قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 09:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عثمان عبد الرحيم موسى(Osman Musa)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-08-2009, 04:14 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش

    جدارية
    ..

    هذا هو اسمكَ
    قالتِ امرأة
    وغابت في الممرّ اللولبي...
    أرى السماء هُناكَ في متناولِ الأيدي.
    ويحملني جناحُ حمامة بيضاءَ صوبَ
    طفولة أخرى. ولم أحلم بأني
    كنتُ أحلمُ. كلُّ شيء واقعيّ. كُنتُ
    أعلمُ أنني ألقي بنفسي جانباً...
    وأطيرُ. سوف أكون ما سأصيرُ في
    الفلك الأخيرِ. وكلُّ شيء أبيضُ،
    البحرُ المعلَّق فوق سقف غمامة
    بيضاءَ. واللا شيء أبيضُ في
    سماء المُطلق البيضاء. كُنتُ، ولم
    أكُن. فأنا وحيد في نواحي هذه
    الأبديّة البيضاء. جئتُ قُبيَل ميعادي
    فلم يظهر ملاك واحد ليقول لي:
    "ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟"
    ولم أسمع هتَافَ الطيَبينَ، ولا
    أنينَ الخاطئينَ، أنا وحيد في البياض،
    أنا وحيدُ...
    لا شيء يُوجِعُني على باب القيامةِ.
    لا الزمانُ ولا العواطفُ. لا أُحِسُّ بخفَّةِ
    الأشياء أو ثقل
    الهواجس. لم أجد أحداً لأسأل:
    أين "أيني" الآن؟ أين مدينة
    الموتى، وأين أنا؟ فلا عدم
    هنا في اللا هنا... في اللا زمان،
    ولا وُجُودُ
    وكأنني قد متُّ قبل الآن...
    أعرفُ هذه الرؤية وأعرفُ أنني
    أمضي إلى ما لستُ أعرفُ. رُبَّما
    ما زلتُ حيّاً في مكان ما، وأعرفُ
    ما أريدُ...
    سأصير يوماً فكرةً. لا سيفَ يحملُها
    إلى الأرض اليباب، ولا كتابَ...
    كأنها مطر على جبل تصدَّع من
    تفتُّحِ عُشبة،
    لا القُوَّةُ انتصرت
    ولا العدلُ الشريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً طائراً، وأسُلُّ من عدمي
    وجودي. كُلَّما احترقَ الجناحانِ
    اقتربت من الحقيقةِ. وانبعثتُ من
    الرماد. أنا حوارُ الحالمين، عَزفتُ
    عن جسدي وعن نفسي لأكملَ
    رحلتي الأولى إلى المعاني، فأحرقني
    وغاب. أنا الغيابُ، أنا السماويُّ
    الطريدُ. سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً شاعراً،
    والماءُ رهنُ بصيرتي. لُغتي مجاز
    للمجاز، فلا أقول ولا أشيرُ
    إلى مكان. فالمكان خطيئتي وذريعتي.
    أنا من هناك. "هُنايَ" يقفزُ
    من خُطايَ إلى مُخيّلتي...
    أنا من كنتُ أو سأكون
    يصنعُني ويصرعُني الفضاءُ
    اللانهائيُّ
    المديدُ.
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصيرُ يوماً كرمةً،
    فليعتصرني الصيفُ منذ الآن،
    وليشرب نبيذي العابرون على
    ثُريّات المكان السكّريِّ!
    أنا الرسالةُ والرسولُ
    أنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    هذا هوَ اسمُكَ
    قالتِ امرأة،
    وغابت في ممرِّ بياضها
    هذا هو اسمُكَ، فاحفظِ اسمكَ جيِّداً!
    لا تختلف معهُ على حرف
    ولا تعبأ براياتِ القبائلِ،
    كُن صديقاً لاسمك الأفقَيِّ
    جرِّبهُ مع الأحياء والموتى
    ودرِّربهُ على النُطق الصحيح برفقة
    الغرباء
    واكتبهُ على إحدى صُخور الكهف،
    يا اسمي: سوف تكبرُ حين أكبرُ
    الغريبُ أخُو الغريب
    سنأخذُ الأنثى بحرف العلَّة المنذور
    للنايات.
    يا اسمي: أين نحن الآن؟
    قل: ما الآن، ما الغدُ؟
    ما الزمانُ وما المكانُ
    وما القديمُ وما الجديدُ؟
    سنكون يوماً ما نريدُ (...).



    الشاعر محمود درويش
                  

10-08-2009, 04:24 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    أنتصر درويش على الموت
    بعد نجاح العملية الجراحية الأولى
    فى باريس 1998
    فكتب الجدارية
    ( أيها الموت أنتظرنى )
    فتأدب الموت وانتظر درويش 10 سنوات .
    ..
    نتابع حوارات شاعرنا الجميل فى السنوات العشر
    مع الموت .
                  

10-08-2009, 05:22 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)


    محمود درويش شاعر لا يتردد الناقد من أن يضع اسمه مقروناً بصفة الكبير، فهو واحد من الشعراء الكبار حقاً، هؤلاء الذين أكسبوا القصيدة الجديدة (قصيدة التفعيلة) شرعية تجعل من المستحيل على الزمن مهما طال أن يتجاهلها أو يتنكر لما حققته في حقل الإبداع الحديث من جمالية التشكل واستنهاض الغافي والمسكوت عنه من خلال مفارقات المعاني وظلال الإيقاع.
    اشتهر محمود درويش على مدى عقدين من الزمن أو أكثر قليلاً بالقصائد الطويلة التي تتألف من كم لا محدود من الموجات الشعورية والوجدانية تحمل القارئ إلى عوالم وفضاءات لم يكن يحلم بالوصول إليها -شعرياً- أو حتى الاقتراب من تخومها المشبعة بفيوض من المعاني الشفافة المترعة بأنواع من الأحاسيس والدلالات المتناغمة، ساعده في بناء هذه المطولات خيال باذخ ولغة مطاوعة وسردية درامية وقدرة على توليد الصور الرائعة التي تؤكد قدرة الشعر على الصياغة الملحمية دون أن يفقد التعبير توازنه الشعري وحيويته أما في مجموعته الأخيرة (كزهر اللوز أو أبعد) فقد عاد إلى كتابة القصائد القصيرة (تضم المجموعة الجديدة أربعاً وثلاثين قصيدة، وليس أربعاً أو ستاً، كما ذهب إلى ذلك زميل من نقادنا الشبان في حوار ساخن جرى منذ أيام حول هذه المجموعة).
    مع محمود درويش نستعيد الثقة بالشعر المعاصر الذي ظن البعض أنه وصل في مسيرته التاريخية مرحلة الاصطدام بالجدار المسدود، كما نستعيد معه متعة القراءة الشعرية، لا لأن قصائده زاخرة بالصور الجميلة والأحاسيس الصادقة وحسب؛ وإنما لأنه يفتح عين القلب كذلك على شعر في أنقى وأصفى مستوياته الإبداعية ويجعل القارئ - وهو في قمة تفاعله ونشوته - يصرخ: هذا هو الشعر: حين تطيل التأملَ في وردةٍ جرحت حائطاً، وتقول لنفسك: لي أملٌ في الشفاء من الرمل
    - يخضرُّ قلبك...
    حين ترافق أُنثى إلى السيرك ذات نهارٍ جميلٍ كأيقونةٍ... وتحل كضيف على رقصة الخيل
    - يحمرُّ قلبك...
    حين تعد النجوم وتخطئ بعد الثلاثة عشرَ، وتنعس كالطفل في زرقة الليل
    - يبيضُّ قلبك.... حين تسير ولا تجد الحلم يمشي أمامك كالظل
    - يصفرُّ قلبك... (ص21)
    هذا شعر كالحلم توقظك كلماته المغسولة بالضوء، وكل فقرة من فقراته تشعرك بالارتواء والرغبة في معاودة القراءة والرحيل في عوالمه الواقعية والمتخيلة.
    -2-
    يتحدثون كثيراً -أعني النقاد- عن القضية الكبرى التي كان محمود درويش وما يزال المعبر الأول عنها، ثم ينسون أنه شاعر، وان الشعر قضيته الأولى التي تعطي للقضية الكبرى كل شيء ولا تأخذ منها سوى القليل شأن دم الفدائي الشهيد الذي يعطي للوطن ولا يأخذ سوى تحية الوداع، وحديث النقاد الطويل حول العلاقة بين شعر محمود درويش وقضيته جعله منذ وقت ليس بالقصير يشعر بما يشبه الغصة أو المرارة من النقاد طبعاً، وربما أدرك في وقت من الأوقات أن قضيته التي هي في حقيقة الأمر قضية كل العرب والمبدعين منهم بخاصة، قد تكون مصدر تحديد لإبداعه وإدراجه ضمن فريق متسع من الشعراء وتكون تهديداً لطموحه الشعري الذي لا تحده حدود ولا تحاصر رؤيته الواسعة مساحة ولا إطار.
    وإذا كانت القضية قد امتلكت عقل محمود - وليس في ذلك أدنى شك - فإن الشعر بالمقابل امتلك روحه وسكن وجدانه، وبسببه افتقد متعة الاستقرار الاجتماعي واستسلم لحالة من الحنين الموجع إلى زمن تختفي معه مكامن الأسى، وتجمد معه جذوة الإحساس الطاغي بالفقد، وهذا ما لم يحدث لشاعر آخر في فلسطين أو في بقية الأقطار العربية والعالم.
    وربما كانت مجموعته الأخيرة هذه بغنائيتها الشجية وقصائدها القصيرة المستقلة عن بعضها أقدر على جعل القارئ يلمس هذه الحقيقة بوضوح وبساطة وأن يقترب من الهواجس والخلجات التي تشكل أهم المعاني الإنسانية المستحضرة في هذا الحنين الغامض المتوهج: هو، لا غيره من ترجَّل عن نجمةٍ لم تصبه بأي أذى.
    قال: أسطورتي لن تعيش طويلاً ولا صورتي في مخيلة الناس - فلتمتحني الحقيقةُ، قلت له: إن ظهرتَ انكسرتَ، فلا تنكسر، قال لي حزنه.....: إلى أين أذهب؟ قلت إلى نجمةٍ غير مرئيةٍ أو إلى الكهف -قال : يحاصرني واقع لا أجيد قراءته، قلت: دوِّن إذنْ، ذكرياتك عن نجمةٍ بَعُدتْ وغدٍ يتلكأُ، وأسأل خيالك: هل كان يعلم أن طريقك هذا طويلْ؟ (ص31)
    -3-
    من تحصيل الحاصل القول بأن الشاعر كلما أطال قصائده اتسعت مساحة حرية التعبير لديه، وأن كل شاعر حقيقي يتمتع بمخيلة مفتوحة لا نهائية الرؤى والصور، إلاَّ أن ذلك لا يعني أن حرية الشاعر تصبح محدودة أو مغلقة حينما يكتب القصائد القصيرة التي تمنحه -دون شك- القدرة على التركيز والتكثيف مما يجعل القارئ أكثر قدرة على معايشة التجربة واحتوائها، ونحن في هذه المجموعة الشعرية لمحمود درويش أمام حصيلة رائعة من القصائد القصيرة المحملة بالمعنى الفني والموضوعي، وليس شرطاً أنه كلما كانت القصيدة قصيرة استحوذت على إعجاب القارئ ومنحته المزيد من المتعة العميقة، هناك قصائد طويلة لها التأثير نفسه لكن القصائد القصيرة تتميز بأنها تستحضر التأثير الأسرع.
    يضاف إلى ما سبق استقلال قصائد (المجموعة) عن بعضها خلافاً لما أبتنت عليه الأعمال السابقة للشاعر الكبير ذات الموضوع الموحد والبناء المتسلسل: ها هي الكلمات ترفرف في البال - في البال أرضٌ سماوية الاسم تحملها الكلماتُ. ولا يحلم الميتون كثيراً، وإن حلموا لا يصدق أحلامهم أحدٌ... ها هي الكلمات ترفرف في جسدي نحلةً نحلةً... لو كتبت على الأزرق الأزرق اخضرّتِ الأغنيات وعادت إليَّ الحياة وبالكلمات وجدت الطريق إلى الاسم أقصر... لا يفرح الشعراء كثيراً، وإن فرحوا لن يصدقهم أحدٌ... قلت: ما زلت أحيا لأني أرى الكلمات ترفرف في البال - في البال أغنية تتأرجح بين الحضور وبين الغياب، ولا يفتح الباب إلاَّ لكي توصد الباب... أغنية عن حياة الضباب، ولكنها لا تستطيع سوى ما نسيت من الكلمات.
    أخيراً، وحده محمود درويش من يحرص على إقامة جسور التواصل الحميم بين القصيدة والمتلقي بالغاً ما بلغ معه تكثيف العبارة وتجريد المعنى.


    بقلم / الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح

                  

10-08-2009, 03:20 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    سقطنا من الجوِّ
    في حُفْرة ٍ ...
    فماذا سيحدثُ ؟
    سيناريو جاهزٌ :
    في البداية ننتظرُ الحظَّ ...
    قد يعثُرُ المنقذونَ علينا هنا
    ويمدّونَ حَبْلَ النجاة لنا
    فيقول : أَنا أَوَّلاً
    وأَقول : أَنا أَوَّلاً
    وَيشْتُمني ثم أَشتمُهُ
    دون جدوى،
    فلم يصل الحَبْلُ بعد ...
    يقول السيناريو :
    سأهمس في السرّ:
    تلك تُسَمَّي أَنانيَّةَ المتفائل ِ
    دون التساؤل عمَّا يقول عَدُوِّي
    أَنا وَهُوَ،
    شريكان في شَرَك ٍ واحد ٍ
    وشريكان في لعبة الاحتمالات ِ
    ننتظر الحبلَ ... حَبْلَ النجاة
    لنمضي على حِدَة ٍ
    وعلى حافة الحفرة ِ - الهاوية ْ
    إلي ما تبقَّى لنا من حياة ٍ
    وحرب ٍ ...
    إذا ما استطعنا النجاة !
    أَنا وَهُوَ،
    خائفان معاً
    ولا نتبادل أَيَّ حديث ٍ
    عن الخوف ... أَو غيرِهِ
    فنحن عَدُوَّانِ ...
    ماذا سيحدث لو أَنَّ أَفعى
    أطلَّتْ علينا هنا
    من مشاهد هذا السيناريو
    وفَحَّتْ لتبتلع الخائِفَيْن ِ معاً
    أَنا وَهُوَ ؟
    يقول السيناريو :
    أَنا وَهُوَ
    سنكون شريكين في قتل أَفعى
    لننجو معاً
    أَو على حِدَة ٍ ...
    ولكننا لن نقول عبارة شُكـْر ٍ وتهنئة ٍ
    على ما فعلنا معاً
    لأنَّ الغريزةَ ، لا نحن،
    كانت تدافع عن نفسها وَحْدَها
    والغريزة ُ ليست لها أَيديولوجيا ...
    ولم نتحاورْ،
    تذكَّرْتُ فِقْهَ الحوارات
    في العَبَث ِ المـُشْتَرَكْ
    عندما قال لي سابقاً :
    كُلُّ ما صار لي هو لي
    وما هو لك ْ
    هو لي
    ولك ْ !
    ومع الوقت ِ ، والوقتُ رَمْلٌ ورغوة ُ صابونة ٍ
    كسر الصمتَ ما بيننا والمللْ
    قال لي : ما العملْ؟
    قلت : لا شيء ... نستنزف الاحتمالات
    قال : من أَين يأتي الأملْ ؟
    قلت : يأتي من الجوّ
    قال : أَلم تَنْسَ أَني دَفَنْتُكَ في حفرة ٍ
    مثل هذى ؟
    فقلت له : كِدْتُ أَنسى لأنَّ غداً خُـلَّبـاً
    شدَّني من يدي ... ومضى متعباً
    قال لي : هل تُفَاوضني الآن ؟
    قلت : على أَيّ شيء تفاوضني الآن
    في هذه الحفرةِ القبر ِ ؟
    قال : على حصَّتي وعلى حصّتك
    من سُدَانا ومن قبرنا المشتركْ
    قلت : ما الفائدة ْ ؟
    هرب الوقتُ منّا
    وشذَّ المصيرُ عن القاعدة ْ
    ههنا قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة واحدة ْ
    .. وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو
    إلى آخره ْ !


    الشاعر محمود درويش
                  

10-08-2009, 04:10 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    الصهيل الأخير
    _____



    و أصبّ الأغنية

    مثلما ينتحر النهر على ركبتها .

    هذه كل خلاياي

    و هذا عسلي ،

    و تنام الأمنية .

    في دروبي الضيقة

    ساحة خالية ،

    نسر مريض ،

    وردة محترفة

    حلمي كان بسيطا

    واضحا كالمشنقه :

    أن أقول الأغنية .

    أين أنت الآن ؟

    من أي جبل

    تأخذين القمر الفضي ّ

    من أيّ انتظار ؟

    سيّدي الحبّ ! خطانا ابتعدت

    عن بدايات الجبل

    و جمال الانتحار

    و عرفنا الأوديه

    أسبق الموت إلى قلبي

    قليلا

    فتكونين السفر

    و تكونين الهواء

    أين أنت الآن

    من أيّ مطر

    تستردين السماء ؟

    و أنا أذهب نحو الساحة المنزويه

    هذه كل خلاياي ،

    حروبي ،

    سبلي .

    هذه شهوتي الكبرى

    و هذا عسلي ،

    هذه أغنيتي الأولى

    أغنّي دائما

    أغنية أولى ،

    و لكن

    لن أقول الأغنية .

    محمود درويش

                  

10-08-2009, 08:35 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    قال للموت أنتظرنى .
                  

10-08-2009, 08:54 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    Quote: هذا هوَ اسمُكَ
    قالتِ امرأة،
    وغابت في ممرِّ بياضها
    هذا هو اسمُكَ، فاحفظِ اسمكَ جيِّداً!
    لا تختلف معهُ على حرف
    ولا تعبأ براياتِ القبائلِ،
    كُن صديقاً لاسمك الأفقَيِّ
    جرِّبهُ مع الأحياء والموتى
    ودرِّربهُ على النُطق الصحيح برفقة
    الغرباء
    واكتبهُ على إحدى صُخور الكهف،
    يا اسمي: سوف تكبرُ حين أكبرُ
    الغريبُ أخُو الغريب
    سنأخذُ الأنثى بحرف العلَّة المنذور
    للنايات.
    يا اسمي: أين نحن الآن؟
    قل: ما الآن، ما الغدُ؟
    ما الزمانُ وما المكانُ
    وما القديمُ وما الجديدُ؟
    سنكون يوماً ما نريدُ (...).
                  

