مواضيع توثقية متميزة

ما هو المعيار ؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 07:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-26-2010, 07:27 PM

khaleel
<akhaleel
تاريخ التسجيل: 02-16-2002
مجموع المشاركات: 30134

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما هو المعيار ؟ (Re: Mohamed E. Seliaman)

    Quote: الأخلاق الفلسفية و الأخلاق الدينية ـ مراجعة نقدية و تأصيل للأخلاق العرفانية
    أحمد القبانچي

    مقدمة
    نظرا إلى أن المطلوب هو كتابة مقالة عن هذا الموضوع العميق والواسع وخاصة فيما يرتبط بآراء ونظريات العالمين الجليلين الملا محمد مهدي النراقي وابنه احمد النراقي نرى أن الأفضل الدخول إلى صلب الموضوع وبحث المسألة من قواعدها المعرفية والمعيارية تاركين التعاريف والأشتقاقات والمسائل الهامشية إلى فرصة اخرى.

    الشي‏ء الملفت للنظر ان هذين العالمين الجليلين بحثا موضوع الأخلاق في كلا بعديه: الفلسفي والديني بالرغم من تباين مسائلهما والمعيار لدى كل واحد منهما للفعل الأخلاقي، وهذا بحد ذاته امتياز كبير لكتابات النراقيين، فلم يقتصرا على البعد الفلسفي للاخلاق كما هو مذهب الفلاسفة حيث يقتصر في الأستفادة منها على عدد محدود من الأفراد المختصين ولا تمتد لتستوعب عامة الناس، ولم يتمسكا بالنصوص الدينية في دائرة الأخلاق ويطرحا العقل النظري جانبا كما يفعل الأخباريون والمحدثون ضرورة عدم كفاية النصوص في توجيه سلوك الفرد الأخلاقي ما لم يتدخل العقل في ايجاد تفسير معقول ومنطقي لهذا السلوك الأخلاقي ويخرجه من اطار التقليد الأعمى للموروث الديني. فكان كتابهما «جامع السعادات» و «معراج السعادة» حاويا للعقل والنقل ونافعا للخاصة والعامة من الناس، ففي كل موضوع نجد تحليلا عقليا عن تفاصيل ودوافع السلوك المحمود أو المذموم مؤيدا بالكثير من النصوص المقدسة من الآيات والروايات الشريفة.

    ولكننا في هذه المقالة نسعى إلى استعراض الأسس والبنى التحتية التي يقوم عليها صرح الأخلاق الفلسفية والدينية مع بيان الثغرات ونقاط الضعف في كل منهما كمقدمة لبيان اطروحة الأخلاق الوجدانية.

    .1 الأخلاق الفلسفية
    تقوم الأخلاق الفلسفية في كتابات هذين الفاضلين وكذلك سائر علماء الأخلاق المسلمين كالغزالي والفيض الكاشاني وصدر المتألهين والخواجة الطوسي ومسكويه على الأسس العقلية للأخلاق في الفلسفة اليونانية وخاصة كتابات أفلاطون وأرسطو فالمعيار للفعل الأخلاقي في هذه المدرسة الفلسفية يقوم على أساس مراعاة العدالة والحد الوسط بين الأفراط والتفريط.

    فالغاية للفعل الأخلاقي هو اكتساب الفضيلة التي هي بدورها طريق لنيل السعادة، فالسعادة هي الغاية القصوى للسلوك الأخلاقي، وبما أن النفس البشرية تحوي على قوى ثلاث رئيسية : شهوية وغضبية وعاقلة. فالفضائل الرئيسية ثلاث كذلك، لكل واحدة من هذه القوى فضيلة هي الغاية من وجود هذه القوة في النفس: فالعفة تمثل الفضيلة والحد الوسط للقوة الشهوية وتقع بين رذيلتي الافراط والتفريط: الخمول والشره، والشجاعة هي الفضيلة والحد الوسط للقوة الغضبية التي تقع بين رذيلتي الجبن والشهور، والحكمة فضيلة القوة العاقلة وتقع بين البله والجربزة، وأما العدالة فلا تعتبر قوة إلى جانب القوى الثلاث وفي عرضها بل هي جامعة لها وفي ذلك يقول الملا محمد مهدي النراقي في جامع السعادات:

    «إن النفس لما كانت ذات قوى اربع: العاقلة والعاملة والشهوية والغضبية، فان كانت حركاتها على وجه الاعتدال وكانت الثلاث الأخيرة مطيعة للاولى واقتصرت من الأفعال على ما تعين لها حصلت أولا فضائل ثلاث هي: الحكمة والعفة والشجاعة، ثم يحصل من حصولها المترتب على تسالم القوى الأربع وانقهار الثلاث تحت الاولى حالة متشابهة هي كمال القوى الأربع وتمامها وهي العدالة. وعلى هذا لا تكون العدالة كمالا للقوة العملية فقط، بل تكون كمالا للقوى بأسرها» (1) .

    ثم يقول:

    «والقانون اللازم بيانه هو أن الإنحراف عن الوسط إما إلى طرف الإفراط أو إلى طرف التفريط، فيكون بأزاء كل فضيلة جنسان من الرذيلة، ولما كانت اجناس الفضائل اربعة فتكون اجناس الرذائل ثمانية: اثنان بأزاء الحكمة «الجربزة والبله» والأول في طرف الإفراط وهو استعمال الفكر فيما لا ينبغي أو في الزائد عما ينبغي، والثاني في طرف التفريط وهو تعطيل القوة الفكرية وعدم استعمالها في ما ينبغي أو في أقل منه. والأولى أن يعبر عنهما بالسفسطة أي الحكمة المموهة، وهو الجهل، أي البسيط منه.. واثنان بأزاء الشجاعة: التهور والجبن، والأول في طرق الإفراط وهو انعدام ما ينبغي الحذر عنه، والثاني في طرق التفريط وهو الحذر عما ينبغي الإقدام عليه، واثنان بأزاء العفة وهما: الشره والخمود، والأول في طرف الإفراط وهو الإنهماك في اللذات الشهوية على ما لا يحسن شرعا وعقلا، والثاني في طرف التفريط وهو سكون النفس عن طلب ما هو ضروري للبدن، واثنان بأزاء العدالة وهما: الظلم والإنظلام، والأول في طرف الإفراط وهو التصرف في حقوق الناس وأموالهم بدون حق. والثاني في طرف التفريط وهو تمكين الظالم من الظلم عليه وانقياده له فيما يريده من الجبر والتعدي على سبيل المذلة» (2) .

    ويضيف في بيان ماهية العدالة:

    «والحق أن العدالة مع ملاحظة ما لا ينفك عنها من لازمها لها طرف واحد يسمى جورا وظلما . وهو يشمل جميع ذمائم الصفات ولا يختص بالتصرف في حقوق الناس وأموالهم بدون جهة شرعية، لأن العدالة بهذا المعنى ـ كما عرفت ـ عبارة عن ضبط العقل العملي جميع القوى تحت اشارة العقل النظري فهو جامع للكمالات بأسرها، فالظلم الذي هو مقابله جامع للنقائص بأسرها، اذ حقيقة الظلم وضع الشي‏ء في غير موضعه وهو يتناول جميع ذمائم الصفات والأفعال، فتمكين الظالم من ظلمه لما كان صفة ذميمة يكون ظلما، على أن من مكن الظالم على الظلم عليه وانقاد له ذلة فقد ظلم نفسه، والظلم على النفس أيضا من أقسام الظلم، هذا هو بيان الطرفين لكل من الأجناس الأربعة للفضيلة» (3) .

    ومع هذا الأستعراض السريع لكليات المنظومة الفلسفية للأخلاق في نظر الحكماء وعلماء الأخلاق المسلمين يبقى هناك سؤال أساسي حول معرفة الأصل الذي يبتني عليه الحد الوسط. فكيف يمكننا التعرف على الحد الوسط في جميع الأفعال الأخلاقية وبالتالي التعرف على حقيقة الفضيلة وتشخيص مواردها من بين ركام الرذائل؟ .

    وللاجابة على هذا السوال يقرر هؤلاء الحكماء أن معرفة الحد الوسط أو الفضيلة بين الافراط والتفريط يتم من خلال معرفة الغاية من السلوك البشري والدوافع الغريزية المتمثلة في القوى الثلاث المتقدمة، فاذا عرفنا الغاية من غريزة الجنس في الإنسان وأنها تهدف إلى حفظ النوع البشري وبقاء النسل فحينئذ يسهل علينا معرفة الحد الوسط في اشباعها وكذلك معرفة طرفي الإفراط والتفريط فيها، فالممارسة الجنسية اذا كانت تهدف لتحقيق هذا الغرض (بالزواج مثلا) فهذا العمل يعد فضيلة، وان كانت لكسب اللذة فقط فان كان بالطرق المشروعة بأن تقع هذه الممارسة بين الزوجين فهو كذلك لأنه مؤثر ايجابيا على مستوى الحفاظ على الأسرة وتقوية الروابط العاطفية بين الزوجين، وان كان بطرق غير مشروعة فيعد رذيلة في جانب الإفراط، وان ترهبن وفضل البقاء على العزوبة ولم يعط هذه الغريزة حقها من الرذيلة أيضا في جانب التفريط لأنه لم يتحرك صوب تحقيق الغاية من هذه القوة.

    وهكذا الحال في غريزة البحث عن الطعام والنوم وطلب العلم والخوف والغضب وما إلى ذلك فكلها خلقت في الإنسان لتحقيق غاية مطلوبة وضرورية لبقاء الإنسان وتكامله الروحي والمعنوي .

    ويتبين من هذا الطرح الفلسفي للمعيار الأخلاقي في سلوك الفرد انه يحوي في ضمنه على جملة من الأصول والمبادي‏ء الفطرية والموضوعة التي لابد من التسليم بها سلفا للوصول إلى هذه النتيجة.. .

    منها: أن الإنسان حر مختار في سلوكه، لأنه على القول بالجبر لا يبقى معنى للقيم الأخلاقية ويكون حال الإنسان حال الحيوانات والجمادات في سلوكها الطبيعي أو الغريزي فلا يبقى مورد للمدح والذم أو التحسين والتقبيح لأفعال الإنسان، فالأصل في الفعل الأخلاقي ما يصدر من الإنسان بكامل حريته واختياره مع القصد إلى ذلك الفعل.

    ومنها: أن هذه المقولة تعتمد على التحسين والتقبيح العقليين وأن العقل البشري يدرك الفضيلة والرذيلة بذاته ومن دون الأستعانة بالشرع كما هو المعروف عن المعتزلة. وهذا لا يتوافق مع مقولة الأشاعرة في التحسين والتقبيح الشرعيين، أو مقولة اعتبارية الأخلاق كما هو الرائج في الفلسفة الحديثة لأن اعتباريتها يفضي إلى نسبية الأخلاق. ومعلوم أن فضيلة الحد الوسط في التحليل الفلسفي المذكور يقوم على المعيار المطلق للفضيلة لا النسبي.

    ومنها: أن هذه المقولة والنظرة الفلسفية للأخلاق تبتني على الحقوق الطبيعية لأفراد البشر، فمفاهيم العدالة والفضيلة تستنبط من مقتضيات حياة البشر وطبيعة دوافعه وغرائزه الفطرية في حركة الحياة لا ما هو المطلوب منه في الشرع وما يمثل رضا الله تعالى كما هو المعيار في الأخلاق الدينية. ولذلك تكون السعادة المطلوبة عبارة عن تحقيق العدالة في السلوك . ولكن السعادة في المفهوم الديني هي التحرك وفق رضا الله تعالى سواء وافق الحد الوسط أم لا.

    نقد الأخلاق الفلسفية
    و نصل أخيرا إلى غربلة هذه الأطروحة الفلسفية في باب الأخلاق ومعرفة وتشخيص المعيار للفعل الأخلاقي للتعرف على الثغرات ونقاط الضعف الموجودة فيها بما لا يدعها صالحة للعمل بها والتحرك وفق مبادئها. وقد وجهت ردود واشكالات كثيرة من قبل القدماء والمحدثين من فلاسفة الغرب وعرفاء الشرق نقتصر على ذكر أهمها:

    أولا: إن هذه المقولة الفلسفية اليونانية الأصل تستبعد في معيارها كل ما يمت إلى الله والدين بصلة، ومعلوم أن الله في دائرة الفكر الأسلامي هو المحور الأساس للعقيدة والأخلاق وجميع سلوكيات الفرد المؤمن فكيف نستغني في سلوكنا الأخلاقي عن مفهوم الألوهية ورضا الله تعالى في حين أن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم: يحصر الهدف من بعثته ومن الدين هو إتمام السلوك الأخلاقي: «إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق» .

