ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 10:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-22-2010, 10:32 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    القبيلة السياسية
    السبت 28-11-2009 م الموافق 11-12-1430 هـ

    عبدالعزيز الحيص


    القبيلة السياسية هنا لا تعني القبيلة بمفهومها التقليدي، أي تلك الجماعة التي تعتمد على القرابة ووحدة النسب. ولكن تعني أي جماعة قد أخذت جوهر مفهوم القبيلة التقليدية، وهو (العصبية)، فأصبحت تترابط وتتحزم بهذا المفهوم، الذي يخنق الجماعة، ويخنق أفرادها معها. ومنذ القدم، ومن قبل أن يذكر ابن خلدون أن أوطاننا (كثيرة العصائب)، وحتى الآن، لازالت مختلف الجماعات تتناسل على أكثر من شكل وطريقة.. ولازالت ترتبط بهذا الرباط العصبي الذي يجعلها تُلزم أفرادها أن يكونوا معها على الخير والشر، فتنعدم في مثل هذه الدائرة قدرة الأفراد على التمييز والاختيار والتحرر، ومن ثم على المسؤولية أيضاً. ومفهوم العصبية كجوهر للقبيلة، وكأهم مكون داخلي فيها، لايزال ذلك المكوّن الثقافي العميق لدينا، حيث نعيد توليده وصياغته مع الأوضاع الجديدة، وأصبح التعصب والارتباط النكِد موجود في كل ناحية.. في أماكن العلم والعمل، وفي ساحات النقاش الفكري، والاجتماعي، والشرعي، والسياسي.. فمن يلزم طرف مجموعة لا يستطيع الفكاك عنها ومفارقة رأيها. أمّا لماذا مفهوم العصبية سلبي، فلأنه -وفي أحيان كثيرة- قد يكون عامل فرقة لا اجتماع. يقول شرابي في (النظام الأبوي، 47): "تكمن الدينامية البارزة للبنية القبلية في العصبية، وهذا منحى سلبي، إذ تقوم بادئ ذي بدء بالفصل بين الأنا والآخرين، ثم وعلى مستوى أعلى، تقسّم العالم إلى نصفين متعارضين، القرابة واللاقرابة، العشيرة والعشيرة المعادية لها، والإسلام واللا إسلام، وهكذا.."

    * * *

    إذن المفاهيم التقليدية العميقة والمتجذرة لدينا تعود للانصهار والبروز مجدداً عبر أشكال أكثر حداثة. الجماعات الكثيرة عملت على تطوير آلياتها وأدواتها، ووجدت في مفهوم العصبية خير معين لها.. فأصبحت الجماعات تمتص دماء أفرادها ودعمهم حين لا تقبل منهم أي رفض أو مغايرة أو تفرد، فمفهوم العصبية التقليدي والذي أعادت هذه الجماعات استنساخه لا يعرف التجزئة ولا النسبية. فالقبيلة بشكلها التقليدي وكما يعرف من آليتها الداخلية لا تعرف المعارضة، فمن يخالف يُستثنى من الكيان، وان دخلت في أمر ما فهي تدخله ككل، أو تخرج منه ككل. وعلى نفس المنوال، يكون هذا ما تطلبه الجماعات لدينا من أفرادها، حين لا تتيح أي مساحة معتبرة للأفراد داخلها. في حين أن كل موقف جديد يستلزم وقفة من الأفراد لتقييمه، فربما سايروا منطق الجماعة، وربما تخلوا عنه. فالموقف الفكري والإنساني يختلف عنه في العصبية التقليدية التي تتعاضد في الخطأ والصواب، وليس أيضاً بمشابه للتشجيع الرياضي حين يبقى الشخص مع فريقه في حال الفوز والهزيمة. ففي جانب الأفكار والمسائل العامة هناك آثار تترتب على القبول بالخطأ ودعمه عبر قبوله، فقط لأن الجماعة قد اختارته.

    * * *

    لايزال الفرد لدينا اليوم محتاجاً لأن يتزنر بجماعة.. والجماعة للأسف لا تستند على الفرد، وإنما تستند على حزمة أدبيات صادرة عن نخبها. والنخب كما هو معروف لديها لغة وثقافة تجعلها قادرة على وضع خطاب مصلحي، وعلى تجديد الخطابات بما يتناسق مع ما تريد، وإعادة نفس المفاهيم التي جعلتها نخباً في الأساس. ولذا عبر مثل هذه العملية، يصبح الفرد كائن غير مرئي، يقول ما ليس قوله، وينظر ما ليس نظره... لقد أصبحت مجتمعاتنا تتمحور وتتشكل عبر قطعان جماعية.. ترسم لنفسها قناعات وحدود صلدة، تحرم الفرد من الفهم والانفتاح والتحرر. فأصبح الفرد هكذا لا يستطيع الوقوف لوحده بأي حال من الأحوال، وبدون الاصطفاف والموالاة للجماعة ونخبتها، قد يحدث أن يشعر الفرد أنه صعلوك حيناً، أو كائن غير شرعي حيناً آخر، أو غير ذلك من الأحوال التي تضعف كيانه. وقد يقول قائل أن الجماعات تبدو بحال أفضل في وقتنا الحالي، والحقيقة أنه مع التطور التقني والانفتاح قد يكون الوضع أصعب. فالإنسان اليوم يجتمع مع من ما يريد بسهولة، ويعتاد زواياهم ومواقعهم.. وهذا التكتل للمجموعات الذي تخلقه التقنية، ومواقع الانترنت مثلا، قد يجعل الإنسان محصورا في البعد الواحد للجماعة. فإن كان لدى الإنسان نوعٌ من الميل إلى أدبيات جماعة ما، فإن الاحتكاك بها والعيش معها والصدور عن رأيها في كل مرة، سيجعل الإنسان محصوراً بها، وسيضاعف من شده ميله الذي قد يصبح تطرفاً. فقد أُغلقت عليه المنافذ والمداخل عبر رؤية الجماعة، وتلونت حياته بلونها. وعادة، المواقف والأحداث تقود الناس للتكتل والتجمع، مما يُفقد ميزة التعامل الفردي مع المواقف... ذكر عالم الاجتماع العراقي علي الوردي انه كان ذات مرة في رحلة في القطار مع بعض طلبته، وكان هناك مجموعة من الجنود على نفس القطار، وحدث أن تشاجر أحد طلبته مع جندي، فيقول الوردي حينها تطور الصراع فوراً وتحول الجنود والطلبة إلى "قبيلة مقابل قبيلة." وهذا الحادث البسيط يوضح كيف أن الموقف الفردي عادة لدينا لا يؤخذ على وضعه، بل يتم تضخيمه، ليأخذ حجم جماعة. ومثل هذا المشكلة التي حدثت مؤخراً بين جمهوري مصر والجزائر، فقد أريد لها أن تكون مشكلة بين شعب وشعب... أليس من المفترض أن تشارك (القبيلة) كلها..!!؟

    * * *

    ولابد أن نعرف أن هذا النقد هنا ليس موجه ضد الجماعة وعمل الجماعة، فالإسلام نفسه حين جاء لم يحارب منطق الجماعة المتمثل في التركيبة القبلية ولم يعمل على إزالتها وإنما عمل على محاربة خاصية التعصب فيها (دعوها فإنها منتنة). ولهذا، وعلى نفس المستوى، يفترض أن تواجه وتنتقد هذه الخاصية في الجماعات المختلفة اليوم. فخاصية التعصب تُسهّل على الأفراد الانجرار إلي الخطأ، وإلى قبوله حين تقبله الجماعة..

    * * *

    ويتحدث خلدون النقيب عن القبيلة السياسية كشكل من أشكال التنظيم الاجتماعي، وعن كونها حالة عقلية عامة تخصب الذاكرة الجماعية للمجموعة. وأيضاً عن كونها مفهوم تطوري يتناغم مع الأوضاع والحقائق الجديدة، حيث يرى في كتابه المهم (صراع القبلية والديمقراطية: حالة الكويت) أنها عصبية تتلون بألوان الطبقات والطوائف، وفي المدينة أو الريف. وأن هياكل النظم التقليدية لا تختفي، وإنما تعيد نفسها وتتطور عبر دورات تاريخية تأتي عبر أشكال غير محددة. ونستطيع هكذا أن نفسر العديد من الأحداث المستجدة لدينا من خلال هذا المفهوم (للتجمع)، والمتمثل في الترابط كما تترابط القبائل من أجل سياسة وغرض. حيث لازال المفهوم يعيد استنساخ نفسه، تبعاً لتأصله وتجذره العميق في ثقافتنا..

    * * *

    وأهمية الفردية داخل الكيانات والجماعات تكون بسبب أن الأفراد المتحررين هم أكثر من يستطيع إفادة هذه الكيانات نفسها، فهم القادرين على إحداث النقد والتغيير. فعبرهم تكون هذه الكيانات مفتوحة، وقادرة على التغيير والتواصل. وبدون هؤلاء الأفراد ستظل الجماعات مغلقة وحادة الصدام، مما يهدد المجتمعات التي تحتضن هذه الجماعات. وما يمثل تهديداً أيضاً لمفهوم الدولة القطرية، مثل ما حدث في السودان والعراق مروراً باليمن، وما هو كامن أيضاً في دول عربية أخرى. ولذا ينبه محمد جابر الأنصاري من أن تفتت واهتزاز مفهوم الدولة القطرية العربية الحديثة إن حدث، فإنما هو لصالح إعادة التكتلات التقليدية السابقة من طائفية وقبلية وجهوية.. تلك التي تكون مستعدة في أي لحظة لأن تتحزم كقبيلة.

    * * *

    ذكر المتخصصون في المجتمع المدني أن وحدة هذا المجتمع تكون الفرد. والانتقال للمجتمع المدني هو عين ما تحتاجه الدولة العربية، فبعد المدة الطويلة التي أنفقتها مجتمعاتنا العربية مع تجربة الدولة القطرية.. يحين التنبّه لأهمية أن يكون تأسُّسها الآن قائم على هذا النوع من المجتمع، وعلى الفرد. فالتأسس والاعتماد على التعصبات والجماعات التقليدية يعني أننا لم نغادر بعد المجتمع التقليدي، وعدم وجود مجتمع مدني عربي يجعل المشاكل تتكدس وتثقُل في وجه الحكومات، مما قد يقود للشقاق. وأُدرك أن بناء مجتمع مدني ليس من السهولة بمكان، فهو يحتاج إلى فترة تشرب وانفتاح وممارسة طويلة في المجتمعات العربية، لكن لنا أن نعرف أيضاً أن التوصل والمُضي إلى هكذا مجتمع يفترض أساساً أن يكون هناك احتياج ذاتي له، من قبل الأفراد الذين يستشعرونه كمعبّر عنهم، وكأداة لهم.. وهم بالطبع ليسوا أولئك الأفراد المُتحزمين بجماعة تغنيهم وهمياً عن الاحتياج له. واليوم، الكل يشتكي من ضعف الدول العربية في هذا الصراع الإقليمي المحتدم حولها، وهذا ناتج عن أنها لم تنسج مجتمعات قوية حقيقية من الداخل. هنا ندرك هذه النقطة المهمة التي نريدها هنا، وهي أن مسألة الأفراد كبُنَى للمجتمع تكون مسألة أولية. فهم أساس مثل هذا المجتمع، وهم وحدهم القادرين على إيجاده. فلم يحدث في التاريخ أن قامت حكومة ما ببناء مجتمع مدني... وأيضاً، الكيانات التقليدية الأخرى لم تفعل.
    وكل عام وأنتم بخير،


    http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/11/506973.htm
                  

08-23-2010, 01:21 AM

ياسر احمد محمود
<aياسر احمد محمود
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    وبعـد...

    • إن إختلال ميزان السلطة والثروة في السودان لصالح الشماليين منذ عام 1956م أنتج لديهم وعياً جهوياً يكـرّس لتماسكهم كأقـلية مهيمنة في مقابل الجهات الأخرى، يحاولون عبره إستدامة السيطرة على مفاصل الثروة وصنع القرار كآلية للبقاء في موقع المهيمن.
    • من الآليات التي يستخدمها الشماليين أيضاً للسيطرة على السلطة والثروة هي بعث وإذكاء القبلية إعمالاً لسياسة (فرّق تسد)، مـما أفضى إلى الصراعات العديدة والمتكررة التي شهدها القطر، والكراهية المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد حتى صار (الجلابي يكره الجنوبي) و(الغرباوي يكره الجلابي) و(الجلابي يكره أهل العوض) وهكذا.!
    • إن هذا الوعي الجهوي يهمّش من دور الفرد الشمالي ويعظم من دور المجموعة على اعتبار أن الأخيرة هي التي تحافظ على حقوق الفرد ومكتسباته... وعليه تسقط مقولة أن هذه التصرفات الجهوية عبارة عن مسلك شخصي بل هي تعبير عن توجهات المجموعة.
    • ولأن (الجهة) لدى الشمالي مصدر للقوة فتجد أن إنتماء أحدهم الجهوي أهم من إنتماءه القومي. فأن يصير أحدهم " جعلياً " أو "شايقياً " أهم عنده من أن يصبح " سودانياً " ! ولذلك تجد أن الحاكم الجعلي أو البديري الدهمشي لا يتورّع عن أن يصدر الأوامر بشن الحرب على سكان بلاده من "السودانيين" الآخرين! فطالما هم ليسوا شماليين فإن قيمتهم الإنسانية تتضاءل!!
    • ولأن الوعي الجهوي بطبيعته إنفعالي وعاطفي وضد التفكير المنطقي والعقلاني فليس من المستغرب أن يجتمع عنده الكوز مع اليساري جنباً إلى جنب مع الطائفي وغيره.
    • والحـل في تقديري يكمن في تقويض وتفكـيك دولة (الجهة) لصالح دولة (المواطنة) التي ينعم فيها جميع سكان السودان بفرص متساوية ومتكافئة في الحياة العامة.

