عربون محبه من لــيـمـو...مقال لم ينشر في ذكرة الكروان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 10:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-24-2002, 08:09 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عربون محبه من لــيـمـو...مقال لم ينشر في ذكرة الكروان


    بسم الله الرحمن الرحيم

    مُصْطَفى سِيْد أحمد .. في ذكراه السادسة
    يتساءل مستنكراً :
    متى ستنتهي مأساة بلبل الغرب ؟؟!!

    بقلم : عبد الحليم خالد التلب (ليمو)
    رابطة أصدقاء مصطفى سيد أحمد بالرياض

    إضاءة أولى :
    يعني كان لازم تفوت ..
    وتخلي أوتارك سكوت ..
    ولسه عندنا ريد جديد ..
    ولسه عندنا ليك قصيد ..
    ( سيد أحمد الحردلو )
    إضاءة ثانية :
    بسمع صدى صوتك مزامير ..
    في عشيات الشتا والريح سوافي ..
    وانده واناديك في سديم
    الليل يضيع حسي وهتافي ..
    وانشد(على بابك) حزين (عز المزار) ..
    وكل السنين صارت منافي ..
    ( عبد العال السيد )
    توطئــة :
    مع بزوغ كل سنة ميلادية جديدة وانتصاف شهرها الأول تهل علينا فيها ذكرى الرحيل الفاجع للمبدع العظيم ، سمندل الغناء السوداني ، الغائب الحاضر دوماً مصطفى سيد أحمد ، والذي رحل عنا ، إلى دار البقاء عند الرفيق الأعلى ، في أمسية الأربعاء 17 يناير من عام 1996 في مدينة الدوحة ، والتي عاد منها لوطنه محمولاً على الأعناق ليتوسد ثرى الوطن الحبيب .. ذلك الوطن الذي طالما تغنى له وبه ، أو كما قال محمد الفيتوري :

