|
المُعلمة جليان على صفحات الغارديان : ثمانية أيام من الخوف في السودان
|
المُعلمة جليان على صفحات الغارديان : ثمانية أيام من الخوف في السودان
هدأت ضجة المُعلمة جليان في العاصمة الخرطوم ولكنها لم تهدأ إعلامياً في أوروبا ، لا زالت كبريات الصحف البريطانية مثل الأوبزفر والغارديان تناولان هذه الحادثة بمزيد من التشويق والإثارة ، وتكشفان لنا كل يوم ما غاب عن الرصد والتحليل ، فالصورة التي يخرج بها القارئ الغربي من خلال مطالعته لهذه الصحف هي أن السودان هو وطن الرعاع (Mobs) الذين لا يعرفون عن مدنية الحياة سوى القتل والطعن والذبح ، فقد حكت المُعلمة جليان لأهلها كل شيء ، وعن كيفية حصولها على هذه الوظيفة ، مأسآة هذه المُعلمة بدأت قبل عام ، عندما بعثر الطلاق عش الزوجية السعيد والذي دام لمدة ثلاثة عقود ونيف من الزمن ، وقد حصدت منه ابنتها جيسيكا ( 27 ) عاماً و جون (25 ) عاماً ، مات أخاها الأكبر الذي كان يُصارع مرض سرطان البنكرياس ، فوجدت جليان نفسها بلا زوج أو قريب يمد لها يد المساعدة ، فقررت ترتيب حياتها من جديد وعندما لاحت لها فرصة العمل في السودان لم تتردد في الذهاب ، شدت الرحال إلي العاصمة السودانية الخرطوم ، درست القليل عن الإسلام بحكم أن عملها يقع في وسط بيئة مسلمة لكنها لم تقرأ القرآءن ، تصفحت المواقع الإلكترونية لتعرف المزيد عن المعلومات عن هذا البلد ، أشترت بعض كتب السفر ، وقد وجدت الخرطوم عند رؤيتها لها للمرة الأولى مثل أفلام مايكل بالن ، مدينة شبيهة بليفربول ، متسخة ، فوضوية ، تعلوها الأدخنة ، لكنها مكان رائع وجميل . حُدد الراتب على أن يكون 450 جنيه إسترليني ، وهو راتب متواضع في مدرسة خاصة يدخلها أبناء الذوات ، لذلك تكلفت إدارة المدرسة بالسكن فمنحتها شقة داخل المجمع ، بالفعل بدأت جليان في التأقلم رويداً رويداً مع الوضع الجديد ، فأشترت أثاث للغرفة وطلت جدرانها بلون جديد ، ونجحت في خلق بعض الصداقات ، وهي كانت محبوبة في عملها ولها خبرة في تدريس الصغار تستشفها من خلال نظرتك لملامحها البريئة ، لذلك وقف معها بعض أولياء التلاميذ في هذه المحنة ، وقد أبتسم لها أحدهم في المحكمة ، وقد شعرت بالإمتنان ، فهي كانت في غمرة الخوف والرعب من المصير الذي سوف تواجهه . فقد كان الغوغاء يصرخون في الشوارع ويطالبون بإعدامها . فقد ندمت الُمعلمة جليان على ما فعلت ، وهي حتى هذه اللحظة لا تستوعب ما جرى ، ولم تلوم أحداً ، فقد لامت نفسها فقط على ما فعلت ، فالجهل بالقانون كما قالت ليس بدفاع "Ignorance of the law is no defense" . تقول الغارديان : أن ما حدث للمُعلمة جليان كان أشبه بالنكتة السخيفة التي يتداولها الموظفين الذين يملون من العمل المكتبي عن طريق البريد الإلكتروني ، لكن ما حدث لها لا يدخل في هذا الباب ، لأن الأمر برمته تحول إلي جموع هادرة تطالب بإعدامها ، فلا أحد كان يعلم أن وتيرة الأحداث سوف تتصاعد إلي هذه الدرجة . المُعلمة جليان كانت تعتبر الدب " تيدي " فرد من أفراد العائلة ، وتسميته محمد لم يكن مقصوداً بها الرسول (ص ) ، بل مقصودٌ بها الطالب الذي أحضر دمية الدب ، هذه التسمية الغير موفقة حدثت قبل شهرين من تفجر الأحداث ، أول من تنبه لهذا الأمر هو سكرتيرة المدرسة سارة الخواض والتي كانت في إحتدام دائم مع المدير ، عالج مدير المدرسة هذه الأزمة بهدوء وتريث ، أستوضح جليان عن إطلاق إسم محمد على اللعبة فأعتذرت له بأنها