    (عدل بواسطة ياسر احمد محمود on 08-23-2010, 01:30 AM)

                  

08-23-2010, 08:25 AM

nazar hussien
<anazar hussien
تاريخ التسجيل: 09-04-2002
مجموع المشاركات: 10408

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    يا سعد

    عايز تصل لي شنو؟؟

    ياخ اعمل استفتاء بسؤال صغيروني...بدل الرش الكتير دا
    اها هسي مقالاتك بتاعة الحيص دي نجيب ليها عدسات مكبره
    وقول لقينا العدسات نلقي الزمن وين؟؟

    وبعدين انت شايت في السلطة...وياسر شايت في الثروة...

    اتفقوا...سلطة ام ثروة؟...ام الاثنين معا؟
                  

08-24-2010, 02:10 PM

ياسر احمد محمود
<aياسر احمد محمود
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: nazar hussien)

    (*)
                  

08-24-2010, 07:22 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: ياسر احمد محمود)

    الرأسماليون الإسلاميون:
    مـــاذا يفعلـــون فى الحـــركة الإســـلامية؟
    الحلقة الاولى


    د. التجاني عبد القادر
    mailto:[email protected] -

    (1)
    أشرت فى مقال سابق إلى إرهاصات تحول إستراتيجى وقع فى مسار الحركة الإسلامية، وذكرت أنه صار يتجسد سياسيا فى تحالف ثلاثى بين "القبيلة" و"السوق" والذهنية الأمنية"، ثم تحدثت فى مقالين تاليين عن هذه الذهنيةالتى هيمنت على التنظيم وحولت سائر نشاطه الى ملفات أمنية، وأريد فى هذا المقال أن أتحول الى السوق، لنرى ظاهرة أخرى تتمثل فى "الذهنية" التجارية وفى العناصر الرأسمالية التى صارت هى الأخرى تنشط وتتمدد حتى كادت أن "تبتلع" الجزء المتبقى من تنظيمنا الإسلامى الذى لم ننضم اليه أصلا الا فرارا من الرأسمالية المتوحشة.
    ولما كان الشىء بالشىء يذكر، فقد كتب صديقنا عبد المحمود الكرنكى،الصحفى والملحق الإعلامى السابق بلندن، كتب ذات مرة فى أوائل الثمانينات مقالا لصحيفة الأيام تعرض فيه بالنقد لممارسات بعض "أخواننا" العاملين فى بنك فيصل الإسلامى. كانت رئاسة الصحيفة قد أوكلت آنذاك، ابان ما عرف بالمصالحة الوطنية، الى الأستاذ يسين عمر الإمام. وقبل أن ينشر الموضوع وصل بصورة ما الى الدكتور الترابى، فلم يعجبه وطلب من الكرنكى أن يعرض عن نشره، على أن يبلغ فحواه الى "أخوانه" فى البنك على سبيل النصيحة. قال له الكرنكى: لن أنشر الموضوع احتراما لرأيك، ولكنى لن أتقدم بأية نصيحة لأحد. ولما سأله الترابى عن سبب ذلك، قال له: هب أنى تقدمت اليهم بنصيحة، ثم تقدم اليهم "الأخ" الطيب النص بنصيحة أخرى، فبأى النصيحتين يأخذون؟ وكان الطيب النص آنذاك من التجار/المستثمرين الكبار الذين يحبهم مديرو البنوك، ويطيلون معهم الجلوس، ويولونهم إهتماما لا يولون معشاره لأقوال الصحف والصحفيين، خاصة الفقراء منهم. وقد أحس الكرنكى بذلك وأدرك أولا أن بعض "أخواننا" قد داخلهم "شىء ما" أفقدهم القدرة على تذوق النصيحة "الناعمة" والموعظة الحسنة، كما أدرك ثانيا أن العلاقة بين التنظيم والسوق، والتى يمثل(اكس) "همزة الوصل" فيها، قد بلغت من القوة مبلغا لا تجدى معه المواعظ الأخوية والنقد السرى. والسيد (اكس) ليس هو التاجر المجرد، وانما هو تاجر"إسلامى"، وهو حينما يذهب الى موظفى البنك "الاسلامى"، أو الى العاملين فى مرافق الدولة لا يذهب كما يذهب عامة التجار وانما يذهب ومعه هالة التنظيم، ليتوصل الى مصالحه الخاصة، وهذا هو مربط الفرس وبيت القصيد، أى أن "المصالح الخاصة" التى تتخذ لها غطاء من "التنظيم" هى محل الإشكال وموضع النظر فى هذا المقال.

    والسؤال هنا: كيف بدأت العلاقة بين التنظيم والسوق؟ وفى أى اتجاه تطورت، والى أى شىء يتوقع لها أن تقودنا؟ أظن أن بداية هذه العلاقة تعود الى فكرتين بسيطتين احداهما صحيحة والأخرى خاطئة. أما الفكرة الأولى الصحيحة فهى أن اصلاح المجتمع السودانى أو اعادة بنائه على قواعد الاسلام وهديه(وذلك هو الهدف الأساسى للتنظيم) يستلزم تجديدا فى الفكر الاسلامى ذاته، تتمخض من خلاله رؤية تحريرية-تنموية، يتوسل بها لانتزاع الإنسان السودانى من براثن الجهل والمرض والفاقة، وذلك من خلال بناء نماذج فى التنظيم والقيادة، ونماذج فى المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية تكون كل واحدة منها "بؤرة إشعاع" يلتقى فيه الهدى الدينى، والعرف الإجتماعى، والخبرة التقنية،والقيادة الرشيدة. ولكن العمليات البنائية هذه لا تكتمل إلا بتنظيم دقيق ومال وفير، فهما وسيلتان أساسيتان من وسائل التحرر والنهضة الإجتماعية الإسلامية، ولكن لا ينبغى للوسيلة "التنظيم" أن تتحول الى هدف، كما لا ينبغى أن تكون للعاملين على تحقيق هذه الوسائل "أجندة خاصة"، كأن يتحولوا هم الى أغنياء ثم يتركوا التنظيم والمجتمع فى قارعة الطريق.

    أما الفكرة الثانية الخاطئة فهى أن "التنظيم" لا يكون قويا الا اذا صار غنيا، ولن يكون التنظيم غنيا فى ذاته وانما يكون كذلك اذا استطاع أن يأخذ بعض المنتسبين اليه "فيصنع" منهم أغنياء، بأن يضعهم على قمة المؤسسات الإقتصادية:مديرون لبنوك، ورؤساء لمجالس الإدارات والشركات، ومستشارون قانونيون، وفقهاء شرعيون ملحقون بالبنوك، فيصير هؤلاء أغنياء ليس عن طريق الرواتب الكبيرة والمخصصات السخية فحسب وانما عن طريق السلفيات طويلة الأجل، والقروض الميسرة، والمعلومات الكاشفة لأوضاع السوق ولفرص الإستثمار. هذه الرؤية الخاطئة لم أستطع أن أتحقق من مصدرها بعد، ولكنى أذكرها لأنها صارت رؤية سائدة وذات جاذبية كبرى، وكان من نتائجها أن تولد لدينا "مكتب التجار"، ليكون بمثابة الأصابع التنظيمية فى السوق، ثم تحولت "إشتراكاتنا" الصغيرة الى شركات(كيف؟ لا أدرى)، ثم صارت كل شركة صغيرة تكبر حتى تلد شركة أخرى، ولما لوحظ أن عددا كبيرا من العضوية الإسلامية ميسورة الحال يوجد فى السعودية وفى دول الخليج الأخرى، أنشأ "مكتب المغتربين"، ليقوم بجمع الاشتراكات، ثم تحولت وظيفته بصورة متدرجة الى ما يشبه الوساطة التجارية والوكالة والإستثمار. ولما لوحظ تكرر المجاعات والكوارث فى السودان، أنشئت أعداد من المنظمات الخيرية التى تهتم بالعون الإنسانى، ولكنها تركت لأصحاب العقلية الرأسمالية التوسعية، فصار القائمون عليها فى كثير من الأحيان ينحدرون من الشريحة التجارية ذاتها؛ الشريحة التى تتخندق فى البنوك والشركات والمكاتب التجارية.

    ثم جاءت ثورة الإنقاذ، فكانت تلك هى اللحظة التأريخية التى وقع فيها التلاحم الكامل بين الشريحة التجارية المشار اليها، والمؤسسات الإقتصادية فى الدولة، فمن كان مديرا لبنك البركة صار وزيرا للمالية والإقتصاد، ومن كان مديرا لبنك فيصل صار محافظا لبنك السودان المركزى، ومن كان مديرا لشركة التأمين الإسلامى صار وزيرا للطاقة، فاذا لم يصب فيها نجاحا خلفه عليها مدير بنك التضامن أو بنك الشمال الإسلاميين، الى غير ذلك من وزراء الدولة ووكلاء الوزارات. وكل من هؤلاء لم يعرف لأحدهم أسهام أصيل فى الدراسات الإقتصادية، أو رؤية عميقة للتنمية الإسلامية، ولكن كل هؤلاء يعرف بعضهم بعضا معرفة شخصية، وكانت لهم ذكريات مشتركة فى المدارس، أو فى العمل التنظيمى، فصاروا يديرون الإقتصاد السودانى كأنما هو شركاتهم الخاصة، وتحولوا تدريجيا الى نخبة حاكمة مغلقة، فاذا خرج أحدهم من وزارة أعيد الى وزارة أخرى أو أعيد الى "مملكته" السابقة، أو أوجدت له شركة خاصة للاستشارات أو المقاولات أو الإنشاءات، وذلك ريثما يخلو أحد المقاعد الوزارية، فى تطابق تام مع نظرية "تدوير النخبة الحاكمة" التى قال بها عالم الاجتماع الأمريكى رايت ميلز وآخرون. وبهذه الطريقة تم تمرير وتسويق المفاهيم الرأسمالية وتوطينها فى برامج الدولة والتنظيم، وبهذه الطريقة سدت المنافذ لأية محاولة جادة لبلورة مذهب اسلامى أصيل فى التنمية الإقتصادية،وبهذه الطريقة تحول التنظيم الى ما يشبه "حصان طروادة" يشير مظهره الخارجى الى صرامة المجاهدين وتقشف الدعاة، أما من الداخل فقد تحول الى سوق كبير تبرم فيه الصفقات، وتقسم فيه الغنائم، دون ذكر لتجديد الفكر الإسلامى أو لنموذج التنمية الإسلامية الموعودة، وبهذه "الطريقة" صار أفراد هذه الشريحة أغنياء بينما ترك "التنظيم" ليزداد فقرا وتمزقا،بل إن عامة العضوية ظلوا فقراء مثل عامة الشعب برغم الشركات الكثيرة التى تم توزيعها بين المؤتمرين الوطنى والشعبى؛ الشركات التى أسست باسم الإسلام ومن أجل نصرة الفقراء والمستضعفين
                  

09-18-2010, 02:44 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    إنشقاق الاسلاميين الذي اطلقوا عليه المفاصلة عام 1999 ، ورغم القراءات المتعددة لاسبابه إلا إنني ومن خلال أحاديث الخارجين من صفوف الاسلاميين والذين كانوا يعملون داخل هذا النظام ، ومن خلال الخروج الجماعي لابناء دارفور الذين اصدروا "الكتاب الاسود" وكونوا التنيظمات المسلحة لمواجهة نظام كانوا جزءاً منه ، أستطيع ان اقول بملء الفم إن السبب الرئيسي لإنشقاق الإسلاميين هو الصراع العرقي بين أولاد البحر وكل من هو خارج منظومتهم . وهذا الصراع بدأ من داخل التنظيم ووصل لكل الاجهزة ، وبدايته كانت عام 1996. هنالك الكثير من ما يعضد إدعائي من حكايات ، ولكن أكثرها هو عثور أبناء الغرب لتقرير إستراتيجي مرفوع لرئاسة الجمهورية حول وقف تغلغل الغرّابة في جهاز الدولة. وذلك التقرير شكل بداية تكتل ابناء الغرب داخل التنظيم واجهزة الدولة مقابل تكتل ابناء الشمال النيلي. وبدأت التحالفات. وهو ما فاجأ الترابي والذي رغم كل سوءاته فهو لم يقف شمالياً بل ظل ممسكاً بالطرفين حتى وقع مع من وقعوا . من السلطة. وبما إن هذا تاريخ ولا يمكننا الخوض فيه من الحكاوي الذين رووها ما زالوا احياء. ومازال الوقت مبكراً، فما يعنينا هنا كيف هزم العرق أخاء الاسلاميين مثلما هزم أخاء الانصار ذات يوم ، وبعد مائة سنة بدلاً من تجديد الدين ، فقد تجدد صراع ابناء البحر وابناء الغرب بصورة اكثر عنفاً واكثر وضوحاً من ذي قبل.

