بحري طراوة... ويا ناس بحري .. قالوا بتحبوا يلا حبونا..

Quote: انار الاسلام جنوب شرقي اسيا عبر حضرموت واليمن. فالتجار المسلمون ذهبوا الي تلك البقاع منذ الربع الاول الهجري , وذهبوا الي الصين ، وما من جهة ذهب اليها التجار المسلمين إلا واقيم فيها مسجد وذاع فيها الاسلام وتعلم المسلمون اللغه العربيه ،وانشئت المدارس الاوليه، التي عرفت بالكتاتيب والحلقات في المدارس والمساجد لتدريس علوم الدين واللغه، وتفهم اهل الملايو دينهم الحنيف، ودفعتهم غيرتهم ان يبعثوا ابنائهم الي الازهر الشريف ليزدادوا علما وتفقها، وكان للدين الاسلامي اثره العظيم في بعث الروح الوطنيه ، ويقظة الشعب الملاوي مطالبا بحريته واستقلاله، فالحركه القوميه الملاويه نبعت من الاسلام . واستعمر الانجليز ماليزيا، وفرضوا اللغه الانجليزيه كلغه اساسيه فاحس الملاويون انهم لابد ان يحافظوا علي دينهم وعل القرآن، فقيض الله لاثرياء المسلمين في ماليزيا الاستعانه بالعلماء المسلمين ،فكان شيخنا احمد العاقب السوداني المسلم هو الاستاذ المرشد. درس احمد العاقب على علماء اسرته كالشيخ الامين الضرير ، فهو سوداني من توتي ، وتلقي تعليمه في الازهر ، وعمل فتره في مدارس السودان، ثم شد الرحال الي ماليزيا ومعه الشيخان الجيلاني سوركتي والعباسي، فأسس المدارس الاهليه الاسلاميه، واستعان بالسودانيين المثقفين الذين يجيدون اللغه الانجليزيه ليعلموا معه ، فاستجاب لندائه اربعه، نزكر منهم محمد الدريني ومحمد البدوي. واغلب الذين دخلوا المدارس الاسلاميه الاهليه كانوا من ابناء الفقراء ، لان الاستعمار البريطاني زين للناس هناك انه من لايتعلم في مدارسه لا يحصل علي وظيفه او مكانه في ماليزيا ، فحارب الشيخ احمد العاقب هذا الاتجاه واتصل بمصر التي فتحت مدارسها المدنيه للطلبه الملاويين ، وخاطب ملوك العرب فهبوا لنصرته ، وطور احمد العاقب التعليم ورقاه الي المرحله العاليه ، اذ لم يكن في ماليزيا جامعات واستعان بالعلماء المسلمين من الهند وزار مولانا محمد علي وشوكت علي والامير شكيب ارسلان . فدرس الفلسفه الاسلاميه وقرأ احياء علوم الدين للغزالي والاخلاق لابن مسكويه وادب الدنيا والدين ، والملل والنحل ، وتخرج على يديه وعلى يد صاحبيه شيخ داؤود العظاني وحاج يوسف كنالي والحاج علي لولو فيسنج ، والف هؤلاء كتبا في اللغه العربيه والفلسفه الاسلاميه ، وكان التدريس في المدارس العربيه الاسلاميه باللغه العربيه الفصحى . وفي تلك الفتره كان يفخر المسلم الملاوي بلغته العربيه ، حتى إن اللغه الماليزيه كانت تكتب في تلك الفتره بالحرف العربي ، لذلك تمكن الماليزيون في الاصلاح والحديث او (الملاويون في الاسم القديم) وان يقرأوا القرآن . واستمر هذا الوضع حتي نالت ماليزيا استقلالها في عام 1957 ، وبعد الاستقلال قويت حركة التعريب فكتبت اللغه الماليزيه بالحرف اللاتيني . ان احمد العاقب الرائد المبشر العالم قد قدم خدمات للاسلام واللغه العربيه ، فلما رجع الى السودان كان اول ناظر لمدرسه اهليه في السودان وهي المدرسه الاهليه بام درمان . احمد العاقب رجل متمعن في الثقافه العربيه والاسلاميه ، ملم بتطورات علم التربيه وعلم النفس التربوي ، فالذين عملوا معه يشهدون له بثقافته الواسعه وقدرته الفائقه في الاداره ، فالمدرسه الاهليه قد نافست مدارس الحكومه ، وكثير من الاباء فضلوا ان يعلموا ابناءهم في المدرسه الاهليه لان نتائجها كانت متفوقه كما ان احمد العاقب اختار لها خير المعلمين وتحسس فيهم روح الوطنيه والمثابره علي الثقافه والتحصيل ، فولد من المدرسه الاهليه الوسطى جيل من حملة المشاعل ، سواء كانوا معلمين او كانوا تلاميذ . وهب احمد العاقب حياته للعلم ولخدمة بلاده ، فكره الاستعمار وحاربه في دروسه وفي سلوكه ، ورفض ان يحضر حفلات الحكام ، او يتودد لهم ، فكان قانعا مطمئنا لاداء رسالته ، فلم يبحث عن المعاش وعن الجزاء ، ومما يحكي ان ابنه عبدالرحمن العاقب ، المهندس الذي اصبح وزيرا للاشغال في حكومة اكتوبر تقدم لكلية غردون بمصاريف مخفضه فلم يقبل ، بل ان لجنة القبول رأت ان ترسله الى مدرسة الصنائع العليا بعطبره ، ورأى الاساتذه السودانيون ان عبدالرحمن متفوق وعمره صغير ووالده معلم فهب المرحوم الاستاذ صالح عبدالعظيم وصرخ في الاجتماع قائلا : إن كان ابناء المعلمين يحاربون ويحرمون من العلم فكيف نضمن لابنائنا ان يتعلموا إنني مستعد ان ادفع له المصروفات واضمه مع ابنائي في بيتي فوقف المستر اسكوت وقال : ان المكافأه الوحيده التي نقدمها للشخ احمد العاقب هي قبول ابنه . لم يعرف احمد العاقب ذلك الا اخيرا وعندما تحدث اليه بالهاتف الاستاذ محمد حمزه ، فلم يشكره احدا ولم يعلق لانه كان يكره ان يتصل البريطانيين . هذه الحادثه ان دلت فإنها تدل على سمو روح الشيخ احمد العاقب الذي لم يتزلف ولم يرق ماء وجهه . هذا رجل يحب ان ينقش اسمه في سجل الخالدين ويفخر به السودان لان كفاءته عمت السودان والعالم الاسلامي ، لقد كان رائدا في الخارج وفي الداخل وكان مثلا في العلم والسلوك .. فما احوجنا ان ننقب عن سيرة شيوخنا ، ونلقنها لابنائنا فهذا هو الذخر والحرز .. ما اغني السودان برجاله ، رحم الله الشيخ احمد العاقب المعلم الرائد المربي .