    وهذا يعني أنه لولا الدين لبقيت مكارم الأخلاق ناقصة أما على صعيد النظرية كأن يكون وجود الله هو الأساس للقيم الأخلاقية والمبادي‏ء الإنسانية كما يقول «كانت» في تفسيره للتكليف الأخلاقي الذي يشعر به الفرد في وجدانه، أو على مستوى التطبيق والممارسة بأن يمثل الدين الدافع الحقيقي وراء امتثال الفرد للتكليف الأخلاقي وكما يقول «شوبنهاور» : «لولا الله لكان كل شي‏ء مباحا» فالأعتقاد بالله هو الذي ينفخ في القيم الأخلاقية روحا معنوية تدعو الفرد إلى سلوك طريقها بالرغم من مخالفتها لمصالحه الفردية.

    وعلى أية حال فان القيم الأخلاقية بهذا المفهوم الفلسفية ومن دون الأخذ بنظر الأعتبار وجود الله تبقى حبرا على ورق فتفتقد إلى الضمانات العملية في دائرة التطبيق.

    ثانيا: إن هناك الكثير من القيم الأخلاقية المهمة تفتقد إلى الحد الوسط في عالم السلوك الفردي والإجتماعي فليس فيها سوى جانبان لا أكثر: إما الخير أو الشر. وإما الإثبات أو النفي، فما هو الحد الوسط بين الصدق والكذب، الأمانة والخيانة، صدق الوعد وخلف الوعد، اداء الدين وعدمه، العشق لله وعدمه، طلب مرضاة الله وعدمه...؟ وأمثال ذلك من المفاهيم والسلوكيات الأخلاقية..

    ثالثا: لو كان هذا المعيار هو المعيار الصحيح للفعل الأخلاقي لورد الحديث عنه في القرآن والروايات الشريفة بكثرة، ولكننا لا نجد له عين ولا أثر في الدين الإسلامي الا ما ورد في آيتين فقط عن الأعتدال في الأنفاق كقوله تعالى:

    «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» (4) .

    ومضافا إلى أنه مورد واحد بين مئات الموارد في السلوك الديني والأخلاقي فان نفس القرآن يرد هذا المعيار في غير واحدة من آياته في مجال الإنفاق أيضا كما في قوله تعالى:

    «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما و أسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا» (5) .

    فقد اتفق المفسرون وعلماء الشيعة بالخصوص على أن هذه الآيات نزلت في حق أهل‏البيت عليهم السلام الذين أعطوا طعامهم كله ولمدة ثلاث ليال إلى المسكين واليتيم والأسير وأفطروا بالماء القراح فقط فاين الحد الوسط أو الأعتدال في هذا العطاء؟ ومع ذلك فقد نزلت سورة كاملة للثناء عليهم والإشادة بهذا العطاء..

    رابعا: ان هذا المعيار للفعل الأخلاقي لا يستوعبه عامة الناس فيبقى حكرا على فئة قليلة يعدون بالأصابع ممن قضوا عمرا في التحقيق العقلي والمسائل الفلسفية، والمطلوب من الأخلاق والمعيار الأخلاقي أن يكون في متناول الجميع من حيث حاجة المجتمع البشرية للاخلاق والقيم الأخلاقية لكافة أفراده.

    ولذا نجد النراقي نفسه يصرح في كتابه جامع السعادات بعسر الوصول إلى الحد الوسط ويقول : «ويظهر مما ذكر أن وجدان الحد الوسط الحقيقي صعب، والثبات عليه بعد الوجدان أصعب، لأن الأستقامة على جادة الأعتدال في غاية الإشكال» (6) .

    ويقول «الغزالي» في كتابه الإحياء:

    «ولما كان الوسط الحقيقي بين الطرفين في غاية الغموض، بل هو أدق من الشعر وأحد من السيف، فلا جرم من استوى على هذا الصراط المستقيم في الدنيا، جاز على مثل هذا الصراط في الآخرة، وقلما ينفك العبد من ميل عن هذا الصراط المستقيم في الدنيا ـ أعني الوسط ـ حتى لا يميل إلى أحد الجانبين، فيكون قلبه متعلقا بالجانب الذي مال اليه» (7) .

    أما كون هذا المعيار غير مستساغ وغير عملي لعامة الناس فلأن الناس يتصرفون بوحي من غرائزهم وميولهم النفسية أكثر مما يتحركون بلغة العقل وخاصة في السلوك الإجتماعي، فالمصالح والميول الشخصية هي العمدة لا العقل المحض. ولذلك نجد أن الدين جاءهم من خلال تصحيح هذه الدوافع وتأييدها في حركة الفرد وسلوكه الأخلاقي وجعل المصالح الأخروية هي المحرك والدافع بدل المصالح المادية الدنيوية الزائلة، وبذلك ضمن امتداده في أوساط جمهور العامة من الناس، أي انه لم يخاطبهم على مستوى الأخلاق من موقع العقل المحض بل تعامل معهم بلغة المصالح أيضا ولكن دعا الإنسان إلى التحرك في سلوكه الأخلاقي نحو المصالح الدائمة وكشف له عن سعة دائرة وجود الإنسان وانه لا يتحدد في الحياة الدنيا.

    خامسا: ان هذه الأخلاق العقلية فاقدة للعواطف الإنسانية وعنصر المحبة والعشق بين أفراد المجتمع البشري. فكل فعل أخلاقي على أساس هذه المقولة لابد وان يكون صادرا من العقل الجاف الذي لا يدرك لغة القلب ورفرفة الروح وجواذب المعنويات، وبذلك يحدد سلوك الإنسان في اطار معين بعيدا عن متطلبات الروح والقلب. والحال أن الأساس في الأخلاق والغاية القصوى منها هي تفعيل العواطف الإنسانية وتحريك الوجدان البشري. وبدون ذلك يتحول الإنسان إلى إنسان آلي خاويا من العواطف واشكال الحب والعشق والحنان.

    سادسا: يتميز هذا المعيار الأخلاقي بأنه يدور حول محور الفردية. فكل إنسان يطلب الكمال والفضيلة لنفسه فقط والهدف هو مصلحته وكماله، أما نوع الروابط التي تربطه مع الأب والام والإبن والزوجة والأصدقاء.. أو الروابط وشكل العلاقة بين الفرد والحكومة فمسكوت عنه بالرغم من أن الحكماء في المدرسة القديمة يقررون أن الإنسان اجتماعي بالطبع إلا أن الاهتمام ينصب بالأساس على تكامل الفرد لا المجتمع، ومن هنا نجد ثغرة اساسية في صرح هذا البناء الفلسفي للأخلاق، فما أكثر الموانع والسدود أمام الفرد في طريق الكمال والتي يقف وراءها المجتمع الفاسد والحكومة الجائرة والقانون الزائف، ومن ذلك نجد أن الأنبياء اهتموا إلى جانب اصلاح الفرد باصلاح المجتمع والحكومة والقانون، أما الفلاسفة فقد عاشوا في الأغلب بعيدا عن الناس وفي سلامة من الابتلاء بمشكلاتهم ونزاعاتهم ولم يكن لهم موقف واضح من الحكومات الجائرة وأشكال الظلم والجور من قبل أزلام الحاكم وأعوان الأمير.

    اذا كانت الحكومة فاسدة فسوف يفسد أفراد المجتمع وسوف لا تجدي معها التقدم للناس بنصيحة مراعاة الحد الوسط فالناس سيكونون مجبرين على سلوك يتوافق مع رغبات الحاكم أو الملك وخاصة في تلك الأزمنة الغابرة وقد قيل: «الناس على دين ملوكهم» . فمثلا لو أمرت الدولة بغلق المدارس الفلسفية ومنع تعلم الأخلاق والفضيلة وسجنت الفلاسفة. فما هو موقف الفيلسوف؟ هل يبقى مصرا على مراعاة الحد الوسط في السلوك الأخلاقي؟ وما هو الحد الوسط في مثل هذه المواقف؟ وهل يستطيع أن ينهض بتربية الناس؟

    سابعا: الإمتياز المهم في الأخلاق الدينية أنها اضافة إلى ربط الإنسان بالله تعالى واشباع الحاجة إلى العبادة في نفسه هو أن النبي في كل دين يمثل القدوة والنموذج الأكمل في دائرة المعيار العملي للاخلاق وبذلك يستطيع الناس الاقتداء به في سلوكهم الأخلاقي بعيدا عن التنظيرات الفلسفية والرؤى الذهنية التي تدور في مدارات العقل ولا تجد لها تجسيدا على أرض الواقع البشري، ولذلك نجد تأكيد الأنبياء على أنهم بشر:

    «قل إنما أنا بشر مثلكم» (8) .

    ولكن المدرسة الفلسفية تفتقد مثل هذه القدوة التي تعمل على تجسيد وتطبيق مفهوم الفضيلة والحد الوسط، فكل واحد من الفلاسفة له سيرة متباينة تماما مع الآخرين من أفراد صنفه، مضافا إلى أن التاريخ لا يحدثنا عن كمال معنوي وأخلاقي لدى الفلاسفة، فهذا المعلم الأول «أرسطو» سار في ركب الملك الجزار «الاسكندر» وشاركه في القتل والظلم والجور سنين عديدة وما أن نقموا عليه وأحس بالخطر حتى فضل الفرار على القرار.. وهذا خليفته بين فلاسفة الإسلام «ابن سينا» سار بركب الملوك والأمراء وعمل وزيرا لهم لعدة سنوات، وهذا «صدر المتألهين» الذى ترك الناس واعتزل في قرية «كهك» منشغلا بالتأليف عن التفكير بمشاكل الناس والدفاع عن حقوقهم ولا تجد في كتبه الكثيرة عينا ولا أثرا للتصدي للحكومات الظالمة والدفاع عن المحرومين مما هو المعروف من سيرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وكأن أصل الدين وأساسه يقوم على القول بالأصالة للوجود وفهم الحركة الجوهرية! ! .

    ثم إن الفيلسوف قد يكون قدوة في العلم، لكن ذلك لا يعني أنه قدوة في العلاقات الإجتماعية والروابط العائلية مما يدخل في صميم حياة الإنسان التكاملية بخلاف ما نراه في الأنبياء والأئمة الذين جعلهم الله قدوة وأسوة للناس في جميع مفاصل الحياة الفردية والإجتماعية .

    ثامنا: ثم إنه من قال بأن رأي هذا الفيلسوف صحيح؟ ومن يضمن وصول الإنسان للسعادة فيما لو سار على منهج هؤلاء الفلاسفة في طريقتهم؟ وهذه المسألة محلولة في الفكر الديني الذى يتمتع بضمانة على مستوى الحق والصواب من كونه منزل من الله تعالى الذى هو أعلم بالصواب من البشر وأعلم بما يصلحه وما يفسده، ولكن المعيار الفلسفي المذكور الذى لا يقول به الا ثلة من الفلاسفة لا كلهم فيعيش هذه المشكلة الأساسية، والإنسان اذا لم يطمئن على سلامة النظرية والفكرة كيف يتسنى له التحرك في سبيل تطبيقها والعمل بها؟

    وبعبارة اخرى: ان الفيلسوف يقول لي: اذا أردت الفضيلة فعليك بالإنفاق من اموالك بشكل معتدل لا افراط فيه ولا تفريط، ولكن من قال بأن الإنفاق فضيلة؟ فقد يكون هذا الفيلسوف مخطئا في هذه النظرية فأخسر حينئذ مبلغا معتبرا من أموالي.. وخاصة في مثل هذا العصر الذي نشهد فيه انقلاب المقاييس والقيم البشرية..

    وعلى سبيل المثال لو كنت ابنا لأحد الأشراف أو الملوك وتركت كل شي‏ء من الأموال والمقام الاجتماعي والعائلة والأولاد والتحقت بأحد هؤلاء الفلاسفة لتتعلم منه الطريق إلى الكمال الإنساني، فهل أنت مطمئن إلى صحة أفكاره وطريقته وأنك ستصل حتما إلى الكمال المنشود بسلوك الحد الوسط الذي يقول به هذا الفيلسوف حتى يكون مسوغا لك للتضحية بكل شي‏ء من أجل ذلك؟ ولو كان كذلك لاتفق الفلاسفة على طريقة واحدة وعقيدة مشتركة لأن الحق واحد ...واذا كان الخطأ محتملا فهذا يعني أنك قد خسرت كل شي‏ء بعد أن هدمت الجسور التي تربطك بالحياة السابقة فلا يتسنى لك الرجوع إلى ما كنت عليه.

