|
نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة
|
كانت سلسة المقالات التى كتبها صديقي المثقف عادل عبدالعاطي بعنوان " حزب الأمة .. حصان طروادة الحركة الوطنية" فاتحة لتداعيات جمّة فى البورد ، فهى من جانب أتاحت للكثيرين _ أنا منهم _ فرصة واسعة للادلاء بشهادات وآراء منوّعة ربما اصطبغت بالحدة " غير المحمودة " فى بعض الأحيان ولعل هذه الحدة هى واحدة من آفات الحوار السياسي فى السودان ، وفى البرء منها تكمن بعض المعالجات المطلوبة فى اتجاه ترسيخ مفاهيم جديدة ، من جهة ثانية ، فان مقالات الصديق عادل عبدالعاطي ، تفهم فى سياق نقد التجربة السياسية السودانية بكاملها ، والحال هذي فما من بد من الاعتراف بأن الهنّات البحثية والأكاديمية سواء فى مبحثه أو مباحثنا لا تقلل أبدا من ضرورة مواصلة الحوار وبذات الجرأة ، لأن المحصول الفكري والسياسي ، والممارسة المكتسبة عنها ، فضلا عن تراكم التجربة السياسية فى السودان تدلل الى خلل بنيوي "اولا" ، وهشاشة ديمقراطية لا تسلم منها الاحزاب السودانية ولا الكيانات الاجتماعية ، ولا العقل الجمعي . علينا أن نفطن الى أن الديمقراطية المنشودة لا تتأسس الا بردم هوات واسعة ، قائمة فى العقل الجمعي _ ان صح التعبير _ ، وفى طبيعة الانتماء السياسي ، وطرائق الولاء ، ومفاهيم المحاسبة والتساوي والحقوق . انطلاقا من رغبة تبدو مشروعة فى سبر أغوار الممارسة السياسية وتداعياتها ، لابد من الاعتراف بأن تبرئة حزب الأمة من دوره فى هذا الخراب ، ستكون مجازفة أكاديمية ، ومراهنة سياسية خاطئة ، المتضرر الأول منها : الضمير . ولئن بدا للبعض تحميل "الانقاذ" مثلا كل الوزر فيما حاق ببلادنا ، فان هذا النوع من اختزال الأزمة يعد ضربا من التعمية والتنصل من المسؤولية ، فالانقاذ _ برغم أخطائها الفادحة والمريرة فى آن _ هى نتاج تراكمات تغذّت من الواقع ، ليس فى شكل التلقين السياسي الداخلي والمستلف فحسب ، بل فى نزعات وجدت بيئة ملائمة للنمو والتغلغل من خلال نسيج اجتماعي واه ، وممارسات سياسية مشوّهه ، وكساح فكري أقعد المفكرين السودانيين منذ الاستقلال عن استكشاف طرق للتخطيط الاستراتيجي ، اذ أن السياسة السودانية تقتات من المرحلي فحسب _ كما أري _ ، ومن جملة علاقات مختلة بين الدين والسياسة ، وفى فهم النصوص الدينية نفسها ، وفى علاقة الانسان السوداني بالدين ، وسهولة تجنيده لجهة كيانات تتلبس بلبوس الدين كي تستقطب أكبر قدر من المؤيدين لمشروع سياسي صرف . هذا الواقع ، اضافة لاختلالات ثقافية واستقطابات اثنية حادة ، فضلا عن تراكمات تاريخية _ ربما أثارها ببراعة الصديق أبكر آدم فى بوست عن الهوية والثقافة _ تنضاف الى الواقع السياسي القاتم وتغذيه ، ولا يسع المرء الا التنويه أيضا بدور النخب السودانية ، المسيّسة وغير المسيسة ، المدعيّة الديمقراطية ، واللائذة بأحضان الحكومات الأوتقراطية ، اذ يتوجب كذلك فهم دور النخب تاريخيا وادوارها فى صناعة "الخراب" عوضا عن تموقعها الطليعي لتنوير الشعب ، وتوعيته ، فى خضم هذا ، لا يمكن نزع "نخب" حزب الأمة ايضا من محيطها النخبوي ، وتطويعها _ كما غيرها من النخب _ مواقعها وصفويتها لجهة امتيازاتها السياسية مع استحالة التعميم بالطبع . الواقع السوداني ، اذن ، هو متقاطع ومربك الى