10-08-2009, 10:08 PM

ثروت همت
<aثروت همت
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 397

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: عبد الحميد البرنس)

    أخي العزيز: عثمان موسى.
    تحياتي.
    كثير من الأدباء والشعراء تمنوا أن يخوضوا تجربة الموت، والعودة مرة أخرى للكتابة عنه، درويش فعلها! جدارية هي قصيدة العودة من الموت والكتابة عنه.
    رحمه الله.
    احترامي وتقديري.


                  

10-08-2009, 10:35 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: ثروت همت)

    سلام عثمان موسي

    وقال عنه البرغوثي

    مذ غَيَّبَتْهُ الارضُ سلّمت العيونُ بما رأَتْ

    وقلوبُنا لم تعترِفْ بغيابِهِ.

    وكأنه إذ ماتَ أَخلَفََ ما وَعَدْ.

    وكأننا لُمْناهُ بعضَ الشيء يومَ رحيلهِ.

    وكأنّنا كنّا اتّفقْنا أن يعيشَ إلى الأبدْ!

    "محمود إبنُ الكُلِّ" قالت أمُّهُ،

    وتراجعتْ عن عُشبهِ، خَفَراً، لتندفعَ البَلَدْ.

    يا ويحها حوريةٌ،

    هل أدركَتْ أنّ البلادَ لتوّها قد ودَّعَتْ من كل عائلة وَلَدْ؟


                  

10-09-2009, 01:21 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: عاطف عبدون)

    وكمان عزيزنا عاطف عبدون
    جاب الشامخ البرغوثى ..
    يا للجمال
    ألف شكر
    تحياتى
                  

10-09-2009, 00:23 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: ثروت همت)

    يا سلام عليك ياثروت همت
    يديك العافية .
    جزيل الشكر
                  

10-09-2009, 09:14 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: ثروت همت)

    أنا لست لى
                  

10-08-2009, 10:58 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: عبد الحميد البرنس)

    الكاتب العزيز عبدالحميد البرنس
    سلامات
    وسلام على شباك ضريح درويش
    الذى صار كما يريد .
    تحياتى
                  

10-08-2009, 11:29 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    الشاعر

    محمود درويش: بحث عن قصيدة تخترق زمنها التاريخي.. وشعر يتجاوز السجالات بين الوزن والنثر.
    Monday, 06.01.2009, 02:22pm (GMT)


    سلسلة اللقاءات التي اجراها عبده وازن، الشاعر والكاتب اللبناني، مع الشاعر الكبير محمود درويش العام الماضي صدرت في كتاب عن دار رياض الريس في بيروت ومشفوعة بقراءات نقدية لاعمال درويش الاخيرة محمود درويش: الغريب يقع علي نفسه ، اللقاءات والمقالات هي محاولة جديدة للدخول في عالم محمود درويش الشعري، حياته وحياة القصيدة، ونشأة وتربية القصيدة التي لا تولد بدون معاناة ومخاضات، فالسلاسة اللغوية وغني المعجم وتدفقه لا تعني في النهاية عفوية الكتابة، فالقصيدة تبدأ بسطر يتدفق بصورة عفوية وثرية وتلد القصيدة التي تتعرض لمرحلة من المراجعة واعادة الكتابة والصياغة والتعديل وعندما تنشر في ديوان او صحيفة تخرج من عهدة الشاعر وتصبح ملكا للقارئ.


    ما تكشفه اللقاءات هي ان شاعرنا الكبير يعود الي اعماله الاولي يشذبها ويتخلي عن بعضها ولكنه لا يعلن انفصامها عنه او يتبرأ منها، وهو اعتراف بأن هناك مسافة بين قصيدة وقصيدة وحياة للشعر، مما يعني ان تحقيب الشاعر او ربطه بزمن شعري خاص ظلم له، فالذين لا يزالون يتحدثون عن شاعر المقاومة وقصيدة سجل انا عربي الخطابية التي جاءت نتاجا للحظة تاريخية معينة يظلمون الشاعر الذي وان لم يتخل عن خطابية القصيدة وبلاغتها الثورية في لحظتها الخاصة لا يريد ان يظل شاعر المقاومة في زمن تغيرت فيه المقاومة، وتراجعت بلاغة هذا الشعرمنذ اجتياح لبنان 1982 ولم يعد هذا الشعر قادرا علي التواصل بغنائيته وبلاغته الثورية مع الواقع المعاش خاصة ان الثوري الذي عاش في المخيمات ومعسكرات التدريب عاد للوطن ولم ير الجسد والروح اللتين كان يحلم بهما.


    في لقاء عبده وازن مع درويش محاولة لاشعال السجال القديم الجديد، حول القصيدة العربية والريادة والجيل الثاني من الشعراء ومحاولة لـ حشر الشاعر في زاوية لدفعه لبيان او تصريح حول قصيدة النثر، اهميتها في مجال الابداع العربي وقيمتها الفنية وشرعيتها، وان كانت الشكل الاخير في مرحلة الابداع الشعري العربي خاصة بعد الثورة علي الاوزان الخليلية وتراجع الكلاسيكية الجديدة وولادة قصيدة التفعيلة الا انها اي قصيدة النثر ليست الشكل الاخير بمعني انه نهاية التجريب في الشعر والشعرية العربية.


    محمود درويش اكد اكثر من مرة انه ليست لديه مشكلة مع قصيدة النثر، ولا مع النثرـ يكتب النثر ويبدو درويش عندما تقرأ اعماله النثرية ناثرا اكثر منه شاعرا وعندما تقرأه كشاعر يبدو اكثر من ناثر، ويعترف درويش ان قصيدة النثر كسبت معركتها من اجل الشرعية ولكنه اثار الانتباه الي ان تيار القصيدة او بعض ممثليه يريدون جعل القصيدة الشكل السائد، درويش يدعو لديمقراطية في الشعر، شعر تختفي فيه التصنيفات ويدمج الاجناس الادبية فيما بينها، وهو في هذا السياق يقول انه يكتب نثرا ولكنه يرفض ان يسميه قصيدة نثر لانه ضد التصنيفات التي تقيد الشاعر في شكل من الاشكال، وهو يدعو الي الانفتاح في الحكم علي اعمال الاخرين، ويعتقد ان اي قائمة لاهم ما كتب في العقود الاخيرة من شعر عربي ربما تكون من نصيب قصيدة النثر ولكن هذا لا يعطيها او يعطي ممثليها الغاء الاشكال الأخري فكما كانت مجلة شعر رائدة في دفع وتقديم قصيدة النثر كانت مجلة الآداب رائدة في دعم الشعر الجديد او قصيدة التفعيلة. ولا ينكر الشاعر هنا ان قصيدة النثر تتوفر علي الايقاع مثل قصيدة التفعيلة، ايا كان الايقاع بقول داخلي او عالي النبرة المشكلة في كيفية ضبطه او دوزنته كما تضبط العود او الوتر الموسيقي لانتاج اجمل الالحان.


    درويش يبدو في اللقاءات كرجل يبحث في أدواته القديمة يقلبها يشذب التجربة ويحاول اجتراح اساليب جديدة في التعبير، سرد سيرته عبر الشعر والتنظير للشعر بالشعر. وهو بهذه المثابة شاعر يقف علي تخوم الكلمة ينهي عملية ولادة ويتحرر من المولود سواء كان قصيدة او ديوانا ليعود الي رحلة البحث، ما يثير في حديث درويش هنا انه كلما كبر زاد خوفه من النهاية، يقول انه لم يعد يخشي الموت بعد ان واجهه ولكن ما يخشاه هو التوقف عن الكلام، وهنا تجادل حقيقي بين الموت ومواصلة التجربة، هو مصمم علي المضي، مع اعترافه بان الشاعر يشيخ وما قاله في الامس قد لا يستطيع قوله اليوم او غدا، ولكن ما يميز درويش عن غيره من الشعراء هو انه يطمح دائما لتفجير اللغة واخذها لمداها الاوسع، وفتحها امام فضاءات واسعة، فضاءات تخترق العادي وتخوض في الميتافيزقي، يقول ان احدي هواياته هي فتح لسان العرب، المعجم وقراءة تاريخ كلمة بشكل عشوائي ويقرأ تاريخ الكلمة وسلالتها. واهتمام درويش بالمعجم اللغوي واغناء معجمه الشعري لا يعني في النهاية شعرا صعبا ومتقعرا فالكلمة تأخذ حياة جديدة وشكلا جديدا، الانطباع الذي يخرج منه قارئ مقابلات درويش انه امام شاعر يقرأ ويتعلم ويعترف بقصوره وان هناك مجالا للتطوير والتنويع والقراءة التي هي زاد الشاعر والتجربة، وكلما قرأ واثري تجربته ووسع مجاله واحكمته تجربة السنين زادت حكمته وليست فلسفته، فالتفلسف في الشعر مخاضه عسير وكل الذين تفلسفوا نسي شعرهم وتفوق نثرهم علي شعرهم. استمرار التعلم هو جزء من وعي الشاعر بانه لم يكن تلميذا علي شيخ، قرأ اعمال الشعراء من الجيل الذي سبقه وتأثر واغرم باشعار هذا وذاك ولكنه يتحسر انه لم يكن له شيخ يعلمه ادوات الشعر وسر الصنعة.


    يكشف محمود درويش عن سر نضارته الشعرية، والتي كلما كبر ازدادت طراوة، وهي احساسه بكل عمل يصدره بانه البداية، فهو يقول انه لا يصدق شعره وانه بحاجة دائمة للغة شعرية، والسر الاخر في انسياح مداه الشعري، وقدرته علي التفتيق والابداع ينبع من انه مثلما لا يصدق شعره عدم الرضي ، لا يصدق التصفيق ويعرف ان الاحتفاء العام او المضافة هي آنية تقارب نهايتها. درويش هو شاعر يحب الخوض في اللامتخيل او اللامفكر فيه المجهول الذي يعطيه قصيدة قادرة علي اختراق مداها الزمني، انه يبحث عن القصيدة الخالدة التي تختصر زمنها والزمن الذي يليه، تماما كما اختصر او يختصر شعر المتنبي مسيرة الشعر العربي في حاضره وماضيه. امام كل تجربة شعرية او انتهائها يجد درويش نفسه امام تجربة جديدة تتساءل عن المغامرة القادمة. وكأني اشعر ان درويش يريد مد القصيدة الي زمنها الابعد، تماما كما حاول الرحالة البريطاني المعروف ويلفريد ثيسجر وهو يسير نحو الربع الخالي، امتحان القدرة الانسانية وآليات التحمل عند الانسان في ظروف الصحراء القاسية التي صنعت العربي وصنعت قصيدته. يشير النقاد دائما الي فكرة السلالة في اعماله، اي ان كل عمل يولد عملا اخر في متوالية دائمة، وهو ما يشير الي تطور الشاعر الذي يري ان من حقه تشذيب كتاباته الاخري ولكن لا يحق له ان يقوم بتغييرها، فهو يشير الي ان ديوانه الاول عصافير بلا اجنحة ليس مهما وهو سعيد ان النقاد خارج فلسطين المحتلة لم يعرفوا عنه او يقرأوه لانه عمل كتبه وهو في نهاية المرحلة الدراسية، ولكن الشاعر هنا لا يتحدث في علاقة اعماله الجديدة باعماله السابقة او ديوانه الاخير بالذي سبقه يتحدث عن رغبة دائمة في اعادة تعريف الشعر.
    ابراهيم درويش
                  

10-08-2009, 11:52 PM

Aymen Tabir
<aAymen Tabir
تاريخ التسجيل: 12-02-2003
مجموع المشاركات: 2612

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    من سياتي مثله ؟
    Quote:


    في يدي غيمة

    أَسْرَجوا الخَيْلَ ,
    لا يَعرفون لماذا
    ولكِّنُهمْ أَسْرَجُوا الخيلَ في السهلِ

    .. كان المكانُ مُعَدَّاً لِمَوْلِدِه : تلَّةً
    من رياحين أَجداده تَتَلَفَّتُ شرقاً وغرباً
    وزيتونهً قُرْبَ زيتونه في المَصاحف تُعْلي سُطُوح اللُغَةْ ...
    ودخاناً من اللازَوَرْدِ يُؤَثِّثُ هذا النهارَ لمسْأَلةٍ
    لا تخصُّ سِوى الله . آذارُ طفلُ
    الشهور المُدَلَّلُ . آذارُ يُؤلِمُ خبيز لِفناء الكنسيةِ
    آذارُ أَرضٌ لِلَيْلِ السنون , ولا مرآةٍ
    تَسْتَعدُّ لصرخَتَها في البراري... وتمتدُّ في
    شَجَرِ السنديانْ .

    يُولَدُ الآنَ طفلٌ
    وصرختُهُ ,
    في شقوق المكانْ

    اِفتَرقْنا على دَرَجِ البيت . كانوا يقولونَ:
    في صرختي حَذَرٌ لا يُلائِمُ طَيْشَ النباتاتِ ,
    في صرختي مَطَرٌ ؛ هل أَسأَتُ إِلى إخوتي
    عندما قلتُ إني رأَيتُ ملائكةٌ يلعبون مع الذئب في باحة الدار ؟
    لا أَتذكَّرُ
    أَسماءَهُمْ . ولا أَتذكَّرُ أَيضاً طريقَتَهُمْ في
    الكلام ... وفي خفِّة الطيرانْ

    أَصدقائي يرفّون ليلاً , ولا يتركونْ
    خَلْفَهُمْ أَثَراً . هل أَقولُ لأُمِّي الحقيقةَ :
    لِي إخوةٌ آخرونْ
    إخوةٌ يَضَعُونَ على شرفتي قمراً
    إخوةٌ ينسجون بإبرتهم معطفَ الأُقحوانْ

    أَسْرَجُوا الخيلَ
    لا يعرفون لماذا ,
    ولكنهم أَسرجوا الخيل في آخر الليلِ

    سَبْعُ سنابلَ تكفي لمائدة الصَيْف .
    أَبيض يَسْحَبُ الماءَ من بئرِهِ ويقولُ
    لهُ : لا تجفَّ . ويأَخذني من يَدي
    لأَرى كيف أكبُرُ كالفَرْفَحِينَة...
    أَمشي على حافَّة البئر : لِيَ قَمَرانْ
    واحدٌ في الأعالي
    وآخرُ في الماء يسبَحُ ... لِي قمرانْ

    واثَقيْن , كأسلافهِمْ , من صَوَابِ
    الشرائع ... سَكُّوا حديدَ السيوفِ
    محاريثَ . لن يُصْلِحَ السيوفِ ما
    أفْسَدَ الصَّيْفُ – قالوا وصَلُّوا
    طويلاً . وغَنّوا مدائحَهمْ للطبيعةِ ...
    لكنهم أَسرجوا الخيل ,
    كي يَرْقُصُوا رَقْصَةَ الخيلِ ,
    في فضَّة الليل ...

    تَجْرحُني غيمةٌ في يدي : لا

    أُريدُ من الأَرض أَكثَرَ مِنْ
    هذه الأَرضِ : رائحة الهالِ والقَشِّ
    بين أَبي والحصانْ .
    في يدي غيمةٌ جَرَحْتني . ولكنني
    لا أُريدُ من الشمس أَكثَرَ
    من حَبَّة البرتقال وأَكثرَ منْ
    ذَهَبٍ سال من كلمات الأذانْ

    أَسْرَجُوا الخَيْلَ ,
    لا يعرفون لماذا ,
    ولكنهُمْ أسرجوا الخيل
    في آخر الليل , وانتظروا
    شَبَحاً طالعاً من شُقوق المكانْ ....


    (من ديوان " لماذا تركتَ الحصانَ وحيداً " 1995)
                  

10-09-2009, 00:47 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Aymen Tabir)


    محمود درويش‮..‬ كل هذا الضوء في شاعر واحد

    لم يكن حفل تأبين محمود درويش الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمان، مجرد كلمات رسمية، ومجموعة قصائد غناها مارسيل خليفة، ولقطات مصورة لصاحب "في حضرة الغياب" يلقي فيها قصائده. كان أكبر من ذلك. كان محمود درويش حاضرا بقوة في حكايات الأصدقاء طوال الأيام الثلاثة للرحلة، منذ اللحظة الأولي بدأ الحديث عنه ، وكأنه وزع حكاياته علي الأصدقاء،كان لكل واحد معه حكاية، وموقف، طرفه، تعليق: هنا كان يجلس، هنا التقينا مرة، هنا قال " كذا وكذا"، وهنا..... وهكذا كان درويش حاضرا، في كل شئ. وهكذا لم يكن تأبينه رسميا.. كان مثلما أراد وأحب. وهكذا أيضا، توزعت الحكايات واختلط الرواة.





    عندما اتصلت إلهام زوجة الشاعر السوري ممدوح عدوان بمحمود درويش، لكي يشارك في " أربعين" ممدوح رفض. أبدت اندهاشها فهما أصدقاء. قال: سأحضر ولكن لتتركي لي ترتيب الاحتفال. قال: نحن الشعراء نكره الكلمات الرسمية، ونعشق الموسيقي والنبيذ..ليكن الاحتفال هكذا. وبالفعل سافر محمود وكان له ما أراد. .





    وهكذا تمني أن يكون تأبينه أيضا، كرة محمود " الكلمات الرديئة" ولذا كما يقول مريد البرغوثي " صعد محمود إلي جداريته ليرتاح هناك، لم يعهد لأحد برثائه، جلس في حضرة غيابه ورثي نفسه بنفسه، وكما يريد، لا ليعفي أحدا من المهمة. بل لأنه يخشي الركاكة ويمقتها مقتا".





