إلى الأستاذة رشا عوض... أهديك مقالات الأستاذ عيسى إبراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 03:50 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.ياسر الشريف المليح(Yasir Elsharif)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-26-2008, 12:27 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48706

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إلى الأستاذة رشا عوض... أهديك مقالات الأستاذ عيسى إبراهيم

    قرأت مقالا متميزا للأستاذة رشا عوض بعد أن تم نقله إلى صالون الجمهوريين.. والمقال منقول عن صحيفة من الصحف ولكن للأسف لم أجد رابط الصحيفة أو المقال.. المهم أن المقال جيد جدا ولكن يهمني أن أعلق على الجزئية المكتوبة هنا باللون الأحمر وأرجو أن تتمكن الأستاذة رشا من الإطلاع عليه..



    Quote: في ذكرى استشهاد محمود محمد طه: حرية الضمير أم الحريات؟
    رشا عوض
    امس الثامن عشر من يناير الجاري حلت الذكرى الثالثة والعشرين لاستشهاد المفكر العظيم الأستاذ محمود محمد طه، الذي كان إعدامه آخر دركة من دركات الحضيض انحدر إليها النظام المايوي بقيادة إمام ذلك الزمان! جعفر نميري الذي بايعه ضعاف العقول والنفوس إماما للمسلمين وحاكما بأمر الله، فيا بئس ما فعلوا!
    إن اغتيال محمود محمد طه لم يكن الجريمة الأولى أو الوحيدة للنظام المايوي، ولكنها الجريمة الأجدر بوقفات التأمل والتفكر واستلهام الدروس والعبر في سياق بحثنا النبيل وكدحنا المضني في دروب الحرية والسلام والتقدم. فالأستاذ محمود محمد طه لم يرفع سلاحا ولم يسفك دما في معارك الصراع على السلطة والثروة، فهو العابد الزاهد القانع من كل زينة الدنيا وزخرفها ببيت (الجالوص) و(عنقريب الحبل) و(الكسرة بالويكة) و(موية الزير)، والذي قاده إلى حبل المشنقة هو مجاهرته بأفكاره التي توصل إليها بأدائه لفريضة التفكير الحر المستقل عن المسلمات الموروثة، أي أداؤه لتلك الفريضة الغائبة التي يسعى أهل الكهوف إلى تغييبها إلى الأبد عن مجتمعاتنا مع سبق الإصرار والترصد، مستغلين في سعيهم الهدام هذا الطغاة والمستبدين.. وهذا التغييب لفريضة التفكير الحر هو جذر أزمتنا الحضارية وهو سبب تخلفنا وهواننا على العالمين! وبدون بعث هذه الفريضة وبدون إقامة النظم السياسية والاجتماعية التي تكفل ممارستها في حرية وطمأنينة دونما خوف من محاكم التفتيش وسيوف الهوس والجهل لا أمل في نهضتنا وتقدمنا.
    ولكن السنن المتواترة في التاريخ والاجتماع البشري تشهد بأن درب الحرية هو درب التضحية؛ درب الإقدام القتال، وأيما شعب أراد الحرية لا يكفيه أن يكون من بين أبنائه علماء ومفكرون فحسب بل لا بد أن يكون لهؤلاء من الصلابة وقوة العزيمة والجسارة ما يجعلهم يدفعون حياتهم ثمنا لحياة أفكارهم! ما يجعلهم لا يساومون ولا يداهنون ولا يتحايلون على حساب أفكارهم من أجل أن يدرأوا الموت عنهم، فبمثل هؤلاء تخلد الأمم، وبمثلهم يتجلى سمو الإنسان وتفرده بين الكائنات. فحب الحياة وحب البقاء والخوف من الموت هو غريزة إنسانية ولكن العظماء هم من يترفعون على هذه الغريزة وغيرها من أجل القيم والمثل العليا، من أجل الكرامة والحرية من أجل الانتصار للفكرة والموقف الأخلاقي وبهذا فقط يكون الترقي في مراقي الكمالات الإنسانية والانعتاق من أسر قبضة الطين!.
    أهمية التفكير المتأني في فاجعة إعدام الأستاذ، تنبع من أن الذين تآمروا عليه لم يحصروا فعلتهم في إطار سياسي، بل استغلوا الدين في تبرير جريمتهم، فاكتسبت الجريمة مشروعية دينية وتحولت إلى فتح إسلامي مبين، حيث قتل المرتد الأثيم الذي أراد أن يفتن المسلمين عن دينهم! ومكمن الخطورة هو أن منهج التفكير السائد في المجتمع في الغالب الأعم يقر بأن قتل المرتد واجب ديني! ولن يتم تجاوز ذلك إلا بتجديد فكري عميق وفق منهج منضبط ومتسق من الناحية النظرية يؤسس بشكل حاسم لحرية الضمير في الفكر الإسلامي، فهي أم الحريات عندها تبدأ كل حرية وبمصادرتها تنتفي كل حرية!
    فمخطئ من ظن أن المسؤول الوحيد عن اغتيال محمود هو النظام المايوي، مع كامل إدانتنا لذلك النظام، ولكن لا بد أن نتذكر جيدا أن هناك محكمة ردة انعقدت للجمهوريين في عام 1968م أي في عز العهد الـ(ديمقراطي) الأكتوبري!! وفي ذات العهد في عام 1965م تم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبون من البرلمان على أساس ديني!! وذلك يستوجب الاعتراف بأن الديمقراطية في بلادنا يقوضها في المقام الأول غياب فلسفة وثقافة الاختلاف، قبل أن تقوضها الانقلابات العسكرية!.
    ولكي نبني ديمقراطية حقيقية لا بد من إعمال النقد الصارم في كل تجاربنا وممارساتنا، ويجب أن تشمل المراجعة النقدية الجميع ولا تستثني أيا من التيارات الفكرية والسياسية بمن في ذلك الجمهوريين أنفسهم، فقد وقعوا في خطأ تاريخي عندما أيدوا (ثورة مايو) في بداية عهدها، وهو خطأ لا يحتمل التبرير! فثورة مايو التي اعتقد الجمهوريون -وعلى رأسهم الأستاذ- أنها خطوة إلى الأمام، فأثبتت التجربة العملية أن أخصب أرضية لازدهار الهوس هي أرضية الاستبداد، وهذا النقد لا ينتقص من قدر الأستاذ وجماعته، فلا وجود في هذه الدنيا لتجربة إنسانية كاملة ومبرأة من كل عيب.
    ولذلك فإن خطأ الجمهوريين لا يقلل من عظمة ما فعله الأستاذ في مواجهة المحاكمة المهزلة فقد رفض الاستتابة، ورفض أي شكل من أشكال التعاون مع تلك المحكمة المهزلة، واكتفى بأن سجل كلماته الخالدة: "أنا أعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر1983م، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام، وأكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه، يضاف إلى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب، وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد..هذا من حيث التنظير أما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب وتشويه الإسلام وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين، ومن أجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين".
    بهذا الموقف الشجاع وبابتسامته المهيبة على منصة الخلود (وليس الإعدام) اختتم محمود حياته.. وهنا أود أن أكرر ما سطره الأستاذ خالد عويس في عدد الخميس العاشر من يناير الجاري في صحيفة (صوت الأمة): "محمود وهو معلق على المشنقة كان حذاؤه يعلوهم جميعا بمن فيهم إمامهم (المزعوم)، وكأني به يتمثل أبيات الشاعر المصري أمل دنقل:
    معلّق أنا على مشانق الصباح
    وجبهتي بالموت محنية
    لأنني لم أحنها حية!
    يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
    منحدرين في المساء
    في شارع الإسكندر الأكبر
    لا تخجلوا ولترفعوا عيونكم إليّ
    لأنكم معلّقون جانبي
    على مشانق القيصر
    فلترفعوا عيونكم إليّ
    لربما إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ
    يبتسم الفناء داخلي.. لأنكم رفعتم رأسكم مرة!!".