    خارجاً من دمائك .. تبحث عن وطن فيك ..
    مستغرقاً في الدموع ..
    وطن ربما ضعت خوفاً عليه ..
    وأمعنت في التيه كي لا يضيع ..
    وهاهو العام السادس يمر على رحيل مصطفى ومازال حياً فينا بأغنياته .. ورغم أنه أطفاً الشمعة السادسة لغيابه الجسدي ، إلا أنه مازال حياً بروح عطائه الفني وما انفك محافظاً على شعلة تألقه وقمة حضوره وتوهجه في الساحة الفنية بأغنياته الخالدة ، وصوته الصداح الذي ما برح يسري فينا كأنفاس الرياحين ، ومازال ذلك الصوت الجميل يرف عذوبة وطلاوة في الوجدان ، ويملأ الآفاق ويزلزل الأعماق ليسعد كل الناس . ومازالت أغنياته عصية على الانطفاء . نعم رحل أبو سامر وبرحيله ضاع زمن الوسامة واختفى الفرح العلامة .. فقد كان مصطفى كالنسمة الحنينة الجاية من جوف المضيق .. رحل بعد أن أطربنا سنين عددا .. وضمَّخ أفق حياتنا بتطريبه الراقي ، ولامس بأوتاره شغاف قلوبنا لأنه كان فناناً مبدعاً ومغنياً عبقرياً ، وكان - يرحمه الله - المثل الحي للفنان الملتزم الواعي الذي يؤكد دوماً جدية الفن والتصاقه بهموم الجماهير ، ومما يبرهن على ذلك ويؤكد علو كعب الفنان الصادق مع نفسه والتزامه بقضايا وطنه وشعبه تلك الجموع الحاشدة وتلك الألوف الهادرة والتي شارفت على المليون في تعدادها وقد خرجت في ذلك اليوم الحزين لتلقي نظرة الوداع الأخيرة عليه وتودعه لمثواه الأخير في قلب وطنه ، بعد أن غير في الزمن الملامح .. طعم الكلام ولون الغناء . كيف لا وهو وحده الذي طرَّز لنا الألحان ثياباً نتدثر بها ، و دوزن لنا الأنغام هواءً منعشاً نستنشقه ألحاناً شجية ، تشنف الآذان وتطرب السامعين . عليك شآبيب الرحمة يا أيها السمندل الذي عانق أعالي المجد فناً وتطريباً وإبداعاً .
    قدر يوتوبي ترحل يا صديق ..
    زمن يوتوبي ترحل في البريق ..
    والمدينة الفاضلة نامت في العتامة ..
    والعتامة تهاتي بالشعر الهيافة ..
    والشعر متغطي بالكلمة السلامة ..
    والسلام متداري في الولد الشليق ..
    والوليد مندسي في الحرف القيافه ..
    والحروف الوردة تحلم بالرحيق ..
    ( محمد طه القدال )
    مرت الذكرى السادسة في الشهر المنصرم للمبدع مصطفى الذي رحل وهو في قمة العطاء والنضج الفني ، ولم يرق لتلك القمة إلا لتمكنه من ناصية الكلمة واللحن . أما الكلمة فلأنه كان مدركاً لأهميتها ، ليس من حيث وقعها التطريبي وجرسها الموسيقي في النفس البشرية فحسب وإنما لمحاولتها ملامسة الحس والذوق والشعور الإنساني ، ومحاولة الإرتقاء به . وهذا الإدراك المبكر والواعي لأهمية الكلمة جعله ينكب على دواوين الشعراء من القدامى والمحدثين بالقراءة المكثفة والاطلاع المتأني والفهم العميق للنصوص الشعرية حتى تشبعت روحه بجميل الكلام وحلو القصيد ، فأضحى في موقفٍ مكنه من أن ينتقي من الكلمات الشاعرية ما يحس أنها تعالج قضية ما أو تدعو لفكرة جديدة أو قيم فاضلة ، ويظل مسكوناً بتلك القصيدة أو الكلمات الشعرية ويعيش معها ويغوص فيها لدرجة الاندماج التام الذي يجعله يتوحد فيها بعقلية الشاعر وروح الملحن وإبداع المغني ، فيخرجها لنا من رحم إبداعه ، مسترشداً في ذلك بخلفيته الشاعرية وروحه الرقيقة وإحساسه الراقي ، فنتلقاها نحن لا بل نتلقفها أغنيةً تلامس شغاف قلوبنا فتطربنا وتلتصق بوجداننا .. كيف لا وقد بعث فيها من روحه الشفافة - بعد أن غاص فيها بكل جوانحه لحناً وأداءً - روحاً جديدةً تتراءى لنا لحظة إنشاده لها وكأنها كائن حي يسعى بيننا . لذا لا عجب أن اعتلى الراحل المقيم أحد مقاعد قمة الغناء السوداني رغم قصر تجربته الفنية الغنية . لقد ارتحل أبو سامر وسافر في رحلة اللاعودة حيث الغياب السرمدي ، إلا أنه مازال حياً بعمق تجربته الفنية ونضجه الابداعي والذي كرَّسه ليطرح من خلاله رؤاه ومعالجاته الإنسانية لكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والتي تشغل بال الشارع السوداني العريض . كيف لا ونحن نراه من ذوي القامات السامقة التي ساهمت في ذيوع وانتشار الكتابات الراقية والجميل من عيون قصائد الجيل الجديد من شباب المبدعين من أمثال الشعراء : حميد ، يحيى ، القدال ، النخلي ، عاطف خيري ،صلاح حاج سعيد ، قاسم أبوزيد ،عبد العال السيد ، أزهري محمد علي ، الصادق الرضي ، بشرى الفاضل والغفاري وكثيرون غيرهم :
    طازجةً تأتي الكلمات ..
    ودافئةً تنساب ..
    وشدوك يوقظ فينا حلماً ..
    أيا حلماً لا يهدأ أو يرتاح ..
    نعم إن مصطفى استطاع بانحيازه وتعامله مع تلك القمم الشاعرية من شباب المبدعين أن يرتقي بوعي الجماهير وبيئتها الثقافية من خلال فهمه العميق لتلك النصوص الشعرية ومحاولة استجلاء كنه المعاني الخفية الكامنة فيها وإبرازها بنبرات صوته المتعددة ، ذاك الصوت الذي أثنى عليه الموسيقار الكوري كيم أوقمان حين وصفه بالجمال الفريد لأنه من فئة الباص باريتون وهو الصوت المتلون بالغلظة ، لذلك استطاع راحلنا المبدع إحداث التغيير في روح النص الغنائي والمفردة اللحنية وإيقاعاتها المتفردة بصورة ترسخ في أذن المتلقي لأول وهلة . وهذا هو أيضاً عين ما ذهب إليه أستاذنا ميرغني عبد الله مالك (الشايب) حين تحدث بإسهابٍ في مقالٍ له عن الحاضر الغائب مصطفى فقال : (( العلاقة بينه وبين الشعر علاقة عشق ووله وتيه ، مما عبَّد له الطريق نحو فهم أرحب وأعمق للنص الشعري واستنباطه ، يستقطر المعاني ويكثفها فتشف الأشياء وتستدقُّ . يلعب التنغيم والتصويت ، الآهة وتعدد النبرات والأصوات بايقاعاتها وتوتراتها وبحها الشجي .. تلعب جميعها دوراً في إكساب النص الشعري بعداً جديداً . يعيد مصطفى قراءة النص غنائياً وإنشادياً وهو وسيط بين الشاعر والمتلقي في توصيل المعاني ، بل يتفوق أحياناً على الشاعر في مساعدته للمتلقي من خلال الغناء على استجلاء المعاني الكامنة الخفية وسبر أغوارها . والمعاني المجنحة والصور الطيفية الهائمة يستدرجها مصطفى سيد أحمد ويهبط بها على أرض الواقع .. يشخصها فتستحيل بصوته وأدائه لكائنات محسوسة ملموسة تقترب منه تتفحصها أذن المتلقي ووعيه ووجدانه ، هذه مهمة صعبة وإبداع حقيقي يضاف لرصيد مصطفى سيد أحمد وملمح متميز يحتاج لبحث ودراسة مستقلة )) .
    وهل ترانا نجانب الحقيقة إذا شطح بنا الخيال بعيداً وقلنا إن أمير الشعراء أحمد شوقي كان يرثي مصطفى سيد أحمد في لاميته المشهورة :
    أين مِنْ مَسْمَع الزمان أغانيٌّ .. عليهن روعة التمثيل ..
    أين صوتٌ كأنه رنة البلبل .. في الناعم الوريف الظليل ..
    فيه من نغمة المزامير معنىً .. وعليه قداســة الترتيل ..