    الموسيقي والشعر أيضا لم يكونا وسيلته لمواجهة الموت، وإنما أيضا لمواجهة الحصار، يحكي صديقه الناقد والمترجم فواز طرابلسي: " خلال حصار بيروت صيف 1982، كانت اللقاءات شبه اليومية. لم تكن فرصتي للإفلات من شقتي وقد تحولت الي مقر للرفاق وغرفة عمليات عسكرية. وإنما اللقاءات فسحات استثنائية للصداقة والتضامن والأمل. وكان محمود قد انتقل حينها من شقته الي أحد فنادق شارع الحمراء حيث الماء متوافر للحمٌام اليومي، والكهرباء بالكاد تنقطع، وعلي البار بيرة مثلجة وعازفة علي البيانو. هكذا أخذنا نرجم الحصار بالموسيقي والشعر. وفي غرفته في ذاك الفندق تلي عليٌ وعلي سعدي يوسف الآيات الاولي من تلك الملحمة التي سوف تسمٌي "مديح الظل العالي": "إقرأ باسم الفدائي الذي خلقا/ من جزمة أفقا". وفي تلك الغرفة انعقدت حلقات الوداع بين رفاق السلاح والقضية الواحدة علي اختلاف بلدانهم العربية. وحده محمود يرفض مغادرة بيروت: أنا شاعر لست بمقاتل. لكنه سوف يضطر إلي المغادرة بعدما احتلت القوات الإسرائيلية المدينة".





    " أنا شاعر ولست بمقاتل".. لم يقل هذه العبارة فقط أثناء حصار بيروت، كان يرددها دائما.





    الشعر وحده كان وسيلته للمقاومة، وسيلة لكي يتغلب علي الحصار. عندما سألته عن ديوانه " حالة حصار" لماذا يعود فيه إلي الشعر المقاوم الذي يريد أن يهرب منه قال: "كنت أري من بيتي الدبابات والجنود، لم تكن لدي طريقة مقاومة إلا أن أكتب، وكلما كتبت أكثر كنت أشعر أن الحصار يبتعد، وكانت اللغة وكأنها تبعد الجنود لأن قوتي الوحيدة هي قوة لغوية". ولذا كتب درويش عن " قوة الحياة واستمرارها وأبدية العلاقة بالأشياء والطبيعة: "لأن الطائرات تمر في السماء لدقائق ولكن الحمام دائم.. كنت أتشبث بقوة الحياة في الطبيعة للرد علي الحصار الذي أعتبره زائلا، لأن وجود الدبابة في الطبيعة وجود ناشز وليس جزءا من المشهد الطبيعي". يقول غانم زريقات : " كان الشعر هو سلاحه الأمضي في معركة الحفاظ علي الذاكرة، ومواجهة تزييف التاريخ والصراع علي الهوية". ويضيف محمد شاهين الناقد والمترجم الأردني: " الكتابة بالنسبة له كانت خطا أحمر، وكثيرا ما كان يردد أنه لا يستطيع التوقف عن الكتابة، ولو توقف مدة طويلة لشعر بعدم وجوده". ويضيف فواز طرابلسي: "هذا شاعر لا مهنة له إلا الشعر، وإن امتهن الصحافة للقيام بالأود. نادرا ما يترك وراءه نصا بخط اليد. نادرا ما يكتب الرسائل. لا يريد أن يبقي منه إلا شعره. ليس يريد أن يبقي منه شيء إلا الشعر".





    " لسنا في حاجة إلي أمثلة لإثبات الجانب الإنساني لدي محمود درويش، بل إن الإنسانية لديه هي نمط حياة ثابت سواء في سلوكه الشخصي او في شعره". ولكن الأصدقاء لديهم مئات الأمثلة التي تكشف الكثير عن محمود درويش. وحياته. يقول الشاعر والإعلامي زاهي وهبي: " عرفت محمود درويش قبل أن التقيه من خلال أشعاره، ولمٌا التقيته بعد سنوات من الحروب والمحن، ومن الشعر والحب، أحببت فيه أنه لا يجشبه الصورة النمطية للشعراء. مثلما أحببت الشبه الكبير بينه وبين شعره. وجدت أنه لا يكتب قصيدته باللغة وحسب، بل بالسلوك والتصرٌف وبأسلوب التعامل مع الوجود والكائنات. وحين رحت أبحث عن وجه الشبه بين الشاعر وقصيدته، وجدت أنها تلك الغنائية الشفيفة المشوبة، أحيانا بشيء من الانكسار الإنساني أمام عاتيات الأيام، وتلك الروح المشعٌة التي تنتقل بالعدوي الجميلة الي كل من يقترب منها، وذاك الدفاع الرائع والانحياز الجميل إلي معني الحياة).





    وهذا المعني يلح عليه أيضا فواز طرابلسي: " لم يكن يشبه الصورة النمطية الشائعة عن الشاعر. لا أثر فيه للبوهيمية. لا لحية له. ولا شارب. وهو حليق كل الوقت. ليس حزينا ولا مكتئبا، لا يريك وجهه اذا ما سيطر عليه الغمٌ. أنيق منتهي الأناقة. نظيف. جميل. ومجامل أحيانا. منظٌم ودقيق في مواعيده بطريقة مدهشة. ثابت في طقوسه. يكتب صباحا علي مكتبه. يكوٌر يده أمام الورقة، مثل الأولاد أيام الامتحانات، يخفي ما يكتب عن فضولي يتلصص عليه. أو يريد أن ينقل عنه. سألته لماذا. قال لست أدري. ربما خفرا. وربما لأني لست واثقا من أني سوف أبقي ما كتبت. لا يتردد في تمزيق قصيدة لم تصل إلي مستوي يريده. ولا يتردد في إهمال قصيدة اذا ما قرأ قصيدة أفضل منها. مزٌق قصيدة في رثاء بابلو نيرودا بعدما قرأ قصيدة إيتل عدنان "بابلو نيرودا شجرة موز".ويضيف طرابلسي: " يشرب في السهرات ولكنه لم يصل مرة إلي السكر، علي حد معرفتي، ولا يطيل السهر علي كل حال.".





    "كان كريما" يأخذ غانم زريقات دفة الحديث، لم يدع احدا يدفع حساب المطعم إذا لم يكن مدعوا. يضحك غانم. ولكنه كان بخيلا في شئ واحد: " النبيذ.. الذي لم يكن يعشق مشروبا سواه، كان خبيرا به وبأنواعه، وذواقة أيضا. يقول أحمد درويش : دعاني مرة علي الغذاء في أحد المطاعم، وجاء النادل بزجاجة نبيذ. تذوقها وقال له: " هذه مضروبة".. وجاء بأخري. قال الكلمة نفسها، وهكذا تكرر الأمر أربع مرات متوالية، حتي غضب النادل. فقال محمود نحتكم إلي " ذواقة المطعم" الذي جاء وأيد محمود في موقفه، ولذا كان يختار المطاعم التي يتناول فيها طعامه بعناية. ويتذكر غانم مقولة محمود الدائمة: " الطعام إما طيب أو صحي" في إشارة إلي أن الطعام " الطيب كان مقترنا دائما بالدهون وتحذيرات الأطباء له من تناوله، ولكنه لم يكن يعتني كثيرا بهذه التحذيرات.





    يكشف الدكتور محمد شاهين جانبا آخر من حياة صاحب " كزهر اللوز أو أبعد"..لم يكن مغرما كثيرا بترجمة أعماله إلي لغات أخري، كان يقول " المهم ان نكتب بالعربية. وما دون ذلك من النوافل" ولذا فكل مرة كنت أنا الذي أطلب منه أن أترجمه، لم يعرض علي احد أن يقوم بالمهمة. ويضيف شاهين : ترجمت له " في حضرة الغياب " و"كزهر اللوز". وعندما أعطيتهما إياه ليقراهما. لم يكن متحمسا في البداية، ولكن مع إلحاحي عليه قرأ العملين كلمة كلمة، وقد أدهشني إلمامه التام بالإنجليزية. وقدم اقتراحات لترجمة بعض الكلمات، ولكنه أيضا لم يفرض علي تصحيح كلمة واحدة إلا بعد أن يناقشني فيها".





    جانب آخر يكشفه الأصدقاء، ولع محمود بالسخرية. كان ساخرا كبيرا، لكنها لم تصل إلي درجة السخرية الجارحة، لاذع أحيانا، ولكنه كان لديه يقين في السنوات الأخيرة أن العمر ليس فيه ما يستحق أن نتخذ مواقف من الآخرين، ولذا كان متسامحا حتي مع من أساءوا إليه. عندما علم قبل شهور من الرحيل أنه يحمل في قلبه " قنبلة موقوتة" يمكن أن تنفجر في اية لحظة، كان يداعب الأصدقاء الذين يصرون أن يذهب لإجراء الجراحة: " أليست قنبلة.. لو انني نذل لتركتها تنفجر وأنا معكم لنموت جميعا". لكن محمود لم يكن نذلا، قرر السفر في مغامرة لم تكن مضمونة النتائج. وعندما كان غانم زريقات يقول له: محمود ألن تتزوج.. بدنا نري أطفالك"..كان يرد: "لسنا في حاجة إلي لاجئين جدد".





    غانم زريقات يعتبره البعض " خازن أسرار" درويش، جاره في السكن، ورفيقه في لعبة النرد، بدأت علاقتهما منذ أوائل السبعينيات، وهو الذي أقنعه بأن يسكن في عمان عندما عاد من باريس، كان معه أثناء حصار بيروت، وأثناء العملية الجراحية الأولي في فينيا، كان رفيقه في أيام المنفي، وجولات المرض، ورحلات الشعر. ولا كان درويش يسميه " أميجو غانم" وكان محمود يعتبره قارئه الأول: " لم أكن شاعر ا ولا ناقدا، ورغم ذلك كان يجرب في ما يكتب، وأحيانا كنت أطلب منه حذف بعض الصفحات. كما حدث في كتابه " في حضرة الغياب" عندما طلبت منه ان يحذف ال 12 صفحة الأولي. وقد استجاب. فقد كنت اشعر أنه يكرر ذاته في هذه المقدمة. وكان هو لا يحب ذلك، لأنه أدمن التفوق علي نفسه، فهو يريد فنا متطورا يخاطب الأغوار العميقة في النفوس، ويبقي أثرها في الوجدان، وكان دائما حريصا علي أن يجمع بين هذا الفن المتطور والانتشار الجماهيري الواسع.





    غانم أقرب إلي أبناء البلد المصريين، لديه حس عال بالفكاهة أيضا، يمتلك الكثير من الأسرار والحكايات والوثائق عن حياة درويش، ورغم ذلك لا توجد صورة واحدة تضمهما معا، " صورة وحيدة التقطها أحد الأصدقاء بكاميرا موبايل، ولكن توزعت ولم أعرف أين استقرت".. حكي: "اختارني ياسر عرفات لرئاسة بعثة الحج الفلسطينية في احد الأعوام. وقد اعترضت بشدة. سألته: لماذا الاعتراض؟ أجاب علي الفور: لأني مسيحي". ضحكنا. وكان حديثنا بالأساس حول علاقة محمود وياسر عرفات، تلك العلاقة التي شهدت شدا وجذبا كبيرين، ولكن محمود كان لديه تقدير ومحبة خاصة لعرفات رغم اختلافه معه في الكثير من شئون الثورة الفلسطينية.. أو كما يقول فواز طرابلسي: " اقترب درويش من السلطة ولكن من دون أن يتماهي معها، أو أن يخدمها. ولسان حاله: (ما أضيق الدولة/ما أطول الرحلة/ما أوسع الثورة).





    يوضح غانم:" عندما حدث خلاف بين إلياس خوري وياسر عرفات، استقال محمود من رئاسة تحرير " شئون فلسطينية" تضامنا مع إلياس، وعندما التقاه عرفات قال له: أنت شاعرنا، فقال له درويش ساخرا: "أنت شاعرنا العام. أي كان درويش يريد أن يقول له " أنت كل شئ، تفصل وتعين من تشاء، ولكن الغريب أن الكلمة أطلقها البعض علي محمود نفسه فيما بعد".





    في الأمسية الأخيرة التي أقامها محمود في رام الله. وحضرها الرئيس أبو مازن بدأ درويش قراءة قصيدته " طباق" عن إدوارد سعيد، وفي منتصف القصيدة حضر أبو مازن، فتوقف درويش عن القراءة قائلا: " لقد وصل الرئيس الآن، وأنا مضطر أن أقرا القصيدة من بدايتها مرة أخري وإذا شعر أي منكم بالملل فلا يلومن إلا الرئيس.. وضحك الجميع، ويبدو أيضا أن الضجة التي أحدثها حضور الرئيس فجأة جعلت الشاعر يتوقف بعد قليل. وقال ضاحكا: " السلطة في كل شئ، حتي القصيدة". وهكذا أن يكون درويش " سلطة شعرية" فقط، لأن طبيعته الشعرية تتنافي من أن يكون جزءا من أيه سلطة. السلطة التي كان يبتعد عنها درويش ربما كانت سببا في مرضه الأخير، الصراع علي السلطة بين فتح وحماس، حتي أن درويش نفسه يمكن أن تصل إلي حد الاقتتال بين الاشقاء . ولهذا أكدت كل كلمات المقربين منه والأصدقاء أن محمود مات قتيلا. يقول غانم زريقات: " أنا أعرف كم أدمي احتراب الأخوة في فلسطين قلب محمود الجريح، حتي أنه كتب حتي أنه كتب قبل رحيله: (أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين إن لم نجد مّنْ يهزمنا ثانية هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسي )..





    وكرر الأمر أيضا مريد البرغوثي: " أنا سأصدق طبيبه الذي أعلن النبأ، وشرح أسباب الوفاة التي قهرت جسده هذه المرة، لكن الشاعر سيد اللغة وسيد الفكرة. قهرته أيضا ركاكة القيادات المتحاربة داخل حفرة الاحتلال السعيد، وقهره الساسة الذين يخجلون من مراياهم كأم هاملت ولا يكفون عن غسل أيديهم كليدي ماكبث، وأيضا قهرته ركاكة النظام العربي الخائف من النصر والمولع بطاعة الغزاة، فبأيديهم جميعا زاغت الأشياء عن أسمائها ونأي عن اسمه كل مسمي، وبأيديهم جميعا صار للموت الذي يطلبنا عشرون اسما". وأكده فواز طرابلسي: "محمود درويش قتيل. وهذه جريمة لا عقاب عليها. وكل ما كتبه محمود عن الموت يدور مدار هذه المأساة: الموت هو الجريمة الوحيدة التي لا مكان لها في القانون الجزائي. إنها الجريمة الوحيدة التي لا عقاب عليها!".





    ربما لهذا السبب كان محمود يدرك قبل سفره إلي أمريكا أن هذه هي معركته الأخيرة مع الموت، لن ينتصر فيها " كان يردد في الأشهر الأخيرة أنه سوف يخسر الجولة هذه المرة وأنه بحاجة إلي بعض الوقت لأنه مازال يختزن الكثير ليعطيه لقضية شعبه ولقضايا العدل والرية والحب والجمال" يقول غانم.





    حتي عندما زيارته الأخيرة لعائلته في الجليل..." ودعنا وهرع مسرعا إلي السيارة التي كانت تنتظره، ولم يرفع عينيه لينظر إلينا كما كان يفعل في زياراته السابقة". يقول شقيقه أحمد درويش.





    حتي أصدقاؤه الذين لم يلتقيهم قبل سفره الأخير شعروا بذلك..يقول بول شاوول:





    "اتصل قبل سفره بيوم بموسي برهومه، وطلب منه أن يتصل بي..وطلب منه أن يخبرني:" سلم لي علي بيروت"... كان غريبا أن يكون سلامه للمدينة بأكملها، ربما هو إحساسه بالغياب".





    تناول محمود غذاءه في بيت غانم زريقات. وودع عائلته، وذهب إلي بيت الشاعر طاهر رياض ليتناول عشاءه وبعد أن انتهت من سهرته التي تأخرت، عاد بكل مفاجئ إلي بيت غانم لكي يودعهم مجددا.." كان أمرا غريبا..ربما كان يتوقع ألا يعود مرة أخري" يعلق غانم.





    ولكن ماذا حدث في بيت طاهر رياض.. يقول الشاعر الأردني زهير أبو شايب.. " لم يكن يبدو عليه أن مقدم علي عملية جراحية خطيرة، كان متألقا كعادته، تحدث عن الشعر، ودخن ثلاث سجائر. ولكن اعترض علي قيام زوجة طاهر بتصويره بكاميرا الفيديو كما اعتادت عن زيارته لهم. احتج : شوا التصوير؟".





    ويضيف زهير: امتدت السهرة حتي الثانية صباحا، قلت له: "عد غانما وسالما". فقال لي: أكيد سأرجع لكن سالما لا أضمن ذلك.





    لم يكن يخشي الموت، ولكن كان يزعجه أكثر يعود بعد العملية الجراحية، مشلولا، كان قد درب نفسه علي أسير بعكازين إذا أصيب بالشلل، ولكنه لم يرق له الأمر، ولذا كان مترردا أمام " العملية" وقرر أكثر من مرة ألا يسافر. ولكنه خضع في النهاية لطلب الأصدقاء الذين ألحوا عليه بالسفر، عندما قرر إجراء الجراحة كان يريد بلدا توافق علي " الموت الرحيم".ولذا " رفض إجراء الجراحة في الأردن أو أي بلد عربي".





    ولكن كان ما كان يشغل درويش قبل رحيله سؤال كان يطرحه علي أصدقائه: لماذا خلق الله للإنسان مليون شعرة، وقلب واحد؟" ولكنه " لم يصل إلي إجابة " كما يقول غانم الذي اختتم حكاياته بجملة تلخص محمود درويش " عاش كبيرا ومات كبيرا".. أو حسب تعبير زهير أبو شايب : " كل هذا الضوء في شاعر"... حياة محمود الثانية هي الأهم الآن. كتبه وأشعاره وتراثه ومواقفه..ربما تحوله إلي ما يشبه " الأسطورة".





    يحكي مريد البرغوثي أنه أستطاع بصعوبة بالغة أن يصل إلي جنازة محمود بعد رحلة شاقة من القاهرة، عمان، وحتي رام الله، وهناك وجد آلاف من الجنود يمنعون المواطنين من الاقتراب، وكانت شقيقات محمود ممنوعات من الحضور بسبب الحصار الأمني. مشهد أصاب مريد بالاكتئاب. جعله يهب إلي الفندق، ولا يغادره ثلاثة أيام كاملة .





