الزائــــــــــــــــــــــر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 11:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد قاسم(ودقاسم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-21-2005, 05:49 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الزائــــــــــــــــــــــر

    خيوط الشمس هذا الصباح لا تبشر بضوء كاف ، وأغصان شجرة النيم تسد النافذة وتحجب الضوء ونسمات الصبح معا ، لكن حركتها المستمرة تشعرك بأن كل ما يحيط بك يدب بالحركة . من خلال النافذة أطلت ندى ومدت بصرها بين فرجات الأغصان المتشابكة وشغلها منظر السمبرية وهي تحط إلى جانب فراخها فوق العش الذي أعدته بإحكام بين فرعين من أقوى فروع الشجرة ، كانت السمبرية تصدر زقزقة وكأنها تحاول إيقاظ فراخها من نومتهم وتحثهم على تناول وجبة إفطار سعت إليها بعيد الفجر وهي تحاول إطعام فراخها مباشرة من المنقار إلى المنقار .. تأكدت ندى أن الصبح قد أطل ، لكنها لاحظت بوضوح أن مستوى أشعة ضوء الشمس الداخلة إلى غرفتها ليست كالمعتاد مما جعلها تظن أن الوقت ما يزال باكرا .
    طرقتٌ باب غرفة ندى ، فأجابتني فورا لتؤكد لي أنها ليست نائمة ، ثم قفزت من سريرها وفتحت الباب وأطلت بملابس نومها لتجدني قد انسحبت من أمام الباب وعدت أدراجي متجها ناحية الصالة التي اعتدنا الجلوس فيها ونحن نشرب شاي الصباح بكامل طقوسه ... أنا وندى ظللنا نعيش في هذا البيت منذ أن رأينا النور لأول مرة قبل خمسة عشر عاما ، خرجنا إلى هذه الدنيا معا من بطن واحدة ، هي سبقتني إلى النور بلحظات لم تتمكن القابلة من حسابها بأدوات حساب الزمن المتوفرة لديها آنذاك ، حيث كان الظل ، وحركة الشمس ، والنجوم ، والقمر هي أدوات القياس... ومن يومها ظللنا أنا وندى نقضي أوقاتنا سويا ، ننام فوق سرير واحد ، نتغذى من ثدي واحد ، ثم نحبو سويا ، ونلهو ونلعب سويا ، وحين نكون في المدرسة يداهمنا شوق عظيم للقيا لا يطفئه إلا التقاءنا فور انتهاء الدروس حين كانت ندى تنتظرني بلهفة عند باب مدرستها ، فتتشابك أيدينا تماما كتشابك أغصان شجرة النيم المقيمة بشكل دائم وسط دارنا ... ثم نذرع الطريق سويا إلى البيت ، وندخل إلى غرفة نومنا المشتركة والتي لم نتركها إلا قبل ثلاث سنوات فقط حين قال أبي أننا بلغنا الحلم ولابد أن تكون لكل منا غرفة نومٍ منفصلة ...
    الشمس ترتفع مسافة في السماء ، لكن خيوطها تضعف بدلا من أن تشتد وتقوى . وفي الصالة داهمنا إحساس بالظلمة اضطرت معه أمي لإشعال الفانوس ، وهي تتساءل : ما بالها شمس هذا الصباح غائمة هكذا ؟ ثم تتوجه أمي إلى ربها : يا ربي ياسيدي ، تفرّج علينا ، وترفع المحن . ومسبحة أبي لا تنقطع طقطقتها وشفتاه لا تتوقفان عن ذكر الله والصلاة على نبّيه ...
    جلسنا أنا وندى بالقرب من أمي وهي تصنع لنا الشاي ، وقد مددنا كفوفنا ناحية الجمر الملتهب ليكسبها شيئا من الدفء نحمي به جسدينا الهزيلين من زمهرير أواسط الشتاء . وكاد الحليب يغلي حين طرق طارق باب بيتنا العتيد ، فناداه أبي دون أن يتحرك من مكانه ، فرد الرجل بإسمه ، ثم ردد السلام ، ثم نعى لوالدي شيخ الطريقة . ذلك القطب العابد الزاهد الذي عاش في قرية بعيدة عنا لكنه ظلّ قريبا من قلوب آبائنا وأمهاتنا . اتجه أبي نحو الباب وكأنه لا يثق في سمعه ولا يصدّق ما سمع ، وعمدت أمي إلى كومة الرماد في مطبخ الدار فحثته فوق شعرها ، ولطمت خدها ، ورفعت صوتها نادبةً صائحة ومولولة ..