    إضاءة ثالثة :
    كان ذلك ذات أمسية من أمسيات يومٍ شديد البرودة ، تجمدت فيه أطرافنا من شدة البرد القارص والذي تشتهر به مدينة الرياض ، وكنا نسمع صوت زخات المطر تتساقط مصحوبةً بحبيبات من البرد وهي ترتطم بزجاج النوافذ وأسطح المنازل . كنا رهطٌ من الصحاب قد تحلقنا ، ونحن متدثرون بثقيل الثياب ، حول المبدع الفنان مصطفى سيد أحمد وهو يتغنى بكلمات الشاعر أبو ذر الغفاري في أغنيته الشهيرة (الشوق والهواجس ) :
    نشتهيك .. وياما نحلم .. نحكي ليك عن المسافة ..
    عن سفن بالشوق بترسم .. في بحيراتك ضفافه ..
    عن ملامح غنوة هلَّت .. في عويناتك هتافه ..
    عن حقيقة نهاتي بيها .. وفي أساطير الخرافة ..
    كان مصطفى يغني ، بينما الموسيقار أحمد عدلان ، (زميله في معهد الموسيقى سابقاً) يعزف له على العود ، وذلك لأن أبو سامر كان يشكو من بعض الآلام في يده اليمنى . إذن فقد كانت تلك إحدى جلسات الاستماع التي سمعنا بها ودرج عليها مصطفى في الآونة الأخيرة ؟!
    كانت تلك الجلسة تضم ، فيما أذكر ، الشاعر المبدع مدني النخلي ، والذي تعطلت سيارته وهو قادمٌ براً من دوحة قطر ، في منتصف المسافة ما بين سلوى والهفوف ، فأنفق من وقته زهاء الساعتين لإصلاح العطب الذي ألمَّ بها (رغم أنها سيارة جديدة !؟) . وكان هناك أيضاً الأستاذ عبد العال السيد ، شاعرنا الكبير والذي يعمل صحفياً بجريدة عكاظ بجدة وصل بالطائرة ليكون بمعيتنا في حضرة من نهوى .. فناننا مصطفى . وكان ثالث الشعراء هو الأستاذ الرشيد آدم الرشيد ، والذي ما أن علم أن الجميع متحلقون حول مصطفى في جلسة استماع فنية إلا جاء مهرولاً لينضم إلينا في دار زعيم جمعية الصحفيين الرياضيين الأستاذ صلاح الحويج بحي الغرابي ، وسط الرياض ، والذي دعا لجلسة الاستماع تلك ، بعد محاورات وإتصالات هاتفية بينه والسمندل مصطفى ونقاشات ولقاءات مع أعضاء رابطة أصدقاء مصطفى حيث كنا مصرين على أن تقام الجلسة الفنية ، مثلها مثل الإجتماعات الدورية للرابطة ، في منزل أحد أعضاء الرابطة كما جرت العادة دوماً ، ولكن الأستاذ الحويج إستطاع أن يقنعنا بإقامتها في منزله لأنه كان قد نذر نذراً إن جاء مصطفى للرياض زائراً أن يستضيفه في داره رغم الإعتراضات التي قد نبديها ، و مهما كانت إرتباطات مصطفى الأخرى أو ضيق وقته ، ولذلك النذر قصة عجيبة كما قال صلاح ، لم يشأ أن يخبرنا بها في الوقت الراهن رغم إلحاحنا الشديد عليه . وفي سبيل التحضير لتلك الجلسة إستعان بإثنين من أصدقائه وهما الأديب المحامي الأستاذ عبد الباقي الطيب والشاعر المجيد د. صلاح الرشيد ، واللذان تكفلا بتوجيه الدعوات للجميع عبر مختلف وسائط الاتصال . وكنت تشاهد في ركن قصي من صالون الحويج الرحب مسؤولا الاعلام والمال في رابطة أصدقاء مصطفى وهما الأستاذان مامون محمد حسين وعبد الحليم حامد يتناقشان بصوتٍ مسموع في آخر المستجدات بخصوص طباعة الجزء الثاني من ديوان فجر المشارق وقد أعادا للمطبعة البروفة النهائية للجزء الثاني من فجر المشارق بعد أن تمت إجازتها من قبل أعضاء الرابطة وموافقة أبو سامر الأخيرة عليها .