    بعد ثلاثة أيام من الدفن غادر البرغوثي الفندق، وأوقف تاكسيا.. قال له: خذني إلي محمود. لم يسأل السائق من هو محمود، التزم الصمت حتي وصل إلي الضريح، ونزل السائق قرأ له الفاتحة.. وانتظر مريد بعيدا بدون أن يطلب منه ذلك" خوفا من ألا يجد تاكسيا يعيده إلي الفندق مرة أخري". ربما كان الأمر صدفة. ولكن في اليوم التالي. فعل مريد الأمر ذاته مع سائق آخر، لم يسأل من هو محمود الذي أصبح محطة فلسطينية مهمة. كنا ننصت جميعا إلي ما يقوله البرغوثي. قبل أن يضيف الشاعر زكريا محمد : "محمود هو أول مسلم يدفن في رام الله".. يضيف الشاعر زكريا محمد: " حتي ياسر عرفات نفسه مدفون بعيدا عنها. رام الله مدينة للمسيحيين تقريبا، تضم مقابرهم، بينما يتم دفن المسلمين في منطقة أخري بعيدة.. كان درويش هو الاستثناء الوحيد.






    أخبار الأدب /28/10/2008
                  

10-09-2009, 01:58 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    جدارية
    ..

    هذا هو اسمكَ
    قالتِ امرأة
    وغابت في الممرّ اللولبي...
    أرى السماء هُناكَ في متناولِ الأيدي.
    ويحملني جناحُ حمامة بيضاءَ صوبَ
    طفولة أخرى. ولم أحلم بأني
    كنتُ أحلمُ. كلُّ شيء واقعيّ. كُنتُ
    أعلمُ أنني ألقي بنفسي جانباً...
    وأطيرُ. سوف أكون ما سأصيرُ في
    الفلك الأخيرِ. وكلُّ شيء أبيضُ،
    البحرُ المعلَّق فوق سقف غمامة
    بيضاءَ. واللا شيء أبيضُ في
    سماء المُطلق البيضاء. كُنتُ، ولم
    أكُن. فأنا وحيد في نواحي هذه
    الأبديّة البيضاء. جئتُ قُبيَل ميعادي
    فلم يظهر ملاك واحد ليقول لي:
    "ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟"
    ولم أسمع هتَافَ الطيَبينَ، ولا
    أنينَ الخاطئينَ، أنا وحيد في البياض،
    أنا وحيدُ...
    لا شيء يُوجِعُني على باب القيامةِ.
    لا الزمانُ ولا العواطفُ. لا أُحِسُّ بخفَّةِ
    الأشياء أو ثقل
    الهواجس. لم أجد أحداً لأسأل:
    أين "أيني" الآن؟ أين مدينة
    الموتى، وأين أنا؟ فلا عدم
    هنا في اللا هنا... في اللا زمان،
    ولا وُجُودُ
    وكأنني قد متُّ قبل الآن...
    أعرفُ هذه الرؤية وأعرفُ أنني
    أمضي إلى ما لستُ أعرفُ. رُبَّما
    ما زلتُ حيّاً في مكان ما، وأعرفُ
    ما أريدُ...
    سأصير يوماً فكرةً. لا سيفَ يحملُها
    إلى الأرض اليباب، ولا كتابَ...
    كأنها مطر على جبل تصدَّع من
    تفتُّحِ عُشبة،
    لا القُوَّةُ انتصرت
    ولا العدلُ الشريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً طائراً، وأسُلُّ من عدمي
    وجودي. كُلَّما احترقَ الجناحانِ
    اقتربت من الحقيقةِ. وانبعثتُ من
    الرماد. أنا حوارُ الحالمين، عَزفتُ
    عن جسدي وعن نفسي لأكملَ
    رحلتي الأولى إلى المعاني، فأحرقني
    وغاب. أنا الغيابُ، أنا السماويُّ
    الطريدُ. سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً شاعراً،
    والماءُ رهنُ بصيرتي. لُغتي مجاز
    للمجاز، فلا أقول ولا أشيرُ
    إلى مكان. فالمكان خطيئتي وذريعتي.
    أنا من هناك. "هُنايَ" يقفزُ
    من خُطايَ إلى مُخيّلتي...
    أنا من كنتُ أو سأكون
    يصنعُني ويصرعُني الفضاءُ
    اللانهائيُّ
    المديدُ.
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصيرُ يوماً كرمةً،
    فليعتصرني الصيفُ منذ الآن،
    وليشرب نبيذي العابرون على
    ثُريّات المكان السكّريِّ!
    أنا الرسالةُ والرسولُ
    أنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    هذا هوَ اسمُكَ
    قالتِ امرأة،
    وغابت في ممرِّ بياضها
    هذا هو اسمُكَ، فاحفظِ اسمكَ جيِّداً!
    لا تختلف معهُ على حرف
    ولا تعبأ براياتِ القبائلِ،
    كُن صديقاً لاسمك الأفقَيِّ
    جرِّبهُ مع الأحياء والموتى
    ودرِّربهُ على النُطق الصحيح برفقة
    الغرباء
    واكتبهُ على إحدى صُخور الكهف،
    يا اسمي: سوف تكبرُ حين أكبرُ
    الغريبُ أخُو الغريب
    سنأخذُ الأنثى بحرف العلَّة المنذور
    للنايات.
    يا اسمي: أين نحن الآن؟
    قل: ما الآن، ما الغدُ؟
    ما الزمانُ وما المكانُ
    وما القديمُ وما الجديدُ؟
    سنكون يوماً ما نريدُ (...).



    الشاعر محمود درويش
                  

10-09-2009, 02:50 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Aymen Tabir)

    عزيزنا ايمن تابر
    سلام
    وكتير التقدير والاحترام
    على المرور الكريم
    تحياتى
                  

10-09-2009, 03:09 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)


    سقطنا من الجوِّ
    في حُفْرة ٍ ...
    فماذا سيحدثُ ؟
    سيناريو جاهزٌ :
    في البداية ننتظرُ الحظَّ ...
    قد يعثُرُ المنقذونَ علينا هنا
    ويمدّونَ حَبْلَ النجاة لنا
    فيقول : أَنا أَوَّلاً
    وأَقول : أَنا أَوَّلاً
    وَيشْتُمني ثم أَشتمُهُ
    دون جدوى،
    فلم يصل الحَبْلُ بعد ...
    يقول السيناريو :
    سأهمس في السرّ:
    تلك تُسَمَّي أَنانيَّةَ المتفائل ِ
    دون التساؤل عمَّا يقول عَدُوِّي
    أَنا وَهُوَ،
    شريكان في شَرَك ٍ واحد ٍ
    وشريكان في لعبة الاحتمالات ِ
    ننتظر الحبلَ ... حَبْلَ النجاة
    لنمضي على حِدَة ٍ
    وعلى حافة الحفرة ِ - الهاوية ْ
    إلي ما تبقَّى لنا من حياة ٍ
    وحرب ٍ ...
    إذا ما استطعنا النجاة !
    أَنا وَهُوَ،
    خائفان معاً
    ولا نتبادل أَيَّ حديث ٍ
    عن الخوف ... أَو غيرِهِ
    فنحن عَدُوَّانِ ...
    ماذا سيحدث لو أَنَّ أَفعى
    أطلَّتْ علينا هنا
    من مشاهد هذا السيناريو
    وفَحَّتْ لتبتلع الخائِفَيْن ِ معاً
    أَنا وَهُوَ ؟
    يقول السيناريو :
    أَنا وَهُوَ
    سنكون شريكين في قتل أَفعى
    لننجو معاً
    أَو على حِدَة ٍ ...
    ولكننا لن نقول عبارة شُكـْر ٍ وتهنئة ٍ
    على ما فعلنا معاً
    لأنَّ الغريزةَ ، لا نحن،
    كانت تدافع عن نفسها وَحْدَها
    والغريزة ُ ليست لها أَيديولوجيا ...
    ولم نتحاورْ،
    تذكَّرْتُ فِقْهَ الحوارات
    في العَبَث ِ المـُشْتَرَكْ
    عندما قال لي سابقاً :
    كُلُّ ما صار لي هو لي
    وما هو لك ْ
    هو لي
    ولك ْ !
    ومع الوقت ِ ، والوقتُ رَمْلٌ ورغوة ُ صابونة ٍ
    كسر الصمتَ ما بيننا والمللْ
    قال لي : ما العملْ؟
    قلت : لا شيء ... نستنزف الاحتمالات
    قال : من أَين يأتي الأملْ ؟
    قلت : يأتي من الجوّ
    قال : أَلم تَنْسَ أَني دَفَنْتُكَ في حفرة ٍ
    مثل هذى ؟
    فقلت له : كِدْتُ أَنسى لأنَّ غداً خُـلَّبـاً
    شدَّني من يدي ... ومضى متعباً
    قال لي : هل تُفَاوضني الآن ؟
    قلت : على أَيّ شيء تفاوضني الآن
    في هذه الحفرةِ القبر ِ ؟
    قال : على حصَّتي وعلى حصّتك
    من سُدَانا ومن قبرنا المشتركْ
    قلت : ما الفائدة ْ ؟
    هرب الوقتُ منّا
    وشذَّ المصيرُ عن القاعدة ْ
    ههنا قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة واحدة ْ
    .. وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو
    إلى آخره ْ !


    الشاعر محمود درويش
                  

10-09-2009, 01:44 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    قال للموت أنتظرنى
                  

10-09-2009, 03:24 PM

khatab
<akhatab
تاريخ التسجيل: 09-29-2007
مجموع المشاركات: 3433

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    Quote:

    مذ غَيَّبَتْهُ الارضُ سلّمت العيونُ بما رأَتْ

    وقلوبُنا لم تعترِفْ بغيابِهِ.

    وكأنه إذ ماتَ أَخلَفََ ما وَعَدْ.

    وكأننا لُمْناهُ بعضَ الشيء يومَ رحيلهِ.

    وكأنّنا كنّا اتّفقْنا أن يعيشَ إلى الأبدْ!

    "محمود إبنُ الكُلِّ" قالت أمُّهُ،

    وتراجعتْ عن عُشبهِ، خَفَراً، لتندفعَ البَلَدْ.

    يا ويحها حوريةٌ،

    هل أدركَتْ أنّ البلادَ لتوّها قد ودَّعَتْ من كل عائلة وَلَدْ؟




    محمود إبن الكل

    يا عثمان

    لك الود

    .
    .
                  

10-09-2009, 03:46 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: khatab)

    العزيز خطاب
    سلامات
    يقال أن :



    أعزّ محبّي محمود درويش وأخلصهم يؤكدون بمئات الأمثلة أن الله استخدم عيني محمود الواثقتين لكي يعكس بهما صور الثورة، أو صور الواقع الفلسطيني في زمن التحدي والقهر. لذلك كانت أقسى الصور وأبشعها تنعكس عبر موشور عينيه متلألئة بملايين الألوان، مصحوبة بملايين الانفجارات الضوئية المثيرة. قارئ محمود الخبير أو المبتدئ يستطيع أن يأتينا بعشرات الأمثلة على ذلك. كان محمود مرآة الثورة، مرآتها الملونة، في نظر الجميع، محبيه وحاسديه وأعدائه، منذ أن أنشد سجل أنا عربي حتى بعد أن ترك الحصان وحيدا.
    رحم الله درويش حبيب الكل .
    تحياتى وكتير أحترامى لمرورك الكريم
                  

10-09-2009, 05:40 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    درويش يبكى فى أربعين ممدوح
    _________

    كما لو نودي بشاعر أن انهض
    على أربعة أحرف يقوم اسمُك واسمي، لا على خمسة. لأن حرف الميم الثاني قطعة غيار قد نحتاج اليها أثناء السير على الطرق الوعرة.

    في عامٍ واحد وُلدنا، مع فارق طفيف في الساعات وفي الجهات. وُلدنا لنتدرّب على اللعب البريء بالكلمات. ولم نكترث للموت الذي تَدقّه النساء الجميلات، كحبة جوز، بكعوب أحذيتهن العالية.

    عالياً، عالياً كان كُل شيء... عالياً كالأزرق على جبال الساحل السوري، وكما يتسلق العشب الانتهازي أسوار السلطان، تسلقنا أقواس قُزحٍ، لنكتب بألوانها أسماء ما نحب من الأشياء الصغيرة والكبيرة:

    يداً تحلب ثدي الغزالة،

    مجداً لزارعي الخسّ في الأحواض، شغف الإسكافي بلمس قدم الأميرة، ومصائد أخرى لجمهور مطرود من المسرح.

    لم ننكسر بدويٍ هائل كما يحدث في التراجيديات الكبرى، بل كأشعة شمس على صخور مدَببة لم يُسفك عليها دم من قبل، لكنها أخذت لون النبيذ الفاسد، ولم نصرخ، هناك، لأن لا أحد، هناك، ليسمع: أو يشهد.

    دلتني عليك تلك الضوضاء التي أحدثتها نملة بين الخليج والمحيط، حين نجت من المذلة، واعتلت مئذنة لتؤذن في الناس بالأمل،

    ودلتك عليّ سخرية مماثلة!

    ولما التقينا عرفتك من سُعالك، إذ سبق لي أن حفظته من ايقاع شعرك الأول، يُفزع القطط النائمة في أزقة دمشق العتيقة، ويبعثر رائحة الياسمين.

    لم يكن لنا ماضٍ ذهبي على أهبة العودة، كما يدّعي رواد المقهى الخائفون من القبض على قرون الحاضر الهائج كالكبش، ولا غد أكيد، خلفنا، كما يدعي رواد الشعر الخالي من الملح، المتخم بفراغ المطلق.

    لم نبحث إلا عن الحاضر.

    ولكننا، من فرط ما أُهنّا، بشرنا بالقيامة بصوت مرتفع، أثار علينا غضب الملائكة المنذورين لصيانة اللغة الصافية من غبار الأرض، والباحثين عن الشعر الصافي في جناح بعوضة.

    ودُعينا، في غرف التشريح معقمة الهواء والكلام، الى بتر المفردات كثيرة الاستعمال. وسرعان سرعان ما علاها الصدأ من قلة الاستعمال، وفي أولها: الحياة... ومشتقاتها.

    لكننا آثرنا أن نخاصم الملائكة.

    ممدوح، لا أطيق سماع اسمك الآن، لأنه يذكرني بما ينقصني من رغبةٍ في الضحك معك على عورة بردى المكشوفة كأسرارنا القومية. ولأنه يُذكرني بمدى حاجتي الى استراحة من الركض آناء النوم، بحثاً عن حلم مسروق، أراه واضحاً وأحاور السارق. ويذكرني اسمك بما أنا فيه من طقطقة كأني حبّة بلوط في موقد الفقير ليلة العيد.

    لهذا، اكتب اسمك ولا ألفظه، ففي الكتابة يتموج اسمك على ماء الحضور. وفي الكلام أسمع وحش الغياب يطاردني من حرف الى حرف، ليفترس الشلو الأخير من قلبي الجائع الى هجائك المادح.

    ممدوح! ماذا فعلت بك وبنا؟ فلم نعد نحزن من تساقط شعرك المبلل بالزيت، فإنك تستعيده الآن من عشب الأرض. ولكن، في أية ريح أخفيت عنا سعالك، فلم يعد في غيابك متسع لغياب آخر.

    لا لأن حروف اسمك هي حروف اسمي، لا أتبين من منا هو الغائب، بل لأن الحياة التي آلفت بين ثعلبين ماكرين لم تمنحنا الوقت الكافي لنقول لها كم أحببناها، وكم أحببنا فجورها وتقواها... فتركت ثعلباً منا بلا صاحب.

    لا جلجامش ولا انكيدو. ولا الخلود هو المبتغى ولا قوة الثور. فنحن الخفيفان الهشان، كواقعنا هذا، لم نطلب أكثر من وقت اضافي لنلعب بالكلمات لعباً غير بريء، هذه المرة، أو لنورث ما لم نقله بعد من لم يقل بعد. ولنجعل من الشعر مزاحاً مستحباً مع العدم. لكن حرف الميم الثاني في اسمك واسمي ظلَّ قطعة غيار لا تنفع.

    ممدوح! هذا هو وقت الزفاف الفاحش بين الرعد والصحراء، شرق الشمال، لإنجاب الكمأ اعجازي التكوين. صف لي ولادة الكمأة أصف لك عجزي عن وصف القصيدة، فانظر شرق الشمال!

    هي حسرة التعريف، أنين الرمل على الشاطئ حيث يرفع القمر، بأصابعه الفضية، سروال البحر وقت الجزر، ويرش علينا قصيدة حب، إباحية التصوف.

    فاغضض من صوتك، لا من بصرك، وانظر. فمنذ ولادة اللغز الكوني، والشعر مختبئ في أشد المواقع انكشافاً. ويظهر جلياً جلياً في اللامرئي من سماء مسقوفة بكفاءة الغيب.

    كل الأزهار شريفة حيث تترك لحالها، ما عدا القرنفلات الحمر التي يضعها الجنرالات، ما بين وسامٍ ونجمة، على بزة سوداء أو كحلية... لخداع أرامل الشهداء.

    وكل اليمامات نظيفة، حتى لو بالت على شرفاتنا والوسائد، ما عدا اليمامات التي يدربها الغزاة والطغاة معاً، وعلى حدة، على الطيران الرسمي في أعياد ميلادهم، وفي مناسبات وطنية أقل أهمية.

    الآن، لا أتذكر شيئاً منك. فالذكرى تلي الحرب والموت والزلزال. وأنت، ما زلت معي تكتب هذه المرثية، على هذه الورقة البيضاء، في هذا الليل البارد... أو نكتبها معاً لشاعر محبط. فلعلها لا تعجبه فيتوقف عن اغتيال نفسه، الى أن يقوم غيرنا بكتابة مرثية أفضل، لا تعجبه هي أيضاً، فينتظر غيرها ويحيا أكثر.

    كما لو نُودي بشاعرٍ أن انهض من هذا الألم.

    وأنسى الآن، لتبقى معي، أكثر من غلسٍ لم يدركنا ولم ندركه قبل أن تُفرغ آخر كرم عنبٍ مقطر في كأسك التي لا تخلو أبداً إلا لتنكسر، أيها العاصر الماهر!

    ليس هذا مجازاً، بل هو أسلوب ليلٍ لا يصلح إلا ضيفاً، وأنت المضيف الباذخ. وإن افتأت عليك، كصديقٍ حامض القلب، عاملته بالحسنى وأرقت عليه حليب الفجر.