    دار الحوار بين الرجلين ، أبي وناقل الخبر ، سؤال من هنا ، وسؤال من هناك .. وعرفت من حوارهما أن أبناء الشيخ - رغم بعد المسافة - قد أرسلوا من ينقل الخبر إلى أهلهم وأقاربهم ومريديهم هنا . وقال أبي مخاطبا الرجل أنه لم يسمع بمرض الشيخ ، لكن الرجل ردّ عليه أن الشيخ لم يكن يعاني مرضا ، إنما شكى صداعا في أول المساء وتوفي قبيل الفجر .. والآن فقط تبين لأمي سبب ضعف خيوط الشمس هذا الصباح ، فالدنيا غاضبة لرحيل القطب الكبير ، والشمس غائمة ، وقد غطّت وجهها وتوارت وكأنها لا ترغب أن تكشف عن حزنها ، أو أنها تلقت توجيهات ربها أن لا تعلن عن فرحة في هذا اليوم أو أن تشارك القوم حزنهم .
    وكنت أنظر إلى ندى وهي تحتل مكان أمي في عمل الشاي لأول مرة ، وبدت لي وكأنها تنتقل إلى مرحلة متقدمة من مسيرتها الأنثوية ، أو أنها قد تقدمت خطوة في طريق تحولها لتصبح ربة بيت . أبي وأمي لم يتناولا الشاي معنا ذلك الصباح ، وانهمكا في الإعداد للسفر إلى قرية الشيخ ليودعا شيخهما ويشاركا في مراسم الدفن . ما رأيت أمي تبكي بهذه المرارة من قبل ، وما رأيت الحزن على وجه أبي أكثر منه ذلك اليوم ، وما رأيت يوما مكفهرا من أيام الدنيا مثل يومنا ذاك . لكن أشد حالات الكدر انتابتني حين دخل المساء ، وكنا أنا وندى وحيدين في منزل كبير لا يوجد فيه أحد غيرنا . كنا ننظر إلى بعضنا بحذر يخالطه خوف ، وكانت ندى تنظر إليّ في ذلك اليوم كرجل يدفع عنها الخوف ويجلب لها السكينة .
    انتابتني موجة خوف حين سمعت طرقا على بابنا ، ونظرت إليّ ندى وكأنها تأمرني بأن أسلك مسلك الرجال ، ففعلت كما يفعل أبي وسألت الطارق من مكاني ذاك : من بالباب ؟
    قال : أنا .
    قلت : أنت من ؟
    قال : أنا شيخ الطريقة .
    قلت : شيخ الطريقة يموت فجرا ويزورنا مساء ؟
    قال : افتح يا بني ، إن أباك وأمك هناك ، وأنتما هنا لوحدكما يتملككما الخوف ، وأعرف أنكما لن تناما الليلة دون أن يكون معكما من تطمئنان على وجوده إلى جواركما .
    قمنا أنا وندى سويا وفي لحظة واحدة . هممنا بالصراخ ، لكنا تماسكنا ، واتجهنا نحو الباب متماسكين تماما كما كنا نفعل ونحن عائدين من المدرسة . وعند الباب سألنا الطارق مرة أخرى : قل لنا من أنت ؟
    قال : جئت لأجعلكما تنامان مطمئنين .
    تذكرت أنني سمعت هذا الصوت من قبل ، إنه نفس صوته ، حين أخذنا أبي في المرة الأخيرة . تذكرت أبي وهو يقول للشيخ أن هذين التوأمين هما كلّ ذريتي ، وطلب منه أن يدعو لنا بالخير والبركة وطول العمر . تذكرته وهو يسلم علينا ، ويقبل خدودنا وجباهنا ، ويمسح فوق رأسينا ، وتذكرت خشونة لحيته البيضاء وهي تداعب خدّي ، ثم يرفع كفيه إلى السماء داعيا لنا ولوالدينا . استجمعت كل شجاعتي وجعلت ندى خلفي ، وبحركة واحدة فتحت الباب وأنا متأهب لأسوأ النتائج ، فإذا بالرجل يقف أمامي بوقاره ذاته الذي رأيته عليه أثناء زيارتنا له ، لم نتمالك أنفسنا ، فارتمينا بين ذراعيه وهتفنا سويا : إنه الشيخ .