    بدأت الجلسة الفنية بكلمة قصيرة من مستضيفنا ود الحويج ، رحب فيها بالضيوف وبالأستاذ مصطفى .. ثم أعقبه المُحتَفَى به مصطفى سيد أحمد (أبو سامر) والذي تحدث قليلاً عن الغناء عموماً وعن تجربته الفنية وعن بعض أصدقائه من الشعراء الذين تغنى لهم . ثم بدأ السمندل يغني . ونزولاً عند رغبة الحضور فقد كان مصطفى يشدو بالأغنية ثم يبتدر النقاش مع جمهور المستمعين في صالون الحويج عن تلك الأغنية ، وكان الحديث يدور حول جماليات اللحن أو صعوبة بعض الكلمات في التلحين وكيف يتغلب هو على ذلك وهل يعدل الكلمة مثلاً أم كيف يتجاوزها . وكان النقاش في الأغنية يستمر أحياناً لأكثر من ربع ساعة ثم يتحول النقاش إلى موضوعٍ آخر حتى يشرع أبو سامر من جديد في إرواء ظمأ المستمعين بأغنية أخرى لشاعرٍ آخر ، خاصةً وأنه قد تغنى لأكثر من أربعين شاعراً .
    الأفراح لابد من ترجع ..
    الأحلام الدونك كانت ..
    لو واصلنا صباحا بيطلع ..
    وفجأة هلَّ علينا الأستاذ / ياسر حسن بشير نائب رئيس رابطة أصدقاء مصطفى سيد أحمد معتذراً عن التأخير لأنه كان مشغولاً مع بلبل الغرب الفنان (عبد الرحمن عبدالله) حيث عاد به من جلسة العلاج الطبيعي في مستشفى الملك فيصل التخصصي . وعندما سمع أبو سامر اسم الفنان عبد الرحمن عبد الله (أبو مصعب) توقف عن الغناء وانبرى متحدثاً - وهو يحاول إخفاء دمعة حزن سالت على خده – عن ذكرياته مع أبو مصعب وصداقته له وتحدث عن رحلتهم الفنية إلى كوستى حيث رافقهم فيها الفنان خوجلي عثمان . ثم تطرق في حديثه إلى معاناة عبد الرحمن عبدالله مع آلام الغضروف ، ولماذا لم تحرك الدولة ساكناً حتى الآن في سبيل علاجه ، وأين إتحاد الفنانين من مأساة هذا الفنان الإنسان؟ . كان أبو سامر يتحدث والألم يعتصر قلبه ، وكانت تلك هي المرة الأولى التي نشاهد فيها مصطفى وهو يتحدث بتلك المرارة والغضب عن تجاهل المسؤولين لمحنة بلبل الغرب وذكر بعض الأمثلة لتجاهل الدولة لرعاياها من المبدعين وعدم الاهتمام بهم إلا بعد (خراب سوبا) على حد تعبيره . وقال مالنا نذهب بعيداً ، وقبل فترة قصيرة ضاع منا اللاعب الدولي حسن عطيه (كسرة يا أبوعلي) نتيجة الاهمال ، وأن النائب الأول لرئيس الجمهورية كان قد أمر بأن تتولى الدولة علاجه بالخارج ، بعد أن رفع له بعض الصحفيين تقريراً طبياً عن حالته الصحية المتدهورة ، ولكن جاء التحرك بعد فوات الأوان حيث لحق (أبو علي) بالرفيق الأعلى قبل أن تكتمل إجراءات سفره للخارج ، ومثله الجابري و خضر بشير وغيرهم كثيرون؟!
    لهذا فأنا عاتبٌ جداً لصمت المسؤولين عن رعاية المبدعين ، وغاضبٌ جداً من إتحاد الفنانين لتقصيرهم الشنيع في علاج بلبل الغرب الفنان عبد الرحمن عبدالله . ثم واصل حديثه قائلاً إنها شهادة للتاريخ : إن عبدالرحمن عبدالله واحداً من أعظم الفنانين الذين أثروا ساحة الغناء السوداني بعطائه الثر المتدفق والمتنوع ، وبألحانه الشجية وأدائه التطريبي الرائع ، لذا لا غرو أن خلدت أغنياته في وجدان المستمع السوداني الذواقة للفن ، كما كان سفيراً فوق العادة للأغنية السودانية خارج الوطن ، هذا الوطن الذي تناساه الآن في محنته ، وصمت عنه القادرين فيه على التمام .. قال مصطفى هذه الكلمات بتأثرٍ واضحٍ ينم عن مدى تأثره بالمرحلة التي وصلت إليها حالة زميله الفنان (أبومصعب) . ثم صمت طويلاً وبعدها أمسك بالعود وتأمله قليلاً ثم ناوله للعازف الماهر أحمد عدلان وشرع يترنم بأغنية (رويحة الهاوي) للمبدع الفنان عبدالرحمن عبدالله(أبومصعب)، شفاه الله وعافاه ، حيث ردد هذا المقطع مراراً:
    بحن لي شيبة وقَّوها .. لي نغيم نقارة دقوها ..
