|
إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي .
|
إبراهيم الكامل ( آل عكود ) وهج يُبرق علينا في ليل المنافي
التقيته واستطعمت مائدة السماء . سمعت رنيناً يهبط من فوقها ، و ( أجليت النَظر ياصاحي ) ، واكتحَلَت برؤيته العيون . كُنت من قبل قد تَطلّعت لقبسٍ من سِفر إبراهيم الكامل : { المدارات والمعابر } . ومن يشتَمّ البعض يُفتتَن ، ويطمع أن ينبسط الرزق .فمن السماء هبطت عليَّ مائدة ، وقد بَخلت على من سألوا الأنبياء عليها من قبل . سُبحان من يُجري الأرزاق على هواه . استطعمت ولم أزل أستقطع لنفسي ما شاء الوقت ، وأقرأ من سِفرٍ في منزلة رحيق عمرٍ ، يعجز القلم أن يستجلي كنوزه . مرحى .. مرحى ، يقول إبراهيم إنه سِفره الأول ! . استكتب أبو الفرج الأصفهاني نفسه خمسين عاماً ، حتى كتب الأغاني . هذا السِفر أجده يذكرني بمنـزلته . يصغر سفر إبراهيم حجماً عن أي من مجلدات الأغاني ، لكنها كثيفة المحتوى . لم يجمع الأشعار والأخبار كما فعل الأصفهاني ، بل جلس عند كل نص من نصوصه جلسة عابد ٍ زينت له الدنيا من حوله أية من نعم المولى ، يجلي غموضها ويدخل ملكوت كاتبها ويلبس روحه حتى ينقلها للغة الأخرى . لقد تخير إبراهيم مادته للترجمة من النفيس المنظوم ، و من المموسق ، والمقدس ، ونقل لنا من شِعره الفصيح والعامي وافترش لنا أرائكاً نتكئ عليها لننهل .إنها لمفخرة لي ، أن يطوف من حولي مُذنبٌ فواح بعِطر الثقافة البهي . لن نقدر على شكر من جعل السماء بأنوارها المتلألئة في قبضة أيدينا ، ويسر لآل عكود أن تكون منحة المولى بيدهم .نِعم الأرواح وهي تأتلِف .
قلت له : ـ ـ فارع الطول أنت ، وتبدو مُشرِقاً . بسمتك ترسم لُطف ملامحك النبيلة . تبدو كأخٍ صدوق يكبُرني . فقدته زماناً ثم التقيته. رد ببسمة وعلى وجهه بما يشبه العِتاب و أرى ارتباكاً لا يناسب ثقل تجربته و عُمره . جلسنا ولم يترك لنا الوهج الذي بيننا مجالاً لنعرف قشور بعضنا . بدأنا بالمِزاح ، وتقلَّبت في نعيم أن تلمس جمال مزهرية مورقة في عُمر العطاء السخي ، فتُفرد لك من روائحها ، وتمُد إليك فرح الدنيا نَضِراً . قلت : ـ ـ إذن ( المدارات والمعابر ) هو سِفرك الأول . قال : ـ ـ نعم هو الأول و هنالِك ديوانا شِعر ينتظران النشر . كَوني هو الذي تكاثف ، عسيرة هي الكِتابة في موطننا . تعذبت وأنا أصحح المُسوَّدة ، المرة تلو الأخرى . ضاقت بي الدنيا قبل أن يخرج السِفر إلى النور .لم يزل عندي مواضع مُراجعة . قلت : ـ ـ ربما نحن في السودان حديثي عهد بالنشر . سبقتنا مِصر ولبنان و دمشق .. قاطعني : ـ ـ الأزمة في تصحيح اللغة ؟ لحظة صمت وقفت بيننا ، وانعطف بنا الحديث لشأنٍ آخر . قلت : ـ ـ حَدِثني أنت عن الكتابة وخواطرها ، و هواتف الذهن التي تُطاردك ، وتطاردني مثلُك . قال : ـ ـ كأنك تقصد خمر الكتابة ، وسُكر اللغة ،فعندما أصعد عتبات الخيال الحالِم ، تهبط عليَّ الخواطر هبوط النسور على القوارِض . قلت له : ـ إنها خاطرة غريبة الأطوار تعتريني مثلك هذه الأيام .