    اما تحالف ابناء البحر مع البدو الرحل وزعاماتهم فهو ما سيجيب بشكل أو آخر على سؤال الهاشمي من اين جاء الجنجويد ؟ إن هذه الزعامات التي برزت في الاعلام كقيادات قبائل لم تكن كذلك ، فهم أعضاء في الجبهة القومية الاسلامية وفاعلين في تأمين الانقاذ منذ ايامها الاولى. فموسى هلال ابرز هذه الشخصيات التي برزت هو اول زعيم إدارة اهليّة بايع الترابي وانضم للجبهة الاسلامية 1988 . ولم تمض على توليه الادارة الاهلية سنتين. ومن يغالطني عليه الرجوع لإرشيف جريدة الرّاية ليجد هذا فيها وبالصورة. ولذلك لا يمكن أن يضع الاستاذ سليمان حامد النقاط على الحروف في صراع دارفور دون أن تكون معلومة كهذه ضمن تحليلاته. وهذا يقودنا إلى إن ما عرف بصراع العرب والزرقة قد بدأ داخل تنظيم الحركة الاسلامية ، وأختار له اولاد البحر دارفور ارضاً لمعاركهم لحسم ذلك الصراع .
    لقد كان العرق هو " القندول الشنقل الريّكة " ... إن العرق اكثر الاسباب التي قادت لإنشقاق الاسلاميين. وإذا افترضنا إن الجبهة الاسلاميّة قامت على ركيزة العروبة والاسلام ، فقد جاء إنقسامها على هذا الاساس . وإنتهى إلى ذات النتائج التي إنتهى إليها مشروع الدولة المهدية ، وخرج أولاد الغرب بالرصاص وابناء البحر بغنيمة السلطة.. وظل الترابي صانع المشروع وعلي الحاج ، لا يتحثدون عن هذا السبب، لا تلميحاً ولا علناً بل يتحدث الترابي عن الحريات العامة كسبب لإختلافه مع تلاميذه دون الخوض في مضمون هذه الحريات، ويتحدث على الحاج عن إنه تفأجأ بالفساد وقال خلوها مستورة.
    تشكلت لمعظم الاسلاميين من ابناء دارفور قناعة ظلوا يكررونها بإستمرار بعد خروجهم ، قناعة بإن السلطة في السودان ليست في يد من يجلس في الكرسي ، وتشكلت لديهم قناعة إن هنالك قوة اخرى أو هيئات اخرى فوق الاحزاب وفوق كل المؤسسات هي التي تتدخل وتدير الدولة. تلك هي تداعيات العرق وكيف يقود الناس لتفكير ربما لا يطابق الواقع ، ولكن مالم يخرج الناس إلى رحابة الوطن سيهزم العرق اي مشروع.


    يوسف عزّت الماهري

    http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=3976&post...3c46f7d7511ce2acccbd
                  

09-18-2010, 07:28 PM

Mamoun Ahmed
<aMamoun Ahmed
تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 922

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    خلاص انتهيتو من الجنوب؟

    هذا البوست بحسناته وسيئاته نموذج للمشاكل القادمة

    نحن امة تتفت
    انفصال الجنوب ليس الا البداية
                  

09-19-2010, 07:59 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: Mamoun Ahmed)

    الاخ مامون احمد

    تحياتي
    Quote: انفصال الجنوب ليس الا البداية


    لمنع تشرذم الدولة الي اقاليم منفصلة بذاتها، لابد من بحث اسباب ( الغباين) التي تمتلئ بها النفوس، و تحرك الجموع نحو اختيار عدم الاندماج في وطن واحد، و الاستعلاء القبلي واحد من المواضيع الهامة التي يجب مناقشتها في هذا الصدد. و هنا يأتي دور أبناء و بنات السودان من أجل نقد الذهنية القديمة التي تلون الواقع السوداني، في تمظهرها الواعي أو اللاواعي، و تعمل علي استدامة مفهوم الجدارة ،تبعا لنوع العرق و القبيلة، في إدارة شئون السودان المختلفة.

    هذا الأمر يحتاج الي عمل شاق و مكثف وسط الاجيال القديمة و الجديدة علي حد سواء، من أجل نشر ثقافة تقبّل الآخر و نبذ القبلية لصالح دولة المواطنة التي يتساوي فيها الجميع تحت قانون واحد يحتكمون اليه. و لا يمكن الوصول الي هذا الهدف النبيل إلا عبر تحول ديمقراطي حقيقي، يتم بعده نشر مفاهيم المواطنة الحقة و ترسيخها في النظم التعليمية و أجهزة الاعلام و الفعاليات الثقافية المختلفة في السودان.

    (عدل بواسطة سعد مدني on 09-19-2010, 09:20 AM)

                  

09-19-2010, 08:15 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    في جدل الهوية: فوضى المصطلح وغياب المفاهيم يعيقان الحوار

    فيصل محمد صالح

    لدي اهتمام خاص بمتابعة ورصد كل ما يكتب عن قضية الهوية والتنوع الثقافي في السودان، لأسباب كثيرة ومتعددة، أهمها أن هذه القضية تشغل الوسط السياسي والثقافي في السودان وهذا وحده يكفي. وأجدني أيضا اتفق في كثير من الأحيان مع من يعتقدون أن هناك مبالغة وتهويلا في الاهتمام بقضية الهوية، من حيث أنها اهتمام صفوة أكثر منها قضية عامة، وبمحاولات رد أي مشكلة أو قضية في السودان لجذر الهوية، لكني في نفس الوقت لست من المعتقدين بأن هذا مبرر كاف لإهمالها وتجاهلها، فطالما هي تشغل الأذهان والأفئدة يجب الاهتمام بها ورصدها وردها إلى حجمها الحقيقي.
    ومن مشاكل الكتابة والحديث في قضايا الهوية الخلط الواضح للمصطلحات، جهلا بها في بعض المرات، وتعمدا في مرات أخرى، وهذا ما يعقد المناقشات ويحولها إلى جدل بيزنطي بلا نهايات، لأنه بدون ضبط المصطلح لن يكون الحوار مجديا وذا قيمة، بل سيتحول إلى حوار طرشان.
    دفعني لهذا المدخل الورقة التي نشرها الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي في ثلاث حلقات تحت عنوان«افتراضات مناقضة لخطاب التنوع الثقافي وهشاشة الدولة السودانية». ولعل هذه مناسبة للإشارة للدور الكبير الذي يقوم به الصاوي، فهو استثناء بين الكتاب والمفكرين السودانيين عامة، والمنتمين للتيار القومي خاصة. عبد العزيز حسين الصاوي «محمد بشير» كاتب غزير الإنتاج، كثيف الحضور في مجالات الفكر السياسي، يخوض بقلمه في كل القضايا والمواقف، على تواضعه وغيابه عن الأضواء وتخفيه وراء اسم الصاوي رغم انعدام مبررات التخفي.
    ويتميز الصاوي بأنه من القلائل المنتمين للتيار القومي الذين غاصوا بقلمهم في قضايا الراهن السوداني وعملوا على توطين الفكر القومي سودانيا. وهو بهذا يسد نقصا مهما، فعلى تميز واختلاف الواقع السوداني، ظل التيار القومي في السودان، بشقيه الناصري والبعثي وبامتداداته اليسارية والوسطية، فقيرا من محاولات معالجة مشاكل الواقع السوداني. وهكذا كان حال التيار القومي في كل الهوامش العربية، اليمن، موريتانيا..الخ، نشاط سياسي موار وغياب فكري للتثاقف مع الواقع المعقد والمختلف.
    في ورقته ثلاثية الأجزاء، والتي أشرت إليها سابقا، يجادل الصاوي الفرضية التي رسخت زمنا حول حداثة وهشاشة الدولة السودانية الحديثة وردها فقط للفتح التركي المصري 1821، كما يشير بشكل واضح لفوضى المصطلحات التي تشوه المفاهيم وتعيق الحوار البناء.
    وهنا أود أن أورد أمثلة للتضارب في طرح وفهم المصطلحات، على أن يتواصل الإسهام في النقاش حول الهوية في كتابات قادمة.
    واحد من المصطلحات المضطربة والملتبسة، متعددة المفاهيم، رغم كثافة حضورها في الخطاب السياسي هو مصطلح المركز والهامش. وخطاب السودان الجديد الذي بدأ مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي لها فضل اطلاق المصطلح وتعميمه، لم يجد وقتا ، ربما، «لتقعيد» المصطلحات وتسكينها مفاهيميا، وكذلك حال الحركات السياسية اللاحقة، خاصة المرتبطة منها بالأطراف. فقد رسخ في الخطاب السياسي أن المركز هو الوسط والشمال النيلي العربي الإسلامي، وأن الهامش هو المناطق الأخرى في السودان شرقا وغربا وجنوبا، ويتدرج من هذا تعريف إثني وعرقي وقبلي، مع اختلاف هذه المصطلحات، يعتبر أن المنتمين لمناطق المركز هم بالضرورة من المهمشين -بكسر الميم- وأن أبناء المناطق الأخرى هم المهمشون- بفتح الميم. لكن لن يصمد هذا الفهم أمام أي تحليل موضوعي، لأنه يتحول بهذا الشكل لفهم عنصري وجهوي وقبلي يمكن أن يدين حامليه، ويصعب أن يتم عليه بناء سياسي معقول ومقبول. فبهذا المفهوم يصبح أي راعي ضان أو إبل أو مزارع فقير من شمال السودان في نطاق المركز المهمش، بينما العشرات من أبناء الشرق والغرب والجنوب المرتبطين بالسلطة ودوائرها، والذين اغتنوا وأثروا بطرق ووسائل عديدة، سيكونوا محسوبين ضمن الهامش المقهور والمستنزف. كما أن أوضاع مناطق كثيرة في الشمال ونهر النيل والجزيرة ستحرج دعاة وقائلي المصطلح حين يكتشفوا أنها مناطق تعاني من الفقر وانعدام الخدمات التعليمية والصحية بدرجة تجعلها خارج دائرة التحضر.
    لهذا اتجه كثير من المنتمين لهذا الخطاب نحو معالجة إيجاد مخرج معقول، فقالوا إن المركز ليس جهة أو إثنية أو عرقاً معيناً، لكنه حالة ووضع معين، وكذلك الهامش.
    في هذا يقول الكاتب والناشط السياسي الدكتور محمد جلال هاشم، فك الله أسره، وهو من منظري هذه المدرسة:
    « المركز ليس مرتبطاً بعرقٍ ما، أو جهةٍ ما، وما تصويره على أنه كذلك إلا مجرد خدعة. فالمركز مركز صفوي يحتكر السلطة والثروة، وفي سبيل تأمين مصالحه يسخّر الثقافة والعرق والدين والجغرافيا». ويواصل :« وهكذا تكوّن المركز من صفوة متباينة الأعراق والثقافات، متلاقية في الأهداف المتمثّلة في الثروة والسلطة. هنا لا يهمّ من أي مجموعة ثقافية أو عرقية ترجع أصول المرء، طالما كان مستعدّاً للتضحية بأهله تحت شعار الإسلام أو العروبة، وكلاهما برئ من ذلك. في الواقع فإن أغلب الرموز القيادية التي قام عليها المركز من أبناء المجموعات الموغلة في التهميش إلى حد التعريض بها ثقافياً وعرقياً. هذا هو المركز الذي يسيطر على مؤسسة الدولة في السودان، مهمّشاً في ذلك جميع السودانيين».