    بحن لي صفقة المردوم .. بحن لي رمية المردوم ..
    بحن لي رمية نص الليل .. سماح قصبة مدالق السيل ..
    ولــي ناســــاً بعـزونــي .. ولي ديل ديـــــل بعزونـــــي ..
    رويحة الهاوي يا مجافي .. يطول عمرك مع العافي يطول ..
    وبعد أن انتهى من هذه الأغنية ، أجال بصره في الحاضرين ثم ضحك وقال ان جلستكم هذه تذكرني بصديقي العزيز الشاعر أزهري محمد علي عندما كنا نسكن معاً في الحصاحيصا ونحن عزابة وكانت دوماً مسك ختام جلستنا هي أغنية (في سكون الليل) للعميد أحمد المصطفى ولقد ظللت محافظاً عليها في كل جلسة فنية لدرجة أن عزابة بيت الحصاحيصا أطلقوا على هذه الأغنية إسم (الراتب) .. لذا أعذروني إن إستسمحتكم طالباً منكم أن نختم هذه الجلسة الفنية العميقة براتبنا وهي أغنية (في سكون الليل) . ثم شرع يغني فيها .. ولكن .. قبل أن تكتمل الأغنية إذا بأحدهم (ينهزني) من السرير ويقطع عليَّ استمتاعي بتلك الجلسة الفنية الحالمة والتي كنت أحد حضورها في المنام !؟ .. فأستيقظت غضبان أسفاً على إنقطاع ذلك الحلم الجميل لأجد إبني خالد بجواري وهو يناولني سماعة الهاتف لأجد على الطرف الآخر من الخط (وكأنني في حلم جديد!؟) الأخ الفنان عبد الرحمن عبدالله ؟!؟
    فبادرت بالقول : يا صديقي العزيز يا أبو مصعب ، صدقني كما يقولون : (عمرك أطول من عمري ؟!) فقد لا تصدق أننا كنا قبل قليل في سيرتك مع الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد ؟! فقال لي كيف ذلك ومن كان معك ؟ ولقد أخبرني أهلك أنك نائمٌ ؟ أكيد قبل أن تنام كنت ومن كان معك تتحدثون عن ذكراه السادسة والتي صادفت الشهر المنصرم ؟ فذكرت له الجلسة الفنية التي رأيتها في النوم وقابلت فيها مصطفى والذي كان حزيناً لحالتك وفي ثورة غضب لتجاهل الدولة لك ولكل المبدعين في الوطن ، رغم أنه لحق بالرفيق الأعلى قبل بداية مأساتك هذه (؟!؟!) . فقال لي : في عالم الأحلام كل المستحيل ممكن ، ورحم الله مصطفى فقد كان عظيماً في كل شيء ، في حياته وفي مماته . ومهما نسيت فلن أنسى ذكرياتي معه . وشرع (أبو مصعب) هو الآخر يحدثني عن الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد فقال :
    إنني من أشد المعجبين بمصطفى سيد أحمد ، ولقد أعجبت بأسلوبه المتفرد في الغناء وبصوته الآسر الجميل وذلك منذ أن سمعت أغنية غدار دموعك ، وأنا أعتبرها من عيون الغناء . وأذكر أنني ذهبت يوماً لمبنى الإذاعة السودانية في السبعينيات لمراجعة لجنة النصوص والألحان لإجازة صوتي وكنت أظن أن أعضاء اللجنة سوف يحددون لي موعداً لاحقاً لذلك ، ولكنهم فاجأوني وطلبوا مني الغناء أمامهم في الحال ؟! وبالطبع لم تكن معي آلة العود ، وعندما خرجت وجدت أمامي مصطفى سيد أحمد وهو يحمل عوده وكان به شرخاً صغيراً على ما أذكر ، وصافحني بحرارة وقال لي يا أستاذ عبدالرحمن أنا واحد من معجبي فنك الراقي ، وقدَّم نفسه لي بتواضع حيث ذكر أنه يعمل مدرساً في مدارس بورتسودان وأتى للإذاعة لذات الغرض ، واستعرت منه عوده (المشروخ) لأغني به أمام لجنة النصوص والألحان لإجازة صوتي (!؟) ، والذي كان قد أجيز من ملايين المستمعين في مختلف بقاع السودان قبل ذلك بسنوات عديدة !؟:
    يا وحشة أبيات القصيد ..
    وا غربة اللحن الوليد ..
    وا حسرة العود الجديد ..
    فاقد أناملك منتظر ..