    لكني لا أنسى ضحكتك التي تشبه شجرة زنزلخت مبحوحة الأغصان، عاليةً وعريضة، لا تاريخ لها منذ صار التاريخ قهقهة عابثة. ومنذ عادت الجرار الى حفظ الصدى، كالزيت، خوفاً عليه من آثار الشمس الجانبية.

    كم حيَّرني فيك انشقاق طاقاتك الإبداعية عن مسار التخصص، كعازفٍ يحتار في أية آلة موسيقية يتلألأ. لم أقل لك ان واحداً منك يكفي لتكون عشيرة نحل تمنح العسل السوري مذاق المتعة الحارق. بحثت عن الفريد في الكثير، من دون أن تعلم أن الفريد هو أنت. وأنت أمامك بين يديك. ألا ترى اليك، أم وجدت نفسك أصفى في تعددها، يا صديقي المفرط في التشظي ككوكبٍ يتكون.

    فصصت الثوم للقصيدة لتحمي شرايينها من التصلب. فالشعر، كالجسد، في حاجة هو أيضاً الى عناية طبية، والى فصادٍ كلما أُصيب الدم بالتلوث. آه، من التلوث الذي جعل الإيقاع نشازاً، واستبدل حفيف الشجر بموسيقى الحجر، واعتبر الحياة عبئاً على الاستعارة!

    لكن هذا لم يهمك. لأن الحياة لا تُوهب لتعرف أو تعرض للنقاش، بل لتُعاش... وتعاش بكاملها، وتُلتهم كقطعة حلوى إلهية، أو شفتين ناضجتي الكرز. وقد عشتها كما شئت أنت، لا كما هي شاءت. أحببتها فأحبتك. وشاكست ما يجعلها أحد أسماء الموت، في عصر القتل المعولم الذي يمنح القتلى قسطاً من الحياة لا لشيء... الا لينجبوا قتلى.

    يا ابن الحياة الحر، أيها المدافع عن جمال الوردة العفوي، وحرية العشاق في العناق على مرأى من كهان الطهارة ال########ين! من بعدك سيسخر ممن يتقنون تسمية الآلهة، ولا يقوون على تسمية الضحايا؟ يأنفون من الانتباه الى دم مسفوك على طريق المعراج، ويسرفون في التحديق الى غيمة عابرة في سماء طروادة، لأن الدم قد يلطخ نقاء الحداثة المتخيلة، ولأن الغيم سرمدي الدلالات. لعلهم على حق، ما دامت هزائمنا تستدعي تطوير النقد الى هذا الحد!

    لكن هذا أيضاً لا يهمك، أيها المتعالي على التعالي، أيها العالي من فرط ما انحنيت بانضباط جنديٍ أمام سنبلة، ونظرت، حزيناً غاضباً، الى أحذية الفقراء المثقوبة، فانحزت الى طريقها الممتلئ بغبار الشرف. الشرف؟ يسألك المترجم: ما معنى هذه الكلمة؟ فلم أجدها في الطبعات الجديدة من المعاجم.

    ممدوح، يا صديقي، لماذا كما يفعل الطرخون خانك وخاننا قلبك؟ لماذا لم تعلم كم نحبك؟ لماذا تمضي وتتركني ناقصاً؟ لماذا... لماذا؟
                  

10-09-2009, 07:01 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    الحنين بعد


    جمال الموساوي


    أخيرا توقف محمود درويش عن كتابة فصول أخرى من قصيدة الحنين التي ظل يكتبها طيلة حياته الممتدة على 67 سنة، قضى أغلبها في المنافي باحثا عن طريق تؤدي إلى وطن من تراب وأهل. وقبل أن يتوقف قلب الشاعر الكبير عن النبض كانت القصيدة هي الوطن الذي أوى إليه لائذا بها من الضياع في زحام العالم الذي أدار ظهره دائما لحقه وحق الفلسطينيين في وطن حر ومستقل.

    لقد أخذ محمود درويش على عاتقه، ومن زاوية جمالية مشوبة بروح نضالية عالية، الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني مانحا لهذه القضية بعدها الإنساني في إطار ملحمي أحيانا وغنائي أحيانا أخرى، وبذلك كانت قصيدته وسيلة نضالية موازية للنضال السياسي وللكفاح المسلح دفاعا عن حق الفلسطيني في الوجود، وكان حتي قصائده التي يحاور فيها ذاته أو يكتب فيها عن الحب والعاطفة قريبا دائما من الألم الفلسطيني الجماعي، وهو الألم الذي ولد معه ذات يوم من أيام سنة 1941 في قرية صغيرة اسمها البروة دمرتها في ما بعد العصابات الصهيونية ضمن ما تم تدميره من القرى والبلدات الفلسطينية.

    ولم يكن محمود درويش شاعرا فحسب، بل مناضلا سياسيا أيضا في قالب جمالي هزت قصائده غير ما مرة الكيان الصهيوني، وكلنا نتذكر قصيدته الكبيرة “أيها المارون بين الكلمات العابرة” التي أثارت حنقا كبيرا في الكنسيت الإسرائيلي، بالنظر إلى نبرتها الواضحة من غير توريات خفية أو مجازات غامضة، كما لو أنها بيان “جمالي” ضد الاحتلال والغزاة:

    أيها المارون بين الكلمات العابره،

    آن أن تنصرفوا

    وتقيموا أينما شئتم ، ولكن لا تموتوا بيننا

    فلنا في ارضنا ما نعمل

    ولنا الماضي هنا

    ولنا صوت الحياة الاول

    ولنا الحاضر، والحاضر ، والمستقبل

    ولنا الدنيا هنا… والآخرة

    وفي آخر زيارة للمغرب، كما في قصائده الأخيرة، بدأ محمود درويش حوارا مفتوحا مع الموت ومع ذاته/ آخره كما يراه بعد أن يموت:

    ويا مَوْتُ انتظرْ ، ياموتُ ،

    حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع

    وصحّتي ، لتكون صيَّاداً شريفاً لا

    يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع . فلتكنِ العلاقةُ

    بيننا وُدّيَّةً وصريحةً : لَكَ أنَتَ

    مالَكَ من حياتي حين أَملأُها ..

    ولي منك التأمُّلُ في الكواكب :

    لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً ، تلك أَرواحٌ

    تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها

    وكأنه بذلك كان يكتب وصاياه ويؤرخ لتاريخه الشخصي الذي ليس في الواقع إلا تاريخا للشعب الفلسطيني بأكمله، باعتباره عاش المراحل الاولى للتشرد مع نكبة 1948، وإعلان الكفاح المسلح وحصار الثورة الفلسطينية في لبنان ثم الرحيل الجديد باتجاه الضياع، أو كما جسد ذلك في قصيدة “مطار أثينا” وهو يتحدث بألم وسخرية معا:

    قال رجال الجمارك: من أين جئتم؟

    أجبنا: من البحر.

    قالوا: إلى أين تمضون؟

    قلنا: إلى البحر

    لقد ناضل درويش على واجهتين مستثمرا روافده الثقافية المتنوعة، فبقدر ما دافع عن حق الفلسطيني في الوجود “إما أن تكون أو لا تكون”، حول قصيدته إلى ورشة لضخ دماء جديدة في القصيدة العربية المعاصرة، فكانت قصيدة منسجمة مع روح الحداثة في الشعر العالمي دون أن تتخلى عن روح القصيدة العربية الأصيلة، وهو مؤشر على ريادته الشعرية إلى حد اعتبار نهجه واختياره الشعريين مدرسة قائمة، يعزز ذلك التأثير الكبير الذي لقصائده على أجيال من الشعراء العرب. يدخلون مدرسته في طريق بحثهم عن صوت خاص في سماء الشعر العربي، كما يعزز ذلك أنه واحد من أكثر الشعراء العرب مقروئية، وواحدا من أكثرهم “جماهيرية”، إذ يكفي استحضار الجموع التي كانت تحضر أمسياته التي يزيدها ألقا إلقاؤه المتميز لقصائده.

    رحيل محمود درويش، بعد أن امتلأ بكل أسباب الرحيل، كما كتب في جداريته، وبعد أكثر من عملية على القلب الهش، المليء بالألم، وبالحنين إلى الأرض والأهل وإلى العديد مما لم يره من الأحلام، ليس رحيلا عاديا لشاعر عاد، بل هو خسارة كبيرة للنضال الفلسطيني، وللقصيدة العربية الحديثة التي سيظل أحد أعمدتها الأساس
                  

10-09-2009, 07:24 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)



    قال للموت أنتظرنى
                  

10-10-2009, 00:01 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    أهديها غزالا

    وشاح المغرب الوردى فوق ضفائر الحلوه
    وحبة برتقال كانت الشمس .
    تحاول كفها البيضاء أن تصطادها عنوة
    وتصرخ بى ، وكل صراخها همس :
                  

10-10-2009, 01:06 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)





    مقاطع من قصيدة محمود درويش"لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي":


    يقول لها وهما ينظران إلى وردة تجرح الحائط

    اقترب الموت مني قليلا فقلت له:

    كان ليلي طويلا فلا تحجب الشمس عني

    وأهديته وردة مثل تلك

    فأدى تحيته العسكرية للغيب

    ثم استدار

    وقال: إذا ما أردتك يوما وجدتك فاذهب"...


    أما قصيدته "نزار قباني" فيستهلها:

    كان أنيقا كريش الطواويس، لكنه

    لم يكن دونجوان.

    تحط النساء

    على قلبه خدما للمعاني،

    ويذهبن في كلمات الأغاني

    ويمشي وحيدا

    إذا انتصف الليل قاطعه الحلم:

    في داخلي غرف لا يمر بها أحد للتحية.

    منذ تركت دمشق تدفق في لغتي بردا، واتسعت.

    أنا شاعر الضوء

    والفل.. لا ظل.. لا ظل في لغتي.

    كل شيء يدل على ما هو الياسمين.

    أنا العفوي البهي أرقص خيل الحماسة فوق سطوح الغناء

    وتكسرني غيمة.

    صورتي كتبت سيرتي،

    ونفتني إلى الغرف الساحلية..".
                  

10-10-2009, 04:09 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    إلـى أمّــي
    محمود درويش - فلسطين



    أحنُّ إلى خبزِ أمّي

    وقهوةِ أمّي
    ولمسةِ أمّي
    وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
    يوماً على صدرِ يومِ
    وأعشقُ عمري لأنّي
    إذا متُّ
    أخجلُ من دمعِ أمّي

    خذيني، إذا عدتُ يوماً
    وشاحاً لهُدبكْ
    وغطّي عظامي بعشبِ
    تعمّد من طُهرِ كعبكْ
    وشدّي وثاقي..
    بخصلةِ شَعر..
    بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
    عساني أصيرُ إلهاً
    إلهاً أصير..
    إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!

    ضعيني، إذا ما رجعتُ
    وقوداً بتنّورِ ناركْ
    وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
    لأني فقدتُ الوقوفَ
    بدونِ صلاةِ نهارِكْ
    هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
    حتّى أُشارِكْ
    صغارَ العصافيرِ
    دربَ الرجوع..
    لعشِّ انتظاركْ..
                  

10-10-2009, 04:15 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    طباق
    إلى إدوارد سعيد
    محمود درويش - فلسطين

    نيويورك، نوفمبر، الشارع الخامس
    الشمس صحن من المعدن المتطاير
    فوضى لغات
    زحام على مهرجان القيامة
    هاوية كهربائية بعلو السماء
    قصائد ويتمان
    تمثال حرية لا مبال بزوّاره
    جامعات
    مسارح
    قداس جاز
    متاحف للغد
    لا وقتَ في الوقت
    قلت لنفسي الغريبة:
    هل هذه بابل، أم سدوم؟
    هناك التقيت بإدوارد قبل ثلاثين عاما
    وكان الزمان أقلَّ جموحا من الآن
    قال كلانا:
    إذا كان ماضيك تجربة
    فاجعل الغد معنىً ورؤيا
    لنذهب إلى غدنا واثقين بصدق الخيال
    ومعجزة العشب
    لا أتذكر أنّا ذهبنا إلى السينما في المساء
    ولكنْ سمعت هنودا قدامى ينادونني
    لا تثق بالحصان ولا بالحداثة
    لا ضحية تسأل جلادها: هل أنا أنتَ
    لو كان سيفي أكبرَ من وردتي
    هل تسأل إن كنت أفعل مثلك
    سؤال كهذا يثير فضول الروائي
    في مكتب من زجاج
    يطل على زنبق في الحديقة
    حيث تكون يد الفرضية بيضاء
    مثل ضمير الروائي
    حين يصفّي الحساب مع نزعة البشرية
    لا غدَ في الأمس
    فلتتقدمْ إذا
    قد يكون التقدم جسر الرجوع
    إلى البربرية

    نيويورك
    إدوارد يصحو على جرس الفجر
    يعزف لحنا لموتسارت
    يركض في ملعب التنس الجامعي
    يفكر في رحلة الفكر عبر الحدود وفوق الحواجز
    يقرأ نيويورك تايمز
    يكتب تعليقه المتوتر
    يلعن مستشرقا يرسل الجنرال إلى نقطة الضعف
    في قلب شرقية
    يستحمّ
    ويختار بذلته بأناقة ديك
    ويشرب قهوته بالحليب
    ويصرخ في الفجر: لا تتلكأ
    على الريح يمشي
    وفي الريح يعرف من هو
    لا سقف للريح
    لا بيت للريح
    والريح بوصلة لشمال الغريب
    يقول:
    أنا من هناك
    أنا من هنا
    ولست هناك ولست هنا
    ليَ اسمان يلتقيان ويفترقان
    ولي لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم
    لي لغة إنجليزية للكتابة طيّعة المفردات
    ولي لغة من حوار السماء مع القدس
    فضية النبر
    لكنها لا تطيع مخيلتي
    والهوية قلت
    قال دفاع عن الذات
    إن الهوية بنت الولادة
    لكنها في النهاية إبداع صاحبها
    لا وراثة ماض
    أنا المتعدد
    في داخلي خارجي المتجدد
    لكنني أنتمي لسؤال الضحية
    لو لم أكن من هناك
    لدربت قلبي على أن يربي غزال الكناية
    فاحمل بلادك أنّى ذهبت
    وكن نرجسيَ السلوك
    لكي يعرفوك إذا لزم الأمر
    منفى هو العالم الخارجي
    ومنفى هو العالم الباطني
    فمن أنت بينهما؟
    لا أعرّف نفسي لئلا أضيّعها
    وأنا ما أنا
    وأنا آخري في ثنائية تتناغم بين الكلام وبين الإشارة
    ولو كنت أكتب شعرا لقلت:
    أنا اثنان في واحد كجناحيْ سنونوة
    إن تأخر فصل الربيع اكتفيت بنقل الإشارة
    يحب بلادا
    ويرحل عنها
    هل المستحيل بعيد؟
    يحب الرحيل إلى أي شيء
    ففي السفر الحر بين الثقافات
    قد يجد الباحثون عن الجوهر البشري
    مقاعد جاهزة للجميع
    هنا هامش يتقدّم
    أو مركز يتراجع
    لا الشرق شرق تماماً
    ولا الغرب غرب تماماً
    فإن الهوية مفتوحة للتعدد
    لا صَدَفا
    أو خنادق
    كان المجاز ينام على ضفة النهر
    لولا التلوث لاحتضن الضفة الثانية
    هل كتبت الرواية؟
    حاولت
    حاولت أن أستعيد بها صورتي
    في مرايا النساء البعيدات
    لكنّهن توغلن في ليلهن الحصين
    وقلنَ: لنا عالم مستقل عن النص
    لن يكتب الرجل المرأة اللغز والحلم
    لن تكتب المرأة الرجل الرمز والنجم
    لا حب يشبه حباً
    ولا ليل يشبه ليلاً
    فدعنا نعدد صفات الرجال ونضحك
    وماذا فعلت؟
    ضحكت على عبثي
    ورميتُ الرواية في سلة المهملات
    المفكر يكبح سرد الروائي
    والفيلسوف يشرّح ورد المغني
    يحب بلاداً
    ويرحل عنها
    أنا ما أقول وما سأكون
    سأصنع نفسي بنفسي
    وأختار منفاي موسوعة لفضاء الهوية
    منفاي خلفية المشهد الملحمي
    أدافع عن حاجة الشعراء
    إلى الغد والذكريات معاً
    وأدافع عن شجر ترتديه الطيورُ
    بلاداً ومنفى
    وعن قمر لم يزل صالحاً لقصيدة حب
    أدافع عن فكرة كسرتها هشاشة أصحابها
    وأدافع عن بلد خطفته الأساطير
    هل تستطيع الرجوع إلى أي شيْ؟
    أمامي يجرّ ورائي ويسرع
    لا وقت في ساعتي لأخط سطوراً على الرمل
    لكنني أستطيع زيارة أمس
    كما يفعل الغرباء
    إذا استمعوا في المساء الحزين
    إلى الشاعر الرعوي:
    فتاة على النبع تملأ جرتها بدموع السحاب
    وتبكي وتضحك
    من نحلة لسعت قلبها
    في مهب الغياب
    هل الحب ما يوجع الماء
    أم مرض في الضباب
    ..إلى آخر الأغنية
    إذا
    قد يصيبك داء الحنين
    حنيني إلى الغد
    أبعد أعلى وأبعد
    حلمي يقود خطاي
    ورؤياي تجلس حلمي على ركبتيّ
    كقط أليف
    هو الواقعي الخيالي
    وابن الإرادة
    في وسعنا أن نعدّل حتمية الهاوية
    والحنينُ إلى أمس عاطفة لا تخص المفكرَ
    إلا ليفهم شوق الغريب
    إلى أدوات الغياب
    وأما أنا فحنيني صراع على حاضر
    يمسك الغد من خصيتيه
    ألم تتسلل إلى الأمس
    حين ذهبت إلى البيت
    بيتك في القدس
    في حارة الطالبية؟
    هيأت نفسي لأن أتمدد في تخت أمي
    كما يفعل الطفل حين يخاف أباه
    وحاولت أن أستعيد ولادة نفسي
    وحاولت أن أتحسس جلد الغياب
    ورائحة الصيف من ياسمين الحديقة
    لكنّ ضبع الحقيقة فرّقني
    عن حنين تلفت كاللص حولي
    أخفت؟
    وماذا أخذت؟
    لا أستطيع لقاء الخسارة وجها لوجه
    وقفت على الباب كالمتسوّل
    هل أطلب الإذن من غرباء
    ينامون فوق سريري أنا في زيارة نفسي
    لخمس دقائق
    هل أنحني باحترام
    لسكان حلمي الطفولي
    هل يسألون:
    من السائل الأجنبي الفضولي
    هل أستطيع الكلام عن السلم والحرب
    بين الضحايا وبين ضحايا الضحايا
    بلا كلمات إضافية
    وبلا جملة اعتراضية
    هل يقولون لي:
    لا مكان لحلمين في مخدع واحد
    لا أنا أو هو
    ولكنه قارئ يتساءل
    عما يقول لنا الشعر في زمن الكارثة
    دم
    ودم
    ودم في بلادك
    باسمي وباسمك
    في زهرة اللوز
    في قشرة الموز
    في لبن الطفل
    في اللون
    في الظل
    في حبة القمح
    في علبة الملح
    قناصة بارعون
    يصيبون أهدافهم بامتياز
    دما
    ودما
    ودما
    هذه الأرض أصغر من دم أبنائها الواقفين
    على عتبات القيامة مثل القرابين
    هل هذه الأرض حقا مباركة
    أم معمّدة بدم
    ودم
    ودم لا تجففه الصلوات
    ولا الرمل
    لا عدّ في صفحات الكتاب المقدس
    يكفي لكي يفرح الشهداء
    بحرية المشي فوق الغمام
    دم في النهار
    دم في الظلام
    دم في الكلام
    يقول: القصيدة قد تستضيف الخسارة
    خيطا من الضوء يلمع في قلب غيتارة
    أو مسيحا على فرس مثخن بالمجاز الجميل
    فليس الجمالي إلا حضور الحقيقي في الشكل.
    في عالم لا سماء له
    تصبح الأرض هاوية
    والقصيدة إحدى هِبات العزاء
    وإحدى صفات الرياح
    جنوبية أو شمالية
    لا تصف ما ترى الكاميرا من جروحك
    واصرخ لتسمع نفسك
    واصرخ لكي تعلم
    أن الحياة على هذه الأرض ممكنة
    فاخترع أملا للكلام
    ابتكر جهة أو سرابا
    يطيل الرجاء
    وغنّ
    فإن الجمالي حرية
    أقول:
    الحياة التي لا تعرّف
    إلا بضد هو الموت
    ليست حياة
    يقول:
    سنحيا
    ولو تركتنا الحياة إلى شأننا
    فلنكن سادة الكلمات
    التي سوف تجعل قراءها خالدين
    على حد تعبير صاحبك الفذ ريتسوس
    وقال: إذا متّ قبلكَ
    أوصيك بالمستحيل
    سألت:
    هل المستحيل بعيدٌ؟
    فقال: على بعد جيل
    سألت:
    فإن متّ قبلك
    قال: أعزّي جبال الجليل
    وأكتب: ليس الجمالي إلا بلوغ الملائم
    والآن، لا تنس
    إن متّ قبلكَ
    أوصيك بالمستحيل
    عندما زرته
    في سدومَ الجديدة في عام ألفين واثنين
    كان يقاوم حرب سدوم على أهل بابل
    والسرطان معا
    كان كالبطل الملحمي الأخير
    يدافع عن حق طروادة في اقتسام الرواية
    نسر يودع قمته
    عاريا
    عاريا
    فالإقامة فوق الأولمب
    وفوق القممْ
    تثير السأم
    وداعا
    وداعا
    وداعا لشعر الألم

