|
على تباشير الإنتفاضة .... هل تتوحد قوى البديل ؟
|
البديل الذي أعني هو البديل الإستراتيجي ... أي الكيان السياسي المفقود عبر تاريخ السودان الحديث , فخلا بغيابه الوطن من التنظيم السياسي الوطني الديمقراطي , الذي يعبر عن نبض الجماهير ويتفاعل مع همومها ويعتبر مقدراتها التاريخية والثقافية والدينية دون شطط , أو إستعلاء أو مغالاة , التنظيم الذي ينسل من رحم الجماهير ومن صميم تراثها وتجاربها ... التنظيم الذي يؤمن بالديمقراطية ظاهرا وباطنا , ويتمثلها فى بنيته التنظيمية وفى ممارسته السياسية , التنظيم الذي يجسر العلاقة بين مجتمعنا والعصر , وينتقل بوطننا إلى رحاب الحياة الحديثة , دون خضاض فكري ولا تغريب ثقافي ولا إنكفاء عشائري ولا تذمت ديني ولا إستعلاء عرقي ولا تعصب إقليمي .
إفتقدنا ... وطويلا هذا البديل ... فتوالت علينا المصائب من كل الأحداب والأصواب , تنكبنا الطريق ولما تنازعتنا الشمولية يمينا ويسارا , وأخسأت أحلامنا الركاب الطائفية العشائرية , وأضفنا بذات نفسنا ما يزيد فى طيننا بله , فإرتهنت جموع من طلائع مثقفينا رقابها للقوى الإستثنائية آنفة الذكر , حاولوا أن يستحسنوا القبح وأن يستعيضوا عن الواقع الموضوعي بالفكرة المجردة , وعن غمار الناس بالصفوية , وعن طريق الناس بأقصر الطرق , فكان ما كان , تحول السودان على أيديهم إلى بركة تفرخ المواجع , وإلى حلقة شريرة تحصد أرواح أهل السودان وتزري أحلامهم فى حياة كريمة , وتعضدت مثالب التجربة فى تكرارها المأساوي حتى وضعت السودان على حافة أن يكون ... فيما ترخي الأحداث ووقائع الإمور أرجحية في أن لا يكون .
فشعب السودان على رحى هذا التاريخ الممض , وإن يتجلل مصابه بالإنقاذ , لا يتطلع لبديل إزاحي فحسب , بل تقترن فى خاطره الجريح , كل ألاعيبهم التي دفعت به إلى هذا الدرك , فأضحت الإنقاذ فى مخيلته السياسية تستوي عبر الممارسة مع كثير من قوى المعارضة عبر التجربة , وليس هنا ثمة تجاوز ولا إجحاف , بقدرما هو توقع للحاضر بدواعيه المنسربة من الماضي , خاصة وأن هنا ذاكرة شعب تختزن كل الوقائع . فقبح الإنقاذ لا يقوم الطائفية ولا يجمل الماركسية ولا يستهدي العنصرية ولا يستأنس الشعوبية ولا يستشفع الجهوية .
فالبديل الإستراتيجي الناهض على دعامات القومية السودانية والمتوسل الديمقراطية والمستهدف خير ورفاه وتقدم السودان , على رؤى الحداثة المتماهية فى روح العصر والمتداعية فى وجدان الأمة , هو سبيل الخلاص وهو محور الإرتكاز , شهدنا طلائع هذا الركب فى إتون وفى تخوم مقارعاته للإستعمار , وإمتدت على سبيل الدفع الوطني فى منعطفاته التاريخية , أكتوبر وإنتفاضة أبريل كمثال , ومع أن الأداء كان عظيما لكن كانت الخيبات كذلك , ليس لسبب غير أن هذه القوى تخف فى الوغى وتعف عند المغنم , وهذه العفة ليست أخلاقية بحتة , لكنها تخبئ فى واقع الأمر عاملا سياسيا مدلهما , هو عدم حرص هذه الطلائع على وحدتها إرادة وسياسة وتنظيما , لتضيف القوى السياسية الأخرى الغير راغبة فى وحدة هذه الطلائع , من تخللاتها وإبتضاعها الميسور ما كان كافيا لتهميش هذه الطلائع وسحب أثرها من بساط السياسة السودانية , فهذه مصيبة لا يغنى تكالب الحال والأحوال عن مداراتها , فقد تكفلت التجربة بتوضيح خطورة وتداعيات هذا الغياب ... ولنا فيه عبرة ما إستقام اللباب .
السودان يواجه الآن أمر صعبا وحاسما ... لن يستقيم حاله إلا بتوفر البديل الإستراتيجي وإندغامه فى جسد الأمة , فإن عجزنا فى تقويم التاريخ , فما أحوجنا لتعديل الحاضر تمهيدا لمستقبل أفضل . وما أحوج شعب السودان , خاصة فى هذه الأيام لان يجد من يثق فيه ويعتمده جسرا للتواصل مع آماله وتطلعاته فى الحرية والعدل والنهضة .
سوق النخاسة السياسية يروج هذه الأيام , فقط لأن الشعب تمقى وفرك سواعده وحاجبيه , فهل نتركه فريسة للإنقاذ ومن يشبهونها إلا قليلا , وهل نستطعم من حياتنا شئيا إن تركنا أمر شعبنا لمن أعاقوه فى الماضي ولمن يغتالوه الآن ؟ لا أخال السوية تتناصر مع ثمة إحتمال .
إن لم توحدنا قضايا ومنعطفات الماضي , فإن التاريخ يمنحنا الآن فرصة أخيرة لتوقيع أمرنا وكما ينبغي ان يكون , فمن نواقص التجربة الشعبية وهي تواجه الإنقاذ هو عدم توفر البديل مع عدم الثقة فيمن يدعون , مع أن البديل الجد جد , موجود يموج فى الصدور و يحمل شهادة كفاءة مثبتة ببينات العطاء على الأرض .
فلتتوحد قوى السودان الحية على هدي الوطن وعلى بساط الديمقراطية وعلى سنة الحياة الكريمة . أعتني هنا على وجه العموم ... بحق ... بأذرعها التي لا تجعل منها أخطبوط بقدرما هي أذرع يتسرب عبرها الهوان , وأعتني بالمؤتمر الوطني السوداني وهو يصعد فى إقتدار , وبكل تيارات الحركة الديمقراطية الإجماعية ولما أسست لمشروع فكري جميل حصدته الأهواء النزلة قبل أن تسقط منه ثمرة واحدة على شعب السودان , أعتني كذلك بروافد اليسار السوداني وهي تبحث عن سبيل إلى الداخل بعد إنهيار سقوفات الآيدلوجيا الماركسية والعروبية , أعتني كذلك بالحركة الشعبية وهي تمخر فى لجج تهددها بالغرق رغم قرنق ورغم كل التضحيات , أعتني كذلك بمقهوري الأطراف وهم يتأبطون مظالمهم وسلاحهم , كما فى دارفور والشرق , أعتني بالأغلبية الصامتة فى مسرح السياسة السودانية ولما لم يجدوا عبر التاريخ من يطيب خاطرهم ومن يتوسلونه لمقاصدهم , أعتني بالوسط من ناحية التنميط السياسي , حيث يرابض جل أهل السودان , وحيث غلواء يميننا سوف تجعله يسارا لا محالة , أعتني بالشخصيات الوطنية التي ترنو لهذا الحراك وهذا الطريق .... بالضرورة فالتصور آنفه مفتوح على كل فئات وطبقات وأقاليم وديانات وثقافات أهل السودان ... والعبرة بالعمل .
|
|
|
|
|
|