دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية
|
الغربة طاحونة ، و حباتها ( المدقوقة و المدروشة بين رحاها هم المغتربين و ضجيجها يصيب أسرهم هناوهناك فتجعلهم يعيشون في حالة من إنعدام الوزن ). أهلنا في الشمال ، مارسوا الإغتراب منذ عهد الملكية في مصر ، منذ أيام الملك فؤاد و الدون جوان الأرناؤوطي فاروق ، أو قيل قبل ذلك. سألوا أحد جهابذة الإغتراب ( و هو من عندينا ) : ما رأيك في الإغتراب ؟ فقال : العشرة سنوات الأولى صعبة. معنى هذا أن سنوات الغربة عندنا تقاس بالحزمة ( كالسنة الضوئية )، كل حزمة تساوي عشرة سنوات. يعني أربعين سنة غربة تساوي أربعة حزم و كل حزمة إغترابية تكون حبلى بالبحث عن كفيل أو عمل أو تأشيرة للذهاب و العودة بها أو طلبات لا تنتهي إن لم تنتهي كل الحزم بمرض السكر أو الضغط أجاركم الله و إيانا. تسأل واحدة عن زوجها : متى يأتي ؟ فتقول لك : بعد نص حزمة. لأنه لو قالت بعد خمسة سنوات ، الواحد بيشوفها كتيرة ، بالضبط زى فرق السعر بين الجنيه و الدينار السوداني. نحن أحسن شعب نختزل الزمن بصبر عجيب ، حتى أن أحد الظرفاء قال ، إن المدفون في ذلك الميدان ( ليس أبو جنزير ) بل هو سيدنا أيوب عليه السلام ، جد كل السودانيين الصابرين، فرضعنا منه هذا الصبر الجميل و لم نفطم منه إلى يومنا هذا ، و تسرب إلى جيناتنا الوراثية ، فإنساب إلى شراييننا و تحكم في فصائل دماءنا. كل واحد فينا شايل همو ، و هم ناس تانين ، و شايل قصص في راسه ، منها المضحك و منها المبكي و منها المضحك المبكي . زولنا حمد ، زول سوداني ، فنجري الطباع ، فارع الطول كأجداده من سلالة تهراقا ، وسامته لا تخطؤها العين ، مشلخ شلوخا غائرة كخطوط المحراث في أرض بكر. عندما إلتحق في الرياض بعمل لأول مرة قبل كم حزمة إغترابية ، سأله بدوي : ما هذه الشرطات على خديك؟ فقال له حمد مازحا و بهمس : أنا حأقول ليك بس ما تقول لي زول. في بلدنا الواحد لو ما قتل ليهو أسد أو نمر يعتبر ما راجل و ما بيعرسوا ليهو ، أها أنا صارعت نمر و قتلته ، و لكنو عمل فيني الشرطات دي. البدوي تراجع مصدقا و هو يفتح فمه مندهشا و متوجسا خيفة. و لكنه لم يجهد تفكيره و يسأل نفسه : ما هذا النمر الذي يختار الجضيمات فقط و يقوم بتشريطها بهذا الإتقان الهندسي ؟ أوقف القدر في طريق حمد فتاة جنسيتها ( خاتفة بلدين كلونها خاتف اللونين ) فالوالد من قلب أثينا و الأم سليلة أمهرا ( بت عما لي مادلينا ) فكانت للناظر متعة لعينه و قلبه ، و الكمال لله ، كل شيء فيها بديع و جميل ، حبشية أبوها إغريقي سليل هوميروس و أمها سليلة الأمهرا ، ولدت في أثينا ، و ترعرت في أديس ، و إغتربت في السعودية. تتابعها بعيونك و أذنك عندما تتحدث و هي تحاول تقليد لهجتنا الحبيبة ، فكأنها تتكلم و فمها مليء بحلاوة هريسة ، و خاصة عندما تأتي بكلمة بها حرف العين ، فيخرج الحرف و هو شبعان من ريقها ، من جوة جوة الحلق. فتتمنى لو قالت أمامك طوال اليوم ( يا علوية عيونك عسلية ). أحب حمد ريتا ، حبا ملك عليه فؤاده و لبه و جعلت مجاري شلوخه تتوهج كلمبة النيون و تمتليء بدماء العشق التي تغلى في عروقه. و بادلته ريتا حبا بحب. و الساعة اليقولو ليها حمد ، الكلام يكمل و يقيف. قلنا له و نحن نظهر الشفقة و نضمر الحسد : دي ما معروفة مسلمة ولا مسيحية ، يعني أهلك ما حيرضو .. لم نكمل ، فقد قال و الشرر يتطاير من عينيه : و الله لو بقت راهبة ولا من السيخ ما بخليها. تزوجها حمد ، مازحه أحدنا : أولادكم حيطلعوا مشلخين جاهزين و إنت عامل لي شلوخك الغريقة دي. المثل يقول ( البيحبك بيبلع ليك الظلط ) ، و لكن كان حمد بيبلع ليها الدراب و الكركتي و كتل الإسمنت المرورية. فعندما دعانا لأول مرة لوجبة غداء ، قال لنا : ريتا عملت لينا أكلة سودانية بإيديها. و حضرنا في الموعد المضروب ، و نحن نشحذ أسنانا لإلتهام وجبة سودانية بأيدي أجنبية. و حمد يدخل و يمرق ( كأم العروس ) تارة يستحث ريتا و تارة يمدح في ريتا و عمايلها السودانية، و أتت الصينية مغطاة بطبق سوداني ، و عروق من الجرجير تتدلى معلنة أن المائدة ستكون عامرة ، و إنكشف الطبق عن صحن ( ماكن ) يمكن أن يسبح فيه طفل عمره ستة شهور بحرية تامة ، و داخله شيء أشبه باللحاف المطبق ، أطلق عليه حمد إسم القراصة ، كان لونه داكنا يميل للون الكاكي الغامق ، فقلنا ربما من نوعية الدقيق ، و عندما سكب حمد ( الملاح ) و الذي من المفترض أن يكون ملاح الويكة ، إندلق سائل هلامي يمكن أن تحسب من خلال شفافيته عدد حبات الفلفل الأسود و حبات الويكة الناشفة و أجزاء من الماجي التي لم تذب في الحلة. و إندلق السائل بعد عدة محاولات من حمد و كأنه يضع لك مرهم بنسلين في العين ، و الذي غاظني و جعل الدم يصعد إلى نافوخي هو أن حمد ما إنقطع من شكر هذا الهلام و هذا اللحاف القابع في طشت الغسيل الذي أمامنا : قال و هو يبلع بنهم و تلذذ : بالله ما شاطرة إنو الواحدة تتعلم تعمل الحاجات دي و بالسرعة دي ؟ فقلت له متهكما : الكلام على الأستاذ . لم يفهم مغزى تهكمي و واصل بلع الكتل العجينية و نحن نتسلى بالسلطة المليئة بالشطة الحبشية. عند خروجنا ، قالت ريتا : الأكل عجبكم ؟ قلت لها و أنا أفكر في أقرب مطعم : و دي عاوزة كلام ؟ تسلم الأيادي يا مدام ريتا. لكزني صديقي : تسلم الأيادي و تبوظ المصارين ، مش كدة ؟ و عينة أخرى من الدراريب التي إبتلعها حمد. في عرس سوداني بهيج ، صحبها حمد ، و نزلتْ ريتا إلى حلبة الرقص تحاول مجاراة فتياتنا في الرقص ، و شوية شوية الرقص سخن مع الموسيقى الصاخبة ، و حمد يتحاوم حولها كحومان الذئب حول فريسته و كأنه يحميها من الأعين و من المتطفلين ، و بعد عدة محاولات فاشلة من ريتا للتأقلم مع إيقاع رقصاتنا ، أخذت ركنا قصيا من الحلبة بحيث يشاهدها الكل وراحت تتراقص كما آلة الأكورديون في أوج عزفه بيد ود الحاوي ، تلك الحركات بالكتفين التي تجيدها الفنانة المصردانية ( جواهر ) ، فصارت ريتا كالمغرد خارج السرب ، هي في جهة و حسانيتنا في جهة أخرى ، و حمد يصفق و يترنح فرحان جذل و هو يصفق لها و يبشر لوحده ( الفول فولي زرعته وحدي و و سآكله وحدي ). معذور حمد ، فقد كان يرى فيها كل شيء حلو. ثم إختفى عننا حمد ، و لفترة طويلة ضاعت أخباره عنا وسط زحام الحياة و حزمنا الإغترابية تأكل لحظاتنا ، ثانية بعد ثانية. ثم جاءت أخباره ، إنه يقيم في قرية ريتا بأثيوبيا ، فصار شيخا ( ليهو بوخ و إيدو لاحقة ) ينادونه ( شيك همد المشلك ) و أسلمت ريتا و صار إسمها زينب ، و يعتبرون أن من ينظر لشلوخه في خده الأيسر و الأيمن عند أي لقاء به ، يكون قد نال بركته و كان ذاك يوم سعده. بركاتك يا شيك