                  

10-10-2009, 06:14 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    جدارية
    ..

    هذا هو اسمكَ
    قالتِ امرأة
    وغابت في الممرّ اللولبي...
    أرى السماء هُناكَ في متناولِ الأيدي.
    ويحملني جناحُ حمامة بيضاءَ صوبَ
    طفولة أخرى. ولم أحلم بأني
    كنتُ أحلمُ. كلُّ شيء واقعيّ. كُنتُ
    أعلمُ أنني ألقي بنفسي جانباً...
    وأطيرُ. سوف أكون ما سأصيرُ في
    الفلك الأخيرِ. وكلُّ شيء أبيضُ،
    البحرُ المعلَّق فوق سقف غمامة
    بيضاءَ. واللا شيء أبيضُ في
    سماء المُطلق البيضاء. كُنتُ، ولم
    أكُن. فأنا وحيد في نواحي هذه
    الأبديّة البيضاء. جئتُ قُبيَل ميعادي
    فلم يظهر ملاك واحد ليقول لي:
    "ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟"
    ولم أسمع هتَافَ الطيَبينَ، ولا
    أنينَ الخاطئينَ، أنا وحيد في البياض،
    أنا وحيدُ...
    لا شيء يُوجِعُني على باب القيامةِ.
    لا الزمانُ ولا العواطفُ. لا أُحِسُّ بخفَّةِ
    الأشياء أو ثقل
    الهواجس. لم أجد أحداً لأسأل:
    أين "أيني" الآن؟ أين مدينة
    الموتى، وأين أنا؟ فلا عدم
    هنا في اللا هنا... في اللا زمان،
    ولا وُجُودُ
    وكأنني قد متُّ قبل الآن...
    أعرفُ هذه الرؤية وأعرفُ أنني
    أمضي إلى ما لستُ أعرفُ. رُبَّما
    ما زلتُ حيّاً في مكان ما، وأعرفُ
    ما أريدُ...
    سأصير يوماً فكرةً. لا سيفَ يحملُها
    إلى الأرض اليباب، ولا كتابَ...
    كأنها مطر على جبل تصدَّع من
    تفتُّحِ عُشبة،
    لا القُوَّةُ انتصرت
    ولا العدلُ الشريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً طائراً، وأسُلُّ من عدمي
    وجودي. كُلَّما احترقَ الجناحانِ
    اقتربت من الحقيقةِ. وانبعثتُ من
    الرماد. أنا حوارُ الحالمين، عَزفتُ
    عن جسدي وعن نفسي لأكملَ
    رحلتي الأولى إلى المعاني، فأحرقني
    وغاب. أنا الغيابُ، أنا السماويُّ
    الطريدُ. سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً شاعراً،
    والماءُ رهنُ بصيرتي. لُغتي مجاز
    للمجاز، فلا أقول ولا أشيرُ
    إلى مكان. فالمكان خطيئتي وذريعتي.
    أنا من هناك. "هُنايَ" يقفزُ
    من خُطايَ إلى مُخيّلتي...
    أنا من كنتُ أو سأكون
    يصنعُني ويصرعُني الفضاءُ
    اللانهائيُّ
    المديدُ.
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصيرُ يوماً كرمةً،
    فليعتصرني الصيفُ منذ الآن،
    وليشرب نبيذي العابرون على
    ثُريّات المكان السكّريِّ!
    أنا الرسالةُ والرسولُ
    أنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    هذا هوَ اسمُكَ
    قالتِ امرأة،
    وغابت في ممرِّ بياضها
    هذا هو اسمُكَ، فاحفظِ اسمكَ جيِّداً!
    لا تختلف معهُ على حرف
    ولا تعبأ براياتِ القبائلِ،
    كُن صديقاً لاسمك الأفقَيِّ
    جرِّبهُ مع الأحياء والموتى
    ودرِّربهُ على النُطق الصحيح برفقة
    الغرباء
    واكتبهُ على إحدى صُخور الكهف،
    يا اسمي: سوف تكبرُ حين أكبرُ
    الغريبُ أخُو الغريب
    سنأخذُ الأنثى بحرف العلَّة المنذور
    للنايات.
    يا اسمي: أين نحن الآن؟
    قل: ما الآن، ما الغدُ؟
    ما الزمانُ وما المكانُ
    وما القديمُ وما الجديدُ؟
    سنكون يوماً ما نريدُ (...).



    الشاعر محمود درويش
                  

10-11-2009, 03:53 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    قال للموت أنتظرنى
                  

10-10-2009, 04:43 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    قال للموت أنتظرنى
                  

10-11-2009, 02:11 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    أيها الموت أنتظرنى
                  

10-11-2009, 02:48 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)



    المدينة المحتلة

    الطفلة احترقتْ أُمُّها
    أمامها..
    احترقتْ كالمساءْ.
    و علَّموها: يصير اسمُها-
    في السَّنةِ القادمهْ-
    سيِّدَة الشهداءْ
    و سوف تأتي إليها
    إذا وافق الأنبياء!

    الطفلة احترقتْ أُمُّها
    أمامها..
    احترقت كالمساء.
    من يوهما،
    لا تحبُّ القمر
    و لا الدُّمى
    كُلَّما
    جاء المسا، صرخت كُلُّها:
    أنا قتلتُ القمر
    لأنه قال لي:.... قال.. قال:
    أمُّكِ لا تشبه البرتقال
    و لا جذوع الشجر
    أمُّكِ في القبر
    لا في السماء.

    الطفلة احترقتْ أُمُّها
    أمامها..
    احترقت كالمساء..
                  

10-11-2009, 04:49 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    قال للموت أنتظرنى
                  

10-11-2009, 07:29 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    جدارية
    ..

    هذا هو اسمكَ
    قالتِ امرأة
    وغابت في الممرّ اللولبي...
    أرى السماء هُناكَ في متناولِ الأيدي.
    ويحملني جناحُ حمامة بيضاءَ صوبَ
    طفولة أخرى. ولم أحلم بأني
    كنتُ أحلمُ. كلُّ شيء واقعيّ. كُنتُ
    أعلمُ أنني ألقي بنفسي جانباً...
    وأطيرُ. سوف أكون ما سأصيرُ في
    الفلك الأخيرِ. وكلُّ شيء أبيضُ،
    البحرُ المعلَّق فوق سقف غمامة
    بيضاءَ. واللا شيء أبيضُ في
    سماء المُطلق البيضاء. كُنتُ، ولم
    أكُن. فأنا وحيد في نواحي هذه
    الأبديّة البيضاء. جئتُ قُبيَل ميعادي
    فلم يظهر ملاك واحد ليقول لي:
    "ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟"
    ولم أسمع هتَافَ الطيَبينَ، ولا
    أنينَ الخاطئينَ، أنا وحيد في البياض،
    أنا وحيدُ...
    لا شيء يُوجِعُني على باب القيامةِ.
    لا الزمانُ ولا العواطفُ. لا أُحِسُّ بخفَّةِ
    الأشياء أو ثقل
    الهواجس. لم أجد أحداً لأسأل:
    أين "أيني" الآن؟ أين مدينة
    الموتى، وأين أنا؟ فلا عدم
    هنا في اللا هنا... في اللا زمان،
    ولا وُجُودُ
    وكأنني قد متُّ قبل الآن...
    أعرفُ هذه الرؤية وأعرفُ أنني
    أمضي إلى ما لستُ أعرفُ. رُبَّما
    ما زلتُ حيّاً في مكان ما، وأعرفُ
    ما أريدُ...
    سأصير يوماً فكرةً. لا سيفَ يحملُها
    إلى الأرض اليباب، ولا كتابَ...
    كأنها مطر على جبل تصدَّع من
    تفتُّحِ عُشبة،
    لا القُوَّةُ انتصرت
    ولا العدلُ الشريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً طائراً، وأسُلُّ من عدمي
    وجودي. كُلَّما احترقَ الجناحانِ
    اقتربت من الحقيقةِ. وانبعثتُ من
    الرماد. أنا حوارُ الحالمين، عَزفتُ
    عن جسدي وعن نفسي لأكملَ
    رحلتي الأولى إلى المعاني، فأحرقني
    وغاب. أنا الغيابُ، أنا السماويُّ
    الطريدُ. سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصير يوماً شاعراً،
    والماءُ رهنُ بصيرتي. لُغتي مجاز
    للمجاز، فلا أقول ولا أشيرُ
    إلى مكان. فالمكان خطيئتي وذريعتي.
    أنا من هناك. "هُنايَ" يقفزُ
    من خُطايَ إلى مُخيّلتي...
    أنا من كنتُ أو سأكون
    يصنعُني ويصرعُني الفضاءُ
    اللانهائيُّ
    المديدُ.
    سأصير يوماً ما أريدُ
    سأصيرُ يوماً كرمةً،
    فليعتصرني الصيفُ منذ الآن،
    وليشرب نبيذي العابرون على
    ثُريّات المكان السكّريِّ!
    أنا الرسالةُ والرسولُ
    أنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
    سأصير يوماً ما أريدُ
    هذا هوَ اسمُكَ
    قالتِ امرأة،
    وغابت في ممرِّ بياضها
    هذا هو اسمُكَ، فاحفظِ اسمكَ جيِّداً!
    لا تختلف معهُ على حرف
    ولا تعبأ براياتِ القبائلِ،
    كُن صديقاً لاسمك الأفقَيِّ
    جرِّبهُ مع الأحياء والموتى
    ودرِّربهُ على النُطق الصحيح برفقة
    الغرباء
    واكتبهُ على إحدى صُخور الكهف،
    يا اسمي: سوف تكبرُ حين أكبرُ
    الغريبُ أخُو الغريب
    سنأخذُ الأنثى بحرف العلَّة المنذور
    للنايات.
    يا اسمي: أين نحن الآن؟
    قل: ما الآن، ما الغدُ؟
    ما الزمانُ وما المكانُ
    وما القديمُ وما الجديدُ؟
    سنكون يوماً ما نريدُ (...).



    الشاعر محمود درويش
                  

10-14-2009, 04:31 AM

Ash

تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 747

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    ...

    وكأنني قد متُّ قبل الآن...

    (عدل بواسطة Ash on 10-14-2009, 05:08 AM)

                  

10-14-2009, 06:01 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Ash)

    العزيز Ash أشرف الشيخ
    سلامات
    وسلام كتير على ضريح الدرويش الجميل
    تحياتى
    وجزيل شكرى
                  

10-15-2009, 02:58 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    *
                  

10-15-2009, 11:03 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    أنتظرنى
                  

10-16-2009, 04:14 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    أيها الموت أنتظرنى
                  

10-18-2009, 03:33 AM

Aymen Tabir
<aAymen Tabir
تاريخ التسجيل: 12-02-2003
مجموع المشاركات: 2612

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Osman Musa)