    كانت الأستاذة رشا عوض من ضمن المتداخلين في ندوة الأستاذة محمود محمد طه في مركز الخاتم عدلان في يوم السبت 19 يناير وقد وصف الأخ شاهين مداخلتها بالرائعة.


    وربما يتمكن المركز من نشر مداخلتها..

    ما يهمني الآن هو لفت نظر الأستاذة رشا إلى هذه كتابة متميزة للأخ الأستاذ عيسى إبراهيم نشر منها حتى الآن ثلاث أجزاء في صحيفة الأحداث وسيتم نشر الجزء الرابع في يوم الثلاثاء 29 يناير..

    للأسف ليس لدي رابط صحيفة الأحداث وأنا إنما أنقل عن صالون الجمهوريين الذي وضعها فيه الأخ عيسى إبراهيم وهو نفسه الذي نقل مقال الأستاذة رشا عوض..


    Quote: في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
    الجمهوريون ومايو: جرد حساب (1)

    عيسى إبراهيم*

    * نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

    دوافع الكتابة
    قدَّم أخي وصديقي وابن (دفعتي) في "الميري" البروفسير محمد المهدي بشرى ورقة بعنوان "المثقف والسلطة: مصائر فاجعة" في المؤتمر العام الثاني لاتحاد الكتاب السودانيين تناول فيها ضمن من تناول علاقة الاستاذ محمود محمد طه "اقرأ الجمهوريين" بسلطة مايو وهي علاقة كثيراًً ما يعتورها سوء التفسير ومجانبة الفهم للواقع المعاش والقراءة الظاهرية المتعجلة وعدم الانصاف عند الكثيرين مِنْ مَنْ نعدهم علماء ومفكرين وكتاباً وحتى باحثين، لا نريد أن نسوق الأعذار أو نلتمس المبررات خاصة وأن الفترة المعنية والتي حملت شهادتها ومضت لم يمض عليها كثير زمن ولم تدخل في ذمة التاريخ بصورة لا يمكن استدعاؤها والكثيرون مِنْ مَنْ عنيناهم بالذكر هم شهود عيان ومعاصرون لفترة العقدين من "65 إلى 85 " ومن ضمنهم أخي دكتور البشرى!!.
    نعت محمد المهدي الأستاذ محمود بـ "تعجل النظر في الحكم على سلطة مايو الاستبدادية" وقال إن محموداً: "وقف إلى جانب سلطة النميري وناصره بقوة" وواصل ليقول: "وحتى عندما بالغ النظام في العداء للشعب السوداني كان محمود وجماعته يدافعون عن سياسات النظام ويسوغون (هكذا في الأصل واعتقد أن الدكتور بشرى يقصد يسوقون) له المبررات" إلى أن يقول: "فالفكر الجمهوري لم ير في الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي جرت البلاد إليها سياسات نميري، لم ير فيها سوى "أزمة أخلاق" فنجدهم يكتبون في مطبوعاتهم "إن أزمة أمتنا الراهنة هي أزمة أخلاق فنحن لا ينقصنا التخطيط العلمي ولا الخبرة الفنية ولا الكوادر المؤهلة بقدر ما تنقصنا الأخلاق" ما يستغرب له أن الدكتور يتبع أسلوباً غير محكم في الاشارة إلى المراجع التي استقى منها المعلومات فنجده يكتب (الأخوان الجمهوريون: 1982) وهي اشارة لا تفي بالغرض فالجمهوريون كتبوا عشرات الكتب في العام المشار إليه .
    ولكن هل حقاً كان الجمهوريون يرون في نظام مايو المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي ؟! أنظره يقول: "وقد ظل هذا الفكر يركز على مفهوم أزمة الأخلاق ويوظفها كمنظور في رؤية الواقع السياسي في البلاد ولعل هذا مما قاد الفكر الجمهوري وقادته ليروا في نظام مايو بكل دكتاتوريته واستبداده المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي".
