|
Re: بين حجرين - رواية (Re: هشام آدم)
|
______________________________
الفصل الثامن :
في ليلة قارسة البرودة، كانت الضفادع لا تكف عن النقيق في البركة المائية المتشكلة في ميدان دقنة. عندما أضاء في الجانب الآخر الفسيح، صيوان أقامه أبناء الحي للاحتفال بزفاف إيمان الصاوي إلى محجوب الريّس الذي بدا مختلفاً تماماً عن ذي قبل. وفي منزلٍ ما بجوار الصيوان المنصوب، وفي إحدى الغرف الهادئة جلست فتحية شبانة توصي ابنتها الوصايا الأخيرة، على ضوء فانوس احتفالي خاص يقاد بزيتٍ معطّر. وقد تضمنت الوصايا بالتأكيد ما يتوجب عليها فعله في الليلة الأولى، ولم يبد على إيمان الخوف الذي يعتري الفتيات في مثل تلك اللحظات. كانت سعيدة، ومشرقة كعادتها. تذكرت فتحية شبانة نفسها وأيام صباها ومراهقتها وهي ترى ابنتها أمامها عروساً. عندها تسللت منها دمعة أرستقراطية خجولة، جعلت إيمان تخشى أن تنجرف معها في البكاء فيسيح الكحل الذي في عينيها. وبحذرٍ شديد راحت فتحية تمسح بمنديل قماشي بعض المسحوق المتناثر بغير عناية أسفل عيني ابنتها. وقبلتها بحنو وهي تقول "أبقي عشرة على راجلك وعلى بيتك وعلى روحك يا إيمان."
وفي مكانٍ آخر كان أبو السيك منهمكاً في توصيل الأسلاك التي تحمل الأضواء الملونة مع فتيان الحي الذين لم يفارقوه منذ الصباح الباكر. كان أبو السيك يشرف على كل شيء بنفسه. تأكد من أن حافظات الماء البارد ممتلئة وفي أماكنها، وأن جميع الوصلات الكهربائية سليمة وجاهزة للاستخدام، وتأكد من أن كمية المحروقات التي في المولد الكهربائي الاحتياطي كافية، وتأكد من أنها بعيدة عن أعين وأيدي الفضوليين والأطفال تحديداً. بينما كان الريّس يقف وحيداً في غرفته أمام خزانة ملابسه الحديدية متقشرة الطلاء. ينظر إلى صورة أبيه. كان يشعر بأنه فعلاً على وشك الرحيل. وأنه سوف لن يرى بورتسودان مرة أخرى. أحس فجأة بحنينٍ غريب لكل شيء، حتى لمنزله الذي سوف يسكن فيه هو وزوجته مؤقتاً حتى يحين موعد السفر المحتوم. وربما كان يشعر بخوفٍ ما يتسرب إليه. خوف من شيء ما لا يعلمه، ولكنه كان أكيداً من أنه على وشك تحقيق حلمه الذي عاش من أجله طويلاً. شهور طويلة مضت، وهو يحلم بمغادرة بورتسودان. وها هو الحلم يتحقق الآن. رش الريّس بعض العطر على رقبته وتحت إبطيه، ثم تأنق قليلاً أمام المرآة قبل أن يفاجأ بالعشرات من أصدقائه وأبناء الحي يطرقون عليه الباب "شنو يا عريس الجماعة ما مستنيين وكده!"
أخذ الريّس نفساً عميقاً قبل أن يفتح الباب، ثم خرج إلى أصدقائه ليجد نفسه محاطاً بين العشرات من الذين حملوه على أكتافهم وهم يهتفون بصوتٍ واحد "أبشر يا عريس" وألبسوه الضريرة والحريرة والهلال وحمّلوه السيف الذي لوّح به للجميع بفرحة خجولة جداً، وتوجه الجميع إلى حيث تنتظر العروس مختبئة تحت القرمصيص القاني. عندما توقف الجميع عند باب المنزل الذي تنتظر فيه العروس، نزل الريّس من أكتاف أصدقائه وتقدّم بحذرٍ ملحوظ. وما أن فتح الباب ورأته النسوة حتى أطلقن الزغاريد التي جعلته يتصبب عرقاً أكثر من ذي قبل. وأصابه من لدنهن رذاذ عطرٍ كنّ يلوحن به عليه. كانت إيمان تجلس في مكانٍ قصي تحت القرمصيص، وكان بينه وبينها طريقٌ محفوفة بالزغاريد والنسوة. خيّل إليه أنه لن يصل إليها إلاّ بشق الأنفس. كان يسمع في أصوات زغاريد النسوة صوت أمه وأبيه وأخيه. كان يبتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يرى الفرحة في وجوه الجميع. وتمنى أن لو كانت القدر أمهل أمه حتى تعيش معه هذه اللحظات.
وفي مكانٍ ما وقفت فتحية شبانة وهي تطلق زغاريدها المخنوقة بدموعٍ لم يرها غير الريّس، فلوّح لها بسيفه، وضمّها إليه بقوة "أبشري يا أم ياسر .. أبشري" فتحية شبانة التي لم تجد إلاّ ثوبها الذي ترتديه لتمسح به دموعها التي ذرفت فجأة رغم حرصها على ألا تبكي في هذه الليلة، كانت تشعر بأن ثمة خيطاً ما مربوطاً بقلبها بدأ يفلت من بكرته، لذا كانت تضع كفيها مضمومتين على صدرها بينما راح الريّس يرفع الغطاء القرمصيصي عن وجه إيمان التي كادت لتذوب خجلاً عندها. وما أن بدا وجهها حتى ارتفعت أصوات الزغاريد تمزق خجل العروسين اللذان تسمرا مكانهما دون أن يبديا أيّ حراك. لم تستطع إيمان أن ترفع رأسها، بينما وقف الريّس إلى جوارها بزهوٍ ذكوري خجول لا يعرف ما يتوجب عليه فعله. عندها سمع إحداهن تقول "أمسك مرتك واتقدموا يالا"
داخل الصيوان كان الأطفال يملئون الأرجاء بالصراخ والركض تحت الأقدام، بينما جلس البعض في هدوء يتناولون وجبة العشاء المتواضعة التي تم توزيعها تلك الليلة في صحون بلاستيكية. فيما آثر بعض الفتيان الجلوس على كراسي وضعوها متراصة بالقرب من المسرح الذي سيقف عليه فنان الحفل. وتوزع البقية بطريقة تلقائية إلى ذكور وإناث على جانبي المسرح، بينما فرشت سجادة هائلة بين المجموعتين. هذا الفرز المدروس كان مظهراً شكلياً غير ملزماً، فما هي إلا ساعات قليلة جداً حتى اختلط الجميع، ولم يعد هنالك حاجة للكراسي على الإطلاق. الجميع واقفون إما متفرجين أو راقصين.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:35 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:42 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:55 PM |
Re: بين حجرين - رواية | Mohammed Elhaj | 06-26-07, 05:57 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:02 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:05 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:09 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:17 PM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 05:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 07:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 08:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:35 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد على النقرو | 06-27-07, 10:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:40 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 10:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:01 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:14 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:21 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:23 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:27 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:29 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:24 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:48 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:56 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:11 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:33 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-28-07, 09:21 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد جميل أحمد | 06-28-07, 10:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:27 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 12:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:05 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:50 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:19 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 10:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 12:48 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 01:04 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:11 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:39 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:19 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:25 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:28 PM |
|
|
|