    أخذ الشيخ كلٍ منّا بيد ، وأجلسنا فوق سريرين كنا قد أعددناهما لنومنا داخل الصالة نفسها التي تناولنا فيها شاي الصباح . وسألنا الشيخ إن كان بالبيت لبن . فاتيناه بإناء مملوء باللبن ، قرأ عليه شيئا من القرآن ودعا الله كثيرا ، ثم شرب منه قليلا وطلب منا أن نشرب ما تبقى . وعند آخر قطرة من اللبن كنا أنا وندى نياما كلٌ منا فوق سريره متدثرين بأغطيتنا التي اعتدنا استخدامها في كل ليلة من ليالي الشتاء الباردة ..
    وعند الصباح أشرقت الشمس بكامل ضوئها ، فنهضنا ، فإذا بأمي جالسة جلستها نفسها التي نراها عليها كل صباح وهي تعدّ لنا الشاي ، وأبي يحمل مسبحته في يده يذكر الله ويسبحه . سلمنا عليهما ، وعرفنا أنهما عادا عند منتصف الليل ، وحين وجدانا نغط في نوم عميق تركانا نواصل نومتنا تلك دون أن يحدثا أي حركة بالمنزل .
    سألنا أبي وأمي عن الشيخ ، إين ذهب ، وهل التقياه أم لا ؟
    قال أبي أن الشيخ قد واريناه الثرى عصرا ، وأن جموعا غفيرة قد كانت هناك . وطرفت دمعة من عيني أبي ، وتقطب وجه أمي ، وهمت بالبكاء ، لكنها استغفرت ربها ، وسألت الله أن يتقبل الشيخ قبولا حسنا. لكن أبي فاجأه إصرارنا أنا وندى أن الشيخ قد قضى ليلة البارحة هنا معنا في هذا البيت ، وتوقفت أمي عن إعداد الشاي ، ووقفت مذهولة وقد عقدت الدهشة لسانها. وسألنا أبي :
    هل أنتما متأكدان مما تقولان ؟
    قلنا سويا : نعم ، وقد شربنا اللبن من يده بعد أن قرأ عليه ودعا لنا وشرب جزءا منه .
    واكتفى أبي وأمي بقولهما : لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم انفعنا بجاهه ..

    (عدل بواسطة ودقاسم on 10-21-2005, 05:57 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-21-05, 05:49 AM
  Re: الزائــــــــــــــــــــــر هشام مدنى10-21-05, 01:52 PM
    Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-22-05, 01:49 AM
  Re: الزائــــــــــــــــــــــر فيصل نوبي10-21-05, 02:16 PM
    Re: الزائــــــــــــــــــــــر ابو جهينة10-22-05, 01:35 AM
      Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-22-05, 06:41 AM
    Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-22-05, 02:51 AM
  Re: الزائــــــــــــــــــــــر فيصل نوبي10-22-05, 04:56 AM
    Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-24-05, 01:08 AM
      Re: الزائــــــــــــــــــــــر nashaat elemam10-24-05, 03:46 AM
      Re: الزائــــــــــــــــــــــر nashaat elemam10-24-05, 03:47 AM
        Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-24-05, 06:53 AM
          Re: الزائــــــــــــــــــــــر عمار بيلي10-24-05, 07:05 AM
            Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-25-05, 01:36 AM
  Re: الزائــــــــــــــــــــــر لؤى10-28-05, 05:50 AM
    Re: الزائــــــــــــــــــــــر munswor almophtah10-28-05, 10:03 AM
      Re: الزائــــــــــــــــــــــر ناصر محمد خليل10-29-05, 02:28 AM
      Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-30-05, 05:08 AM
    Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-29-05, 12:27 PM
  Re: الزائــــــــــــــــــــــر Hozy10-29-05, 12:48 PM
    Re: الزائــــــــــــــــــــــر ودقاسم10-30-05, 01:00 PM
      Re: الزائــــــــــــــــــــــر Hozy10-30-05, 07:09 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de