    تساءل محمد البشرى في ورقته عن أسباب الكيل بمكيالين من الجمهوريين تجاه نميري والسادات من جانب وتجاه عبد الناصر من جانب آخر، إذ – في وجهة نظر بشرى – أن الجمهوريين يعتبرون عبد الناصر هو المسؤول عن الهزيمة التي لحقت بالعرب في يونيو حزيران"!.
    يقول الدكتور: "حاولنا تلمس التأييد المطلق الذي حظي به نميري ونظامه من قبل الفكر الجمهوري" فهل حقاً كان تأييد الجمهوريين لنميري ونظامه تأييداً مطلقاً من غير قيد أم كان مقيداً؟!.
    أبدى دكتور محمد حيرته "من اهمال أو تجاهل أغلب الكتاب الذين عالجوا أمر الفكر الجمهوري لموقف الفكر من نظام جعفر نميري الاستبدادي" وقال أيضاً: "نادرة جداً المرات التي يقف فيها باحث أو كاتب أمام علاقة الفكر الجمهوري بنظام جعفر نميري القمعي، فهذه العلاقة تطرح الكثير من التساؤلات وأهمها مبررات وقوف مفكر في استنارة محمود مع حاكم مستبد"، والغريب أن كل هذه الحوافز و" المشهيات" المطروحة من قبل أخي وصديقي الدكتور الباحث والبروفسير بشرى لم تنهضه للتصدي لهذه المعضلة ليفك شفرتها ويذلل صعابها للمتسائلين والمحتارين، وهو على رأسهم!!.
    بالرغم من قول البشرى "وإذا كان من الممكن النظر لسلوك المهدي وخليفته في سياق عصرهم وفي ظل الظروف الدولية التي فُرضت على المهدية دولة وثورة، والبحث عن مبررات للسلوك الاستبدادي للحاكم" لكنه يتجاوز معايير الحكم هذه ولا يستدعيها لمحاكمة الجمهوريين وفق منظورها!!.
    هذه باختصار - أرجو ألا يكون مخلاً - الدوافع التي قادتنا للكتابة، وإثارة الموضوع، ومحاولة رفد القارىء العزيز بالمعلومات التي تجلي غامض الموقف، وتقرب إلى الأفهام ما بعُد من تفسيرات ومبررات.

    البحث عن "فولتير" سوداني
    الحاجة إلى "فولتير" سوداني حاجة ملحة وعاجلة، يقول فولتير: "قد لا أتفق مع رأيك ولكنني على استعداد لأن أدفع حياتي رخيصة في سبيل أن تقول رأيك" ولقد عانى الجمهوريون ولا يزالون في سبيل توصيل فهمهم إلى الناس، ولقد تضافرت جهود كثيرة لحجب وتشويه رأيهم، ليست بغائبة على المراقبين والدارسين، ولقد سعى الجمهوريون طوال حركتهم لبناء رأي ثالث يسعى للحوار وتكون مصلحته الحقيقية في تقويم أركانه وتثبيت أقدامه فلم لا تكون - عزيزي القارىء - فولتيراً سودانياً؟!.

    مرافعة أولى
    المناخ السياسي قبيل مجىء مايو (65 – مايو 69)
    أولاً الأوزان السياسية للأحزاب السودانية
    في أول انتخابات بعد ثورة اكتوبر (انتخابات مايو 65) نال حزب الأمة 75 مقعداً والوطني الاتحادي 52 مقعداً والمستقلون 15 مقعداً (من ضمنهم أحد عشر مقعداً يمثلون الحزب الشيوعي السوداني) ومؤتمر البجا 10 مقاعد وجبهة الميثاق الاسلامي 3 مقاعد وحزب الشعب الديمقراطي (رغم مقاطعته المعلنة للانتخابات) 3 مقاعد و3 مقاعد فاز بها من ليس لهم انتماء معلن للأحزاب السياسية، وكان العدد الكلي للمقاعد 158 مقعداً من غير دوائر الجنوب(1).
    في الانتخابات التالية (مايو 68) كان الوزن الحزبي كالآتي: الاتحادي الديمقراطي 101 مقعد، جبهة الجنوب 10 مقاعد، الأمة جناح الصادق 36 مقعداً، الأمة جناح الإمام 30 مقعداً، مستقلون 9 مقاعد، إشتراكيون مقعدان، جبهة الميثاق الاسلامي 3 مقاعد، حزب أمة 5 مقاعد، مؤتمر البجا 3 مقاعد، حزب سانو 15 مقعداً (2).

