السّودان، حتّى العربيّة المسلمة منها؛ وإلاّ فيم وكيف انضمّ الرّشايدة، الذين ينظر إليهم البعض بوصفهم أصرح العرب، إلى ركب القوى المهمّشة؟ ولكن، في المقابل، لا يمكن لنا أن نتجادل مع النّاس حول ما إذا كانوا ينتمون إلى المهمّشين أم لا. فإذا لم تكتشف مجموع بعينها حقيقة كونها مهمّشة، لا يجوز لنا أخلاقيّاً أن نقسرها على تعريف نفسها على هذا النّحو. ولكن هذا لا يعني البتّة أن نُعامل مثل هذه المجموعات على أنّهم ينتمون إلى المركز. فهؤلاء مكانهم محفوظ ولا ينتظر غير إعطاء الإشارة بأنّهم قد اكتشفوا تهميشهم ليحتلّوا أماكنهم هذه. ولنا أن نتذكّر أن وسط السّودان في أغلبه ما هو إلاّ الهامش السّودانوأفريقي معاد إنتاجه ثقافيّاً وأيديولوجيّاً ليعطينا الهامش السّودانوعروبي. فإذا أرادت مجموعة بعينها أن تقطع خطّ الأيديولوجيا من وإلى، فهذا مشروع ولا ينبغي استنكاره. إذن ينبغي لنا أن نتوقّع من العديد من أبناء ومجموعات الهامش بوسط السّودان الانضمام إلى هذا التّحالف الافتراضي.
    ومع هذا، لم نكن نعني هذه المجموعات عندما ذكرنا "وسط السّودان"، بل كنّا نعني تنظيمات الهامش الرّأسيّة، والتي تجوز إحالتها إلى أيّ بقعة بالسّودان بنفس القدر الذي يجوز عدم إحالتها إلى أيّ بقعة ـ حسب الحالة المعيّنة. فأحزاب مثل: حركة القوى الحديثة (حق)؛ حزب المؤتمر السّوداني؛ الحزب الشّيوعي السّوداني، منظّمة العمل الاشتراكي، وغيرها كثير، يمكن أن تنضمّ إلى هذا التّحالف، فتزيد من قدرته في إدارة المعركة فنّيّاً وتكتيكيّاً، ثمّ فكريّاً وأيديولوجيّاً. ليس هذا فحسب، بل هناك تنظيمات أخرى كانت إلى وقت قريب ممّا لا يمكن حسبانها إلاّ ضمن كتلة تنظيمات المركز، مثل البعثيّين والنّاصريّين، ثمّ بعض التّنظيمات ذات التّوجّه الإسلامي الديموقراطي، قد مرّت بمراحل مخاض متأخّرة، بها أدركت أنّها لا يمكن أن يكون لها مجد في السّودان إذا لم تعترف بشطط الغلواء التي تُمارس باسم العروبة والإسلام، ممّا شملناه في مصطلح الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة. هذه التّنظيمات تبدو كما لو كانت جاهزة لخوض معاركها الفكريّة القادمة من خندق القوى المهمّشة. وإفساح المجال وتقبّل مثل هذه الحركات لا ينبغي النّظر إليه من زاوية المصالح التّكتيكيّة التي تتمثّل في إمكانيّة درء تهمة معاداة العروبة والإسلام بخطّة كهذي؛ ينبغي التّعامل مع هذا التّحوّل بقدر عالٍ من الشّفافيّة والمصداقيّة، وذلك إلى أن تُبدي لنا الأيّام ما قد يكون خافياً، وليس أسوأ من سوء الظّنّ. فابستعادة ما ذكرناه أعلاه من أنّ مصطبة الهامش ليست جامدة إستاتيكيّة، وأنّ الإقصاء الممنهج ممّا شهدناه في سنيّ الإنقاذ، من شأنه جميعاً أن يُحدث تغييرات كبيرة في البنية الأيديولوجيّة والديموغرافيّة لقوى الهامش. والمحتكم هنا كما ذكرنا المنافيستو الذي ينبغي أن يتمّ اختطاطه بوصفه برنامجاً جبهويّاً يتحرّى الحدّ الأقصى وليس الأدنى. بالطّيع يمكن الدّفع بأنّ البرامج الجبهويّة لا يمكن أن تقوم على الحدّ الأقصى، ولكن في المقابل في زمن الاستقطابات الحادّة ولحظات أن تكون أو لا تكون، يمكن للبرنامج الجبهوي أن يقوم على الجدّ الأقصى. عليه، إذا أبدى حزب الأمّة استعداده للتّوقيع على مثل هذا المنافيستو، عندها يصبح حزب الأمّة ضمن قوى الهامش، وعلى هذا فقِس.
    إذن نعود إلى تصوّر القوّة التي يمكن أن يمخّض عنها تحالف بهذا الحجم. في رأينا لا توجد في السّودان حتّى الآن أيّ قوّة تنظيميّة، فرديّة أو تحالفيّة، يمكن أن تهزم مثل هذا التّحالف العريض. وفي رأينا إقامة مثل هذا التّحالف تصبح ضرورة وطنيّة، ينبغي العمل من أجلها، بصرف النّظر أكانت هناك انتخابات أم لم تكن؛ أي إن حرباً أو سلماً. فهذا أو الطّوفان! ذلك لأنّ المخاطر التي تُحدق بالسّودان جعلتنا في موضع أن نكون أو لا نكون (في ذلك راجع: محمّد جلال هاشم، أن يكون أو لا يكون: السّودان على مفترق الطّرق، بالإنكليزيّة، 2004م).
