|
Re: حين يكون النيل انسانا اسمه عبدالمجيد منصور ( من دفتر العزيمة)!! (Re: ابو عثمان)
|
Quote: وههو يعاني الان من المرض |
أعرف يا ابو عثمان
اردته ان يعرف بان هناك المئات مثلى لم ولن ينسوا سنده وانسانيته
اريده ان يعرف انى بانسانيته اهدج وان اسمه يتوهط صفحة عرفانى فى كل من شهادتى الماستر والدكتوراه اسمه كنهر ساطع...... كفعل اسطع..
اريده ان يعرف الآتى:
Quote: حين أزمعتِ الطائرةُ {أُم بعِلو} الإقلاعَ اجتاحتني الرّغباتُ بأشكالٍ شتى: الرّجوعُ إلى غُرفتنا الطينية, أن تبلّ قدماي قطراتُ المطرِ التي ترشقنا بتحنانٍ قاس فيتلقاها عنا سقفٌ رحيم بسيرة الغرق لأجسامنا الصغيرة.. اجتاحني جنونُ الإيابِ إلى حِجرِ أُمي (عشة - المطرة الرشة) لأناغيها و(أحجيها) وأنزع شوك عذاباتها، أن أمشط لجدتي (أمي حليمة) {مسائرها} وأعطنها في دهن (الكركار) وهى تمسح ما يسيل منه بثوب {زراقها}.. أن أُمطِرَ صعود جدي فتمنحني حاجة حواء (كورة قدوقدو) لأجلس على سجادته فيزيحني بحنانٍ ويتابع صلاته وتهجده, أن أسمع دعواته الطيبات لي ولإخوتي بأن يحفظنا الرحمن من شرور الدنيا ويمنحنا العافية وراحة البال. يا لصوته الشجي في قلبي, يهرّبني من {الطيارة أُم بعِلو}... أن أمسح الدموع التي أراها تنهمر للمرة الأولى على وجه أبي الطيب وصدره يعلو ويهبط وأنا في حضنه أرتعد كعصفورةٍ وليدةٍ تجابه عصف الريح.
ياااااااااه يلتهمني شجن إلى منى, لوكة, إلى الصغيرات ابتهال وإجلال, أخواتي, وهنّ لا ينفكن من حضني كأني ذاهبة إلى المجهول الذي لن أعود منه, يغمرني صوت نجوى الباكي, النجيو كانت الأكثر انتحابا. انهمرتِ الرغباتُ كنداءاتٍ وطبلٍ ومطر, أيوب حبيبي, أريد أن أعود إلى هناك, إلى ثرى تلك القرية بسمائها الأقرب إلى سقف غرفتي التي شهدت ليالي المطر.. لشجرة الليمون، للترعة، لطين تلك الحقول، لوجه عم مصطفى، لحنية خالتي ست البنات ورشا، لنزار ومشاكساتنا الحبيبة، إلى رجاء, سناء, سرورة ومحمد على,... أريد أن أعود إليك أيوب لنبني بيتنا من غمام الحلم ونبدأ كما أي اثنين, أن أعود إلى صمتك وحنيتك, عنادك وحكمتك، إلى خفة روحك (الريشة التي حملتني لما انهمرت العواصف إلى ساحل آمن). أن أنتظر (أمين محمود) بالسخينة و(آمنه وأميمة) يجففن دموعهن وتغرس خالتي (رقية) في قلبي الطمأنينة بأني سأعود سالمة وغانمة وتدخلني في حضن أمومتها الهادرة.. فيما جدتي تبدو متيقنة بأني لن أعود بالخيال: ستبقين وحيدة!! وكوستي,مدن الحنين في عمري تصطف في تظاهرة حزن ودموع الوداع تملأ عيناي, وخالتي آمنة التي تبكي بحرقة وصوتها لا ينفك يردد {يا حليل بنات آمنة الفاتو}... سأعود يا خالتي, سأعود هذا وعدا لعينيك اللتين ستضحكان يوم عودتي أن شاء الله. خديجة ابنة خالتي آمنة وأحد رموز كفاحي تردد بصوت مشحون بالبكاء مخنوق بالفراق: ستعودين أن شاء الله, منتظرنك يا بهجة عمرنا.. طارق جبارة, شقيقي الذي لم تلده أمي والذي رافقني للقاهرة وشدّ من أزري حين تقاعست عن السفر, شهراً كاملاً قبل السفر ودموعي لا تجف ليلاً أو نهارا وأردد بإصرارٍ مدعومٍ من الأصحاب والصاحبات والأهل: لن أسافر!
