الحلاج بين فنائين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 03:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-20-2004, 03:32 AM

aboalkonfod
<aaboalkonfod
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 534

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحلاج بين فنائين


    الحلاج بين فنائين
    ـــــــــــــــــ
    نهـاد خياطة

    إذا أوغل الصوفي علواً في معارج القدس، ألفى نفسه ملتزماً بشريعة تتناسب مع الدرجة التي بلغها من الارتقاء الروحي. فما هو حَسَن عند عامة الناس ربما لا يتقبَّله الصوفي بقبول حسن، وقد يُعرِض عنه ولا يأخذ به. وهم، على العكس منه، قد يستقبحون في أفعاله أو أقواله ما قد يرونه منافياً للشرع الذي ينظِّم علاقاتهم على الصعيد الذي يقفون عليه. وليس من طبيعة هذا الخلاف أن يصل إلى حلٍّ أو إلى كلمة سواء يجتمع عليها الطرفان ما ظلَّ الناس متفاوتين في المدارك والمواهب، وما ظلُّوا متباينين في العقول والأمزجة. فلا العامة بقادرين على ارتقاء السلِّم، ولا الصوفي بقادر على النزول إليهم – وإن كان بعضهم يرى أن من واجبه أن يفعل ذلك. ومن هنا سوء الفهم المتبادل بين أهل الشريعة وأهل الحقيقة، أو بين فقهاء الظاهر وبين الصوفيَّة. وقد عبَّر الحسين بن منصور الحلاج عن هذه الحقيقة، وهو على خشبة الإعدام، بكلمة بليغة فاقت كل ما قيل على لسان إبطال وقفوا مثل موقفه. وقد جاء فيها:
    ".. وهؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصُّباً لدينك، وتقرباً إليك. فاغفر لهم. فإنك لو كشفتَ لهم ما كشفتَ لي لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترتَ عني ما سترت عنهم لما ابتُليتُ بما ابتُليتُ. فلك الحمد فيما تفعل، ولك الحمد فيما تريد .."
    والحلاج، كغيره من الصوفية المتحقِّقين، اكتشف تجريبياً أن في الإنسان بُعداً مفارقاً، أو – إن شئت – بُعداً ميتافيزيقياً. لكنه لم يشأ كغيره من الصوفية أن يتكتَّم على هذه الحقيقة، فصرَّح بها، فيما أشار إليها غيره إيماءً ورمزاً، أو غلَّفها بعبارات لا يسع "البرَّاني" أن ينفذ إليها أو يحيط بمعناها، صوناً للدرِّ أن تطأه أقدام الخنازير، كما حذَّر من ذلك السيد المسيح.
    لم يكن الحلاج يختلف من غيره من الصوفية من حيث تقيُّده بالشريعة: فقد التزم بها كما التزموا، ولم يَحدْ عنها قيد شعرة، كما لم يحيدوا. وكان يُكثر من أداء النوافل إلى جانب ما فرضه الكتاب والسنة من عبادات وطاعات، كما كانوا يكثِرون؛ ولعله في هذه الناحية لم يكن يقِّصر عنهم، بل ربما زاد عليهم. لكنه يختلف عنهم من حيث اقتصارُهم على تفسير تجربتهم من خلال فهم مُعمَّق للنصوص المقدسة. وهم، بهذا، إنما يضعون تجربتهم في منظور الشريعة، ويُدرْجونها في إطارها. قد يختلفون عن العامة في استشفاف المعاني العميقة والرموز الدقيقة، لكنهم لا يكسرون الأطُر ولا يخترقون الحواجز. أي أنهم كانوا يعمدون إلى قياس التجربة بمقياس الشريعة، لا العكس. وعند هذه النقطة بالذات كان اختلاف الحلاج عن صوفية عصره: لم يكتفِ الحلاج، كما فعل غيره من الصوفية، بالذهاب عمقاً، بل رام الامتداد اتساعاً؛ لقد ضاق ذرعاً بالشريعة بما هي "حدود"، فيما كانت تجربته تتنامى وتتعاظم، وبالعبادات بما هي من "السوى". لقد أراد "تطويراً" في الشريعة بمقدار ما تسمح له تجربته الميتافيزيقية بالتطوير. وهذا ما أدى به إلى الاصطدام بالصوفية الذين نبذوه وتبرَّؤوا منه، حتى لقد قال له الجنيد: "أحدثت في الإسلام ثغرة لا يسدها إلا رأسك".
    ثم إن الحلاج لم يقف عند حدود اختلافه مع الصوفية، بل تعدْاه إلى الاصطدام بالبيروقراطية العباسية في دعوته إلى تأسيس "دولة الروح" على أنقاض الخلافة؛ فكان له اتصالات بالقرامطة وغيرهم من الأحزاب العلوية أو الهاشمية، يستعين بهم على تحقيق غرضه. فاصطدم بـ"فقهاء السلطان" الذين حكموا بقتله وتحريق جثَّته، ولم يسلم من فتاواهم بكفره وزندقته حتى بعد مماته.
    من يقرأ ديوان الحلاج وأخباره، وما اشتملت عليه من منظوم ومنثور، يرعْهُ مبلغُ ما فيها من تناقض بين أقصى الإيمان وأقصى الكفر: الإيمان الذي تدعو إليه الشريعة، والكفر الذي أدت إليه تجربته. اسمعه يقول: "ليس على وجه الأرض كفر إلا وتحته إيمان، ولا طاعة إلا وتحتها معصية أعظم منها ..."، "ومن فرَّق بين الكفر والإيمان فقد كفَر، ومن لم يفرِّق بين الكافر والمؤمن فقد كَفَر."