    ثانياً عظم نزاع الفترة
    اتسمت الفترة المشار إليها، بالنزاع الساخن بين دعاة تطبيق ما يسمى بالدستور الإسلامي وقوى المجتمع المستنيرة المقاومة لهذه النزعة المتسارعة، والمستغلة للقوى ذات الغلبة العددية في برلمانات تلك الفترة، وتمثلت قوى المقاومة في حركة الأخوان الجمهوريين تحت قيادة الأستاذ محمود محمد طه وقوى اليسار عموماً.

    البداية
    تم تشكيل لجنة فنية للدراسات الدستورية في يوم 26 يناير 1966 برئاسة محمد ابراهيم خليل وزير العدل حينذاك وعضوية السادة جلال علي لطفي، د. حسن الترابي، د. مدثر عبد الرحيم، مامون سنادة، أحمد متولي العتباني، إبراهيم المفتي، اسحق محمد الخليفة شريف، حسن عمر، نتالي الواك، د. سيد أمين، وقد اعتذر ابراهيم المفتي عن قبول عضوية اللجنة نسبة لأعبائه الوزارية، وفي 11 ديسمبر 1966 أعاد مامون سنادة وزير العدل آنذاك تشكيل اللجنة بإضافة السادة: عبد الماجد أبو حسبو، كمال الدين عباس، اميل قرنفلي، أحمد زين العابدين، د. عقيل أحمد عقيل، في 19 فبراير 1967 تم انتخاب د. المبارك الفاضل شداد رئيساً لها.
    أخذت اللجنة الفنية توالي تقديم مذكراتها الفنية فجاءت بالمذكرة رقم (2) عن "الدولة الاسلامية والعلمانية" وبعد مداولات ومباحثات في أربع جلسات متتالية اتخذت القرار الآتي: "أن يكون دستور السودان مستمداً من مبادىء الإسلام وروحه".
    في 27 يونيو 1967 بعث عبد الماجد أبو حسبو وزير العدل في تلك الفترة بخطاب لأعضاء اللجنة الفنية شاكراً ومقدراً لما بذلوه من جهد وضمن خطابه قرار مجلس الوزراء الذي يوكل مهمة صياغة قرارات اللجنة القومية لعدد محدود من الأعضاء وذلك نسبة لاقتراب الموعد المحدد لتقديم مشروع الدستور للجمعية التأسيسية وكانوا هم: مامون سنادة، أحمد متولي العتباني، د. عقيل أحمد عقيل، نتالي الواك، محمد ابراهيم خليل، د. حسن الترابي، حسن عمر أحمد، وهاشم محمد السيد.
    فرغت اللجنة من اجازة أبواب الدستور في جلستها الختامية رقم (75) بتاريخ 10 يناير 1968 حيث أكملت مشروع الدستور وقدم للجمعية التأسيسية في 15 يناير 1968 .
    قدمت اللجنة الفنية احدى عشرة مذكرة حوت هيكل مشروع الدستور، والدستور الاسلامي والدستور غير الديني الذي حوى الجزء الاول اعتبارات ترجح الدستور غير الديني والجزء الثاني اعتبارات ترجح الدستور الاسلامي والجزء الثالث نبذة حول الدستور الاسلامي، والجمهورية البرلمانية والجمهورية الرئاسية، والحكم الاقليمي، والمبادىء الموجهة، والحريات والحقوق الأساسية، والهيئة القضائية، والهيئة التشريعية، ولجنة الانتخابات، وتعديل الدستور، وأخيراً الخدمة المدنية والرقابة الإدارية (3).
    نواصل
    [email protected]*
    =-=-=-
    المصادر
    (1)، (2) المصدر تاريخ الانتخابات البرلمانية في السودان سبتمبر 86 بنك المعلومات السوداني رقم الايداع (5730/ 86).
    (3) مشروع دستور جمهورية السودان "مذكرات اللجنة الفنية للدراسات الدستورية" 1968 – مطبعة جامعة الخرطوم .
    =\=\=\


    في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
    الجمهوريون ومايو: جرد حساب (2)

    عيسى إبراهيم*

    * نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

    مرافعة ثانية
    الغلبة لحزبي الأمة والاتحادي
    حاز الحزبان الكبيران "الاتحادي والأمة" على الأغلبية البرلمانية المطلقة، إذ حصلا مجتمعين على 127 مقعداً في انتخابات (مايو 65) فاذا أضفنا إليهما مقاعد جبهة الميثاق الإسلامي الرصيد السلفي الجاهز، تصبح المقاعد 130 مقعداً من أصل 158 مقعداً، باستثناء مقاعد الجنوب، مما شكل نسبة 82% من قوى البرلمان.
    في انتخابات (مايو 68) حازت مجموعة الأحزاب التقليدية الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة بجناحيه (الصادق والإمام) وجبهة الميثاق ما مجموعه 175 مقعدا من أصل 211 مقعداً، وهي أغلبية مطلقة شكلت أيضاً آنذاك نسبة 82% من قوى الجمعية التأسيسية.
    هذه الأغلبية الميكانيكية المرعبة هي التي دارت تحت مظلتها معارك غير متكافئة بين دعاة ما يسمى بالدستور الإسلامي والقوى المعارضة له، وتم بتدبير منها وتحت رايتها حل الحزب الشيوعي السوداني إثر تداعيات ما عرف بقضية معهد المعلمين العالي، وعقدت محاكمة صورية من محكمة شرعية غير مختصة للأستاذ محمود محمد طه والجمهوريين قضت بردة الأستاذ وهو أمر سنتعرض له لاحقاً.

