يوم حلو ويوم مر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 11:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-24-2005, 12:44 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يوم حلو ويوم مر



    يوم مُر


    ما زلتُ أتذكر وجه الأسمر المُبتسم، سحنته البشوشة التي توحي بالصفاء وبياض السريرة .. قامته المتوسطة .. شعره الأسود إلاّ من بعض الشيب الموّزع بطريقة متناسقة .. تماماً وكأنها رُسمت بيده. وضعية نظارة القراءة .. نبرة صوته الدافئة وهو يشرح لي الرياضيات .. إنه المرحوم ( سيد عبد الرحمن البدري ) المشهور بـ( سيد شباب ). من الشخصيات المحبوبة جداً التي عرفتها .. ويشهد له بذلك كل من عرفوه.

    زوجته امرأة طيبة جداً .. شابة حملها الناس على كفوف الراحة باعتبارها ضيفة جديدة على المملكة. كانت منطلقة .. اجتماعية .. مُجاملة .. لا تكاد الابتسامة تُفارق وجهها .. وجودها يُعطي المكان ألقاً غريباً بحضورها المتميّز .. ربما أكتسبت هذه الهيبة من زوجها .. وربما لأنها كانت كذلك. اهتمامها بأطفالها الصغار .. والاهتمام بأدق تفاصيل المنزل .. والحرص على أداء الواجب والتفاني فيه. جعلها محط إعجاب الجميع واحترامهم.

    ذات يومٍ فاقدٍ للنعت والتسمية .. وبينما كان سيد شباب في طريقه من مقر عمله بالـ( مُزاحمية ) عائداً إلى منزله برفقة زميله في العميل ( صبري ) .. يشاء أن يُصادف ذلك الوقت ( منتصف الظهيرة ) موعد الوداع الأخير له .. دون أن يودع أحداً من أهله وأصدقاءه وأحباءه ... ولا حتى زوجته وأطفاله.. ورغم أنه يُقبّل أطفاله كل صباح .. إلى أن تلك القبلة كانت لها نكتها الخاصة.

    يرفع ( صبري ) سماعة الهاتف من ( مستشفى الشميسي المركزي ) وهو يأن من أثر الكدمات التي تركها الحادث على جسمه .. أول صفحة من فهرس التلفونات الخاصة بسيد شباب ( فتحي كلودا ) .. ألو فتحي ... البقية في حياتكم ( سيد شباب ) توفى إلى رحمة الله .. ولانتقال الخبر بين أفراد الأسرة وبين الأسر الأخرى قصة درامية مؤثرة جداً .. ولكنني أذكر جيداً تلك اللحظة عندما دخل علينا أبي من عمله .. والدموع تُبلّل لحيته الكثيفة .. وإلحاح أمي في معرفة الخبر .. كأنني لم أر أبي يبكي قط عندما شهق شهقةً مكبوتة من أعماقه. .. كنّا جميعاً في انتظار اكتمال كلماته .. وساد السكون البيت للوهلة الأولى .. وفجأة ... لم نعرف من منّا يبكي .. فكلنا كُنا كذلك. مشهد تاريخي مهيب. كُلنا تساءلنا عما إذا كانت زوجته قد علمت بالخبر. لكنهم على ما يبدو آثروا أن يخفوا عنها الخبر لبعض الوقت.

    كانت هناك مشاعر متضاربة تجول في الخاطر .. فعندما تبكي لسببٍ محدد فإنّك تتذكر وتستدعي بعض المواقف من صندوق ذكرياتك.. فعندما أتذكر كلماته الأبوية التي كان يخصني بها في كل مرة يأتي فيها للبيت أبكي .. وعندما أتذكر وجهه الأسمر المُبتسم .. أبكي .. وعندما أتذكر زوجته .. أبكي .. وعندما .. أتذكر أطفاله الذين لا يفتأون يسألون عنه ببراءة .. أبكي أكثر وأكثر. ولذا فقد أصريتُ على أن أذهب إلى المستشفى لحضور إجراءات غسيله ودفنه. ولم ولن أُكررها مرةً أخرى. لقد كانت المرة الأولى التي أرى فيها جثةً مُسجّى أمام دون حائل بيني وبينها. وللمرة الأولى أحضر غسل ميت. تعلّقت عياني بوجهه المتجه إلى ناحية علويةٍ ما .. ملامح حيادية تماماً وجسم تتناثر فيه الكدمات .. ورائحة غريبة تنبعث من المكان. أحسست أن قدماي لا تقويان على حملي .. لقد تسمّرتُ تماماً في مكان .. قال لي أحدهم ( أذكر أنه كان "داود حافظ" ) قال لي: لن تستطيع تحمّل المشهد. ولكنني أصريت على البقاء. ... ودخل علينا الشيخ وقبل أن يبدأ في عملية الغسل .. اكتشفتُ أنني ما أزال أقف في مكاني دون حراك .. نظراتي ما تزال مُعلّقة على وجهه المتجه إلى ناحيةٍ علوية ما. التفت إلي الشيخ .. وعرف ما بي .. فأمر بإخراجي .. لكنني أتذكر أنهم حملوني حملاً .. لأنني لم أكن قادراً على السير.

    المشهد خارج غرفة غسل الموتى يُشبه الخروج من مقبرة والعودة إلى عالم لا تنتمي إليه.. الناس تعرفهم وكأنهم يأتونك من زمنٍ سحيق فالبكاد تستطيع التعرّف عليهم وعلى أصواتهم .. وإن كنتُ أجد صعوبة بالغة في الربط بين الأصوات والشخوص. الكل يبكي على طريقته الخاصة. والكل يحوقل .. نبراتهم حزينة جداً .. ووجوههم باهتة جداً .. إنه مشهد حزائني فعلي.

    وكأنني لم أبك قط .. اندفعت في هستيريا بكائية عاصفة عندما بدأت الجموع في حمله على أكتافهم وإنزاله في قبره. كنتُ واحداً منهم .. ولكنني - كالعادة - لم أستطع أن أقوم بعملي كما ينبغي .. أخرجني ( حمدي كاشف ) من بين الجموع وأمسك بي .. أحتضنته وبكيت بكاءاً لم أبكِ مثله قط في حياتي. وهو ما يزال يربت على كتفي ويُذكرني بالله وبرسوله. أحسستُ أنني بطريقةٍ ما أنتمي لذلك الرجل الراقد في سكونٍ تمام في قبره. أحسستُ به يلومني على تركي لهم يدفنونه في التراب. كيف سيفعلون به ذلك؟ كيف استطاعوا ذلك؟ دخلت في نوبة من البكاء لم أعهدها على نفسي.

    أذكر جيداً أنني لم أستطع أن أقف لأصلي عليه صلاة الميت .. وها أنا في ذكراه الآن .. أتمنى له الرحمة والمغفرة... ألا رحم الله ( سيد شباب )

    (عدل بواسطة هشام آدم on 12-24-2005, 12:46 PM)

                  

12-24-2005, 01:25 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يوم مر (Re: هشام آدم)

    منذ سبع سنوات في فبراير من عام 1998 رحلت الهام محمد عثمان حسن عالم صديقة عمرى
    رحلت بهدوء شديد على عكس ما كانت حياتها كتلة نشاط و حيوية و ألق و تفانى وإقدام وحضور
    عرفت إلهام و أنا بعد طالبة بالثانوى العالى عام 1986،حضرت مع بعض الأحباب من الاسكندرية فى يوم شتائي لغرض المساعدة التعبوية للاحباب فى انتخابات اتحاد الطلاب السودانيين بالقاهرة،ذهب الأحباب و تركوها لنا،تركوا لى زهرة عمرى التى ذبلت قبل أن تتفتح أوراقها
    منذ ذلك اليوم و أنا و إلهام صديقتان حميمتان،لانفترق حتى و نحن بعيدتان عن بعضنا البعض ،عندما حضرت للدراسة الجامعية بمصر كان أكثر ما يطمئننى فى غربتي وجود إلهام ،كان مكان سكناها بالاسكندرية منزلة لى و بيتى منزلتها،أكذب لو قلت أن ثمة فكرة-مجرد فكرة –مرت بخاطرى و لم أقاسمها إلهام التى كانت تعرف عنى كل شي،تلك الحبيبة الصدق و الأمانة و الروعة،النابغة التى درست الطب البشري و كانت كتلة انسانية و عطاء تمشي على قدمين،تخرجت إالهام قبلي و ذهبت الى السودان و لم تنقطع أخبارنا عن بعضنا البعض،تزوجت و كانت فى شهر عسلها مع زوجها عندما داهمتها آلام بمعدتها،قطعت شهر العسل و قرر الطبيب سفرها للأردن للجراحة،أجرت الجراحة و لم يمهلها سرطان المعدة و قضى عليها و هى بعد لم تكمل ثلاثين يوماً من عمر زواجها فزفت إلى نهايتها و زفت إلينا و إلى كل من عرفها أحزان ممتدة ولا منتهية
    لم تشأ إخبارى بمرضها المفجع و عرفت موتها بطريقة أكثر دراماتيكية
    عدت من أسمرة فبراير 1998 إتصلت بالحبيب العبيد حسب الرسول و فى أثناء حديثه معى قال شيئاً و قال "المرحومة إلهام"قلت له "إلهام من ؟؟" فقال لى:" إلهام يا لنا،إلهام" فاغلقت الخط و نظرت الى باحة كلية التقنية التى كنت أغطى أحد فعالياتها- و التى لم أطأها قط بعدها- فإذا بالباحة المشمسة تستحيل نفقاً معتماً و إذا بالكون يدور
    تمالكت نفسي و اتصلت ثانية فعرفت التفاصيل و انها رحلت منذ أيام
    و"قطعت قلب"أم الحسن والدتها ،ولم يكتف القدر بإنتزاع إلهام من والدتها بل رحل شقيقاها جمال و طارق تباعاً بنفس المرض القاتل.
    إلى الآن كثيراً ما أفكر أن إلهام لو كانت حية لكانت الحياة أجمل،إلهام كانت تدرس الطب و كنت أمازحها بأنها ذات "سبع صنايع" كانت مثقفة من طراز رفيع و قارئة نهمة و مفكرة تستطيع الإبحار فى أى موضوع إلى نهاياته،كانت كاتبة صحفية زينت الخرطوم بمقالاتها سواء السياسية أو الفكرية.

    لم أقو على زيارة أم الحسن أمي أيضاً فى إجازتى السنوية الماضية التى كانت بعد طول انقطاع عام 2004،أشار لى يوماً الحبيب عجبين إلى قبر تضمه مقبرة شمبات التى يمر بها الشارع الجديد الذي يربط الحلفاية بشارع كوبري شمبات دون الحوجة للمرور بالمؤسسة،قال لى "هنا أودعنا إلهام" ،لم أقو على زيارة أمي أم الحسن فكيف أعزيها فى إلهام و كيف أقنعها أن إلهام لم ترحل لأن النبيلات لا يرحلن أبداً؟؟
    العزاء موصول لوالدتها ولزوجها المكلوم و لأصدقائها الأحباب عجبين و حسن والصادق الأنصارى و يعقوب ومجذوب و العبيد وكل من عاصرها بالإسكندرية،وكل من عاصرها بمصر من الاحباب.
    إلهام لم ترحل
    لأن النبيلات لا يرحلن أبداً..
                  

12-24-2005, 01:38 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم مر (Re: lana mahdi)

    العزيزة لنا مهدي

    لا أفشي سراً إن قلت أنني تأثرت بقصتك. الصداقة شيء لا يعوض أبداً. ورحيل الصديق تاركاً صديقه وراءه لأمر غاية في الألم. أقدر لك تلك العذابات التي مررت بها وربما لا تزالين. فقط عزيزتي أغمضي عينيك مبللتين بالدموع وناديها في رفق، أقسم لكِ بأنك سوف ترينها ربما مبتسمة، ربما مشتاقة، ربما أكثر ألقاً مما كانت عليه. الرائعون هم من يرحلون بسرعة، وهذا مؤشر يجعلنا نقول ( هل نحن أشرار؟ ) أدعي لها بالرحمة فهي أكثر ما تحتاجه الآن.

    وما لا أستطيع تخيله هو رؤيته ميتاً أمامي، أو رؤية قبره. يشعرني بأني قد فقدت توازني تماماً فلم أعد قادراً على الوقوف. غير تلك السحابة الغليظة من الذكريات والأصوات والروائح التي تأتي تباعاً. إنه فعلاً موقف صعب.

    لك ولها التحية
                  

12-24-2005, 01:26 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)



    يوم حلو

    ( الصدق البيودي في 60 داهية )


    منذ نعومة أظافري، وأنا أسمع مقولة ( الصدق منجاة ) .. ويُركز الأساتذة على غرس هذه الخصلة ( الصدق ) داخلنا .. ولأنني كنتُ صغيراً فقد نجح زُمرة الأساتذة في ذلك.. أصبحتُ أتحيّن الفُرص لتطبيق هذه المقولة .. ( كإنو في زول مُغالطني ) ولا أُخفيكم سراً فقد كنتُ أشعر بنوعٍ من السعادة الغامرة عند الانتهاء من كل ( عملية صدق ) تتم بنجاح. في الحقيقة كان نوعاً من السعادة والفخر والإحساس بالإنجازية. واستمر اعتناقي لفكرة أن الصدق منجاة مُلازمة لي حتى ذلك اليوم!

    كان يوماً اعتيادياً بجميع المقاييس، نفس الروتين المُعتاد .. أتيتُ من المدرسة إلى البيت مُباشرةً ( حسب تعليمات القيادة العسكرية ) في المنزل ... ( توضيح: أمي تُمثل الجناح العسكري لحركة [ إياكم ] المنزلية ) أبي يُصدر التحذيرات وتتولى أُمي تطبيق ( روح ) القانون على المخالفين... ( Sorry على التخريمة دي ) أنهيت واجباتي المدرسية وتناولت وجبة الغداء ( الإلزامية ). علمتُ فيما بعد أن أبي وأمي ينويان الخروج من البيت .. ومثل هذه اللحظات التاريخية النادرة تُعتبر فرصة العمر .. حيث تستطيع فيها أن تستمع بوقتك كله كما تشاء بالطول وبالعرض. وتُمارس فيه جميع هواياتك دون أن تسمع فيها الكلمات المألوفة ( يا ولد زاكر – يا ولد اعمل كده – يا ولد ما تعمل كده ..... إلخ ) ... كانت فرحتي عظيمة بهذا الخبر .. وتظاهرت بالنوم حتى أُفوّت على نفسي سماع شريط ( الوصايا العشرة ) الذي يُذاع ... أقصد الذي يُقال في مثل هذه المُناسبات .. ( ما تفتحوا لي أي زول – ما تولعوا البوتوجاز – ما تدقوا بعض – ما تتشيطنوا ... إلخ ). وما هي إلاّ لحظات وخرجا معاً.. فنهضت من فوري وذهبت إلى ( الصالون ) ... أُلقي نظرة متفحصة على المكان .. أقوم بعمل مسح جيولوجي .. أُحدد الهدف ثم تبدأ الخطة .. الكنب الطويل يرجع شوية لي ورا .. الطربيزة الفي النص دي تمرق بره .. المزهرية دي تنزي في ا########## .. وتحديداً خلف الكرسي السجادة تزح شويييية كده ... والزاوية بتاعت التُحف دي مافي ليها داعي هنا ... السهّارة دي حسي الجابها شنو في الكورنر؟ نفك الفيش وأختها في الصالة ( إفراج مؤقت ) .. المروحة تقيف .. الستاير تتقفل .. الطفايات بتاعت السجاير تمشي المطبخ .. وأخيراً بقى عندي ميدان كورة تمااااااااااام!!!!

    بدأت المبارة الافتراضية بين نادي الهلال والنصر وبالتأكيد فأنا ماجد عبد الله والبقية ( الناس البيض ) عبارة عن الأثاث الموجود ( كرسي .. طربيزة .. إلخ ) والمباراة حماسية كالعادة والكرة من الجدار إلى الجدار الآخر .. و ( باكورد ) رهيب يا ماجد .. وسِد الخانة يا هريفي ..... وفجأة صاروخية قوية من قدم ماجد عبد الله ( الذي لا يُجيد إلاّ الضربات الرأسية ) تأخذ الكرة مجراها الطبيعي وتسكن الشِباك ... وللهدف الأول والنصر زهوةٌ كبيرة .. ولا بُد من ضحايا لهذا الانتصار العظيم .. سقط الهاتف ( حارس المرمى ) أرضاً دون حراك .. وأُنتزع الفيش من الـ( كوبس ) وكانت تلك هي المرة الأولى التي سوف أتعرف فيها على أجزاء الهاتف الحيوية عن قُرب. وجدتُ الفيشة ولكن هناك 3 كوبسات ... تُرى أي واحدة هي لهذا الفيش؟ ولأنني كنتُ ما أزال مزهواً بفرحة الانتصار العظيم .. لم أشأ أن أفكّر كثيراً .. فلأُجرب كل الكوبسات اعتباراً من الكوبس الأول .. وبمجرد أن وضعت الفيش على الكوبس رنّ الهاتف ( صفارة الحكم ) .. استأت كثيراً لهذا المزعج الذي ( كأنه ) كان ينتظرني أن أضع الفيش في مكانه. رفعتُ سمّاعة الهاتف .. فلا بد أنه يريد أبي وسوف أقولها له بكل صراحة ( بابا طلع ... مافي ) .. رفعتُ سماعة الهاتف .. ولكن الهاتف ما زال يرن .. أضع السماعة وأرفعها ثانيةً .. والهاتف ما يزال مُصراً على أقواله. نزعتُ الفيش من الكوبس .. سكت الهاتف. فعرفتُ أنني في ورطة كبيرة وأن الهاتف لا بد وأن تعطّل. أسرعت في تنظيف الميدان ( ساحة الجريمة ) وإعادة الأشياء إلى أماكنها .. صدقوني أحسستُ أنني فعلاً أُريد أن أنام .. وفي مثل هذه اللحظات تشعر أنك مخطئ لأنك لا تسمع الكلام .. لماذا لم أنم مباشرةً؟ لماذا لم آخذ الكرة وألعب في ( السطوح ) .. لماذا اشتهيتُ لعب الكرة أصلاً .. أنا لا أحب لعب الكرة!!!!! ........ ومغص شديد........ وما هي إلاّ ساعات معدودة .. ويأتي أبي وأمي ... وسبحان الله .. كأن قلب أبي يُحدثه بشيءٍ ما ... فما أن دخل حتى أمسك الهاتف ليُجري اتصالاً .. ولكن الهاتف ساكن بلا حراك .. لا ينبس ببنت شفة.. وصّل الفيش في الكوبس .. وما زال الهاتف بلا حراك .. عندها عرفَ أنّ هناك أيادٍ خفية قد لعبت في المنزل .. وتطاولت على التعليمات. وكان المتهم الأول والوحيد............................................................... ......... هي أختي الكبرى !!!! وبدأ استجوابها ..