    ويضيف في موقع آخر «الهامش ليس في جهة جغرافية بعينها، شمالاً كانت أو جنوباً، شرقاً أو غرباً أو وسطاً دون غيرها، بل هو في كل مكان، ومن يغالط في هذا عليه أن يخرج مما يسمّى بالمناطق الحضرية عدة كيلومترات فقط ليرى التهميش بأم عينه. كما لا يصبح الهامش وقفاً على مجموعات إثنية بعينها دون أخرى. وهذا هو مناط القول بأن الهامش ليس جغرافياً كما ليس عرقياً، بل هو سلطوي. «هذا هو المفهوم الدائري للمركز والهامش الذي يطرحه محمد جلال في مواجهة المفهوم الخطي شمال جنوب».
    أنظر محمد جلال هاشم، الأسس الفكرية لتحقيق السودان الجديد «كوش» وصناعة الاستقلال، ورقة قدمت في لندن في 2006م.
    خذ هذا الفهم وأنزله على الخطاب السياسي لكل حركات الهامش، كما تسمي نفسها، بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان، فهل ستجد توافقا؟ هل تتصرف هذه الحركات فعلا على أساس أن التهميش ليس فعل جماعة إثنية أو عرقية أو ثقافية معينة؟ لو كان هذا الفهم سائدا لما كان هذا هو حالنا. صحيح أن كثيرا من الحركات تطرح أحيانا هذا الطرح في مناسبات معينة، لكنها لا تعممه لأنه سيحبط جزءا كبيرا من خططها،ومن قدراتها التحريضية.
    فعلى قياس هذه الرؤية، ما هو وضع القبائل العربية في دارفور؟ هل من سبب لايجعلها من المهمشين - بفتح الميم- وهي قبائل بدوية رعوية لا تتمتع بأي خدمات للدولة ولا تعرف نعمة الاستقرار؟ وما هو موقعها إذن في إطار وضع قضية دارفور في نطاق التهميش من المركز؟.
    ولماذا يرد بكثرة في خطاب الحركات إشارة للشمال مرة، وللشايقية والجعليين، على العموم، وللثقافة العربية الإسلامية باعتبارها مسؤولة عن التهميش والاستعلاء ....الخ.
    يرتبط بهذا المفهوم كلمة «الجلابة» وهي ايضا مصطلح ملتبس وملغوم، ترجع جذوره التاريخية للتجار الشماليين الذين كانوا يجلبون البضائع والتجارة للجنوب والغرب، لكن يتم استعارته سياسيا بنفس مقاييس المركز والهامش ليكون الجلابة هم ممثلي المركز. ورغم التراجعات ومحاولات الالتفاف، إلا أن المصطلح يستخدم في الخطاب السياسي الحركي والتعبوي كمرادف للشمالي عموما، وهو هنا يدخل في نفس خطأ تعميم المصطلح، وإذا أجبنا أحد بأن المصطلح «ليس جغرافياً كما ليس عرقياً، بل هو سلطوي» سنسأله إذن أن يسمي لنا الجلابة من الجنوب ودارفور. ففي نفس الايام التي نفث فيها باقان أموم غضبه على دولة الجلابة،كان يستقبل اثنين من القيادات الجنوبية التقليدية المنضمة حديثا للحركة، رغم أنها ركبت مع كل نظام وارتبطت بأي حكومة وكانت جزءا من نظام الإنقاذ في أسوأ أيامه، بينما كانت رموز كثيرة من المعارضة الشمالية التي وصفها باقان بأنها جزء من دولة الجلابة، تقاتل نظام الإنقاذ في صف واحد مع الحركة الشعبية.. لم يقل لهم باقان أموم بانهم من الجلابة، لأن الجلابي في وعيه الداخلي الملتبس لا بد أن يكون شماليا، ودعك هنا من أي محاولات لتبريد المصطلح العنصري في الخطب الجماهيرية، فالعمل والفعل هو المحك.
    إلى هذا فإن هناك جدلا كثيرا يمكن أن يثار حول مصدر المصطلح، أي دور الجلابة في الجنوب والشمال، حيث يتم استخدام معايير أخلاقية لمحاكمة دور اقتصادي مرتبط بمرحلة معينة، وهي معايير لن تصمد أمام اي تحليل علمي. ففي النهاية، وباستخدام أي منهج للتحليل، ستجد أن الجلابة لعبوا دورا إيجابيا وتقدميا في نقل اقتصاد هذه المناطق من مرحلة الاقتصاد التقليدي إلى شبه اقتصاد السوق، وهو دور حتمي لا بد ان يقوم به طرف ما ضمن عملية التحديث.
    هذان نموذجان محوريان في خطاب السودان الجديد، ثم خطاب حركات الهامش، يصلحان قياسا لكثير من المفاهيم والمصطلحات التي تستخدم بأكثر من معنى ودلالة، بحيث تكتسب كل يوم وفي كل موقف معنى مختلفا، بطريقة رزق اليوم باليوم، وهذا يعد أسوأ مناهج العمل السياسي.
    ويستمر الحوار



    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509809&bk=1
                  

09-19-2010, 08:25 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    جدل الهوية «2»:
    فيصل محمد صالح

    مداخل أساسية لفهم الموضوع
    وجد المقال السابق «جدل الهوية- الصحافة 23 أغسطس 2007م» صدى طيبا، ووردتني تعليقات كثيرة مكتوبة وشفهية، لا يهم إن كانت تتفق أو تختلف مع المقال واتجاهه العام، بقدر ما أسعدني الاهتمام والمتابعة.
    وقد وجدت أن من المهم متابعة النقاش في هذه القضية وتناول كثير من جوانبها التي ربما وجدت حظها من النقاش في ورش العمل والمؤتمرات المقفولة، لكنها لم تجد فرصا واسعة في أجهزة الإعلام، ومن المهم الإشارة إلى أن الأجزاء التالية من هذه المقالات مأخوذة بتصرف من ورقتين كنت قد قدمتهما في مناسبتين، الأولى ندوة في القاهرة في مايو 2004م نظمها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام بالتعاون مع مركز الدراسات السودانية، وقدمت فيها ورقة بعنوان «الأبعاد المتعددة للصراع بين جنوب وشمال السودان: الثابت والمتحول.. وجدل الهوية»، والثانية ورشة عمل نظمتها مبادرة المجتمع المدني للسلام بالتعاون مع مؤسسة فريديريش آيبيرت ديسمبر 2004م، وقدمت فيها ورقة بعنوان «التنوع الثقافي وقضية الهوية في بروتكولات نيفاشا».
    وذهبت في الورقتين للقول إن جوهر الصراع في السودان ظل يحمل فى داخله عناصر الثبات والتحول، فالثابت فيه هو عدم تحقيق الإشباع السياسي ـ الثقافي ـ الاجتماعي والاقتصادي للكيانات والجماعات التي تمثل مناطق كثيرة، منها جنوب السودان خلال كل مراحل النزاع، وتصورات الحلول المطروحة.
    وتحقيق الإشباع رهن بمخاطبة الحاجات المتزايدة والمتحولة، كشأن الطبيعة الإنسانية. فالحاجات التي صاغ منها القادة السياسيون للجنوب مطالبهم من برلمان 1955م «وعد بالفيدرالية» ليست هي الحاجات التي دفعت قادة حركة «أنانيا 1» لرفع السلاح بعد ذلك. ومع تطور المجتمع في الجنوب، تطورت الحركة السياسية، وتطورت الحاجات والمطالب بالشكل الذي عكسته برامج الحركة الشعبية لتحرير السودان والتنظيمات الأخرى وهذا هو المتحول.
    المداخل المتعددة:
    تعددت المداخل التي تحاول تفهم جذور المشكلة، بتعدد الرؤى. وبينما كانت تسود الساحة، ربما حتى الثمانينيات، مداخل آحادية الرؤية، فقد تضاءلت الآن فرص هذه المداخل، واتجهت الدراسات الأكاديمية والسياسية إلى تبنى مداخل متسعة الرؤى، تنظر للمشكلة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مستصحبة فى ذلك التاريخ والجغرافيا وكل العلوم الاجتماعية الحديثة.
    وصار هناك اتفاق عام، إن لم يكن كاملاً، على أن السودان بلد متعدد الثقافات والأديان والإثنيات، وإن أي نظام للحكم لا يستصحب هذه التعددية فى برامجه وسياساته إلى جانب التعددية السياسية، محكوم عليه بالفشل.
    وربما من المهم، من باب الرصد التاريخي أن نذكر هذه المداخل، مع التنبيه أنه لا توجد خطوط حادة فاصلة موضوعية أو زمنية بين هذه المداخل، وإن ما افترضناه من خطوط هو لغرض الدراسة.
    - المدخل السياسي: ظل هذا المدخل يتعامل مع المشكلة بالتركيز على بعدها السياسي، على أساس أن المشكلة سياسية فى المقام الأول، ويتم حلها بإجراءات سياسية. ولا يعنى هذا بالضرورة أن من تبنوا هذا المدخل قد جهلوا الأبعاد الأخرى للمشكلة، أو لم يكونوا على علم بها، لكن الثابت أنهم افترضوا إن الأبعاد الأخرى هي بمثابة إفرازات للبعد السياسي، وأن الإجراءات السياسية «بما فيها تصعيد العمل العسكري للجم حركة التمرد» كفيلة بمعالجة جذور المشكلة وإفرازاتها. وظل هذا هو المنهج المتبع طوال الخمسينيات والستينيات.
    - المدخل التنموي: يعتبر هذا المدخل تطوراً للمدخل السياسي، وقد ساد خلال سنوات السبعينيات، وظل يلخص المشكلة فى إطار التطور اللا متكافئ، واختلال موازين التنمية، وبالتالي فإن اعتماد خطة للتنمية المتوازنة عبر مشاريع مدروسة كفيل بعلاج كل المشاكل، وتحقيق نوع من الإشباع للتطلعات الجنوبية. وقد ساد هذا المدخل عقب التوقيع على اتفاقية أديس أبابا. وظل يبشر بمشاريع الكناف، سكر ملوط، قناة جونقلي، تطوير نسيج أنذارا ..الخ.
    - المدخل الثقافي «الهوية»: رغم أن الظهور المدوي لهذا الاتجاه يؤرخ له بمنتصف الثمانينيات، إلا أن كتابات بعض المثقفين الجنوبيين الذين ينتمون لتيار القومية الجنوبية «الانفصاليون» ترجع إلى نهاية الستينيات «أوليفر البينو The Sudan: A Southern View Point ,
    Oxford University Press». وظل هذا الاتجاه يتبنى فكرة أن بالسودان هويتين متعارضتين لا يمكن أن تتعايشا، وأن لكل منهما نمط من القيم والسلوك مختلف عن الآخر: الهوية العربية الإسلامية في الشمال والهوية الأفريقية في الجنوب. وأن أي تعايش مشترك في وطن واحد ستنتج عنه محاولة المجموعة المسيطرة على مفاصل الدولة فرض هويتها على المجموعة الأخرى، مما يعني وجود نزاع مستمر واستمرار الحرب إلى ما لا نهاية. وكان خيار الانفصال وتأسيس دولة مستقلة هو الحل الوحيد عند هذا الاتجاه.
    إلا إن جيلا جديدا من المفكرين والكتاب من الجنوب والشمال أخذ ينحو منحى آخر، فهو رغم إقراره بوجود هويتين أو أكثر في السودان، إلا أنه أقرَّ بإمكانية التعايش المشترك، وبدأ يروج لنظرية الانصهار القومي. وفى هذا يقول أحد رواد هذا الاتجاه وهو الكاتب والمفكر فرانسيس دينق «لا يمكن القطع بثنائية التركيب الثقافي أو العنصري للسودان على أساس شمال ـ جنوب، بالتالي فثمة أساس قوى للوحدة وبناء الأمة، وتبقى المشكلة في أن التاريخ السياسي هو الذي أكد على عناصر الانقسام، ودعم إحساس عدم الثقة والعداوة» «فرانسيس دينق- أفارقة بين عالمين- 1978- دار جامعة الخرطوم للنشر، ص 227».
    ويمكن أيضاً اعتبار مدرسة الآفروعربية، ووجهها الأدبي مدرسة «الغابة والصحراء» من بناة هذا الاتجاه، وظهر هذا في تنظير مباشر وكتابات عبر الصحف، وفى الأعمال الأدبية لهؤلاء الكتاب «محمد عبد الحي ـ صلاح أحمد إبراهيم ـ محمد المكي إبراهيم- النور عثمان أبكر». «انظر عبد الله علي إبراهيم، الآفروعروبية أو تحالف الهاربين، مجلة المستقبل العربي، 1989م».
    ثم تطورت مواقف البعض، من نظرية الانصهار القومي ليتبنى نظرية التعدد الثقافي «الوحدة في التنوع» باعتبار أنه لا يشترط أن تندمج الهويات في هوية واحدة، وإن من الممكن أن تتعايش الهويات المختلفة بمبدأ التسامح وقبول الآخر والتعايش المشترك. وهو ما يلاحظه حلمي شعراوي في مقال عن المسألة السودانية.. «لقد كان ثمة توجه للاتجاه الصحيح نحو الجنوب، مدعوماً بحركة ثقافية نشطة فى الشمال خلال السبعينيات لدى جيل الباحثين والكتاب الشبان، وبدأت سيادة فكرية لمبدأ التنوع في الوحدة واحترام ذاتية الجنوب».
    وظلت كل هذه الاتجاهات تتعامل مع المشكلة من خلال ثنائية الشمال والجنوب، الثقافة العربية الإسلامية في الشمال والثقافة الإفريقية في الجنوب، الإسلام في الشمال والمسيحية والأديان الإفريقية في الجنوب، الصحراء في الشمال والغابة في الجنوب، بكل ما يعنيه ذلك من اختلاف في المناخ والبيئة. حتى جاء زلزال الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983م، فطرحت رؤية جديدة تخرج بها من إطار هذه الثنائية التقليدية، وخرجت ملامح نظرية المركز والهامش. وهى كما يلاحظ كثير من الكتاب والمفكرين، خرجت من كتابات المفكر العربي سمير أمين عن التطور اللا متكافئ للنظام الاقتصادي العالمي، وقد تمت استعارتها بالتركيز على الجانب الثقافي.
    ويمكن تلخيص هذا الاتجاه في عدة نقاط:
    - المعركة ليست بين الشمال والجنوب، لكن بين تصور قديم للدولة السودانية تستفيد منه الطبقة الحاكمة في الشمال «المركز»، وبين جماعات إثنية وثقافية ودينية مهمشة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا «الهامش». فهذا التصور القديم يخدم ويحمي المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجموعة العربية الإسلامية في «الوسط والشمال النيلي» ويكرس إقصاء باقي المجموعات، وقد وصلت الأزمة إلى قمتها مع حكم الجبهة الإسلامية، التي تمثل عندهم أقصى ما يمكن أن يصله البرنامج الإقصائي.
    - حل الصراع يتم عبر هدم أو فكفكة بنية النموذج القديم للدولة السودانية التي تكونت في ظروف سياسية وتاريخية معينة، وبإرادة وأيدٍ غير سودانية «فتوحات محمد علي باشا وتوسعات الحكم الثنائي» وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة تحقق العدالة والمساواة عبر عقد اجتماعي سياسي ثقافي اقتصادي جديد.
    - هذه الحركة انطلقت جغرافيا ومكانيا من الجنوب، لأن الظروف الموضوعية للثورة توفرت في الجنوب، لكنها ذات برنامج وأفق وطني عام، وتهدف لبناء تحالف القوى المهمشة الذي سيبني السودان الجديد. فالجنوب هو الهامش الذي استيقظ وتحرك لاعتبارات كثيرة، لكن حركته توقظ هوامش كثيرة تدفعها المصلحة المشتركة للتحالف.
    - يؤشر هذه الاتجاه، بشكل مباشر، أو غير مباشر لفشل الأحزاب والأوعية السياسية القديمة في التعبير عن مصالح الجماهير العريضة/ الأغلبية المهمشة، ويبشر بأوعية جديدة تمثل هذه المجموعات، بدأت بالحركة الشعبية، مؤتمر البجا، جبال النوبة، جنوب النيل الأزرق، وامتدت إلى الحركات المسلحة في دارفور، وتتطلع لحركة النوبة في الشمال التي حملت أسماءً متعددة، وقوى السودان الجديد في الوسط والشمال النيلي.
    وقد عكست الحركة الشعبية هذه المفاهيم في مانيفستو الحركة «1983م» والبيان التأسيسي «1984م» ثم وثيقة الرؤية والبرنامج «1998م»، بالإضافة لخطابات وحوارات قائد الحركة جون قرنق وقياداتها وكتابها «باقان أموم، ستيفن وندو، ياسر عرمان، منصور خالد». «انظر الواثق كمير إعداد وتحرير، جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد: قضايا الوحدة والهوية، المجموعة الاستشارية لتحليل السياسات واستراتيجيات التنمية، القاهرة، بدون تاريخ».
    ونواصل الجدل مع مدرسة المركز والهامش في المقال القادم.

    [email protected]



    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147510105&bk=1
                  

09-19-2010, 08:34 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    جدل الهوية (3):
    فيصل محمد صالح
    عرض لرؤى مدرسة المركز والهامش

    عرضت في الحلقة الأولى للجدل المثار حول موضوع الهوية وفوضى استخدام المصطلحات، وفي الحلقة الثانية لتطور موقع نقاش الهوية من الأزمة السودانية بشكل عام. وفي هذه الحلقة نعرض للآراء المختلفة لمدرسة المركز والهامش.


    يتوقف مفهوم المركز والهامش عند قادة الحركة الشعبية التي لم يتح لها العمل السياسي والعسكري الفرصة للتأطير النظري والفكري لهذا الاتجاه، فقد تلقفته أيادٍ وعقول كثيرة، خاصة بين مثقفي الشمال، وعملت على تطويره، حتى صارت كتابات بعضهم بمثابة برنامج سياسي لبعض التنظيمات السياسية مثل ورقة «جدل المركز والهامش» للدكتور أبكر آدم إسماعيل، جدلية المركز والهامش، قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان، كتاب تحت الطبع، نشرت أجزاء منه بصحيفة (الصحافة)، ودراسات محمد جلال هاشم «منهج التحليل الثقافي: القومية السودانية وظاهرة الثورة والديمقراطية في الثقافة السودانية»، ط(4)، مركز دراسات القومية السودانية، 1999م. وأنظر أيضاً محمد جلال هاشم: «السودانوعروبية أو تحالف الهاربين»، المشروع الثقافي لعبد الله علي إبراهيم في السودان، 1998م، ورقة غير منشورة قدمت في ندوة الثقافة والتنمية، القاهرة، 1999م. وهذه الرؤية لأبكر ومحمد جلال يتبناها تنظيم مؤتمر الطلاب المستقلين واسع الانتشار في الجامعات السودانية، ومن المهم أن نلقي الضوء على هذه المساهمات بتلخيص أرجو ألا يكون مخلاً.


    تعتبر ورقة «جدل المركز والهامش»للدكتور أبكر آدم إسماعيلوالتي نشرت في القاهرة، في ديسمبر من العام 1999، واحدة من أهم المقالات التي كتبت عن موضوع الهوية، وإشكالات الصرع الاجتماعي الثقافي السوداني.


    يذهب دكتور أبكر في تحليل تاريخي سياسي فكري ورصد سوسيولوجي؛ إلى أن الدولة السودانية متحيّزة لكيان إثني ثقافي يقوم باستثمارها إقصائياً ويفرض توجهاته ضد كيانات إثنية ثقافية أخرى.


    ويقول«إن هذا الكيان -المتركز والمسيطر في المركز- قد بنى لنفسه هوية أيديولوجية هي الإسلاموعربية؛ وبعد أن يحلل مكونات هذه الأيديولوجية، يذهب إلى أنها قائمة على نزعتي الهيمنة والإقصاء؛ تجاه هويات ومصالح المناطق والكيانات الأخرى؛ الأمر الذي أدى إلى الصدام القومي؛ والمتجلي في صورة الحرب الأهلية الدائرة حالياً في مناطق مختلفة من السودان؛ على محور الهامش- المركز. ويقول إن اليسار لعب دوراً لاجماً للغلو والتطرف نسبة لوعيه بديالكتيك المسألة الذي يمكن أن يولد النقائض التي ستطيح بوضعية المركزية..»ولكن هذا اليسار المنتمي اجتماعياً لهذه المركزية المهيمنة كان متواطئاً أيديولوجياً، إذ أن موقفه من فرض الهيمنة الإسلاموعربية هو موقف تكتيكي وإجرائي متستر بالأممية وليس موقفاً مبدئياً.


    في مقاله يطرح أبكر ثلاثة مآلات رئيسية للصراع وللإشكال القائم؛ وآفاق حله:


    أ- قيام الثورة: وذلك بتشكل كتلة تاريخية Historical Mass عبر تحالف الكيانات المهمّشة مع قوى الوعي والتقدم في المركز للإطاحة بهذه الوضعية التاريخية التي باتت تضر بغالبية الناس في السودان بمن فيهم السواد الأعظم من أبناء المركز أنفسهم. وبالتالي تأسيس الأوضاع بشروط جديدة تستند على حقيقة التعددية وتلتزم بتوجهات العدالة والمساواة والتعايش السلمي، والارتفاع بقضية الهوية المشتركة - هوية الدولة- من الظرفية إلى التاريخ أي لكل هويته والدولة للجميع حتى يحكم التاريخ في مسألة الذاتية السودانية.


    ب- التسوية التاريخية: إن لم يتيسر قيام كتلة تاريخية ناضجة وقادرة على إنجاز فعل الثورة لأي أسباب أو تداخلات أخرى، فتبقى المسألة مرهونة بمقدار التنازلات التي يمكن أن تقدمها النخبة الإسلاموعربية، يمينها ويسارها، واستعداد قوى الوعي والمهمشين للتضحية للاتفاق على برنامج حدٍّ أدنى مثل ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية، والالتزام به مما قد يؤدي -على المدى الطويل- إلى التحولات الضرورية، وإنجاز ما كان يمكن أن ينجزه فعل الثورة.


    ج- الانهيار: فإذا استمرت المساومات السياسية التي لا تعنى بجوهر المشكلة، واستمر العجز عن تشكيل كتلة تاريخية ناضجة، وعياً وقوة، وعجزت المركزية عن تقدير الواقع حق قدره وأصرت على مشروعها، فيبقى احتمال الانهيار على شاكلة الصوملة أو تفتت الدولة السودانية إلى أقاليم متحاربة. ولا تستبعد التدخلات الخارجية كنتيجة طبيعية لذلك. وقد يكون انفصال الجنوب البداية لهذا الانهيار، وربما ساعد ذلك في إعادة الإنتاج للأزمة في السودان الشمالي واستمرار الوضعية فيه إلى حين اكتمال نهوض القوميات الأخرى والدخول في مأزق جديد، مع احتمال نشوء نفس الأزمة في الجنوب إن لم يستفد الجنوبيون من الدرس التاريخي.


    أمامحمد جلال هاشمفهو يعطي جزءاً كبيراً من دراساته لنقد الاتجاهات الأخرى حول الهوية، مثل الآفرو- عربية، مدرسة الانصهار القومي، السودانوية، السودانو-عروبية. ويبذل جهداً كبيراً، مثل كثير ممن كتبوا في مسألة الهوية، لمناقشة «ادعاءات» عروبة شمال السودان.


    يعتمد محمد جلال هاشم على «منهج التحليل الثقافي» الذي تقوم مقدماته الأساسية على أن الصراع في السودان ليس بين (شمال) و(جنوب)، وهذا ما أسماه بالتمفصل الخطي، والذي لا يعكس حقيقة الواقع في السودان، بل هو بين (مركز) و(هامش)، وهذا ما أسماه بالتمفصل الدائري التام.


    ويقول:«إن التمفصل الأيديولوجي الخطي Linear شمال- جنوب، هو في حد ذاته سمة من سمات الآفروعروبية، ثم السودانوعروبية لاحقاً. إذ من شأنه أن (يفرز) الجنوب لوحده، مع استتباع المركز لباقي أطراف الهامش استيعاباً وإعادة إنتاج، حتى إذا تغيّر السياق، وأصبح الجنوب غائباً، تبين لنا أن هذا (الشمال) هو نفسه (خشم بيوت)، وهنا يتضح أن هناك غرباً، وشرقاً.. كما أن هناك شمالاً هامشياً للشمال نفسه».

    ويواصل:


    - تعتمد أيديولوجيا الأسلمة والاستعراب على الاستيعاب، والذي يقوم بدوره على ميكانيزمات إعادة إنتاج الهامش والأطراف في المركز. وقد استصحبت هذه العملية معها كل جراحات ومرارات القهر والاضطهاد التي بلغت قمتها في مؤسسة الرق. واليوم لا يجوز التعجب والاستغراب من أن هذه المؤسسة لا تزال ناشطة فعلياً، ذلك لأن الرق والتمييز العرقي لم يفارقا وجدان الثقافة الإسلاموعربية في المركز حتى الآن، فليس أسهل من أن يدمغ السوداني بأنه عبد لمجرد سواد لونه، وهل يكون السودانيُّ غير أسود؟


    - من الجانب الآخر تعتمد أيديولوجيا الأفرقة على الجهوية والنزوع نحو الانفصالية. وهي في ذلك تصدر من إحساس متنامٍ بأنه لا حظَّ ولا حقَّ لها في هذه البلاد، وبما أن تيارات الجهوية الإنفصالية قد ظهرت بوادرها في الجنوب، وجبال النوبة، وغرباً بدارفور، ثم شرقاً بين البجا، (الآن بدأت الدائرة تكتمل باشتداد وتائر الحراك الإثني بين النوبيين في الشمال)، لذلك لا نحتاج إلى ذكر أن هذه الأقوام ذات حق أصيل في البلاد، بل هو في الواقع حق سابق لمجيء العرب المسلمين. لهذا يمكن أن ننظر إلى النزوع نحو الانفصال على أنه شكل من أشكال اليأس من جدوى النضال نحو وضع قومي متوازن. وقد أخذ هذا التيار في الاضمحلال ببروز الحركة الشعبية لتحرير السودان وترفيعها لوعي قطاعات الهامش والأطراف بحقها الأصيل في كل أراضي السودان: من نمولي إلى حلفا، ومن الجنينة إلى الكرمك. وإنما لهذا أعلنت أنها تسعى لتحرير السودان كله، رافضة بذلك الانحصار في جنوب السودان. إلا أن التموضع الجنوبي للحركة الشعبية لتحرير السودان قد أدى إلى ما يمكن أن نسميه انتكاسة في هذا الوعي القومي.


