|
Re: الرؤية الرمادية...والحقيقة الغائبة (Re: Agab Alfaya)
|
الصديق العزيز .. عجب الفيا لك التحية لطالما أردت الطرق علي هذا الشأن لاهميته و لما ينذر به من اشكالات قد تصيب مشروعنا الوطني بكامله في مقتل، و لطالما خالجتني كثير من التأملات حول ما صار اليه الاستقطاب في خطاب كثير من المثقفين هذه الايام حول ثنائية العربي و الافريقي. وقبل ان استرسل في القول اريد ان اوضح نقاط مهمة لتجنب حساسيا ت هذا الموضوع الذي يعد الاهم في الفكر السياسي السوداني الان.
اولا، فضل الشجاعة في تذكير السودانيين بان هناك بعد مهمل في ثقافتهم و تكوينهم ناله اول من بادر الي اثارة الموضوع في زمن كانت اثارته فيه اشبه بالكفر وكان ذلك انجازا بما فيه من حسن القراءة و الاستنتاج و سعة الافق و المقدرة علي الاستشراف. و ينبني علي هذا ان اي توسع في هذا الامر هو محمود من حيث الاضافة الخلاقة التي يضيفها في اتجاه الحل، لا من حيث الاغراق في ادانة تاريخنا و ارباك صورتنا امام الاخر. ثانيا، ليس من الجرأة المحببه، و لا حسن التدبير الزج الي الادبيات السياسية و لمنابر الحوار باسقاطات شخصية بحتة قد تكون ناتج اوضاع غير متوازنه و لكنها ليست ناضجة بما يكفي لترتقي من دائرة الشخصي الي حيز المجرد و الموضوعي الذي ينفع الناس. ثالثا: النبرة المنفعلة و المتبرأة من الثقافة العربية بكل ما فيها هي من جانب اخر تعبيرعن خيبة الامل ناتج جموح اخر هو رغبة الاندماج بالكامل في هذه الثقافة.
ان امر الثنائية المفترضه لقطبين مختلفين يدور كل منهما في مدار هو في الاساس افتراض خاطئ و يغالط الكثير من حقائق التاريخ وابجديات حراكه الجدلي. و هو من جانب اخر يعبر عن اصولية فكرية فيها الكثير من الشطط لكونها تنبني علي وعي تعززه ثقافة المطلق و الواحد، و النافي بعدوانية لما بين بين. هذه الثنائية يمثلها طرفان متناقضان. كلا الطرفين لا يملك تجاه ذاته يقينا، و كلاهما يلبس عباءة من المصطلح و الفرضيات لا تناسبه البته، لذا فان ما ينتج عن كليهما هو الجموح ليس الا.
ليس ثمة من يزايد اليوم علي تاريخ موسوم بالحيوف و المصادرة، و ليس هناك عاقل في السودان يتبجح بفضل عربي علي افريقي لا بالتقوي و لا بفضل اجتراحات الثقافة إن هم الا اصحاب المشروع الاسلاموي السلطوي و الذي بدأ ياكل بعضه من فرط محدوديته و تهافته. ويندرج معه ايضا ما يمكن ان نسميه التيار العروبي العفوي ان صح القول وهو تيار وان كان في اكثر حالاته انغلاقا و نرجسية الا انه لا ينطوي علي سوء النيةالتاريخي. لكن اكثر ما يثير القلق الان و نحن في مرحلة مكاشفة وطنية و يقين بضرورة الاعتراف بالاخر هو هذه و المغالاة في جلد الذات و نفي عناصر اساسية في المكون الثقافي لشريحة واسعة من المثقفين السودانيين الشماليين وهو ما قد يفهم في سياق التحلل من الخطيئة. يكاد نفس المنهج المؤسس علي ثنائية الخطا و الصواب، الابيض الاسود، الجيد و الردئ، يجد املاءاته ههنا لينقلنا مرة اخري الي فضاء تطرف جديد ومنطق اقصاء اخر. إن العديد من القراءات لجدل العروبة و الافريقية لم تستطع ان تتسامي فوق حاجز هذه الثنائية التي كلما اسكنتها الفطرة السودانية التي تمارس في استرخاء تام سودانويتها، قضت مضاجعها اسقاطات بعض المثقفين بسوء نية، او بعضهم الاخر بمشاريع غير مكتملة . السودان أو المجتمع السوداني ، ليس استثناءا من ظاهرة توازنات مختلة نجدها في كثير من انحاء العالم، و مشكلة معالجة الهوية الوطنية في السودان رغم خطورتها، فهي ليست بالتعقيد الذي يجعلها استثناء كما انها ليست بمعزل عن قضية السلطة بشكل عام. و بتطبيقات الجدل العادي فانه يمكن القول باننا علي مشارف الانتقال لمستويات متقدمة جديدة تماما في وعي المشكلة. و بنظرة اكثر عمقا الي نماذج في التاريخ، فاننا سنكون اكثر يقينا بذلك و قراءة تجارب الاخرين ضرورية لان قضايا مثل الهيمنة الثقافية هي تحد اخر، و هي كما كتب عنها قرامشي، ليست مرتبطة بالضروة بالسلطة التي تحمل هراوة لقمع الاخرين، ولكنها مرتبطة بادوات اجتماعية اخري. كما ان الدورات التاريخية و قضايا ، مركزية المركز و هامشية الاطراف و عوامل الانتقال من مركز حضاري الي اخر كلها امور ليست بمعزل عنا لاننا نعيش في هذا العالم و نتفاعل معه. كل هذا سيبعدنا عن يوتوبيا نتخيل من خلالها ان تعود كل الاشياء بين ليلة و ضحاها في ابهي الصور. كما انه يبعدنا من منطق الخطأ المطلق و الصواب المطلق. ان المخيف في هذا التيار العارم من جلد الذات و نفيها هو التباسه ثوب الرفض المتشكل كرد فعل، وهو ينبي عن الاحباط اكثر منه عن اصالة الطرح و شجاعة الاستنتاج. بالتالي فان القرارات الانفعالية و الثورة المؤسسة عليها لا يمكن الاطمئنان اليها كتنازلات حقيقية اشترطها وعي جديد، اكثر منها موجة من تأنيب الضمير يعود بعدها الحال الي ما كان عليه.
ملاحظة اخيرة ...ارجو ان تقرأ في السياق نفسه الاحجام عن المشاركة في هذا البوست و هذا يؤكد بعض مما ذهبنا اليه من وعورة هذا المسلك
|
|
|
|
|
|
|
|
|