اليوم الحار ومابنداريوم الهندسة والمعمار

تحياتي لكل الأخوة والأخوات بالإضافة ل(خليل) وعبد الكريم
أولا يا (خليل) لاحظت كثيرا كريم يكتب اسمك بين قوسين، ولم أستطع أبدا تذكر هذا (الخليل) بعدين عرفت من أنت .. أنك أحد نجومنا اللامعة في سماء الهندسة.. لماذا يا أخي لم تقل لنا؟ وبما أنك فضلت أن يكون (حمدو في بطنو) فإنني أكتفي بمعرفتي تلك وتحيتي لك بعد كل تلك السنين.. أما كريم فقد تعرفت عليه فورا منذ حكى عن قصة التسمية وإن كان لم يذكر قصة محمد الفاتح التي دعته في رأيي لنكران أن له (اسم دلع).. نعم نحن أولاد دفعة (لزم) وأنت كنت أنت من نجوم الهندسة يا (خليل) المنتشرين في كل الجامعة بينما نحن كنا طيورا محلية تغرد فقط داخل كافتريا الهندسة وتفعل فقط داخل الجمعية الهندسية أو روابط الهندسة المختلفة.
وقبل الدخول في موضوع كتابتي أنقل للبوست العزاء في عمنا محمد شمت والد زميلنا أشرف، وقد كنا في وفد عزاء أمس مكون من إشراقة وحنان وشخصي بعد فشلنا في التنسيق مع اهيلة.. وعلمنا أنه جاء الخرطوم قبل حوالي 3 أسابيع لمرض والده وقد توفي إلى رحمة مولاه الأسبوع الماضي، ألا رحم الله العم محمد شمت وأسدل على أهله الصبر والسلوان، وبالنسبة للزملاء في السودان فأشرف لا زال موجودا بمنزلهم بالعرضة لتلقي العزاء..
وفاء عبد الرحمن في هولندا كما ذكرت ولكني لم أذكر انها متزوجة من الزميل طارق مختار عبد الله، كما لم اذكر أن لمياء متزوجة من حامد فتوتة وهما الآن بالسعودية.
تعرف يا أخي يا (خليل) في العلاقات البشرية لا يوجد (مفروض) ولا يوجد (مثال).. ومثلما لا يغالط أحد أن زيجات الزملاء التي ذكرت كانت ناجحة، فأرجو ألا يغالط أحد أن كثيرا من علاقات الزمالة كانت زبدا ذهب جفاء.. وأن زيجات تمت خارج إطار الزمالة كانت مثالا للنجاح.. الإنسان ذلك الكائن الغريب الذي لا يحد قدره قانون ولا ينظم مآلاته حلم، ولا تخضع معادلات الاجتماع فيه لكلمات مثل يجب أو ينبغي أو نموذج أو مثال ولهذا ينبغي أن يتاح للناس رجالا ونساء مطلق الحرية في الاختيار وبدون فرضيات مسبقة وقد قلت (كل زولا بيعجبو الصارو) فإن كان عاجبه فما غرض الآخرين : ما دخل القاضي؟.. ولكننا اتفقنا ألا نخوض في التفاصيل ليس لأي شيء إلا أن السفن قد أشرعت شراعاتها وسارت باتجاهاتهاومن يدرينا التي تبلغ ذروات النجاح من التي تغرس في أوحال الفشل، من يدرينا.. فلا أقل من إسدال الستار. لذلك أرجوك أسدله.