    أما في الفكر الديني، فالكمال الإنساني وهو نيل رضا الله تعالى والوصول إلى مرتبة عالية من الكمال المعنوي مضمون اذا سار الإنسان في الطريق الذي رسمه له الانبياء عليهم السلام، لأنهم يخبرون عن الله تعالى والله لا يخلف الميعاد، وقد ساروا قبل الناس في هذا الطريق ووصلوا إلى مبتغاهم. فان لم يتحقق غرضه في الدنيا وهو تحصيل الكمال والفضيلة فسوف يناله في الآخرة وكل عمل يعمله الإنسان في الدنيا قاصدا به وجه الله فانه سوف لا يذهب سدى «ولا نضيع أجر المحسنين» (9) .

    تاسعا: ان هذا المعيار للفضيلة محدود بالاشخاص السالمين ولا نظر له إلى الحالات المرضية التي يعاني منها كثير من الناس.

    وقد ثبت في محله أن الناس بصورة عامة يتحركون بوحي من اللاشعور والدوافع المكبوتة في مرحلة الطفولة والعقد النفسية والكآبة والقلق وما تسبب من آثار على طريقة تفكير الإنسان والسلوك الأخلاقي للفرد، فكل هذه الدوافع الخفية للسلوك الشاذ ومسائل الأمراض النفسية الكثيرة التي يعاني منها إنسان اليوم لا تجد لها أثرا في هذا النمط من التفكير الفلسفي للاخلاق. ومعه كيف تنفع مقولة الحد الوسط لمن كان مصابا بأحد هذه الأمراض النفسية والدوافع الخفية والحال أنه يجد نفسه مسوقا بهذا الإتجاه حتى وإن علم الحد الوسط وأن الفضيلة بخلاف ذلك؟

    عاشرا: بالنسبة إلى السعادة التي جعلت هدفا أعلى للفعل الأخلاقي وغاية للحد الوسط فان الفلاسفة غير متفقين في تحديد المقصود بها، فبعضهم يرى أن الفضيلة هي العلة للسعادة كما في مقولة سقراط وأفلاطون وأرسطو، والبعض الآخر يراها في نيل اللذة (البدنية والنفسية) كما في الفكر الأبيقوري، وآخرون يرون السعادة في كسب رضا الله تعالى كما في الفكر الديني، وآخرون يرونها في المصلحة الشخصية كما في التفكير المادي. و «كانت» يراها في أداء التكليف، وهكذا...

    وهذا الإختلاف في تشخيص مفهوم السعادة يربك الميزان الفلسفي المذكور للاخلاق ويجعل المعيار الأخلاقي المذكور في دائرة النسبية. وبالتالي سقوط هذا المعيار عن كونه معيارا ثابتا للاخلاق الإنسانية.

    وأساسا من قال أن السعادة يجب أن تكون هي الغاية للفعل الأخلاقي؟ ولماذا لا يكون الكمال هو الغاية والهدف كما هو الصحيح؟ بل هل يعقل أن تكون السعادة هي الهدف والحال أن تحصيلها أشبه بالمحال؟ بل لا نجد أحدا قد وصل إلى هذه الغاية في الحياة حتى الأنبياء والأولياء، والمنغصات والمشاكل تعترض الإنسان بين الحين والآخر في حركة الحياة، ولو أحس يوما بالسعادة فهي مؤقتة وعارضة لأنه لا يعرف ما يخفيه الدهر له من أزمات ومصائب إلا أن يعيش كالدابة المربوطة همها علفها.

    .2 الأخلاق الدينية
    و هي السلوكيات الأخلاقية التي تعتمد على النصوص الدينية في تقريرها واعتبارها. ولذا نرى الفاضلين النراقيين ومن قبلهما الإمام الغزالي والفيض الكاشاني أوردوا العديد من الآيات والروايات في أبواب مختلفة من كتبهم الأخلاقية لدعم وجهة نظرهم وإضفاء صبغة المشروعية الإلهية على السلوك الأخلاقي لضمان مشاركة الدوافع الدينية في الإنسان في مقام الممارسة والعمل. والغاية النهائية للفعل الأخلاقي في الفكر الديني هي رضا الله تعالى والنجاة من عقابه والفوز بالجنة والنعيم الأخروي. وعليه لا تكون الغاية واحدة، بل ثلاث: رضا الله، النجاة من النار، الفوز بالجنة. وتشترك هذه الغايات الثلاث في إخراج السلوك الأخلاقي عن حدود الحياة الدنيا وتوجيه الناس نحو الحياة الاخرى.

    الإشكال المهم للماديين على الأخلاق الدينية هي أنها لا تهتم بانقاذ الإنسان من الأنانية والنفعية بل تكرس فيه هذا الإتجاه المضاد للاخلاق وذلك بأن تعمل على نقله من كاسب ضيق الأفق لا يرى إلا مصالحة العاجلة في هذه الدنيا إلى تاجر واسع الأفق يرى مصالحه العاجلة والآجلة ويعمل وفق ما تملي عليه هذه المصالح. فكلا هذين الشخصين يعمل بوحي من أنانيته وبدافع المصلحة الشخصية، ومعلوم أن الفعل الأخلاقي هو ما يهدف فيه الإنسان إلى خدمة الغير من دون النظر إلى مصلحته الشخصية. بل قد يتقاطع غالبا مع مصالح الفرد.

    والجواب عن هذا الإشكال يتبين من خلال توضيح حقيقة أساسية تعد من امتيازات الدين الإسلامي . وهي أن الإسلام نزل إلى الناس كافة، العالم والجاهل، المرأة والرجل .الصغير والكبير، ولابد أن يأخذ بنظر الإعتبار مختلف الإتجاهات والعواطف والأذواق والقابليات لدى جميع الأفراد، ومن الواضح أن جميع الناس لم يصلوا إلى مرتبة من الكمال والعقل ليدركوا الغاية النهائية للفعل الأخلاقي ألا وهي رضوان الله ولقائه، فهذا المعنى مختص بالأولياء والعارفين من الناس كما نجده في النبوي الشريف وفيه خبر عن كثرة بكاء شعيب في العبادة، فلما سأله الله تعالى عن ذلك وأنه إن يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك، وإن يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك، فقال: «إلهي إنك تعلم أني ما بكيت خوفا من نارك ولا طمعا إلى جنتك ولكن عقد حبك على قلبي فقلت اصبر أو أراك، فأوحى الله جل جلاله إليه: أما اذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران» (10) .

    ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوه شكرا فتلك عبادة الأحرار» (11) .

    وفي ذيل حديث آخر: «...فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة» (12) .

    ولكن القليل من الناس هم من الصنف الأخير وخاصة في ذلك العصر الجاهلي الذى نزل فيه القرآن لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. فلابد في عملية الهداية والإصلاح النفسي والأخلاقي من التدرج في مراحل السلوك الأخلاقي وبذلك يتسنى للدين استيعاب جميع الأفراد وضمهم تحت لوائه. ولا بأس في أن يعمل الدين في المراحل الأولى على الإستفادة من الدوافع الأنانية والمصالح الشخصية لتوجيه الإنسان في سلوكه الأخلاقي وجهة أفضل والصعود به من المصالح الدنيوية الضيقة إلى أفق أوسع ويعمل على تطعيمه بمصالح أكبر في الآخرة، لأن العنصر السلبي في الأنانية ليس هو مجرد كونها عبارة عن رؤية الفرد لمصالحه الشخصية والعمل على وفقها فأن الإنسان مفطور على حب الذات، وعلماء النفس يؤكدون على محورية هذا الدافع لكل أشكال السلوك البشري. بل في ملازمات السلوك الأناني السلبية من كونه يؤدي إلى المنازعات والمخاصمات ويورث الأحقاد والعداء بين الأفراد لضيق دائرة هذه الحياة الدنيا ومحدودية مواردها الطبيعية من جهة، وسعة دائرة رغبات الإنسان وطموحاته اللامتناهية.

    فمن الطبيعي أن تقع الحروب والنزاعات بين الأفراد ويحرص كل واحد منهم على حيازة أكبر نفع لنفسه، ولكن اذا عملنا على توسيع أفق تفكيره وأوضحنا له أن ما يفوته في هذه الدنيا من منافع مادية مؤقتة فلا يعد خسارة له. ومثله كمثل الفلاح الذى يزرع كمية من الحبوب ليحصل على محصول أوفر بعد عدة شهور فلا يعد بذله لذلك المقدار من الحبوب خسارة وضررا، وهكذا فأن الدنيا مزرعة الآخرة، وكل منفعة عاجلة يتركها الإنسان من أجل اخيه الإنسان فانما يجد عوضها أضعافا مضاعفة في الآخرة. وبهذا يستطيع الدين الحد من الأضرار السلبية للأنانية ودوافع المصلحة الشخصية طمعا في ايصال الإنسان إلى مراحل أعلى وأسمى في معراجه التكاملي، هذا أولا.

    ثانيا: إن الطمع في الجنة وترجيح المصلحة لآجلة على العاجلة أو الخوف من النار لا يوسع افق تفكير الإنسان ويخلصه من مفاسد الأنانية فحسب، بل إن الشخص الذى يترك المصلحة العاجلة طمعا في الجنة أو النجاة من النار إنما يسلك هذا السلوك من موقع إيمانه بالله واليوم الآخر، ولولا هذا الايمان لما سلك ذلك السلوك الديني ونفس هذا السلوك من شأنه أن يعمق الإحساس الديني في قلبه ويزيد في إيمانه وارتباطه بالله تعالى، وبالتالي يصعد به إلى مراتب أعلى في سلوكه الأخلاقي بحيث يتخلص تماما من اطار الأنانية.

    ولابد من الإشارة إلى أن امتياز الإسلام في هذا المورد لا يتمثل في فتحه أبواب السماء للإنسان وتأكيده على الحياة الآخرة، فان ذلك مما تشترك فيه جميع الأديان السماوية وبعض الفلسفات الأرضية، ولكنه يتمثل في عملية التدرج في هداية الإنسان إلى كمالاته المعنوية وذلك من خلال مراحل ثلاث:

    المرحلة الأولى: ارشاد الإنسان إلى المنافع العاجلة للسلوك الأخلاقي بأن يقرر فوائد دنيوية للصلاة والصوم والصدقة وحسن الخلق وما إلى ذلك، ومن ذلك ما ورد من أن الصدقة تزيد في العمر وتدفع ميتة السوء، وأن الصوم صحة للبدن، وأن حسن الخلق يزيد في الرزق، وأن الذكر يزيل الهم والحزن: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (13) .

    إلى غير ذلك مما ورد في الفوائد الدنيوية المادية والمعنوية المترتبة على العبادة والعمل الصالح.

    الثانية: أن وجه الإنسان لتحصيل المنافع الأخروية من النجاة من النار والفوز بالجنة والنعيم الخالد، واكثر النصوص الدينية في الآيات والروايات الشريفة تقوم على إثراء هذا البعد الديني وتقويته في فكر الإنسان وعواطفه. وهذا النمط في التوجيه الديني يوفر للإنسان الكثير من الفوائد النفسية والإجتماعية، وعلى سبيل المثال فالقانون والرقابة الإجتماعية لا يمكن أن تطال الفرد وتلاحقه في جميع حالاته وسلوكياته فالخوف من العقاب الأخروي يحجز الكثير من الأفراد عن التعدي على حقوق الآخرين وارتكاب الممنوعات الأخلاقية، والطمع في الجنة بدوره يرفع بالإنسان إلى الإستهانة بالعطاء والبذل ويحرك فيه مشاعر الخير في نفسه ووجدانه. ومن ذلك قوله تعالى:

    «فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم» (14) .

    «والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم» (15) .

    «يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم» (16) .

    إلى غير ذلك من الآيات الكريمة..