    أولاً حل الحزب الشيوعي السوداني
    استغلت جماعة الأخوان المسلمين حادثة ندوة معهد المعلمين العالي (كلية التربية جامعة الخرطوم حالياً) المختلف حول حدوثها بالكيفية المثارة بها (1) فحركت مجاميع الطلاب وجماهير المساجد في مظاهرات وحشود وكان لها دور مفصلي - بجانب جماهير الأحزاب الطائفيية المحشودة حول مايسمى بالدستور الإسلامي – في حل الحزب الشيوعي السوداني وتعديل الدستور.
    تمت مناقشة أمر تعديل الدستور داخل الجمعية التأسيسية واجيز قرار التعديل في 24 نوفمبر 1965 (2) وأدخلت عليه مادة تحرم الترويج والعمل لنشر الأفكار الشيوعية وكذلك تقرر طرد نواب الحزب الشيوعي السوداني وكان عددهم، احد عشر نائباً.
    وصرح المرحوم عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب لوكالة انباء الخرطوم بأن الأحداث التى اعقبت الندوه تمثل قمة التحضير لضرب الديمقراطيه عن طريق تصوير المشكله كصراع بين الإسلام والإلحاد وان قرار حل الحزب الشيوعى يمثل خوف الاحزاب الرجعيه من نمو حركة المعارضة.
    وعند مرحلة الاستئناف اصدر القاضي صلاح حسن عضو المحكمة العليا حكماً ببطلان قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية.
    علق السيد الصادق المهدي رئيس مجلس الوزراء آنذاك بقوله: إن حكم المحكمة حكم تقريري غير ملزم للحكومة، مما شكل وقتها أكبر اهانة للجهاز القضائي، وهذا ما يفسر قدوم بابكر عوض الله رئيس القضاء في ذلك الحين في ركب مايو، وهو صاحب الدور المشهود في انجاح ثورة أكتوبر 64 .
    أصدر دكتور حسن الترابي الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي كتاباً بعنوان "أضواء على المشكلة الدستورية" يوافق ويبرر لتعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه، وقد تصدى له الأستاذ محمود محمد طه في كتاب ذائع الصيت هو "زعيم جبهة الميثاق الاسلامي في ميزان 1-الثقافة الغربية 2- الاسلام من كتابه أضواء على المشكلة الدستورية" مفنداً ومدافعاً عن الديمقراطية، باعتبار أن المادة التي تم تعديلها هي روح الدستور ولا يمكن تعديلها، إذ في تعديلها تزييف للديمقراطية.
    ونحن الآن لسنا بصدد استعراض الكتابين أو التعرض للأزمة الدستورية الناتجة عن التعديل الدستوري المشار إليه، وإنما نحن حقيقة بصدد استعراض ارهاصات ظهور مايو باستعراض السياق الذي أنتجها، ولمن شاء الاستزادة الاطلاع بتوسع في الكتابين ويمكن قراءة كتاب الأستاذ محمود في موقع الفكرة الجمهورية www.alfikra.org .
    ولقد وقف الجمهوريون ضد تعديل الدستور وضد طرد النواب دفاعاً عن حق الحرية للجميع الذي بدونه لا يكون دستور، مبينين أن الطائفية، تحت ستار محاربة الشيوعية، تريد أن تُحكم قبضتها على الشعب وتكبت كل صوت حر، مستغلة في ذلك دعوة "الدستور الاسلامي" المزيف.

    ثانياً محكمة الردة المكيدة السياسية
    قاوم الجمهوريون بكل سبيل متاح دعوة ما يسمى بالدستور الاسلامي وأطلقوا عليه مسمى "الدستور الاسلامي المزيف" فعقدوا المحاضرات والندوات وأركان النقاش وأقاموا المعارض وأصدروا ووزعوا الكتب بطريقتهم المعهودة في كل مكان، ونظموا الأسابيع لتوعية المواطنين بالحقوق الأساسية، الأمر الذي أزعج الطائفية وربائبها من الأخوان المسلمين.
    نعى الجمهوريون على الأحزاب السودانية افتقارها لفلسفة حكم، منذ فجرها الباكر، تعصمها من الخطأ، وبرامج تخول لها حكم البلاد، وهي أحزاب طائفية، تكاتفت بُعيد ثورة اكتوبر وسعت بكل سبيل، وعن طريق الترهيب بواسطة جماهير الأنصار حتى أسقطت حكومة أكتوبر الأولى بقيادة المرحوم سر الختم الخليفة الذي استجاب لضغوطات الطائفية وتقدم باستقالته.