    الغريب أنها كانت لديها نزعة غريبة لتحمل المسؤولية .. ( وكنتُ قد نقلتُ إليها عدوى الصدق ) بما حفظته عن زمرة أساتذتنا .. ولكني لا أذكر أني حدثّتها عن ( الإثار ) !!!! فصبّ عليها والدي جام غضبه .. كانت صرخاتها تدخل إلى أذني وتستقر في مكانٍ ما من صدري ... أعتقد أنه ( الضمير ) بدأ هذا المارد داخلي يتحرّك بتثاقل ... وفجأة نهضت .. وخرجتُ إلى أبي لأقف أمامه بشجاعة فرسان العصور الوسطى. ( بابا أختي ما عندها ذنب .. أنا اللي خرّبت التلفون ) .... إنه الامتحان الحقيقي للصدق الآن ... توقعتُ ( توقعاً لا يخلو من براءة الأطفال ) أن يبتسم أبي في وجهي ويُطلق سراح أختي ويقول لي ( عفوت عنك لصدقك ... اذهبوا فأنتم الطُلقاء ... ) .. ولكن وقبل أن أتمادى في خيالي التوهمي فوجئت بأختي تُصر على أنها من عطّلت الهاتف .. لم أشأ أن أخسر معركتي مع نفسي اللوامة .. فقلت بصوتٍ عالٍ ( لا ... بل أنا من عطل الهاتف ) ووقفت هي كذلك من الجهة الأخرى ( هشام ما عندو علاقة .. أنا اللي خرّبت التلفون ) ... وأنا ضد فكرة الانهزامية ( لا .. أنا ) وهي ( لا .. أنا ) ... وأنا ( لا ... أنا ) وهي ( لا ... أنا ) فأمسك والدي بنا نحن الاثنين وانهال علينا ضرباً مُبرحاً ... ضارباً بكل المبادئ السامية والتوقعات النبيلة عرض الحائط ... فعرفتُ أن الصدق وكل تلك القيم ليست لها تمثيل حقيقي على أرض الواقع .. وأن الصدق في لحظات كهذه قد تُعتبر مؤدية إلى التهلكة .. وقد توديك في 60 داهية .....

    (عدل بواسطة هشام آدم on 12-24-2005, 01:28 PM)

                  

12-24-2005, 02:21 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)



    يوم مُـر

    ( البرواز المكسور )


    أن تجد شخصاً ما .. بطريقةٍ ما .. في مكانٍ ما، يجعلك تشتاق إليه، تُحس أنكما شخصٌ واحد، وتشعر بأنه يُكمل لك جانباً تفتقده .. إنه أمر في غاية الروعة. هذا ما شعرتُ به تجاه ( م ).

    كلنا نلمك أصدقاء، ورفقاء وأخلاء وزملاء. ولكننا قد لا نشعر مدى صعوبة اختيار الصديق، ومدى تلك الفرحة المُخبأة بين أضلاعنا وتحت جلودنا عندما نكتشفه فجأة. ومتعة الصداقة في ممارستها. أننا لا نحتاج لإعلان أو إشهار أو حتى طقوس لنُعلن أننا متشابهون بطريقةٍ ما. ببساطة شديدة تجد أنّك تذهب إليه بطريقةٍ حصرية لتخبره بـ( قرفةٍ ) ما .. وأنّك تختصه بإيداع سرٍ دفينٍ لديك. تختلفان اختلاف طردي وليس عكسي. هذا ما نشأ بيني وبين ( م ) عندما تعرفتُ عليه ذات غفوةٍ مني .. شعرتُ بأننا نعرف بعضنا منذ زمنٍ بعيد، نفس الاتجاهات، نفس الميول، نفس الاهتمامات، وحتى أننا كنّا في قامةٍ واحدة. تُعجبني التعليقات التي كان يُطلقها المُقرّبون منّا عن علاقتنا وعن مدى تشابهنا في كل شيء. كنّا في ذات المدرسة وفي ذات الحي، لا نكاد نفترق حتى في ساعات النوم، فكنّا نتبادل المبيت فمرةً لدي ومرةً لديه. التقينا في نقاط تشابه كثيرة جداً وكانت اختلافاتنا محدودة من ذلك النوع الذي لا يُفسد للود قضية. ووجد كُل واحد فينا ضالته في الآخر. فأنا وجدتُ فيه الأخ الذي أفتقده، ووجد فيني كذلك أخيه الذي يتشابه معه ( كان هو وأخوه على طرفي نقيض ). حتّى أخوه كان يشعر تجاهنا بنوع من الغيرة لمدى قوة هذه العلاقة. كانت بالفعل أيام جميلة جداً تلك التي قضيناها سوياً. أيام من ( الشقاوة ) ولحظات عصيبة، ولحظات ( دبرسة )، ولحظات نجلس فيها إلى بعضينا لنتبادل الهموم. فيرمي همومه على سلة مهملاتي وأرمي في سلّة مهملاته ما أشعر فيه من البيت من مشكلات بالكاد أملك الجرأة لأتحدث فيها إلى نفسي. ومكثنا على هذه الحال سنة كاملة. أقول كاملة ( رغم أنها تبدو في عمر العلاقات الإنسانية قصيرة جداً ) ولكنها كانت بالنسبة إلينا طويلة وكافية لنوقّع ميثاقية صداقة وطيدة ضاربة في العمق، لم يتسرب إليها الشك أو الخلل ذات يوم. ولم تنمو حشائش الملل والرتابة على أطرافها. وبعد افتراقنا بعامٍ كامل. كان هو قد سافر إلى السودان قبلي والتحق بكلية الطب في مكانٍ ما خارج ولاية الخرطوم. وذهب أنا إلى السودان بعده بفترة قصيرة والتحقت بكلية الآداب جامعة الخرطوم. لم أفتأ أبحث عنه في بلدٍ بالكاد أعرف فيها كيف أرجع إلى بيتي سالماً دون أن ( أتوه ). وبعد فترة ليست بالطويلة عثرت عليه. شعرتُ في بادئ الأمر بأن هناك حاجزاً بيني وبينه. أتدرون كيف تشعر ترتبط بشخصٍ ما في مكانٍ ما.. عندها تكون هذه العلاقة قائمة ( بطريقةٍ ما ) على المكانية. واختلاف المكان يُشعرك أنك غير قادر على استعادة التوازن بسحب المكان على الشخوص. وزاد الأمر سواءً عندما اكتشفت أنه أصبحت لديه اهتماماته الخاصة ( نظراً لطبيعة دراسته ). أصبحت له صداقاته المنفصلة ذات الطابع الجديد الخاص به. دون أن أكون أنا محوراً في هذه التغيرات. ولكنني لم أكن أُحمل هذه المتغيرات على علاقتنا أكثر من أنها مرحلة و( حتعدي ) ومن ثم ترجع الأمور إلى طبيعتها. إلى أن قمت بتسجيل زيارة له في منزله الذي يبعد عن بيتي مسافة ( 4 مواصلات ). ولكم أن تتخيّلوا مدى المشقة التي قد يتكبدها شخص في الانتقال من مكان إلى مكانٍ آخر بواسطة أربع مواصلات!! كان في معيته صديقه الجديد، وزميل دراسته. جلستُ معهم .. في البدء شعرتُ بنوع من ( الرسمية ) في الاستقبال .. شخص يستقبل ضيفاً .. ثم ينشغل عنه .. كانوا يتكلمون عن أشياء وأحداث تخصهم هم فقط . اهتماماتهم واحدة .. مواقفهم مشتركة .. الأشخاص الذين يتحدثون عنهم لا أعرفهم .. وكأنهم يتفنّنون في تجاهلك وفي إشعارك بأنك غريب عن هذا الجو. استمر حديثهم وقتاً طويلاً .. كنتُ خلالها مُنشغلاً باستعادة مواقف مشتركة ومحاولة المقارنة.. أنظر إليه وأتأمل في وجهه محاولاً البحث عن ملامح تشبه ملامحه القديمة. فأجد أن الفرق كبير. أتدرون بماذا شعرت عندها؟ شعرت بأنني طفلٌ افتقد حنان والديه .. وفجأة ظهر له شخصان يدعيان أنهما والداه. تُثبت تحاليل الـDNA والعوامل الوراثية صحة النسب. ولكن العاطفة غير موجودة .. الإحساس بالانتماء مفقود تماماً. وبهدوءٍ تام.. نهضت مستأذناً بالانصراف .. ولم يكن لعدم مبالاته بذلك أثر كبير لتصعيد الحالة التي اعترتني تلك اللحظة. فقد كان الأمر عندي سيان! خرجتُ وأنا أحمل له صورة ببرواز مكسور. ولكني آثر الاحتفاظ بها في صندوق الذكريات

    (عدل بواسطة هشام آدم on 12-24-2005, 02:25 PM)

                  

12-25-2005, 11:20 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم حلو


    ( أنا والجمبري .. وجهاً لوجه )

    بشكل عام .. علاقتي بالمأكولات البحرية ليست قوية إلى ذلك الحد. . وقد بدأ هذا التوتر في العلاقة بيننا منذ أن كان عمري 11 سنة .. ولم يكن سبب هذا الخلاف التاريخي الحساسية التي يسببها أكل السمك .. ولا استحالة أكل مخلوق وهو يُحدّق لك بعينين مفتوحتين .. ولا رائحته التي تبعث ( عبر اهتزازات فوق صوتية ) نداءات لقطط الشارع والشارع المجاور .. بل إن السبب الحقيقي وراء هذا العداء الأزلي هو ( الزمن - time) ... نعم ( الزمن ) فعندما تكون جائعاً لا تملك ذلك الزمن الذي يتطلبه أكل السمك وأنت تزيل عنه الشوك .. أنا شخصياً ( ما عندي أخلاق ) لخلق موضوع أثناء الأكل ... فبدل أن تأكل وتستمتع بالأكل في فترة قياسية ( على اعتبار أن الأكل في حدّ ذاته ليس هدفاً بل هو وسيلة لحفظ النوع البشري فقط ) تجد نفسك مُنشغلاً بإزالة الشوك وإجراء عملية تشريح كاملة للسمكة وربما بعد الفحص والتدقيق والتحريات التي تُجريها عن وجود الشوك .. تكتشف شوكةً ما أخرى بعد أن ينتقل الطعام إلى فمك ( وحِلّيني بقا على ما تطلّع الشوكة ) وهناك سبب آخر يتفرع من السبب الرئيسي وهو أنني قد عانيت من اختناق بسبب شوكة من ذلك النوع الذي لا يُرى بالعين المجردة. الغريب في الأمر .. أن أهلي جميعهم يهيمون حباً بهذه الأكلة ( أكلة السمك ) وحتى هذه اللحظة فإن أمي ( جزاها الله خيراً ) تقضي جُل وقتها أثناء الغداء في تنظيف بعض قطع لحم السمكة من الشوكة . وتقديمها لي جاهزة للأكل!! وهي إذ تقوم نيابةً عني بهذه المهمة فهي تعلم ما للسمك من فوائد غذائية تُساعد على تنشيط الذاكرة!! ولكم أن تحزروا !!

    وعلى مدى سنوات طويلة كنتُ زاهداً في الحصول على متعة اكتشاف الأطعمة البحرية Sea Food الشرقية والجنوب آسيوية والأوروبية على حدٍ سواء. رغم أن شهرة بعضها بلغت الآفاق كـ( الروبيانالسلطعون –الكافيار - الاستاكوزا ) ناهيك عن أسماء السمك ( الحسنى ) العديدة والكثيرة. ولا أُخفي عليكم .. فقد تنازعني الفضول لتذوق هذه الأكلات في بعض الأحيايين .. فقط كنتُ أنتظر الوقت المناسب. ولا تسألوني عن الوقت المناسب ... فقد جاءت الفرصة المواتية على طبقٍ من ذهب .. حفل عشاء فاخر .. أنا أحد المعزمين .. ( صحيح أنني لم أكن ضيف الشرف ) ولكن هذا لا يهم .. اليوم سأكسر هذا الحاجز اللعين بيني وبين المأكولات البحرية .. أضمرتُ في سري ذلك .. ومنّيتُ نفسي بأكلة ( جمبري ) ( معلومة : منذ فترة قصيرة جداً فقط عرفت أن الجمبري هو نفسه الروبيان .. ولكن لا بأس الأُميّة البحرية Seafood Ignorance ليست معضلة كبيرة )... جلسنا على طاولة فخمة .. وبنهم المُقبل على تجربة جديدة ممتعة .. جلستُ مترقباً ( المنفستو Menu ) .. وبينما فضّل الجميع تناول مشويات مُشكّلة .. أصريتُ على طبق ( جمبري Shrimp ) .. ولا أخفيكم سراً فإن من إحدى الأهداف التي تدفعني دفعاً لخوض مثل هذه التجارب والمُجازفات .. أنني لا أريد أن أخرج من هذه الدنيا دون أن أُفوت معرفتي لأمرٍ ما ... أُريد أن أُحدّث أبنائي عن تجاربي في هذه الحياة .. فكيف لهم إذاً أن يفخروا بأبيهم الذي لم ير الجمبري في حياته ولا يعرف طعمه حتّى!! أعتقد أنّ هذا الدافع كافٍ للقبول التحدي الُمر .. وجيء بالجمبري وهو مُستلقٍ على طبقه المُفضّل ... لم أعرف في البدء أيّ جزء يجب أن يُؤكل وأيّه يجب أن يُرمى .. كان منظره مُقزّزاً .. ولكنني قلت في نفسي ( الجمبري ... أكلت الفنانة ليلى علوي المفضّلة .. أيُعقل أن تُحبَ شيئاً سيئاً؟ من غير المعقول.. إذاً غض الطرف عن الشكل والمنظر فلستَ بأفضل من ليلى علوي ) وفعلاً قررت أن أغُمض عيني وأنا آكل الجمبري المسكين !! وكان التحدي . . . ما خرجتُ به من هذه التجربة أن المشاهير قد يُخطئون أحياناً !!!!
                  

12-25-2005, 11:29 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم مُـر


    ( أرجوكم .. افقأوا عينيها )


    الذاكرة مشوبة بالأحداث طويلة الأمد .. عندما تجلس في عزفٍ منفرد .. تمُر عليك أحداث ضاربة في القِدم كتلك التي تذكرتها بالأمس فقط .. حادثة غرق صبي في البلد .. أتذكر ذلك اليوم بشكل استثنائي ورغم أن هناك بعض التفاصيل مفقودة بفعل التقادم .. إلاّ أن العناصر الأساسية للصورة ( أبيض وأسود ) ما تزال موجودة بحالة جيدة. في عام 1982م كنتُ في البلد وتحديداً في قرية ( كربين ) قريتي ... عندما وجدتُ شباب الحي يهرعون إلى ناحيةٍ ما ( على يدك اليمين أول ما تطلع من بيتنا ) ... بالتأكيد لم أعرف الاتجاهات بشكل دقيق....... كان الاتجاه يؤدي إلى قرية ( شفان ) إن لم تخني الذاكرة .. ولكن هل وقعت الحادثة في تلك القرية أم في القرية التي تليها ؟ لا أذكر تماماً ... أذكر أننا ذلك اليوم ركضنا مع الراكضين دون أن نعلم سبباً منطقياً واحداً لركضهم ( ربما كان بقية الصبية يعلمون .. ولكنني قطعاً لم أكن أعلم ) وكنّا كلما اقتربنا من القرية نسمع أصواتاً وصرخات تزداد وترتفع وتتضح .. وعندما اقتربنا من مصدر الصوت ... اكتشفتُ أنه صوت امرأة تنادي على الرجال لينقذوا ابنها .. كانت ترمي بكلمات مؤثرة جداً بالـ( رطانة ) وعينيها معلقتان في بقعةٍ ما من النهر .. التفتُ إلى ذات النقطة .. فلم أجد شيئاً .. البحر .. هادئٌ كعادته.

    صبيةٌ آخرون وقفوا على ضفة النيل يبكون .. أحدهم كان يتقدم قليلاً ثم يعود أدراجه في حركة هستيرية .. وكأنه تتنازعه الرغبة في اللحاق بصديقه .. كان يضرب الماء بيديه وهو يُردد : ( تعال يا حبيبي ) ( بالرطانة ) وبنبرات مؤثرة جداً .. المشهد الصاخب يحتوي على تفاصيل تراجيدية دقيقة .. فيما بعد اكتشفتُ أن ذلك الصبي هو أخو الغريق . انطلق الرجال والشباب نازعين ملابسهم وشقوا عباب البحر في حركة حماسية .. كان كل واحد منهم يغطس ويغيب لفترة ويعود .. استمرت عملية البحث لساعةٍ ونيف. دون جدوى. كلهم رجعوا دون جثة الطفل. وردّد الحاضرون جملة علقت في ذهني ( لقد ابتلع البحر دهب ) .. و ( دهب ) هو اسم الصبي الغريق.

    كانت فكرة اختفاء الطفل في البحر .. فكرة مخيفة وموحية بالشرود .. ومنظر الأم وهي ترفض أن تتحرك من مكانها حتى يخرج إليها ابنها من بين أمعاء البحر الهادئ .. أو يُخرج رأسه ليودعها أو تُودعه لثانيتين فقط!!! وأكتظ المكان بالنساء الباكيات وبالرجال المحوقلين والصبية المشدوهين .. عندها نظرتُ إلى البحر بازدراء شديد .. واحتقرتُ هدوئه المُصطنع .. وابتسامة أمواجه الصفراء .. وتلك النقطة من البحر التي لم تفتأ الأم الثكلى تنظر إليها ( حيث رأت ابنها يغيب فيها للمرة الأخيرة ) ما تزال هي الأخرى عالقة بجوار بعض المشاهد التي حفرت لنفسها كوّةً في جدار ذاكرتي. وعندما أوشكت الشمس على المغيب .. أحسست بأحدهم يُمسك بيدي في إعلانٍ يائس بالعودة .. ( خلاص ؟ ) هذا ما نطق به لساني .. ولكن ما لم ينطق به كان أكثر وكان أشد حيرة! ( ألن يعود؟ هل يأستم؟ وماذا ستفعل هذه الأم وابنها يسكن النيل المجاور لمنزلها مباشرةً؟ ألن تراه مرةً أخرى؟ إذاً فلتفقأوا عينها حتى لترى قاتل وليدها أمامها كل يوم .. أرجوكم افقأوا عينيها ...
                  

12-25-2005, 01:30 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم حلو

    ( على قدر لحافك مدّ رجليك)

    من إحدى الشخصيات التي لا يمكن أن أنساها، فتاة كانت تدرس معنا في الجامعة، فقط دعوني أرمز لاسمها بالحرف ( س ) . كانت ( س ) من أجمل الفتيات اللواتي رأيتهن في الجامعة، فتاة تتمتع بالرقة، والأنوثة المتناهية، والقوام الرشيق، ونظارة الوجه، وابتسامة جميلة تُجيد رسمها بين الالتفاتةِ والأخرى، لم تكن ملامحها تدل على سودانيتها، رغم أنها سودانية خالصة لوجه الله، ولكنها كانت أقرب ما تكون لعارضات الأزياء التي يسهر على مشاهدتها (عزّابة الجمعية) كل يوم. وكانت ( س ) منحدرة من أسرة برجوازية معروفة في السودان، رغم أنها قادمة جنوب المملكة العربية السعودية (أبها) ولكنّ وضع أسرتها في السودان لم يكن يقل أهميةً عنه في السعودية، كانت تعيش في قصر منيف في (العمارات)، تستحم يومياً بالماء الساخن، وشامبو (بانتين PROV ) في الوقت الذي كنّا نستحم فيه بالماء (المُكرّر) ولا أدري أيّنا كان يستحم بالآخر، نحن أم الماء، وأذكر أننا كنّا نستخدم صابون (تايد) للاستعمالات الآدمية. كانت تنام في فراش من ريش النعام، بينما كنّا ننام على أسرة حديدية مغطاةٍ بلحاف (دمورية) معبأ بالقطن رديء النتف. كل هذه الفوارق لم تقف حائلاً أمام حبٍ (لا يعرف المستحيل) رغم أنه كان المستحيل بعينه.

    كانت ( س ) لا تهتم كثيراً لهذه الفوارق التي لم أكن أستطيع أنا أن أغفلها، ولكنها كانت برقتها وتلقائيتها تزيل كل ما قد أُحس به من حرج أو خجل أحياناً كثيرة. ظلت لفترة من الفترات تتغيب عن موعد حضورها في الجامعة، وعندما تأتي، كنتُ أتظاهر بالـ(حمشنة) والعنترية، فأقف في وجهها راسماً علامات الغضب الذي يسهُل على كل سوداني أن يرسمها على وجهه، وأسألها بكل حزم: ( أين كنتٍ؟ ) وكان تُجيبني كل يوم ذات الإجابة: (كنتُ في "سعد قشرة" ) بكل صدق لم تكن لدي أدنى فكرة عن هوية هذا الـ(سعد قشرة) وكنتُ أتخيّل أنه كوافير تذهب إليه. ولكن عندما بدأت هذه الزيارات إلى (سعد قشرة) تتكرر، أصبح لزاماً عليّ (بما أني رجلٌ شرقي لا يمكن أن اسمح بمثل هذه التصرفات الغير مسؤولة) أن أضع حداً لهذه المهزلة. ولكن عندها (وعندها فقط) عرفت أن (سعد قشرة) ندي الذي توهمتُهُ ما هو إلاّ سوق مشهور في (بحري)، لا يهُم، فقد حددتُ لها موقفي على كلِ حال.

    ذات يوم أهداني أحد الأصدقاء نصيحة (لن أنساها له ما حييت). قال لي :
    * ياخي اعزمها غداء.
    - ودي يعزموها على شنو دي؟
    * يا زول إنتَ ناوي تستشيرها كمان؟ إنت بس قول ليها أنا عازمك على الغدا، وانت اللي تحدد المكان، (خليك تفتيحة)

    لا أُخفيكم سراً فقد راقتني الفكرة كثيراً. وبدأت في تنفيذها على الفور، ولكن عنتريتي الشرقية أبت دون أن أكون أهلاً لهذه التضحية التاريخية، فأجلت موعد تنفيذ الخطة حتى يوم استلام (المصروف الشهري) الذي كان والدي يرسله لي. وعندها سوف استطيع بملء الفم أن أدعوها إلى المكان الذي أريده. وبالفعل صرفت كامل المصروف الشهري #50.000 ج.س# وأول ما فعلتُه كان أن انطلقت إليها، وبعد (السلام عليكم) طرحتً عليها الفكرة مباشرةً. كانت علامات الاستغراب ترتسم على مُحيّاها على غير العادة، ولكنها تداركت الموقف بسرعة وابتسمت قائلةً (أوكي. مافي مشكلة. عازمني وين؟) تذكرت عندها نصيحة صديقي (خليك إنت المُبادر دائماً). فقلت لها دون تردد (عازمِك في مطعم سلوى) وللذين لا يعرفون مطعم سلوى، فهو مطعم شعبي عريق في السوق العربي يشتهر بالـ(قراريص) والأكلات الشعبية. وما أن أخبرتها بهذا الاسم، حتى رأيتها تعتصر ذهنا محاولةً التذكّر .. ( سلوى .. سلوى!! وين سلوى ده؟) فقلت لها بكل بجاحة (في السوق العربي). فابتسمت في رفض، وهي تقول، (هشومتي رأيك شنو لو مشينا (Ice Disney )؟ لم أكن قبلها سمعتُ بهذا الاسم، ولكنني رفضتُ وبشدة، إنها مسألة مبدأ، مثل هذه الأسماء تعني هلاكي دون شك، ولكنني لم أكن أملك سبباً آخر وجيهاً لتبرير رفضي حيث أنني لم أكن أعرف هذا المكان مُسبقاً. وعندما سألتني عن سبب الرفض قلتُ لها: ( يا زولة أنا بقول ليكِ أنا عازمك غدا تقولي لي آيس ديزني؟ شُفّع أنحنا؟ شُفّع) عندها بدأت ( س ) بالضحك، بل بالقهقهة. الأمر الذي جعلني أشعر أنني لا شيء. وعرفتُ حين إذٍ أن المدعو آيس ديزني ما هو إلاّ كافتيريا، ولكنّها كافتيريا راقية.

    ورغم ذلك فإنني تمسكتُ بموقفي (لا للآيس ديزني، لا للآيس ديزني) إنه شعار يجب أن يتبناه جميع الرجال، إيّاكم وأن تتركوا المرأة هي التي تحدد لكم خياراتكم ووجهتكم (خليك إنت المُبادر دائماً) ولكن (بفهم). المهم جلسنا قُرابة الساعة ونصف الساعة نتحاور أين سنذهب، وفجأة سألتني سؤالاً ارتعدت منه فرائصي (لا تسألوني ما هي الفرائص) عندما قالت لي: (حسي خليك من كده، في عربية ولا ماشين بي شنو أنحنا؟) لم أكن قد هيأت نفسي لمثل هذا السؤال من قبل، فهي تعلم أنني لا أملك (عربية).

    عندها قالت لي في حزم لم استطع مقاومته: (خلاص معناتو نشوف لينا مطعم قريب من الجامعة لأنو ما عندي استعداد أمشي بالمواصلات). كان الكلام مُحرجاً ومقنعاً في ذات الوقت، لم أملك عندها إلاّ أن (ارضخ) للأمر الواقع، ولكن ليست هنا المشكلة، المشكلة أنني لم أكن أعلم أين يقع أقرب مطعم من الجامعة، ولكنني عرفت فيما بعد عندما توجهت لي ( س ) بالقول لنذهب إلى ( international ) عندها فقط عرفتُ لماذا كنتُ أكره اللغة الانجليزية، لماذا دائماً تُطاردني هذه اللغة اللعينة كالكابوس؟ لماذا تُصر على الالتصاق بي؟ أنا لا أعرف هذا المطعم، ولا أعرف حتى اسمه بالكامل غير أني أتذكر هذه الكلمة. وطالما أنه international فإن اسعاره بلا شك international أيضاً، لا أخفيكم سراً خفت أن أرفض فينكشف أمري، ثم لماذا أرفض ومعي في جيبي 50.000 جنيه؟ إنها ثروة، ولكنها كل ما أملك لهذا الشهر، ولكنها فرصة لا تعوض، الغدا مع الحبيبة وجلسة رومانسية، وإيثار وهاشمية قد تجعلك في المقدمة لديها. كل هذه الأسباب تجعلني أقبل المغامرة ومن ثم الموافقة.

    ذهبنا أنا و ( س ) إلى حيث الـinternational ولم أكن أعلم ماذا يخبأ لي القدر. وهنا أنصح بَنِي جنسي من الرجال (لا تذهبوا إلى أي مكان لا تعرفونه، قبل أن تقوموا بجولة استطلاعية) ويُستحسن ألا تذهبوا أصلاً. على العموم ذهبتُ أنا و( س ) إلى حيث الـinternational فقد كان مطعماً فخماً قريب من دار الاتحاد. مطعم يُطل على النيل، به ردهة واسعة ذو رخام لامع يُمكن أن ترى فيه وجهك وحتى ماركة حذاءك. المقاعد حمراء والكراسي حمراء والطاولة مغطاة بفرش أبيض أنيق، وفي المنتصف تماماً مزهرية فخمة بها بعض الزهور (الطبيعية). كان المطعم خاوياً تماماً من الزبائن، كنّا نحن الوحيدين آنذاك. كان ذلك أروع ما في الموضوع كله. جلسنا على طاولة اخترتها بعناية فائقة بعد تفحّص جيد جداً للمكان. وبعد قليل تقدمت إلينا آنسة جميلة (ظننتُ للوهلة الأولى أنها ستشاركنا الغداء) ولكن اتضح لي فيما بعد أنها النادلة. تقدمت بكل رقة وهي تمسك بالمنفستو (menu) بلغة الحناكيش، تركته على الطاولة وانصرفت بكل خفّة. وبما أنني الرجل الشرقي أخذت المنفستو وبدأت أقرأ، وكأنني أتعلم القراءة للمرة الأولى. أسماء ما أنزل الله بها من سلطان. لم أفهم منها شيئاً على الإطلاق. ولكنني ما إن وقعت عيني على كلمة (لحمة) حتى أشرت لها بأنني أريد هذا الشيء. وقدّمت لها المنفستو لتختار فاخترت الـ(اسكلوبانيه) ما زلت أذكر اسمه إلى الآن (رغم أنني لم أسمع به بعدها أبداً) أكثر ما أراحني أن الأسعار كان مدونة على نفس القائمة ما جعلني أحسب الحِسبة بسرعة (رغم أني بليد في الرياضيات) فكانت التكلفة معقولة جداً.. شعرتُ عندها براحة رجولية مفعمة. وشعورٌ بالإنجاز طاغٍ على كل تحركاتي. ما دفعني لأن أتجاسر أكثر وأطلب بعض العصيرات فوق الطلب الرئيسي. وعندما جاءت النادلة وهي تحمل الطلبات، كانت الصاعقة، إذ كان ما طلبته عبارة عن قطعة لحمة (أشك أنها لحمة أساساً) أشبه باللفلّين، تحتل ربع مساحة الطبق، وأعتقد أنهم جعلوا تلك القطعة صغيرة حتى يتسنى لنا رؤية الرسومات الموجودة على الطبق، وما زاد من دهشتي أن النادلة لم تُحضر الخبز!! وهذه كانت التجربة الأكثر مرارة في الموضوع، حيث كان يتوجب عليّ أن آكل هذا الشيء بالشوكة والسكينة.

    قلت لنفسي (هذا يومك يا هشام آدم، إنه يوم تاريخي فاصل، إنها بلا شك أهم منعطف في حياتي.. أين أنتِ يا أُمي لتري ابنك يأكل بالشوكة والسكين!) طبعاً لم تكن لدي أدنى فكرة عن كيفية الإمساك بالشوكة والسكين في آنٍ معاً، ناهيك أن آكل بهما، ورغم أنني كنتُ أتضوّر جوعاً إلاّ أنني تظاهرتُ بأنني لا أهتم بموضوع الأكل، إنها استراتيجية تكتيكية لأراها وهي تمسك بالشوكة والسكين ومن ثم أبدأ بالتطبيق. وقتٌ طويل مرّ حتى استطعت أن أمسك بهما جيداً وما أن أحسستُ أنني قد أتقنتها حتى فوجئت بأن قطعة اللحمة قد انتهت!. ناديتُ على النادلة وطلبتُ منها إحضار العصيرات، فكانت الصدمة الثانية. كان العصير في كأس أشبه بالـ(دِرِبْ) أو المغذي الطبي، كأس طويلة كالحقنة الشرجية ومحتوى الكأس لم يكن ليعبأ فنجان قهوة. عرفت عندها أنني مبذر كبير. المهم أضمرت في سري أنني سوف أعود إلى الداخلية وأعيد الغداء مرةً أخرى.

    كانت كُلفة هذه الوجبة الهزيلة #37.500 ج.س# حسب التسعيرة الواردة في المنفستو. وبخصم هذه التكلفة عن مصروفي الشهري فإنه سيتبقى معي مبلغ []red#12.500ج.س# فقط. عرفتُ أنني سوف أواجه مصاعب جمّة ذلك الشهر. ذهبتُ إلى الكاشير بكل ثقة وتقدمت ( س ) إلى بوابة المطعم (كيف لها ومع "رجل" سوف يدفع المبلغ) وعندي سؤالي عن المبلغ تفاجأت بأنها تقول لي : ( 63.000 ) أعلم أنني بليد في الرياضيات ولكن ليس إلى هذا الحد، كيف انقلبت الأمور لتصل إلى هذا الحد؟ ثم انقلب ذلك الوجه المبتسم إلى وجه مقفهر. ثم أخبروني أنّ هناك 25% إضافية هي قيمة رسوم الخدمات. وكانت هذه القيمة الإضافية مكتوبة بخط صغير على المنفستو اللعين. ولكن مهلاً! ماهي تلك الخدمات؟ أنا لم أشبع حتّى!؟! فعرفت أن الخدمات هي خدمات إحضار الطلبات وخدمات الإضاءة وخدمات التكييف وخدمات الإطلالة النيلية الساحرة. ومن قال لهم أنني كنتُ سأُمانع إذا وضعوا إطلالة المطعم على (خور أبو عنجة)؟ ثم كان باستطاعتي أن أتكفّل بإحضار الطعام بنفسي إذا كان الأمر يتطلّب رسوماً إضافية. ثم أنني لا أحب الموسيقى الكلاسيكية! .. استمر الجدال طويلاً حتّى شعرت أنني وضعتُ في موقف لا أُحسد عليه. وأنا هنا أسألكم بالله ماذا لو كنتم في مكاني؟! أي تصرف تجدونه مناسباً؟

    أيّاً كان ردّكم فأنا لم يكن لي خيار آخر، فقد خرجت وطلبتُ من ( س ) دفع باقي القيمة ( ولا حياء في الدين ) ... ونصيحتي للرجال (إياكم والعزائم المودية إلى التهلكة) ما يُثير غضبي حتّى الساعة أنني لم أشبع أصلاً. منها لله ( س )
                  

12-26-2005, 07:34 AM

يوسف السماني يوسف
<aيوسف السماني يوسف
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 3838

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    الاخ /هشام ادم
    تحياتي
    الحزن كائن يتواري خلف المشاعر الانسانية النبيلة .
    الصدق هو تجليات الذات في لحظة التوهج العقلي حتي لو وداك في 60 داهية .

    ولك الشكر علي الابداع .
    يوسف السماني
                  

12-26-2005, 10:59 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: يوسف السماني يوسف)

    الاخ يوسف السماني

    أشكرك كتير على المرور

    تحياتي
                  

12-26-2005, 11:03 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم مُر

    ( مُستعد للخسارة ! )

    في هذه الحياة يسعى كُلٌ منّا إلى تحقيق القدر المُناسب من الرضا النفسي وتحقيق الذات، ولأن الإنسان كائن مدني بطبعة فهو يبحث عن هذه الأشياء من خلال علاقاته مع الآخرين، فيختلط معهم ويكره هذا ويُحب هذا، ويبدأ ما يُسمى بالتصنيف وترتيب الأشياء على سلّم الأولويات: فهذا الشخص لا أطيقه بتاتاً فلا أُلقي له بالاً البتة، وهذا لا أطيقه ولكن لا ضير من محادثته، وهذا أتكلم معه ولكن في حدود، وهذا أتكلم إليه وأنا مبتسم ابتسامة المجاملة، وهذا لا أستطيع أن أراه ولا أُسلّم عليه، والآخر لا بُدّ أن اتكلم معه كلّما رأيته، وهذا أسعى كي أتكلم معه، والآخر أرتاح وأنا أتكلم معه، وهذا أحكي له أسراري فارتاح إليه وأفضي إليه بما لدي، وهذا أُحس معه أنني أتكلم مع نفسي فلا أخجل ولا أخاف ولا أشعر بدون نفس وأنا أتحدث إليه . .. وهكذا .. يتفاوت الناس لدينا ونحن أيضاً متفاوتون لديهم.

    وعندما يجد المرء نفسه أمام إنسان يختاره بطواعية لأن رأى فيه كل الأشياء التي يحبها فإنه يُصبح من الصعب علينا أن نتخلى عن هؤلاء لأنهم أصبحوا بطريقةٍ أو بأخرى جزءاً منّا ومن حياتنا. وبقدر هذا الحب فإننا نفترض أن نلقى المُقابل المعنوي الذي يوفر جواً مُعافى تنمو فيه هذه العلاقة وتزدهر دون أن نفترض أن هذه العلاقات قد تنمو في ظل عطاء من طرفٍ واحد. أو حتى إذا كان عطاء أحد الطرفين أكثر من الآخر. وهكذا ( الصداقة ) علاقة متفردة، خصوصيتها في أنها تجمع بين اثنين قد يختلفان في كل شيء ولكنها تلتقي في نقطة مهمة جداً ألا وهي ( قبول الطرف الآخر ) وهذا القبول ليس قبول تصريح بقدر ما هو قبول سلوكيات وأفعال وتصرفات ظاهرة وباطنة، تحتاج في بعض الأحيان لسنوات حتى تنضج وتظهر بشكلها النهائي الجميل، وقد تأتي هكذا صدفة بدون مقدمات. ولكنها عندما تُوجد فإنه توفر الكثير من السعادة والكثير من الشعور بالأمان والرضا الذاتي لكلا الطرفين. ومن الطبيعي أن يكون الاحترام أحد أهم دعائم هذه العلاقة الإنسانية.

    كانت هذه مقدمة حتى يتسنى لكم معرفة الشعور الذي أرغب في التحدث عنه في هذا الموضوع ( يوم مر ) فقد تعرّفت على (صديق) اجتمعت فيه جميع الخصال التي أبحث عنها في ( الصديق ) ورغم أن الكثيرين قابلوا معرفتي به بنوع من السخرية وفي كثيرٍ من الأحيان بالهجوم لأنهم يرون فيه شخصاً متعجرفاً خارجاً عن نطاق المعروف والمألوف لدا الناس إلاّ أنني ضرب بكلامهم عرض الحائط ( وتحديتُ ) وراهنتُ عليه كثيراً لأنني رأيت في عيني هذا الرجل شيئاً ربما لم يره الآخرون. فلم اتوجست خيفة، بل شعرتُ أنني يجب أن أصادقه وأن أتعرف عليه أكثر فأكثر ولا أحسبني أحمل ذلك كنوع من التضحية، ولكنها كانت حوجة مُلحة ( فقلّة هم الأصدقاء الحقيقيون في هذا الزمن ) ولذا فأنا أؤمن أن الإنسان يجب عليه أن يتشبث بأمثال هؤلاء متى ما ثبت له أنهم يستحقون، وكان هذا يستحق!

    في البدء كانت علاقتنا مبنيةً على المحادثات الهاتفية الطويلة، حيث لم يكن بالمستطاع أن نتقابل يومياً إذ يسكن في مكان بعيد، ومن خلال هذه المحادثات الهاتفية أحسستُ أنه يخصني! أقصد أنه يعرف عني الكثير حتى دون أن أبوح له بشيء، وأنني أعرف عنه أكثر ما يعرفه عن نفسه. تعجّبتُ وأنا الشخص الملول أنني لا أمل من الحديث معه لساعات طويلة، نتحدث في كل شيء ونجد أن موضوعاتنا تتشعب وتتشعب بطريقةٍ جميلة وشيّقة، فهو شخص لبقٌ في كلامه عذبٌ في حديثه. أحسستُ به رجلاً وقوراً يجمع بين وقار الرجال وبين انطلاقة الشباب الرعناء! هل يُمكنني أن أقول ( أنني أحببتُه؟ ) نعم فقد أحببتُ فيه شخصيته القوية ووقاره الرزين، وطموحه المشروع. عرفتُ لماذا لم يتقبله الآخرون ولكنني فرحتُ لأنني أكتشفته.

    استمرت علاقتنا ( سنوات طويلة ) زادت فيها أواصر الصداقة وعُرى المودة بيننا حتى أحسستُ أنه يفهمني وأفهمه من النظرة الأولى. في غضون ذلك. بدأت أشعر معه مؤخراً بنوع من الـ( أنا ) التي بدأت تطغى عليه، بدأ يُشعرني بما يفعله من أجلي. . جميلٌ أن يكون هناك شخصٌ يفعل من أجلك الكثير والكثير، ولكن متعة ما يفعله في أن أكتشفه لوحدي دون أن يُذكرني به، لأنها عندما تأتي منه فإنها تُصبح نوعاً من الـ( منّة ) وكأنه يمُنّ علي بما فعله من أجلي فيصبح كل جميل يفعله قبيحاً بتصرفه هذا! . . كنتُ أشعر أنني صاحب الأولوية لديه لأننا صديقان حميمان، وأنه قد يؤثرني على الذين يعرفهم ( حتى أولئك الذين عرفهم قبلي ) ولكنني كنتُ مخطئاً فقد اكتشفتُ أنني آتي في آخر اهتماماته ( ربما أكون مخطئاً في شعوري هذا ) ولكن ألم يكن لزاماً عليه أن يُصحح لي هذا الشعور بما ينفيه؟ أم يكتفي بمهاجمتي؟ بدأت مساحة الثقة بيننا تقلّ أكثر فأكثر، بدأت أشيائي الجميلة التي أحبني وصادقني من اجلها تبدو قبيحة ورتيبة لديه. بدأ حديثنا يتحوّل إلى نقاشات تنتهي بشجار يبتدي ولا ينتهي. يتمسكُ كُلٌ منّا برأيه دون أن يُعطي للطرف الآخر حق أن يختلف معه. نغضب نثور نتخاصم. بينما أشعر به مع الآخرين أكثر وُداّ وأكثر حميمية، يختلف معهم دون أن يُبدي غضباً! أصبحتُ أشعر به يأخذ جانب الآخرين ( أيّاً كانوا ) فهو يتفق معهم جميعاً ويختلف معي ( على طول الخط ) أسأله فيرد عليّ ( تدق الباب تسمع الجواب ) لم أعهد الأصدقاء يختلفون أو يتناصحون بهذه الطريقة! أسأله مرةً أخرى فيقول ( هذا رأي الناس .. من حقهم أن يُعبّروا عنه ) ويتناسى أن لي مثل هذا الحق تماماً!

    مؤخراً بدأ صديقي في إظهار جانبٍ آخر لم أكن أتوقعه منه ( رغم أنها كانت بادية منذ البداية ) ولكنها وصلت ذروتها مؤخراً ألا أنه أصبح يُقدّم علاقاته مع بقية أصدقائه عليّ، حتى وإن عرف أن هذا قد يُفضي إلى أن يخسرني فهو لا يعبأ بذلك. أحسست بأنه يريد أن يقول لي ( أن هؤلاء أهم عندي منك وأن عليك أن تتقبل ذلك ) يُمعن في جرحي في أشياء شديدة الخصوصية بينما لا يقبل أن أُوجه إليه أقل انتقاد، قد يغضب مني لمجرد كلمة أقولها ولو بدعابة، بينما يُمعن في جرحي بـ( سلوكيات ) لا يختلف اثنان على معانيها السالبة. عندما أُخطأ في حقه يتوجب عليّ أن أُراعي له جرح مشاعره فأنتظر يوماً أو اثنين حتى يرضى. ولكنه عندما يجرحني فتكفي كلمة واحدة ( أنا آسف ) لتمحي ما قاله وما فعله. بل ويغضب عندما أواجهه بأن كلمة ( آسف ) هذه غير مجدية ( ياخي الواحد لمن يغلط بيعمل شنو غير إنو يقول آسف؟ في شنو تاني؟ ) هكذا هو اعتذاره. تنتابني الرغبة في معرفة كيف يعتذر لأصدقائه القًدامى!! ولكني أكيدُ أنه لا ينتهج معهم هذا النهج. نحن الآن على مفترق طرق. وصعوبة الأمر أنه لا يشعر حتى اللحظة أنه مخطأ في حقي. عندما صارحته برغبتي في إنهاء صداقتنا أحسست أنه لم يتردد في قبول ذلك على الإطلاق بل حتّى أنه رحّب بالفكرة ( لم يتساءل عن السبب؟ ) لا ( لم يُحاول منعك من ذلك ؟ ) لا ( لم يُحاول أن يُشعرك بعدم رغبته في انهاء هذه الصداقة؟ ) لا . . . كان جارحاً بقبوله. شعرتُ عندها أن لا جدوى من أي كلام سيُقال.

    وبدأت أُجهّز مشاعري لخسارة صديقٍ آخر!!!!

    (عدل بواسطة هشام آدم on 12-26-2005, 11:05 AM)

                  

12-26-2005, 01:04 PM

نهال كرار

تاريخ التسجيل: 01-16-2005
مجموع المشاركات: 3337

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    أستاذ هشام آدم
    تحياتي


    أيام حلوة ومرة

    وسرد جميل وممتع


    استمر


    لك التحية والإحترام
                  

12-31-2005, 09:17 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: نهال كرار)

    الأخت نهال كرار

    آسف جداً على تأخري في الرد فلم أكن أدخل المنبر الأيام الماضية. لكي كل الود على القراءة وعلى التعليق. وأتمنى المشاركة بما يجود به صندوق ذكرياتك من مواقف وأيام حلوة أو مرة كما أن الدعوة مفتوحة للجميع وأجدد شكري للأخص والصديق يوسف السماني.

                  

01-01-2006, 09:56 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم حلو

    ( هلال أبو رجيلة )


    في ذات شمسٍ يومي .. أقصد في ذات يومٍ مُشمس .. كُنّا جميعنا في انتظار الفرج الذي يأتي على أربع عجلات.. المكان ( اللفّة ) .. الزمان ( الساعة 7:10ص ) كُلنا بعيون معلّقة على المدى البعيد .. كأننا نبحث عن السراب .. ذكرتني تلك الـ( لمّة ) بلمّة رؤية هلال العيد، الفائز من تقع عينه على الهلال أولاً ... ووقعت عيني على هلال ( أبو رجيلة ) قادماً كعروسٍ في ليلة زفافها .. بماذا يُفيد هذا السبق البصري إذا كان الباص نفسه يمشي الهوينة.. وكأنه ينتظر بأن يراه حتى أكثرنا ضُعفاً في بصره!!! .. إذ ذاك عرفتُ أن هناك علاقة طردية حركية بين العين والأرجل .. فكُل من يرى .. يركض .. وكأن المكان خالٍ تماماً من الناس .. ولذا يقع البعض!! فهو ( أقول هو ولكن الصحيح "نحن" ) لا يرى غير ( هلال أبو رجيلة ) وتلك هي اللحظة التي آمنتُ فيها بأن ( فرويد ) لم يكن مُحقاً عندما قال ( تختفي الفوارق الجسدية بين الرجل والمرأة لحظة الممارسة الجنسية ويختفي الـ( ليبيدو ) .... ) لأن غريزة الإشباع ( الرُكّابية ) أعظم وأقوى من غريزة الإشباع الجنسية .. وفي تلك اللحظات فقط تختفي الفوارق الفردية بين الناس وتختفي الفوارق الجسدية.. وأنا رأيت بعيني فتاة كانت تقف بجواري .. نحيلة القامة هزيلة العود .. ناعسة العينين .. يكاد جبينها يسقط على وجهها من شدّة ( المسكنة ) .. وإذا بها ... تسبقني ... تسبقني وأنا من أنا !!!! بل وتدفع بكلتا يديها الرقيقتين ( افتراضياً ) وكأنهما مجداف قارب عتيق المصنوع من خشب البلّوط! وبدأت الجموع تنفر نفرة رجلٍ واحد... الشيوخ والفتيات والصغار والعُتاة .. كلهم بنَفّسٍ واحد .. لا فرق بين هذا وذلك... لا فرق يُذكر ... حتى قِصار القامة كان لهم شأن ذلك اليوم!! ربما أُبالغ في ذلك .. ولكني لا أُبالغ عندما أقول أنني وكثرون أوشكنا على البكاء حسرةً عندما اكتشفنا أن ( هلال أبو رجيلة ) القادم .. كان ممتلئاً أصلاً !!! .. أحسستُ عندها أن سائق ذلك الباص كان سادياً من الدرجة الأولى، إذ لا معنى لتوقفه طالما أن باصهُ ممتلئ من الزجاج إلى الزجاج .. ومن الرتاج إلى الرتاج!!! ومع هذا حاولت - كغيري - تقمّص شخصية القِطط .. واستعارة خاصيتها الانسيابية .. والخاصية الاسموزية ولكن كان مما لا شكّ فيه أن نظرية الإزاحة كانت أقوى من تلك الطرق التحايلية.

    وفجأة! .. ولأنني ( فقط بمحض الصُدفة وليس لجدارةٍ مني ) كنتُ أقف على بُعد شبرين من ذلك الشبر المُتاح في باب الباص .. وجدتُ نفسي ( لا إرادياً ) تقودني غريزة المُجازفة .. فرفعتُ قدمي لأضعه على ذلك الشبر الألمنيومي على باب الباص. ولا أدري كيف لم أُفكر أنني قد أسقط في أية لحظة .. لمجرد أن تخار قواي .. علماً بأنني كنتُ أُمسك معصم الباب بيدٍ واحدة ... وأقف على قدمٍ واحدة! عرفت كيف يشعرون!! أولئك الذين فقدوا إحدى أرجلهم في حقول الألغام في ( كاراباخ ) .. وأولئك الذين فقدوا إحدى أيديهم في ( فيتنام )! إنه النضال الشعبي السوداني اليومي! وكنتُ أفرح - كفرحتِ أبي حين بُشّر بي - كلّما توقف هلال أبورجيلة في محطةٍ ما .. لأستجمع قواي الخائرة أصلاً من طول الانتظار .. لا أعرف أحداً ( يتعلّق ) بحبيبةٍ لا تحترم ( مواعيده ) معه مثلي! لا بُدّ أنه الحب من طرفٍ واحد! ...

    انطلق هلال أبورجيلة من اللفّة وظلّ مُتمسكاً بقواعد المرور والسلامة من حيث تحديد السرعة حتّى وصلنا ( الشجرة )! وهناك فوجئتُ بجرأة ( الكُمساري ) وصُعقتُ لوقاحته عندما ( طقطق ) لي طالباً ( حقّه ) !!!!!! أيّ حق يا ابن العم؟ يا زول سريع عليك الله مشّينا .... فين شنو يا زول داير شنو؟ أدينا قروشنا؟ قروشك؟ هل قروشك هذه معي أنا؟ ففوجئتُ به يُشير لجيبي وهو ( يُطقطق ) بأصابعه .. القروش الفي جيبي دي قروشي .. مش قروشك! قول ( جيب قروشك مش قروشي ) ... يا زول عليك الله ما دايرين فلسفة كتيرة! أخلص أدينا حقنا. ويبدو أنه كان على حق .. فهلال أبو رجيلة لا ينتظر أحداً ( حتى الكمساري!) فصعدنا سوياً وواصلنا النقاش ..... حسي يا ابني انت داير شنو؟ أنا داير حقي يا مان! حق التزكرة.... خلاص أديني تزكرة! يا زول إنتا داير تركب ملح وله شنو؟ الموضوع رجالة وله كيف يعني؟ .... ( على هامش القصة : عرفتُ مؤخراً أن (الرُجال) في السودان معدومون، فكل شخص هناك يسأل: الموضوع يعني رجالة وله شنو؟ يجد أن الآخر يُجيبه: يا زول ما رجالة .. بس ............... إلخ )

    يا ابني قروش بتاعت شنو اللي أنا مفروض أديها ليك؟ .... قروش ركوبك الباص ده! ... ركوبي الباص؟ ليه ؟؟ هوّا أنا راكب أساساً .. أنا مُتشعبط ... ( أزمة مصطلحات ) .. يا زول راكب ولا متشعبط ... المهم أدينا قروش .. في هذه الحالة هُم أهل البلد وهُم أدرى بقيمة الراكب والمُتشعبط ... ولكنني لم أكن أعلم .. ولأنني كُنت نصف مُتشعبط .. ونصف ( راجل على قدمي ) .. ولأنني كنتُ أقف على قدمٍ واحدة .. وأُمسك بيدٍ واحدة .. فقد دفعتُ له نصف القيمة!!!!
                  

01-01-2006, 10:04 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم مر


    ( حزن بطعم الـsun top )


    كثيراً أظن أنني لستُ أملك تلك الخاصية الإنسانية التي أستحق أن يُطلق عليّ بناءً على أساسها وصف ( إنسان ) لأنني أفتقد خاصية انسيابية البكاء ... ولقد مررتُ بتجارب فقد كثيرة جداً تبدأ من فقدي لجدي من أمي المرحوم / عيد أحمد حافظ. وكان رجلاً من أولئك الذين أحبهم كثيراً .. بعرجته الأنيقة .. وجيوبه التي لا تخلو من مفاجآت سارة ... صوته المُحشرج بمذاق اللكنة المصرية .. السجائر التي لا تكاد تفارق فمه .. لا زلتُ أذكر ذلك اليوم عندما كنتُ في المرحلة الابتدائية، كنتُ في رحلة مدرسية إلى مدينة الخرج لزيارة مزرعةٍ لإنتاج الألبان ومشتاقاتها عندما اتصل أحدهم بأمي في المنزل وأخبرها أن باص المدرسة ( الذي كنتُ فيه ) قد انقلب في الطريق ... أذكر أنني عندما عدتُ إلى المنزل ( غير مدركٍ لما حدث في غيابي ) وجدت جدي ( السيّد قطار - كما يحلو للجميع مناداته ) واقفاً أعلى السلم .. ولن أنسى نظراته تلك .. عينيه العجوزتين كيف أنهما كانتا تغرقان في بحر من الدموع الساخنة .. وكيف أن صوته المُحشرج بكاد أستطيع سماعه .. وهو يسألني بلهفةٍ تجمع ما بين أبوة أبي وأمومة أمي ( يا ابني إنتا كويس؟! ) وكيف أن خطواته الركيكة وقدميه الثقيلتين بفعل الروماتيزم لم تحملاه كي يدنو مني ... أحسستُ أنه سيقع فأسرعتُ إليه ... لأمسك به فإذا به يلتقفني ويضمني إلى صدره لأضيع في غمرة بكائيته ... كنتُ لا أفهم سراً لهذه التراجيديا .. ظننتُ للوهلة الأولى أن أحد أبوي حصل له مكروه .. ولكنني لم أستطع أن أسأله عن سر هذا ( النحيب ) ... لاسيما أنني انتبهتُ إلى المشهد الخلفي ... جموعٌ غفيرة من الناس يقفون على باب المنزل وهم ينظرون إليّ وإلى جدي ( رحمه الله ) ... تلقفني الجميع بوجوههم وليس بصدورهم وبكوا ... فبكيت لبكائهم .. وبعد بُرهة علمتُ أن أمي وأبي ذهبا للبحث في طريق ( الرياض - الخرج ) عن باص مقلوب .. يبحثون في المستشفيات عن قطعة لحمٍ تخصهم ربما كانت بين الموتى أو بين المُمددين على الأسرة البيضاء. ... لن أُكمل حتى أصف كيف كان لقائي بهما ( هذين الغاليين ) ولكنني أردتُ أن أقول أنني لم أبكِ عندما توفي السيد قطار!!! نعم .. لم أبكِ .. ولكنني بلا شك أفتقد رائحة ثوبه التي تحمل من قصر الملك خالد الكثير والكثير. رائحة ثوبه التي تُذكرني بعصير الـsun top والـ( فش فاش) .... أتمنى فقط أن أعرف ماذا حلّ به الآن!!!!
                  

01-01-2006, 01:51 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم حلو

    ( المثل الأعلى )

    من الشخصيات الظريفة التي مرت في حياتي ليس مرور الكرام ككثير من الناس .. شخصية ( زِنْقِلّة ) وفي رواية أخرى ( عاطف خديجة ) ابن عمتي.. أكثر ما يُميّز هذه الشخصية عفويتها اللامحدودة والتي تُضفي عليه طابعاً خاصاً يُعتبر خليطاً من البراءة والسذاجة والطيبة واللامبالة والظرافة. وهذا الزِنْقِلّة .. لديه ( قفشات ) تاريخية لا يُمكن أن تُنسى .. من تلك القفشات:

    جلسنا ذات يوم في منزله والذي هو منزل عمتي ( على هامش القفشة: أُحب هذا البيت كثيراً وأجد راحتي فيه ولا أدري لماذا .. ولكن لدي إحساس أن أفراد هذا المنزل من فصيلة واحدة هي فصيلة الظرفاء ذوات الدم الخفيف ) كنتُ متمدداً على سرير خشبي متهالك في الجانب القصي من الغرفة .. بينما ذهب هو ليفتح الباب للزائر القادم .. كان ( حافظ حنقور ) هو ذلك الضيف .. معرفتي بهذا الشخص سطحية .. ولكنه صديق شخصي لعاطف .. جلس الجميع وكنتُ ما أزال متمدداً على ذات السرير ( المركب ) وفي منتصف ( الونسة ) أخرج عاطف كيس أكسير الحياة بالنسبة إليه ( الساعوط ) وبدأ ( يُدردم ) السفة بحرفيته المُعتادة .. كان هذا المنظر بالنسبة إليّ .. ولكن يبدو أنها لم تكن كذلك بالنسبة لحنقور.. فرأيته يرشق عاطف بنظرات استنكارية واستهجانية غريبة.. وفجأة خرق الصمت بصوته المُتسائل ( عاطف إنت بتسف؟ ) فنظر إليه عاطف بالبرود الذي يتميز به .. وهو يقول ( آآآآي ليه ؟ ) ياخي الساعوط ده قرف .. الساعوط ده ما سياحي .. الساعوط ده كعب ... ما تقول لي كعب ومقرف .. دي ما وجهة نظرك إنت .. لا لا بس الساعوط ده من شدّة ما كعب .. الجدادة ما بتاكلوا كان لقتو واقع في الارض .... وبطريقة ميكانيكية بطيئة ومتروية .. التفت عاطف إلى حنقور وأطلق عليه رصاصة التفحيم الغير معهودة .. ( يعني حسي إنت الجدادة دي مثلك الأعلى؟ ). لم أشعر بنفسي إلاّ وأنا أتقلب مثل ( الصرصور ) من الضحك .. والغريب أن حنقور لم ينبس ببنت شفة قط. وكأنه اقتنع بكلام عاطف .... ( نصيحة: لا تحاول أن تُجادل أمثال عاطف .. فقفشاتهم كفيلة بإخراسك إلى الأبد وجعلك تشك في مقدراتك العقلية ) ولذا فإن أحدهم قرّر أن عاطف عبقري .. ولذا فإننا لا نرى سر عبقريته الآن .. بل ونعتقد أنه شخص ساذج .. ولكن الأجيال القادمة .. سوف ينصبون له تمثالاً في ميدان الحرية بالخرطوم .. وسيكتب الناس عنّا ..أننا كنّا مغفلين عندما لم نكتشف عبقرية هذا ( الفلّتة ) وسنسكن مزبلة التاريخ ... بينما سيُسطّر التاريخ عبقرية زِنْقِلّة بحروف من نور... فوا خجلتا .... !!!

    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-01-2006, 01:54 PM)

                  

01-01-2006, 02:06 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم مُر


    ( المقعد الشاغر )


    كل ما يتعلّق بالطفولة فهو جميل .. ويُحفر في الذاكرة كتذكارٍ قيّم. نفتح صندوق الذكريات بين الفينةِ والأخرى ونجلس القرفصاء ونُخرج محتويات الصندوق .. صور .. هدايا .. رسائل .. كروت .. قصاصات ورق .. وربما ألعاب. ولكلٍ نكهته الخاص .. وعبقه المُميّز .. مُجرّد اللمس يُعيّدك بطريقة تخاطرية إلى المكان نفسه فترى الوجوه والأمكنة وتكاد تجزم بأنّك تشتم ذات الرائحة غير الآسنة! تسمع ضحكات الأطفال وأصوات الكبار .. أبواق السيارات .. حفيف الأشجار .. دحرجة الحجارة .. سقوط الأشياء من الأعلى .. صرير الريح .. كُلّها تكون مُحنّطة في صندوق الذاكرة كما هي لحين استعادتها.

    عندما كنتُ في المرحلة الابتدائي وبالتحديد في السنة الثانية، أتذكر شكل المدرسة الخارجي .. وأروقتها الداخلية ورائحة الفصول وألوان الجدران .. ومكتب وكيل المدرسة ( المُكيّف ) .. وساحة اللعب .. ومكان الطابور الصباحي .. وغرفة الإذاعة المدرسية المتطرفة. أصوات المدرسين ..

    الفصل في الطابق الأول .. جدران الفصل مُكتظة بالـ( صحائف المدرسية ) صحيفة الرياضية .. صحيفة الجغرافيا .. صحيفة العلوم .. وفي الركن الأيسر من الفصل شق صغير يتخذ منه النمل مسكناً له! بجوار طاولتي على اليمين يجلس ( نضال ) وعلى اليسار ( فيصل ) شخصيتان يتمتعان بالظُرف أولهما فلسطيني والآخر سعودي! نعم .. سعودي .. شخص مرح جداً .. ممتلئ قليلاً .. قصير القامة .. على وجهه ابتسامة وراثية مطبوعة دائماً .. كان هذا الفيصل محبوباً من التلاميذ والمدرسين .. وكان يحظى بمكانة لدى إدارة المدرسة ابتدائياً من المشرف وحتى مدير المدرسة. وكنتُ محظوظاً بمجاورته لي .. كان من ذلك النوع الذي يُتحفظ بـ( نُكتة ) على الطاير .. بدون مناسبة! عندما نأتي عائدين من الفُسحة .. كان يضرب كتفي بحركة مشاكسة قبل أن يجلس! وقبل أن يجلس كان يلتفتُ إلى شخصٍ ما في آخر الفصل بأداء مسرحي مُستحب ( يا فلان .. ما نبغى إزعاج ). بالفعل كان بشوشاً لدرجة تجعلك تبتسم كلّما نظرتَ إلى وجهه.

    ذات يوم .. أذكر أنه كان يوم أربعاء .. وبينما نحن في انتظار أن يدخل علينا الأستاذ التالي .. ارتمى بجسمه الممتلئ على طاولتي .. وهو يقول لي ..
    إيش عاصمة السودان؟
    الخرطوم ...
    الخرطوم .؟؟؟
    أيوه ...
    وليش تسمونها الخرطوم ..
    والله ما عارف، طيب إيش يعني عرعر؟ ...
    ما أدري ..
    نفس الشي يا فيصل ...
    يا ولد ترى أنت لئيم !!!
    تدري يا هشام .. أنا أحب السودانيين ..
    طيب شوف قدامك .. الحين يجي الأستاذ

    لا أدري لماذا شعرت بنبرة صوته تحمل نوعاً ما لا أعرفه من الحزن .. لم تكن تلك الابتسامة مُرتسمة على وجهه .. رغم أن الحوار الهزلي كان مُثيراً للضحك .. ولكن نظراته الودائعية كانت هي المُسيطرة على ملامحه .. وقضيت طيلة ( الحصة ) أُخالسه النظر لأجده ساهماً ببراءة مُوحية بالحزن الملوكي! بعد انتهاء الدرس .. وقفتُ إلى جواره سألته عمّا به.. فابتسم ابتسامة مُجاملة وهو يقول ( يا شيخ رووووووح ) خرجنا ذلك اليوم مُمنين أنفسنا بـ( weekend ) ممتع.

    وفي صباح يوم السبت كانت الطاولة على يساري خاوية!!
                  

01-03-2006, 02:30 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم حلو

    ( الكمساري التفتيحا . . . وناس ورا )


    ذات صباح، من صباحات الخرطوم الغافلة غفلة العروس يوم زفافها، كانت الساعة حوالي السادسة والنصف تقريباً وأنا أقف في موقف الكلاكلة اللفة في انتظار الباص متجهاً إلى الجامعة - كالعادة - ولكن ما لم يكن اعتيادياً ذلك اليوم هو أنني ذاهب إلى امتحان واحتاج إلى أن أصل إلى الجامعة في أقرب فرصة - كالعادة - ولكن مالم يكن اعتيادياً هو أن جيوبي كانت خارج الخدمة مؤقتاً ( مفلس 1000 ) بالعربي الدارجي، وعلى بلاطة. ولم تكن لدي أدنى فكرة عن كيف أتصرف وماذا أفعل. خطر في بالي أنني قد أصادف أحد الأشخاص الذين أعرفهم ولكن ( طلع نأبي على شونة ) الشوارع مزدحمة إلاّ من الذين أعرفهم. لم يكن بين أحدهم شخص يشبه شخصاً أعرفه.

    كل الناس في الشوارع: بتاع الورنيش، بتاع السجائر ، بتاع الكارو، بتاع الحليب، بتاع البصل، بتاع التفاح المغشوش كلهم كانوا هناك ولكن أصدقائي اختفوا فجأة في ظروف غامضة. ولكنني عقدت العزم على أن أخوض غمارة المغامرة المحفوفة بالمخاطر سوف أركب أول باص أو دفّار يصادفني فلا وقت لدي لكي أضيّعه. وبالفعل كانت الأمنية الأسرع للتحقق هو وصول دفّار من الطراز القديم، تسلّق الدفار وهو متحرك، وفجأة وقبل أن يقف الدفار قفزت منه تاركاً له واصطنعت نسياني لشيء مهم ( هذه الحركات طبعاً لؤلئك الفضوليين الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة تحدث في الشارع من حولهم) ولكن الحقيقة هي أنني لمحت فتاتين من ( بنات القدح ) أي بنات أهلي في نفس الباص، لم يكن من المعقول ان أكون أنا وإياهن في نفس الباص فبالتأكيد سوف اضطر لأن أدفع عنهم، وأنا لا أملك حتى أن أدفع لنفسي. فآثرت النزول واتجهت إلى باص آخر.

    كمساري هذا الباص كمساري محترف جداً. فالحرفة تتقافز من عينيه وشكله يوحي بما لا يقل عن 10 سنوات خبرة في هذا المجال، يمتلك مواصفات رهيبة تؤهله أن يصبح بالفعل كمساري نمبر ون على الخط، وكان ذلك يظهر حتى في وجه سواق الباص الذي كانت أوداجه منتفخة زهواً بما لديه من كمساري ( لا يضاهى ) وكما يقول المثل ( الحلّة بصل ، والفول زيت ، والباص كمساري ) نظرت إلى هذا الشخص ملياً وعرفت أن يومي لن يعدي على خير.. ولكن ما شجعني أن أتجرأ وأركب الباص هو أن الباص كان مزدحماً جداً. ركبت الباس ووقف ( شماعة ) في المنتصف تقريباً. هنالك الألوف من أمامي والألوف من ورائي أحدهم ( يبدو ) تضايق من أحد الأشخاص الواقفين شامعة فصرخ في وجهه ( ياخي ما تقف عديل .. ده شنو ده؟ ) ولكن تلقائي الشارع السوداني تتجلى في مثل هذه المواقف إذ ردّ الآخر عليه فقال له ( أقف عديل؟ انحنا واقفين في طابور وله شنو؟ كان ما عاجبك أمشي اركب تاكسي )

    المختصر المفيد... أنني كنتُ غارقاً في التفكير، ليس في قدمي اللتان كانتا تحت وطأت رجل منّ الله عليه ببعض الصحة والعافية، وليس في الامتحان الذي ربما لن ألحق به، وليس في سخانة الجو، ولكن كنت أفكر كيف سوف اتصرف مع الكمساري الذي بدأ في الاقتراب بصوت ( طقطقته ) المألوفة ( أرح يا أبو الشباب!! ) وكلما أقترب أشعر نفسي وكأنني تلميذ يتقرب دوره في تسميع صورة عبس وتولى التي عجز عن حفظها ليلة البارحة:

    - أرح يا أبو الشباب ..
    * في شنو؟
    - الحساب يا معلّم
    * الحساب ورا ...

    لقد ألهمني الله هذه الفكرة في غمضة عين.. ( ورا ) هو مصطلح لمن له ظهر في الباص واللي ليهو ظهر ما بينضرب على بطنو .. ولكني لم أملك ظهر .. ولا يهم فمن المؤكد أنه سوف ينسى الأمر بعد حيث فهنالك عشرات الآلاف ورائي ( وهو مخ البني آدم ده شنو .. دفتر؟؟ ) أكيد حينسى .. هكذا بدأت أصبّر نفسي بهذا الكلام. وغادر الكمساري في سلام وهو ( يطقطق ) للآخرين. لا يهم .. على أقل التقديرات .. فقد ظمنت بقاي في الباص مدة أطول .. وبعد قليل انهمك الكمساري في ( التخليص الجمركي ) من الناس الـ( ورا ) ونزل من الباب الخلفي للباص وصعد من الباب الآخر وبدأت دورة الحياة تتكرر مرةّ أخرى فمن المؤكد أن المحطات التي سبقت نزل منها ركاب وصعد منها ركاب آخرون. هذا الشيء أكّد لي أنه لن يتذكرني أبداً وبالفعل هي عملية شائكة جداً كيف لك أن تتذكر من دفع لك ومن لم يدفع؟ من الحكمة أن يكون قد نسي الأمر. ولكني فوجئت به يقف أمامي بصوته المألوف ( أرحل يا أبو الشباب ) وتلك الطقطقة المقيته التي لا أحبها .. افتعلت الطرش .. فلا بد أنه لا يقصدني .. إنه يبحث ( عشوائياً ) عن الذين لم يدفعوا .. ولكنه كان مصراً بشكل غريب فاصطنعت الغضب:

    - مالك يا زول ما تُقعد تـ(طقطق) لينا جوّا أضانا
    * مالك يا أبو الشباب ما تخلصنا ..
    - أخلّصك أعمل ليك شنو يعني ؟؟
    * أدينا حسابنا يا معلّم

    ( لا بُد أنه يمزح أما زال يتذكرني؟؟ )

    - يا زول حساب شنو؟
    * مش قلتا لي ورا؟
    - آآآآآي
    * مافي زول دفع ليك حاجة يا معلمي من ناس ورا..

    (كان لابد من تصرف سريع وحكيم) .. سريع نعم!! ولكن (حكيم) لا أعتقد!!!

    - أها وناس ورا ما ادوك؟
    * لا ما أدوني
    - خلاص ناس قدام بيدوك

    وعينك ما تشوف إلاّ النور .. .... ... كمّل الباقي من خيالك.


    نصيحة: إذا كنتَ مفلس .. فامكث في منزلك
                  

01-04-2006, 12:19 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم مر



    يوم الجمعة 5 أغسطس 2005م
                  

01-04-2006, 12:31 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    يوم حلو


    ( قليلٌ من الملح لا يضر)


    السودان علمني - وأنا ذلك اليافع الذي لا يعرف من الحياة غير وجهها الطيب السمح - أن هناك مائة وجه ووجه للجانب الواحد منها لذلك ليس عليك أن تصدق كل ما تسمعه وكل ما تراه. ذات يوم، خرجت انا وصديقي ( خالد عبد الله ) من الجامعة وفي نيتنا أن نذهب إلى نص البلد حتى يتشري كيس ( التمباك ). ولكن لا تسألني، كيف. فهو لا يملك ( عشرين قرشاً ) وإذاً كنتَ تعتقد أنه يعتمد علي في ذلك، فأنت مخطئ بالتاكيد لأنني لم أكن أيضاً أملك فلساً واحداً .. ولكن ماذا يعني الحياة في السودان لا تحتاج إلى النقود .. العملة الورقية هذه لا قيمة كبيرة لها في السودان، إنها وسيلة ترف فقط لا أكثر ولا أقل، شي مثل الساعة القيمة التي تتباهى بها أمام الناس ثم ما تلبث أن تكتشف أنها ساعة متأخرة نص ساعة!!

    المهم خرجنا من الجامعة ووقفنا أمام البوابة الرئيسية لها، حيث تقف الحافلات .. والحافلات ليست كالباصات، الباص والقطار وسيلتان يمكنك فيهما ( الزوغة ) من الكمساري بأية طريقة. ولكن في علبة الكبريت التي تسمى ( الحافلة ) هيهات ثم هيهات. ولكنني كنت ( شديد الثقة بالله ) وأنه لن يضيّعنا هكذا وعلى رأي المثل ( ما شقّ حنك وضيعوا ) المهم وقفت الحافلة ونزل منها الكمساري الأنيق ( فكماسرة الحافلات ليسوا ككماسرة الباصات أو الدفارات، فرتبة كمساري الحافلات أعلى بشريطين من رتبة الدفارات، هكذا تقاس الرُتب في عالم ( الكمسرة ) وهي ليست كعالم العسكرية ( بالأقدمية ) وإذا لكان كماسرة ( البطّاح ) أركان جيش الكماسرة!!

    المهم نزل الكمساري ( الأنيق كما أسفلت ) وبدأ بصوته ( الشجي ) ينادي على المحطات، وهو ينتظر الركاب النازلين والصاعدين. فاقتربتُ منه بلطف أو بحذر ( لا تفرق ) وطلبتُ منه أن يسدي لي معروفاً فنحن طلبة جامعييون، وهو ( بطبيعة عمله معتاد على الاحتكاك بالطلبة الجامعين وبعلية القوم وليس كبقية الكماسرة ) وشرحتُ له أننا في طريقنا إلى السوق العربي، ولكن الظروف الصحية التي جاءت نتيجة الظروف الجوية والتي كانت سبباً من أسباب الظروف الجغرافية الناجمة عنها خلل في الظروف السياسية والتي لا بد أنها قد أثرت بشكل مباشر على الظروف الاقتصادية ( مفلسون) وفي الحقيقة، فقد كان الكمساري قمّة الذوق واللطف( هذه شهادة للتاريخ)، فقد رحبّ بي أيّما ترحيب وطلب مني ألا أخجل وأن اتفضل وكما ولو أنني قد دفعت المبلغ كاملاً، فركبتُ أنا وصديقي ولكن ( ولأننا يجب أن نكون لطفاء بالمثل فلم نجلس على المقاعدة - رغم أنه لم تكن هناك مقاعد شاغرة أيضاً - ) وبدأ الكمساري في ( التخليص الجمركي ) المعتاد في مثل هذه الحالات، ولمّا دنى مني ( طقطق ) لي فابتسمتُ له، وأنا أقول له ( شنو يا أبو الشباب ما دفعت ليك "ما متزكر؟؟؟" ) وفهم الكمساري الذكي مغزى كلامي، وازاحني جانباً وانتقل إلى الشخص الذي يليني، وهو بطبيعة الحال صديقي ( خالد عبد الله ) فلّما طقطق له التفت إليه بثقة ( غريبة ) وقلت له ( نفرين يا أبو الشباب ) فما كان من الكمساري اللطيف إلاّ أن خلع ثوب اللطف وقميص اللطف وفنّلة اللطف وكل ما يتعلق باللطف من ثياب داخلية وخارجية وصاح في وجهنا :

    ( هوّ إنت أساساً دافع، عشان تعزم معاك أصحابك كمان؟؟؟؟)

    لقد كنت كلماته ضربه كبرية للمجتمع الطلابي المعتبر في ذلك الوقت. ولكن لا بأس فلقد وصلنا إلى السوق العربي. بكل اختصار لقد كانت مشاورينا من السوق العربي إلى شارع الحرية بملح من احدهم، ورجعنا بملح من احدهم واشترينا التمباك ( ملح ) وركبنا حافلة ملح ... أعتقد أننا أكثرنا الملح ذلك اليوم!!
                  

01-09-2006, 03:45 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    UP till I come back
                  

01-12-2006, 04:27 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    يوم مر

    ( عندما يسقط آخر العنقود )


    أمي التي تبلغ من الكبر عتيا ، في دواخلها الطيبة شابة عشرينية عندما تضحك بصوتها الدافئ. وكأنها تنفخ داخلي روحاً من ذلك النوع الحليبي القديم الذي لا يفتر ولا (يتقطع). وشلوخها العامودية الست ، أحب إلى من أضلاعي الأفقية. هذه الإنسانة الطيبة - التي حمل بطنها ستة من الذين هم الآن بالكاد يتذكرون عيد ميلادها ويقبلونها كل شهر مرةً أو مرتين – تعلقت بأصغرنا سناً . هذه الفتاة اليوسفية التي استأثرت بحبها وبعطفها ، ربما لأنها الوحيدة التي كانت ملازمة لها طيلة الوقت بينما أخذتنا الدراسة بعيداً عن رائحتها ، أو صرفنا العمل عن سماع صوتها وهي تغني (كيروللي . . نقوللي) عشاءً عندما يضيق عليها البيت.

    لم تشأ أمي أن تقتنع بأني كبرت وترى أن شاربي أمر عرضي ، وأن زواج أختي الكبرى وأبنائها حادثة عرضية لا تعني بأي حال من الأحوال بأننا كبرنا وبأننا أصبحت لنا حياتنا المستقلة. كانت أمي دائماً - وما زالت – تناديني بـ( يا ولد) وكم هو جميل أن تكون طفلاً في نظر من تحب! فإذا كانت تفعل ذلك معنا نحن الكبار، فماذا عن اليوسفية؟

    علاقة أمي باليوسفية علاقة غريبة فهما – بما أنهما متلازمتان دائماً – دائمتا الشجار المؤدب في الغالب. وهذه اليوسفية تقرأ كثيراً فتجدها تتكلم مع أمي التي بالكاد تفك الخط بكلام (دُراب) والعجيب أنهما يفهمان على بعضهما البعض. حبيبتي التي ولدتني ، تعجبني عندما تنطق (ديجيتال) و (مايكرويف) و (دي في دي) تثير فيني نوعاً من الضحك اللاشمائتي أبداً. تشعرك بأن هنالك أناس بسطاء لا تعني لهم التكنولوجيا الكثير.

    تخيلوا عندما تطلب منك إنسانة بهذه الروعة (هدية) فهل لك أن تتردد لحظة؟ لا أظن! فلقد طلبت مني ذات يوم أن أهديها (جوال) لأنها – على حد تعبيرها – تريد أن تخش دنيا على آخر أيامها (أطال الله في عمرها) فاشتريت لها (جوال بكاميرا) فبكت!! إلهي كيف أن هؤلاء النسوة لهن طعم آخر!!

    ورغم أني كنت أظن نفسي الأقرب إلى قلبها إلا أنني أكتشف أن أمي ليس لديها قلب. بل القلب نفسه هو أمي! فعرفت أن لها لكلٍ مناً قلباً منفصلاً ومستقلاً عن الآخر. قبل مدة سافرت اليوسفية إلى السودان للدراسة. ومن الطبيعي أن ننشغل بترتيب حقائبها. ولكن ما حدث كان غير ذلك، فلقد انصرفنا جميعنا لنجفف دموع أمي التي لم تهدأ منذ أن أعلنت الساعة منتصف الليل. وي كأن اليوسفية ما زالت مرتبطة بهذه الإنسانة بحبل سري لم ينقطع بعد. حبل سري يربط بينها وبين قلب أمي مباشرةً. وي كأن سفرها كان يشد عليها حبلها السري الذي تخاف أن ينقطع ، فبكت! وعندما تبكي أمي لا أنام.

    سافرت آخر العنقود (اليوسفية) ولم تستطع أمي العودة إلى المنزل لأنه – على حد تعبيرها – يذكرها باليوسفية فآثر أن تمكث في بيت أختنا الكبرى لمدة ثلاثة أيام لم تنقطع فيها عن البكاء ليلة. إلى من أقدم هذا اللوم يا سعادة الفريق؟ الوطن الذي جعل أمي تبكي ست مرات عندما يسافر أحدنا بعيداً عنها؟ أم إلى قلب أمي الشفيف الذي لا يحتمل بعدنا عنها؟ أم إليك يا ركن الحرب؟ فكم من الأمهات بكين على يديك في هذا الوطن (بيت العزاء الكبير). ربما لن تستطيع أن ترى دموع الأمهات المالحة ، ولكنها سوف تغرقك يوماً ما.
                  

01-13-2006, 10:58 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)


    ( يوم حلو )



    ( أضغاثُ أحلام )


    قد يشعر أحدنا بشعور ( الديك )عندما يصفه الناس بالـ( شجاع ) ولكن الشجاعة تتطلب مهارات خاصة قد لا تتوفر كلها في شخصٍ واحد دائماً. فكما نعلم فإن ليس ثمة شيءٌ مطلق! ولكنني كنتُ شجاعاً شجاعة مطلقة ذات يوم! وباختصار عندما تكون في مواجهة مع الموت ( شخصياً ) فإن حساباتنا تختلف كليةً. ولكنني واجهتُ الموت بصدرٍ مفتوح. وآثرتُ – بكل شجاعة – تقبل وابلٍ من الرصاص الحي وأنا ابتسم لها في سخرية. نعم! ربما يظن البعض أنني أهذي أو أنني أُبالغ أو حتى ربما أكذب. ولكن أُقسمُ بمن لا يجوز القسم بغيره أنني لا أهذي ولا أُبالغ ولا أكذب.

    لقد حدث ما حدث عندما كنتُ نائماً ورأيت فيما يرى النائم أن هناك عصابة مسلحة تُطاردني ( لا أعرف السبب ) ولكنني دخلت إلى مستودع لصناعة الطوب الأحمر. وتخبأتُ وراء ساترٍ من الطوب وظللتُ أُراقبهم وهم يبحثون عني. كانت أنفاسي تلهث وأكاد أُجزم أن ذلك انعكس علي واقعياً. ولكنني وذات فجأة! أدركتُ بفطنة النائم أن ما يحدث ما هو إلاّ أضغاث أحلام. وأنه مهما حدث فلن يحدث لي مكروه. فقررتُ عندها مواجهتهم واختصار سلسلة طويلة جداً من المطاردات. فخرجتُ من مخبأي وصرختُ بأعلى صوتي ( أنا هنا ).

    وفي وقتٍ واحد، وبنفس واحد، أطلق الجميع رصاصهم في صدري وأنا ابتسم بسخرية وكأنهم لا يعلمون أن ما يحدث ما هو إلاّ حلمٌ عابر سوف أخرج منه ( زي الشعر من العجينة ) وعندما لم يُفد إطلاق الرصاص تقدّم أحدهم فصفعني على وجهي، فاستيقظتُ لأجد ابن أختي أمامي يبتسم ابتسامة المنتصر بعد أن صفعني وأنا نائم.
                  

01-20-2006, 11:10 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    يوم حلو

    ( الحقد الطبقي – الحناكيش والحرافيش )
    أو
    عندما يغضب الحناكيش


    وقت الظهيرة. وفي هجير الخرطوم الذي لا يعرف الرحمة ، تجمع الناس في كافتيريا كلية القانون. المكان (جامعة الخرطوم) حيث أنا وشلّة من الأصدقاء نتكلم عن هذه الظاهرة الحرارية الذي سيجعل آمنة عوض أبو سن (تطلع من هدومها) وخالد عبد الله الذي انكمش بفعل الحرارة ضارباً بكل القوانين الفيزيائية عرض الحائط ، بينما لم أجد أمامي إلى أن أفتح أول ثلاثة أزرة من قميضي (الكاروهات). هذا الحر الذي يجعلك تزهد في طبق (البوش) الحاااار وتميل إلى (الخشاف) أو (بوش الحناكيش) كما كانوا يطلقون عليه. لقد اتضح لنا كيف أن المناخ يلعب دوراً كبيراً في طبقية الإنسان ، وإلا بماذا نفسر ميلنا البرجوازي ذلك؟

    كانت آمنة أبو سن (بت عطبره الجدعة) تمسك بكشكولها الفارغ إلا من بعض المقاطع لتوفيق زياد وأمل دنقل ، وتقوم بالتهوية الذاتية لنفسها تاركة (تماضر شطة) واقعة تحت عذابات الطرد المركزي إذ كانت تتحرك بوجهها أنى اتجهت ، ليأتيها من هواء كشكول آمنة النذر اليسير من (البوخ). و (شطة) هو لقبها ليس لأنها كانت تعشق (شطة الدكوة) مع طبق البوش الإلزامي اليومي ، ولكن لأن لسانها اللاذع كان كالشطة. هكذا بكل بساطة!!

    وبينما نحن في صراعنا ضد قوى الطبيعة التي لا ترحم وآمنة لا تزال (تهبهب) بكشكولها على منتصف وجهها الأيسر ، ومنتصف وجه تماضر الأيمن ، وإذا بآمنة تتوقف عن الهبهبة فجأة ، لتترك تماضر (لايصة) في تلك السخانة. وتلتفت تماضر إلى آمنة لتجدها (مبحلقة) بعينيها إلى مكان ما في الكافتيريا وقد ارتسمت على وجهها علامات الامتعاض. فانصرف جميعنا ينظر حيث تعلقت نظرات آمنة لنجد فتاة (حنكوشة) جالسة بمعزل تحمل في يدها ما يشبه المروحة الصغيرة التي تعمل بالبطارية. استدركت الأمر لعلمي بحساسية آمنة تجاه الحناكيس لا سيما الحنوكشات. وتذكرت ذلك اليوم الذي تراهنت فيه مع إحداهن على أكل طبق بوش بيدها وكيف انتهى بها الأمر (أي الحنكوشة المسكينة) في المستشفى الجامعي. وبالكشف عليها أتضح أنها تعاني من مغص معوي حاد جداً وشبهة تسمم!!!

    تغير محور الحديث وأصبح حول الحناكيش وكراهية آمنة لهم رغم أنهم (من وجهة نظري) مجرد كائنات غير متكيفة مع الظرف البيئي المؤقت لهم. تماماً كرؤيتنا لسمكة خارج وسطها المائي فسوف نستهجن زعانفها وخياشيمها غير المستخدمة أو عدم الجدوى. وتحت ضغط وإلحاح من آمنة (الوسواس الخناس) فقد أقنعتني بأن أذهب إليها لأتحدث معها لأنني كنت على معرفة مسبقة بها. وكانت خطة آمنة تقتضي المقلب. ولكني لم أكن أعرف أي نوع من المقالب على وجه الخصوص يوم أن أطبقه في هذه الحنكوشة إرضاءً لغرور شياطانتنا البروليتارية حتى انتبهت إلى المروحة التي كانت تمسكها بيدها. سلمت عليها وجلست فإذا بها في حالة إزدراء من الدرجة الأولى. فسألتها عن سبب هذا الازدراء فقالت لي (بغيظ) :

    يعني ما شايف السخانة الفظية دي؟

    فقلت لها مباشرة:

    وما الذي يضطرك إلى احتمال هذا الوضع يا بت الناس؟

    فأجابت :

    وماذا يمكنني أن أفعل يا فالح؟

    وبثقة الناصح الأمين قلت لها:

    يمكنك تشغيل الـA/C هناك.

    وأشرت لها إلى حيث يوجد مكيف قديم متهالك ربما كان كتشينر نسيه هناك أو أن غردون لم يجد له مكاناً فتركه حيث هو. ففتحت عينيها الناعستين بدهشةِ من أوشك على الخلاص:

    * هل هذا المكيف يعمل؟

    - طبعاً .. هو الخواجة بيعمل ليهو حاجة ما بتشتغل؟

    * وليه الناس دوول ما بيشغلووووهوو؟ (إضافة الواوات لدلالة الجر واللحن في اللكنة)

    - يا ستي ديل ناس ما بتفرق معاهم الساخنة دي. ما شايفة وشوشم كالحة كيف؟

    * يعني جد هشام آدم ممكن أشغل الـAA/CCCC ؟

    - أكيد .. إنت مش طالبة في الجامعة دي؟

    * آآآآآآي ...

    - مش معاكِ البطاقة الجامعية؟

    * آآآآآآي ..

    - خلاص ... Go ahead

    فانطلقت غير مصدقة ، ولأن الجميع كان منشغلاً بالغداء فلم يلحظ أحدهم ما هي مقدمة عليه. وفجأة سمع الجميع صوتاً شبيهاً بالانفجار مصحوب بصرخة أنثوية. التفت الجميع (على قلب رجلٍ واحد) إلى مصدر الصوت ليجدوا كائناً من العصور الترابية (ربما لم يدرج الأنتربيولوجيون هذا العصر ضمن العصور المكتشفة) أو هكذا خيّل إليهم. لقد انطلق من المكيف غبار السنوات العشرين الماضية وهي عمر الجامعة ليسكن جسد هذه الفتاة المسكينة فأصبح شعرها كله (ميش) بدلاً عن الخصلتين الوحيدتين تلك. وسارع إليها الجميع محاولين تهدأتها أولاً وإزالة الغبار لكشف هويتها ثانياً. ومن ثم اقتداتها مجموعة من الفتيات إلى الـCommon Room في محاولة لإعادة صياغتها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من Make upـها.

    لا أخفي عليكم لقد انتباني شعور بالذنب قاتل. ولم أسامح نفسي لما فعلته بهذه الإنسانية المسكينة التي لم تكن تلوي على شيء إلا أن جريمتها الوحيدة انها كانت تحلم بنسمة هواء باردة في ذلك الهجير القرض. لذا فقد تحملت كل ما قالته وما فعلته بي عن طيب خاطر وبكبرياء الفارس المنكسر تقبلت ما انسكب علي من ماء بارد. وللتاريخ فقد رفعت حقيبتها القماشية من وزن الريشة وضربتني على وجهي ولكن ولأن الضربة لم تكن على مستوى الحدث ولم تكن كذلك على مستوى تأنيب الضمير المتأجج لدي قط أخذت عصا اقتلعتها من شجرة قريبة وطلبت منها أن تضربني به بقوة. فما كان منها إلا أن ضربتني بتلك العصا على أم رأسي!!! فقلت في نفسي (يداكَ أوكتا وفوك نفخ يا هشام) وأكلت الألم في حناني ولكنني صببت جام الغضب على آمنة. أما تلك الحنكوشة فلها الله .. وقد دعوت الله أن يعيدها سالمة إلى أهلها قبل أن تصاب بزيادة فيتامين C أو نقص فيتامين Q !!!!

    ? What vitamin Q is
                  

01-21-2006, 09:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    يوم مر

    ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم )



    النقطة السوداء التي قد تعكر حتى نهر الجنة ، تكون معلقة كاللافتات التذكارية في جانبٍ ما من دواخلنا ، وتطل فجأة عندما نسلم أنفسنا لبعض الصمت ، ونملئ الرئتين بالهواء الثقيل . تمر عليك الشخوص والألوان والأماكن والروائح تجرحك بموس الرغبة في الانتقام ، فلما لن تستطيع – إذا كنت شفيفاً كما أراد الله لك – سوف تنزل منك دمعة ثقيلة أيضاً ، ثقيلة ربما بحجم مرارة ما تحمله اللافتة من مشاهد لا تريد أن تراها ، مشاهد تريد أن تقتلها ، أن تنقلها إلى ذاكرة غيرك. تتمنى أن لو كانت الذكريات صوراً فوتوغرافية تنتهي بمجرد أن تمزقها. ولكنها لا تتمزق ، بل تظل عالقة على جدار الذكريات ، وتعرض عليك بين كل لحظة وأختها لتجرحك بذات الموس ، ذلك الموس الذي لا يصدأ ولا يخون حرفة الجرح . ربما نحتفظ ببعض المشاهد غير المرغوب فيها كما هي ، محنطة محتفظة بكل تفاصيلها الحيوية: الأصوات ، الروائح ، الزمان ، الألوان .... كل شيء. كأن الأشياء التي لا نرغبها تعرف أننا لا نرغبها فتعمد إلى تعليب نفسها ذاتياً مختزلة نفس المرارة ثم تسكن في مكانٍ ما في الذاكرة.

    هل تمنيت ذات يوم أن تكون شخصاً آخر غير نفسك ؟ أن ترى تلك اللافتات فتتمنى أن لو لم تكن أحد أبطالها ؟ هل مر عليك يوم احتقرت فيه نفسك ؟ نعم .. أنت نفسك وليس شخصاً آخر ؟ إذا لم يحدث لك ذلك ، فقد حدث لي. وفي كل موسم شتوي تتساقط على نيوتني الآني تفاحات المشاهد الفاسدة فألعن نفسي ألف مرة.

    في هبة سبتمبر المجيدة – أظن أنها كانت في العام 96م – عندما خرجت جموع الطلاب تهتف بكل حيوية الشباب ، وبكل طموحها في المستقبل النظيف. وكل واحد منا قد ارتسمت في عينيه أمه أو أحد أخوته. حاملين في قلوبنا عصارة الوطن طازجة كما أرضعتها لنا أمهاتنا أول مرة. هتفنا ( لا تعليم في وضع أليم ) . كان الحماس يجعلنا نتبارى فنرفع أصواتنا ونهتف من صدورنا لا من أفواهنا ، كطيور القيامة غير أننا لسنا عرايا ولكننا كنا شخصاً واحد شباباً وشابات. كلنا لنا حلم واحد ، وهتاف واحد ، ومسيرة واحدة. صدقاً شعرنا بأن الحكومة دمية في يدينا ، وأننا ذاهبون بها إلى مزبلة التاريخ (مزبلة الدمى) سوف نخلص جسد هذه البتول (الوطن) من الورم السرطاني الذي أثقل كاهلها طويلاً، سوف نثأر لهذا الشعب: لعم إبراهيم وآراب الذي فقد وظيفته للصالح العام ، وضاعت وراءه عائلة كاملة من ثمانية أشخاص ، لمحمد عبد السلام الذي مات برصاص الكلاب داخل مسجد جامعة الخرطوم ولم يثنهم عن قتله أنه احتمى ببيت الله ، للخالة كوثر بائعة الجبنة التي قتلوا زوجها في الميل أربعين ، لأجوك التي فقدت إحدى ساقيها في صيف العبور ، لعاطف خديجة الذي ضيعته ثورة التعليم العالي ، لبنات الديم وشباب السجانة ، لباعة البرنجي والورنيش ، لعمال السكة حديد ، ولطالبات الإنمائية وشحاذي العاصمة القومية. سوف نثأر لهم اليوم دون شك. ومرّت رصاصة خبيثة اخترقت صدر هذا الحلم فتداعى وترنح ثم سقط على وجهه. تفرقت الحشود والرصاصاتمن نسل ذات الطبنجة ما زالت تلاحق صدور المقبلين ، وظهور المدبرين. وعرفنا أن يد السلطة فوق يد الحلم الهزيل. ونقطة ما حول (كبري الحرية) حاصرتني الكلاب وانهالت علي ضرباً بالأنياب الكهربائية ، وعصبوا عيني واقتادوني إلى مكانٍ أشك أنه قريب جداً من الجامعة ، فلقد كنت قادراً على سماع أصوات القاطرات بشكل واضح. وهناك….

    هناك عند أول الدخول ، يجبرونك أن تدخل منحنياً ومصحوباً بقبلات الترحيب (الحارة) من شفاه البسطونات. تساءلت كثيراً: كيف يمكن لهؤلاء أن يسمحوا لأنفسهم أن يسكبوا كرامتنا بهذه الصورة فوق نجيلة الأمن العام!!!! أكثر من نيف وثمانين معتقل بين شاب وفتاة ، هم حصيلة الجرد النضالي لذلك اليوم. وبعد الإجراءات التي استمرت حتى الليل وجدت نفسي في (وطن) ، نعم وطن بحجم (متر × متر) أرضية صلبة وباردة ، جدران قاتمة ، لا نوافذ ، لا أثاث ، لا مصابيح ، لا شيء. أنا الإضافة الوحيدة لتلك الغرفة. انزويت في ركن ما ، ولم تمض بضع دقائق حتى دخل أحدهم. لم استطع أن أحدد شكله بفعل العتمة ، ولكنني سمعت صوت (جردل) مصحوباً بصوت (كشح) ماء. فنهضت ولم أستطع أن أجلس مرة أخرى!! لقد كانت الغرفة صغيرة لدرجة أن ملء جرد ماء قد يغرقها تماماً. وكان الماء بارداً لدرجة أننها تتسلل من بين ثقوب الحذاء إلى الأطراف. فتعلمت النوم واقفاً !! لقد أرهقونا جميعاً فكنت أنظر إلى وجوه الجميع مصابون بالبرودة والتعب.

    ذات يوم (بعد المغرب قليلاً) دخل أحدهم واقتادني إلى مكتب آخر ، طلبوا مني أن أعترف بأني شيوعي، فلم أفعل. سألوني عما إذا كنت شيوعياً أم gay ، فلم أجب. ولم يكن بوسعك ألا تجيب: أخبرتهم أنني لست بشيوعي ولست بـgay بل رجل كامل الرجولة. فتبسم الكلب ابتسامته الصفراء التي لن أنساها وهو يقول: نشوف الرجالة بتاعتك دي. عرفت حينها أنني سوف أموت في هذا المكتب دفاعاً عن نفسي وعن كرامتي وعن (شرفي) !!!! فودعت أمي وأبي وأخوتي سراً . أشار الكلب لكب آخر برأسه فالتفت متحفزاً لقتال. غير أنه تركني وغادر المكتب في هدوء ، بينما جلس الآخر وراء مكتبه. وما هي إلا بضع دقائق حتى عاد الكلب ومعه خمسة كلاب يقتادون فتاة لا أعرفها. فتاة تبدو أنها لم تنم جيداً منذ أربعة أيام. كانت الفتاة في حالة يرثى لها: شعرها الأشعث ، ملابسها المهترئة ، حافية ، تحمل في يدها طرحتها الممزقة. سألوها: بتعرفي الشيوعي ده؟ فالتفت إلي بصعوبة بالغة حاولت أن تركز علي بشدة ولكني لم أكن متأكداً من وضوح الرؤية لديها. وعندما صرخ الكلب مكرراً السؤال ، ارتجفت خوفاً وهي : لا لا لا أول مرة أشوفو.

    - تفاصيل لا داعي لذكرها -

    انتبذت الفتاة منزوية غير بعيد ، بينما يتقدم إليها ذلك الكلب الذي لن أنسى شكله ما حييت ، وكلبان آخران عاتيان يوثقاني ، أمسك الكلب (وبرفقته كلب آخر) بتلابيب الفتاة وشدها بقوة حتى تمزق ثوبها العلوي وانكشف صدرها فصرخت بقوة: لاااااااااااا وضاعت صرختي في صرختها: يا كلاااااااااااب. حاولت أن أنفك من وثاق من أمسكوا بي نجحت وفشلت، نجحت وفشلت، نجحت وفشلت فبدأ القتلة بضربي بأعقاب طبنجاتهم بينما ظل أحدهم ممسكاً بالفتاة ومقيداً يديها الاثنتين من الخلف. وخارت قواي لدى مشارف صرخاته البكرية المخيفة. وعندها ضربني أحدهم بعقب طبنجته على مؤخرة رأسي فسقطت مغشياً علي ، ولم أفق إلا على برودة ماء تلك الغرفة الوطن. لم أعرف كم مدة استغرقت حتى أفيق ، ولكنني وجدت نفسي في بركة من الماء البارد مختلطة بالقليل من الدماء التي لم أعرف مصدرها – خمنت أنني كنت أرعف ، وربما ساعد الماء البارد في وقف الرعف – لم أستطع النهوض على قدمي أبداً فجلست القرفصاء وبكيت ، بكيت كثيراً .

    بعدها بثلاثة أيام خرجت ، وأنا لا أستطيع أن أنظر إلى أي فتاة تسير في الشارع ، ولم أعرف مصير تلك الفتاة المسكينة ، لقد شعرت بأنني خنت أخواتي بذلك الموقف، ولكن صدقوني حاولت أن أنقذها ولم أستطع. أحسست أنني مطالب بالتبرير لما حدث ، وبأنني لست أملك الشجاعة الكافية حتى أن أتذكره مرة أخرى. ولكن كل ما زال عالقاً بذاكرتي هو صرخة تلك الفتاة التي ما زالت تدوي في أذني حتى اليوم. خرجت وأنا أحمل في صدراً مليئاً بالكره. لقد سلبونا كرامتنا ، وسلبونا إنسانيتنا ، وسلبوا منا ذلك الشعور الجميل بالحب. فلعنتهم مرة لأنهم حمّلوني هذا الكره ، وشكرتهم ألف مرة لأنهم علموني كيف أحب الحياة. ولا بد أن يأتي يوم الثأر ولو طال الانتظار ، سنصلبهم عرايا على بوابة التاريخ، ونجعل أطفالنا يبولون على رؤوسهم. وعندها أقسم أن أقتص لتلك الفتاة ممن امتدت يدهم إلى جسدها الغض. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم!!!!!!!!

    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-21-2006, 09:18 AM)
    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-21-2006, 09:18 AM)

                  

01-22-2006, 10:58 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    يوم حلو

    (معاوية .. ما زلت لم أفهم قصدك!!)



    من الشخصيات التي حفرت اسمها في ذاكرتي بدون علمي .. كأنه منحوتة على خشب الصندل (هل كنتُ ضليعاً في علم المثلثات قبل هذا؟ ) شخص اسمه ( معاوية محمد الحسن ) أحد زملائي في جامعة الخرطوم ..شخص أقل ما يُقال عنه أنه ( ذكي ) وذكاؤه هذا يكمن في أنه لا يعتمد على المعطيات بقدر ما يعتمد على تحليل هذه المعطيات .. فهو بذلك يمتلك حساً نقدياً وتحليلياً للأشياء. شخص طويل القامة .. إذا مشى فهو لا يُسرع في مشيه .. وإذا تكلّم لم يصُمّ أُذنيك بصوته .. فصوته دافئ جداً بإضافة 25% من الوقار. بطن كفّه مُبتلٌ دائماً .. وكان يعش الاستماع للفنان الراحل ( مصطفى سيد أحمد ) وربما كانت هذه واحدة من النقاط التي التقينا فيها سوياً . ما يُعجبني في معاوية هذا .. أنه شخص محترم ولكنه يُحاول أن ( يتصعلك ) .. أي يبدو في منظر العربيد .. ولكنه يفشل دائماً في القيام بهذا الدور ... وهو إنما يحاول ذلك ظنّاً منه بأن الجانب الجميل فيه يجعله غير ذا احترام أمام الناس .. أو ربما يُشعره بأنه تنقصه الجرأة .. ولكنه يعتقد خاطئاً بأن الجرأة والوقاحة وجهان لعملة واحدة. ودائماً ينتصر الجانب البسيط فيه. ولذا فإنني أُحبة كثيراً.. ذات ليلة جلس معاوية بجواري وهو يقول هامساً :

    * هشام بتعرف البت الاسمها ( عفراء ) في سايكولوجي؟

    - أيوه .. مالها؟ ( ظننتُ أنه يحمل لي أخبار تستدعي هذا التكتّم وهذه السرية التي يُضفيها على جو الحديث الليلي أصلاً )

    * حلوة مش كده؟

    - معاوية!! إنت الزولة دي ما شفتها قبل كده؟

    * لا بس داير أشوف رايك فيها

    - يا معاوية الجمال ده حاجة نسبية.

    * ياخي سيبك من الفلسفة بتاعتك دي .. أنا بسألك من وجهة نظرك إنت.

    - والله بالنسبة لي ...... الزولة ما حلوة خاااااااااااالص.

    * كيف يعني؟

    - يعني عادية...

    * على فكرة .. إنت زول ما عندك نظر ولا عندك زوق...


    ثم نهض بغيظه وذهب مُغاضباً .. ونام في سريره في صمت .. وحتى تاريخه لم أعرف إلى ماذا كان يرمي .. هل كان يُريد أن يختبر ذوقي ( كما قال ) .. أم كان يريد أن يُثبت لنفسه أن الفتاة التي أختارها جميلة بالفعل!!! عموماً فالفتاة كانت تملك ذلك القدر الكافي من الذوق والنظرة عندما رفضته!!

                  

01-29-2006, 10:37 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    يوم مر

    ( يا حمادة مع السلامة )


    قدم من بورسودان محملاً بأحلام الشباب ، ولطالما حلم أن يرى الخرطوم ، ويرى بيوت الخرطوم وشوارعها وشبابها وكل الأشياء التي سمع عنها كثيراً . ورغم أنه لصيق القرابة بي إلا أنني لم أره إلا عندما قدم الخرطوم لتكملة دراسته . شاب ترتسم على قسماته علامات الخجل الجميل وتزيد من وسامته بقدر ما تزيد عليه سمرته الداكنة نوعاً من الطبيعية ووسامة أهل بورسودان الأنقياء. خليط من براءة الأطفال ، وعنفوان الشباب ورزانة الرجال. إنه (حمادة مكوجي) وللحقيقة فلا أعرف سبباً لتسميته بالـ(مكوجي) ولكن هذا ما اشتهر به في عائلتنا ، ورغم أنه لم يكن يغضب لهذا اللقب إلا أنني كنت أغضب له. وكان دائماً يقول: "يعني المكوجي مالو؟"

    رغم ما اتصف به هذا الشاب من صفاء سريره وطيبة لا يختلف عليها اثنان ، إلا أني علاقتي به لم تتجاوز كونه أحد أقربائي الذي يمكن مجالستهم. وربما لحكمة لا أفقهها بدء حب هذا الشاب يتسرب إلي شيئاً فشيئاً مع كل يوم تقترب فيه القصة إلى نهايتها. إنه شاب بسيط يحب أن يكون وسيماً ومحبوباً لا سيما بيت الفتيات ، لذا تجده يتفاءل كثيراً بوجود الدلالات الأنثوية في منزله ، من أحذية و (طرح) وأصوات ، وروائح ...إلخ. وكان دائماً يقول: "البنات ديل يا هشام أجمل حاجة في الدنيا"

    ولما تقربت إليه ، وجدت أن بداخل هذا الشاب طفلاً جميلاً وادعاً لا يحب إلا أنثى واحدة ، ويحمل يخبأ تحت جلده الداكن صفاء الدنيا ، تاركاً للبقية زيف المظاهر الخادعة ، والكذب الملون ، والابتسامات الماكرة. لم أعهد عليه كذباً قط. لم أره - رغم رعونته - يتجرأ على فتاة بما يسيء إليه أولاً ، وإليها ثانياً . كان كل ما يحلم به هو أن يكون شخصاً تتكلم عنه الفتيات بالخير ، لا سيما ( ع ) التي كان قد شغفها حباً . فكتب اسمها بالحبر الجاف على أولى صفحات دفتره الذي ضاع معه ولم نعد نرى له أثراً. قبل عودته إلى بورسودان قال لي بطريقة خاصة: "هشام، البت دي لو ما حبتني أنا حقتل نفسي" فابتسمت له قائلاً: "هذا أفضل من أن تقتلك هي بيدها" ثم سافر. ولما عاد كنت قد انشغلت في امتحاناتي الكثيرة التي لا تنتهي ، وسمعت بعودته ولم أتمكن من زيارته في أول أسبوعين من عودته. حتى سمعت أنه قد لزم الفراش لعلة أصابته. عندها كان الواجب علي أن أزوره وأن أعوده ، ولكن لم يكن يخطر ببالي أن أراه بتلك الحال أبداً.

    دخلت عليه الغرفة بذات الشغب الذي نعرفه عن بعضنا ، غير أنه لم يكن كعادته هاشاً باشاً ، بل بدا شاحباً ، منحني الظهر ، أصلع الرأس ، ناحل الجسد ، بالكاد يستطيع أن يجلس على سريره. أحزنني منظره جداً ، ولكني خشيت أن أظهر له استيائي من حالته ، فواصلت في التمثيل. قيل لي أنه عادة خصيصاً ليكمل علاجه في الخرطوم. ولم يكن أحدهم يعرف على وجه الدقة ما يعاني منه (حمادة مكوجي). كان دائماً يشتكي من صداع يكاد (يفلق رأسه نصفيه) على حد تعبيره. لدرجة أنه كثيراً ما كان يبكي من شدة الألم. وما أصعب أن ترى إنساناً عزيزاً عليك يتألم ولا تعرف ما يجب عليك فعله. حاولت أن أفعل له كل ما كان بيدي أن أفعله ، ولكن آلامه كانت أكبر كثيراً من كل محاولاتي الفاشلة.

    تم نقله بعد رحلة عذاب طويلة إلى المستشفى ، كنت أنا وأحد أبناء عمومتي وأخواته وأمه وجدته التي هي جدتنا نحن أيضاً معه. مكثنا في المستشفى قرابة الثلاثة أيام دون أن يخبرنا أحدهم علة صاحبنا. فتجرأت أنا وابن عمتي على سؤال الطبيب المشرف على علاجه. وليتنا لم نفعل. فلقد نزل كلامه علينا كالماء البارد في ليلة شتاء قارس البرودة. فوالله لقد وقف شعر جلدي وأنا أسمع كلامه. كم هو مؤلم أن تعرف أن شاباً في عمر الزهور مصاب بمثل هذا المرض الخبيث!!! فخرجت للتو ومعي (عماد سعد الله) لا نلوي على شيء ، ولا ينطق أحدنا ببنت شفة ، خرجنا من المستشفى (مستشفى الخرطوم التعليمي) لنجلس على أحد السلالم العتيقة الحافلة بالظل. وبعد ما يربو على الساعة تقريباً من الساعة التفت على عماد لأجده غارقاً في دمعه. فبدأت في تهدئته وكأنني لم أكن أحتاج لمن يهدئني. كان كلانا غير مصدق أن هذا المرض الخبيث قد يعرف طريقه إلى جسد هذا الشاب الذي يعشق الحياة . ولماذا ؟ هل لأنه يعشق الحياة؟ أم هي تلك حكمة الموت المقيتة التي تقول: "الرائعون آخذهم إلي لأنهم لا يستحقون البقاء في هذه الزبالة" !!!!

    المرحلة الأصعب ، هو مواجهته ومواجهة أمه وأخوته الذين أنهكهم السهر وهم يتناوبون على وضع أيديهم على رأسه المصابة بالصداع الخبيث. كيف لنا أن نواجههم بما سمعنا؟ هل نخبرهم فنقطع بذلك كل أمل لهم في أن يقف على قدميه مرة أخرى وأن تعود له وسامته وابتسامته التي كانت تملأ صدر أمه وعيون أخوته؟ هل نخفي عنهم ذلك فنكون كمن يضحكون على أنفسهم وعلى غيرهم ؟ نعرف جيداً قدرتهم، وعوزهم ، فكيف لهم في أن يرهقوا بتكاليف باهظة كتلك التي يدفعونها لمستشفى بالكاد توفر لهم سريراً لابنهم؟ لقد كانت المنظار التي نراها في المستشفى بشعة وتشمئز منها القلوب. والارتقاب كان هو الأصعب على الإطلاق. فمتى سوف يخلو هذا السرير ممن عليه ، ليحمل فوقه جثة حيّة جديدة.

    وها هو يرحل الآن في صمت غريب ومخيف ، تاركاً وراءه أماً لا تنفك تمسك بقلبها كلما تذكرت اسمه ، وأخوة ، يشعرون بالفقد ، فكم هو مؤلم أن تفقد أخاً لك . لقد فجع الجميع في حمادة مكوجي كمن لم يفجعوا من قبل ، ربما لصغر سنه إذ كان في الواحد والعشرين من عمره ، وربما لأن المرض لم يمهله كثيراً ، وقد داهمه على حين غفلة من أمه التي كانت تحضر لزفاف ابنتها وأخته التي لا طالما حلمت بأن يحمل أخوه ابنها الصغير ، وحلمت أن تنجب أطفالاً يركضون ويملئون البيت بالصراخ منادياً : خالو ... خالو . لقد تبخر كل شيء ، وانقلب الزفاف عزاءً لا لون له حتى اللون الأسود كان باهتاً ذلك اليوم.

    ألا رحمك الله يا حمادة!!!
                  

01-31-2006, 03:50 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    ( خالك لليوم الأسود )

    من منا لم يكذب على مدرسيه ووالديه عندما كان صغيراً ؟ من لم يفعل يمتنع عن القراءة. فهو عندها لن يفهم معنى أن (تنزق) وتحتاج لكذبة تخرجك من ورطة ترتكبها بحماقة طفولية. أما أنا فإني أعلنها على الملأ أنني كنت كذاباً كبيراً لا ينفسني في هذه المهنة إلا من أتي على ظهر دابة عرجاء وقال (ليلى علوي) ضارباً بالقيم الجمالية عرض الحائط ، وضارباً لنا مثلاً في أن الجمال (خشم بيوت).

    وفي هذا المقام ، أذكر أن عمتي لأبي!!! كانت تشبهني دائماً بعمي (لأبي كذلك) في (شقاوته) ويتندر الجميع بحكاويه التي لا تُمل أبداً. ومنها أن أبي في إحدى إجازاته السنوية حل ضيفاً في بيته في (الكلاكلة الوحدة) حيث كانت تسكن جدتي، وعمي (الذي توفى قبل عشر سنوات) ولا يكاد أبي يصدق أن الزمن يتغير وأن التاريخ لا يعيد نفسه، وهو في ذلك لا يكاد يعرف الفرق تماماً بين (الزمن) و (التاريخ) وعليه فلقد أرهق عمي بالصلاة التي لم يكن يطيق عليها صبراً ، فضاق ذرعاً وشكى لصاحبه فدار بينهما هذا الحوار:

    * والله آدم ده مكرهني بالصلاة. كل ما تجي وكت الصلاة يشبكني أرح معاي .. أرح معاي. وكأنو الله ده قال ليهو: يا آدم خلي بالك من عبده. ما عارف أعمل شنو.
    - ياخي الموضوع يا عبده ما مستاهل الغلبة دي كلها.
    * يعني أعمل شنو بالضبط وريني...
    - ياخي هو طواااااالي قاعد في البيت؟
    * يعني ... مرات بيمشي زيارات برة البيت ..
    - خلاص لمن يكون قاعد صلي ولمن يطلع ما تصلي
    * يعني حسي إنت حليتها يا (فكيك) ؟ ما أكتر وكتو قاعد في البيت!!!
    - والله يا عبدو أنا نصحتك وكلمتك. الزول ده جاريهو لمن يسافر .. ما في ليك حل تاني.
    * إنت عارف المشكلة شنو؟
    - شنو ؟
    - أنا خايف إنو المسألة دي تطول
    * ياخي بس صلي كده وكده لمن يسافر
    - أها وكان اتعودت على الصلاة أعمل شنو؟
    !!!!!!!

    وبالعودة إلي فإنني لم أكن كعمي عبده (رحمه الله) ولكني كنت أضطر - وأقول اضطر لأنفي عني شبهة الكذب العمد- إلى أن أكذب. فكنت كلما تأخرت في المدرسة أو تغيب عنها ، وسألني المدير بلكنته الأكاديمية الجوفاء:

    * ليش ما جيت أمس؟
    - عمي كان متوفي

    وأكرر الفعلة مرة أخرى ، ويتكرر السؤال نفسه:

    * ليش غايب أمس يا ولد؟
    - زوج عمتي اتوفى وكان عندنا عزا

    وأكرهها للمرة الثالثة، ليطرح السؤال نفسه:

    * غيابتك كثرت ..
    - خالتي اتوفت

    وكما شكى عبده لصاحبه ، فقد تخيّرت الأصدقاء وشكيت إليه، فنصحني بأن التزم قليلاً بمواعيد المدرسة لأن ذلك قد يترتب عليه توجيه خطاب رسمي لوالدي أو إنذار. ورغم أنه بدى ناصحاً إلا أن نصيحته انتهت بدعوة لأن أذهب معه في أقرب وقت إلى حيث نقضي صباحية جميلة بعيداً عن المدرسة ووجع الرأس. فلما حاولت تذكيره بنصيحته قال لي:

    * ما مشكلة أكتل خال المرة دي
    - لا لا خالي ده بحتاج أكتلو في موضوع أكبر من كده

    وهكذا حوشت (خالي) لليوم الأسود المنتظر واستفدت منه. والسؤال الآن ... من تبقى لي من أهلي الذين قتلتهم جميعاص من أجل أن أنجو من ورطاتي؟ لقد أصبحت في أعين الناس يتيماً !!!!
                  

02-02-2006, 06:48 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    يوم حلو

    ( أخخخ أنا من عدنان )



    ربما كان خيطاً من عنصر إلهي لا نعرفه ذلك الشيء الذي يُسحب منا تلقائياً كلما اقتربنا إلى النضج (مقصلة الشفافية). تنسحب البراءة إلى جانب ما خارجنا ، أو ربما داخلنا فيقبع في سكون تماماً مثلما مارد عملاق نام بعد جرعة كبيرة من النبيذ الأحمر المعتق. ذلك سر (الأطفال أحباب الله) لأنهم يكونون قريباً منه بقياس ذلك الخيط ! وكلما كبرنا كلما امتد هذا الخيط ليبعدنا عن المركز مرتبطين به اعتباطاً ذات يوم ليعود ويلفنا إليه مرة أخرى بطريقة ميكانيكية عندما نبلغ الكهولة. ذلك سر تقوى كبار السن!

    ولما كان الأطفال مربوطين بذلك الخيط ، كانوا أقرب إلى الله ، أقرب إلى الصدق، أقرب إلى النقاء ، إلى البراءة. فعندما يبتسم لك الطفل في وجهك، فاعلم أنه لا يجاملك ، ولا ينافقك مثلما سوف يفعل بعد احتلامه!! فمتطلبات الحب لدى الأطفال بسيطة وبدائية جداً ، فتكفيهم نظرة حب صادقة لكي يهبوك أجمل ما يملكون (الابتسامة) البريئة. ولكن احذر! فهم شفيفون لدرجة أنهم قد يفهمون سر ابتساماتك الزائفة ، فإياك أن تنافق طفل. كن شفيفاً كي تصل إلى قلوبهم بسرعة وبسهولة.


    وعندما كنا شفيفين ، كانت علاقتنا أجمل وأقوى، فلم يكن يمر يوم إلا ويرفع أحدنا هاتفه ليطمئن على الآخر. نعم ، كانت اهتماماتنا ساذجة وبسيطة، ولكنها كانت صادقة بما يكفي لتجعلها بتلك الأهمية. لم نكن نفهم معنى أن نكون مختلفين ، فنلعب ذكراناً وإناثاً وكأننا من فصيلة واحدة ، لا يفرقنا إلا صراخ أمهاتنا : "يا بت هوووي تعالي هنا". أو عندما يتجهم آباؤنا : "يا أولاد ما تعملوا دوشة".


    الأطفال لا يعرفون المستحيل ، ليس لأنهم أقوياء أو أشداء ، بل ببساطة لأنهم يبحثون عن المعرفة وعن المتعة في كل ما يفعلونه ويقومون به. لذا عندما تقول لهم: "لا" فإنك بذلك تثير شهوتهم للفعل ، وتحفزهم أكثر لمعرفة لماذا "لا" ؟ ربما كانوا يحتقرون الكبار ، ويحتقرون تعاليهم وعجرفتهم الفارغة. وهذا دافع آخر يجعلهم يصرون على فعل (المحرمات) لأن قاموسهم لا يحتوي على (حرام) (حلال) (عيب) (لا) (نعم) (صح) (خطأ) (كخ) إنهم يملكون أدواتهم البسيطة لصنع قاموسهم الخاص.


    أذكر أنه ذات يوم استهوتنا بركة مغلقة للسباحة في قصر الملك فيصل (يرحمه الله) وما استهوانا في هذه البركة أنها كانت مغلقة. فحاولنا المستحيل لندخل تلك البركة، وفي كل مرة كانت محاولاتنا تبوء بالفشل الذريع. فنترك المحاولة ونأتي اليوم التالي لنكرر المحاولة (اليأجومجوجية) حتى نجحنا أخيراً بالدخول. لا تعرف مدى فرحة الأطفال عندما ينجزون! أخذنا ننظر إلى بعضنا البعض بنظرات شكر ، أو انتصار ، أو ماذا تحديداً لا أعرف ولكن كل واحد منا شكر الآخر بنظرة مبتسمة على جهوده التي بذلها في (فتح) البركة.


    كان (ج) أكبرنا سناً ، لذا كان قائد القطيع الذي بيده العصمة فيوجه الدفة كيفما يشاء. فطلب من الجميع الالتزام بالهدوء وعدم إصدار الضجيج حتى لا يأتي أحد الأعداء (الكبار) فيخرب علينا فرحتنا بهذا النصر ، فامتثلنا. بدأ (ج) باستكشاف البركة عن قرب ليتأكد من مناسبة البركة لسباحة (أطفال) بسننا ، وعندما أعطى الإشارة بالـ(هجوم) نزل البركة جميعنا بملابسه!! الأطفال لا يعرفون فن (التجريد) !!! و(جلبطنا) في الماء وأرهقنا الكلور تماماً .. كنا نعوم في المنطقة التي يسمح فيها العوم للأطفال وهي منطقة ليست عميقة بحيث يمكننا أن نتوقف عن العوم وقتما نشاء لنستمتع بالمشي (الكرتوني) داخل البركة مستفيدين من تكتيكات (غريندايزر) و (عدنان) الذي لم تر (لينا) خيراً منذ أول يوم عرفته فيه، و(سانشيرو) و (الرجل الحديدي) و(جونقر)....... (آآه زمن غابر)!!!

    وبينما نحن في تلك (التطبيقات) ، إذ بنا نسمع صرخة مستغيث غير بعيدة، تسمّر جميعنا في الماء ، والتفتنا لنجد ( خ ) في وسط المنطقة المحظورة على الأطفال (للبالغين فقط). لم يكن أي منا يجيد السباحة ، ولكنني انطلقت إليه يدفعني شيء ما لا أعرفه (يبدو أن روح غرايندازر كانت ما تزال تتأجج داخلي وقتها) ، وربما كان هنالك سبب آخر لا أعرفه ، ولكنني – أسوئهم معرفة بالسباحة ، تقدمت إليه لكي انتشلته من الغرق. كانت صرخاته المبلولة تحفزني كلما تعالت فقاعات على سطح البركة الكلورية. والآخرون لا أعلم عنهم شيئاً ، لقد تركتهم خلفي . تباً لهم ألم يعلموا أنني لا أجيد السباحة؟ لماذا لم يمنعوني؟ أتراهم صدقوا أنني قد أنقذه فعلاً بمعجزة ما؟ كم كرهتهم ، ولا أزال (يد الله فوق أيديهم التي لم تتحرك قطرة!!!!)


    ما أن لم تجد قدماي أرضاً تحتها حتى بدأت (أبغبغ) طالباً النجدة على بعد فراسخ من (خ) الذي كان ما يزال في انتظار قدومي على حصان بحري أبيض!! وصدقوني لا أعرف كيف وصلت إليه حتى!! ولا تسألوني كيف استطعت أن أرفع ( خ ) حتى تمكن الآخر من الإمساك بقضيب نيكلي قبض عليه وارتقى خارج البركة وتكالب عليه الجميع وتركوني (أبغبغ) حتى لا أذكر كيف خرجت. ولكنني وجدت نفسي بطلاً منقذاً في أعين (الجبناء) ولم أصدق ما حدث. بعد لحظة واحدة فقط ، خيّل إلي أن ما جرى كان في عهد سحيق ، وأن ذلك الطفل الأسمر شخص آخر غيري . وما ساءني فعلاً أن ( خ ) بدأ يتودد إلي بعد تلك الحادثة بدافع الامتنان لا أكثر ، فغضبت جداً من ذلك الشعور الذي جعلني شخصاً لا يستحق التودد إليه إلا بدافع!!! فتمنيت أن لو أغرقه ذات يوم!


    واليوم ونحن على أعتاب الربع قرن من هذا الحادث ، أجدني لا أزال أكره الماء بل وأخافه ، وأكره ( خ ) الذي كان سبباً في نفوري من تعلم السباحة ، وأكره الأطفال الذين تركوني أتهور في (تطبيق) لا أعرف مهاراته وكرهت (غريندايزر) و(جونكر) و(عدنان) وبالذات (عدنان) هذا .... أخخخخخخخخخخخخ أنا منو...
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de