    الثالثة: أن يوجه الإنسان الوجهة الخالصة والكمال الأعلى والغاية القصوى بحيث يتجاوز ذاته ومصالحه الدنيوية والاخروية ويخرج من دائرة أنانيته ونفسه ليتصل بالله تعالى ويصل إلى مرتبة لقاء الله ولا يهدف في حركته التكاملية وسلوكه الفردي والاجتماعي الا رضوان الله وامتثال أمره، وهذا هو ما قرأناه آنفا من كلام امير المؤمنين عليه السلام في عبادة الاحرار، ويؤكد عليه العرفاء في سلوكياتهم وكلماتهم وأشعارهم وأن الإنسان لابد وأن ينطلق في علاقة مع الله تعالى من موقع العشق ويتعامل معه بلغة الحب والذوبان المطلق في الذات المقدسة وبذلك فقط يصل إلى مرتبة يكون فيها الله عينه واذنه ويده كما ورد في حديث قرب النوافل (17) .

    هذه هي الرؤية الدينية للاخلاق والمعيار للفعل الأخلاقي والمراحل التي ينبغي أن يمر بها الإنسان في حركته التصاعدية نحو الكمال المطلوب. وقد رأينا أن هذه الرؤية أفضل بكثير من الرؤية الفلسفية السابقة للاخلاق. فوجود الله وطلب مرضاته وعبادته والخوف من عقابه والطمع في ثوابه تمثل عناصر ايجابية ونقاط قوة في الفكر الديني لا توجد في الفكر الفلسفي وفي نفس الوقت تشبع حاجة نفسية مهمة لدى الإنسان وهي الحاجة إلى العبادة والخروج عن اطار الذات الفردية مما يكفل له الوقاية من اكثر الامراض النفسية والاضطرابات الروحية .

    الملاحظات ولكن مع كل هذه الامتيازات للاخلاق الدينية فهناك عدة ثغرات ونقاط ضعف في هذا النوع من الأخلاق. لا تساعد على الاخذ بها كمعيار أخير للفعل الأخلاقي، ومن ذلك :

    .1 طبيعي أننا في هذا النقد للاخلاق الدينية لا نريد به نقد الدين نفسه بل الأخلاق المبتنية على النصوص الدينية الواردة في القرآن والسنة الشريفة. أي التي تسترفد حقانيتها من تلك النصوص فحسب دون تدخل من العقل والوجدان.

    ومن المعلوم أن هذه النصوص متضاربة فيما بينها بل قد تتناقض فيما بينها على مستوى التوجيه الأخلاقي للفرد مما يورثه ارباكا في السلوك الأخلاقي تجاه نفسه والآخرين. من قبيل ما أوردناه آنفا من تعارض الايات القرآنية في مسألة الانفاق فبعضها يؤكد على الاعتدال والبعض الآخر يدعو إلى البذل اللامحدود في سبيل الله. ولسنا في صدد حل التعارض هنا فبديهي أن الآيات الكريمة لا تشهد تعارضا في واقعها الا أننا نبحث هذا الموضوع على مستوى فهم عامة الناس ومتوسطيهم كما هو الهدف من البحث الأخلاقي عادة.

    ومنها: ما ورد في مسألة العزلة عن الناس، فبعض النصوص تشيد بالعزلة إلى درجة أن السلامة الروحية والدينية على عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحدة في الصمت كما ورد في الحديث (18) .

    ومن جهة اخرى نرى الحث الاكيد على التزاور وصلة الرحم وصلاة الجمعة والجماعة والاهتمام بأمور المسلمين وقضاء حاجاتهم وادخال السرور على قلوبهم بل أن من لا يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم... (19) .

    إلى غير ذلك من الروايات والآيات التي تدعو الفرد إلى سلوك معين يتقاطع مع العزلة تماما ..

    ومنها: ما ورد في مدح الفقر وانه شعار الصالحين (20) . وفي المقابل تقول الروايات الاخرى: «كاد الفقر أن يكون كفرا» (21) .

    ومنها: التعارض على مستوى تشخيص الافضل من الاعمال. فتجد بعضها يؤكد على الصلاة من حيث كونها عمود الدين وأفضل الأعمال بعد المعرفة (22) والبعض الاخر يشير إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه لولاه لما بقيت صلاة ولا زكاة ولا دين (23) . والثالث يؤكد على الجهاد وأنه أشرف الأعمال بعد الإسلام (24) .

    «فوق كل بر بر حتى يصل إلى القتل في سبيل الله فليس فوقه بر» .

    وعلى مستوى المنكر فالبعض يصرح بأن شر الاعمال الكذب وأن المنكرات جعلت في بيت وجعل مفتاحها الكذب. (25)

    والآخر يقول بأن مفتاحها الخمر، (26) وثالث يؤكد على أن قتل النفس أفحش الظلم (27) ، ورابع يقول أنه الفتنة وأنها اشد من القتل (28) ، وخامس يقول بأن تحريف الكتب السماوية والافتراء على الله أظلم الظلم (29) . وسادس الشرك وأن الله يغفر الذنوب جميعا ما عدا الشرك. (30) ..

    وقد ورد في كل ذلك آيات وروايات كثيرة لا يسعنا المجال لاستعراضها كلها في هذه المقالة الموجزة.

    ومنها: التعارض مع واقع الحياة العملية للافراد من قبيل ما ورد من التأكيد على ذم الادخار وأن على المؤمن أن لا يفكر برزقه في الغد فان ذلك يعني حب الدنيا وطول الأمل والحال أن الإنسان المعاصر لا يستغني عن التفكير في المستقبل والادخار في البنوك تحسبا للحوادث الغير متوقعة بل إن العقل والعرف الديني قائم على حسن هذه الامور. والشاهد على ذلك أن الدولة الإسلامية أيضا تدعو إلى تشجيع ثقافة الادخار في البنوك وتأسيس صناديق التوفير لتحريك عجلة الاقتصاد في الدولة..

    وكل هذه الاشكال الثلاثة من التعارض على مستوى السلوك الأخلاقي، أي تعارض النصوص فيما بينها، وتعارضها في تشخيص المرتبة العليا من الفعل الحسن والقبيح. وتعارضها مع واقع الإنسان المسلم في حركة الحياة.. كل هذه الامور من شأنها ارباك السلوك الأخلاقي للفرد وايجاد التشويش والخلل والاضطراب في الذهنية المسلمة.

    .2 إن الكثير من النصوص الدينية لا تتناقض مع حسن الخلق فحسب، بل وتدعو إلى سوء الخلق والتوحش والانغلاق على الذات وأدلجة الدين، فما نراه من عداء بين أهل السنة والشيعة حتى أن بعض فرق السنة كالوهابية يتهمون غيرهم من المذاهب بالارتداد والشرك والمروق من الدين، والجماعة الإسلامية في مصر تعتبر افرادها هم المسلمين فقط وباقي الناس كفارا ومرتدين.

    ومن ذلك أيضا وجود النصوص التي ترى نجاسة الكفار وأهل الكتاب وتعتبر غير المسلمين كالكلاب والخنازير مع العلم أن منهم صالحين وأخيارا، ومن المسلمين منافقين مثل صدام والشاه والقتلة والسفلة إلى اسفل السافلين كل ذلك يدعو الإنسان إلى تجنب اتباع الاديان الاخرى والنظر اليهم بمنظار سلبي قاتم والتعامل معهم لا بلغة الرحمة والحنان والمحبة كما هو المعروف من سيرة الرسول الاكرم صلى الله عليه و آله وسلم مع المشركين.

    ولا يقتصر هذا السلوك اللا أخلاقي مع الآخرين من اتباع المذاهب والاديان الاخرى على النصوص الدينية في تراثنا الإسلامي، بل إن هذا المعنى موجود كذلك في النصوص اليهودية والمسيحية وما قتل اليهود للانبياء وتفضيل أنفسهم على جميع العالم الا بسبب النصوص الدينية . وكذلك الحروب الصليبية التي شنها المسيحيون على العالم الإسلامي الا بهذا السبب نفسه وهو أنهم يعتبرون غير المسيحي كافر وعاقبتهم إلى جهنم وبئس المصير، وقد ورد في كتب التاريخ أن المهاجرين من بلاد الغرب إلى العالم الجديد وخاصة امريكا الجنوبية والمكسيك يقتلون أطفال الهنود الحمر بحجة أنهم اذا بقوا وكبروا فان مصيرهم إلى النار. فالافضل أن يموتوا وهم اطفالا حتى تدركهم رحمة الرب. فقتل الاطفال هنا بدافع ديني بحت. وهل هناك وحشية أشد من هذا التوحش الديني؟ !

    ومن هذا القبيل ما ورد في تراثنا الإسلامي من النصوص التي تصرح بكراهة التعامل مع الاكراد لأنهم من الجن وكراهة التعامل من الخوز والزنج والخزر والنبط وغيرهم من الفئات والشعوب الإسلامية.

    ومنها: ما تفضل العرق السامي الابيض على الاسود وأن العرب من نسل سام الذي غطى عورة ابيه نوح. والسود من نسل حام الذي ضحك من عورة ابيه (31) .

    ومنها: ما تصرح بتفضيل الرجل على المرأة وأن حواء خلقت من الضلع الايسر لآدم (32) ، وأنها خلقت من فضلة طين آدم (33) ، فالاصل الرجل والمرأة خلقت بالتبع والغاية من خلقها هي ادخال الانس على الرجل واشباع حاجته من اللذة! !

    كل هذه النصوص الدينية تؤثر كثيرا على السلوك الأخلاقي للفرد بنحو سلبي خطير من حيث يشعر أو لا يشعر، ولسنا في صدد مناقشة هذه النصوص أو تأويلها حيث ليس هنا محله، ولكن الغرض بيان أن الاخلاق اذا كانت مكتسبة من النصوص الدينية فلا تخلو من مثل هذه الملازمات السيئة والسلوكيات اللا أخلاقية في تعامل الإنسان المسلم مع الآخرين.

    .3 أساسا يمكن القول بأن الأخلاق الدينية في حقيقتها ليست بأخلاق إنسانية. فجميع المدارس الفكرية والمذاهب الأخلاقية بالرغم من اختلافها في المعيار والهدف والمنهج الأخلاقي الا أنها تكاد تتفق على أن السلوك الأخلاقي هو العمل الذي يخرج عن دائرة الذات والأنا . ولهذا فان الكثير من السلوكيات الصادرة من دوافع الغريزة لا تعتبر سلوكا أخلاقيا وان كانت في ظاهرها مقدسة ومحترمة من قبيل عاطفة الامومة وسهر الام وتعبها في سبيل أطفالها، فلا يعد ذلك عملا أخلاقيا لانه صادر من عاطفة الامومة ويصب في الدوافع الذاتية للإنسان، والشاهد على ذلك أن الحيوان يشارك الإنسان في مثل هذا السلوك العاطفي الا أنه لا أحد يعتبر سلوك انثى الحيوان مع اطفالها وحمايتها لهم من السلوك الأخلاقي. ولكن اذا تعاطفت الام مع اطفال غيرها مثل تعاطفها مع اطفالها كان ذلك عملا أخلاقيا. وعلى أية حال فالسلوك الديني بعامة يفتقد هذه الخصيصة في الفعل الأخلاقي لأنه غالبا عبارة عن تجارة ومعاملة يتحرك الإنسان فيها من موقع المصلحة الشخصية فيعطي القليل ليربح الكثير فيما بعد ولا فرق بين أن تكون المدة قصيرة أو طويلة. المهم أن الدافع على هذا النحو من السلوك لا يعبر عن وجود نية أخلاقية في قلب المتدين. أما لو كان عمل الخير صادرا عن محرك باطني ودافع وجداني يتمثل في لزوم الإمتثال لهذا الأمر لأنه صادر من الله فهو فعل أخلاقي، أي أننا لو اطعنا الله تعالى على أساس الخوف من النار والطمع في الجنة فإن هذا المعنى لا يؤثر كثيرا في اصلاح قلب الإنسان وتهذيبه من شوائب الأنانية، أما لو كان العمل العبادي صادرا من الإنسان على أساس أنه عمل خير في ذاته فسوف يقترن مع الحب والرغبة الصادقة في نفس الفعل مما يؤثر حتما في تفعيل عناصر الخير في النفس ويجلب للإنسان رضا الله تعالى بطريق أولى، فالله تعالى ينظر إلى القلب وما فيه من خصال حميدة ورغبات إنسانية خالصة، فلو صدر الفعل الأخلاقي عن رغبة وحب لكان أفضل قطعا.