سندني الوالد عبد المجيد منصور ومنحنى فرصة أن أحقق بعضاً من أحلامي, بل كان سنده حبات البن الإنساني التي نثرت في أساس مقبل أيامي, ماذا أقول له بعد أن تبرع ليّ بسخاء وأبوة تطابق حنان البلد الأمين على فلذات كبده, ماذا أقول لمحمد إسماعيل وأقدامه قد حفت وهو يقود تنظيم الحفل الخيري لأسافر؟ ماذا أقول لعبد اللطيف علي وهو يطمئنني على سيرة كتاباتي التي تركتها كأثمن وديعة لمتابعة نشرها؟ ورابحة حماد, حنان الطاهر وحنان بابكر وقد شدّدن من جناحيّ لأحلق يوما ما بأفقٍ بعيد, ماذا أقول لهن؟ لابدّ من مواجهة هذا التحدي. على إني سأعود كما عاد {الابن الضال}, سأحكي عنك, عن جمال نيلك, عن ناسك وترابك!!
بدأ أزيز الطائرة يرتفع وأنا أصطك كورقة بخريف عاصف في مهب الفقد والخوف وخيوط الأمل البعيدة تهمد روحي كلما ارتفعت الطائرة, أحاول أن أجد مخرجا, أن أرى النيل من نافذة بدت لي خرما تعيسا, فلكم اشتقت أن أعود إلى النيل وأن أغرقني فيه قربانا في زفة عرس لبحر أبيض, لوهلة كانت الأرض في بهاء خصوبتها وأقدامي التي تهتز فزعا وأنا مسمرة على كرسي {الطيارة أُم بعِلو} الذي ابتلعني بدلاً من أشواق النيل, أريد أن أعوووووووووووووووود, كدت أن اصرخ بعلو حزني وأطالب الكابتن بأن يرجعني, لسافنا قلبي, لغاباته المترعة بالناس اللذين أراهم هبهبان قهوة عمري. أريد أن أعود إلى حضن أمي حليمة, إلى جدتي حبيبتي لأتغطى بثوبها وأشم رائحة حضنها ودهن شعرها وأمسح دمع فراقي من أخاديد ومطارق وجهها البهي, آه لو أنها استطاعت السير والتغلب على تلك الرطوبة التي أقعدتها لركضت خلفي وأعادتني إلى حيث الأمان وسط أهلي وناسي بذلك الحي الصامد كالأولين في كوستي حبيبتي التي غمرتني بحضنها, صوتها المنتحب وهى تقاوم لأجلي, لأجل رغبتي أن أحقق ما أحلم به, أن أواصل دراساتي العليا, أن أمنحها شهادة نجاحي عرفانا لسندها النبيل, وحالما أجد وظيفة كريمة فأن أول ما سأفعله هو أن أشتري لحبيبتي الدواء الناجع للرطوبة التي أقعدت قدميك الحمامتين، وخاتماً كبيراً له – فاروظة- من قلبك, سأشترى لأمي ثيابا زاهية, ستلبسين يا أمي {أبو قجيجة} و{رسالة لندن} كما نساء الأفندية, وسأبني بيتنا, وتكون لنا أسِرةً دافئةً و{عناقريب} كافية لنا ولضيوفنا، وسيسافر أبي وأمي إلى الحج فيشرق وجهاهما بالضياء وسينتظر أهل الحيّ ماء زمزم, سـ..... وينتزعني أزيز الطائرة من كل ذلك.. تغيب الأرض وتلوح السماء كسقف أقرب إلا أنه ليس كسقف تلك الغرفة فى تلك القرية البعيدة لا يشبه سقف مولدي وطفولتي وناسي..
لا أدري كم لبثت في الذكريات حينها كأنها أعادتني إلى حيث مكان وزمان بعيدين.. يوم ولدتني أمي, في ليلة المخاض والألم الجميل وهي وأبي ينتظران مولدوهما البكر.. وكأن رحلتي لم تكن إلا عبر هذا الماضي البعيد الذي سكنت فيه بطمأنينة
|
يظل عبدالمجيد منصور خالدا فى دروب الناس الفقيرة ويظل ثراء النفس واظل ممنونة له طول عمرى... وان مت يظل سيرة نبيلة للاجيال القادمة.. انه فى بلاد النيل انسان اسمه عبدالمجيد منصور مرآتنا الاجمل التى فيها نرى جمال معدنه..
------------ من الفصل الاول من أنثى الانهار التى لم تكتمل بعد لن اغير فيها, فحين كتابتها كان للقلب شأن وله الآن بحيرة لبجعات الحزن حولها اجلس وكسارة البندق......
|
|
|
|
|
|