همد. إخواننا المصريين ، أطلقوا علينا إسم البرابرة ، إنطلاقا من مفهوم معين. فقد قام الملك فاروق بتعيين السودانيين في مصر و خاصة النوبة في سلاح الهجانة ، يركبون على الجمال و هم يجرون بالأرض سيطان عنج ، كانوا يحرسون حدود الدولة ، و إن حدث أي هرج أو مرج في القاهرة يطلبهم الملك فاروق فينزلون وسط الدارة و يلهبون ظهور أولاد بمبة بهذه السياط و التي لا يتحملونها. فأطلقوا علينا هذا الإسم تشبيها لنا بالقبائل الهمجية البربرية. المهم إنو واحد من البرابرة ، عاش في تلك الحقبة تاجرا ميسور الحال في أم الدنيا ، و كان بعين واحدة ( المتشاءم يقول له أعور ، أما المتفاءل فيقول أنه بعين واحدة )، ففكر أن ( يلَغْوِس ) شوية في حياته ، و يعمل تحلية و يتزوج مصرية ( تجعل حياته في الغربة طرية و لينة ). فتزوج واحدة من باب اللوق ، و عاش مبسوطا مفتول الشاربين منفرج الشفتين ، يدخل عليها كل يوم و هو يحمل أكياس الفاكهة و اللحمة البتلو ، و البسبوسة ، و دامت حاله هنية و رضية ، إلا أن دوام الحال من المحال ، فأفلس ، و صار يدخل يوميا على زوجته خالي الوفاض ، فتسأله زوجته و هي تزم شفتيها ( ها ... ما لقيتش شغلة ولا مشغلة ؟ ). فيقول و هو كسير العين ( لا ). و إستمر الوضع لبضعة أسابيع ، و في يوم فتحت له الباب بحيث ظهر وجهها و صدرها فقط و قالت له : ها ، مافيش جديد ؟ فقال : لا فقالت و هي تخبط على صدرها : يا لهوي ... و كمان أعور ؟؟؟؟؟؟ و تطايرت ملابسه و حاجياته من البلكونة ، قطعة قطعة ، يلتقطها و عينه الوحيدة تذرف دمعا غزيرا.
اللهم إختزل حزم إغترابنا .. و أرجعنا إلى أهلنا في وطن يسوده السلام . و كل عام و أنتم بألف خير.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: ابو جهينة)
|
(تتابعها بعيونك و أذنك عندما تتحدث و هي تحاول تقليد لهجتنا الحبيبة ، فكأنها تتكلم و فمها مليء بحلاوة هريسة ، و خاصة عندما تأتي بكلمة بها حرف العين ، فيخرج الحرف و هو شبعان من ريقها ، من جوة جوة الحلق. فتتمنى لو قالت أمامك طوال اليوم ( يا علوية عيونك عسلية ).
الراقي جدا أبو جهينة لك مني خالص التحايا والأشواق
جعلتنا كلنا في الأماني سواء
مع مودتي محمد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: ابو جهينة)
|
شقيقي ابوجهينة مسكاقمي هكرفي تسأل واحدة عن زوجها : متى يأتي ؟ فتقول لك : بعد نص حزمة. نحن الظاهر حزمنا حتكون كتيرة قبيل كانوا يقولوا اهلنا لمن كجن نندي بتاع مصر يهنق انت كمان حترجع لي بلدك الظاهر نحن كمان لازم نمشى نعمل شيوخ ذي اخينا حمد وتعرف الدخل بتاع الشيوخ في السودان كمان مرتفع خالص والدخول عنده بالواسطة كمان لك حبي وتقديري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: زول ساكت)
|
عزيزي حمزاوي
تحية و سلام
لمن كجن نندي بتاع مصر يهنق انت كمان حترجع لي بلدك
المشكلة إنو حتى ( حمير مصر ) تآمرت مع سنوات الغربة فما عادت تهنق إلا في تلك السنوات التي رجع فيها أهلنا بالصندوق الأسكندراني المشهور .. أما الآن .. فكان الله في العون .. تسلم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: ابو جهينة)
|
أبو طلال تحياتي
المهم الحزم دي زي حزم الملوخية ، يعني الواحدة بريالين والاتنين بتلاتة ريال وهكذا، ولك أن تحسب بكم يمكنك شراء خمس حزم ..