لا وصف لملامحها الشيطانية ، تتملّك الروح والجسد . لا وقت تتخيره للهبوط عليك ، حتى نَـزف السماء له مواسم ، لكن تلك الخاطرة تهبط كقَدرٍ استعذبت سكِينه مواضِع الرخَاوة . تهبط عقلك هبوط ملاكٍ في هِزة كونيةٍ ترتجُ لها الأفلاك ويتمدد الكون في الفراغ السحيق . هذا عسير عليّ . أصحو فجأة عند حلمٍ يذبحني وأنا أتخبط من انفلات الروح وقت مُفارقة الجسد . أركل بقدميَّ كأنني أتشبث بالحياة . عسير أن تهوى قاتلكَ و تُكسر سُنن الأحياء ، في حُب البقاء و كره الفناء . أتأتيك مثل خواطري ؟ قال إبراهيم : ـ ـ نعم ، أنت الصادق . كأنك قد وصفت ما بي . أحسست أن الخاطِرة أمر كوني حين يهبط يستوطن ذهني بلا مقدمات . يحُثني لمسك القلم ، وعندما أفعل تسترسل اللغة في نـزف متقلِب الألوان و الملامِح . لوحة مُتحركة ملؤها الأحمر والأبيض والأصفر والأسود والتركواز ، وعجائب تتخلق بين استراحات الرمادي حين يستعصي الصفاء والود بينها . أردفت قائلاً :ـ ـ أراك سيدي وأنت في عُمر تجاوز الخمسين ، كنخل فارِع ٍحين تُداعِبه الريح يضحك . فجذوره قد استشرت خيوطها تُمسِك بعروق الذهب في صخر الأرض .أعرف من يقول اترك في جيب سُترتك مُفكرةً صغيرة على الحِمل ، ناعمة رشيقة على رفقتك حتى وأنت نائم . فعند هبوط صرخة الخواطر ، انـزع نفسك عن النوم وامسِك القلم واتبِع الأوامِر . قال إبراهيم : ـ أذكر في زمان قديم كُنت أعرف سيدة أجنبية تعشق مثل هذه الخواطر ، وتجلس في حضرتها جلوس الطفولة أمام الجَد وهو يقُص من أحسن قصصه التي تُلهِب الخيال . كانت تسترجي القلم أن ينقل الشِعر ، كل الوارد من الذهب اللامِع برياحه الشيطانية ، حتى عبثت تلك الخواطر بذهنها . أسرجت بُراق الأحلام وطافت الآفاق ثم استعصى عليها العودة لعالمنا . كانت مأساة مُجلجلة .كتبت تلك السيدة أسفاراً تُـذهل العقول . ترمي الأحجار في البِرك النائمة ، وتلون أقصان الخيال بألوان الدنيا الساحِرة . إياك يا عبد الله أن تستجيب لتلك الخواطر فتتملكك وتُبعدك عن القريب والحبيب . استجِب قدر المُستطاع ، ولا تُسلس لها قيادك كل الوقت . يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني : ـ ( الخاطرة تُغري بالانفلات ) . فهي تضرِم نارها حزاماً حولك و يستعصِي علينا أن نُعيدك لدنيانا . أنت تعرف الشاعِر إدريس محمد جمّاع ، فعندما تآلف مع تلك الخواطِر سرقت دَنياه ، وسرقته عنا . قبل غيبته الكُبرى نفث غُبار الشِعر ندياً حنيناً دافقاً ، واستغرق محبة لا شواطئ لها . أمطرنا جمَّاع ترياقاً يقينا شاطحات الخيال ، وغاب هو شهيد سِحرها . قلت لإبراهيم : ـ ـ قلت لي أنك تستنهِض روح النص قبل ترجمته ، تسبح قليلاً مع الشاعر ثم تتقمص روحه ، وترقب كيف استجمع الخيال ساعة الخلق . الفكرة ، النص ، ثم الحُلول قبل أن تبدأ الترجمة . إنه عِشق غريب على السَمع ، عصيٌّ على الفهم ، فأنا لست شاعراً . أنت تُقربني من الصفاء ودنياه السَاكِنة المُتأمِلة . أتعشق النص أولاً أم تُصادق الحُلم ؟ . انشدني من ترجمتك الحُرة لقبس من ديوان ( العودة إلى سنار ) للشاعر الراحل الدكتور محمد عبد الحي ، لعله يكون المِثال . صمت إبراهيم بُرهة ثم أفصح : ـ لربما تعجب إن قلت لك أننا كُنا رفاق فصل مدرسي واحد وبيننا صداقة عُمر ! . أقرأ عليك الآن نصاً لشاعرنا محمد عبد الحي ثم أقرأ ترجمتي الحُرة : ـ من ديوان : ( العودة إلى سنار ) تأليف الدكتور / محمد عبد الحي :