    في المطلق، حيث تتألف المتناقضات وتتواحد الأضداد، لا كفر ثمة ولا إيمان، لا خير ولا شر، لا نور ولا ظلام – وبالتالي، لا حلال ولا حرام، ولا جنة ولا نار. اسمعه يستهين بالجنة والنار:
    "... وأنا، بما وجدتُ من روائح نسيم حبك وعواطر قربك، استحقر الراسيات، واستخفُّ الأرضين والسموات. وبحقِّك، لو بعت مني الجنة بلمحة من وقتي، أو بطرفة من أحرِّ أنفاسي لما اشتريتها. ولو عرضتَ عليَّ النارَ بما فيها من ألوان عذابك لاستهونتها في مقابلة ما أنا فيه من حال استتارك مني ..."
    أما في النسبي، حيث الحجابُ مُسْدل على الحقيقة، أو إن شئت قلتَ، على القلوب والبصائر، وحيث المتناقضات على احتدامها والمتباينات على تفرُّدها، فلا سبيل إلا الشريعة يعمل الإنسان على هديٍ منها، ولا طريق إلا العبادات يتطَّهر بها من أوضار الحياة اليومية، ومن متطلِّبات الغرائز. كيف يعمل بالشريعة من هو في المطلق، والشريعة لم تُشرَّع إلا لمن هو لاصق بعالم الزمان والمكان؟! ولذلك نجده يعبِّر عن هذه الحال الفذة بهذين البيتين اللذين أردناهما أن يكونا محور البحث في هذا المقال:
    إذا بلغ الحبُ الكمالَ من الفتى وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
    يشاهد حقاً حين يُشْهِدُه الهوى بأنَّ صلاة العارفين من الكفر
    ابن تيميَّة، في محاولته تفسير هذين البيتين، يميّز بين ثلاثة أنواع من الفناء:
    - أولها الفناء الشرعي؛ وهو أن يفنى الصوفي بعبادة الله – تعالى – عن عبادة ما سواه وبحبّه عن حب ما سواه. ويقول: "إن هذا تحقيق التوحيد والإيمان.
    - وثانيها، أن يغيب أو يفنى بالمذكور عن الذكر، وبالمعروف عن المعرفة، وبالمعبود عن العبادة، حتى يفنى من لم يكن ويبقى ما لم يزل. ويصف شيخ الإسلام هذا النوع من الفناء بـ"مقام الفناء الذي يَعْرِض لكثير من السالكين لعجزهم عن كمال الشهود المطابق للحقيقة."
    - وأما النوع الثالث من الفناء، وهو "الفناء عن وجود السوى، بحيث يرى أن وجود الخالق هو وجود المخلوق، فهذا هو قول الملاحدة أهل الوحدة {يريد: وحدة الوجود}."
    يعقِّب ابن تيميَّة على قول الحلاج "وغاب عن المذكور" بالقول إنه "كلام جاهل، ولا يُحمَد أصلاً، بل المحمود أن يغيب المذكور عن الذكر، لا أن يغيب عن "المذكور" في سطوات الذكر – اللهم إلا أن يريد أنه غاب عن المذكور فشهد المخلوق، وشهد أنه الخالق، ولم يشهد الوجود إلا واحداً، ونحو ذلك من المشاهدات الفاسدة. فهذا شهود أهل الإلحاد، لا شهود الموحِّدين." ويختم ابن تيميَّة شرحه بقوله: "ولعمري أن من شَهِدَ هذا الشهود الإلحادي فإنه يرى صلاة العارفين من الكفر."
    يؤيد ما ذهب به ابن تيميَّة تلميذه ابن قيِّم الجوزية في شرحه على "منازل السائرين" لأبي اسماعيل الهروي بالقول: إن شهود العبودية أكمل وأتمُّ من الغيبة عنها بشهود المعبود. فشهود العبودية والمعبود درجة الكُمَّل. والغيبة بأحدهما عن الآخر للناقصين. فكما أن الغيبة بالعبادة عن المعبود نقص، فكذلك الغيبة بالمعبود عن عبادته نقص."، ثم يقول: "حتى إن من العارفين من لا يعتدُّ بهذه العبادة، ويرى وجودها عدماً، ويقول: هي بمنزلة عبودية النائم وزائل العقل، لا يُعتدُّ بها." ومقتضى ذلك أن يشهد الذاكر الذكر والمذكور كليهما، لا أن يغيب عن ذكره بمذكور، أو عن مذكوره بذكره. ولعل وراء هذا الموقف الذي اتخذه ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم والسلفية عموماً اعتبارهم أن الأصل هو عالم التكليف، عالم الزمان والمكان، أو عالم نسبي، لأن ما يهمُّ الناس من هذا الإنسان أو ذاك ليس تحقُّقه بالتجربة الميتافيزيقية، بما هي شأن يخصُّه وحده، بل ما ينعكس عليهم من فائدة أو مصلحة تؤدي إلى الحفاظ على نظام الأشياء بما هي عليه، دون أن يعكِّر عليهم صفوهم نزوة ثائر، أو صيحة خارجي – خصوصاً إذا كانوا غير قادرين، بحكم طبعهم أو تكوينهم، على تلبية النداء أو التجاوب مع الصيحة!
                  

11-20-2004, 10:10 PM

aboalkonfod
<aaboalkonfod
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 534

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحلاج بين فنائين (Re: aboalkonfod)

    ....
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de