    تآمر جنائي!!
    ضاق السياسيون والسلفيون ذرعاً بالنقد الموضوعي الذي تولاه الجمهوريون وكشفهم زيف الأحزاب السلفية، وهاهو المدعي الأول في محكمة الردة الأمين داؤود ينقل لنا خطاباً من أحد أعضاء مجلس السيادة الفاضل بشرى المهدي بتاريخ 3/11/1968 أي قبل أسبوعين من المحكمة يقول فيه في دعوة صريحة لإيقاف محاضرات الأستاذ محمود: "وأرجو أن يتخذ الاجراء الرادع ضده"، وتحدثنا أيضاً جريدة الرأي العام الصادرة بتاريخ 14/11/1968 أي قبل أربعة أيام من انعقاد محكمة الردة بالآتي: "وبنفس الوقت جاءنا من وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أية تعليمات لمنع المحاضرة المذكورة، وكل الذي حدث هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب إلى السيد رئيس وأعضاء مجلس السيادة، بصورة لوزارة التربية وسلطات الأمن، ينصح فيها بعدم تقديم المحاضرة خشية أن يكون فيها ما يثير المسلمين، وتقول الوزارة إنها اتصلت من جانبها دون ايعاز من مجلس السيادة الموقر بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لابلاغ الطلاب مقدمي الندوة، باحتمال إثارة الأمن – وتمضي الرأي العام لتقول بعد هذا: "ونود أن نؤكد أن العميد بالانابة قد اجتمع بالطلاب وأبلغهم اعتراض الرئيس الأزهري على المحاضرة، وطلب منهم الغاءها، وانهم أصروا على تقديمها، وقدموها بالفعل"، في مثل هذا المناخ كانت الدعوة للدستور الاسلامي على أشدها، وكان الامام الهادي يتحدث في الصحف اليومية عن فرض الدستور الاسلامي بالقوة وكان الأزهري يتحدث عن جعل القضاء الشرعي فوق القضاء المدني.
    في مثل هذا المناخ من الهوس والتهريج السياسي اتصل الامين داؤود مدعي محكمة الردة الأول بقاضي القضاة وبقاضي المحكمة العليا توفيق احمد صديق الذي سينظر الدعوى ووجد منهم قبولاً وموافقة على رفع الدعوى حسبة ..ولقد تحدث الامين داؤود عن هذه الاتصالات في كتابه "نقض مفتريات..." صفحة 45 الطبعة الثانية.

    المحكمة المهزلة
    في يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968 انعقدت ما سميت بالمحكمة الشرعية العليا لتنظر في دعوى الردة المرفوعة ضد الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري، من الشيخين: الامين داؤد محمد، وحسين محمد زكي..حيث حكمت بالردة على الاستاذ محمود.
    إن الاخطاء القانونية التي ارتكبتها هذه المحكمة يكاد يخطئها العد ونورد فيما يلي طائفة منها:
    1- لا توجد محكمة على الاطلاق تملك صلاحية سلب المواطن حقه في الرأي، لا ولا المحكمة العليا نفسها، بل إن المحكمة العليا من اوجب واجباتها حماية هذا الحق، وذلك وفاء للواجب الدستوري الذي ينصص على أن المحكمة العليا هي حامية الدستور.
    2- قاضي محكمة الردة استشاره المدعي في رفع الدعوى ووثق المدعي من وقوف القاضي معه ثم رفع الدعوى بعد ذلك.
    3- قاضي القضاة يؤيد في الصحف اليومية حكماً قد يرفع له في استئناف غداً.
    4- رفعت الجلسة لمدة ثلث ساعة صدر بعدها اخطر حكم اصدرته محكمة سودانية وثلث الساعة لا يكفي لمجرد قراءة اقوال المدعيين وأقوال شهودهما فضلاً عن فحصها وتقييمها ووزن البينات مع مراجعة نصوص القانون مما يقف حجة قاطعة على أن هذا الحكم قد كان معداً وجاهزاً قبل انعقاد المحكمة.
    5- قبلت المحكمة بينات سماعية من الشهود وقد كانت كلها ادعاءات باطلة من خصوم سياسيين.
    6- أورد بعض الشهود نصوصاً من كتب لم ترجع المحكمة للأصل حتى تستوثق من صحة ما عرض لها وجميع النصوص التي عرضت للمحكمة كانت مبتورة.
    7- صرفت محكمة الردة النظر عن البنود من (ألف إلى زاي)، وهي بنود الآثار المترتبة على حكم الردة، وأن صرف المحكمة النظر عن هذه البنود ينهض دليلاً عملياً على أن المحكمة قد واجهها العجز الحقيقي عن تنفيذ آثار الحكم فكأنها ادركت بلسان حالها أنها غير صاحبة اختصاص (3).

    وزير عدل سابق: المحكمة غير مختصة
    الاستاذ محمد إبراهيم خليل من القانونيين السودانيين الذين تقلدوا أرفع المناصب القانونية في البلاد قال في خطاب للسيد رئيس تحرير صحيفة الأيام بتاريخ 21/11/1968 قال بعد أن ناقش قانون تأسيس المحاكم الشرعية لعام 1902 "لذلك ترى يا سيدي أنه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد أو زندقة أحد أو ردته".
    نواصل
    [email protected]*
    المصادر
    (1) أنظر صديق البادي قصة حل الحزب الشيوعى أسرار وخفايا - سودانيز اون لاين مكتبة عمر ادريس محمد.
    (2) أنظر مجموعة وثائق الحزب الشيوعي السوداني (1961-) 1969 – 1999 - المعهد الدولي للتاريخ
    الاجتماعي أمستردام – هولندا.
    (3) الأخوان الجمهوريون – مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية الطبعة الثانية – مايو 75 .