وددت بدءا أن أشارك بالتوثيق فيما يتعلق بلجنة بحث عدالة توزيع الفرص الجامعية.
الشخص المفتاحي في هذه اللجنة حسب ما ذكر هو زميلنا خالد شيخة، وخالد كان صديقا حميما أيضا قبل أن يشرع نحو الفضاء الجامعي الفسيح ويقل ارتباطه بعالم الهندسة، ثم يقع في جب الاتجاه الإسلامي..
جاء خالد من خور طقت الثانوية، وكانت له تجربة شخصية مرة إذ لم يكن في خور طقت ولا في كل الأبيض أستاذ فيزياء واحد، وبالرغم من ذلك اجتهد ودخل جامعة الخرطوم كلية الهندسة قسم الكهرباء، كانت نمرته في الفيزياء لا تقارن بنمره الأخرى.. وكان يحس بغبن شديد لإقليم بكامله فالأبيض حاضرة كردفان وخلو الأبيض من أستاذ فيزياء واحد معناه أن كل كردفان لم تكن تدرس هذه المادة الهامة في مجموع الكليات العلمية (في ذلك الزمان كان القبول بالمجموع وليس بالنسبة كما هو الآن)..
اهتم خالد ببحث نسب الدخول للجامعة من اقاليم السودان المختلفة، ووجد اهتماما مماثلا لدى الدكتور صديق أمبدة في الاقتصاد، ودكتور صديق كانت له إحصائيات مجموعة مخيفة ومذهلة ومثيرة للغبن والغضب.. أقاليم كاملة مثل دارفور وأقاليم الجنوب لم تكن تنجح في كثير من السنين أن تدخل طالبا واحدا لكلية الطب وأحيانا الهندسة.. من هنا نبعت فكرة العدالة في توزيع الفرص الجامعية.. ومن هنا برزت شهادة لندن كهدف لم يكن الأساسي ولكنه كان هاما جدا في إعادة توزيع الفرص الجامعية.. 75% من الجالسين لشهادة لندن كانوا يدخلون جامعة الخرطوم. وفي زماننا ذلك كان الممتحنين للشهادة السودانية حوالي مائة ألف إلا قليلا كان من ينجح فيهم لدخول جامعة الخرطوم حوالي 2% فقط!!
أما الحديث عن أن طلبة شهادة لندن كانوا يبرزون داخل الجامعة فشهادة صحيحة فقط نصفيا.. جزء كبير ممن يلجون الجامعة عبر بوابة شهادة لندن حينها كان يسقط منذ السنة الأولى، وأنا لا أريد أن أذكركم بالأسماء التي سقطت في أول عام ولم تتعد الolt
أذكر الآن عددا منهمبالأسماء، ولكن كما قلت لا داعي لذكرها، صحيح أن الذين واصلوا منهم كانوا من أفضل الناس في دفعتنا مثل بول وكواث أروب يور ومي صفوت وبهاريت الهندي، ولكن عددا مماثلا فقدناه في أول امتحان، مع أنه كما ذكرتما في هذا البوست كانت سنة أولى بتعدي بالنسبة لناس الشهادة السودانية في الغالب فهي عبارة عن إعادة لما درسناه في سنة ثالثة ثانوي ولكن بالإنجليزي.. ولهذا جاءت صيحة اللجنة: أن شهادة لندن، هي بوابة مفتوحة لشريحة مخصصة من أبناء الوطن وتعطى امتيازات بالغة بحيث يصعب للواحد والواحدة ألا يدخل جامعة الخرطوم إلا مع بلادة مغلظة، وكان معهد نبيل يجعل المهمة (مهمة الفشل في دخول جامعة الخرطو) أصعب وأصعب! تخيلوا أن يدخل 75% آنذاك من فصل في أي مدرسة جامعة الخرطوم، وحينها أي قبل ثورة التعليم العالي كانت حلما بعيد المنال يتأكد معظم الممتحنين ألا ينالوه إلا بعد لأي وإعادات متكررة..