    ثم جمعتنا الظروف مرة أخرى في الثمانينات في رحلة فنية إلى كوستي وكان ثالثنا فيها الفنان المرحوم خوجلي عثمان وكانت المرة الأولى التي ألتقي فيها بخوجلي . وفي كوستي كان من المفروض أن ننزل في فندق لكن مصطفى أصر على أن ننزل معه في منزل بنت عمته وليس الفندق ، حيث قال أنه عيبٌ كبير في حقه أن ننزل في فندق طالما أن منزل أهله في كوستي يسعنا كلنا . ومنذ ذلك الوقت توطدت علاقتنا ونمت صداقتنا . لقد كان مصطفى (عليه شآبيب الرحمة) وفياً لأهله وباراً بهم ، مثلما هو كذلك لأصدقائه ، ولأدلل على ذلك أذكر واقعة صغيرة ، حيث كان في تلك الأيام مهموماً وقلقاً لحدٍ بعيد ، وصارحني بأن والده قد توفى وترك عليه ارث دينٍ يبلغ 800 جنيه (ثمانمائة جنيه) ، وأنه لن يهدأ له بال ولن يرتاح ما لم يسدد ذلك الدين على والده . وبالطبع فإن ذلك المبلغ في ذاك الوقت كان مبلغاً كبيراً .. لذا لم يستطع الوفاء بذلك الدين إلا بعد عدة سنوات ؟! فتأمل !