    .4 من الخطأ السعي إلى الأخذ بالاخلاق الواردة في النصوص ما لم يعرف المخاطب والمقصود بالافهام منها، فقد يتحدث النبي أو الامام مع شخص غضوب فتأتي النصيحة والتوصية الأخلاقية بالنظر إلى هذه الصفة السلبية في المخاطب كما ورد في النبوي المشهور حينما طلب أعرابي من النبي أن ينصحه فقال صلى الله عليه و آله وسلم: «اياك والغضب، اياك والغضب، اياك والغضب» .

    وقد يكون الشخص مرابيا فيأتي النص وهو يشدد النكير على الربا والتخويف منه على اساس أنه أقبح الاعمال، وقد تأتي التوصية بالام اكثر من الأب. أو بالزكاة اكثر من الصلاة والصوم. أو بالتصدي للظالمين ومعونة المحرومين. وهكذا. ومع جهلنا بحالات الراوي أو المخاطب لهذه النصوص كيف يسوغ لنا تطبيقها على حالات اخرى قد تكون أجنبية عنها؟ !

    .3 الأخلاق العرفانية
    و الآن نصل إلى السلوك الأخلاقي الذي نعتبره هو الصحيح والسليم من بين انواع السلوك الأخلاقي: الفلسفي والديني والنفعي (المادي)، وهذا السلوك هو السلوك الوجداني العرفاني أو الأخلاق العرفانية التي تقوم على اساس الدافع والمحرك الوجداني في الإنسان ونعتقد بأن الأخلاق الإسلامية الصحيحة هي هذه الأخلاق الوجدانية. بل هي سيرة الأنبياء وخاصة قبل بعثتهم، وبالرغم من عدم الفرق بين أخلاق النبي سواء قبل البعثة أو بعدها من حيث حسن الخلق والكرامة الإنسانية والشرف وامثال ذلك الا اننا نخص بالذكر أخلاق الانبياء قبل البعثة لانها غير مستوحاة من الدين وحتى لا يتوهم أنها من الأخلاق الدينية وتعليمات الوحي. فهذا موسى عليه السلام وقد تربى في البلاط الفرعوني وعاش ثقافة الفراعنة وتربية الترف والنعمة والدلال والكبرياء وامثال ذلك مما هو المعروف من سلوك ابناء الملوك. الا أن القرآن الكريم يحدثنا عن أخلاق إنسانية لموسى هي في غاية السمو والنبل، ومن ذلك موقفه من البنتين اللتين جاءتا تسقيان وكان على البئر امة من الناس فسقى لهما وعرض نفسه للخطر وهو الوحيد والغريب في هذه المنطقة ومن دون أن يتوقع منهما اجرا أو يطمع في شي‏ء سوى أنهما امرأتان ضعيفتان بحاجة إلى السقي.. وكذلك موقفه من النزاع بين القبطي والاسرائيلي حيث نصر المظلوم على الظالم مع علمه بالخطر على حياته من جراء هذا السلوك، وفعلا اصبح طريدا غريبا هائما على وجهه في الصحراء تاركا وراءه كل ذلك النعيم والترف وولاية العهد من أجل نصرة مظلوم! !

    وهذا يوسف وعفته في مقابل اصرار امرأة العزيز على الخيانة والمنكر حتى انه فضل السجن على ارتكاب الخيانة، ونعلم أن سجون ذلك الزمان لا تقاس بسجون هذا الزمان في وحشتها وقساوتها ..

    ولا نطيل بذكر الامثلة فهذا نبينا صلى الله عليه و آله وسلم وقد عرفه قومه قبل البعثة بأنه «الصادق الامين» حتى أن خديجة عشقته لامانته وصدقه وحسن أخلاقه فخطبته هي ودعته للزواج منها خلافا للمرسوم في ذلك المحيط الاجتماعي..

    وما نريد قوله هو أن الأخلاق الإسلامية الحقيقية لا ينبغي أن تقوم على اساس القيم والسلوكيات الموروثة لما تقدم من اشكالات في الالتزام بمثل هذه الأخلاق بل يجب أن تكون مبنية على أساس ارشادات الوجدان الإنساني في الإنسان. وهذا يعني أن هناك نوعين من السلوك الأخلاقي الديني تبعا لوجود نوعين من الدين أو الإسلام:

    .1 الإسلام التقليدي. وهو العقيدة والفكر الموروث من الاباء والاجداد وما هو موجود في التراث المكتوب.

    .2 الإسلام الوجداني، وهو عبارة عن التجربة القلبية للايمان بالله والحالات الوجدانية المتفرعة على هذا الايمان القلبي. فكلما ازداد ايمان المرء بالله وقويت فيه التجربة الدينية والاتصال القلبي بالله تعالى قوي بذلك وجدانه الأخلاقي وتحرك في سلوكه الأخلاقي بوحي من الوجدان والالهامات الروحية والواردات القلبية، وهذا المعنى بحاجة إلى توضيح وتفصيل..

    مثلا: عندما تجد طفلا وقع في النهر وعلى وشك الغرق فانت لا تجد فرصة للتفكير في الحد الوسط للفلاسفة أو بالثواب الاخروي في الأخلاق الدينية بل تلقي بنفسك فورا في النهر وتنقذ الطفل، فهذا نموذج من السلوك الأخلاقي الوجداني، أي انك تحركت بدافع الوجدان في هذا السلوك الأخلاقي لا بدافع شي‏ء آخر أو غاية اخرى، واساسا فلم تكن لك غاية سوى انقاذ هذا الطفل ولا شي‏ء.

    ومن هنا تتضح بعض جوانب الفعل الوجداني، وهو أن يكون صادرا من الوجدان الإنساني فقط، لا بدافع من العقل أو الدين.. هذا أولا..

    وثانيا: أن الغاية أو الغرض في هذا الفعل الأخلاقي موجود في نفس الفعل لا أنه شي‏ء خارج ذات الفعل من قبيل تحصيل الفضيلة أو الثواب والاجر الدنيوي أو الاخروي ولا حتى تحصيل الكمال المعنوي للفرد نفسه، فكل هذه الغايات مخلة بسلامة الفعل الأخلاقي في الصميم.

    وثالثا: وكنتيجة لما تقدم أنه كلما كان الفعل الأخلاقي أبعد من المصالح الشخصية والروابط الفردية كان اشرف في معيار الوجدان، فلو كان هذا الطفل غريبا على المنقذ كان عمله هذا في انقاذ الطفل أشرف واسمى مما لو كان ابنه أو ابن أحد معارفه. وكلما كان الضرر الملحق به من جراء الفعل الأخلاقي أكثر كان أشرف، وهذا يعني أن التحرر من أية علاقة ورابطة فردية ومصلحة شخصية يعد من أوليات الفعل الأخلاقي في المعيار الوجداني. وحينئذ نفهم دور الحرية في صياغة الشخصية الإنسانية والفعل الأخلاقي..

    اصول الأخلاق العرفانية بعد أن اتضح لك مصدر الأخلاق الحسنة والسيئة في النفس الإنسانية، لابد من البحث في اصول الأخلاق من وجهة النظر العرفانية، ويمكن القول أن الأخلاق العرفانية تعتمد على اصول ومبادي موضوعة ثلاثة:

    .1 أصل الشرف والكرامة في السلوك الأخلاقي.

    .2 أصل مراعاة حقوق الآخرين وخدمة النوع.

    .3 أصل الاحساس بالمسؤولية.

    أما تفصيل الكلام في كل واحد من هذه الاصول:

    1ـ اصل الشرف و الكرامة
    و هذا الأصل يمكن اعتباره أصلا كليا من الاصول الأخلاقية الإنسانية بأن يتحرك الإنسان في سلوكياته بشكل لا يثلم فيه عزته وشرفه وكرامته الذاتية، ولهذا كل طلب وسؤال من الآخرين لقضاء حاجة معينة للشخص تمس هذا الشعور الذاتي بالكرامة لدى الإنسان، ولذلك يحط من قدره ومنزلته أمام الناس فيجب أن يتصرف الإنسان بشكل يحفظ فيه كرامته لا لغرض جلب احترام الناس وتقديرهم أو خوفا من التعرض لاهانتهم وتوبيخهم فان مثل هذه الامور من لوازم السلوك الشريف سواء قصدها الإنسان أو لم يقصدها.

    وكمثال على السلوك الشريف ما ورد في التواريخ من سلوك أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين مع عمرو بن العاص عند ما كشف هذا الأخير عن عورته لدفع القتل عن نفسه، فما كان من أمير المؤمنين عليه السلام إلا أن غض الطرف عنه ورجع عن قتله بعد أن أمكنه الله منه. وليس ذلك بسبب الحرمة الشرعية في النظر إلى عورة الآخر كما يظن بعض السذج من المتدينين، فإن انقاذ الإسلام والمسلمين من شر هذا المنافق أعظم بكثير، مضافا إلى أنه يمكن قتله بدون النظر إلى العورة، فالصحيح أن هذا السلوك الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام كان صادرا عن علو شرفه وسمو وجدانه بحيث يشعر معه بالخجل من نفسه فيما لو أجهز على أنسان عاجز ومستسلم تماما إلى درجة أنه كشف عن عورة اشارة إلى هذا المعنى، ولذا لا يملك كل من يسمع بهذه المنقبة إلا الإشادة بعلو وشرف امير المؤمنين عليه السلام وتقدم أن سلوكيات النبي وأهل البيت ( عليهم السلام) لا يحدها العقل والشرع (بمعنى النصوص الدينية) بل هي نابعة من وجدانهم الكبير.

    ومرة اخرى نجد أمير المؤمنين عليه السلام في قتله لعمرو بن ود العامري في معركة الخندق يرفض سلب درعه وسيفه ولباسه مما كان متداولا في أعراف الحروب. ولذلك لما رأت أخت عمرو جسد أخيها بعد المعركة ولم يسلب منه شي‏ء رفضت البكاء عليه لأنه قتل على يد أشرف الناس .

    هذا والكثير من المتصوفة لا يأبهون لهذا الاصل الأخلاقي المهم في التعامل مع الآخرين، فتراهم يلبسون الثياب الرثة والوسخة ويسألون الناس بدل التكسب بل إن الكسب الحلال عندهم مذموم لأنه من حب الدنيا. وقد روي عن ابراهيم الأدهم أنه سئل عن أسعد الاوقات التي مرت عليه فأخذ يحدثهم أنه ركب ذات مرة في السفينة فما وجد الملاحون والمسافرون غيره للسخرية به والاستهزاء منه لثيابه ومظهره ال######## ولم يكونوا يعرفونه، ويقول ابراهيم: إنهم كلما كانوا يسخرون مني فاني أفرح في قلبي بأن مظهري ######## يدعو إلى السخرية وبأني غلبت نفسي وكسرت هواي الذي يدعوني إلى الرياء والفخر...

    ولكن هؤلاء المتصوفة قد اختلط عليهم أمر النفس الحقيقية والمجازية، فطعنوا نفوسهم الحقيقية من حيث أرادوا طعن نفوسهم المجازية فهم كمن أراد طعن الراكب خلفه على الدابة بطعن نفسه أولا ليصل السيف إلى الثاني ويقتله، وهؤلاء أرادوا لكسر «الأنا» وحب الجاه والفخر والرياء بهذه الاعمال والسلوكيات المرفوضة ولكنهم من حيث لا يعلمون طعنوا النفس الكريمة فيهم وقد أبي الله للمؤمن أن يذل نفسه كما ورد في الاحاديث، بل يجب أن يكرم الإنسان ما كرمه الله. وهذا غير حب الجاه والفخر والعجب وامثال ذلك من نوازع النفس الامارة وتسويلات الأنا، وقد ورد الحديث عن كلا النفسين في القرآن الكريم في حديثه عن المنافقين، فتارة يقول عنهم أنهم:

    «نسوا الله فأنساهم أنفسهم» (34) .

    واخرى يقول عنهم أنهم:

    «وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق» (35) .

    ومعلوم أنه لا يجتمع نسيان النفس مع الاهتمام بها، فتعين أنهم في الاولى نسوا أنفسهم الحقيقية ولذلك اقترن هذا النسيان بنسيان الله. وفي الثانية اهتموا بأنفسهم المجازية وخافوا عليها من القتل ولاذوا بالفرار من ميدان الجهاد...

    وعلى أية حال فإن النفس الإنسانية الحقيقية لها شرف ذاتي في كونها من روح الله. وهذا الشرف والكرامة هي عطاء الله لهذا الإنسان حيث يقول في القرآن الكريم:

    «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر» (36) .