الحزم كما ترى يا صديقي أصبحت غالية الثمن .. فالدف من الصحة و راحة البال و الغياب الطويل و فقدان أعزاء و نحن هنا نلهث خلف سراب . الثمن غالي .. و بيني و بينك ( الغربة أكبر مقلب شربناه في حياتنا ) .. رد الله غربتكم و أرجعكم إلى معتوقكم بالعافية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: ابو جهينة)
|
الاخ -الأديب- الفاضل ابوجهينة
بوستاتك واحة وريفة الظلال رغم الشجن احيانا
اتمنى ان نعود الى ربوع الوطن ونعيش باقى العمر فى سلام وأمان،رغم أن العودة فقدت
مذاقها الحالى-بالنسبة الى -بعد رحيل الاعزاء الوالدة والوالد تغمدهما الله بواسع رحمته
تحياتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: خالد أحمد عمر)
|
الأخت العزيزة مهيرة تحية و إحترام
اتمنى ان نعود الى ربوع الوطن ونعيش باقى العمر فى سلام وأمان،رغم أن العودة فقدت
مذاقها الحالى-بالنسبة الى -بعد رحيل الاعزاء الوالدة والوالد تغمدهما الله بواسع رحمته
تعرفي يا أخت مهيرة .. الغربة علمتني أن أداري لوعتي و ألمي النفسي خلف السخرية من مجريات الحياة .. كم من عزيز فقدنا .. و الله الألم المحفور في دواخلي سأظل أجتر أحداثه بقية العمر أكثر شيء مؤلم هو الناس الفقدناهم و نحن هنا في الغربة .. رحم الله والديك رحمة واسعة و ألهمك الصبر و السلوان. تسلمي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: ابو جهينة)
|
الأخ العزيز خالد
تحياتي و مودتي تشكر على المداخلة
في واحد ظريف قال (( هي السنة شنو كمان في البلد دي مسلسل مكسيكي واحد وتلقاها كملت)) فعلا يا خالد .. السنة بقت زى الشهر و الشهر زى الأسبوع و الأسبوع زى اليوم و اليوم زى ساعة و إتلغت تماما كلمة ( لحظة ) ..
أرقد عافية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: ابو جهينة)
|
العزيز جدا جلال، تحية المودة والشوق.. غايتو نحن لينا حزمة ونص كدا.. لسة ما حصلنا "إثنين" حزمة... أنا متفائل جدا يا جلال أن السنة الجاية حتكون مختلفة عما سبقها من السنين.. بالمناسبة سمعت البارحة عن تفجيرات جديدة في الرياض.. يبدو أن السودانيين ستقل حزمهم في السعودية حتى ولو لم يتغير النظام في السودان.. نسأل الله أن يحفظكم.. وسلامي للأسرة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى كل المغتربين بحساب الحزم الضوئية (Re: Yasir Elsharif)
|
عزيزي و صديقي الصدوق ياسر الشريف
تحياتي و كل عام و أنت و الأسرة الكريمة بألف خير
ما يحدث في الرياض بالفعل سيختزل حزم البعض .. و البعض الآخر مقتنع بأن أي حزم قادمة لن تضيف إلى رصيده إلا الخسران لأن الموضوع صار موضوع ( ماهية آخر الشهر موزعة على الأكل و اللبس و العلاج و فواتيلر الهاتف و الجوال و الكهرباء و البنزين و الميكانيكي .. يعني بعد كدة العاوز يبني بيت ( إلا في أحلامو ) .. الشباب العاوزين يتزوجوا ( ماسكاهم الخلعة من الصرف البذخي ) هناك .. ربنا يزيح الغمة من هناك و نرجع في وطن العدالة و المساواة .. أرقد عافية
| |
|
|
|
|
|
|
|