منذ فترة طويلة والقوى الديمقراطية والعلمانية تعاني من هجوم الخطاب الدين ومن الذين يتدثرون به .. وقد وصلت تلك الهجمة الى طرد نواب منتخبين من الشعب واحالتهم للتقاعد القسري .. وحل حزبهم وطعن العدالة في صدرها برفض قرار المحكمة الدستورية ... وتواصل ذلك الهجوم ليصل ذروته بوصول الجبهة الاسلامية الى الحكم في الثلاثين من يونيو ... وتحول الهجوم اللفظي الى هجوم بالدبابات والقنابل والى تصفيات وحشية في المعتقلات .. وتطور ليصل الى تكميم الافواه بالغصب .. ومصادرة حق القول .. واشهار سيف الارهاب الفكري ورفع المصاحف على اسنة تلك السيوف .. وقد لا حظنا في الاونة الاخيرة التكفير والتهديد بالقتل وغيره من الاساليب البائدة ... ورغم ان الجبهة الاسلامية الان اصبحت كالشجرة مسلوبة اللحاء ... وعريانه من ثوبها الذي طالما تلفلفت به زمنا وضللت به خلق الله.. وقادت به شباب يانعين الى ان يموتوا في محرقة الحرب حينا بمداعبة مراهقتهم بحور عين .. وحينا بجنة شرابها من العسل .. قد تبرع شيخهم بعقد القران على اؤلئك الحور بالتفويض الألهي له ... كل تلك الجوطة راحت شمار في مرقة واصبحت الان الجبهة وكل المتأسلمين عراة في صقيع متاهتهم .. ولم يعد سوى السلاح والتهديد لغة لردع الخصوم .... وبعد كل هذا هل علينا ان نتحدث ذات اللغة القديمة ؟؟ هل علينا مهادنة الخطاب الديني .. انا ارى اننا حين نرد على همجية هؤلاء لابد لنا من توضيح موقفنا الواضح من الخطاب الديني ... ولا اقصد الاسلام الذي نعرفه لكن اسلام هؤلاء ... فمحاكمة القوى الديمقراطية وعلى سبيل المثال تنظيم كتنظيم الجبهة الديمقراطية لا تتم على اسس دينية ولا تخضع لمعايير الخطاب الديني فالجبهة الديمقراطية تنظيم لا ينطلق من اسس دينية ولم يحاول في اي يوم من أيام تاريخه المليئة بالنضال وسط قطاعات الحركة الطلابية لم يحاول هذا التنظيم ربط السماء بالارض ولم يحاول الاستفادة من الخطاب الديني لكسب تأييد او توسيع قاعدته الجماهيرية بل ظلت الجبهة الديمقراطية ومعها كل تنظيمات القوى الديمقراطية في السودان تصارع في الارض نحو مستقبل افضل ومن هنا اذا اختلف معها احد او اتفق فهذا يتم وفق حدود القضية الخلافية .. ويتم قبل ذلك في الارض لا في السماء .. ولم تطلب الجبهة الديمقراطية من الذين يودون الانضمام لها توضيح ديانتهم في الاستبيان الخاص بالعضوية ولم تسأل احد عن دينه .. وبالعكس ان الجبهة الديمقراطية تقيد شروط عضويتها بأحترام موروثات شعبنا .. والالتزام بالسلوك الثوري الذي يراعي كل مقدس وترفض اهانة الاديان ... ولكنها يمكن ان تضم في صفوفها كل شخص مؤمن بشروط عضويتها ومؤمن ببرنامجها الذي ليس مقدسا ، هو برنامج ينطلق من قضايا دنيوية تتعلق بحياة الناس وما تراه الجبهةالديمقراطية افضل لشعبنا ويراه الاخرون كما يرونه . اكتب هذا وقد مضدت مدة ليست قصيرة منذ صدور ذلك البيان والبيانات اللاحقة حول تكفير شخصيات وتهديد الحاج ورّاق الاخير ..وظللت افكر في اين الخطأ وتابعت الردود التي جاءت من مختلف الاتجاهات الفكرية وكلها ترفض هذا الهوس .. ولكني لا حظت ان كل الردود حاولت ان تقول ان الجبهة الديمقراطية والشخصيات المكفرة لم تخرج من شروط الخطاب الديني .. وانها متماشية معه .. وانا اقول لا .... فأن هذا يجعل مننا الخضوع بشكل غير مباشر لسلطة النص الديني المقدس في امور تتعلق بحياتنا اليومية ولا تتعلق بعبادتنا .. فالدين في حياة الفرد كمكون روحي له احترامه لكن ان نرهن كل عملنا السياسي للمعايير الدينية فهذا سيقودنا لحصر نفسنا تحت سيف الارهاب .. ومحاولة اتقاءه بمزيد من تضييق الزاوية علينا .. ومحاكمة الجبهة الديمقراطية بالقوانيين الدينية هي كمحاكمة لاعبي الكرة داخل الميدان بالقانون الجنائي لسنة 1991 الذي سنته الجبهة الاسلامية لتحمي به نظامها ... فالسارق الذي يكون داخل خط 18 تقطع يده لان الكرة في حرز .. وبالتالي تخضع كل حياتنا الى السياسية لسلطة هؤلاء الذين لم يستطيعوا ان يقنعوا احد بآرائهم السمجة فلجأوا للارهاب الذي وفرت دولة الكهنوت مناخا ملائما لانتشاره ... وارى من وجهة نظري الشخصية ان تنظيمات القوى السياسية والشخصيات الديمقراطية يجب ان لا تحاول التماشي مع هذا الخطاب فهذا خطأ وعلينا الان وقد بانت كل الثقوب في ثوب هؤلاء ان نعلن بوضوح اننا قوى ديمقراطية لا تنطلق في ممارستها السياسية من الخطاب الديني السياسي .. بل هي قوى لها جذورها في التربة السودانية .. وهي لم تكن نبتا شيطانيا وان المنتمين لها خرجوا من بيوت سودانية ذات ارث ديني وتحترم معتقدات شعبنا جميعها من الاسلام الى المسيحية الى كريم المعتقدات المحلية ... لكنها تتمايز مع الخطاب الديني السياسي وترفضه .. والنقطة الثانية ان كثيرين من الذين يؤمنون بالعلمانية ... نجدهم وتحت وطأة ربط العلمانية بالكفر لا ينبرون للدفاع عن ما يؤمنون به بل يحاولون ان يغيروا في المصطلح مما خلق ضبابا حوله ... ولكن آن الاوان ان نغير هذا التكتيك اون تقال كل الاشياء وان نواجه هذا الخطاب بلا هوادة وبوضوح نظري كامل ولن يحصدوا غير عضة اصبع الندم ... فهؤلاء ومهما حاولوا الدفاع عن انفسهم فقد وضح لشعبنا جرمهم ووضح ارتزاقهم من موائد السلاطين وتدبيج الفتاوي وغيرها .... واذا كان الاسلام السمح يمثلونه هؤلاء لألحد به كل الشعب لكن الاسلام في واد وهم في واد آخر
عزت الماهري
12-06-2003, 04:38 AM
rani rani
تاريخ التسجيل: 06-06-2002
مجموع المشاركات: 4637
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
rani
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست