هذا،أو تمزيق الوطن
إن معركة إلغاء قوانين سبتمبر هى معركة حقيقية من أجل الديمقراطية والوحدة الوطنية فى بلادنا. وفى كل يوم جديد تتكشف مواقف الذين يريدون الإبقاء على تلك القوانين بصورة أو أخرى عن برامجهم الحقيقية التى يحاولون إخفاءها بالشعارات الجوفاء.
ولنأخذ كمثال إصرار بعض القوى السياسية،داخل الحكومة وخارجها،على سن قانونين عقابين،احدهما إسلامي والآخر وضعى،والمأزق الناشي عن ذلك والذى يزداد ضيقا كل يوم.
هل يقوم التشريع على أساس شخصي،أي وفقا لدين كل مواطن أينما كان، دعاة تطبيق الحدود يتخوفون من ذلك ويقولون إنه سيؤدي إلى فتنة المسلمين عن دينهم خوفا من العقوبات الحدية.وهذا منطق غريب من الذين يزعمون انهم يتحدثون باسم المسلمين السودانيين عندما يطرحون إقامة الجمهورية الإسلامية والدستور الإسلامي وتطبيق الشريعة نظاما للحكم فى البلاد.فإذا كان هناك قسم محسوس من هؤلاء المسلمين يصل به رفض تطبيق الحدود أو الخوف منها درجة التحلل من دينه،فأن ذلك أدعى لأن يعيد قادة الجبهة الإسلامية ومن لف لفهم النظر فى برنامجهم بصورته الراهنة.
ولكنهم بدلا من ذلك يعلمون من أجل إصدار تشريع عقابى إسلامى على أساس إقليمي. وهذا يعنى ان يطبق ذلك التشريع ( الحدود) فى الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة، وألا تطبق الحدود فى الأقاليم الأخرى، وهو يعنى أيضا أن تطبق الحدود فى الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة على جميع سكانها مسلمين وغير مسلمين. أما فى الأقاليم الأخرى فيعفى المسلمون من تطبيق الحدود.
والنتيجة المباشرة فى هذه الحالة ستكون رحيل جميع غير المسلمين عن الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة. ولكن الأمر يتعدى ذلك، فتمشيا من منطق الذين يخشون"الفتنة" فإن كل الذين يرفضون تطبيق الحدود أو يخافون منها سيجدون سهلا عليهم أن يرحلوا إلى الأقاليم ذات الأغلبية غير المسلمة،وحتى دون أن يضطروا للتحلل من إسلامهم،بينما يبقى فى تلك الاقاليم المسلمون الذين كانوا أصلا يقيمون بها من قبل.
وربما يكون هذا من أحلام بعض الغلاة الذين يحنون إلى جعل الشمال (دار سلام) صافية للمسلمين لا يخالطهم فيها غيرهم . وربما تكون هذه آخر صيحة عندهم لحل مشكلة مستقبل الحكم فى السودان وللتخلص من مشكلة الجنوب ومن قضية التعددية السياسية والدينية والعرقية المزعجة!
وهذا وجه آخر لعدم القدرة على احتمال مشاكل بلادنا المعقدة. إنه وجه آخر للذين يعتقدون أن حل مشكلة الجنوب مثلا،يجئ بتعميم الإسلام أو تعميم العروبة، فإذا لم يكن ذلك ممكنا فليكن الحل فى شق السودان قسمين.انه وجه آخر للأساس الأيدولوجي للخيار العسكري.
نحن فى وطن متعدد القوميات والأديان والثقافات واللغات والطبقات والمذاهب السياسية. من هذا الأساس وحده ينبقي أن تنبثق ممارستنا الديمقراطية،وفى تربته وحده ينبقي أن تنمو الوحدة الوطنية.
وليس هناك مفر من أن نعيش معا مواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات . وهذا لن يتأتى إلا بدستور ديمقراطي علماني، وبقانون واحد لا تمييز فيه لمواطن على آخر.
هذا أو تمزيق الوطن.
الجمعة 10 يوليو 1987
..............................................................................................