لم تقصد إهانة المسلمين ، خاصةً أنه لم يعترض أحد على التسمية ، لا المدرسين ولا أولياء التلاميذ ، فأعتبرت أن ما قامت به مقبولاً ولا يجرح عقيدة أحد ، قبل المدير بهذا الإعتذار ، بعد شهرين من التسمية سارع أحد الأشخاص إلي إبلاغ وزارة التربية والتعليم . في صباح 25 نوفمبر وصلت عربة للشرطة إلي المدرسة ، بها خمسة جنود مدججين بالسلاح ، قامت وزارة التربية بإغلاق أبواب المدرسة خوفاً من ردات الفعل ، وسط ذهول المدرسين والطلاب قامت هذه المفرزة بإعتقال المُعلمة جليان وتم حملها في سيارة ذات نوافذ سوداء من الخارج ، وقد تم إيداعها في أحد الحراسات القريبة في العاصمة الخرطوم ، عاجلها الإعتقال السريع لدرجة لم تمكنها من أخذ حقيبة أغراضها ، فهي كانت تعتقد أن الموضوع لن يستغرق أكثر من ساعة من الزمن ، وصفت محتويات الزنزانة ، قذراتها ، دبيب الفيران ، والضوء الخافض الذي جذب الناموس والحشرات ، قعقعة سلاح الجنود ، وكانت تتوقع أن يقوم أحدهم بتلقين هذه " الكافرة البيضاء " درساً ، تخيلت تعرضها للإغتصاب لكنها لم تجد تبريراً لذلك ، تم التحقيق معها لساعات طويلة ، فهي قد درست بعض الأشياء في اللغة العربية لم يكن بينها أسلوب الرد على المحققين ، وصلتها بعض السندوشات التي أرسلها لها بعض زملاؤها في المدرسة . المحاكمة و حضور الدب " تيد :- في المحاكمة حاولت جليان أن تدافع عن نفسها بأنها لم تقصد إيذاء أحد ، وقد حضر الدب تيد إلي قاعة المحكمة ، فقد قام الحاجب بفتح حقيبة ، كما يفعل الحواة عندما يخرجون الأرنب من القبعة ، خرج الدب تيد من الحقيبة وقد بدأ عليه الخوف الشديد كما وصفته ، تجلى ذلك عندما أشار القاضي بغضب إلي الدب قائلاً : هل هذا هو الدب ؟؟ كأن الدب يُحاكم أيضاً . هذه جعلني أضحك ..مع أن الموقف ليس مضحكاً .بعد مداولات في المحكمة أستمرت 10 ساعات قرر القاضي حكمها بالسجن لمدة 15 يوماً ، قامت بالبكاء والنحيب سألها الحراس لماذا تبكين ؟؟ قالت لهم : فقدت بيتي فقدت عملي وسوف أدخل السجن وهناك أناسٌ يطالبون بقتلي وسوف أُبعد من البلاد بعد ذلك تسألونني لماذا أبكي !! لم تٌنقل المُعلمة جليان إلي سجن أمدرمان الرهيب ، حفاظاً على سلامتها وُضعت في عدة أمكنة مختلفة تحت حراسة الشرطة ، تحسنت معاملتها بصورة كبيرة بعد وصول إثنين من أعضاء مجلس اللوردات المسلمين ، فقد تم إرسال بعض الأشياء لها ، في ذلك اليوم أطلعها القنصل البريطاني بأنه سوف يُطلق سراحهها بناءً على عفو خاص من الرئيس البشير ، وأخبرها أيضاً أن هناك مؤتمر صحفي سوف يعقد في تمام الساعة 11 صباحاً يُؤكد ذلك ، في ذلك اليوم سمح لها الحراس بمشاهدة التلفزيون ولكن إنقطاع التيار الكهربائي حال دون ذلك . خرجت المُعلمة جليان من سجنها ، لتروي للصحافة الغربية كيف تُدار شئون هذا البلد ، في رحلة العودة إلي بلادها عن طريق دبي تمتعت بوجبة شهية مكونة من البطاطس وأذناب جراد البحر ، فقد تركت شرب الكحول من زمن لكنها شربت نخب الخروج من السجن ، شعرت بالحرج لأنها شربت الفودكا ذلك امام اللوردين المسلمين ، لكنها كانت ترى أن المناسبة تستحق ذلك ، مغامرة أخرى في إنتظار المٌعلمة جليان ، فربما تحظى بفرصة عمل في الصين ، فهل يا ترى سوف تتذكر هناك ..قعقعة السلاح ..صياح الغوغاء وهم يطالبون بقتلها ..نظرة القاضي القاسية للدب تيد ..دبيب الفيران ..قرص النمل ..وغيرها من الذكريات التي حملتها من الأرض السودانية
|
|
|
|
|
|
|
|
|