    عزيزي عثمان موسى
    التحايا
    اتمنى ان يظل هذا البوست عاليا
    موت الشاعر .. محزن
    والاكثر حزنا .. الحكي عن غيبته الابديه ..
    حكي الصحاب والاصدقاء عن درويش ورحيله الفاجع .. فما جفت المقل .. ولا كفت الكلمات نعيه
    خصصت "الكرمل" العدد 90 ربيع 2009 لتلمس رحيل درويش فكتبوا جميعا .. خوري ،دراج،سعدي يوسف واخرون
    كتبوا عن ديوانه الاخير الذي اعده قبل الرحيل .. كتبوا عن قفشاته .. ضحكه .. علاقات المكان والزمان ........
    اخترت هذه الجزئيه والتي اصبحت جزء من التقديم لديوانه الاخير كتبها خوري .. موجع فيها الفقد والفراغ .. وغيبة الشاعر
    لك التقدير على هذه المساحه
    ورحم الله ابو الكلمات درويش
    Quote: 23
    خوري: الديوان الأخير
    إضاءة
    الديوان الأخير
    حكاية هذه المجموعة 1
    الياس خوري
    -23-
    كان لقائي بمحمود درويش، ظهر ذلك اليوم من شهر أيلول ملتبسا وغريبا. ذهبت إلى عمان
    للاشتراك في اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤسسة محمود درويش. مساء اليوم الذي سبقه التقيت
    بأحمد درويش والمحامي جواد بولص، الآتيين من الجليل، وبعلي حليلة ومارسيل خليفة، في
    باحة الفندق. علي الذي رافق، مع أكرم هنية، الشاعر في رحلته الأخيرة إلى هيوستن تكساس،
    حيث أجريت له جراحة الشريان الأبهر التي أودت به، روى لنا الأيام الأخيرة من حياة الشاعر،
    وتطور الانهيار الجسدي الشامل الذي أصابه بعد الجراحة.
    كانت ليلة حزينة، لا ادري كيف أصفها الآن، لكنني أراها مثل منام مغطى بالبياض. لم
    يجعلني كلام علي حليلة اقتنع بأن محمود درويش مات، حتى عندما أضاف أكرم هنية في اليوم
    1 تقديم الديوان الجديد لمحمود درويش ، الذي يصدر في آذار )مارس( عن دار رياض نجيب الريّس للنشر في بيروت
    -24-
    التالي بعض التفاصيل الصغيرة، وروى لنا أن درويش رأى في منام ليلته ما قبل الأخيرة معين
    بسيسو، وتساءل ماذا جاء معين يفعل هنا؟
    لم اقتنع. فالموت حين يأتي يتشكل كحجاب سميك يفصل عالم الإحياء عن عالم الموتى.
    نتحدث عن الميت بصيغة الغائب، وننسى صوته. لكن مع درويش بدا لي الموت بعيدا. كنت
    استمع إلى الحكايات التي تروى، وأنا أتلفت يمينا وشمالا، كأنني انتظر وقع دعسات درويش
    في إي لحظة.
    لكنه لم يأتِ، تركنا نحكي عنه كما تشاء لنا الذاكرة أن نحكي، ولم يكسر دائرة كلامنا بمزاحه
    وملاحظاته اللامعة.
    في صبيحة اليوم التالي، عقدت اللجنة اجتماعها الأول بعدما انضم إلينا ياسر عبد ربه، وأكرم
    هنية، وغانم زريقات، وخالد الكركي، واحمد عبدا لرحمن، وصبيح المصري. ناقشنا مطولا
    مسألة تشكيل المؤسسة، وتكلمنا عن الضريح، والحديقة التي ستقوم حوله، ومتحف الشاعر
    الذي سوف يبنى في المكان. تكلمنا في كلّ شيء، لكنني في الواقع كنت انتظر نهاية الاجتماع
    بلهفة، كي نذهب مع علي حليلة إلى بيت الشاعر في عبدون.
    لم يدخل احد إلى المكان منذ أن غادره درويش في رحلة موته إلى أميركا. وكان على مجموعة
    منا أن تدخل إلى البيت بحثا عن قصائده الأخير. قال محمود لعدد من أصدقائه إنه يملك ديوانا
    جديدا جاهزا في غرفة مكتبه في منزله في عمان، وأكد ذلك ناشره رياض نجيب الريّس.
    فتح علي حليلة الباب ودخلنا. كان كل شيء على حاله. البيت يشبهه، أناقة من دون بذخ،
    وإيقاع هادئ تصنعه اللوحات المنتشرة، ومكتبة تضم كتّاب العرب والعالم أمواتا وإحياءً.
    "لسان العرب" إلى جانب ديوان المتنبي، مجموعات شعرية وروايات في كل مكان، مرتبة
    وتشير إلى أنها قُرئت أو في طريقها إلى ذلك.
    لا ادري لماذا عجزنا عن النطق، وحين تكلمنا لم تصدر عنا سوى أصوات هامسة. احمد
    درويش، شقيق الشاعر، جلس على الكنبة في الصالون وانفجر بكاء. مارسيل خليفة جلس إلى
    جانبه مواسيا. دخلت مع جواد بولص إلى المكتب، حيث من المفترض أن نجد الديوان. كنت
    انتظر أن أجد المخطوط على سطح المكتب، لكنني لم أجد شيئا. كنت انتظر أن أجد رسالة تشرح
    لنا ماذا يجب أن نفعل بالديوان، لكن الرسالة لم تُكتب.
    25
    خوري: الديوان الأخير
    لم يكتب محمود درويش وصية. ليلة الجراحة طلب من علي حليلة وأكرم هنية أن يبقيا
    معه، لأنه يريد أن يتكلم، لكنهما نصحاه بالراحة، لأن وقت الكلام سيأتي بعد نجاح العملية
    الجراحية!
    لم يكتب درويش وصية ولم يتكلم، رغم كل الأخطار التي كان يعرف أنها في انتظاره.
    عندما استمعت إلى علي وأكرم يرويان الوحدة التي كان يشعر بها الشاعر المستلقي على سرير
    المستشفى الأميركي، أصبت بالقشعريرة، وشعرت بالخوف. في هذه المجموعة من القصائد،
    سوف نقرأ قصيدة عن الخوف، وندخل مع الشاعر لحظات النهاية التي يرسمها الخوف من النوم
    الأبدي على وجوهنا وأجسادنا.
    وقفنا أمام المكتب الفارغ حائرين، كنت متأكدا من وجود الديوان، لأن درويش نشر منه ثلاث
    قصائد في الصحف هي: "على محطة قطار سقط عن الخريطة" و"لاعب النرد" و"سيناريو
    جاهز"، وقرأ ثلاث قصائد غير منشورة في الأمسية الأخيرة التي أقامها في رام الله، هي: "ههنا،
    الآن، وههنا والآن" و"عينان" و"بالزنبق امتلأ الهواء".
    وهو منذ أعوام توقف عن نشر قصائد متفرقة قبل أن يكون قد أنجز الديوان الشعري الذي
    سوف يضمها. كما أن درويش أصيب في الأعوام العشرة الأخيرة، وهي الأعوام التي أعقبت
    جراحة الشريان الأبهر، التي أجريت في باريس عام 1998 ، بحمّى الشعر. كتب "الجدارية"،
    وتوقف تقريبا عن ممارسة أي نشاط آخر، سوى كتابة الشعر. كانت هذه الأعوام، أخصب أعوامه
    على الإطلاق، فيها نضجت تجربته وتألقت، وارتسمت صورته كأكبر شاعر عربي حديث.
    لم نفهم دلالات هذه الحمّى، أو رفضنا أن نفهمها، في وصفها نسجا لعلاقة الكلمات بالموت،
    حيث يخاطب الشاعر الأحياء والموتى، ملخصاً كل الشعراء في صوته المتفرّد. في الأعوام العشرة
    الأخيرة كان محمود درويش يحوّل العلاقة بالموت قصيدة، ورؤيا النهاية مقتربا إلى البداية.
    "من أنا لأخيّب ظن العدم"، يسأل درويش في نهاية قصيدته "لاعب النرد". حيث يصل
    إلى ذروة العلاقة التراجيدية بين الكلمات التي تقاوم العدم، وتفتح أفق استمرارية الحياة وديمومتها
    المتجددة، وبين هشاشة الجسد الإنساني الذي يقود الأفراد إلى الاضمحلال. كنا نتعامل معه
    كما يحب، أي باعتبار الحياة مائدة للصداقة والمتعة والإبداع، ولم نكن نحكي عن المرض إلا
    نادراً.
    26
    خطر في بالي أن الديوان في الدُرج، حاولت فتحه، لكن اضطرابي أوحى لي بأن الدرج
    مقفل بالمفتاح. أين المفتاح، سألت؟ بحثنا عن المفتاح فلم نجده. قلت يجب أن نخلع الجارور،
    حين امتدت يد احد الأصدقاء وفتحت الدرج، انفتح بسلاسة.
    أكوام من الأوراق. وقعت عيناي في البداية على قصيدة "طباق"، المهداة إلى ادوارد سعيد،
    المنشورة في ديوان "كزهر اللوز أو ابعد" مكتوبة بخط اليد. من المؤكد أن درويش وضعها هنا،
    كي يقرأها في محاضرة ادوارد سعيد التذكارية التي تنظمها جامعة كولومبيا في نيويورك في نهاية
    شهر أيلول، لكن الموت جاء، معلنا الوداع النهائي "لشعر الألم".
    بحثنا أنا والمحامي جواد بولص شبه يائسين، وفجأة رأيت دفتر "بلوك نوت" ذا غطاء ازرق
    وضعت فيه القصائد. أولى القصائد كانت "لاعب النرد". قلبت الصفحات فعثرت على قصيدتي
    "عينان"، و"بالزنبق امتلأ الهواء". بحثنا في الدرج عن قصائد أخرى، فعثرنا على مسودات
    قصائد قديمة منشورة، لكننا لم نعثر على قصائد جديدة.
    رقمنا المخطوط، وصورنا منه صورتين. أعدنا الأصل إلى الدرج في مكانه، واخذ احمد
    شقيق الشاعر نسخة، بينما احتفظت أنا بالنسخة الثانية. وقرّ رأي الجميع أن يُعهد لي بالقصائد،
    كي أعدها للنشر، واكتب حكايتها، على أن تصدر في 13 آذار 2009 ، أي في يوم عيد ميلاد
    الشاعر، فتكون قصائده الأخيرة هديتنا إلى من أهدى العرب والفلسطينيين أجمل القصائد.
    أخذت القصائد إلى غرفتي في الفندق، أقفلت الباب وقرأت، وشعرت بالحزن الممزوج
    بالعجز عن القراءة. في المساء سهرنا في حديقة منزل علي حليلة، وكانت القصائد معي، طلبوا
    مني أن اقرأ، فقرأت متلعثما. كانت تلك القراءة سيئة وعاجزة، كيف اقرأ وأنا متيقن من أن
    درويش سوف يفاجئنا في أي لحظة ويسخر من وجوهنا الحزينة. لم ينقذ الليلة سوى مارسيل
    خليفة، امسك بعوده وغنى الشعر الذي صار أشبه بالدموع. كانت كلمات درويش وموسيقى
    الروح في قصائده، تلفنا وتأخذنا إليها. كان الحزن، ولا شيء آخر. بدل أن نفرح بالديوان احتلنا
    شبح الغياب. الحقيقة أن المشاعر اختلطت، إذ كنا، ونحن نعمل في المنزل نشعر بالحضور السري
    والغريب للشاعر.
    في غرفتي في الفندق شعرت أن عليّ أن أعيد القصائد إلى مكانها في الدُرج، غدا يأتي محمود
    ويقرر كيف يرتب قصائده، ويتعامل مع التعديلات التي يقترحها. قلت في نفسي إن عليّ التخلي
    27
    خوري: الديوان الأخير
    عن هذه المهمة. نمت نوما متقطعا، والتبست عليّ الأمور بشكل كامل. قرأت القصائد كلها أكثر
    من مرة، وتأكد لي أننا لم نعثر على كلّ المجموعة الأخيرة من القصائد. لا شك أن هناك قصيدة
    كبرى في مكان ما، وان اضطرابنا منعنا من اكتشاف مكان وجودها.
    في صباح اليوم التالي، وبينما اشرب قهوتي رن الهاتف، وسمعت صوت مارسيل خليفة
    يطلب مني المجيء إلى منزل درويش لأن غانم زريقات عثر على القصيدة. في المنزل أخذت
    قصيدة طويلة بلا عنوان، مكتوبة بخط يد درويش في خمس وعشرين صفحة. وعلى عكس
    الكثير من القصائد التي وجدناها، فإنها ناجزة، ولا اثر فيها للتشطيب أو اقتراحات التعديل.
    قرأت القصيدة التي قفز عنوانها من بين السطور من دون أي جهد: "لا أريد لهذي القصيدة أن
    تنتهي"، ووجدتني أمام عمل شعري كبير، قصيدة تصل بالمقترب الملحمي- الغنائي الذي صاغه
    درويش إلى الذروة. ومعها عثرنا على خمس قصائد جديدة.
    في تلك اللحظة اقتنعنا أننا أمام عمل شعري كبير يشكل إضافة حقيقية إلى الديوان الذي
    تركه الشاعر.
    لكننا وقفنا أمام ثلاثة أسئلة كبرى:
    "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي"، هي قصيدة ناجزة ومكتملة بكل المقاييس. لكن
    هل هي الجزء الأول من قصيدة طويلة روى درويش انه كان يعمل عليها؟
    تأتي شرعية هذا السؤال من حقيقة أن الشاعر لم يضع قصيدته هذه مع بقية قصائد الدفتر
    الأزرق؟ دفعنا هذا السؤال إلى مواصلة البحث بين أوراق الشاعر، في عمان ورام الله، لكننا
    لم نعثر على شيء.
    السؤال الثاني يتعلق بنصوص نثرية وشعرية كانت ضمن كتاب “اثر الفراشة”،
    وقد عثر عليها في منزل الشاعر في رام الله. من الواضح أن درويش قرر عدم نشر هذه
    النصوص، لذا قررنا انه لا يحق لنا نشرها. سوف تبقى هذه النصوص في أرشيف الشاعر، في
    المتحف الذي سيضم جميع مخطوطاته التي عُثر عليها.
    السؤال الثالث، هو حول قصيدة "محمد"، وهي قصيدة كتبها درويش في بداية انتفاضة
    الأقصى، وكانت تحيته إلى الشهيد محمد الدرة. لم ينشر درويش هذه القصيدة في أي من
    مجموعاته الشعرية التي أصدرها، كما لم ينشرها في كتبه النثرية، على غرار قصيدته الشهيرة،
    28
    “عابرون في كلام عابر”. من المؤكد أن هذه القصيدة لا تمت بصلة إلى مناخ قصائد هذه المجموعة،
    لذا آثرنا عدم نشرها هنا، على أن يضمها ديوان الشاعر الكامل، في طبعاته اللاحقة.
    -2-
    وجدنا القصائد على الشكل التالي:
    في اليوم الأول وجدنا في درج المكتب دفتر "بلوك نوت" لون غلافه ازرق، وفي داخله
    وضعت اغلب قصائد هذا الديوان. لم يكن هناك ترقيم موحّد، بل رقمت صفحات كل قصيدة
    على حدة. يستخدم درويش في ترقيمه الأرقام الهندية، فقمت بترقيم الصفحات بالأرقام العربية،
    محافظا على التتابع الذي وجدته، فكان عدد الصفحات 117 صفحة. قمنا بتصوير القصائد في
    نسختين: احتفظت بواحدة، وأخذ احمد درويش والمحامي جواد بولص نسخة ثانية، واعدنا
    النسخة الأصلية إلى الدرج حيث كانت.
    ضمّ الدفتر 26 قصيدة هي على التوالي: - 1 لاعب النرد، - 2 على محطة قطار سقط عن
    الخريطة، - 3 سيناريو جاهز، - 4 بالزنبق امتلأ الهواء، - 5 هذا المساء، - 6 مسافر، - 7 عينان،
    8- واقعيون، - 9 الخوف، - 10 هنا الآن وههنا والآن، - 11 من كان يحلم،) بلا عنوان(،
    12- إلى شاعر شاب، - 13 فروسية، - 14 نسيت لأنساك، )بلا عنوان( - 15 هنالك حب
    بلا سبب،)بلا عنوان(، - 16 إذا كان لا بد من قمر، )بلا عنوان( - 17 يأتي ويذهب، - 18 ما
    أسرع الليل )بلا عنوان( - 19 كأن الموت تسليتي، )بلا عنوان( - 20 لو ولدت، )بلا عنوان(
    21- كلمات، - 22 لن أبدل أوتار جيتارتي، - 23 تلال مقدسة، - 24 في رام الله، - 25 محمد،
    26- موعد مع إميل حبيبي.
    وصباح اليوم التالي، عثر غانم زريقات واحمد درويش على 6 قصائد، لم أضمها إلى الترقيم
    القديم وهي: - 1 في بيت نزار قباني، - 2 طللية البروة، - 3 قمر قديم، - 4 ورغبت فيك رغبت
    عنك - 5 ليل بلا حلم، - 6 لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي، )بلا عنوان(.
    من الواضح أننا لم نعثر على الديوان في نسخته النهائية، لكننا كنا على ثقة، وخصوصا بعد
    عثورنا على القصيدة الكبرى: “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”، أننا عثرنا على كنز ثمين.
    ولا بد أن أشير هنا إلى أن هذه المجموعة تضم قصائد كتبت في فترة سابقة: في بيت نزار
    قباني، قمر قديم، الخوف، موعد مع إميل حبيبي...
    29
    خوري: الديوان الأخير
    قمت بتصنيف القصائد التي عثرنا عليها في أربعة أقسام:
    -1 القصائد الناجزة، التي نشرها الشاعر أو ألقاها في أمسية رام الله قبيل وفاته، وهي: “لاعب
    النرد”، “على محطة قطار سقط من الخريطة”، “سيناريو جاهز”، القصائد الثلاث نشرت في
    جريدتي “الأيام” في رام الله، و”القدس العربي” في لندن. إضافة إلى قصائد: “بالزنبق
    امتلأ الهواء” و”عينان” و”ههنا، الآن، وههنا والآن” التي ألقاها الشاعر في أمسيته الأخيرة
    في رام الله، وقصيدة “محمد”، التي نشرت في عدد كبير من الصحف العربية.
    من الواضح أن هذه القصائد وصلت إلى صيغتها النهائية، ولن يطرأ عليها أي تعديل يذكر، لأن
    درويش اشرف على نشرها، لذلك ننشرها كما وجدناها. مع الإشارة إلى ثلاث مسائل:
    أ- قصيدة سيناريو جاهز وجدت في المخطوط تحت عنوان سيناريو ناقص.
    ب- حين قرأ درويش قصيدة “لاعب النرد” في رام الله، استبدل كلمة “هشا” بكلمة “حيا”
    في احد أسطر القصيدة، فقرأه كما يلي: “ ومن حسن حظي أني ما زلت حياً لأدخل في
    التجربة”، لكنني آثرت نشر النص مثلما نُشر في “القدس العربي” بتاريخ 3 تموز 2008 ،
    لأن الشاعر سبق له أن غيّر بعض الكلمات في أمسياته، من دون أن يحدث تعديلا في
    النص المنشور.
    ج- في قصيدة “عينان”، أحدث الشاعر تعديلا طفيفا عليها في أمسية رام الله، إذ حذف “ثم
    أعلى” بعد كلمة “أعلى”، فقرأ السطر على الشكل التالي :”ترفعان الحور والصفصاف
    أعلى. تهربان من المرايا فهي أضيق منهما.” كما أحدث في الأمسية نفسها تعديلا آخر
    على قصيدة "ههنا، الآن، وههنا والآن"، إذ استبدل كلمة "علوا" التي تتكرر بكلمة
    "سموا"، فقرأ السطر على الشكل التالي: "على الأشجار أن تعلو وان لا تشبه الواحدة
    الأخرى سموا وامتدادا". اعتمدت التعديلين لأنهما منطقيين من جهة، ولأن الشاعر لم
    ينشر القصيدتين، فاعتبرت إلقاءهما بمثابة النشر من جهة ثانية.
    -2 اثنا عشر قصيدة بدت وكأنها قد وصلت إلى نسختها النهائية، إذ لا اثر فيها للتشطيب أو
    التعديل أو اقتراح التعديلات هي : بالزنبق امتلأ الهواء، عينان، ههنا الآن وهنا والآن، هذا
    المساء، يأتي ويذهب، في رام الله، موعد مع إميل حبيبي، طللية البروة، قمر قديم، ورغبت