    إضاءة أخيرة :

    ونحن نعيش في هذه الأيام ذكراه السادسة ، نعلم أن الراحل المقيم قد ترك إرثاً غنائياً ضخماً ، وأن بعضاً من أعماله والتي لم تر النور ، أو لم تكتمل ، مازالت حبيسة الشرائط التي سجلت عليها في حياته (عليه شآبيب الرحمة) .. وبعضاً من هذه الشرائط محفوظة لدى زوجته الصابرة الصامدة الأخت بثينة ، والذي نأمله ونرجوه منها وأتمناه عليها ، وهي الحريصة على أعماله واللصيقة بها ، أن تنقب فيما لديها من شرائط ، مستعينةً ببعض أهل الاختصاص ، فإن وجدت فيها ما تراه مكتملاً أو قابلاً لكي يستمع إليه الجمهور ، فنرجو أن تتحفنا به ، ولتكن مثل هذه المناسبة - مرور ست سنوات على رحيله ، منطلق أو بداية لكي تدفع ببعض أعماله للظهور ثم لاحقاً ، كلما رأت الوقت مناسباً ، فيمكنها أن تبادر بإطلاق شريط أو شريطين أو كيفما اتفق لكي تروي ظمأ عشاق مصطفى من فنه الراقي الخالد . ونحن نعلم أن ذلك في حد ذاته يعتبر مشروعاً ضخماً كما كان صاحبه نفسه مشروعاً ضخماً لفنانٍ عظيم ملأ الدنيا وشغل الناس بفنه حتى إرتقى بأحاسيسهم وغرس فيهم كل ماهو نبيل وجميل . وندرك أيضاً أن لدى الأخت الأستاذة بثينة فكرة متكاملة أو مشروعاً ثقافياً شاملاً بذلك المعنى ، وأنها تنوي تنفيذه و إظهاره على الملأ في القريب العاجل بعد تهيئة كل الظروف المساعدة والتي تجعله يقف شامخاً وشاهداً على عظمة صاحبه والذي إرتحل عن هذه الفانية واقفاً كما الأشجار .
    ما العمر شتّان بين أوان زمناً حييتو ..
    وعُمْرِ ما بتقدر بتعرف ..
    بكرة يصبح حالو كيف ..
    عدى فات ..
    وفي إنتظار كل ذلك ، سنظل نذكر (أبوسامر) سراً وجهراً ، ونستمع إليه ليلاً ونهاراً ونحن ندعو له الكريم ورب العرش العظيم فنقول : اللهم أغفر له وأرحمه .. وعافه وأعف عنه .. اللهم أكرم نزله ، ووسِّع مدخله ، وأغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقـِّـه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله ، وأدخله الجنة يا كريـــم يا غفار ، وطبت حياً وميتاً يا أبو سيد أحمد .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمي

                  

05-24-2002, 09:22 PM

bamseka
<abamseka
تاريخ التسجيل: 04-07-2002
مجموع المشاركات: 2451

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عربون محبه من لــيـمـو...مقال لم ينشر في ذكرة الكروان (Re: Elkhawad)

    اخى الخواض
    اشكرك كثيرا على ماسردتة اناملك .. فكنت اتامل مقالك حرفا حرفا من روعة الكتابة

    مع خوالص شكرىوتقديرى لشخصك
                  

05-25-2002, 07:04 AM

أحلام


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مرحبا بالكتاب ليمو (Re: Elkhawad)

    اخوي ود الخواض
    اخوي ليمو

    كيف حالكم

    والله يا ود الخواض من وين جبت لينا ليمو

    بصراحه حاجه حلوه و مرحب بيك بالبورد

    ويالله طلع كل الكتبته ونحن بالانتظار


    ام هاني
                  

05-25-2002, 01:40 PM

هوارى

تاريخ التسجيل: 05-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرحبا بالكتاب ليمو (Re: أحلام)

    الاخ نزار الخواض
    تحياتى يا زول يا رائع
    ليمو حبيبي كيفك
    ليمو معروف بحبه للثقافة السودانية، ومعروف ايضا بسفراته الماكوكية بين قطر والسعودية والجيلى ، ومعروف بوفاء عظيم لبلدنا الكريم ، فمرحبا بك يا اخى ، اتصلت على جوالك قبل ثلاثة اسابيع ولم اتحصل على اجابة وارجو ان يكون المانع خير
    كما اتمنى ان ارى فى هذا البورد اصاحبنافى جدة محمد مدنى ، عالم عباس، الطيب برير، وملك الحلمنتيش حدباى ، واستاذنا الكبير بشرى الفاضل ، والشاعر السر عثمان الطيب ، لا تتعب نفسك يا اخى نزار سوف اقوم بدعوتهم جميعا هنا ، وهنا كذلك الفاضل هوارى مراسل الصحافة
    ودكتور مختار عجوبة ،
                  

05-25-2002, 04:24 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرحبا بالكتاب ليمو (Re: هوارى)


    عزيزي بامسيكا
    الشكر لمن سطر هذه الاحرف الجميله
    الاخ العزيز ليمو



    احلام اختي كيفنك وماك طيبه
    تسلمي ياستي
    ودايرين ليمو ده يفضي لينا
    ويطلع الحاجات الحلوه


    عزيز هواري
    تسلم يازول يارائع
    وارجو ان توفق في دعوه كل من ذكرت من الاحباب
    وكل من لم تسعف الذاكره علي تذكرهم
    فانت تستطيع الوصول لهم اسرع مني
    وتسلم ياحبيب

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de