مَرحى .. تُطلُّ الشمسُ هذا الصبحُ من أُفْقِ القَبول لُغة على جسد المياه ووهجُ مِصبَاحٍ منَ البلور في لَيلِ الجذورْ و بعضُ إيماءٍ ورمزٍ مُستحيلْ . اليومَ يا سنارُ أُقبلُ فيكِ أيامي بما فيها من العُشْبِ الطُّفُيلِيِّ الذي يهتزُّ تحتَ غصونِ أشجارِ ... البريقْ اليوم أقبلُ فيك كلَّ الوحْلِ واللَّهَبِ المُقَدّسِ في دمائِكِ ، في دمائي أحنو على الرملِ اليبيسِ كما حَنوتُ علَى مواسِمِكِ الثرية بالتدفُّقِ والنَّماء وَأقولُ ، يا شمسَ القَبولِ توهَّجي في القلبِ ، صفِّيني ، وصفِّي من غبارٍ داكِنٍ : لُغتي ، غِنائي سنارُ ... تُسْفرُ في بلادِ الصّحوِ جُرحاً .. أَزرقاً ، قوساً ، حصاناً .. أسود الأعراف ِ ، فهْداً قافِزاً في عتْمة الدم ِ معْدناً في الشمس ، مئذنةً نُجوماً في عظامِ الصخرِ ، رُمحاً فوقَ مقْبرةٍ كتابْ رَجَعَتْ طيورُ البحرِ فجراً من مسافاتِ الغيابْ البحرُ يحلُمُ وحْدَهُ أحلامَهُ الخضراء َ في فَوْضَى العبابْ البحرُ ؟ إن البحرَ فينا خضرةٌ حُلم ، هَيُوليٌّ في انتظار طلوعها الأبديَّ في لغةِ التُّرابْ .
The Dawn of Peace A free translation of a selected extract from the Arabic poem ( The Return to Sennar ) By Dr. Mohammed Abd_ El_Hai
My Sennar..! At sunset ..! Blinks in the homeland, Of sacred revival anew . And Winks in a bow , In a wound dyed blue . In a horse with black manes , An’ grass sparse; yet dew In the leap of a leopard, In blood opaque; but flew. In a metal in the sun eyes, With a scarlet ray as clue. In stars with the marrow, Of a spear on an epitaph, Where martyrs souls just flew. In a book shone with holy verse, Where wisdom pearls brew. In a minaret to spin lighter, The spirits of the true. In a spire to stick tighter, Splinters of the pew.
عبد الله الشقليني 5/04/2005-م
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | عبدالله الشقليني | 09-01-07, 11:58 AM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | الزوول | 09-01-07, 03:57 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | عبدالله الشقليني | 09-01-07, 09:02 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | معتصم الطاهر | 09-01-07, 04:18 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | عبدالله الشقليني | 09-01-07, 09:08 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | munswor almophtah | 09-01-07, 10:10 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | عبدالله الشقليني | 09-02-07, 01:43 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | ابو جهينة | 09-02-07, 01:46 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | عبدالله الشقليني | 09-03-07, 01:21 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | Abdalla Gaafar | 09-03-07, 02:27 PM |
Re: إبراهيم الكامل ( آل عكود ) : وهجٌ يبـرق علينا في ليـل المنافي . | عبدالله الشقليني | 09-09-07, 03:10 PM |
|
|
|