    يقول الحكيم المعاصر جوادي الآملي في معرض حديثه عن هذه الآية:

    «اذن فالله تعالى ذكر الإنسان بعنوان الكرامة، وكذلك بعد بيان خلقه للانسان وافاضة الروح الالهي عليه قال: «فتبارك الله أحسن الخالقين» (37) وهذا التمجيد بمناسبة إفاضة الروح الإلهي فقط، وإلا فالإنسان في سائر شؤونه الاخرى شريك للحيوانات» (38) .

    .2 أصل مراعاة حقوق الآخرين و خدمة النوع
    لاشك في أن مراعاة حقوق الآخرين ومواساتهم وقضاء حوائجهم يعد من السمات البارزة للسلوك الأخلاقي المحمود، وجميع علماء النفس والأخلاق يؤكدون على هذا الأصل وقد اعتبر علماء النفس تلاؤم الفرد مع المحيط الاجتماعي علامة اساسية للصحة النفسية وأن «الأنا الاجتماعي» مرحلة متطورة ومرتبة متكاملة للأنا الفردي، ولكن الخلط الذي نراه في كلمات علماء النفس هؤلاء هو عدم تمييزهم بين اجتماعية الأنا الفردية أو النفس الامارة واجتماعية النفس الحقيقية أو الوجدان رغم تشابه السلوك الاجتماعي بينهما، فيمكن أن يكون الإنسان اجتماعيا ويتحرك في حياته الاجتماعية من موقع التعاون مع الآخرين وخدمتهم إلا أن هذا السلوك يكون صادرا أحيانا من الأنا السلبية وبدافع المصالح الشخصية أو غريزة الانس مع الناس والخوف من التوحد والانفراد، ومثل هذا السلوك نراه في الحيوانات الاجتماعية أيضا فأكثر الحيوانات تخاف من الانفراد وتأنس بأفراد نوعها كالشاة في القطيع، وهذا لا يعني البته سلوكا أخلاقيا في دائرة القيم الإنسانية.

    مراعاة هذا الاصل إنما تكون من الأخلاق المحمودة اذا تزامنت مع نكران الذات والخروج عن اطار الأنا وايثار المصلحة العامة على الخاصة، وهذا لا يكون إلا بأن يكون الدافع والمحرك لهذا السلوك هو الوجدان وتكون الغاية هي إيصال الخير للآخرين لهدف إيصال الخير فحسب لا لشي‏ء آخر وراء هذا الغاية كما رأينا في مثال انقاذ الغريق أو اقراض المحتاج لرفع حاجته فحسب.

    وقد يتأطر هذا العمل في أحايين كثيرة باطار الذات الفردية من حيث لا يشعر الفرد، فيتحرك في خدمة الناس باطار من القومية والوطنية، وحتى الدين يمكن أن يكون اطارا يحدد السلوك الأخلاقي للإنسان في دائرة المسلمين مثلا دون غيرهم، وفي كل هذه الحالات لا يكون العمل حرا من القيود الذاتية، فمن يخدم ابناء قومه فقط فأن عمله الأخلاقي يتسم بالنقصان ولا يكون خالصا الأنانية، ومن يخدم المسلمين دون غيرهم فعمله مشوب بالأنانية وإن كان مخلصا في خدمتهم إلا أنه يتحرك في اطار خاص، فهو يخدم المسلمين لأنه مسلم، أما لو كان سلوكه الأخلاقي في خدمتهم لأنهم أحوج من غيرهم فهو من العمل الأخلاقي الوجداني حيث يقع حرا من كل قيد سوى قيد الإنسانية والغاية الموجدة في نفس الفعل. ولكن مثل هذا المورد قليل فى سلوكيات المتدينين، فالشيعي يميل إلى خدمة الشيعي فحسب، والسني كذلك، والعربي يخدم العرب، والايراني يخدم أبناء وطنه وهكذا، ولا إشكال في مثل هذا الاطر والعناوين إلا أنها تحدد من حرية السلوك الأخلاقي وتقلل من قيمته الإنسانية.

    وقد يتساءل عن إسداء الخدمة للمجرمين من الناس فهل تتسع دائرة العمل الوجداني لجميع أفراد البشر حتى المجرمين منهم. أو لابد من تقييده بما يخرج منه هذا العنوان؟ فلو كان الغريق مجرما في حق البشرية مثل فرعون ويزيد وابن زياد وقلنا بضرورة أن يكون الفعل الوجداني حرا من كل قيد فحينئذ يجب انقاذ مثل هؤلاء المجرمين...

    هنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار خروج بعض الموارد دون أن يخل باطلاق القاعدة الأخلاقية المذكورة، فالمفروض في كل عمل إنساني أن لا يكون متناقضا منطقيا مع نفسه، وهذا الشرط موجود في ذات العمل الأخلاقي لا أنه شرط مفروض عليه من الخارج، وهذا يعني أن تقديم الخدمة للإنسانية يجب أن لا تتناقض مع نفسها وتكون النتيجة مضرة بالإنسانية، فلو قمت بانقاذ سبع أو حية أو عقرب مما يشكل خطرا على الإنسانية فهذا العمل غير إنساني.

    وهكذا في إسداء الخدمة للمجرمين الذين يعادون الإنسانية، فمثل هذا العمل يتقاطع مع دوافع الوجدان في خدمة النوع، أما لو كان تقديم الخدمة للمجرم بهدف اصلاحه ولو باحتمال ضعيف فيدخل في اطار العمل الوجداني كما في أسقف قصة البؤساء وسلوكه الأخلاقي مع جان فالجان، وعلى أية حال فالعمل الوجداني يجب أن يكون مطلقا إلا ما يوقعه في حيز التناقض ويكون هذا العمل الإنساني، غير إنساني في نفس الوقت، وهذا من قبيل من يسرق المال ويتصدق به ...

    وبهذا نفهم أن خدمة النوع قد لا تكون فعلا ايجابيا دائما، بل قد تكون بترك الاساءة للآخرين، أي أن خدمة النوع تارة تكون ايجابية واخرى سلبية، وأحيانا تكون الخدمة السلبية أفضل من الايجابية سيما إذا كانت الدوافع النفسية والظروف الاجتماعية تدعو الفرد للاضرار بالغير، ولذلك ورد أن: «أتقى التقى الورع عن محارم الله» .

    .3 الاحساس بالمسؤولية
    المسؤولية تلازم الحرية، ولما كان من شروط الفعل الأخلاقي أن يكون صادرا من الشخص بحرية، فالإنسان الإخلاقي لا بد وأن يشعر بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه ودينه، والمسؤولية تستبطن النظر إلى نتائج الاعمال، فكل إنسان مسؤول أولا عن بدنه وسلامة أعضائه وقواه واشباع غرائزه البدنية اشباعا سليما فلو قصر في حماية بدنه من الاخطار أو لم يهتم للغذاء والراحة والنظافة والرياضة فيكون مقصرا في مسؤوليته الأخلاقية تجاه بدنه، وكذلك إذا أفرط في الشهوات وفضل اللذائذ المادية على اشباع غريزة طلب العلم أو العبادة فقد فرط في سلوكه تجاه هذه الغرائز ولم يعطها حقها، ومن ذلك ندرك قبح الانتحار وأنه خيانة في تحمل مسؤولية الحفاظ على البدن.

    وكذلك الإنسان مسؤول عن نفسه وشخصيته أن لا يعرضها للمذلة والمهانة، بل إن الإنسان بنفسه وروحه لا ببدنه، وإنما وجب حفظ البدن ووقايته من الخطر والمرض لأنه حامل للنفس الإنسانية الشريفة، فكل ما يوجب المهانة والنقص لنفس يعد من السلوك الأخلاقي القبيح والمذموم كالتكدي والطلب من الناس والانفعال الشديد لتوافه الامور والبكاء والصراخ أمام الآخرين لمصيبة واردة كموت عزيز أو فقدان شعوره وأمثال ذلك فكلها توهن شخصية الإنسان وتحط من قدره وحتى لو حكم على الإنسان بالاعدام فإنه لا ينبغي له كسر شأنه وشخصيته بالبكاء والعويل ولذلك ينظر الناس بنظر الاحترام إلى «سقراط» الذي حكم عليه بالاعدام فتجرع السم وهو مطمئن الخاطر جلد النفس.

    والإنسان مسؤول كذلك عن أهله وأطفاله فيما لو كان رب العائلة، وهذه المسؤولية الأخلاقية تستدعي منه عدم خيانة الزوجة ولزوم رعاية حقوقها والعمل على إسعادها وتهيئة متطلبات الحياة لها وللاطفال من الغذاء والمسكن والملبس والنعيم والترفيه وأمثال ذلك، ولكن السائد في مجتمعنا هو العكس فالرجل يريد الزواج لتخدمه المرأة وتسهر على راحته وتلبي طلباته من دون أن يفكر فيما يعطيه للزوجة، ولذلك تكثر المشاكل العائلية وتزداد نسبة الطلاق، لأن كل واحد من الزوجين ينكر فيما يأخذ من الطرف الآخر لا فيما يعطي.

    وهذا الكلام في مسؤولية الفرد عن دينه ومجتمعه ووطنه واصدقائه، ففي كل هذه الموارد يجب على الإنسان القيام بمسؤولية تجاهها، ودرجة المسؤولية تتناسب مع درجة الحرية في السلوك، فمن يقتل آخر وهل سكران أو أفقده الغضب السيطرة على نفسه وسلوكه يختلف عمن من الأول، ومسؤولية العالم أكثر من الجاهل، والكبير أكثر من الصغير، والقائد أكثر من المقود، كل ذلك لسعة دائرة الحرية في الأول دون الثاني...

    الاحساس بالمسؤولية احساس وجداني يقوى ويشتد باشتداد إنسانية الإنسان وسمو أخلاقه، ولذا كان الأنبياء والأئمة أكثر الناس احساسا بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الناس والدين والنفس والأهل، وهذه المسؤولية الأخلاقية تختلف عن المسؤولية الحقوقية والقانوية في أن الاولى نابعة من الوجدان ومن داخل النفس، والثانية من الخارج فقد يلتزم الإنسان بالمسؤولية الحقوقية والقانونية دون الأخلاقية كان يكون مديرا أو قائدا ملتزما بالقانون وحقوق الآخرين ولا يحس بالمسؤولية الأخلاقية، ورغم أن النتيجة واحدة في الظاهر إلا أن السلوك في المورد الثاني لا يعد سلوكا أخلاقيا.

    تقوية الوجدان الأخلاقي
    لما رأينا أن السلوك الأخلاقي يعتمد بالدرجة الاولى على عامل الوجدان في النفس فلابد للإنسان في تهذيب سلوكه الأخلاقي من الاهتمام بتقوية وجدانه وتفعيل عناصر الخير فيه ليزداد بصيرة في حياته الاجتماعية والمعنوية ويسعى في تخليص أخلاقه من الشوائب المادية والنوازع النفسانية، والأصل في تقوية الوجدان يقوم على أمرين: ذكر الله والفعل الوجداني :

    .1 ذكر الله
    لما كان الوجدان الأخلاقي هو النفس الحقيقية في الإنسان والروح الإلهية التي أودعها الله في هذا المخلوق فعليه أن يهتم بحفظ هذه الوديعة والاستجابة لمطاليبها وتقوية وجودها في نفسه، وكما أن البدن يحتاج إلى غذاء في حركة الحياة وهذا الغذاء لابد وان يكون من جنس ما خلق منه، أي من المادة والماء والتراب، فكذلك هذه الروح الإلهية تحتاج إلى غذاء معنوي وروحاني من جنس ما خلقت منه، وليس ذلك سوى ذكر الله والتوجه إليه والإرتباط به على مستوى العواطف والحب والاعتماد والتوكل، وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام:

    «لا تذكر الله سبحانه ساهيا ولا تنسبه لاهيا، واذكره ذكرا كاملا يوافق فيه قلبك لسانك ويطابق اضمارك إعلانك ولن تذكره حقيقة الذكر حتى تنس نفسك في ذكرك وتفقدها في أمرك» (39) .

    وقد ورد في النصوص الدينية من ثمرات الذكر ما لا نجده في غيره من العبادات والطاعات ويكفي أن الله تعالى يقول:

    «فاذكروني أذكركم» (40) .

    وفي الحديث أن موسى عليه السلام قال: «يا رب أقريب أنت فأناجيك، أم بعيد فاناديك؟ فإني أحس صوتك ولا أراك، فاين أنت؟

    فقال الله: أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك، يا موسى أنا جليس عبدي حين يذكرني وأنا معه اذا دعاني» (41) .