    في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
    الجمهوريون ومايو: جرد حساب (3)

    عيسى إبراهيم*

    نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

    مرافعة الأساس
    مايو التوقيت والدلالة
    جاءت مايو كما قلنا ونقول دائماً في ساعة الصفر، وكان الدستور الإسلامي المزيف في طور القراءة الثانية، تمهيداً لاجازته بالأغلبية الميكانيكية (82% من حجم الجمعية التأسيسية) التي تتمتع بها قوى الطائفية وقوى الهوس الديني.
    للجمهوريين رأي سلبي عتيد في الحركة السياسية السودانية منذ بواكير فجر الاستقلال وإلى يوم الناس هذا، لانعدام المذهبية لديها وفلسفة الحكم والبرنامج المصاحب ، والاعتماد على الحشد الطائفي، وتجميد وعي الأتباع، ثم سعيها الحثيث ممثلة في الحزبين الكبيرين وحركة الأخوان المسلمين إلى محاولة الجمع بين السلطتين الزمنية والروحية باجازة دستور اسلامي يلتحف قداسة الدين ويهزم حركة الوعي بالكبت والارهاب معتمدة على سلطة روحية زائفة يوفرها لها ما يسمى بالدستور الإسلامي، وكان الجمهوريون لهم بالمرصاد كما رأينا في الحلقة الماضية من هذه السلسلة.
    ولعل مجىء مايو في تلك اللحظة التاريخية الفارقة، هو في حد ذاته، أكبر دليل على صدقية ما ذهبنا إليه، وشاهد حقيقي على صحة تحليلنا لتلك الفترة العصيبة (65 – 69) التي كانت تمر بها البلاد، جاءت مايو بمثابة إنقاذ للبلاد وخروجاً على الواقع وسلبياته، مدعومة بالشيوعيين، أو على أقل تقدير ملبية لأشواقهم فالتحقوا بها، شاهد آخر هو ظهور بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق في ركب مايو، انتصاراً لما لحق بالهيئة القضائية من ازدراء وتهوين في الفترة المشار إليها إبان تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وعدم الانصياع لقرار المحكمة الدستورية الملزم للحكومة.

    لماذا أيد الجمهوريون مايو
    جاء في خاتمة كتاب "زعيم جبهة الميثاق الاسلامي في ميزان..." الذي صدر في أعقاب الأزمة الدستورية قبيل ظهور مايو قول الأستاذ محمود: "ولكن الله لن يخلي بين هذا البلد وبين مضلليه ، فقد عوده الخير وسيصل عادته إن شاء الله" وكانت الاستجابة سريعة وحيل بين الطائفية وكراسي الحكم .
    كتبت مجلة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تحت عنوان "محمود: كنا أمام خيارين مايو أو الطائفية والهوس الديني .. فارتضينا أخف الضررين" وجاء سؤال الطلاب للأستاذ: تأييدكم لهذا النظام علي أي أساس كان؟ فأجاب الأستاذ محمود: نحن ما عندنا فرصة لنجد المستوى اللي نحن عايزنو للدعوة للفكرة وكان علينا إختيار أخف الضررين: الطائفيــة أو مــايو.
    أيد الجمهوريون مايو لسبب بديهي، وهي إيقافها للمد الطائفي الذي كاد أن يعزز سلطته الدينية المستولية بالسلطة الزمنية الشاملة، ولذا كان تأييدهم لمايو مبدئياً ثابتاً، لا تمليه رغبة في كسب سياسي، ولا تحركه نزعة للاحتواء والوصاية.

    الجمهوريون سذاجة أم حصافة؟!
    الجمهوريون على عكس جميع الذين أيدوا مايو عفُّوا ولم يشتركوا في أجهزة النظام تشريعية كانت أو سياسية أو تنفيذية، مما قاد مراقبيهم لوصفهم بأنهم "مايويون من منازلهم أو مايويون بالمجاني" ، كما هو عند الشاعر المرحوم صلاح أحمد إبراهيم لأن في عرف هؤلاء المراقبين لابد من جني ثمار التأييد مالاً أو وظيفة أو جاهاً وسلطة.
    وطالما أن السياسة هي فن الممكن فلا يمكن وصف الأستاذ أو الجمهوريين بالسذاجة السياسية لأنهم كما يقول صلاح فيما أورده عنه محمد المهدي بشرى؛ لمساندتهم نظاماً "بانت سوأته وانكشفت عورته واتضح للغاشي والماشي فساده" إذ في مساندتهم لهذا النظام استقراء حصيف للواقع الذي لا يملكون تغييره، والذي لا يمكن أن ينتج بديلاً أفضل، والبديل الجاهز هو الطائفية التي تراهن على تجميد وعي المواطنين، والهوس الديني الذي نعيش نحن اليوم في براثن احباطاته، وهو المروض بفعل الزمن.

