|
Re: السيّدة الأولى (مقاطع) (Re: هشام آدم)
|
مقاطع من رواية (السيّدة الأولى) المقطع الثالث
في جانب آخر من المدينة، كانت المومسات اللواتي لا يظهرن إلاّ بعد الساعة السابعة مساء، واقفات على رصيف ترو مونيبون الزاخر برائحة الجنس والإجاص، حيث كانت أشجار الإجاص تنمو في الحدائق العامة، وأفنية المنازل القريبة. وارتبطت رائحته بالجنس فيما بعد. البعض سماهن بالخفافيش؛ ليس لأنهن لا ينشطن إلاّ ليلاً فقط، ولكن لأنهن يعشن على دماء الرجال!
صفّرت إحداهن للأخرى في الجانب الآخر من الرصيف:
- أين الرجال اليوم؟ لقد أمضينا ساعتين دون أن يمر أحدهم من هنا، هل أعلنت الحرب في البلاد؟ - لا أستمع إلى المذياع كثيراً، ولكن وإن خلت المدينة من الرجال، فلا بد من وجود سكارى في الأرجاء.
الدعارة هي أسهل الحرف وأكثرها انتشارًا، ولولا الرجال ذوي روائح الفم النتنة لكانت أكثرها إمتاعاً أيضاً. أغلب المومسات كن طعماً سهلاً للجنود السائبين ليلاً في الشوارع، ولم يكن حظر التجوال الليلي يخص شارع ترو مونيبون وحده. هازئاً قال أحد الجنود لزميله: "ربما علينا أن نخشى ثورة الخفافيش ذات يوم، أكثر من ثورة المثقفين. ألا توافقني الرأي؟"
تتناقل المدينة قصة الأرمل الذي ظل يعتدي على ابنته على مدار ثلاث سنوات حتى قبل بلوغها، وكيف قتلها وألقى جثتها من فوق جسر على نهر تدواريو عندما علم أنها احترفت البغاء.
في مركز الشرطة لم ينطق الرجل بأية كلمة لينفي عن نفسه التهمة، ولكنه في المحكمة، دفع محاميه الرخيص ليقف أمام القاضية التي سألته: "هل تقر بقتلك ابنتك عندما اكتشفت أنها تعمل في البغاء؟" طأطأ رأسه بعد أن التفت إلى الحضور ثم قال: "بل عندما اكتشفت إفلاسي. لم أرغب أن أعيش من مال البغاء". بعد أسبوعين من المحاكمات، رأت المحكمة أنه مذنب في الاعتداء على ابنته، وبرأته من تهمة القتل من الدرجة الأولى؛ ليقضي سبع سنوات في السجن. ولكنه وُجد منتحراً في زنزانته بعد ذلك بثلاثة أيام.
هذه المدينة تعج بالقوانين؛ القوانين الكثيرة، تعادل جرائم كثيرة. القوانين لا تخدم إلاّ من يسنونها، أو من يقدرون على شراء الذمم. يقولون: "إن العدالة عمياء" لماذا نظن أنها عمياء، وليست معصوبة العينين؟ القوانين للجريمة، إذن القوانين عقوبات. العقوبات ليست من الإنسانية في شيء. لِم يجب أن يُعدم القاتل إن كان لا محالة ميتاً من تلقاء نفسه؟ كلنا سنموت ذات يوم، إذن فالموت سنة كونية، وليس عقاباً. لا يملك أحدنا أن ينصّب نفسه ممثلاً للعدالة.
يقول جالدوس ماكايا –يصنف مجنوناً في شارع ليك دان–: "لا بد من استحداث قوانين جديدة لا تحتوي على عقاب. أقترح (قانون الوشم) وشم من النوع الذي لا يزول. أجل! القاتل يوشم جبينه بـ"قاتل"، والسارق يوشم بـ"سارق"؛ هكذا نفضح المجرمين، لأن فضحهم يعادل الجزاء الأمثل مما يخشون. لِم تظنون أن الجرائم لا تقع إلاّ في الخفاء، بعيداً عن أعين الناس؟ لأننا بطبعنا لا نحب أن يعرف الآخرون أننا مجرمون أو حتى مخطئون. العقاب لا يقدم رادعاً كافياً؛ التاريخ يثبت ذلك. إذا قمنا بتعرية المجرمين أمام الآخرين فلن يقدم أحد على ارتكاب الجريمة. لا أحد يطيق أن يمشي في الطرقات بوشم في جبينه يحمل نعت "متحرش جنسي" أو "مغرر أطفال"
|
|
|
|
|
|
|
|
|