    وبهذا يتبين أن ذكر الله حقيقة لا يقتصر على الصلاة أو الدعاء أو قول: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر وإن كان كل ذلك من مصاديق ذكر الله، ولكنه أن يذكر الله مشافهة ويخاطبه حضوريا ويقع هو موردا للخطاب الإلهي، أي لا يكون الذكر من طرف واحد كما في الموارد المذكورة آنفا بل يكون من طرفين، فالذكر هو المحادثة مع الله والإرتباط معه برابطة: «أنا ـ أنت» لا «أنا ـ هو» كما يقول مارتين بوبر (42) ، أي تكون العلاقة مع الله علاقة محادثة وحضور فيقع الله تعالى مخاطبا للانسان بضمير «أنت» ، أما لدى الغالبية من الناس فالرابطة بينهم وبين الله هي رابطة «أنا ـ هو» حيث يجعلون الله وسيلة لتحقيق أهدافهم وغاياتهم من الرزق والصحة والأمن والجنة وما إلى ذلك، بينما الصحيح هو أن الله يجب أن يكون هو الهدف الأعلى والغاية القصوى للإنسان ولا غاية وراء لقائه والقرب منه وكل شي‏ء يجب أن يكون وسيلة تقربنا من هذا الهدف ولذلك كان الله لدى عامة الناس غائبا عن أذهانهم وقلوبهم ويتعامل معه كشي‏ء من الأشياء التي يستعين بها الإنسان لتحصيل مراده وتحقيق طموحاته لا أكثر فالضمير «هو» يحل محل «الأنت» في صياغة العلاقة بين الإنسان وخالقه، أما في علاقة «أنا ـ أنت» فالإنسان يرتبط مع الله برابطة الحب والعشق والصداقة ويتكلم معه بلغة العواطف فلا تكون العلاقة حينئذ علاقة العبد مع المولى بل علاقة الصديق مع صديقه والرفيق مع رفيقه، والله تعالى يفضل هذه العلاقة الصميمية القائمة على الحب المتبادل على تلك العلاقة الذليلة القائمة على أساس التوسل والاستجداء دائما والبكاء من النار والطمع في الجنة.

    أما ما ورد في الحديث الأخير من قول موسى «فأني أحسن صوتك ولا أراك» فانه يؤيد ما تقدم من أن الذكر يجب أن يكون من طرفين وأن يسمع الإنسان حديث الله معه في أعماق روحه ووجدانه، ولا يختص هذا المعنى بموسى عليه السلام أو بالانبياء، بل يشمل كل إنسان، وفي ذلك يقول تعالى موبخا بني اسرائيل على عبادتهم العجل بأن هذا الإله المزعوم لا يتحدث مع الناس :

    «و اتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه...» .

    وهذا يعني أن الإله الحقيقي يتكلم مع الناس ويجيب على أسئلتهم إلا أن الناس في غفلة من هذا، وعلى الإنسان الاصغاء إلى كلام الله في قلبه وروحه ويتحدث معه على مستوى المخاطبة والحضور، وحينئذ يتحرك الوجدان وينمو ويشتد إلى درجة أن يتولي قيادة السلوك الأخلاقي للإنسان بالاستمداد من هذه العلاقة الحميمة مع الله، أي يكون سلوكه الأخلاقي صادرا عن الهامات غيبية للإنسان قد لا تطابق مع العقل والشرع دائما كما ورد في حالات العشاق وأهل المعرفة وأرباب القلوب.

    .2 الفعل الوجداني
    تقدم أن الفعل الوجداني ما يكون صادرا بدوافع إنسانية محضة وليس له غاية خارج اطار العمل نفسه، وهذا النحو من السلوك من شأنه تقوية الوجدان وترشيده في حركة التكامل الإنساني، وكلما تحرك الإنسان في سلوكه الاجتماعي والديني من منطلق وجداني ازدادت بصيرته الدينية وتحسن سلوكه الأخلاقي وفي نفس الوقت تضعف فيه دوافع الأنانية ويتحرر من قيود الاهواء وأسر الماديات والنوازع الدنيوية.

    المهم أن يفكر في العطاء فقط لا بما سيعود عليه هذا الفعل من منافع دنيوية واخروية، وهذا هو شأن العاشق السالك كما في اصطلاح العرفاء، وهو أعلى مرتبة من السالك العاشق الذي يسلك طريق العشق للوصول إلى الحق والكمال المطلق، فالنظر بهذا المقدار إلى الذات في طريق التكامل الإنساني مما لا بد منه في سلوك طريق الحق، أي أن يريد لنفسه الكمال ويطلب لها مرتبة عالية من الإنسانية، وهذا هو السالك العاشق. أما العاشق السالك فهو من وصل إلى مرتبة الفناء المطلق في المعشوق فلا يكون سلوكه لإيصال الخير لنفسه والبلوغ بها درجات عالية من الكمال لأنه لم تعد هناك ذات حتى يراها ويرى كمالها، فكل ما يراه هو الحق وأفعاله وتجلياته. وهذا هو مقام الأنبياء والمرسلين، فالعبادة بالنسبة للإنسان المؤمن والسالك طريق الحق تكون بمثابة العلة للوصول إلى مراتب الكمال، وفي الأنبياء بالعكس حيث تكون العبادة وأي سلوك أخلاقي معلولا للوصول إلى ذلك المقام.

    وكيف كان، فالمهم أن يتخلص الإنسان من النظر إلى ذاته ويجعلها هدفا في مسيرته التكاملية ويريد الله من أجل ذاته والصحيح هو العكس، أي بأن نجعل ذواتنا وسيلة للوصول إلى الله، وأتذكر في الختام حكاية فيها عبرة، فقد كان أحد أخوالي ـ وهو من رجال الدين وفضلاء الحوزة العلمية ـ يأتي لزيارة المرحومة والدتي وكان يقول لاخته: إنني جئتك لصلة الرحم، فكنت أرى والدتي تمتعض من هذه العبارة إلى أن قالت له ذات مرة بعد أن سمعت منه تلك الجملة : إنني لا اريد أن تأتي لزيارتي بعنوان صلة الرحم، بل أن تأتي من أجلي فقط، أي لا لأجل الثواب بحيث لولا الثواب في صلة الرحم لم تأت لزيارتي. وهذا هو نموذج لما قلنا في العقل الوجداني...

    أن يريد الإنسان الثواب والجنة من عباداته وسلوكه الأخلاقي فهذه مرتبة دانية من الإيمان، والمتوسط يريدون الجنة ورضوان الله ولقائه، وهذه المرتبة بدورها غير مقبولة في سوق المعرفة والكمال الإنساني حيث تستبطن الشرك في الغاية وتجعل المخلوق (وهي الجنة) في عرض الخالق، ولكن العارف لا يطلب بالذات سوى الله تعالى، وإذا سأله الجنة فسؤاله بالعرض لا بالذات، ما لو فرضنا أن «ليلى» كانت تطعم الضيوف، فالجهلاء وعوام الناس يأتون إلى مضيفها رغبة في الطعام فحسب، والمتوسطون يأتون لها ولمائدتها على السواء، فمضافا إلى اشباع بطونهم مما لذ وطاب يتمتعون بالنظر إلى ليلى والاستماع إلى حديثها، ولكن يقبح على مجنون ليلى أن تكون له غايتان من المجي‏ء: ليلى والمائدة فحتى لو جلس على المائدة وتناول من طعامها فإنما هو لأجل التفرغ لرؤية ليلى ومحادثتها ويتساوي عنده رغيف الشعير مع ألذ انواع الطعام حينئذ...

    الاحساسات الأخلاقية
    لما كان السلوك الأخلاقي قائما على الاحساس الوجداني في الأساس لا العقل أو الدين أو القانون فلابد عن تمييز هذا الاحساس عن سائر الاحساسات النفسية والدينية لدى الفرد لكيلا تختلط الدوافع للسلوك فيتوهم ما ليس بأخلاق من الأخلاق.

    وبصورة عامة يمكن حصر الأحساسات الأخلاقية في ثلاث: الميل القلبي، المدح، الذم...

    .1 الميل القلبي
    أو الشوق الذي يدفع الشخص إلى اسداء الخير للاخرين أو العبادة وأمثال ذلك دون ما يكون صادرا من خوف أو طمع أو غريزة من الغرائز البدنية والنفسية، أو يكون استجابة لمؤثرات خارجية من الاعراف والتقاليد الاجتماعية، فمثل هذه السلوكيات قد تدخل في دائرة السلوك الديني أو الاجتماعي ولكنها لا تعد من الأخلاق...

    العبادة الصادرة من الميل القلبي أو الشوق إلى الله هي من مصاديق السلوك الأخلاقي لا ما إذا صدرت من الإنسان بحسب العادة أو خوفا من النار وطمعا في الجنة، وكذلك السلوكيات الأخلاقية في نظر المجتمع من قبيل إطعام الضيف ومساعدة الفقراء والمحرومين لا تعد جمعها من الأخلاق فيما لو كانت صادرة من تباني العقلاء وثقافة المجتمع بحيث يشعر الشخص في عدم الإتيان بها بالمخالفة للعرف وما يسمى بالعيب...

    عندما تسقي نبتة في بادية لمجرد احساسك بالميل القلبي لإرواء ظمأ هذه النبتة الصغيرة فهو من السلوك الأخلاقي ولكن اطعام ستين مسكينا كفارة عن الحنث أو عن افطار يوم من رمضان فهو سلوك ديني ولا يدخل في دائرة الأخلاق وإن كان أكثر منفعة أو ثوابا، وكذلك في اطعام الزوار والهيئات الحسينية هي من هذا القبيل.

    يجب علينا التدقيق في غايات الأفعال وفحص دوافع السلوك لإكتشاف الميل القلبي في كل واحد منها دون أن نخدع أنفسنا بالظواهر أو تسويلات النفس الامارة فتمر علينا الشهور والأعوام ونحن لا نزداد إلا حرصا وطمعا وأنانية نحسن صنعا وأن أخلاقنا جيدة حتى إذا صرنا على عتبة الشيخوخة برزت شخصيتنا الأخلاقية على حقيقتها وظهرت ملامح الحرص وسوء الخلق والأنانية على أفعالنا وسلوكياتنا ولات حين مناص.

    عندما نذهب للتبليغ ونجد في أنفسنا ميلا شديدا للتحدث مع النساء عن الدين والشرع أكثر من الرجال، أو تدريس الفتيات القرآن أكثر من الفتيان فهل هذا الميل النفسي يعد سلوكا أخلاقيا أو دينيا خالصا؟

    وعندما أكون متواضعا وحلو المعاشرة وكثير التبسم في تعاملي مع الآخرين فاذا دخلت البيت تغيير الحال 180 درجة واطبقت السماء على الأرض فإذا بالتكبر والخشونة والتقطيب تحل محل التواضع والابتسامة ألا يدعو ذلك إلى الشك في أن تكون تلك الأخلاق الجميلة والسلوكيات الحميدة تجاه الآخرين صادرة عن عقدة الحقارة وضعف الشخصية لا من الوجدان الأخلاقي والميل القلبي؟ !

    .2 المدح
    القوة البدنية وجمال الوجه وعذوبة الصوت والذوق الأدبي كلها تدعو إلى المدح والثناء والتحسين من الآخرين ولكنها ليست من السلوكيات الأخلاقية. فليس كل ما يدعو للمدح والثناء يعد من الأخلاق، فقد يكون موضوع المدح هبة الطبيعة كالجمال وعذوبة الصوت والذكاء، وقد يكون بدوافع النفس الأمارة كتحصيل شهادة الدكتوراة أو نيل مقام رئاسة الجمهورية أو الثراء العريض لدى الغالبية من الناس. أو ما يدعو للمدح من السلوك الأخلاقي فهو أن يشعر الإنسان في قرارة نفسه براحة الوجدان أولا ويثني هو على نفسه من دون عجب سواء مدحه الآخرون أو لا، فلو كانت بينه وبين الآخر متاركة وبغضاء ولكنه خالف هواه وذهب إلى ذلك الشخص وسلم عليه واعتذر منه ودعاه لضيافته أو قدم إليه هدية فزالت الكدورة بينهما ففي هذا الحال يشعر هذا الشخص في قرارة نفسه بالظفر والراحة، ولكن الظفر والنصر على ماذا؟ فليس هناك ما ينتصر عليه سوى نفسه وأهواءه، إلا أنه بمثل هذا العمل يستحق المدح ويتبين أنه صادر عن دوافع وجدانية...

    .3 الذم
    فقد نذم سيارة معطوبة أو حيوانا مؤذيا أو صوتا قبيحا وأمثال ذلك إلا أن من الواضح أن هذا الذم والتقبيح لا يعد ذما وتقبيحا على سلوك أخلاقي، ولذا فهو غير صادر من الاحساس الأخلاقي بالذم، بل من الاحساس النفسي، أما الذم الأخلاقي فهو الاحساس أو الشعور بالتنفر من الفعل الشائن لذاته سواء صدر منه أو من الآخرين، والذم أو اللوم هو سلوك مترتب على هذا الاحساس السلبي تجاه ذلك الفعل.

    ولا ينبغي أن يختلط الحال على الإنسان بين الاحساس السلبي وما يترتب عليه من الذم واللوم الصادر من النفس الأمارة وبين مثل هذا الأحساس الصادر من النفس اللوامة، فليس كل ما يلوم الإنسان نفسه على فعل لا أخلاقي يكون صادرا عن النفس اللوامة أو الوجدان كما يتوهم البعض، فكثير من الأحيان يشعر الإنسان بالندم وبلوم النفس على فوات مصالح دنيوية أو بسبب ما أفضى إليه ذلك العمل من فضيحة اجتماعية وتنزل لمكانته بين الناس. ولكن الذم الأخلاقي هو أن يحس الإنسان في قرارة نفسه بقبح ما أتي به بالذات وبدون النظر إلى عواقبه وتداعياته الاجتماعية والدينية. كأن يرتكب خيانة لصديق فيشعر بعد ذلك بتأنيب الضمير والازراء على نفسه من قبح ذلك السلوك قبل أن يلتفت إليه أحد من الناس. فهذا الاحساس القلبي هو من الاحساس الأخلاقي.

    والسلام

    مصادر المقالة:

    .1 القرآن الكريم

    .2 نهج البلاغة .3 جامع السعادات، الشيخ محمد مهدي النراقي .4 بحار الأنوار، العلامة المجلسي .5 وسائل الشيعة، العلامة العاملي .6 اصول الكافي، الشيخ الكليني .7 العوالم، للبحراني . 8 احياء علوم الدين، الغزالي .9 تاريخ الطبري، الطبري .10 غرر الحكم، الآمدي .11 كنز العمال، الهندي .12 درسهاى فلسفه اخلاق، عمانوئيل كانت .13 ملا صدرا فيلسوف الشرق، هانري كربون .14 تفكر فلسفي غرب، الشهيد الشيخ المطهري .15 كرامت در قرآن، آية الله جوادي الآملي .16 ميزان الحكمة، الشيخ محمدي رى شهري .17 من و تو، مارتين بوير

    الهوامش:

    .1 جامع السعادات ج 1 ص 51 تصحيح السيد محمد الكلانتر.

    .2 المصدر السابق.

    .3 المصدر السابق ص .56

    .4 الإسراء، الآية .29

    .5 الإنسان، الآية 8ـ .9

    .6 محمدمهدي النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص . 60

    .7 الغزالي ـ احياء علوم الدين ـ المجلد الثالث، ج 8 ، ص . 511

    .8 الكهف: الآية .110

    .9 يوسف: الآية .6

    .10 بحار الأنوار، ج 12 ، ص . 380

    .11 بحار الأنوار، ج 78، ص 69، ومثله عن الامام الصادق عليه السلام، ج 70 ، ص 255، وكذلك في اصول الكافي، ج‏2، ص 84 عن الامام الكاظم عليه السلام، وفي نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم .237

    .12 المصدر السابق، ج‏7، ص 212، شرح نهج البلاغة، ج 19، ص .68

    .13 الرعد، الآية .28

    .14 الحج، الآية .56

    .15 الواقعة، الآية .12

    .16 الصف، الآية .10

    .17 في الكافي، ج‏2، ص‏352، عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال: «قال الله عزوجل: ... ما تقرب إلي عبد بشي‏ء أحب إلي مما افترضت عليه وأنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته» .

    .18 في غرر الحكم: «الوصلة لله في الانقطاع عن الناس» ، «سلامة الدين في اعتزال الناس» . وفي بحار الانوار، ج‏78، ص‏10، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا سلامة لمن أكثر مخالطة الناس» ، وعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «العزلة عبادة» .

    .19 بحار الانوار، 74، ص‏ .339

    .20 كنز العمال، خ‏ .16651

    .21 بحار الانوار، ج‏72، ص‏ .30

    .22 بحار الانوار، ج‏69، ص‏ .406

    .23 نهج البلاغة، الحكمة، 374ـ وكذلك في غرر الحكم أنه عليه السلام قال: «الأمر بالمعروف أفضل أعمال الخلق» .

    .24 نوادر الراوندي، ج‏1، ص‏ .408

    .25 بحار الانوار، ج‏72، ص‏ .263

    .26 المصدر السابق، ص‏ .236

    .27 النساء، الآية .93

    .28 البقرة، الآية .191

    .29 الانعام، 21ـ 93ـ .144

    .30 النساء، الآية 48ـ .116

    .31 وسائل الشيعة، ج‏14، كتاب النكاح، ص‏55ـ 56، الباب 31، ح‏1ـ 2ـ 3ـ 4ـ 5 الباب 32، ح‏ .1

    .32 بحار الانوار، ج‏11، ص‏291، الباب 2، احوال نوح عليه السلام وأولاده.

    .33 المصدر السابق، ص 100ـ ح‏3ـ .2

    .34 الحشر، الآية .19

    .35 آل عمران، الآية .154

    .36 الاسراء، الآية .70

    .37 المؤمنون، الآية .14

    .38 آية الله جوادي آملي كرامت در قرآن ص 18ـ نشر فرهنگي رجاء.

    .39 ميزان الحكمة ج 3 ص‏426 نقلا عن غرر الحكم.

    .40 البقرة، الآية .153

    .41 كنز العمال خ .1871

    .42 مارتين بوبر من و تو ترجمة خسرو ريگي.
                  

العنوان الكاتب Date
ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-05-10, 08:05 AM
  Re: ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-05-10, 08:24 AM
    Re: ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-05-10, 08:38 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ البدري عبد الله05-05-10, 08:40 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-05-10, 08:48 AM
  Re: ما هو المعيار ؟ عزاز شامي05-05-10, 08:54 AM
    Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-05-10, 09:00 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:01 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-05-10, 09:16 AM
          Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:20 AM
            Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:23 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ Amany Elamin05-05-10, 09:23 AM
          Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:26 AM
    Re: ما هو المعيار ؟ omer osman05-05-10, 09:12 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ محمد عبد الماجد الصايم05-05-10, 09:22 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ البدري عبد الله05-05-10, 09:27 AM
          Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:28 AM
            Re: ما هو المعيار ؟ البدري عبد الله05-05-10, 09:34 AM
              Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:38 AM
              Re: ما هو المعيار ؟ السيد أحمد إبراهيم05-05-10, 09:48 AM
            Re: ما هو المعيار ؟ Amany Elamin05-05-10, 09:47 AM
          Re: ما هو المعيار ؟ HAIDER ALZAIN05-05-10, 09:35 AM
            Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:42 AM
            Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-05-10, 09:48 AM
              Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:55 AM
  Re: ما هو المعيار ؟ عزاز شامي05-05-10, 09:42 AM
    Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:44 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:49 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ tmbis05-05-10, 10:05 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ عزاز شامي05-05-10, 09:51 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 09:59 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ Sana Khalid05-05-10, 10:18 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-05-10, 10:00 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 10:05 AM
          Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-05-10, 10:27 AM
            Re: ما هو المعيار ؟ الشاذلى خيرى عبد الله05-05-10, 11:03 AM
          Re: ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-05-10, 10:38 AM
            Re: ما هو المعيار ؟ Sana Khalid05-05-10, 10:52 AM
  Re: ما هو المعيار ؟ عزاز شامي05-05-10, 10:46 AM
    Re: ما هو المعيار ؟ humida05-05-10, 11:08 AM
    Re: ما هو المعيار ؟ Amany Elamin05-05-10, 11:15 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-05-10, 11:46 AM
        Re: ما هو المعيار ؟ الشاذلى خيرى عبد الله05-05-10, 12:11 PM
          Re: ما هو المعيار ؟ الفاتح ميرغني05-05-10, 01:08 PM
          Re: ما هو المعيار ؟ سارة علي05-05-10, 01:26 PM
            Re: ما هو المعيار ؟ عبد الناصر الخطيب05-05-10, 01:59 PM
              Re: ما هو المعيار ؟ حمد فتح الرحمن05-05-10, 02:01 PM
                Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 02:13 PM
  Re: ما هو المعيار ؟ عزاز شامي05-05-10, 03:03 PM
    Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 03:32 PM
      Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-05-10, 03:36 PM
        Re: ما هو المعيار ؟ Abdel Aati05-06-10, 08:38 AM
          Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-06-10, 09:08 AM
      Re: ما هو المعيار ؟ Amany Elamin05-05-10, 04:18 PM
        Re: ما هو المعيار ؟ خدر05-05-10, 05:12 PM
          Re: ما هو المعيار ؟ احمد صديق05-05-10, 06:01 PM
          Re: ما هو المعيار ؟ داليا الكباشى05-05-10, 07:11 PM
            Re: ما هو المعيار ؟ خدر05-05-10, 07:55 PM
              Re: ما هو المعيار ؟ smart_ana200105-05-10, 08:26 PM
            Re: ما هو المعيار ؟ Balla Musa05-05-10, 08:04 PM
              Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-05-10, 08:50 PM
                Re: ما هو المعيار ؟ smart_ana200105-05-10, 08:57 PM
                Re: ما هو المعيار ؟ سارة علي05-05-10, 09:06 PM
                  Re: ما هو المعيار ؟ Kostawi05-05-10, 09:42 PM
                    Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-06-10, 07:59 AM
                      Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 09:29 AM
                        Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 09:37 AM
                          Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-06-10, 10:06 AM
                            Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 10:15 AM
                              Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 10:25 AM
                                Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-06-10, 10:37 AM
                                  Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 11:15 AM
                          Re: ما هو المعيار ؟ منال05-06-10, 10:37 AM
                            Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-06-10, 10:50 AM
                              Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 10:59 AM
                                Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-06-10, 11:07 AM
                                  Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 11:29 AM
                            Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 10:51 AM
                              Re: ما هو المعيار ؟ Frankly05-06-10, 11:23 AM
                                Re: ما هو المعيار ؟ تيسير عووضة05-06-10, 11:36 AM
                              Re: ما هو المعيار ؟ عماد موسى محمد05-06-10, 11:51 AM
                                Re: ما هو المعيار ؟ اساسي05-06-10, 11:57 AM
                                  Re: ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-06-10, 12:57 PM
                                  Re: ما هو المعيار ؟ عماد موسى محمد05-06-10, 01:11 PM
            Re: ما هو المعيار ؟ زياد جعفر عبدالله05-14-10, 02:02 AM
  Re: ما هو المعيار ؟ عزاز شامي05-06-10, 01:00 PM
    Re: ما هو المعيار ؟ lana mahdi05-06-10, 02:36 PM
      Re: ما هو المعيار ؟ داليا الكباشى05-06-10, 02:57 PM
      Re: ما هو المعيار ؟ Amany Elamin05-06-10, 03:33 PM
    Re: ما هو المعيار ؟ Mohamed E. Seliaman05-06-10, 02:44 PM
      Re: ما هو المعيار ؟ Deng05-06-10, 02:53 PM
        Re: ما هو المعيار ؟ سارة علي05-06-10, 05:09 PM
          Re: ما هو المعيار ؟ أمين محمد سليمان05-06-10, 05:21 PM
            Re: ما هو المعيار ؟ سارة علي05-06-10, 05:59 PM
              Re: ما هو المعيار ؟ محمد عبد الماجد الصايم05-06-10, 06:35 PM
              Re: ما هو المعيار ؟ خدر05-06-10, 06:46 PM
                Re: ما هو المعيار ؟ محمد عبد الماجد الصايم05-06-10, 07:08 PM
              Re: ما هو المعيار ؟ أمين محمد سليمان05-06-10, 06:57 PM
                Re: ما هو المعيار ؟ ombadda05-06-10, 07:31 PM
                Re: ما هو المعيار ؟ داليا الكباشى05-06-10, 08:31 PM
                  Re: ما هو المعيار ؟ داليا الكباشى05-06-10, 08:54 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de