    - أما الطرف الثالث الذي يمثل وسط الاستقطاب الأيديولوجي فهو الدعوة إلى قيام دولة مؤسسات وفق ديمقراطية تعددية تستند أساساً على واقع التعدد الثقافي، على أن يبدأ هذا المشروع بالخطوات التنفيذية لإيقاف سياسة الأحادية الثقافية التي تمارسها مؤسسة الدولة في السودان منذ الاستقلال مروراً بجميع الأنظمة والحكومات. إن هذا التيار الأيديولوجي يستند في تأسيساته على أن مؤسسة الدولة مسؤولة عن تحريك ماكينة القهر والاضطهاد الثقافي جراء عدم اعترافها بمسؤولياتها تجاه الثقافات غير العربية في السودان. إن هذا الأمر يقتضي مراجعة التعليم لغة ومضموناً، كذلك النشاط الثقافي والفكري، فضلاً عن الإعلام، وما يتبع كل ذلك من سياسات اقتصادية وقومية... إلخ.


    ثم يلخص فكرته الأساسية: «المخرج في ما نذهب إليه هو إعادة النظر في خارطة التمفصل الأيديولوجي في السودان. نبدأ بالتيارات التي فصلنا في أمرها، فنلخصها على النحو التالي:


    أ/ التيار اليميني: وهو الذي يستند على أيديولوجيا الأسلمة والاستعراب والنظام السائد، ومن ثم كل العوامل التي أدت إلى ظهور الدولة السودانية الحديثة بدءاً بالفونج، فالتركية، ثم المهدية، إلى الحكم الإنكليزي، انتهاءً بالدولة الوطنية وأنظمة ما بعد الاستقلال. ضمن هذا التيار يدخل العروبيون والإسلاميون بما في ذلك القوميون العرب والماركسيون.


    ب/ التيار اليساري: وهو الذي يقوم على الجهوية دونما إطار قومي، مثلما كان يشهد بذلك الحال في الماضي القريب (حركة انفصال جنوب السودان بمختلف مسمياتها التنظيمية، نهضة دارفور، مؤتمر البجا، اتحاد جبال النوبة... إلخ). إن هذه الحركات الجهوية في حال اضطرادها المنطقي تنتهي بالدعوة إلى الانفصال، دون التعرض لاستعصاء فنياته. ولأنها تمثل بذلك رفضاً مبدئياً للدولة السودانية القومية، جاز لنا أن يتم تصنيفها كيسار سوداني.


    ج/ تيار الوسط: هذا التيار يقوم على أيديولوجيا القومية السودانية، والتي تستند بدورها على الحقوق الثقافية المتكافئة والمتوازنة بين الأقوام السودانية شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً، ثم وسطاً، كما تقوم على ضرورة إلغاء واقع الهيمنة والقهر الثقافي بكل تجلياته السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، والدولية (نسبة إلى مؤسسة الدولة)، ولأن هذا التيار يتوازن أيديولوجياً ما بين القطبين السابقين، لهذا جاز لنا تصنيفه كوسط، إن هذا التيار ليس تصالحياً، لمجرّد كونه متوازناً. وفي هذا نقصد بالتصالح كل التيارات الفكرية التي تسعى للانعتاق من أسر الثقافة القاهرة عبر التصالح معها، مثل الآفروعروبية».


    انتهى هنا عرض وتلخيص آراء إثنين من منظري ومفكري مدرسة المركز والهامش، وقد حاولت تلخيص وجهة نظرهما بقدر الإمكان لعدم القدرة على نشر النص الكامل لدراساتهما ضمن هذا المقال، وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك، ومن البديهي أنني أتحمّل مسؤولية أي تقصير في عرض وتلخيص وجهتي النظر، وقد ناقشني الدكتور محمد جلال هاشم بدءاً في بعض ما أوردته من نسبة ظهور مصطلح المركز والهامش لكتابات المفكر العربي سمير أمين، لكنني لن أورد حججه هنا وأفسد عليه الرد الذي وعد بكتابته بعد انتهاء سلسلة هذه المقالات.


    ونواصل




    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147510290&bk=1
                  

09-19-2010, 08:41 AM

عبدالمجيد الكونت

تاريخ التسجيل: 04-15-2009
مجموع المشاركات: 5613

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    Quote: لأن (الجهة) لدى الشمالي مصدر للقوة فتجد أن إنتماء أحدهم الجهوي أهم من إنتماءه القومي. فأن يصير أحدهم " جعلياً " أو "شايقياً " أهم عنده من أن يصبح " سودانياً " ! !!



    طيب مادام الشماليين كلهم بالطريقة دي
    انت ما تقسم دولتك وتريحنا منك


    مقرف بالجد ان تجد مثل هذا الكلام
                  

09-19-2010, 10:51 AM

ياسر احمد محمود
<aياسر احمد محمود
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: عبدالمجيد الكونت)

    Quote: طيب مادام الشماليين كلهم بالطريقة دي
    انت ما تقسم دولتك وتريحنا منك


    مقرف بالجد ان تجد مثل هذا الكلام

    بل المقرف حقاً هو الذهنية السقيمة التي أدار بها الشماليين السودان... تلك التي أفضت إلى القتل والدمار في السودان.
                  

09-19-2010, 08:47 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    جدل الهوية (4): مناقشات مع جدل المركز والهامش
    فيصل محمد صالح
    استعرضنا في الحلقة الثالثة آراء وكتابات بعض المنظرين لمدرسة المركز والهامش، ومنهم الدكتور أبكر آدم إسماعيل والدكتور محمد جلال هاشم. ويلاحظ أنه ومع الجهد الكبير الذي يبذل في الدراسات والكتابات التي تنظر وتؤسس لمدرسة المركز والهامش في إطار التحليل الثقافي، إلا أنها في النهاية لا تخرج عن مدرسة "الوحدة في التنوع"، أي تطرح حلولها في إطار الاعتراف المتبادل والتعايش بين الإثنيات والهويات والثقافات المختلفة في السودان، وذلك عبر عقد اجتماعي جديد يعيد توزيع السلطة والثروة ويكرس قيم المساواة والعدالة. وفي ذلك يرى أبكر انتصار القوى المهمشة في "تأسيس الأوضاع بشروط جديدة تستند على حقيقة التعددية وتلتزم بتوجهات العدالة والمساواة والتعايش السلمي، والارتفاع بقضية الهوية المشتركة ـ هوية الدولة ـ من الظرفية إلى التاريخ أي لكل هويته والدولة للجميع حتى يحكم التاريخ في مسألة الذاتية السودانية" " أبكر آدم إسماعيل؛ جدلية المركز والهامش، قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان، كتاب تحت الطبع، نشرت أجزاء منه بصحيفة "الصحافة" السودانية " .
    ولا يذهب محمد جلال بعيدا من هذا التصور حين يقول عن الطرف الذي يدعو له"أما الطرف الثالث الذي يمثل وسط الاستقطاب الآيديولوجي فهو الدعوة إلى قيام دولة مؤسسات وفق ديمقراطية تعددية تستند أساسا على واقع التعدد الثقافي، على أن يبدأ هذا المشروع بالخطوات التنفيذية لإيقاف سياسة الآحادية الثقافية التي تمارسها مؤسسة الدولة في السودان منذ الاستقلال مرورا بجميع الأنظمة والحكومات. إن هذا التيار الآيديولوجي يستند في تأسيساته على أن مؤسسة الدولة مسئولة عن تحريك ماكينة القهر والاضطهاد الثقافي جراء عدم اعترافها بمسئولياتها تجاه الثقافات غير العربية في السودان. إن هذا الأمر يقتضي مراجعة التعليم لغة ومضمونا، كذلك النشاط الثقافي والفكري، فضلا عن الإعلام، وما يتبع كل ذلك من سياسات اقتصادية وقومية …الخ". " محمد جلال أحمد هاشم، منهج التحليل الثقافي: القومية السودانية وظاهرة الثورة والديمقراطية في الثقافة السودانية، ط(4)، مركز دراسات القومية السودانية، 1999م. وأنظر أيضا محمد جلال هاشم "السودانوعروبية أو تحالف الهاربين: المشروع الثقافي لعبد الله علي إبراهيم في السودان"، 1998م،ورقة غير منشورة قدمت في ندوة الثقافة والتنمية، القاهرة، 1999م."
    وهذا يعني أن من الممكن الاختلاف مع هذه القراءات في التحليل، والاتفاق معها في النتائج المطروحة كحلول.
    وهذه بعض نقاط الجدل والخلاف:
    المشكلة الأولى هي عدم ثبات وتناقض هذه الخطابات مع نفسها في كثير من الأحيان، حيث يكون للحركات السياسية خطاب للمناقشة الفكرية وخطاب آخر للتحريض والتعبئة السياسية، لا يختلفان في اللغة والأولويات كما هو مفترض، لكنهما يختلفان ويتناقضان في المضمون والتوجه أيضا. وقد فوجئ مقاتلو فصائل التجمع الوطني في معسكر القوات المشتركة بشرق السودان بخطاب التعبئة السياسية للحركة الشعبية الذي كان يقوم على المفاهيم التقليدية للصراع ( شمال -جنوب، جنوبيون-مندكورو). وعندما احتجوا على ذلك قيل لهم أن هذا خطاب الاستقطاب والتجنيد وأن الفرد حينما ينضم للحركة يتم تثقيفه سياسيا بخطاب السودان الجديد.
    وعندما يقف باقان أموم في كادقلي ليحدد حلفاء الحركة في قبائل دارفور وجبال النوبة والأنقسنا والبجا والنوبة في أقصى الشمال، فإنه يكون قد حدد ضمنيا وبشكل مباشر الخصوم على أساس قبلي وإثني وثقافي. ويبقى وجود ياسر عرمان والواثق كمير والدكتور محمد يوسف في الحركة غير مبرر منطقيا وفكريا وسياسيا!