درجة كبيرة . والخوض فيه بدراسة جميع جوانبه يلزم تقصيا لجميع عناصر الاشعال والتوترات . فهمي لهذا الواقع مع استعصاء مفاتح حلّه كلها علىّ ، لا يسوقني بالضرورة الى الاتكاء على مبررات واعتذارات اقدمها بالانابة عن حزب الأمة . بالعكس ، ذلك يقود الى فهم جديد ، بضرورة الرجوع الى التاريخ ، وفحص الحاضر ، وادانة الممارسات الخاطئة ، والاختلاف مع الطروحات الفكرية غير المتبلورة ، وصولا الى فهم حاجيات المستقبل بوصف حزب الأمة ليس حزبا سياسيا فحسب ، انما هو بجماهيره ، وخطاباته السياسية والفكرية والاجتماعية جزء مكوّن لنسيج مجتمعي وثقافي وسياسي وفكري أكبر هو : السودان . ولا يصح الحديث عن مشروع نهضوي ما لم يكرّس مثقفون نابهون فى كل "الكانتونات" السياسية والدينية والمجتمعية والقبلية والجهوية جهدا يرمي الى تفكيك الاشكالات ، وطرحها بجرأة تصل الى حد الاعتراف ، والاعتراف مطلوب منا جميعا . هل يسعني الاعتراف بدور حزبي فى التشويه الحاصل وغضّ طرفي _ كمثقف شمالي _ واعني جغرافية شمال السودان تحديدا ، وكم أنا آسف جدا لاستخدام هذا التعبير الذى اراه عنصريا فجا ، هل بوسعي غضّ الطرف عن ضرورة اعترافي كذلك بالقيم الثقافية الراكدة و"الاستعلائية " التى يتحلي بها قطاع مقدر من مجتمعي الصغير فى الشمال بل ومحاولة القيام بجهد ثقافي مطلوب فى اتجاه ترسيخ قيم جديدة غير قائمة على الاقصاء والاستئصال وعدم الاعتراف بالآخر ؟ وهل بوسعي تجاوز دوري كمسلم ينبغي منه أن يسهم _ كمثقف _ فى التنوير بحقوق السودانيين الذين ينتمون لديانات أخري ؟ وما مدي التقاطع والتداخل _ أيضا _ بين هذه الأمور ودور أىّ مثقف فى اطاره السياسي كعضو ملتزم ؟ ان حزب الأمة ، هكذا ، بالأبعاد الاجتماعية والثقافية والدينية التى تطرقت لها ، هو وليد ظروف محددة سياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا . بمعني آخر هو ليس بمعزل عن عوامل الخلل الناشئة عن "فهمنا " لهذه المفاهيم واختزالنا لها ، وبمقدوري العودة كذلك لطرق أبواب محكمة الاغلاق تتعلق بفهمنا المبتور لمفاهيم جوهرية لا تأسيس لسودان جديد بدونها وهى : الدولة المجتمع السياسي المجتمع المدني الديمقراطية الحقوق الدستور والتشريع المواطنة والمواطنية الحزب : / الولاء / الانتماء / الاختلاف والتباين المؤسسة مؤسسات المجتمع المدني السلطة الواجبات وغيرها من المفاهيم الضرورية التى لا يتسع لها هذا المقال ان اردنا تحليلها ، والاشتغال بمقاربات بين تعريفاتها المختلفة . هذا من جانب ، يربط حزب الامة بأوجه غير سياسية بحتة للأزمة ، لكن فى المقابل ، لابد من مساءلة الحزب عن أدواره فى هذه الأمور ، ومدي جديته فى تفكيكها لصالح مشروعه المدني المقترح . من جانب ثان ، فان الأزمة السياسية لا يمكن ردها فقط لهذه العناصر الجوهرية البنيوية فقط ، اذ أن هناك دور لابد أن ينسب للقيادة (بوصفها نخبة تدير أمور الحزب) ، ولها نشاطات ايجابية لا يمكن التغافل عنها ، كما لا يمكن الادانة على صعيد واحد ، اذ تتفاوت الادوار ، لكن بشكل عام ، يتوجب مساءلة الحلقات القيادية فى حزب الأمة على صعيد التاريخ ، وعلى صعيد الحاضر ، وعلى صعيد تأسيسها للمستقبل . على مستوي الانجاز الفكري ، والممارسة السياسية ، والدور المفترض تجاه الجماهير وتجاه الوطن . الى أىّ حد تجاوز الحزب اخفاقاته التاريخية فى ترسيخ الديمقراطية ، ليس على مستوي السودان وانما على مستوي قاعدته الجماهيرية ، والى أىّ حد قدمت شروحات لمفاهيم الحقوق والواجبات ، وكيف تمّ التعامل نظريا وعمليا مع اشكالية التقاطع بين كيان الانصار وحزب الأمة ( مع مسألة الامامة )، وهل يتجذر وعي عريض فى داخل الحزب بأدواره غير السياسية فى تفكيك الاشكالات المجتمعية والدينية والثقافية فى السودان ؟ لكي نناقش هذه الاشكالات مع غيرها ، لابد من الاعتراف بحزب الأمة كجسم سياسي سوداني تحيط به ظروف موضوعية وأخري ذاتية ، تعطلت مسيرته الديمقراطية بسببها او بسبب تباطؤ القيادة فى احايين اخري . ولتأسيس منهج أكاديمي صارم فى هذا المبحث ، لابد من تضمين الحيثيات قدرا من الاعتراف الصريح بأن مشكلات البنية السودانية سياسيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا هى مسؤولية جماعية تتفاوت تبعا لظروف وملابسات محددة وقاطعة . ولطرد الكسل الذهني عنّا جميعا لابد لأعضاء حزب الأمة من أن يدلوا بآراء شفافة ، وللآخرين أن يناقشوا من واقع مسؤولية وطنية تملي علينا جميعا أن نتدبر امور بلادنا فى شتي النواحي بضمير يقظ ، ومن دون تعسّف لا يحيط بأسباب الأزمة مجتمعة . واذا كان الركون الى شروط اخري فضلا عن شرط الدراسة السياسية المطلوبة واجبا ، فان هذه الأخيرة تحتاج الى مسبار عميق يفحص وجوه كثيرة لأزمة حزب الأمة ، ويستعرضها لوصول الى خلاصات نقدية واضحة لا يمكن اعتبارها من قبيل التواطؤ أو النيّة فى الهدم والاقصاء ، انما الاعتبار الوحيد الذى سيتضح لكلّ ذى بصيرة _ من الحادبين على حزب الامة أو المعارضين له _ هو اعتبار المسؤولية الوطنية الجامعة بغرض الدفع قدما بوعينا التاريخي ، واستنهاض أحزابنا ، واسداء خدمة لها باطلاعها على آراء نقدية أمينة تسعي فعلا الى تأسيس سودان جديد .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-26-03, 04:24 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | السمندل | 05-26-03, 06:02 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-26-03, 08:25 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | فيصل النعيمه | 05-26-03, 09:41 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-26-03, 09:53 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | abdel abayazid | 05-27-03, 00:22 AM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | motaz ali | 05-27-03, 03:01 AM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-27-03, 08:02 AM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-27-03, 01:50 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-28-03, 07:02 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | محمد حلا | 05-28-03, 08:24 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | محمد الواثق | 05-28-03, 09:14 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-29-03, 02:58 PM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | Abdel Aati | 05-30-03, 09:55 AM |
Re: نحو نقاش هاديء وموضوعي حول حزب الأمـة | خالد عويس | 05-30-03, 02:21 PM |
|
|
|