    فيك رغبت عنك، ليل بلا حلم، لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي.
    30
    هنا يجب التوقف عند قصيدتين: "طللية البروة" و"ورغبت فيك رغبت عنك". في القصيدة
    الأولى وضع درويش خطا تحت كلمة "الأولى"، في جملة: "أنا ابن حكايتي الأولى"، كما
    وضع خطا تحت كلمة "إلى المنفى"، في جملة: "لم اكبر فلم اذهب إلى المنفى". ووضع
    علامة استفهام على هامش كلمة "وبالرحيل"، في المقطع الذي يقول: "قفا... لكي ازِن
    المكان وقفره بمعلقات الجاهليين الغنية بالخيول وبالرحيل".
    من الواضح أن الشاعر كان مترددا حيال هذه الكلمات، لكنه لم يقترح بدائل لها، فبقيت على
    حالها في النص النهائي الذي أعددناه للنشر.
    أما القصيدة الثانية، فقد وجدنا نسختين منها، الأولى مسودة ومليئة بالتشطيب واقتراحات
    التعديل، والثانية نهائية لا اثر للتشطيب فيها، وهي المنشورة في هذا الكتاب.
    قصيدة "في رام الله"، المهداة إلى سليمان النجّاب، تحمل في مقطعين منها تضمينا من
    قصيدة سابقة لدرويش تحمل عنوان: "رجل وخشف في الحديقة"، من ديوان "لا تعتذر
    عما فعلت". وقد وضع الشاعر المقطعين ضمن مزدوجين، وهذا يدلّ على أن قصيدة "في
    رام الله"، كتبت بعد قصيدة "رجل وخشف في الحديقة". وهي القصيدة الوحيدة التي كتبها
    درويش عن المدينة التي سيُدفن فيها.
    -3 قصيدة "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي"، هي عمل كبير بكل المقاييس، بل استطيع
    القول إنها الكلمة الأخيرة التي قالها درويش. فيها يصل التألق الشعري إلى ذروته، حيث يمزج
    الشاعر السرد بالغنائية والملحمية، في خلاصة مدهشة لعلاقة الشاعر بذاته وأرضه وحكاياته
    وموته. لذا آثرنا نشر هذه القصيدة المتفردة في قسم خاص بها، في هذا الديوان. قد تكون
    قصيدة غير منتهية، وهي كذلك، لأن الشاعر أراد لها ألا تنتهي، كأنه كان يحاول أن يشتري
    بها الحياة.
    نجد في هذه القصيدة تضمينين من قصيدتين منشورتين، وتضميناً من قصيدة غير منشورة.
    التضمينان الأولان مأخوذان من قصيدتين نشرتا في مجموعة "كزهر اللوز أو ابعد".
    التضمين الأول هو المقطع التالي: "عصافير زرقاء، حمراء، صفراء، ترتشف الماء من غيمة
    تتباطأ حين تطل على كتفيك"، وهو مأخوذ من قصيدة "نسيت غيمة في السرير"، لكن الشاعر
    استخدم هنا صيغة المخاطب في "كتفيك"، بدل صيغة الغائب في القصيدة المنشورة. اللافت
    31
    خوري: الديوان الأخير
    أن الشاعر وضع المقطع في "نسيت غيمة في السرير"، بين هلالين. فهل كان يشير هنا إلى
    قصيدة طويلة بدأ في كتابتها؟ لا ادري. أما المقطع الثاني فيقول: "وأما الربيع، فما يكتب
    الشعراء، إذا نجحوا في التقاط المكان السريع بصنّارة الكلمات". وهو مأخوذ من قصيدة "وأما
    الربيع"، لكنه حذف هنا صفة السكارى عن الشعراء، التي جاءت في القصيدة المنشورة.
    تنتهي القصيدة بمقطع غنائي يبدأ بعبارة " لن أبدل أوتار جيتارتي/ لن أبدلها". لكننا عثرنا في
    المخطوط على قصيدة تحمل عنوان "لن أبدل أوتار جيتارتي". ترددت طويلا أمام نشرها،
    لكن احد مقاطعها حسم الأمر وقرر ضرورة أن يضمها هذا الديوان:
    "المكانُ على أرضه، هل أسأت إلى الشجرة
    حين شبَّهتها بفتاة )وبالعكس( هل اطلب المغفرة
    من مقابر أهلي، لأنيَ متُّ بعيداً
    عن النائمين وأنقصتها شاهدة؟"
    -4 بقية قصائد الديوان، وجدت كمخطوطات كتب عليها الشاعر تعديلات، وشطب منها بعض
    العبارات. ونحن نعلم، أن هذا يعني في القاموس الدرويشي، أننا أمام أعمال غير منتهية.
    كان درويش يحرص على أن لا يتخلل قصائده ومقالاته التي يرسلها للنشر أي تشطيب.
    كان حين يشطب كلمة واحدة يعيد كتابة الصفحة بأكملها. وبعد يأسي من إمكانية العثورعلى
    نسخ نهائية من هذه القصائد، تركّز البحث في منزليه في رام الله وعمان، على ملف أمسيتيه
    الأخيرتين في رام الله وآرل، في الجنوب الفرنسي، لكن محاولاتنا لم تصل إلى نتيجة.
    كان درويش يقول لنا انه لن يترك نصوصا غير مكتملة، أو رسائل، وان على الباحثين أن لا
    يتعبوا أنفسهم، لأنهم لن يجدوا شيئاً. لكن للأسف، وعلى الرغم من حرصه الشديد، فلقد
    ترك لنا محمود هذه القصائد. لذا كان ترددي كبيرا أمامها.
    هل يجوز نشرها؟ وإذا لم ننشرها فماذا نفعل بها؟
    لكن سؤالا آخر طرح نفسه بقوة، هل يحق لنا عدم نشرها؟ وتركها تاليا في أرشيف الشاعر
    حيث يمكن أن تنشر مبعثرة أو مجتزأة من قبل الدارسين الذي سيوضع ما وجدناه من أرشيف
    درويش في تصرفهم؟
    بالطبع لا يحق لأحد إتلاف أي ورقة، وحده الشاعر كان يملك هذا الحق. لذا استقر الرأي
    32
    على نشرها كلها من دون استثناء.
    لم احدث أي تعديلات على هذه القصائد، قرأتها بدقة، نفذت اقتراحات الشاعر بتغيير كلمة
    هنا أو هناك، طبعتها على الكومبيوتر وأرسلتها للنشر.
    لكن يجب أن نتوقف هنا عند ثلاث قصائد.
    القصيدة الأولى: "في بيت نزار قباني". وضع درويش عنوانا أول لهذه القصيدة هو:"منازل
    الشعراء"، لكنه شطبه واستبدله بالعنوان الحالي. تبدأ القصيدة كما وجدت في المخطوط
    بالمقطع الصغير التالي:
    "أثاث من الصين ازرقُ،
    صالونهُ أزرقُ،
    والستائرُ زرقاءُ،
    عيناهُ،
    ألفاظه،
    والدفاترُ زرقاءُ"
    وضع الشاعر على هامش هذا المقطع خطا وإشارة X وهي إشارة تدل على نية الحذف. ومن
    خلال قراءة القصيدة وجدنا أن مضامين هذا المقطع وصوره دخلت في نسيجها الداخلي،
    لذا حذفناه.
    السطر الأخير من المقطع الثالث كان على الشكل التالي: “صورتي كتبت سيرتي ونفتني
    إلى الضوء”. رسم الشاعر خطا تحت كلمة “الضوء” لأنها خروج على القافية، وكتب تحتها
    كلمة الأبدية، ثم أشار إلى احتمالين آخرين كتبهما في أعلى الصفحة هما: الغرف الداخلية
    أو الغرف الساحلية. هنا كان علينا أن نختار، فاخترنا الغرف الساحلية لأنها اقرب إلى المعنى
    المائي الذي يشير في بداية المقطع إلى بردى.
    القصيدة الثانية: “نسيت لأنساك”، كان الشاعر مترددا أمام السطر الأخير من القصيدة، شطب
    اقتراحه الأول واستبدله بهذا السطر: “حاضري غيمة... وغدي مطر”. من الواضح أن
    درويش كان لا يزال في طور البحث عن الكلمة الأخيرة الملائمة كي يحافظ على القافية،
    فمات قبل أن ينجز ذلك.
    33
    خوري: الديوان الأخير
    كما نجد في هذه القصيدة تضمينا من قصيدة: “لن أبدل أوتار جيتارتي”، على الشكل
    التالي: “قلت: ولكنني لن أبدل أوتار جيتارتي لن أبدلها/ لن احمّلها فوق طاقتها: نغما
    يابسا مقفرا”. اترك تفسير دلالة هذا التكرار للنقاد، لكنني لا استطيع أن لا أرى فيه إيقاعا
    وداعيا حزينا.
    القصيدة الثالثة: “الخوف”. عكس جميع القصائد فان درويش رغم ترقيمه لقصيدته في
    طرف الصفحة الشمالي الأعلى، فانه وضع رقم 6 في وسط الصفحة فوق العنوان مباشرة.
    هل يدل هذا على أن الشاعر كان في صدد ترقيم ديوانه؟ أم على شيء آخر؟ لا ادري لأنني
    لم استطع حلّ هذا اللغز. القصيدة مكتملة، احدث عليها الشاعر العديد من التعديلات،
    لكنها تعديلات واضحة لا تحتمل أي تأويل.
    5 - هناك العديد من القصائد التي تركت بلا عنوان، فأخذت سطرها الأول كعنوان، وهذا
    ما سبق للشاعر أن اعتمده في الكثير من الحالات. لكنني خرقت هذه القاعدة في قصيدة
    “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”، لأن عنوانها أشبه بالبديهة. كما جعلت من عنوان هذه
    القصيدة عنوانا للديوان، لما يحمله من دلالات. أما عنوان قصيدة “كأن الموت تسليتي”،
    فمأخوذ من عجز البيت الأول فيها.
    -6 قسمت الديوان إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول بعنوان: “لاعب النرد”، وهو يبدأ بالقصيدة التي استهل بها أمسيته في رام الله،
    ثم حافظنا في القصائد الثلاث التي نشرت في الصحف، على ترتيبها الزمني. القسم الثاني:
    خصصناه لقصيدة واحدة هي “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”. أما القسم الثالث: “ليس
    هذا الورق الذابل إلا كلمات”، فقد حاولنا فيه إيجاد نوع من التناغم ألموضوعاتي.
    حاولت أن يكون ترتيب القصائد منطقيا إلى ابعد الحدود، ولا ادّعي على الإطلاق أن هذا
    الترتيب قد يكون هو الترتيب الذي كان سيختاره الشاعر. فدرويش يضع عناوين للأقسام،
    ويهندسها، في شكل متسق. للأسف تفتقد هذه المجموعة الهندسة الدرويشية الصارمة، التي
    جعلت من دواوينه الأخيرة، أشبه بمقاطع من قصيدة واحدة أو عدة قصائد طويلة، متعددة
    الصوت والإيقاع.
    34
    -7 ترددت طويلا أمام قصيدتي: «تلال مقدسة » و «لو ولدت ». من الواضح أن القصيدة الأولى
    لا تزال في طورها الأول، وهذا واضح من التشطيبات الكثيرة في المخطوط. لكنها تحمل رؤيا
    شعرية هامة في المسار الدرويشي. أما القصيدة الثانية فهي صرخة وفكاهة سوداء عن الواقع
    الفلسطيني اليوم، وهي كالقصيدة الأولى لا تزال في مراحلها الأولى. لكن في النهاية هما
    نصان كتبهما الشاعر، ويجب أن ينشرا.
    -3-
    المفاجأة التي صعقتنا حين دخلنا منزل درويش في عمان، أن الشاعر لم ينظّم أوراقه قبل
    الرحيل. يبدو أن الرجل صدّق الأطباء وكذّب حدس الشاعر، الذي جعل الموت يتسلل إلى
    جميع قصائده الأخيرة.
    وجدنا أوراقه الشعرية غير منظمة، وكان علينا أن نعيد ترتيبها، من دون أن نمسها تقريبا. كُلفت
    بمهمة إعدادها للنشر، وافقت من دون تردد، وبشكل يشبه النزق. لكنني، في الليلة نفسها،
    شعرت بصعوبة المهمة. اعتقدت وأنا اقلّب الأوراق، أن عملا كثيرا ينتظرني. وكان اعتقادي
    صائبا، عملت كثيرا وطويلا، واستشرت عددا محدودا من الأصدقاء، وكنت مرتبكا. لكنني
    اكتشف الآن، وأنا اكتب هذا النص، أنني لم افعل شيئا تقريبا، وان درويش كان صادقا، حين
    روى لنا، انه ترك مخطوط عمل شعري جديد في عمان، وانه شبه جاهز.
    لكنني خلال الأشهر الثلاثة التي قضيتها في رفقة هذا الشعر في تفاصيله، تسنى لي أن أتعرف
    إلى درويش أكثر، وفهمت لماذا أصاب موته منا هذا المقتل الحزين. فالرجل ليس شاعرا فقط، انه
    يتنفس الكلمات، جاعلا من الإيقاع جزءا من دورته الدموية. قلبه ينبض بالصور، فكأنه يرسم
    بالإيقاع، ويحيا في ثنايا الدوائر التي اكتشفها الخليل.
    لم استطع أن افهم اضطرابي أمام موته إلا حين صرت صديقا حميما لكلماته. درويش لم
    يتفجع أمام الموت، بل دخل في ثناياه وتفاصيله، بحيث جعلنا نقترب من الموت في شكل لا
    سابق له، ودخلنا مع درويش الإنسان في الخوف الذي كتبه درويش الشاعر.
    عندما روى لنا أكرم هنية وعلي حليلة أن جميع أعضاء الشاعر توقفت عن العمل ما عدا قلبه،
    تذكرت الحادثة التي رواها لنا بعد نجاته من جراحة الشريان الأبهر في باريس منذ عشر سنين، قال
    35
    خوري: الديوان الأخير
    انه عندما بدأ يستعيد وعيه، وكان عاجزا عن النطق بسبب آلة التنفس الاصطناعي، طلب ورقة
    وقلما، وكتب انه خائف من أن يكون قد فقد لغته ونسيها. في مستشفى هيوستن فقد درويش
    اللغة، ولم يفق من الجراحة. لكن قلبه المريض قاوم حين انهارت كل الأعضاء، وهذا ما آثار عجب
    الأطباء، لأن لا مكان في طبهم للشعر الذي استوطن القلب، وأعاد صوغ إيقاع نبضاته.
    شاءت الظروف أن نلتقي في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت عام 1972 ، ثم أن اعمل
    معه في مجلة “شؤون فلسطينية” بين عامي 1975 و 1979 ، ثم أن نشترك في تأسيس مجلة
    “الكرمل” عام 1981 . امتدت صداقتنا ستة وثلاثين عاما، كانت بالنسبة لي مدرسة أدبية وفكرية
    وشخصية. معه أعدت اكتشاف فلسطين، وتكحّل حبري بعبق الجليل. وفي خضم الصراعات
    الفكرية التي خضناها معا، والخلافات أيضا، رأيت فيه، عدا الذكاء اللامع والنبل والتواضع،
    كيف يكون الإنسان شاعرا.
    في العادة، يخيّب الأصدقاء من الأدباء والشعراء توقعاتنا. لكن الرجل البهي والأنيق كان
    شاعرا فقط، يخفف جروح المعنى ببلاغة الشعر وموسيقاه، كي يصل إلى معنى المعنى، بحسب
    ما علمنا الجرجاني.
    قال الخليل:
    “الشعراء أمراء الكلام يُصرّفونه أنى شاءوا. ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى
    وتقييده ومن تصريف اللفظ وتعقيده ومدّ المقصور وقصر الممدود والجمع بين لغاته والتفريق بين
    صفاته، واستخراج ما كلّت الألسن عن وصفه ونعته والأذهان عن فهمه وإيضاحه. فيقرّبون
    البعيد ويبعّدون القريب. ويُحتج بهم ولا يُحتج عليهم...”
    في ليالي قراءة هذا المخطوط وإعادة قراءته، كنت أتذكر تحديد الخليل للشعر، وارى فيه،
    صورة الشاعر العربي الذي جسّد عبر الأزمنة والعصور، احتمالات اللغة وقدرة الشعراء على
    أخذها إلى الرؤيا، والإبحار عبرها إلى أعماق الرغبات الإنسانية في الآن نفسه.
    “على قلق كأن الريح تحتي / أوجهها يمينا أو شمالا”.
    كان درويش يردد صدر هذا البيت دائما، ويتوقف قبل أن يصل إلى عجزه. كأنه اكتفى من
    المتنبي بالقلق، معلنا انتماءه إلى الإنسان- الشاعر، متخليا عن غواية السلطة التي طبعت سلوك
    شاعر العرب الأكبر. غير أن ما جمعه بالمتنبي كان القدرة على تلخيص شعر زمنه، والذهاب به
    36
    إلى الأبعد والأجمل والأكثر عمقا.
    قلت له مرة انه يكتب مثل الشعراء، فضحك من هذه المداعبة. لكنني كنت جادا، لأنني اشعر
    أمام شعره، الذي أنضجته التجربة، وصهره الموت بخاتم البقاء، أنني أمام شعر يصلني بذاكرتي
    الشعرية العربية، كي يؤسس عليها ذاكرة جديدة. قد نقول إنها فلسطين، وهذا صحيح، لكنها
    فلسطين الأخرى التي تحولت في كلمات درويش إلى سؤال إنساني كبير، وصارت نسيجا جديدا
    تتألق فيه لغة العرب.
    صار شاعر فلسطين شاعر العرب، لأنه أخذنا إلى فلسطين كي يعيدها لنا. “فالأرض تورث
    كاللغة”، وكان الشاعر وارث الجنتين اللتين اكتويتا بنيران النكبات.
    انه الشاعر، ب آل التعريف، هكذا قلت له في احد مكالماتنا الأخيرة، مستعيدا التعبير الذي
    كان يطلقه المعري على أبي الطيب. سمعت ضحكته من بعيد، وأظن انه اقتنع في ذلك اليوم من
    شهر آب 2008 ، بأنه شاعري الشخصي، الذي الجأ إلى كلماته كي اكتشف أسرار روحي، لأن
    السر كالحب لا ينطق إلا شعرا.
    -4-
    أود في النهاية أن أوجه شكري إلى الأصدقاء الذين ساهموا معي في الوصول إلى هذه النسخة
    النهائية من قصائد درويش الأخيرة: علي حليلة واحمد درويش وغانم زريقات وأكرم هنية
    ومارسيل خليفة وياسر عبد ربه، وجواد بولص، الذين دخلوا إلى بيت درويش، وساعدوني
    في العثور على قصائده، وكان دعمهم المعنوي في عماّن، حافزا لي للعمل.
    كما أوجه الشكر إلى ليلى شهيد، التي كانت كعهدها دائما، محبة ومشجعة من خلال طاقتها المعنوية
    التي لا تنضب. والى فاروق مردم بك، الذي تحمّل معي أعباء المراحل الأولى من قراءة هذا المخطوط.
    والى مجموعة محدودة من الأصدقاء قرأت لهم بعض قصائد الديوان طالبا منهم النصح.
    بفضل دعم هؤلاء تم انجاز العمل، غير أنني أتحمل وحدي المسؤولية عنه وعن أخطائه.
    كانت صحبتي لهذه القصائد تحية حب وصداقة لم يزدها الموت إلا عمقا.
    بيروت 18 كانون الأول 2008


    المصدر : الكرمل
    http://www.alkarmel.org/prenumber/issue90/target2.pdf

    الكرملhttp://www.alkarmel.org/prenumber/issue90/issue90.html[red] قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش
                  

10-18-2009, 04:09 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قال للموت أنتظرنى . فتأدب الموت من أدب درويش (Re: Aymen Tabir)

    العزيز ايمن تابر
    سلامات
    اتمنا أن يكون البوست كما تتمنى .
    فدرويش فى قلوب الأمة .. تحياتى
    وجزيل شكرى على الدعم الكبير والمتابعة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de