    وأحيانا يكون هناك خطاب للداخل وآخر للخارج كما يحدث مع حركات دارفور. حيث يتحدث خطاب الداخل عن التهميش وقضايا الأراضي والتنمية، بينما يركز خطاب الخارج على الإبادة العرقية على ثنائية عرب-افارقة
    ومع تعدد الاجتهادات التي رفضت المفاهيم والمحددات العرقية والإثنية والثقافية لمصطلح المركز والهامش فقد عجزت معظم هذه الخطابات عن إعطاء مفهوم بديل للمصطلح، فهي ترفض الفهم العرقي والإثني والثقافي فكريا وتتبناه سياسيا عندما تحدد تحالفاتها في مجموعات عرقية وإثنية وثقافية بعينها. والوضع المنطقي والطبيعي لمن يرفضون الفهم التقليدي أن يتجهوا لتوصيف جديد بمحددات سياسية واقتصادية واجتماعية، وإلا أنهم سيعودون للوقوع في المفهوم العرقي والإثني، بوعي أو بدون وعي.
    و يلاحظ أن محمد جلال أعطى من حيث يدري ولا يدري مفهوما عرقيا لليمين واليسار ..فكل من يقول بالانتماء للثقافة العربية الإسلامية في السودان هو يميني ...وغاية ما يحققه من تقدم أن يصبح يمين الوسط، وكل القوي الجهوية والإقليمية سواء التي تنادي بسودان جديد أو بالانفصال هي يسارية رغم أنفها، سواء رغبت أم لم ترغب، درت أم لم تدري ...فهذا موقف منفصل عن الوعي ...رغم أن الماركسية التقليدية حين ربطت الموقف الأيدلوجي بالوضع الطبقي، عادت وأضافت مفهوم الوعي الطبقي، أما عند محمد جلال فالوعي هنا غير وارد. ويتم هذا الأمر دون دراسة لتركيبة الحركات الإقليمية والجهوية وطرحها الفكري والسياسي، وبعضها اختار تراتبية القيادة فيه على أساس قبلي، وبعضها يتعرض لنزاعات وانشقاقات على الأساس القبلي "مؤتمر البجا أكثر من مرة ، وحركات تحرير السودان التي يتفاقم فيها النزاع والانشقاق بين مجموعتها المتعددة على اساس قبلي زغاوة وفور ومساليت ....الخ. بما يعني أنها تنتج هي نفسها صراع المركز والهامش بمستوى مختلف. أما داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان فيمكن مراجعة كتابات بيتر أدوك نيابا، لام أكول، وكتاب "حرب إيما" الذي يكشف البعد القبلي والديني للحرب والصراع بين الدينكا والنوير.. " بابكر فيصل بابكر، ملاحظات حول خطاب السودان الجديد من وحي قراءة كتاب "حرب أيما" للكاتبة الامريكية ديبورا سكرووجنز، موقع سودانايل على الشبكة العالمية
    www.sudaneseonline.com " ، كما يمكن مراجعة اتفاقية أونليت بين
    الدينكا والنوير التي تكشف نقاطها عن وجود عمليات الاختطاف القسري والأسر الذي لا يسمى هنا رقا مثلما يحدث في حالة الدينكا والرزيقات مثلا " الدكتور عبد الله علي إبراهيم : الرق في السودان : نحو أنثروبولوجيا الخبر : صفحة 75/74 ، الشركة العالمية للطباعة والنشر ، الخرطوم ".
    - ثم هناك، داخل هذه الخطابات، الحديث عن القهر والإقصاء " كجوهر في الثقافة العربية الإسلامية" والذي يأتي كمسلمة في كثير من كتابات الهوية دون أي استدلالات حقيقية. فمجرد انتشار اللغة والثقافة العربية الإسلامية في مناطق كثيرة مع انحسار لغات وثقافات محلية يعتبر اقصاءا وهيمنة، دون الاستعانة بالدراسات اللغوية والاجتماعية الحديثة والمقارنة التي توضح وتدرس وتشرح، ودون دراسات مقارنة مع ظروف متشابهة في دول أفريقية أخرى، تراجعت لغاتها واندثر بعضها لصالح اللغتين الإنجليزية والفرنسية، دون أن تكون إحدى هاتين اللغتين بمثابة لغة محلية لأي من المجموعات الوطنية.
    كما يتم إدانة دور التاجر الشمالي العربي الجوال "الجلابي" في نقل كثير من المناطق من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد السوق، وذلك على أسس ومحاكمات أخلاقية لا علاقة لها بعلم الاقتصاد. و هم حين يحاكمون الهوية العربية الإسلامية، " يخلعون الدور الذي لعبته تجلياتها الفكرية - السياسية القائدة في أوقات مختلفة إزاء تلك الكيانات (غير العربية والإسلامية) من حوامله التاريخية، بحيث يبدو نابعا من جوهر ثابت في هذه الهوية كخصائص حضارية" " عبد العزيز حسين الصاوي، السودان :حوارات الهوية والوحدة الوطنية، مركز الدراسات السودانية ، القاهرة "
    - ويكرس منظرو هذا الاتجاه جزءا كبيرا من وقتهم وجهدهم في نقد ونفي الثقافة العربية والإسلامية عن السودان، أو على الأقل تصورات السودانيين الشماليين عن عروبتهم ". ليس هناك حديث عن بقية مناطق السودان ، هذا يعطي إيحاء كاذباً وزائفاً عن عدم وجود مشاكل أخرى في مسألة الهوية عدا هذه الجزئية المتعلقة بعروبة الشمال. ويستنتج منه أن العقبة الوحيدة هي إحساس الشماليين بعروبتهم. فهل هناك، فعلا، ارتباط حقيقي، يمكن البرهنة عليه علميا، بين اعتقاد الشماليين في عروبتهم ، وبين واقع الهيمنة وفرض الآحادية الثقافية على السودان.. بمعنى أن اعتقاد الشماليين بعروبتهم يمنعهم بشكل آلي من الاعتقاد في، وتأييد مشروع التعددية الثقافية المطروح كبديل لمشروعي الآحادية والانصهار القومي..؟ ألا يمكن أن يعتقد شخص بأنه عربي، جده العباس أو النبي، وأنه ينتمي أصالة للثقافة العربية الإسلامية، ويؤمن في الوقت نفسه بأن هناك ثقافات وأديان وأعراق أخرى في السودان لا تنتمي للثقافة العربية الإسلامية، وأن يؤيد بالتالي مشروع التعدد و الوحدة في إطار التنوع ولا يتبنى نفي الآخر؟.
    - هل يمكن اعتبار أن اعتقاد الشماليين في عروبتهم وإسلامهم مثله مثل اعتقاد الدينكا في أصولهم التي ترتبط بأساطير كثيرة، وهم ليسوا وحدهم في هذا. وكذلك تصورات البجا .. أو النوبة. ولدى كل هذه المجموعات قصص وأساطير عن تميزهم عن بقية البشر، أو أنهم أبناء الإله ..أو شعبه المختار..؟.
    هل يحتاج إنجاح مشروع الوحدة في التنوع والتعددية الثقافية أن نناقش معتقدات هذه المجموعات باعتبارها معوقا للمشروع؟ ، أم أن مناقشة هذه المعتقدات يدخل في باب دراسات الانثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، وهذا مقام آخر....
    - كما يبدو الحديث عن فصل الدين عن الدولة ، وكأن المقصود به فصل الإسلام - فقط- عن الدولة. فعلاقة الدين بالدولة والسياسة في الجنوب وجبال النوبة مثلا لم يتم التعرض له ومناقشته. والدور الذي لعبته، ومازالت تلعبه، الكنيسة في السياسة الجنوبية، وحتى في الحركة الشعبية يبدو مقبولا ومسلما به. ولايغيب ممثلو مجلس كنائس السودان الجديد عن أي محفل سياسي جنوبي خارج السودان. وكثيرا ما يلاحظ المشاركون في الندوات والمؤتمرات التي تعقد في كمبالا ونيروبي أن أكثر الآراء تطرفا تأتي من ممثلي هذا المجلس.
    ويبدو في كثير من الأحيان أن بعض الحركات السياسية تستخدم خطاب التهميش، والاستعلاء من الجانب الآخر، للتحريض السياسي فقط، فليس هناك جهد حقيقي من هذه الجماعات في اتجاه الاحتفاء بالثقافات واللغات السودانية المحلية. ويلاحظ كمال الجزولي في مقال بالغ الأهمية إن صفوة المجموعات الثقافية السودانية الموسومة بالمهمشة، لا تحتفي كثيرا بلغاتها المحلية، وقد تستنكف الحديث بها. وعندما أتيحت للحركة الشعبية السيطرة على بعض مناطق جبال النوبة، قامت بثورة تعليمية ، كما أسمتها ، أحلت فيها اللغة الإنجليزية محل اللغة العربية في التعليم..! " كمال الجزولي، لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ : جِبَالُ النُّوبَا .. الإنجليزية، سلسلة مقالات في جريدة الرأي العام السودانية نشرها خلال شهري أبريل ومايو 2004". ويزيد هذا الأمر من العبء الملقى على عاتق منظمات المجتمع المدني لكي تتولى جانب الاعتناء بالثقافات واللغات المحلية وطرح برامج للتوثيق لها وتطويرها.
    - هناك حديث عن الثقافة الأفريقية في مواجهة الثقافة العربية، وفي الحديث عن ثقافة أفريقية واحدة وهم كبير. أفريقيا قارة ووحدة جغرافية تركت بصماتها على الشعوب التي تسكنها. ثقافات شعوب شرق أفريقيا تختلف عن غرب أفريقيا، وشمال أفريقيا تختلف عن جنوب أفريقيا. وفي السودان فإن ثقافة الفور تختلف عن ثقافة الدينكا، وثقافة النوبة تختلف عن ثقافة الفونج والأنقسنا. هذا باب لا يناقشه أحد ولا يتحدث عنه.


    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147510474
                  

09-19-2010, 08:54 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هي أكثر ولاية في السودان يحظي سكانها بالسلطة في السودان؟ (Re: سعد مدني)

    جدل الهوية (5): التنوع الثقافي ..أم الانصهار القومي
    فيصل محمد صالح
    صار مصطلح التنوع الثقافي من أكثر المصطلحات شيوعاً في الوقت الراهن، ورغم أن هناك أكثر من مصطلح يستخدم ليعطي المعنى، مثل التباين والتعدد، لكن الكلمة الأولى
    تبدو سلبية الإشارات، بينما تستخدم الثانية ربما كإشارة كم ية، لذلك يميل كثير من الكتاب
    لاستخدام تعبير التنوع الثقافي للإشارة لوجود أكثر من ثقافة، ولغة ، ودين، وعرق أو عنصر
    في دولة واحدة، وكأن تعبير التنوع يبدو أكثر ايجابية من التعدد أو التباين.
    وفيما كان المصطلح يستخدم للتعبير عن الأوضاع الداخلية للدول للإشارة لوجود أكثر من
    ثقافة أو لغة،دين، عرق ..الخ داخل دولة واحدة، إلا أن النقاش حول العولمة وآثارها الثقافية والاجتماعية نقل المصطلح للساحة الدولية، وصارت تس تخدم للإشارة، إلى جانب حماية
    الثقافات المحلية، لضرورة حماية وتشجيع الثقافات الوطنية التي تكتسحها ثقافة العولمة.
    وقد تبلورت الحوارات حول ضرورة الحفاظ على التنوع الثقافي في العالم إلى صدور إعلان اليونيسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي في نوفمبر 2001 وطرح مشروع الاتفاقية الدولية حول التنوع الثقافي.. ، ومثل ذلك قفزة هامة في اعتراف المجموعة الدولية بأهمية المحافظة على التنوع الثقافي ورعايته. تضمن هذا النص عدة مبادئ وألزم اليونيسكو ودوله الأعضاء بمتابعة إكماله: وما يزال مشروع الاتفاقية الدولية حول التنوع الثقافي قيد النظر. "2"
    و تعلمنا دراسة تجارب الشعوب المختلفة أن وحدة الجنس أو اللون أو اللغة ليست ضرورة حتمية لا يتحقق التفاهم بدونها. لذلك لا بد، من أجل إقامة علاقات مبنية على التفاهم والاحترام، من الحوار على قاعدة هذه الاختلافات، والتي يكشف العلم إنها موجودة حتى في الجينات الوراثية التي تشكل بعناصرها شخصية كل منا وتمايزاتها.
    وفي ضوء هذه المبادئ العامة التي تقول بها الثقافة السياسية المعاصرة نكتشف أنه ليس صحيحاً إن الدول لا تقوم إلا على هوية واحدة. هناك دول انهارت مثل هاييتي، أو تفتتت مثل كوريا ، أو انقسمت مثل باكستان رغم وحدة الهوية واللغة والجنس والدين. وهناك دول قامت وازدهرت رغم تعدد هوياتها، كالولايات المتحدة مثلاً التي، رغم أن مجتمعها قائم على الهجرة، أي على تلاقي جماعات وافدة من أديان ومن ثقافات ومن أجناس مختلفة ومتباينة. فقد تراجعت عن تمسّكها بشعار "البوتقة الوطنية" (National Crucible) والانصهار القومي في ثقافتها العامة. فالأسبانية كلغة وكلسان ثقافي بدأت تنافس الإنجليزية في معظم الولايات المتحدة. ولقد منحت مقاطعة كيبيك في كندا حق استخدام وسائل قسرية لمنع سيطرة اللغة الإنجليزية في المقاطعة على حساب اللغة الفرنسية التي تعتبرها المقاطعة لغتها الأم.
    بل أن بعض الدول الأوروبية التي تبدو ظاهرياً موحدة الهوية لم تكن كذلك. فشعوب الغال في فرنسا لم تصبح أسلاف الفرنسيين إلا بعدما قررت ذلك كتب التاريخ الفرنسي. واليوم تعترف كل من فرنسا وأسبانيا بالثقافات الموازية في مجتمعاتها وبأن لأصحابها هذه الثقافات هويتهم أيضا. وفي المملكة المتحدة تبرز معالم الثقافة القومية للاسكتلنديين والويلزيين والإيرلنديين، بقدر ما تبرز مثل هذه المعالم لدى الفلمنك في بلجيكا والكتالونيين في جنوب أسبانيا والباسك في شمالها. ثم أن هناك دولاً منقسمة على ذاتها إثنيا (البوسنة)، ودينياً (ايرلندا الشمالية)، وقبلياً (الصومال) بحيث أن تركيب هوية وطنية واحدة لأي منها لا يبدو مهمة ممكنة.
    ويقودنا ذلك إلى أمرين أساسيين:
    الأول، هو أن تحديد الهوية لم يسبق إقامة الدولة، إنما جرى ذلك في ما بعد، ومن خلال اللغة والثقافة العامة المعتمدة في برامج التعليم والتربية.
    الثاني، هو أن وحدة الهوية الثقافية ليست شرطاً لا غنى عنه لوحدة الدولة.
    في ضوء هذه المسألة يمكن القول إن بناء الوطن لا يتطلب بالضرورة فرض هوية واحدة على جماعات منقسمة بعمق إثنياً او دينياً، حتى ولو كانت تصورا لهوية جمعية منفصلة عن، أو ناتجة من، مجموع الثقافات المكونة للوطن، مثل السودانوية مثلا. بل إن بناء الوطن يكون بإدارة صيغة العيش الواحد بين هذه الجماعات باعتماد ثقافة احترام الاختلافات والتباينات القائمة بينها. وفي هذا يقول الكاتب والمفكر اللبناني محمد السماك:
    "ليست الشعوب معادن قابلة للتذويب والانصهار. يمكن أن يلعب العلم بذرات المادة وبأجزاء الذرة ليغيّر من معالمها، أو ليصهرها في مادة أو في مواد أخرى. ولكن عندما يتعلق الأمر بالثقافة وبالخصوصيات الإنسانية، فان عملية الصهر بالقهر أي بالإلغاء والتذويب مآلها الفشل. أمامنا تجربة الاتحاد السوفييتي، وتجربة الاتحاد اليوغوسلافي السابقين، وحتى تجربة تشيكوسلوفاكيا. وما نشاهده اليوم من محاولات لإثبات الثقافية المحلية من سينكيانغ في شرق الصين حتى الباسك في شمال أسبانيا دليل على ذلك. ولا يشفع لمقولة الانصهار القومي (ربما) سوى حسن نيات أصحابها."
    ونلاحظ مثلا أنه بينما وجه محمد جلال نقدا شديدا، وموضوعيا، لمدرسة الانصهار القومي، ونموذجها "الآفروعربية" وبدا من المتحمسين لنموذج الوحدة في التنوع، لكنه فجأة يسمي المدرسة التي ينتمي لها "آيديولوجيا القومية السودانية" ....هكذا يقفز من تيار الوحدة في التنوع ...والتعدد الثقافي، إلى تيار الانصهار القومي. إن مصطلح القومية السودانية يعود بنا للمربع صفر. ما عيب تيار الانصهار القومي ، والآفرو عربية هي التعبير الشمالي عنه؟ عيبه في رومانسيته. لأن مدرسة الغابة والصحراء بدأها شعراء وأدباء فقد تبنت هذا الطرح الرومانسي، وهو تطلع كل السودانيين ، لكنه لم يكن طرحا واقعيا. الأفضل منه والأكثر واقعية هو الاعتراف بأننا لا نشكل ثقافة واحدة ولا قومية واحدة، نحن من ثقافات وأعراق متنوعة لكن تجمعنا إرادة واحدة لنعيش معا في هذا الوطن ...وتجمعنا أمنية في أن يتحقق الانصهار القومي يوما ما ..ونكون أمة واحدة. استخدام مصطلح القومية السودانية يهدم كل مشروع محمد جلال هاشم، يقلبه رأسا على عقب ويفرغ كل مجهوده الذي بذله من المعاني التي أرادها. ودعنا مرة أخرى نسأله ...فربما تكون هذه زلة قلم، لكن لو كان فعلا تيار الوسط الذي يدعو له يقوم على آيدلوجيا القومية السودانية، فإنه إذن تيار الانصهار القومي ..وأفضل تعبير عنه هو صورة معدلة من الآفروعربية، وبالواضح فإن آيدلوجيا القومية السودانية تتعارض كليا مع مفهوم الوحدة في التنوع الذي يتسع لمجموعات عديدة يسعها هذا الوطن ولا يستبق سنوات طويلة من تجربة الوحدة في التنوع ونتائجها.
    لهذا، ورغم الاختلاف في التحليل وفي بعض النتائج التي يتوصل إليها بعض منظري مدرسة المركز والهامش وناشطي الحركات الجهوية، إلا أننا لا نجد صعوبة في الاتفاق معهم على أن حالة السودان هي افضل نموذج ممكن للتعدد والتنوع الثقافي، وأن الاعتراف بهذا التعدد والتنوع والاتفاق على سياسات لإدارته بطريقة تحترم خيارات كل الاطراف عبر عقد سياسي اقتصادي اجتماعي وثقافي جديد هو أمر لا بد منه لاستمرار بقاء هذا الوطن موحدا. ويعني هذا بالضرورة نبذ كل السياسات والممارسات القائمة على الاستعلاء العرقي والديني والثقافي واللغوي، من أي طرف كانت، ولكن بالمقابل أيضا العمل على التخلص من مواقف وممارسات قائمة على الإحساس بالدونية، التي هي مقابل الاستعلاء، ومن تصورات خاطئة بأن التنوع الثقافي لا يمكن أن يتم إلا على حساب اقصاء بعض الجماعات والثقافات السودانية، وتحديدا على حساب الثقافة العربية الإسلامية في السودان.
    ومن التصورات الخاطئة أن انتشار اللغة والثقافة العربية في السودان مقابل تراجع واندثار اللغات المحلية هو بالضرورة فعل قمع وقهر واستعلاء يجب مقاومته وتحميل الثقافة العربية الإسلامية والمنتمين لها في السودان مسؤولية ذلك. ويمكن بقراءة بسيطة معرفة عدد وحجم اللغات الافريقية المحلية التي تراجعت واندثرت في كل القارة دون أن تكون للغة والثقافة العربية دور في ذلك. فباستثناء اللغة السواحيلية في شرق ووسط أفريقيا، ثم الأمهرية في أثيوبيا والتغرينية في اريتريا، واللغة العربية في شمال أفريقيا، لا تعتمد أي دولة أفريقية لغتها المحلية كلغة رسمية. والملاحظة الطريفة أن اللغات التي صمدت، السواحيلية والتغرينية والأمهرية، هي اللغات الاقرب للغة العربية والأكثر احتكاكا وتداخلا معها. أما بقية الدول الافريقية فتعتمد الانجليزية والفرنسية والبرتغالية والاسبانية كلغات رسمية لها. ويظهر جليا أنه ولأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحضارية، عجزت اللغات الأفريقية عن المنافسة وتراجعت لصالح اللغات الاجنبية، ولم ير أحد في ذلك مؤامرة ولا قمع ولا قهر او استعلاء. لكن عندما تقدمت اللغة العربية وتراجعت اللغات المحلية في السودان، لنفس العوامل السابقة، صار الأمر قمعا وقهرا واستعلاءا، بدون تقديم اسباب ومبررات موضوعية مقنعة.
    لكن لا يمنع كل هذا من الاعتراف بحق كل المجموعات السودانية من استخدام لغاتها المحلية متى وكيفما شاءت على أساس هذا العقد الجديد القائم على الاحترام المتبادل لثقافات ومعتقدات كل المجموعات السكانية السودانية، بما في ذلك اعتقادها في أصلها وهويتها ودينها وقيمها، طالما أنها لاتقوم على الاستعلاء واحتقار الآخر، ولا ترتب لأي طرف امتيازات على حساب طرف آخر.
    في دراسة أعدت من قبل ونشرت في كتاب، قام الكاتب برصد وبحث معالجة الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لقضية الهوية والتنوع الثقافي في السودان وهي:
    بروتكول مشاكوس الذي تم توقيعه في 20 يوليو 2002 ، بروتكول تقسيم السلطة الذي تم توقيعه في 26 مايو 2004، بروتكول وضع منطقة آبيي 26 مايو 2004، بروتكول وضع إقليمي جنوب كردفان / جبال النوبة والنيل الأزرق 26 مايو 2004.
    بينما لم تكن هناك إشارات ذات صلة بقضيتي الهوية والتنوع الثقافي في بروتوكول تقسيم الثروة الموقع في الأول من يوليو 2004، أو بروتوكول وضع آبيي.
    وقد لاحظ أن الاتفاقيات لم تغرق نفسها في جدال نظري، ولم يكن هذا مطلوبا منها، وإنما اتجهت مباشرة إلى تقديم المعالجات لبعض القضايا. ويمكن القول بأن الاتفاقات قد أسست قاعدة قوية لنظام دستوري وقانوني يحترم حقوق الإنسان ويجعلها جزءا من الممارسة السياسية اليومية، خاصة فيما يتعلق بمنع التمييز وجعل المواطنة هي أساس الحقوق وحرية العبادة والاعتقاد.
    و تبدو كثير من فقرات الاتفاقيات كحلول انتقالية لتناسب المرحلة الأولى، ولكنها تحتاج لتطوير وتعديل إذا ما أريد منها الإجابة على هذه الأسئلة بشكل جذري.
    ولم تستخدم الاتفاقات أي عبارات مباشرة عن الهوية، وإنما اكتفت في الحديث عن السياسة الخارجية بالإشارة للتوازن في العلاقات العربية - الإفريقية. كما نصت على التنوع الثقافي، العرقي، الإثني، الديني واللغوي، ومساواة النوع، لكل السودانيين.
    كما أنها أفرزت فقرة خاصة باللغة ، حددت اللغة العربية كلغة قومية وشرعت اللغة الإنجليزية كلغة مستخدمة على قدم المساواة مع اللغة العربية في التعليم العالي والأداء الحكومي على المستوى القومي. وجاءت الإشارات للغات السودانية الوطنية في فقرة أعطت المستويات الأدنى من الحكم حق اعتماد واستخدام اللغات الوطنية.
    ورغم بعض أوجه القصور فإن هذه الاتفاقيات يمكن أن تكون بداية طيبة لتأسيس سياسات التنوع الثقافي في السودان على أسس ودعامات قوية، أهمها الاعتراف بالآخر واحترام ثقافته ولغته ومعتقداته وحماية ذلك بالقانون.
    عود على بدء
    لعل مقولة الدكتور فرانسيس دينق "المسكوت عنه هو مايفرقنا" عن مسؤولية التاريخ السياسي على التأكيد على عناصر الانقسام ودعم إحساس عدم الثقة والعداوة هي أصوب وأصدق ما قيل لتلخيص تاريخ المشكلة، ومثله في البلاغة عنوان كتاب أبيل الير "جنوب السودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود". فمع التسليم بالتعدد الثقافي والاثني والديني في السودان، إلا أنه لا يمكن تحميل هذا التعدد مسؤولية الحرب الأهلية في البلاد ، كما أن السودان ليس هو نموذج التعدد الوحيد في العالم .
    فمع التعدد الثقافي والديني والعرقي، وتعدد أو ثنائية الهوية في السودان وافق الزعماء الجنوبيون على خيار الوحدة في مؤتمر جوبا عام 1947 بعد أن تم وعدهم بإعطاء نظرة خاصة للجنوب. وعندما جاءت لحظة إعلان الاستقلال من داخل البرلمان ، تمت مساومة النواب الجنوبيين للتصويت للاستقلال مقابل النظر في مطلب الفيدرالية. وجاءت السودنة فحصل الجنوبيون على ست وظائف من 800 وظيفة ، ولم تقم أية مشاريع تنمية بالجنوب، وانقلبت الأحزاب على مطلب الفيدرالية. ثم اندلعت الحرب الأهلية الأولى (1955- 1972) وتم توقيع اتفاقية أديس أبابا، وحصل الجنوب على حكم ذاتي وحكومة إقليمية وبرلمان منتخب، وصارت شعبية نميري في الجنوب أكثر من شعبيته في الشمال. ثم انقلب النميري ليتآمر على الديمقراطية في الجنوب وعلى وحدة أهل الجنوب، ويخالف الاتفاقية والدستور.
    ومايثير العجب هو دهشة أبيل الير من انقلاب نميري عليهم . فهل كان من الممكن أن يستمر نظام ديمقراطي إقليمي في الجنوب في ظل نظام مركزي شمولي في الشمال ؟ . لم ينتبه أبيل الير ولا الساسة الجنوبيون لمطلب حماية الاتفاق بسياج ديمقراطي، وارتضوا بالديمقراطية الجزئية في الجنوب... فأكلوا يوم أكل الثور الشمالي.
    ثم جاءت كل التفاهمات ومحاولات حل المشكلة التي خرجت بعد ذلك من خارج الإطار الحكومي مثل اتفاقيات كوكادام (1986) أمبو(1988) مبادرة السلام السودانية (1988) ، فقد تمت بيد قوى سياسية سودانية مع الحركة الشعبية ، وعندما تبنت حكومة الصادق المهدي مبادرة السلام السودانية كان الوقت الأصلي والإضافي للنظام الديمقراطي قد انتهى .
    وحرى عن القول إن تاريخ تفاعل حكومة الإنقاذ مع هذه المشكلة و ومازال هو تطبيق لكل الشعارات المكيافيلية، مع مأثورات فرق تسد ـ شراء الوقت ..الخ. فقد انهمكت في مفاوضات كثيرة ، وقبلت عشرات المبادرات ووقعت عددا من الاتفاقيات ، واشترت ما استطاعت من الذمم "اتفاقيات فرانكفورت ـ الخرطوم ـ فشودة " ،ومفاوضات أديس أبابا ، نيروبي ، ابوجا ، نيروبي ـ المبادرة المصرية الليبية ، ثم أخيرا مفاوضات (مشاكوس ـ نيفاشا ) ، حتى خلت جعبة الحاوي من كل الحيل ، واضطرت تحت ضغط متغيرات إقليمية ودولية للقبول بما كانت ترفضه .
    إن التعدد ، مع كل الدراسات التي تناولته، والحبر الذي دلق عليه، ليس هو المشكلة بالضرورة، ولكن المشكلة في كيفية إدارة التعدد بطريقة تحقق الإشباع السياسي والثقافي والاقتصادي لكل المجموعات التي تسكن أرض السودان، وهذا هو الامتحان الذي فشلت فيه النخب السياسية الحاكمة. وهنا يعود المدخل السياسي ليطل برأسه من جديد، مثلما يطل من باب الإشباع المدخل التنموي والثقافي. إنه تكامل المداخل والرؤية المتسعة لأفق المشكلة والصراع.
    هذه هي خاتمة حلقاتنا التي نامل أن لا تكون قد سببت الملل لقراء الصحيفة، وشكرا لكل من اهتم بها وتابعها وكتب مقتربا أو مبتعدا عنها، وفي كل خير، وقد تلقيت وعودا كثيرة بالرد والتعقيب عليها، وآمل أن يحدث ذلك في وقت قريب


    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147510654&bk=1
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de