Post: #1
Title: سعودي دراج: الذكرى الجميلة لو تعرف معناها بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 01-31-2015, 01:48 AM
Parent: #0
السيد سعودي دراج ، النقابي العمالي الوطيد ، رجل مسكون بفن لا حصر له . وهذا الفن هو الذي أبقاه على رقة الجانب ودماثة الإنسانية في خضم مسئوليات شاقة ، قديمة ، وطويلة أثقلت كاهل آخرين وشردت عذوبتهم الأصل . أذكره في زنزانات الشرقيات بكوبر في 1971 وقد تعلقت روحه بطائريّ ود أبرق كانا يحطان على باحة أمام زنزانته يؤانسان وحشته . وكان سعودي إذا فرغ من تدوين ملاحظاته الذهنية عنهما في يومه نقل إلىّ لاحقاً حديث الطائر إلى الطائر: إلفتهما، وشغبهما ، وشغفهما. ومن أميز ما رأيت من فن سعودي أنه كان يتقمص شخصية كثيرة الفكاهة يدخل في دور منها ويخرج كما شاء . وهي شخصية الأب الذي يتأبط عصاه ويسوق ولده إلى المناسبات الاجتماعية من عقد ونحوه . وكان سعودي بارعاً في استنباط دقائق هذه الشخصية التي اكتملت بها سعادة الدنيا : عصا وولد وأهل ومناسبات . وكنت أضحك لمنظر الرجل في أداء سعودي وهو يمشي نحو المناسبة الاجتماعية ، يتأبط عصاه ، ويتحدث إلى ابنه عن صلة الرحم التي بينهما وبين صاحب العزومة . أو المنظر الآخر الذي يأخذ فيه الرجل قطعة حلوى من الصحن المار ويحشو جيب ولده حشواً بالحلوى . في مرة في سجن شالا اشتقنا للحرية جداً . سئمنا المحاضرات والرياضة وشائعات إطلاق السراح وانتظار الذي يأتي من الأهل والذي لا يأتي . وتذاكرنا الغناء مقطعاً من هنا وهناك . وجاء ذكر إبراهيم عوض وتصفحنا بعض أغنياته . ثم إذا بسعودي ، وله صوت عذب ، يتغنى : الذكرى الجميلة لو تعرف معناها / لا دنيا بتزيلها لا آخره بتمحاها . وكانت تلك الأغنية هي ما ظللنا نبحث عنه (تحديداً) ونحن في ذروة السأم . وهرعنا بأصواتنا : أجشها وأنكرها وأعذبها نغني أو نشيل مع سعودي نشق عنان السجن . وغنيناها ، واستعدناها حتى رطبت حلوقنا ، وأزالت أكثر الصدأ من أرواحنا ثم تفرقنا . لقد شيدنا منطقة محررة في جغرافيا السجن . كأن مرهماً مس الجراح . وكأن النيل مد لنا سرباً من موجه وغسل درن الروح . مكتبة د.عبد الله علي ابراهيم الحزب الإشتراكي الديمقراطي الوحدوي (حشد الوحدوي) ينعى سعودي دراج تشييع مهيب لسعودي دراج وبكي الرجال والنساء ( صور ) وداعا المناضل الجسور سعودي دراج
|
|