                  

العنوان الكاتب Date
هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-07-11, 08:30 AM
  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-07-11, 08:48 AM
    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-07-11, 09:06 AM
      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Murtada Gafar04-07-11, 09:23 AM
        Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! سامي صلاح محمد04-07-11, 09:35 AM
          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Kabar04-07-11, 11:19 AM
            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! حامد بدوي بشير04-07-11, 11:44 AM
              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-07-11, 11:56 AM
              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! محمد ادم الحسن04-07-11, 12:28 PM
                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! nada ali04-07-11, 01:53 PM
                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Abdel Aati04-07-11, 07:25 PM
            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Murtada Gafar04-07-11, 01:47 PM
              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! عبد المنعم ابراهيم الحاج04-07-11, 05:02 PM
            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-07-11, 04:12 PM
            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-07-11, 05:23 PM
          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-07-11, 04:06 PM
            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-07-11, 04:33 PM
              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! سامي صلاح محمد04-07-11, 04:59 PM
                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Nazar Yousif04-07-11, 06:22 PM
                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! سامي صلاح محمد04-07-11, 08:39 PM
                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Mohamed Adam04-07-11, 09:18 PM
                      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-07-11, 10:26 PM
                        Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-07-11, 10:33 PM
                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-07-11, 10:57 PM
                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-07-11, 11:10 PM
                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-07-11, 11:15 PM
                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! محمد ادم الحسن04-07-11, 11:16 PM
                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-07-11, 11:49 PM
                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! سامي صلاح محمد04-07-11, 11:27 PM
                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! سامي صلاح محمد04-07-11, 11:28 PM
                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-07-11, 11:59 PM
                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! سامي صلاح محمد04-08-11, 00:31 AM
                                      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! عبد المنعم ابراهيم الحاج04-08-11, 01:19 AM
                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 00:34 AM
                                      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! قاسم المهداوى04-08-11, 01:15 AM
                                        Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 02:23 AM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 02:41 AM
                                        Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 02:23 AM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 02:30 AM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Abdel Aati04-08-11, 04:43 PM
                                        Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Kabar04-08-11, 02:28 AM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Kabar04-08-11, 02:33 AM
                                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Kabar04-08-11, 03:01 AM
                                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Murtada Gafar04-08-11, 07:14 AM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 02:37 AM
                                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 02:50 AM
                                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 02:51 AM
                                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 03:00 AM
                                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 03:00 AM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Kabar04-08-11, 03:10 AM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 03:22 AM
                                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 03:30 AM
                                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! عبد المنعم ابراهيم الحاج04-08-11, 04:30 AM
                                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Abdel Aati04-08-11, 04:25 PM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 03:28 AM
                                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 03:42 AM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! أمير عثمان04-08-11, 03:29 AM
                                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 03:34 AM
                                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 03:51 AM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 03:59 AM
                                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 04:09 AM
                                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 04:04 AM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-08-11, 06:15 AM
                                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! أمير عثمان04-08-11, 01:02 PM
                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Murtada Gafar04-08-11, 07:25 AM
                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Nazar Yousif04-08-11, 07:48 AM
                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! محمد ادم الحسن04-08-11, 09:36 AM
                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 01:58 PM
                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 02:19 PM
                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 02:40 PM
                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-08-11, 02:31 PM
                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 02:53 PM
                                      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 03:05 PM
                                        Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! الصادق اسماعيل04-08-11, 05:05 PM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! احمد الامين احمد04-08-11, 05:23 PM
                                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! الصادق اسماعيل04-08-11, 05:38 PM
                                          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! كمبورة04-08-11, 05:41 PM
                                            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Murtada Gafar04-08-11, 06:16 PM
                                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! عبد المنعم ابراهيم الحاج04-08-11, 07:14 PM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Yassir Tayfour04-08-11, 08:25 PM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Yassir Tayfour04-08-11, 08:33 PM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! عبد المنعم ابراهيم الحاج04-08-11, 08:46 PM
                                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Abdel Aati04-08-11, 11:49 PM
                                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Abdel Aati04-09-11, 01:31 AM
                                                      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Abdel Aati04-09-11, 01:46 AM
                                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Nazar Yousif04-08-11, 07:43 PM
                                                Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-08-11, 08:36 PM
                                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 09:00 PM
                                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 09:24 PM
                                                    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! كمبورة04-09-11, 05:50 AM
                                                  Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Yassir Tayfour04-08-11, 09:00 PM
                              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-08-11, 11:07 PM
    Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Tragie Mustafa04-08-11, 09:02 PM
      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Khalid Kodi04-08-11, 09:52 PM
      Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 10:00 PM
        Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 10:16 PM
          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 10:24 PM
            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 10:34 PM
              Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Bashasha04-08-11, 10:41 PM
            Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! Yassir Tayfour04-08-11, 11:01 PM
          Re: هديه ل(لجنة الرؤيه) ب(قطاع الشمال) مقال للدكتور الباقر العفيف! عبد المنعم ابراهيم الحاج04-08-11, 10:49 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de