    هل هناك شبهة عجلة في الحكم على مايو
    مجىء مايو كما قلنا كان استجابة لدعاء الجمهوريين الذي أوردناه قبل قليل، ونزيد القارىء علماً بما حدث في جلسة الجمهوريين لتقييم مايو بُعيد حلولها بيومين فقط قال الأستاذ محمود: "أنا كنت متأكد أن الله لن يخلي بين الشعب السوداني ومؤامرة الطائفية لتمرير الدستور الاسلامي المزيف، في سعيها للاستيلاء على السلطة الزمنية والسلطة الدينية، لكن ما كنت عارف الوسيلة اللي راح يستعملها الله في حماية الشعب من المؤامرة دي، حتى جا نميري ورفاقه من خور عمر فشعرت أن الله استخدمهم في ساعة الصفر" ويواصل فيقول: "لكن ثورة مايو ماها البديل الصحيح عن الطائفية، نحنا البديل الصحيح لو كنا جاهزين..ولذلك لن نؤيد مايو تأييد ايجابي، بل نؤيد تأييد سلبي بمعنى أننا لن نعارضها، لأن معارضتنا ليها ستذهب في ترجيح كفة الطائفية..وعليه سيكون موقفنا من مايو التأييد السلبي إلا إذا تعرضت لمؤامرة الطائفية في الوقت داك نأيدها تأييد ايجابي..مايو جات لتكسر شوكة الطائفية وتقلم أظافر الشيوعية وبعد أن تؤدي دورها راح تفسد وتكون أخطاها واضحة بصورة كبيرة في أخريات أيامها وراح نتصدى ليها بقوة فتذهب على أيدينا.."(1).
    هل يمكن – عزيزي القارىء – بعد هذا التوافق الواضح بين الفكرة والحدث أن تكون هناك شبهة عجلة في الحكم على مايو لرجل نذر نفسه لايقاظ الفكر في نفسه وفيمن حوله؟!.

    الاستبداد بين (الملساء) و(الكوكابا)
    الطرفة تقول: إن درويش المهدية حينما أدرك طريدته المستيقنة من الموت التفتت إليه مستحلفة له: عليك الله بالملساء..وللذين لا يعلمون (الملساء) و(الكوكابا) هي حربة ذات رأسين أحدهما "أملس" والآخر "مشرشر".
    "دَحين" نقول لصديقي دكتور محمد الذي وصف مايو بالاستبداد: الفرق بين استبداد مايو واستبداد الطائفية هو الفرق بين "الملساء والكوكابا" فاستبداد مايو علماني ومقدور عليه من حيث امكانية كشفه بسهولة أما استبداد الطائفية فيلتحف الدين وكشفه "عويص" في حين أن كلاهما استبداد فانظر هداك الله..
    نواصل
    المصادر
    (1) عمر هواري نقلاً عن د. القراي سودانيزأونلاين بوست بعنوان "الجمهوريون"..
    =\=\=\=


    أشير أيضا إلى أنني قد كتبت كثيرا في هذا الموضوع مثل هذه البوستات:

    الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة
    الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة..

    لما ذا لا يقدم الجمهوريون نقدا ذاتيا لتجربتهم مع نظام مايو؟
    لما ذا لا يقدم الجمهوريون نقدا ذاتيا لتجربتهم مع نظام مايو؟

    هل أيد محمود محمد طه ضرب الانصار فى الجزيره أبا عام1970..؟
    هل أيد محمود محمد طه ضرب الانصار فى الجزيره أبا عام1970..؟

    وهذا بوست يعود إلى عام 2004 في سودانيزأونلاين ولكن للأسف المداخلة الأولى تحيل القارئ إلى منبر الفكر المفتوح وهو منبر كان موجود وتعرض للتدمير بطريقة من الطرق ولم نقم بإعادته:
    حقيقة علاقة الجمهوريين بنظام مايو.. وثائق وتحليل
    حقيقة علاقة الجمهوريين بنظام مايو.. وثائق وتحليل
    ..

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 01-26-2008, 01:41 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
إلى الأستاذة رشا عوض... أهديك مقالات الأستاذ عيسى إبراهيم Yasir Elsharif01-26-08, 12:27 PM
  Re: إلى الأستاذة رشا عوض... أهديك مقالات الأستاذ عيسى إبراهيم Yasir Elsharif01-26-08, 12:29 PM
  Re: إلى الأستاذة رشا عوض... أهديك مقالات الأستاذ عيسى إبراهيم Yasir Elsharif01-26-08, 10:28 PM
  Re: إلى الأستاذة رشا عوض... أهديك مقالات الأستاذ عيسى إبراهيم Yasir Elsharif01-29-08, 10:26 PM
  الجمهوريون ومايو.. د. عمر القراي يرد على د. محمد المهدي بشرى Yasir Elsharif02-04-08, 04:34 PM
    Re: الجمهوريون ومايو.. د. عمر القراي يرد على د. محمد المهدي بشرى / 2 Yasir Elsharif02-16-08, 10:40 AM
      Re: الجمهوريون ومايو.. د. عمر القراي يرد على د. محمد المهدي بشرى / 3 Yasir Elsharif02-16-08, 10:43 AM
        Re: الجمهوريون ومايو.. د. عمر القراي يرد على د. محمد المهدي بشرى / 4 Yasir Elsharif02-19-08, 02:07 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de