لكن وكما قلت انعدام العدالة كان أبعد من ذلك، ففي داخل الشهادة السودانية نفسها كانت الخرطوم تحوز على النسبة الأعلى، وبقية الأقاليم قسمتهم ضيزى.. الخرطوم كانت فيها الكورسات الصيفية، وفي كل المواد كانت هنالك دروس متخصصة من أبرز الأساتذة وأنبغهم في فنون التفهيم.. بينما كانت الأقاليم تعاني من قلة الأساتذة والكتب وو والنتيجة النهائية كانت تستحق صيحة خالد شيخة.. وتستحق أن يساندها كل باحث عن العدالة.. كانت تلك إحدى صيحات العدالة المتكررة في جوانب التنمية المختلفة ولكنها كانت تركز فقط على جانب التعليم العالي والفرص الجامعية. كانت بقيادة خالد شيخة وكنت من ناشطيها الأوائل قبل أن أنذوي في الركن الهندسي في السنين الأخيرة وأقلص أي نشاط عابر للكليات، وكان معنا زميلنا أسامة محمد ابن إدريس الذي جمعني بأسرته النسب لاحقا كما ذكرت..
وبهذه المناسبة أذكر الاعتصام الشهير الذي قمنا به بمكتب العميد ونحن ندعو ليس لإيقاف شهادة لندن ولكن لإعطائها النسبة العادلة مع غيرها من الشهادات - فحينها كانت الشهادة العربية تواجه حيفا في التعامل في المقابل- كما كنا ننادي بضرورة العمل على الرقي بالتعليم في الأقاليم أو إعطاء نسب للأقاليم المختلفة في دخول الجامعة.. وأذكر حينما كان خالد يخطب في الجمع المحتشد جاءت إحدى طالبات شهادة لندن واستمعت قليلا ثم انصرفت وقالت لصاحبتها: ياي شفتيه حاقد كيف!!.. كان خالد يخطب بحماس متقد وعيناه تشعان وتبرقان، لكني لم أحس يوما أن هذا كان حقدا، كنت أراه غضبا لأجل الحق ولأجل القادمين من أبناء للسودان مظلومين لصالح أبناء آخرين.. كان خالد يستخدم إحصائيات تبين كيف أن كل مدراء الجامعات، والمسئولين من سياسة القبول أبناؤهم من شهادة لندن ويقول: الفي يدو القلم ما بيكتب روحو شقي!
ونظم المدافعون عن شهادة لندن اعتصاما مضادا وقد قادته السيدة فاطمة أحمد إبراهيم وخطبت في الناس ذاكرة صنوف المعاناة التي تلقتها في تربية ولدهابعد استشهاد أبيه بطشا من النظام المايوي والأسباب التي حتمت عليها إدخاله للمدارس الأجنبية وحقه أن يدخل جامعة الخرطوم بعد كل الظلم الذي حاق به، وكتبت أيضا في جريدة الميدان بمعان مماثلة..
وفي الخلاف المحموم بين اللجنة وبين الذين اعتقدوا ان دعواتها ستدك امتيازاتهم الخاصة نظمت لقاءات مع كل المسئولين بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء آنذاك السيد الصادق المهدي..
كانت لقاءات رئيس الوزراء بالوفود المتضادة في نفس اليوم (أعتقد من عام 1987م) ولكن في مواقيت مختلفة، وكان وفد اللجنة بقيادة دكتور صديق أمبدة وفيه خالد بالطبع وكنت معهم، كما كان وفد الدفاع عن شهادة لندن بقيادة الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم.. وقد اعتبر أحد موظفي المجلس أن هذا من سخرية الأقدار السودانية أو ضد منطق الأشياء!. أرجو ألا يكون هذا جر لبوستك للسياسة ولم أقصد أبدا أن أفعل ذلك، بل لقد كانت تجربتي في اللجنة هي من أبلغ الأشياء التي جعلتني أبتعد من العمل السياسي الحزبي فترة من الزمان.. ما أمكن.. سألتني هل صرت سياسية؟: أقول ليس بالقدر الكافي، أو ليس دائما، وفي أحسن الأحوال سأكون مثلما وصف الدكتور بشرى الفاضل.. قال في إحدى الندوات أنه كان يعلق على غرفته بالداخلية بجامعة الخرطوم الأبيات التالية:
هكذا أبصر نفسي
عاثر الخطو عييا وخجولا
كتب الوالد في دفتر يومياته
يرتجى منه ولكن
ليس في كل الأماكن!!

يعني لو صرت سياسية، فلن يرتجى مني في كل الأماكن! المهم.. كانت قضية اللجنة قضية عادلة في رأيي، فاللجنة لم تكن تنادي بقفل شهادة لندن ولكن أن تأخذ نصيبا متناغما مع نصيب بقية أبناء السودان.

هذا جانب من ذكريات اللجنة، وسأعود بإذن الله
رباح

Arabic Forum