السيّدة الأولى (مقاطع)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 07:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-17-2009, 11:54 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السيّدة الأولى (مقاطع)

    مقاطع متفرّقة من رواية (السيّدة الأولى)
    المقطع الأول

    المدينة تعج بأصوات العربات التي تجرها الخيول المريضة، وأصوات الباعة المتجولين، والنساء الضاحكات على الشرفات، والشحاذين المستلقينَ على الطرقات، والعمال العائدين من المصانع بقبعاتهم المبتلة بالعرق المملح، وجرذان الحقول النازحة إلى المدينة، تشاجر رجلين على سلة خضروات، ومعجون حلاقة.

    الوجوه الواجمة تستقي ملامحها من شكل الرغيف التعيس، وواجهات البيوت شاحبة كوجوه ساكنيها، وما بين رواق وآخر ينتشر الجنود المدججون بالسلاح، وتضيف أصوات أحذيتهم الغليظة على أرضية الشوارع الحجرية صوتاً آخر إلى أصوات المدينة البائسة.

    أرصفة المدينة المريضة تحكي كل شيء، وتعرّي الوجوه والأقدام التي تدوس على جلود الشوارع الناتئة. أرصفة المدينة ثرثارة إلى حدّ الفضيحة، وحيث يعبر الآلاف فوق جثتها المصلوبة على أقدام عابريها؛ تكشف سرّها عندما تطفأ الأنوار، وتضاء القناديل الزيتية الخافتة ليلاً.

    الأرصفة وحوش اصطادها صيّاد أعزل، وفرشها سجادات على أرض المدينة وشوارعها، والأحلام والأمنيات الكبيرة والمستعصية كالأرواح والكائنات اللطيفة، تمر كل يوم تصابح الجدران الباردة، وتنتظر أن يُؤذن لها بالتحقق. أرصفة المدينة النظيفة متسخة بآثار الأقدام والأمنيات المنتحرة، والروائح ... الروائح!

    ذلك اليوم ضجّت الرائحة، وتعالى صوتها في المكان، فسدّ الجميع أنوفهم؛ وهم يشاهدون سيارة الإسعاف تقف في الرصيف المقابل، ورجال الشرطة يقتحمون شقة كهلٍ لم ينتبه لغيابه أحد؛ إلاّ عندما فاحت رائحته، نقلوه إلى ثلاجة الموتى، واستجوبوا الجميع، ثم دفن مطلع الفجر بكل هدوء.

    كان الكهل ذو الرائحة النتنة بائع عطور، وصديق الجميع، ورغم ذلك سدّ الجميع أنوفهم؛ وذات الأنوف فتحت شرايينها على مصراعيها عندما مرّت أنثى ليلية تضع عطراً باريسياً مغرياً، وسرح الجميع ثم ناموا، واغتسلوا صباحاً. تلك الأنثى ألهبت خيال المراهقين والمتزوجين حديثاً. بعض الأنوف فقط تأسرها بعض الروائح، وتلفها بالحزن والحنين، وبعض الروائح تشعرك بالوحدة والخوف.

    على الرصيف المقابل تشاجر صديقان ثم افترقا. كلاهما تمنى أمنية ولم تتحقق: أحدهما ظلّ على مدار سبع سنوات يجلس على الأرصفة ليرسم الأقدام العابرة، ويوثق تاريخ الأرصفة الخفي الذي لا يتذكره ولا يلحظه أحد، يرسم اللحظات التي تسقط من أذهان وحقائب الناس: في الحافلات، وعند إشارات المرور، أو خلف أسوار حديقة عامة، أو تحت مظلّة المقهى الليلي وأضوائها الخافتة.

    واجبه المقدّس هو الإمساك باللحظة الإنسانية الصادقة: بكاء طفلة تائهة، هرولة رجل بدين يحاول اللحاق بالحافلة، احتماء شيخ مسن من رذاذ المطر بصحيفة يومية، استغاثة امرأة تعرّضت لسرقة حقيبتها اليدوية، ملاحقة غير متكافئة بين طفل مشاغب وكلب شرس، امرأة تمسك بسلسلة ذهبية منتهية بطوق مربوط بعنق كلب بوميرينين تقف أمام محل مغلق للمجوهرات، لحظة نادرة لمراهق يسترق النظر لعورة فتاة انحنت لإصلاح حذائها. يتقاضى بعض النقود الرخيصة مقابل بورتريهات يرسمها لأناس ليسوا من هذا العالم، أناس ليسوا منشغلين بحمى لافتات الأسعار، أو مواعيد القطارات أو عناوين الصحف الرئيسة.

    حلم أن يعرض لوحاته ورسوماته في معرض محترم ذات يوم، وعاش الحلم لسنوات. توقع أن يأتيه شخص وقور، مدخناّ غليونه الفاخر، يقف ورائه وهو منهمك في اللوحة، فيربّت على كتفه ثم يعلن اكتشاف رسام المدينة الأول. ينتشله من ضيق الأرصفة إلى فضاءات المعارض وصالتها الفخمة. حلم أن يصبح مشهوراً، وأن يتمنى الجميع أن يرسم لهم بورتريهات تذكارية بالمجان، أو يوقع على الأتوجرافات.

    صديقه الآخر، كان يمسك جيتاره النورمال، ويجلس حول نافورة كانتو مورنيك يعزف للسائحين والعشاق والمجانين، ويستكثر نفسه على عزف الشوارع. ظنّ أن ملحناً ما، أو قائد أوركسترا قد يظل طريقه إليه فيكتشفه؛ ولكنه ظلّ يعزف دون أن يشعر به أحد، ولم تسمح له السلطات بالعزف في مكان آخر فأصبح حبيس نوافير كانتو مورنيك الساحرة. كان يتساءل دائماً :"ألا يتمشى قائدو الأوركسترا على الأرصفة؟ ألا ينزلون إلى الشوارع؟"

    عزف بجيتاره النورمال للبسطاء عن البسطاء، وعن كوابيس الرغيف والأرصفة الباردة، وعن أحلام المراهقين، ومعانات حاملات البرسيم، وعاملات النظافة. كان يغني للناس في الشوارع، ولكن دون أن ينتبه أحد إلى غنائه. كان غناؤه إحدى الأصوات التي تعبر آذان الناس في الشوارع كأبواق السيارات، وأجراس الدراجات الهوائية، وأصوات الباعة المتجولين، وصافرات شرطي المرور، وكان حظه من كل ذلك بعض النقود المعدنية التي يرميها السائحون داخل طبقه المصنوع من الكروم. قال عازف الجيتار قبل أن يقرر الرحيل: "لو لم يكن هنالك موت، لانتحر الجميع!"
                  

العنوان الكاتب Date
السيّدة الأولى (مقاطع) هشام آدم02-17-09, 11:54 AM
  Re: السيّدة الأولى (مقاطع) هشام آدم02-17-09, 12:04 PM
    Re: السيّدة الأولى (مقاطع) هشام آدم02-17-09, 12:30 PM
      Re: السيّدة الأولى (مقاطع) هشام آدم02-19-09, 09:08 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de